تربية النفس والسير في طريق التكامل والرقيّ
لتربية النفس الإنسانية وتحفيزها نحو الرقي والكمال والسير الصالح بالصورةالمنهجية العملية الصحيحة تحتاج أولاً وبصورة رئيسية إلى الإيمان بالله تعالى والاعتقادبالمعاد والآخرة ، وبعد أن يتحقق هذا الإيمان تكون النفس مستعدة للتربية والرقي وحينئذتحتاج إلى الأسباب والمحفزات للسير في طريق التكامل والرقي ، وفي هذا المقام نذكر بإيجازبعض المحفزات :
المحفّز الأول: الهدف الأسمى
ينبغي على الإنسان المسلم اختيار الهدف المهم والأوسعوالأسمى ، لأنه كلما كان الهدف ضيقاً وخفيفاً كان أقرب إلى التلاشي في ذهن صاحبه ،مما يؤدي إلى فتح باب واسع للتكالب والتزاحم للأمور التافهة وبالتالي الدخول في المحرماتالأخلاقية الشرعية0
وكلما كان الهدف أهم وأسمى ، قلّت فيه الأخطاء والقبائحبسبب ما يحصل في ذهنه من المقارنة بين هدفه المهم المنشود وبين الشهوات التافهة الرديئة، فيلتفت إلى تفاهتها بالقياس إلى ذلك الهدف مما يؤدي إلى نظافة وسعة روحية الإنسان، فكيف إذا كان هدفه رضا الله سبحانه وتعالى الذي لا تتناهى عظمته ولا تنقطع قدرتهولا تنتهي نعمه ، وكلما اقترب الإنسان من هذا الهدف اشتدت رغبته إليه وأحسّ بعمق أغوارهوبُعد منتهاه ، وكان ذلك منعشاً لآماله ومؤثراً في اقتراب الإنسان نحو الصلاح والتكامل، ويكـــــــــون مثـــــله الأشــــــخاص الــــــذيــن قـــــــــــال فيـــــــهم
أمير المؤمنين(u) في وصف المتقين: { كبر الخالق في أنفسهم , فصغر ما دونه في أعينهم }0
ورد عن الإمام علي (u) :{ كان لي فيما مضى أخ في الله ، وكان يعظمه في عيني صغر الدنيا في عينه، وكان خارجاً من سلطان بطنه فلا يشتهي ما لا يجد ولا يكثر إذا وجد}0
المحفز الثاني: الهم الكبير
لتربية النفس يحتاج الإنسان المسلم أن يحمل هماً كبيراً متمثلاً في أمورالمسلمين جميعاً ، ومن الواضح إن حمل مثل هذا الهم ينمّي من أخلاقيات الإنسان ويوسعمن الآفاق التي يحلق فيها الإنسان ويؤثر في تنمية الروح ، وبخلاف ذلك أي فيما إذا صغرتالأمور التي ينشغل بها فان مثل هذا يؤدي إلى ضيق أفق الإنسان ووقوعه في التناقضات والنزاعاتالتافهة وبالتالي الوقوع في المحرمات الشرعية والأخلاقية0
وقد أشار أهل البيت (عليهم السلام) إلى ذلك في مواردعديدة نذكر منها:
1- ما ورد عن أمير لمؤمنين (u) :{ من كرمت عليه نفسه هانت عليه شهواته }0
2- ورد عنه (u) : {رأيك لا يتسع لكل شيء ففزعه للمهم من أمورك } 0
3- ما ورد عن الإمام الصادق (u) : { باشر كبار أمورك وكل ما شق منها إلى غيرك } .
4- ما ورد عن الإمام الصادق (u) : { لا تكو نن دواراً في الأسواق ولا تلي دقائق الأشياء بنفسك فإنه لا ينبغيللمرء المسلم ذي الحسب والجود أن يلي شراء دقائق الأشياء بنفسه…} .
المحفز الثالث: الإيثار والتضحية
من الواضح أن الإنسان الذي يعمل في سبيل الله تعالىويؤثر ويضحي بمصالحه الشخصية فـي سبيل راحـة الآخرين والمصالح الاجتماعية ، فبقدر ذلكتنمو روحه وتتسع آفاقه حتى يصل إلــــــى التكامل الأخلاقي ، وذلك لأنه من الأسبابالرئيسة في المشاكل الأخلاقية هو التضارب والتزاحم الموجود بين المصالح الشخصية والمصالحالاجتماعية ، وإن حب الذات هو الذي يدفع الإنسان إلى أن يقدم مصالحه الشخصية على المصالحالأخرى حتى لو كان ذلك ظلماً وعدواناً على الآخرين .
وللحصول على السعادتين الدنيوية والأخروية يجب على الإنسان أن يجعل إيثارهوتضحيته للناس والمجتمع في سبيل الله تعالى أي عليه أن يقدم المصالح الإلهية على المصالحالدنيوية الزائلة. وأذكــر بــعــض إرشـادات أهــل الـبـيـت (عليهم السلام) فـي الإيـثـاروالتضحية :
1- قوله تعالى : { ويؤثرون على أنفسهم ولوكان بهم خصاصة } الحشر/آية 9.
2- قوله تعالى : { ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا(*) إنمانطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءا ولا شكورا } الإنسان/ آية 8-9 .
3- قوله تعالى : { إن الله اشترى من المؤمنينأنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة } سورة التوبة / آية 111.
4- ما وردعن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآلهسلم) : { طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعود لم يره } .
5- ما ورد عن الصادق الأمين (صلى الله عليهوآله وسلم) : { من عرض له دنيا وآخرة ، فاختار الدنيا لقي الله عز وجل يوم القيامةوليست له حسنة يتقي بـــها النار، ومن اختار الآخرة وترك الدنيا رضي الله عنه وغفرله مساوئ عمله } .
6- ما ورد عن الإمام الباقر(u) : { إن لله جنة لا يدخلها إلا ثلاثة : رجل حكمعلى نفسه بالحق ، ورجل زار أخاه المؤمن في الله ، ورجل آثر أخاه المؤمن في الله
received by e mail } .
received by e mail } .
تعليق