أحد أجداد المجسمين يحاول حل إشكال الآية
وقد حاول مقاتل بن سليمان وهو أحد أئمة المجسمين ، أن يتخلص من إشكال الآية بتأويل العموم في ( كل شئ ) وجعله نسبياً ، ولكن ذلك لا ينفع الوهابيين ، ولا يصح على إطلاقه . .
قال المزي في تهذيب الكمال : 28/ 437 : ( وقال مكي بن إبراهيم عن يحيى بن شبل : قال لي عباد بن كثير : ما يمنعك من مقاتل ؟ قال قلت إن أهل بلادنا كرهوه ، قال : فلا تكرهنه فما بقي أحد أعلم بكتاب الله منه !
عن يحيى بن شبل: كنت جالساً عند مقاتل بن سليمان فجاء شاب فسأله : ما تقول في قول الله تعالى كل شئ هالك إلا وجهه ؟ فقال مقاتل : هذا جهمي ، قال : ما أدري ما جهمي ، إن كان عندك علم فيما أقول وإلا فقل لا أدري، فقال : ويحك إن جهماً والله ما حج هذا البيت ولا جالس العلماء ، إنما كان رجلا أعطي لساناً ، وقوله تعالى : كل شئ هالك إلا وجهه ، إنما كل شئ فيه الروح ، كما قال لملكة سبأ : وأوتيت من كل شئ ، لم تؤت إلا ملك بلادها ، وكما قال : وآتيناه من كل شئ سبباً ، لم يؤت إلا ما في يده من الملك ، ولم يدع في القرآن كل شئ وكل شئ إلا سرد علينا ) . انتهى .
ولكن تفسير مقاتل الذي أعجب الراوي لا ينفع الوهابيين لأنه تأويل والتأويل عندهم حرام ، والواجب في مذهبهم حمل ( كل شئ ) على ظاهرها وعمومها لكل الموجودات حتى الله تعالى والعياذ بالله ! ! فإن أخذوا بتفسير مقاتل فقد تنازلوا عن أساس مذهبهم كما فعل جدهم مقاتل عندما أحرجه السائل !
ومن جهة أخرى فإن تفسير مقاتل غير صحيح أيضاً ، لأن كلمة ( كل شئ ) المستعملة في القرآن الكريم في المخلوقات قد تكون للعموم الإستغراقي الكامل وقد تكون للعموم النسبي ، ويعرف ذلك بالقرائن العقلية من مناسبات الحكم والموضوع . . فمثلاً قوله تعالى في سورة الأحقاف آية 24 – 25 :
( بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم ) . تدمر كل شئ بأمر ربها فأصبحوا لايرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين ) . لايمكن تفسيرها بالعموم الإستغراقي لأن هياكل مساكنهم لم تدمرها الريح بنص الآية .
أما قوله تعالى في سورة البقرة الآية 106 : ( ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير ) ونحوه في آيات عديدة أخرى ، فلا يمكن أن نقول فيه بالعموم النسبي ونستثني منه شيئاً لا يعلمه الله تعالى .
لكن في نفس الوقت يمكن القول بالعموم النسبي فيه من جهة أخرى وأن المقصود بكل شئ هنا الشئ القابل لأن يوجد ويقدر عليه . . إلخ .
أما في موضوعنا وهو قوله تعالى في آخر سورة القصص ( كل شئ هالك إلا وجهه ) فلا يصح فيه العموم النسبي الذي أراده مقاتل ، لأن الهلاك في الآية إذا كان خاصاً بذوات الأرواح كما زعم فهو يشمل الله تعالى لأنه ذو روح ، فلماذا استثنت الآية منه وجه الله فقط دون بقية جوارحه المزعومة !
ثم ما دام مقاتل وتلاميذه تأولوا ( كل شئ ) في الآية بالعموم النسبي لذوات الأرواح ، ليحلوا بذلك الإشكال الموجه إليهم ، فلماذا لا يؤولون
(وجهه) في الآية بذاته ويحلون الإشكال من أساسه ؟ فالعموم الحقيقي ظاهر ، والمعنى الحسي بزعمهم ظاهر ! فلماذا صار تأويل أحدهما حلالاً ، والآخر حراماً ؟ !
والإنصاف أن موضوع الآية هو ( هلاك العالم قبل يوم القيامة ) ومناسبة الحكم والموضوع تقضي أولاً بالعموم الحقيقي وعدم صحة استثناء شئ إلا ما استثناه الله تعالى ، وتقضي ثانياً بأن الله تعالى خارج تخصصاً عن موضوع الآية لأن موضوعها هلاك المخلوقات لا الخالق ، وهذا يوجب تفسير وجهه ببعض مخلوقاته ، أو القول بأن المقصود به ذاته تعالى وأن الإستثناء في الآية منقطع .
وهكذا لم يستطع مقاتل وارث تجسيم اليهود ، أن يلائم بجدله بين تجسيمه وبين الآية ، ولم يتوفق في محاولته سلب العموم الإستغراقي عن ( كل شئ ) في القرآن وحصر معناها هنا بذات الأرواح !
تفسير السنة غير المجسمة للآية
لم يفسر علماء السنة ( وجهه ) في الآية بالجارحة كما قال المجسمون ، بل قالوا إن معنى وجهه هنا : ذاته عز وجل ، ووافقهم بعض علماء الشيعة .
قال الشاطبي في الإعتصام :2/303 :
( فهذه الأدلة تدل على أن بعض اللغة يعزب عن علم بعض العرب ، فالواجب السؤال كما سألوا فيكون كما كانوا عليه ، وإلا زل في الشريعة برأيه لا بلسانها .. ولنذكر لذلك ستة أمثلة . . . والرابع : قول من قال . . . وقصد هذا القائل ما يتجه لغة ولا معنى . وأقرب قول لقصد هذا المسكين أن يراد به ذوالوجه كما تقول فعلت هذا لوجه فلان أي لفلان فكان معنى الآية: كل شئ هالك إلا هو . . . ) .
وقال الفخر الرازي في تفسيره مجلد 3 جزء 6 ص 437 :
( إلا وجهه : إلا إياه ، والوجه يعبر به عن الذات ) .
وقال في مجلد 13 جزء 26 ص 22 : ( اختلفوا في قوله : كل شئ هالك ، فمن الناس من فسر الهلاك بالعدم ، والمعنى أن الله تعالى يعدم كل شئ سواه . ومنهم من فسر الهلاك بإخراجه عن كونه منتفعاً به ، إما بالإماتة أو بتفريق الأجزاء وإن كانت أجزاؤه باقية ، فإنه يقال هلك الثوب وهلك المتاع ولا يريد به فناء أجزائه بل خروجه عن كونه منتفعاً به . ومنهم من قال معنى كونه هالكاً كونــــه قابلاً للهلاك في ذاته ، فإن كل ما عداه ممكن الوجود لذاته، وكل ما كان ممكن الوجــــود كان قابلاً للهلاك فأطلق عليـــــه الهلاك نظراً إلى هذا الوجه ) . انتهى . ويبدو أن الرازي يرجح هذا الوجه الأخير .
وقال في نفس الجزء ص 24 : ( استدلت المجسمة بهذه الآية على أن الله تعالى جسم من وجهين : الأول ، قالوا الآية صريحة في إثبات الوجه ، وذلك يقتضي الجسمية . والثاني ، قوله وإليه ترجعون ، وكلمة إلى لانتهاء الغاية ، وذلك لا يعقل إلا في الأجسام .
والجواب : لو صح هذا الكلام يلزم أن يفنى جميع أعضائه وأن لا يبقى منه إلا الوجه ! وقد التزم ذلك بعض المشبهة من الرافضة وهو بيان بن سمعان . وذلك لا يقول به عاقل ! ) . انتهى .
والظاهر أن الرازي اقتصر على نسبة هذه المقالة الشائنة إلى ابن سمعان وأتباعه ، وتحاشى نسبتها إلى مجسمة الحنابلة والأشعرية ، مع أن ذلك مذكور عنهم في المصادر! وقد رأيت أن هذا هو التفسير الذي يقول به مجسمة عصرنا مثل الألباني وابن باز وأتباعهم ! !
أما بيان بن سمعان الذي نسبه الرازي إلى الشيعة الرافضة فهو حلولي كافر ملعون في مصادر الشيعة ، وقد ادعى له الألوهية أبوه سمعان وقبلها هو !
قال في طرائف المقال :2/231 : ( قال بيان بن سمعان التميمي النهدي : الله على صورة إنسان ، ويهلك كله إلا وجهه ، وروح الله حلت في علي عليه السلام ثم في ابنه محمد بن الحنفية ثم في ابنه أبي هاشم ، ثم في بيان ابنه ، لعنه الله ) . انتهى .
وذكر نحوه النوبختي في الفرق بين الفرق فقال في ص 216 : ( في ذكر البيانية من الغلاة : وهم الذين زعموا أن الإمامة صارت من محمد بن الحنفية إلى ابنه أبي هاشم عبد الله بن محمد ، ثم صارت من أبي هاشم إلى بيان بن سمعان بوصيته إليه، واختلف هؤلاء في بيان زعيمهم ، فمنهم من زعم أنه كان نبياً ، وأنه نسخ بعض شريعة محمد ( ص ) ومنهم من زعم كان إلهاً . . ثم إنه زعم أن الإله رجل من نور وأنه يضئ كله غير وجهه . . وهذه الفرقة خارجة عن جميع فرق الإسلام لدعواها إلهية زعيمها بيان ) . انتهى .
ولا نلوم الرازي على جعله ( بيان بن سمعان ) من الشيعة ، فقد فرض علينا إخواننا السنة في مصادرهم عشرات الملحدين والملاعين وباعوهم لنا جبراً وحاسبونا على مقولاتهم وما زالوا ، مع أن مصادرنا تنادي بالبراءة منهم ولعنهم ! !
وهناك تفسير آخر لعلماء السنة للآية حيث فسروا ( وجهه ) فيها بالأعمال التي يراد بها وجه الله تعالى ، وقد وافقهم بعض علماء الشيعة أيضاًَ .
قال الراغب في المفردات ص 513 :
( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكــــــرام ، قيل ذاته ، وقيل أراد بالوجه ها هنـــــا التوجه إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة . وقال : فأينما تولوا فثم وجه الله ، كل شئ هالك إلا وجهه ، يريدون وجه الله ، إنما نطعمكم لوجـــــه الله . قيل إن الوجه في كل هــــذا ذاته ويعني بذلك كل شئ هالك إلا هو ، وكذا في أخواته .
وروي أنه قيل ذلك لأبي عبد الله بن الرضا ، فقال : سبحان الله لقد قالوا قولاً عظيماً ، إنما عنى الوجه الذي يؤتى منه ، ومعناه كل شئ من أعمال العباد هالك وباطل إلا ما أريد به الله ، وعلى هذا الآيات الأخر ، وعلى هذا قوله : يريدون وجهه ، يريدون وجه الله ) . انتهى .
والصحيح : أبو عبد الله جعفر بن محمد أي الإمام جعفر الصادق عليه السلام ، وليس أبا عبد الله بن الرضا . والظاهر أن الراغب أخذه حديث الكافي المتقدم ، وأن الذي دفع هذا اللغوي إلى ترجيح هذا الوجه أن الله تعالى خارج تخصصاً عن موضوع الآية ، وأن الإستثناء فيها متصل كما أشرنا .
loooooooooooooooooooooooooooool
:p :p :p :p :p :p :p
وقد حاول مقاتل بن سليمان وهو أحد أئمة المجسمين ، أن يتخلص من إشكال الآية بتأويل العموم في ( كل شئ ) وجعله نسبياً ، ولكن ذلك لا ينفع الوهابيين ، ولا يصح على إطلاقه . .
قال المزي في تهذيب الكمال : 28/ 437 : ( وقال مكي بن إبراهيم عن يحيى بن شبل : قال لي عباد بن كثير : ما يمنعك من مقاتل ؟ قال قلت إن أهل بلادنا كرهوه ، قال : فلا تكرهنه فما بقي أحد أعلم بكتاب الله منه !
عن يحيى بن شبل: كنت جالساً عند مقاتل بن سليمان فجاء شاب فسأله : ما تقول في قول الله تعالى كل شئ هالك إلا وجهه ؟ فقال مقاتل : هذا جهمي ، قال : ما أدري ما جهمي ، إن كان عندك علم فيما أقول وإلا فقل لا أدري، فقال : ويحك إن جهماً والله ما حج هذا البيت ولا جالس العلماء ، إنما كان رجلا أعطي لساناً ، وقوله تعالى : كل شئ هالك إلا وجهه ، إنما كل شئ فيه الروح ، كما قال لملكة سبأ : وأوتيت من كل شئ ، لم تؤت إلا ملك بلادها ، وكما قال : وآتيناه من كل شئ سبباً ، لم يؤت إلا ما في يده من الملك ، ولم يدع في القرآن كل شئ وكل شئ إلا سرد علينا ) . انتهى .
ولكن تفسير مقاتل الذي أعجب الراوي لا ينفع الوهابيين لأنه تأويل والتأويل عندهم حرام ، والواجب في مذهبهم حمل ( كل شئ ) على ظاهرها وعمومها لكل الموجودات حتى الله تعالى والعياذ بالله ! ! فإن أخذوا بتفسير مقاتل فقد تنازلوا عن أساس مذهبهم كما فعل جدهم مقاتل عندما أحرجه السائل !
ومن جهة أخرى فإن تفسير مقاتل غير صحيح أيضاً ، لأن كلمة ( كل شئ ) المستعملة في القرآن الكريم في المخلوقات قد تكون للعموم الإستغراقي الكامل وقد تكون للعموم النسبي ، ويعرف ذلك بالقرائن العقلية من مناسبات الحكم والموضوع . . فمثلاً قوله تعالى في سورة الأحقاف آية 24 – 25 :
( بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم ) . تدمر كل شئ بأمر ربها فأصبحوا لايرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين ) . لايمكن تفسيرها بالعموم الإستغراقي لأن هياكل مساكنهم لم تدمرها الريح بنص الآية .
أما قوله تعالى في سورة البقرة الآية 106 : ( ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير ) ونحوه في آيات عديدة أخرى ، فلا يمكن أن نقول فيه بالعموم النسبي ونستثني منه شيئاً لا يعلمه الله تعالى .
لكن في نفس الوقت يمكن القول بالعموم النسبي فيه من جهة أخرى وأن المقصود بكل شئ هنا الشئ القابل لأن يوجد ويقدر عليه . . إلخ .
أما في موضوعنا وهو قوله تعالى في آخر سورة القصص ( كل شئ هالك إلا وجهه ) فلا يصح فيه العموم النسبي الذي أراده مقاتل ، لأن الهلاك في الآية إذا كان خاصاً بذوات الأرواح كما زعم فهو يشمل الله تعالى لأنه ذو روح ، فلماذا استثنت الآية منه وجه الله فقط دون بقية جوارحه المزعومة !
ثم ما دام مقاتل وتلاميذه تأولوا ( كل شئ ) في الآية بالعموم النسبي لذوات الأرواح ، ليحلوا بذلك الإشكال الموجه إليهم ، فلماذا لا يؤولون
(وجهه) في الآية بذاته ويحلون الإشكال من أساسه ؟ فالعموم الحقيقي ظاهر ، والمعنى الحسي بزعمهم ظاهر ! فلماذا صار تأويل أحدهما حلالاً ، والآخر حراماً ؟ !
والإنصاف أن موضوع الآية هو ( هلاك العالم قبل يوم القيامة ) ومناسبة الحكم والموضوع تقضي أولاً بالعموم الحقيقي وعدم صحة استثناء شئ إلا ما استثناه الله تعالى ، وتقضي ثانياً بأن الله تعالى خارج تخصصاً عن موضوع الآية لأن موضوعها هلاك المخلوقات لا الخالق ، وهذا يوجب تفسير وجهه ببعض مخلوقاته ، أو القول بأن المقصود به ذاته تعالى وأن الإستثناء في الآية منقطع .
وهكذا لم يستطع مقاتل وارث تجسيم اليهود ، أن يلائم بجدله بين تجسيمه وبين الآية ، ولم يتوفق في محاولته سلب العموم الإستغراقي عن ( كل شئ ) في القرآن وحصر معناها هنا بذات الأرواح !
تفسير السنة غير المجسمة للآية
لم يفسر علماء السنة ( وجهه ) في الآية بالجارحة كما قال المجسمون ، بل قالوا إن معنى وجهه هنا : ذاته عز وجل ، ووافقهم بعض علماء الشيعة .
قال الشاطبي في الإعتصام :2/303 :
( فهذه الأدلة تدل على أن بعض اللغة يعزب عن علم بعض العرب ، فالواجب السؤال كما سألوا فيكون كما كانوا عليه ، وإلا زل في الشريعة برأيه لا بلسانها .. ولنذكر لذلك ستة أمثلة . . . والرابع : قول من قال . . . وقصد هذا القائل ما يتجه لغة ولا معنى . وأقرب قول لقصد هذا المسكين أن يراد به ذوالوجه كما تقول فعلت هذا لوجه فلان أي لفلان فكان معنى الآية: كل شئ هالك إلا هو . . . ) .
وقال الفخر الرازي في تفسيره مجلد 3 جزء 6 ص 437 :
( إلا وجهه : إلا إياه ، والوجه يعبر به عن الذات ) .
وقال في مجلد 13 جزء 26 ص 22 : ( اختلفوا في قوله : كل شئ هالك ، فمن الناس من فسر الهلاك بالعدم ، والمعنى أن الله تعالى يعدم كل شئ سواه . ومنهم من فسر الهلاك بإخراجه عن كونه منتفعاً به ، إما بالإماتة أو بتفريق الأجزاء وإن كانت أجزاؤه باقية ، فإنه يقال هلك الثوب وهلك المتاع ولا يريد به فناء أجزائه بل خروجه عن كونه منتفعاً به . ومنهم من قال معنى كونه هالكاً كونــــه قابلاً للهلاك في ذاته ، فإن كل ما عداه ممكن الوجود لذاته، وكل ما كان ممكن الوجــــود كان قابلاً للهلاك فأطلق عليـــــه الهلاك نظراً إلى هذا الوجه ) . انتهى . ويبدو أن الرازي يرجح هذا الوجه الأخير .
وقال في نفس الجزء ص 24 : ( استدلت المجسمة بهذه الآية على أن الله تعالى جسم من وجهين : الأول ، قالوا الآية صريحة في إثبات الوجه ، وذلك يقتضي الجسمية . والثاني ، قوله وإليه ترجعون ، وكلمة إلى لانتهاء الغاية ، وذلك لا يعقل إلا في الأجسام .
والجواب : لو صح هذا الكلام يلزم أن يفنى جميع أعضائه وأن لا يبقى منه إلا الوجه ! وقد التزم ذلك بعض المشبهة من الرافضة وهو بيان بن سمعان . وذلك لا يقول به عاقل ! ) . انتهى .
والظاهر أن الرازي اقتصر على نسبة هذه المقالة الشائنة إلى ابن سمعان وأتباعه ، وتحاشى نسبتها إلى مجسمة الحنابلة والأشعرية ، مع أن ذلك مذكور عنهم في المصادر! وقد رأيت أن هذا هو التفسير الذي يقول به مجسمة عصرنا مثل الألباني وابن باز وأتباعهم ! !
أما بيان بن سمعان الذي نسبه الرازي إلى الشيعة الرافضة فهو حلولي كافر ملعون في مصادر الشيعة ، وقد ادعى له الألوهية أبوه سمعان وقبلها هو !
قال في طرائف المقال :2/231 : ( قال بيان بن سمعان التميمي النهدي : الله على صورة إنسان ، ويهلك كله إلا وجهه ، وروح الله حلت في علي عليه السلام ثم في ابنه محمد بن الحنفية ثم في ابنه أبي هاشم ، ثم في بيان ابنه ، لعنه الله ) . انتهى .
وذكر نحوه النوبختي في الفرق بين الفرق فقال في ص 216 : ( في ذكر البيانية من الغلاة : وهم الذين زعموا أن الإمامة صارت من محمد بن الحنفية إلى ابنه أبي هاشم عبد الله بن محمد ، ثم صارت من أبي هاشم إلى بيان بن سمعان بوصيته إليه، واختلف هؤلاء في بيان زعيمهم ، فمنهم من زعم أنه كان نبياً ، وأنه نسخ بعض شريعة محمد ( ص ) ومنهم من زعم كان إلهاً . . ثم إنه زعم أن الإله رجل من نور وأنه يضئ كله غير وجهه . . وهذه الفرقة خارجة عن جميع فرق الإسلام لدعواها إلهية زعيمها بيان ) . انتهى .
ولا نلوم الرازي على جعله ( بيان بن سمعان ) من الشيعة ، فقد فرض علينا إخواننا السنة في مصادرهم عشرات الملحدين والملاعين وباعوهم لنا جبراً وحاسبونا على مقولاتهم وما زالوا ، مع أن مصادرنا تنادي بالبراءة منهم ولعنهم ! !
وهناك تفسير آخر لعلماء السنة للآية حيث فسروا ( وجهه ) فيها بالأعمال التي يراد بها وجه الله تعالى ، وقد وافقهم بعض علماء الشيعة أيضاًَ .
قال الراغب في المفردات ص 513 :
( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكــــــرام ، قيل ذاته ، وقيل أراد بالوجه ها هنـــــا التوجه إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة . وقال : فأينما تولوا فثم وجه الله ، كل شئ هالك إلا وجهه ، يريدون وجه الله ، إنما نطعمكم لوجـــــه الله . قيل إن الوجه في كل هــــذا ذاته ويعني بذلك كل شئ هالك إلا هو ، وكذا في أخواته .
وروي أنه قيل ذلك لأبي عبد الله بن الرضا ، فقال : سبحان الله لقد قالوا قولاً عظيماً ، إنما عنى الوجه الذي يؤتى منه ، ومعناه كل شئ من أعمال العباد هالك وباطل إلا ما أريد به الله ، وعلى هذا الآيات الأخر ، وعلى هذا قوله : يريدون وجهه ، يريدون وجه الله ) . انتهى .
والصحيح : أبو عبد الله جعفر بن محمد أي الإمام جعفر الصادق عليه السلام ، وليس أبا عبد الله بن الرضا . والظاهر أن الراغب أخذه حديث الكافي المتقدم ، وأن الذي دفع هذا اللغوي إلى ترجيح هذا الوجه أن الله تعالى خارج تخصصاً عن موضوع الآية ، وأن الإستثناء فيها متصل كما أشرنا .
loooooooooooooooooooooooooooool
:p :p :p :p :p :p :p