الرجل الذي لم يرتدي زيا أجنبيا قط حتى وفاته!

إنّه: السيّد شهاب الدين بن السيّد شمس الدين المرعشي النجفي، وينتهي نسبه إلى الحسين الأصغر بن الإمام زين العابدين عليهم السلام. فقيه جعفري، وعلاّمة في الأنساب. واليوم نستذكر ذكرى وفاته رحمه الله.
وقد كان يؤكد على إرتداء الزي المحلي ولم يرتدي الزي الأجنبي. تعالو لنتعرف على أهم المعالم في حياته.
وُلد الفقيه المرجع، السيد شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي: في النجف الأشرف صبيحة العشرين من صفر عام ١٣١٥هـ الموافق لـ ٢١ / ٦ / ١٨٩٧م. وهو ينتسب إلى الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي (عليهم سلام الله).
درس السيد شهاب الدين جملة من العلوم الإسلامية والطبيعية والرياضيات والأنساب على أكابر العلماء حتى نال استحقاق الاجتهاد في عمر مبكر.
وبعد مدّة ليست بالطويلة أصبح من مراجع التقليد العظام، وكان له ملايين المقلدين من الشيعة في إيران ومختلف البلدان الإسلامية.
درّس السيد المرعشي في الحوزة العلمية بقم ٦٧ عاماً متوالية، وكانت مجالسه اليومية تقارب العشرة، وأمّ الصّلاة في حرم السيدة المعصومة ما يزيد على نصف قرن بلا انقطاع.
كان المرعشي مجازاً برواية الأحاديث بأكثر من 450 إجازة، وكانت له علاقات علمية مع العديد من الشخصيات العربية والعالمية.
وكان من المراجع الكبار الثلاثة الذين التقاهم الامام الخميني رحمه الله بعد عودته مباشرة من فرنسا..
لبى الإمام المرعشي نداء ربه إثر سكتة قلبية ألمّت به يوم الأربعاء السابع من صفر عام ١٤١١هـ الموافق لـ ٢٩ آب/ أغسطس ١٩٩٠م عن عمر ناهز ٩٦ عاماً.
وقبل وفاته بأعوام خصصت له بقعة في الروضة المعصومية بقم، لكنه أوصى بأن يدفن إلى جوار الكتب، وكتب في وصيته: «ادفنوني عند مدخل المكتبة كي تطأني أقدام باحثي العلوم الإسلامية ومحققيها» .
وللتعرف على أهم ارث تركه رحمه الله تعالى وهو مكتبته العامة في قم، نقرأ:
تعتبر مكتبة السيد المرعشي النجفي رحمه الله ثالث مكتبة خطية في العالم الاسلامي.. جمعها بعد ان كان يجاهد نفسه بالجوع والكدح في معامل طحن الحنطة في النجف الاشرف ..
اليكم بعض طرقه لشراء الكتب والمخطوطات النفيـسة حينما كان العراق تحت الاحتلال البريطاني وكانوا مخصصين بعض العملاء لشرائها باغلى ثمن.
قصة بائعة البيض
يقول السيد المرعشي:
{في احد الايام وجدت امرأة تفترش الطريق لتبيع البيض وبجانبها مخطوط قيم وفريد تريد ان تلف باوراقه البيض المباع !! فقلت لها بكم تبيعين المخطوط؟ قالت هو اوراق الف بها البيض وليس للبيع فلا قيمه له ياسيد.. واخبرتني ان كل عشرة بيضات بليرة واحدة.. فقلت لها انا لا املك شيئا من المال الان ولكن اقل ماتستحقه هذه المخطوطة هي مئة ليرة! وسوف اسددها لكي فيما بعد.. فعرضت عليّ ان اخذها مجانا والحّت لكني لم اقبل..
في هذه الاثناء مرّ احد عملاء الانكليز وتسائل ماذا يحدث؟ فاخبرته انها تريد ان تهبني هذا المخطوط ولكني ارفض الا بثمن مقداره 100 ليرة ! فقال لها العميل انا ادفع لكي الان 200 ليرة وفورا !! فقالت المرأة : كنت اعاني من مجنون واحد.. والان صاروا اثنين!!!
لكنها اصرت على ان الكتاب لي وبالمجان لكني رفضت ان اغبنها حقها ووعدتها ان اسدد لها فيما بعد.. وذهب العميل للحاكم البريطاني الذي زار اكبر مراجع الشيعة انذاك وطلب منه ان يتعهد برد المخطوط لهم.. فطلب منه شهرا.. وتوفى الحاكم قبل الموعد وبقي المخطوط لي } .
- تجد مكتوب بخط يده على بعض مخطوطات المكتبه {اشتريت هذا المخطوط بثلاث سنوات قضاء صلاة عن والد صاحب المخطوط} . {اشتريت هذا المخطوط بقضاء اربعة اشهر صوم نيابة عن والد صاحب المخطوط} . {اشتريت هذا المخطوط بزيارة اميرالمؤمنين علي لمدة سنة كاملة نيابة عن صاحبه} .
فتصور كم عانى من اجل الحفاظ على تراثنا الاسلامي؟ انه جهاد فريد حقا.
المكتبه الان تضم 31 الف مخطوط.. من اقدمها نسخة بالخط الكوفي للقران الكريم سنة 1001م ونسخة لنهج البلاغه سنة 1076 م .. ومخطوطات من القرن العاشر الهجري كثيرة وحتى مجلات عربية صدرت قبل مئة عام واكثر.
صدر لسماحة السيد رحمه الله عشرات الكتب الدينية، ولمكتبته الان علاقة مع 400 مركز عالمي مختص بالمخطوطات.
من الامور التي يعتز بها السيد ويعتبرها من اسباب نيله التوفيق الالهي هي شدة احترامه لوالديه، فقد كان مثلا لا يجرء ان يوقظ والده للصلاة، من خلال مناداتهم! بل يقوم بوضع خده على باطن قدم ابيه ويتحسس باطن القدم بخده فيستيقظ والده .. ولما يعرف الوالد ان ابنه مستيقظ قبله لصلاة الصبح كان يفرح ويرفع يديه بالدعاء لولده.
اوصى ان يُدفن في مدخل مكتبته التي جمعها من عرق جبينه، لكي تطأه اقدام طلبة العلم.
لكن واحتراما لمقامه الشريف تم بناء شباك المنيوم على قبره.
كتب في وصيته انه لطالما تمنى ان يكون لديه مالا كي يؤدي فريضة الحج لكنه لم يتمكن ماديا، فأوصى ابنه اذا تيسرت الامور ان يحج نيابة عنه.
نبذة عن مكتبته:
يُعدّ الكتاب الحجر الأساس في الثقافة والحضارة الإسلامية، ويحظى بالأهمية والقيمة الكبيرة في الدين الإسلامي، إذ أنه معجزة رسولنا الأكرم (ص) من بين كل الأنبياء والرسل، وقد كان نداء الوحي الأول لنبينا(ص) : إقرأ.
وانسجاماً مع هذا التراث، التفت آية الله العظمى المرعشي النجفي (قدس سره الشريف) منذ ريعان شبابه، إلى أهمية المبادرة إلى جمع ما أمكنه من تراث المسلمين والعالم، فانصبت جهوده على إنقاذ تراث المسلمين من أيدي الأجانب الذين سعوا لحرمان أبناء الأمة الإسلامية من تراثهم الكبير، فتصدى لهؤلاء وحيداً، ونجح في منع سرقة الكثير من المخطوطات الإسلامية النفيسة، على رغم تواضع إمكانياته المادية. واشتهر وهو في ريعان شبابه وإبان دراساته الدينية العليا بالاهتمام بجمع التراث، والإعراض عن الدنيا حتى عن حاجاته الضرورية في المأكل والملبس. ومن أجل تخطّي العقبة الأولى كان السيد المرعشي يصلّي ويصوم عن الأموات نيابة ليوظف ما يناله من ذويهم في جمع التراث. وكان يستغني عن وجبة طعام كلّ يوم، ويقوم بالعمل ليلاً في أنبار الرز في النجف الأشرف ليرفع رصيده المالي، حتى حصل في نهاية المطاف على مجموعة نفيسة من المخطوطات والكتب المطبوعة النادرة. وأسس المكتبة التي ذاع صيتها في الآفاق وهي اليوم واحدة من أكبر المكتبات في العالم الإسلامي.
وقد أورث السيد المرعشي نجله، حجة الإسلام والمسلمين الدكتور محمود المرعشي، حبه للكتب، حيث كان له دور كبير في جمع ذخائر هذه المكتبة ومصادرها من إيران والعالم.
* مراحل تأسيس المكتبة:
وُضعت اللبنات الأولى للمكتبة عندما كان المؤسس في النجف الأشرف، يقوم أولاً بإعداد فهرست للكتب القيّمة والمخطوطات النادرة في جميع المكتبات في النجف الأشرف في خطوة منه لاقتنائها بصورة تدريجية.
وبعد عودة السيد المرعشي إلى إيران تبرّع بجلّ ما لديه من مخطوطات للجامعة الإيرانية ولبعض المراكز العلمية في إيران.
بعد أن أنشأ الإمام المرعشي عام ١٣٨٥هـ أولى المدارس الأربع التي أسسها في مدينة قم، وهي المدرسة المرعشية، خصص حجرتين منها للمكتبة. وحين امتلأت الحجرتان نقل جزءاً من الكتب المطبوعة والمخطوطات إلى الطابق الثالث من المدرسة في السنة نفسها، وافتُتحت المكتبة في مراسم حضرها جمع من العلماء ومدرسي الحوزة العلمية.
ثم تمّ شراء قطعة من الأرض قبالة المدرسة المرعشية (جزء من المبنى القديم)، ووُضع حجر الأساس بيد الإمام المرعشي عام ١٩٧٠م. وبعد أربعة أعوام افتتح المبنى الذي حمل اسم "مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي العامة"، في الثالث من أيلول/ سبتمبر 1974. وضمّت المكتبة حينها أكثر من ستة عشر ألف كتاب مطبوع ومخطوط.
ونتيجة التطورات الكبيرة التي شهدتها المكتبة المرعشية، وتعاظم الحاجة إلى موجوداتها، أصدر الإمام الخميني(ره) مرسوماً في ١٤ / ٣ / ١٩٨٩ بتوسيعها.
ضرب الإمام المرعشي المعول الأول إيذاناً بالشروع في البناء في ٢٠ ذي الحجة ١٤١٠هـ / ١٣ حزيران ١٩٩٠م إلا أنه لبّى نداء الرب بعد ٤٧ يوماً من الشروع بالبناء، ولم ير افتتاح المكتبة الجديدة الحُلم الذي طالما راوده. وقد تولت مؤسسة الصناعات الدفاعية إنشاءها نظراً لأهمية الموقع، وتابع الأمين العام هذا العمل بجد ومثابرة لا يوصفان.
* أقسام المكتبة:
في المكتبة المرعشية أقسام عديدة منها ما هو إداري، ومنها ما هو فنّي.
وللاستفادة من خدمات المكتبة ومصادرها ضمّت المكتبة عدداً من القاعات ومعرضاً للبيع تعرض فيه منشورات المكتبة وسائر الإصدارات في إيران إضافة إلى قسم المصادر والخدمات الخاصة (مركز الأبحاث) ويتألف من الأقسام الرئيسة التالية:
* خزانة المخطوطات:
يبلغ عدد المخطوطات في الوقت الحاضر أكثر من ٣١ ألف مجلد في أكثر من ٦٠ ألف عنوان، وهو عدد يزداد بما بين ٧٥٠ وألف مخطوطة في العام الواحد.
وبين هذه الذخائر مخطوطات فريدة للغاية بخط مؤلفيها المشهورين أو مزيّنة باجازاتهم.
وهناك الكثير من المخطوطات النادرة في الخزانة يعود تأريخ نسخها إلى القرن السادس الهجري، والكثير منها هو النسخ الأصلية بخط مؤلفيها، ولم تنشر حتى الآن.
وتعد الخزانة أهمّ وأكبر الأقسام في المكتبة. وقد ميّز الكم الهائل من المخطوطات هذه المكتبة عن نظيراتها من المكتبات، وذاع صيتها في العالم، وصدر حتى الآن ثلاثون مجلداً من فهارسها الخطيّة أي لـ ١٢٢٠٠ مخطوطة.
يضاف إلى ذلك عدد من الخزائن والأقسام من أبرزها:
* خزانة المصوّرات:
وتحتوي على أكثر من أربعة آلاف مجلد من مصورات المخطوطات النادرة الموجودة في مكتبات العالم، والقليل من المكتبات الإيرانية.
* خزانة المايكروفيلم والمايكروفيش.
* خزانة الوثائق:
في هذه الخزانة أكثر من مئة ألف وثيقة خطية يعود أقدمها إلى خمسة قرون خلت، وتشتمل على قرارات وأحكام السلاطين والأمراء والحكام، وإجازات الحديث، ورسائل بخطوط كبار العلماء والمراجع، والوثائق وأسناد الملكية، والعشرات من رسائل الإمام الخميني (قده)، وباقي الزعماء والعلماء المسلمين، وكذا رسائل ومكاتبات العلماء للإمام المرعشي منذ عام 1338هـ إلى آخر أيام حياته الشريفة.
* المعرض الدائم:
وتعرض فيه نماذج من المخطوطات النادرة في المكتبة والمخطوطات ذات الطابع الثقافي والعلمي وخطوط النُساخ والخطاطين، والمخطوطات الأصلية بخط مصنفيها منذ ألف عام حتى يومنا هذا.
* خزانة آثار المؤسس:
وتضم آثار الإمام المرعشي.
* خزانة المطبوعات القديمة:
وفيها نماذج من المطبوعات النادرة والقديمة للغاية المطبوعة في القرن العاشر الهجري فصاعداً.
* خزانة المطبوعات الحجرية والفريدة:
في هذه الخزانة المطبوعات الحجرية النادرة باللغات الفارسية والعربية والتركية والآردية والأوزبكية والتترية المطبوعة في إيران وعدد آخر من البلدان أوائل القرن الثالث عشر الهجري فما بعد ويتجاوز عددها ثلاثين ألف مجلد.
* الخزانة المركزية للمطبوعات:
نظراً للكم الهائل من هذه الكتب تم وضعها في الخزانة المركزية التي تقع في ثلاثة أدوار من المبنى الجديد، وهو مؤهل لاستيعاب عدد يتجاوز الخمسة ملايين.
* خزانة الصحف والدوريات.
* خزانة المصادر والمخازن المفتوحة:
وهي مخصصة لمراجعة واستفادة الباحثين.
* فهارس المخطوطات الإسلامية:
تضم فهارس المخطوطات الإسلامية الموجودة في أكثر من ٦٠ مكتبة في العالم، وهي باللغة العربية والفارسية والانجليزية وتعد واحدة من الخزانات التخصصية في المكتبة.
* خزانة المطبوعات والدوريات اللاتينية:
تحتوي على عشرات الآلاف من الكتب المطبوعة في أكثر من أربعين لغة والصحف والمجلات الأجنبية الآخذة في الازدياد وكتب نادرة يعود تاريخ طباعتها إلى أكثر من ١٥٠ عاماً خلت.
* أرشيف الكتب الممنوعة (الضلال) :
وفيه تحفظ كتب الضلال المسموح بتداولها للباحثين والمحققين الذين يعكفون على نقدها وردّها.
* خزانة الأطاليس والخرائط.
* خزانة المطبوعات المكررة.
* قاعة الشيخ الطوسي الكبرى:
تبلغ مساحتها ٢٢٠٠ متر مربع، وهي مخصصة لاستفادة الباحثين.
* قسم الباحثين في المخطوطات والوثائق.
* قسم أبحاث مدينة قم.
* قسم الأنساب:
ويتم فيه تجميع كافة المصادر الخاصة بعلم الأنساب باللغات المختلفة.
* قسم فهرسة المخطوطات.
* قسم تحقيق وتنظيم ونشر آثار المؤسس.
* قسم تصحيح المخطوطات الإسلامية ودراستها.
وإلى ما تقدم تحتوي المكتبة المرعشية على خزانة خاصة بحفظ المسكوكات وبعض المقتنيات العلمية التقنية من العصور الإسلامية الماضية، وكذلك تحتوي على أرشيف الأشرطة والأفلام والصور.
الجوار
تعليق