نقلا عن شبكة التنوير 14
www.tanweer14.com
مقدمة كتاب رؤى معاصرة في جمل معركة عائشة
كانت الظروف السياسية الممهدة لوصول عثمان بن عفان إلى عرش "الخلافة" مثيرة جدا حتى جعلت من عثمان قطبا أدار عليه حلفاؤه وأعداؤه والمتربصون بعرش "الخلافة" على حد سواء رحى نفاقهم أو غضبهم أو أنانيتهم
.
فما بعد عثمان إن استقر على عرشه ويل الأمويين وثأرهم وقيصر مستبد يرث آخر، "ولا خبر جاء ولا وحي نزل". فثارت الثورة، وتعطف الثائرون الغاضبون على عثمان فقتلوه، ورفع آخرون من حلفائه قميصه، وطاف طلاب الثأر به كلٌ بحسب أهوائه السياسية بين الولايات الإسلامية. فنشبت حرب الجمل بقيادة عائشة ثم أتبعت بحرب صفين بقيادة معاوية، وكانت الضحية خمس سنوات من عمر إمامة علي عليه السلام التي لم تعرف الإستقرار على سنة رسول الله صلى الله عليه وآله، وألوف من المسلمين قضوا في ساحة حرب او غيلة
.
كيف آلت الأمور إلى هذه الحال؟
كانت البداية حين استبعد أبو بكر أن يتخذ أمرا من نفسه على عجل بعزل عُمر عن وعود قطعها على نفسه قضت بتنصيب عُمر على عرش "الخلافة" من بعده ، فتأخر كثيرا في حسم الأمر لحاجة في نفسه قضاها ، وكاد عُمر أن يفقد صبره، وشكا هذا الأمر إلى بعض مقربيه في يأس وحسرة
!
عُمر – بحسب طبائع سياسة أبي بكر – كان المغدور الأول المفترض في أولى أيام "خلافة" أبي بكر وبعد اغتيال رسول الله صلى عليه وآله بالسم.. وأبو عبيدة بن الجراح بحسب سير الأمور من بعد فلتة أبي بكر لابد وأن يتقمص دور ولاية العهد والوزير الاول لأبي بكر. فأبو عبيدة حفار القبور على عهد جاهليته كان ثقة أبي بكر كان أسلم على يديه ، فبعث إليه مرة وقال: هلُمَّ حتى أستخلفك؛ فإني سمعت رسول الله يقول: "إن لكل أمة أمينًا، وأنت أمين هذه الأمة"!
.
دوافع الفتنة النائمة بين أبي بكر وعُمر ناشئة من أحكام الشك والريبة الغالبة بأمرها على ذهني الشخصيتين الرئيسيتين بعد تنفيذهما لأول بند من بنود عقد "الصحيفة الملعونة" التي أبرمت بينهما وثلاثة آخرين في جوف الكعبة بناء على تقاليد وعادات عربية جاهلية. وقد ذكرها الإمام علي عليه السلام حين اقتيد مخفورا الى أبي بكر لأخذ البيعة منه بحد السيف، فقال علي عليه السلام لحاضري مجلس عرش "الخلافة": لقد وفيتم بصحيفتكم الملعونة التي تعاقدتم عليها في الكعبة : " إن قتل الله محمدا أو مات لتزون هذا الأمر عنا أهل البيت ".فقال أبو بكر: فما علمك بذلك؟ ما أطلعناك عليها . فقال عليه السلام: أنت يا زبير وأنت يا سلمان وأنت يا أبا ذر وأنت يا مقداد، أسألكم بالله وبالإسلام، أما سمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ذلك وأنتم تسمعون: (إن فلانا وفلانا - حتى عد هؤلاء الخمسة - قد كتبوا بينهم كتابا وتعاهدوا فيه وتعاقدوا أيمانا على ما صنعوا إن قتلت أو مت)؟ . فقالوا: اللهم نعم، قد سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ذلك لك: (إنهم قد تعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا، وكتبوا بينهم كتابا إن قتلت أو مت أن يتظاهروا عليك وأن يزووا عنك هذا يا علي).
تقمص أبو بكر "الخلافة" وجلس على عرشها وأصبح صاحب السلطة العليا مدعوما بقوى متعاقدي الصحيفة الملعونة الخمسة وفيهم عُمر ، في أجواء مشحونة بالعداء وطلب الثأر الجاهلي والضغائن بين كبار رجال القبائل والعشائر ، والأمويون من جهتهم في شغل عن عرش "الخلافة" وكل همهم الرئيس منصب على عملية نقل قواهم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة وتنظيمها بقيادة أبي سفيان بعد انكسار شوكتهم في فتح مكة المكرمة ، وبنو هاشم مفجوعين بمؤامرة إغتيال النبي صلى الله عليهم وآله في بيته وإقصاء دِينه الذي ارتضاه الله سبحانه وتعالى لهم
.
شكل عُمر على عهد أبي بكر من نفسه سلطة تنفيذية خاصة بعهد الصحيفة الملعونة، فضيق الحياة على أهل البيت عليهم السلام وفرض عليهم بيعة أبي بكر بحد السيف حتى انتهى الى أمير المؤمنين علي عليه السلام الذي اعتزل الناس ليجمع القرآن الكريم. وبأمر مباشر من أبي بكر إستهدف عمر دار الزهراء عليها السلام وحاصرها بـ300 مقاتل ثم اقتحمها وعصر الزهراء عليها بين الباب والجدار فأسقط جنينها وكسر أضلاعها ثم ألقى القبض على علي عليه السلام
.
عُمر الفظ الغليظ لم يكن متنفذا عنيفا من أجل دعم استقرار عرش "خلافة" أبي بكر بقدر ما كان يهدف إلى التخلص مما بقي من عناصر قوة في المجتمع المديني وبين الهاشميين والأمويين على وجه أخص، ثم لإثبات ولائه المطلق لأبي بكر قبل أن يستقر رأي أبي بكر على ولاية العهد التي نافسه فيها أبي عبيدة بن الجراح
.
انشغل الهاشميون بإمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بعد رفضه بيعة أبي بكر واغتموا بمقتل فاطمة الزهراء عليها السلام وبما نالهم من اضطهاد اجتماعي وعزلة عن إدارة شؤون المدينة وتصريف أمور بقية بلاد المسلمين، بينما اقترب الأمويون إلى عمر بن الخطاب شيئا فشيئا بواسطة عثمان بن عفان يشاطرونه همّ مستقبل عرش "الخلافة" التي يُخشى أنْ تؤول الى أبي عبيدة بن الجرح ولا ينال عمر منها نصيبا ، فاستوسق الأمر بين عُمر وعثمان واستعانا على همّهما لحسم الموقف من ولاية عهد أبي بكر.
كل معطيات بيت أبي بكر أشارت الى عزم مؤكد منه على تنصيب أبي عبيدة "خليفة" من بعده، ولم يكن أبو بكر يرتضيها لعُمر من نفسه مطلقا ولوجود اعتراض مديني ومكي ورفض واسع شديد أيضا بين كبار قوم المسلمين على استخلافه. فهذا طلحة بن عبيد الله أنذر أبي بكر قائلا: 'ما أنت قائل لربك إذا سألك عن إستخلافك عُمر علينا وقد ترى غلظته". والقول ما قال طلحة، فهو ابن عم عائشة المعشوق الذي ارتضته خليفة من بعد والدها إن لم يكن لأخيها من نصيب
.
الأمويون الذين أتمّوا للتو بناء وجودهم الاجتماعي القبلي وتنظيمه في المدينة بقيادة أبي سفيان أدركوا طبيعة الفتنة النائمة بين زعيمي الصحيفة الملعونة أبي بكر وعُمر وما يجري بين بيتهما من مناوشات، فاتخذ أبو سفيان قرارا بتعزيز العلاقة الأموية معهما على هون ثم دخل في عهد مع عُمر بواسطة عثمان لمبايعته خليفة قبل وفاة أبي بكر ومنع أبي بكر من استخلاف أبي عبيدة بن الجراح.
تقول عائشة التي كانت تمرض والدها أبي بكر في مرض موته: "كان عثمان ألزمهم له في مرضه" فكان عثمان يختلي بأبي بكر كثيرا حتى لحظة وفاته ولم يبلغ من العمر إلا 63 سنة قضى منها سنتين وثلاثة شهور على عرش "الخلافة" قبل أن يغتسل في ليلة باردة ليصبح محموما لخمسة عشر ليلة .. وبين ساعة مغرب وعشاء خرج عثمان من خلوته مع أبي بكر في غياب من عائشة ليعلن للناس عن وفاة أبي بكر وعن وصيته في استخلاف عُمر بلا شهود على طبيعة الوفاة ووصية كتبها عثمان بخط يده، ما يؤكد على أن أبي بكر اغتيل بيد عثمان في مخطط أموي أجرى الأمور إلى غير مجراها فكان عرش "الخلافة" من نصيب عُمر بلا منازع على أن يردها الى الأمويين في عثمان من بعده كجزاء أوفى لعاقبة ما صنع
!
لم تسجل المصادر التاريخية ردود فعل لأبي عبيدة بن الجراح بعد خسارته للخلافة من بعد أبي بكر، غير أنه أصبح مقربا من عُمر على سيرة أبي بكر معه من قبل . كما لم ترد غير بعض قرائن تشير إلى أن عائشة كانت على وفاق تام مع عثمان في أحوال عيادته لوالدها في بيته ، ومن غير المستبعد أنها فطنت إلى المؤامرة المشتركة بين الأمويين وعُمر لاغتيال والدها ، فنصبت العداء المغلظ لعثمان وامتدت في علاقة حميمة خاصة مع عُمر
.
وصل عُمر الى عرش "الخلافة" وفي عنقه عهد قطعه للأمويين على أن يستخلف عثمان من ورائه ويحتمي بقواهم أمام جهات أخرى تطلبه الثأر لسوء صنع ارتكبه على عهد سلفه أبي بكر ومن قبل ذلك. فهو أحد أقطاب الصحيفة الملعونة ،وقاتل الزهراء عليها السلام، ومشارك في غصب الخلافة وخلعها على أبي بكر، وحارق بيت فاطمة عليها السلام .كل ذلك وغيره كان محل غضب الهاشميين وفيهم أمير المؤمنين عليه السلام . وأما الأنصار فشكلوا قوة لا يستهان بها في مناهضة عُمر ولم ينسوا ماجريات السقيفة وخديعة عُمر وأبي بكر وأبو عبيدة بن الجراح في عزلهم واستبعادهم عن "إمارة" أرادوا اقتسامها مع المهاجرين
.
استجمع عُمر كل ما أمكنه من حلفاء لحفظ التوازن بين القوى المتناقضة والمتربصة به الدوائر ، فقرّب عائشة وأخرجها من بيتها وجندها لأداء دور "شرعي" معنوي ضروري جدا أمام بني هاشم وأمير المؤمنين علي عليه السلام الذي مازال فيهم رافضا للبيعة، فضلا عن مشاركتها في تقوية جانب عُمر أمام حزب الأمويين الذي لن يكتفي منه بولاية العهد في عثمان وزعامة بعض الولايات العظمى كالشام جزاء لما أسدى من خدمة لعُمر حتى يتقمص عرش "الخلافة" قبل أن يسرع إليها أبو عبيدة بن الجراح فيقتنصها.. فخصص عُمر لعائشة من بيت المال ما يعينها على أداء هذا الدور الخطير ، فنصبت بدورها العداء للأمويين وعلى رأسهم عثمان ، وواصلت حربها على أمير المؤمنين عليهم السلام وبني هاشم حتى مقتل عُمر على يدي أبي لؤلؤة رضوان الله تعالى عليه، وساءها أن ترى عثمان "خليفة" ثالثا فوصفته بـ"نعثل كافر" وحرضت عليه حتى قتل ، ثم حانت ساعة "معركة الجمل" في إمامة علي بن ابي طالب عليه السلام إذ التقت مصالح عائشة مع حزب الامويين بزعامة معاوية فكانت وطلحة والزبير رأس حربته في البصرة
.
كريم المحروس
30/8/2012
www.tanweer14.com
مقدمة كتاب رؤى معاصرة في جمل معركة عائشة
كانت الظروف السياسية الممهدة لوصول عثمان بن عفان إلى عرش "الخلافة" مثيرة جدا حتى جعلت من عثمان قطبا أدار عليه حلفاؤه وأعداؤه والمتربصون بعرش "الخلافة" على حد سواء رحى نفاقهم أو غضبهم أو أنانيتهم
.
فما بعد عثمان إن استقر على عرشه ويل الأمويين وثأرهم وقيصر مستبد يرث آخر، "ولا خبر جاء ولا وحي نزل". فثارت الثورة، وتعطف الثائرون الغاضبون على عثمان فقتلوه، ورفع آخرون من حلفائه قميصه، وطاف طلاب الثأر به كلٌ بحسب أهوائه السياسية بين الولايات الإسلامية. فنشبت حرب الجمل بقيادة عائشة ثم أتبعت بحرب صفين بقيادة معاوية، وكانت الضحية خمس سنوات من عمر إمامة علي عليه السلام التي لم تعرف الإستقرار على سنة رسول الله صلى الله عليه وآله، وألوف من المسلمين قضوا في ساحة حرب او غيلة
.
كيف آلت الأمور إلى هذه الحال؟
كانت البداية حين استبعد أبو بكر أن يتخذ أمرا من نفسه على عجل بعزل عُمر عن وعود قطعها على نفسه قضت بتنصيب عُمر على عرش "الخلافة" من بعده ، فتأخر كثيرا في حسم الأمر لحاجة في نفسه قضاها ، وكاد عُمر أن يفقد صبره، وشكا هذا الأمر إلى بعض مقربيه في يأس وحسرة
!
عُمر – بحسب طبائع سياسة أبي بكر – كان المغدور الأول المفترض في أولى أيام "خلافة" أبي بكر وبعد اغتيال رسول الله صلى عليه وآله بالسم.. وأبو عبيدة بن الجراح بحسب سير الأمور من بعد فلتة أبي بكر لابد وأن يتقمص دور ولاية العهد والوزير الاول لأبي بكر. فأبو عبيدة حفار القبور على عهد جاهليته كان ثقة أبي بكر كان أسلم على يديه ، فبعث إليه مرة وقال: هلُمَّ حتى أستخلفك؛ فإني سمعت رسول الله يقول: "إن لكل أمة أمينًا، وأنت أمين هذه الأمة"!
.
دوافع الفتنة النائمة بين أبي بكر وعُمر ناشئة من أحكام الشك والريبة الغالبة بأمرها على ذهني الشخصيتين الرئيسيتين بعد تنفيذهما لأول بند من بنود عقد "الصحيفة الملعونة" التي أبرمت بينهما وثلاثة آخرين في جوف الكعبة بناء على تقاليد وعادات عربية جاهلية. وقد ذكرها الإمام علي عليه السلام حين اقتيد مخفورا الى أبي بكر لأخذ البيعة منه بحد السيف، فقال علي عليه السلام لحاضري مجلس عرش "الخلافة": لقد وفيتم بصحيفتكم الملعونة التي تعاقدتم عليها في الكعبة : " إن قتل الله محمدا أو مات لتزون هذا الأمر عنا أهل البيت ".فقال أبو بكر: فما علمك بذلك؟ ما أطلعناك عليها . فقال عليه السلام: أنت يا زبير وأنت يا سلمان وأنت يا أبا ذر وأنت يا مقداد، أسألكم بالله وبالإسلام، أما سمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ذلك وأنتم تسمعون: (إن فلانا وفلانا - حتى عد هؤلاء الخمسة - قد كتبوا بينهم كتابا وتعاهدوا فيه وتعاقدوا أيمانا على ما صنعوا إن قتلت أو مت)؟ . فقالوا: اللهم نعم، قد سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ذلك لك: (إنهم قد تعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا، وكتبوا بينهم كتابا إن قتلت أو مت أن يتظاهروا عليك وأن يزووا عنك هذا يا علي).
تقمص أبو بكر "الخلافة" وجلس على عرشها وأصبح صاحب السلطة العليا مدعوما بقوى متعاقدي الصحيفة الملعونة الخمسة وفيهم عُمر ، في أجواء مشحونة بالعداء وطلب الثأر الجاهلي والضغائن بين كبار رجال القبائل والعشائر ، والأمويون من جهتهم في شغل عن عرش "الخلافة" وكل همهم الرئيس منصب على عملية نقل قواهم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة وتنظيمها بقيادة أبي سفيان بعد انكسار شوكتهم في فتح مكة المكرمة ، وبنو هاشم مفجوعين بمؤامرة إغتيال النبي صلى الله عليهم وآله في بيته وإقصاء دِينه الذي ارتضاه الله سبحانه وتعالى لهم
.
شكل عُمر على عهد أبي بكر من نفسه سلطة تنفيذية خاصة بعهد الصحيفة الملعونة، فضيق الحياة على أهل البيت عليهم السلام وفرض عليهم بيعة أبي بكر بحد السيف حتى انتهى الى أمير المؤمنين علي عليه السلام الذي اعتزل الناس ليجمع القرآن الكريم. وبأمر مباشر من أبي بكر إستهدف عمر دار الزهراء عليها السلام وحاصرها بـ300 مقاتل ثم اقتحمها وعصر الزهراء عليها بين الباب والجدار فأسقط جنينها وكسر أضلاعها ثم ألقى القبض على علي عليه السلام
.
عُمر الفظ الغليظ لم يكن متنفذا عنيفا من أجل دعم استقرار عرش "خلافة" أبي بكر بقدر ما كان يهدف إلى التخلص مما بقي من عناصر قوة في المجتمع المديني وبين الهاشميين والأمويين على وجه أخص، ثم لإثبات ولائه المطلق لأبي بكر قبل أن يستقر رأي أبي بكر على ولاية العهد التي نافسه فيها أبي عبيدة بن الجراح
.
انشغل الهاشميون بإمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بعد رفضه بيعة أبي بكر واغتموا بمقتل فاطمة الزهراء عليها السلام وبما نالهم من اضطهاد اجتماعي وعزلة عن إدارة شؤون المدينة وتصريف أمور بقية بلاد المسلمين، بينما اقترب الأمويون إلى عمر بن الخطاب شيئا فشيئا بواسطة عثمان بن عفان يشاطرونه همّ مستقبل عرش "الخلافة" التي يُخشى أنْ تؤول الى أبي عبيدة بن الجرح ولا ينال عمر منها نصيبا ، فاستوسق الأمر بين عُمر وعثمان واستعانا على همّهما لحسم الموقف من ولاية عهد أبي بكر.
كل معطيات بيت أبي بكر أشارت الى عزم مؤكد منه على تنصيب أبي عبيدة "خليفة" من بعده، ولم يكن أبو بكر يرتضيها لعُمر من نفسه مطلقا ولوجود اعتراض مديني ومكي ورفض واسع شديد أيضا بين كبار قوم المسلمين على استخلافه. فهذا طلحة بن عبيد الله أنذر أبي بكر قائلا: 'ما أنت قائل لربك إذا سألك عن إستخلافك عُمر علينا وقد ترى غلظته". والقول ما قال طلحة، فهو ابن عم عائشة المعشوق الذي ارتضته خليفة من بعد والدها إن لم يكن لأخيها من نصيب
.
الأمويون الذين أتمّوا للتو بناء وجودهم الاجتماعي القبلي وتنظيمه في المدينة بقيادة أبي سفيان أدركوا طبيعة الفتنة النائمة بين زعيمي الصحيفة الملعونة أبي بكر وعُمر وما يجري بين بيتهما من مناوشات، فاتخذ أبو سفيان قرارا بتعزيز العلاقة الأموية معهما على هون ثم دخل في عهد مع عُمر بواسطة عثمان لمبايعته خليفة قبل وفاة أبي بكر ومنع أبي بكر من استخلاف أبي عبيدة بن الجراح.
تقول عائشة التي كانت تمرض والدها أبي بكر في مرض موته: "كان عثمان ألزمهم له في مرضه" فكان عثمان يختلي بأبي بكر كثيرا حتى لحظة وفاته ولم يبلغ من العمر إلا 63 سنة قضى منها سنتين وثلاثة شهور على عرش "الخلافة" قبل أن يغتسل في ليلة باردة ليصبح محموما لخمسة عشر ليلة .. وبين ساعة مغرب وعشاء خرج عثمان من خلوته مع أبي بكر في غياب من عائشة ليعلن للناس عن وفاة أبي بكر وعن وصيته في استخلاف عُمر بلا شهود على طبيعة الوفاة ووصية كتبها عثمان بخط يده، ما يؤكد على أن أبي بكر اغتيل بيد عثمان في مخطط أموي أجرى الأمور إلى غير مجراها فكان عرش "الخلافة" من نصيب عُمر بلا منازع على أن يردها الى الأمويين في عثمان من بعده كجزاء أوفى لعاقبة ما صنع
!
لم تسجل المصادر التاريخية ردود فعل لأبي عبيدة بن الجراح بعد خسارته للخلافة من بعد أبي بكر، غير أنه أصبح مقربا من عُمر على سيرة أبي بكر معه من قبل . كما لم ترد غير بعض قرائن تشير إلى أن عائشة كانت على وفاق تام مع عثمان في أحوال عيادته لوالدها في بيته ، ومن غير المستبعد أنها فطنت إلى المؤامرة المشتركة بين الأمويين وعُمر لاغتيال والدها ، فنصبت العداء المغلظ لعثمان وامتدت في علاقة حميمة خاصة مع عُمر
.
وصل عُمر الى عرش "الخلافة" وفي عنقه عهد قطعه للأمويين على أن يستخلف عثمان من ورائه ويحتمي بقواهم أمام جهات أخرى تطلبه الثأر لسوء صنع ارتكبه على عهد سلفه أبي بكر ومن قبل ذلك. فهو أحد أقطاب الصحيفة الملعونة ،وقاتل الزهراء عليها السلام، ومشارك في غصب الخلافة وخلعها على أبي بكر، وحارق بيت فاطمة عليها السلام .كل ذلك وغيره كان محل غضب الهاشميين وفيهم أمير المؤمنين عليه السلام . وأما الأنصار فشكلوا قوة لا يستهان بها في مناهضة عُمر ولم ينسوا ماجريات السقيفة وخديعة عُمر وأبي بكر وأبو عبيدة بن الجراح في عزلهم واستبعادهم عن "إمارة" أرادوا اقتسامها مع المهاجرين
.
استجمع عُمر كل ما أمكنه من حلفاء لحفظ التوازن بين القوى المتناقضة والمتربصة به الدوائر ، فقرّب عائشة وأخرجها من بيتها وجندها لأداء دور "شرعي" معنوي ضروري جدا أمام بني هاشم وأمير المؤمنين علي عليه السلام الذي مازال فيهم رافضا للبيعة، فضلا عن مشاركتها في تقوية جانب عُمر أمام حزب الأمويين الذي لن يكتفي منه بولاية العهد في عثمان وزعامة بعض الولايات العظمى كالشام جزاء لما أسدى من خدمة لعُمر حتى يتقمص عرش "الخلافة" قبل أن يسرع إليها أبو عبيدة بن الجراح فيقتنصها.. فخصص عُمر لعائشة من بيت المال ما يعينها على أداء هذا الدور الخطير ، فنصبت بدورها العداء للأمويين وعلى رأسهم عثمان ، وواصلت حربها على أمير المؤمنين عليهم السلام وبني هاشم حتى مقتل عُمر على يدي أبي لؤلؤة رضوان الله تعالى عليه، وساءها أن ترى عثمان "خليفة" ثالثا فوصفته بـ"نعثل كافر" وحرضت عليه حتى قتل ، ثم حانت ساعة "معركة الجمل" في إمامة علي بن ابي طالب عليه السلام إذ التقت مصالح عائشة مع حزب الامويين بزعامة معاوية فكانت وطلحة والزبير رأس حربته في البصرة
.
كريم المحروس
30/8/2012