.بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
كانت جماعة الإخوان المسلمين ولا تزال هي أم الحركات الاسلامية التي تدعو لقيام الدولة بتطبيق الشريعة الاسلامية لينصلح حال المجتمع ... ولما كان فكر جماعة الإخوان مستقى من روح الاسلام .. من كتاب الله وسنة النبي
وبطولات أهل البيت والصحابة فقد وجد طريقه لقلوب وعقول الناس فاتبعه المسلمون السنة واستجابوا لدعوة الأستاذ الشهيد حسن البنا قدس الله روحه ونور ضريحه للعودة للشرع الحنيف وتحكيمه في كل مناحي الحياة بل وتأثر به بعض المشايخ الشيعة من إخواننا .... ولما كان لكل نبي عدو من الذين أجرموا كان لكل فكر إصلاحي إسلامي فكر آخر مناهض له فوجدنا ما فعله البعثيون والعفالقة بأهل التوحيد والفضيلة سواء في مصر في فترة الستينات أو في سورياحتى الآن أو في الأردن والمغرب وما فعله مجنون ليبيا معمر القذافي
كان كفاح الاخوان ضد الظلم لاحقاً على جهاد منظم ضد الاحتلال والاستعمار وما كانت مشاركتهم في حرب فلسطين كمتطوعين إلا غيض من فيض ... ولهذا عاقبهم الخونة وسجنوهم بعد عودتهم من فلسطين واغتالوا زعيمهم حسن البنا عقب صلاة العشاء أمام جمعية الشبان المسلمين عام 1949 .... لقد كان جهاد الاخوان ضد الصهاينة أمراً مشرفاً اعترف به حتى ألد خصوم الاخوان اليوم وهو الفريق شفيق الذي كان جزءاً من النظام الفاسد الذي اعتقل 40000 إخواني وحاكمهم عسكرياً وهذه إحدى صور الكفاح التي سطرها شباب الجماعة المنصورة في فلسطين عام 1949 :
معركة كفار ديروم الأولى
عندما دخل الإخوان إلى فلسطين بقيادة الشيخ محمد فرغلي في مارس 1948 كان هذا أول تواجد للإخوان كجماعة في القتال، وكان تواجد الإخوان في قطاع غزة دفعة قوية للفلسطينيين في غزة، فعقب قرار التقسيم لم يكن يوجد في غزة إلا اليسير من السلاح، وقد قام زعماء غزة بتأليف لجنة لإدارة النضال وسموها "اللجنة القومية" مؤلفة من 55 رجلا من المدينة، وألفت فرقة سميت "فرقة الجهاد المقدس" يبلغ عددها 185 مسلحا منهم 9 مصريين، ثم انضم إليهم بعد ذلك عدد من المتطوعين جاءوا من مصر منهم عدد من الإخوان، ثم جاءت بعد ذلك قوات الإخوان بقيادة الشيخ محمد فرغلي، وقد بلغ عدد المتطوعين في غزة من مختلف البلدان قبل انسحاب القوات البريطانية 471 متطوعاً
كانت أول معركة للإخوان مع القوات الصهيونية هي معركة كفار ديروم 10/ 4/ 1948 وتقع مستعمرة كفار ديروم على الطريق الرئيسي بين رفح وغزة، وتبعد عن هذا الطريق حوالي 500 ياردة، وقد أعطى هذا الموقع لهذه المستعمرة أهمية كبيرة، وذلك نظرا لتحكمها في هذا الطريق وقدرتها على تعطيل المرور عليه في أي وقت، وقد اهتمت القيادة الصهيونية بهذه المستعمرة وبالغت في تحصينها وإقامة الأبراج الشاهقة حولها وأحاطتها بحقول كثيرة من الألغام والموانع السلكية الشائكة، وزودتها بعدد كبير من نخبة الهاجاناة الفرقة البالماخ (الصاعقة).
ونظرا لهذا الموقع الخطير الذي تحتله هذه المستعمرة عمل الإخوان على تطهيره واحتلاله، وقد بدأت المعركة الساعة الثانية من يوم 10 أبريل 1948، حيث نجح الإخوان في المرور من حقول الألغام عبر ممرات حددوها طوال الأسبوع الذي سبق المعركة، واجتازوا عوائق الأسلاك الشائكة بسرعة ودقة دون أن ينتبه حراس المستعمرة لما يجري حولهم، ولم يفق حراس المستعمرة إلا على صوت انفجار هائل أطاح بأحد مراكز الحراسة، حيث بدأت المعركة داخل الخنادق وعلى أبواب الأبراج والدشم، وأبدى الإخوان الكثير من ضروب البطولة والفداء، ولكن اليهود استطاعوا أن يسدوا الثغرات التي أحدثها الإخوان، وحاصروا الإخوان الذين نجحوا في التسلل إلى أوكارهم ومضوا يحصدونهم ببنادقهم ورشاشاتهم.
ويروي مراسل أخبار اليوم في غزة المزيد من التفاصيل حول هذه المعركة فيذكر أن الإخوان المهاجمين للمستعمرة أصروا على أن يستحموا قبل المعركة استعداد للموت، وأنهم صلوا على أنفسهم صلاة الجنازة، وتلوا جميعا آيات من كتاب الله قبل أن يتوجهوا إلى مواقعهم، ويذكر أن اليهود ظنوا في أول الأمر أن المعركة سهلة ولكنهم بعد ساعتين تنبهوا إلى خطورة الهجوم فاستغاثوا بالجيش البريطاني فحضرت الدبابات، وقام الإنجليز برفع الألغام التي زرعها الإخوان، ووقفت الدبابات البريطانية التي كانت ترفع الأعلام البيضاء بين المصريين واليهود وصدرت الأوامر بعدم إطلاق النار.
وقد أبدى القائد البريطاني دهشته من هذه المعركة ومن بطولات الإخوان بعد أن اطلع على تفاصيل المعركة وذهب إلى حيث يرقد الشهداء وحنى رأسه قائلا "إنني في دهشة كيف استطعتم أن تفعلوا كل هذا........ لقد كنت في فرقة الكوماندوز البريطانية ولم أشهد جرأة كالتي رأيتها الآن........ولو كان معي ثلاثة آلاف من هؤلاء لفتحت بهم فلسطين"، وقد تقدم القائد البريطاني إلى الجرحى المصريين وقبل كل واحدٍ منهم في جبينه، وقال "من أي بلد هؤلاء الأبطال؟ فقالوا من مصر".
وقد أبرزت الصحف أخبار هذه الموقعة التي كانت أول مواجهة بين القوات المصرية ممثلة في الإخوان، والقوات الصهيونية، كما تحدثت عن بطولات الإخوان وأبرزت بعض قصص الفداء والتضحية لشهداء هذه المعركة التي استشهد فيها 12 من الإخوان، بالإضافة إلى خمسة جرحى، وتحدثت روز اليوسف عن الـ 23 شابا الذين هاجموا المستعمرة الصهيونية انتقاما لمذبحة دير ياسين، وأنهم قسموا أنفسهم إلى فريقين: الفريق الأول: يتولى الحراسة ويتكون من 11 مجاهدا، والفريق الثاني: ويتكون من 12 مجاهدا، وقد وقع الخلاف بينهم، فكل واحد منهم يريد المشاركة في عمليات النسف ويرغب في الاستشهاد، وحسما لهذا الخلاف اتفقوا على أساس المناطق فاختير لعملية النسف 3 من مديرية الشرقية، و3 من المنوفية، و 3 من الدقهلية، و2 من القاهرة، و1 من الإسكندرية، وقد استشهدوا جميعا فلم ينج منهم واحد.
وقد استعرضت الصحف بعض أسماء هؤلاء الشهداء، وما أبدوه من شجاعة وتضحية وصدق في اللقاء، ومن هؤلاء: عمر عبد الرؤوف الذي حاول جده أن يحول بينه وبين التطوع بحرمانه من الميراث فلم يعبأ بذلك، كما رفض الإغراء بمنحه 30 فدانا، وتوجه إلى فلسطين ليستشهد ويقوم جده بالتبرع بكل نصيب الشهيد في الميراث للهيئة العربية.
ومن الشهداء محمد عبد الخالق الذي تطوع في كتيبة القراء التي رأسها الشيخ عبد الخالق يوسف والتي تتألف كلها من عائلة عبد لخالق يوسف وكلهم من حفظة القرآن، ولذلك سميت "كتيبة القراء"، ]وقد أرسل الشيخ عبد الخالق والد الشهيد إلى أهله برقية جاء فيها "مات محمد في أرض القدس ابعثوا بمن يحل محله"، وفي اليوم التالي سافر ابن أخت الشيخ وابن أخيه ليحل محل الشهيد[، لقد سقط محمد شهيدا بجوار والده فلم يبك عليه بل حمل بندقيته وراح يقتل بها الذين قتلوا ولده، وعندما انتهت المعركة لم ينتظر الحاج عبد الخالق ليشيع جنازة ولده مع المشيعين، بل ذهب مع ابن أخيه الجريح محمد يوسف إلى مستشفى غزة، وعندما قال له بعض إخوانه إننا نعزيك قال "كلا بل هنئوني إنني سأبقى هنا لأنال بعض الشرف الذي ناله ابني".
ومن الشهداء محمد سلطان الذي كان يزحف على بطنه حاملا لغما هائلا لتفجير أحد مراكز الحراسة في المستعمرة، فتنبه إليه الحرس وهو على بعد خطوات من هدفه فيطلقون عليه الرصاص الذي يصيبه في ذراعه، ولكنه يتحامل على نفسه، ويمضي في زحفه برغم الإصابة والرصاص المتناثر حوله، حتى يصل إلى هدفه فيشعل اللغم، ويدمر مركز الحراسة، ويلقى ربه شهيدا.
ومن شهداء المعركة عبد الرحمن عبد الخالق الذي كان يقود إحدى جماعات الاقتحام ويستمر في قتاله الرائع رغم أوامر الانسحاب التي صدرت إليه، فيقول كيف ننسحب وإخواننا في داخل هذه المستعمرة؟! ثم يذكر من معه بقول الله تعالى" (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار) (الأنفال: 15) وظل يقاتل حتى أصابته رصاصة قاتلة في رأسه لينضم إلى قافلة الشهداء.
لقد تلقى شهداء الإخوان الرصاص في صدورهم، ولم يحاول أحد منهم الفرار، وكما ذكر مراسل أخبار اليوم في غزة "إنني أتأمل القتلى واحدا واحدا ليس بينهم واحد مصاباً في ظهره، إن بعضهم أصيب مرة أو مرتين ومع ذلك بقى يحمل بندقيته ويضرب بها".
ويذكر محمود لبيب أن أحد الشباب انتدب لخفارة المعسكر، ولكنه أصر على أن يكون في مقدمة المجاهدين، ولكن القائد يرفض طلبه، ويطلب أن يتقدم من هو أكبر منه سنا، فيبكي الشاب، وعندما يعلم أن الذي حل مكانه قد قتل في بداية المعركة يزداد بكاء وحزنا.
وقد تمكن قائد المنطقة البريطاني من عقد هدنة بين الطرفين، وعقب الهدنة تسلم المجاهدون شهداءهم الأبرار حيث احتفل بتشييع جنازتهم في موكب حاشد من أهل غزة وخان يونس والنصيرات، وقد دفنوا في مقابر خاصة بهم في النصيرات، وتذكر جريدة الدفاع الفلسطينية "وإن مستعمرة ديروم أو دير البلح منذ اللحظة التي سعدت بها أرضها بدماء هؤلاء الشهداء الأطهار قد أصبحت بقعة عربية خالصة لا يحق ليهودي أن يعيش على أرضها بعد اليوم شأنها في ذلك شأن كل شبر في أرض فلسطين المقدسة التي رويت من قبل بدماء الآباء والأجداد من العرب الأمجاد والصحابة والتابعين".
وقد خرجت جريدة الإخوان اليومية وعل صفحتها الأولى صور شهداء المعركة، وقد جللت الصفحة باللون الأخضر، حيث كان حسن البنا يحرص على الحصول من كل عضو بالجماعة يسافر للجهاد في فلسطين على صورة، ونبذة عن تاريخ حياته، تحسبا لمثل هذا اليوم.
وكتب حسن البنا مقالا بعنوان "من وحي الشهداء........وجهاً لوجه" يرثي فيه شهداء الإخوان أكد فيه أنه لابد من امتحان لحقيقة إيمان المؤمنين، وإن دعوى الإيمان وحدها لا تكفي في كثير ولا قليل، حتى يقف وجها لوجه أمام حقائق الإيمان العملية، وأوضح هذه الحقائق ما اتصل بالجهاد والشهادة والموت في سبيل الله "وهؤلاء الشهداء الإثنى عشر، ومن قبلهم الشهيد العزيز السعيد الأخ حسين الحلوس، الذي اختاره الله لجواره في حادث انقلاب سيارة المؤن والمهمات للشهداء بسيناء.......... فقد أوقفونا نحن الإخوان وأوقفوا أسرهم الكريمة وأوقفوا الأمة المصرية كلها..............أمام حقائق الإيمان وجها لوجه "ويعدد حسن البنا حقائق الإيمان، ومن هذه الحقائق أن الموت حق، وأن الأجل محدود، وأن القتال في سبيل الحق فريضة محكمة، وأن من مات في سبيل الله أو قتل مجاهدا فهو شهيد، وأن من يؤمن بهذه الحقائق إيمانا صحيحا، لا شك أن يفرح ويسر، ويسارع ويختار لأحبابه وذويه هذه الموتة السعيدة الكريمة، وفي نهاية المقال يخاطب الإخوان "فيا أيها الإخوان المسلمون، أنتم وأسركم والمتصلون بكم: لقد عاهدتم الله على الإيمان الكامل بكل حقائقه ومقتضايته، ولقد كان، وسجلوا عليكم هتافكم، وعرف الناس عنكم ذلك في كل المدن: "الجهاد سبيلنا.............. والموت في سبيل الله أسمى أمانينا"
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
كانت جماعة الإخوان المسلمين ولا تزال هي أم الحركات الاسلامية التي تدعو لقيام الدولة بتطبيق الشريعة الاسلامية لينصلح حال المجتمع ... ولما كان فكر جماعة الإخوان مستقى من روح الاسلام .. من كتاب الله وسنة النبي

كان كفاح الاخوان ضد الظلم لاحقاً على جهاد منظم ضد الاحتلال والاستعمار وما كانت مشاركتهم في حرب فلسطين كمتطوعين إلا غيض من فيض ... ولهذا عاقبهم الخونة وسجنوهم بعد عودتهم من فلسطين واغتالوا زعيمهم حسن البنا عقب صلاة العشاء أمام جمعية الشبان المسلمين عام 1949 .... لقد كان جهاد الاخوان ضد الصهاينة أمراً مشرفاً اعترف به حتى ألد خصوم الاخوان اليوم وهو الفريق شفيق الذي كان جزءاً من النظام الفاسد الذي اعتقل 40000 إخواني وحاكمهم عسكرياً وهذه إحدى صور الكفاح التي سطرها شباب الجماعة المنصورة في فلسطين عام 1949 :
معركة كفار ديروم الأولى
عندما دخل الإخوان إلى فلسطين بقيادة الشيخ محمد فرغلي في مارس 1948 كان هذا أول تواجد للإخوان كجماعة في القتال، وكان تواجد الإخوان في قطاع غزة دفعة قوية للفلسطينيين في غزة، فعقب قرار التقسيم لم يكن يوجد في غزة إلا اليسير من السلاح، وقد قام زعماء غزة بتأليف لجنة لإدارة النضال وسموها "اللجنة القومية" مؤلفة من 55 رجلا من المدينة، وألفت فرقة سميت "فرقة الجهاد المقدس" يبلغ عددها 185 مسلحا منهم 9 مصريين، ثم انضم إليهم بعد ذلك عدد من المتطوعين جاءوا من مصر منهم عدد من الإخوان، ثم جاءت بعد ذلك قوات الإخوان بقيادة الشيخ محمد فرغلي، وقد بلغ عدد المتطوعين في غزة من مختلف البلدان قبل انسحاب القوات البريطانية 471 متطوعاً
كانت أول معركة للإخوان مع القوات الصهيونية هي معركة كفار ديروم 10/ 4/ 1948 وتقع مستعمرة كفار ديروم على الطريق الرئيسي بين رفح وغزة، وتبعد عن هذا الطريق حوالي 500 ياردة، وقد أعطى هذا الموقع لهذه المستعمرة أهمية كبيرة، وذلك نظرا لتحكمها في هذا الطريق وقدرتها على تعطيل المرور عليه في أي وقت، وقد اهتمت القيادة الصهيونية بهذه المستعمرة وبالغت في تحصينها وإقامة الأبراج الشاهقة حولها وأحاطتها بحقول كثيرة من الألغام والموانع السلكية الشائكة، وزودتها بعدد كبير من نخبة الهاجاناة الفرقة البالماخ (الصاعقة).
ونظرا لهذا الموقع الخطير الذي تحتله هذه المستعمرة عمل الإخوان على تطهيره واحتلاله، وقد بدأت المعركة الساعة الثانية من يوم 10 أبريل 1948، حيث نجح الإخوان في المرور من حقول الألغام عبر ممرات حددوها طوال الأسبوع الذي سبق المعركة، واجتازوا عوائق الأسلاك الشائكة بسرعة ودقة دون أن ينتبه حراس المستعمرة لما يجري حولهم، ولم يفق حراس المستعمرة إلا على صوت انفجار هائل أطاح بأحد مراكز الحراسة، حيث بدأت المعركة داخل الخنادق وعلى أبواب الأبراج والدشم، وأبدى الإخوان الكثير من ضروب البطولة والفداء، ولكن اليهود استطاعوا أن يسدوا الثغرات التي أحدثها الإخوان، وحاصروا الإخوان الذين نجحوا في التسلل إلى أوكارهم ومضوا يحصدونهم ببنادقهم ورشاشاتهم.
ويروي مراسل أخبار اليوم في غزة المزيد من التفاصيل حول هذه المعركة فيذكر أن الإخوان المهاجمين للمستعمرة أصروا على أن يستحموا قبل المعركة استعداد للموت، وأنهم صلوا على أنفسهم صلاة الجنازة، وتلوا جميعا آيات من كتاب الله قبل أن يتوجهوا إلى مواقعهم، ويذكر أن اليهود ظنوا في أول الأمر أن المعركة سهلة ولكنهم بعد ساعتين تنبهوا إلى خطورة الهجوم فاستغاثوا بالجيش البريطاني فحضرت الدبابات، وقام الإنجليز برفع الألغام التي زرعها الإخوان، ووقفت الدبابات البريطانية التي كانت ترفع الأعلام البيضاء بين المصريين واليهود وصدرت الأوامر بعدم إطلاق النار.
وقد أبدى القائد البريطاني دهشته من هذه المعركة ومن بطولات الإخوان بعد أن اطلع على تفاصيل المعركة وذهب إلى حيث يرقد الشهداء وحنى رأسه قائلا "إنني في دهشة كيف استطعتم أن تفعلوا كل هذا........ لقد كنت في فرقة الكوماندوز البريطانية ولم أشهد جرأة كالتي رأيتها الآن........ولو كان معي ثلاثة آلاف من هؤلاء لفتحت بهم فلسطين"، وقد تقدم القائد البريطاني إلى الجرحى المصريين وقبل كل واحدٍ منهم في جبينه، وقال "من أي بلد هؤلاء الأبطال؟ فقالوا من مصر".
وقد أبرزت الصحف أخبار هذه الموقعة التي كانت أول مواجهة بين القوات المصرية ممثلة في الإخوان، والقوات الصهيونية، كما تحدثت عن بطولات الإخوان وأبرزت بعض قصص الفداء والتضحية لشهداء هذه المعركة التي استشهد فيها 12 من الإخوان، بالإضافة إلى خمسة جرحى، وتحدثت روز اليوسف عن الـ 23 شابا الذين هاجموا المستعمرة الصهيونية انتقاما لمذبحة دير ياسين، وأنهم قسموا أنفسهم إلى فريقين: الفريق الأول: يتولى الحراسة ويتكون من 11 مجاهدا، والفريق الثاني: ويتكون من 12 مجاهدا، وقد وقع الخلاف بينهم، فكل واحد منهم يريد المشاركة في عمليات النسف ويرغب في الاستشهاد، وحسما لهذا الخلاف اتفقوا على أساس المناطق فاختير لعملية النسف 3 من مديرية الشرقية، و3 من المنوفية، و 3 من الدقهلية، و2 من القاهرة، و1 من الإسكندرية، وقد استشهدوا جميعا فلم ينج منهم واحد.
وقد استعرضت الصحف بعض أسماء هؤلاء الشهداء، وما أبدوه من شجاعة وتضحية وصدق في اللقاء، ومن هؤلاء: عمر عبد الرؤوف الذي حاول جده أن يحول بينه وبين التطوع بحرمانه من الميراث فلم يعبأ بذلك، كما رفض الإغراء بمنحه 30 فدانا، وتوجه إلى فلسطين ليستشهد ويقوم جده بالتبرع بكل نصيب الشهيد في الميراث للهيئة العربية.
ومن الشهداء محمد عبد الخالق الذي تطوع في كتيبة القراء التي رأسها الشيخ عبد الخالق يوسف والتي تتألف كلها من عائلة عبد لخالق يوسف وكلهم من حفظة القرآن، ولذلك سميت "كتيبة القراء"، ]وقد أرسل الشيخ عبد الخالق والد الشهيد إلى أهله برقية جاء فيها "مات محمد في أرض القدس ابعثوا بمن يحل محله"، وفي اليوم التالي سافر ابن أخت الشيخ وابن أخيه ليحل محل الشهيد[، لقد سقط محمد شهيدا بجوار والده فلم يبك عليه بل حمل بندقيته وراح يقتل بها الذين قتلوا ولده، وعندما انتهت المعركة لم ينتظر الحاج عبد الخالق ليشيع جنازة ولده مع المشيعين، بل ذهب مع ابن أخيه الجريح محمد يوسف إلى مستشفى غزة، وعندما قال له بعض إخوانه إننا نعزيك قال "كلا بل هنئوني إنني سأبقى هنا لأنال بعض الشرف الذي ناله ابني".
ومن الشهداء محمد سلطان الذي كان يزحف على بطنه حاملا لغما هائلا لتفجير أحد مراكز الحراسة في المستعمرة، فتنبه إليه الحرس وهو على بعد خطوات من هدفه فيطلقون عليه الرصاص الذي يصيبه في ذراعه، ولكنه يتحامل على نفسه، ويمضي في زحفه برغم الإصابة والرصاص المتناثر حوله، حتى يصل إلى هدفه فيشعل اللغم، ويدمر مركز الحراسة، ويلقى ربه شهيدا.
ومن شهداء المعركة عبد الرحمن عبد الخالق الذي كان يقود إحدى جماعات الاقتحام ويستمر في قتاله الرائع رغم أوامر الانسحاب التي صدرت إليه، فيقول كيف ننسحب وإخواننا في داخل هذه المستعمرة؟! ثم يذكر من معه بقول الله تعالى" (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار) (الأنفال: 15) وظل يقاتل حتى أصابته رصاصة قاتلة في رأسه لينضم إلى قافلة الشهداء.
لقد تلقى شهداء الإخوان الرصاص في صدورهم، ولم يحاول أحد منهم الفرار، وكما ذكر مراسل أخبار اليوم في غزة "إنني أتأمل القتلى واحدا واحدا ليس بينهم واحد مصاباً في ظهره، إن بعضهم أصيب مرة أو مرتين ومع ذلك بقى يحمل بندقيته ويضرب بها".
ويذكر محمود لبيب أن أحد الشباب انتدب لخفارة المعسكر، ولكنه أصر على أن يكون في مقدمة المجاهدين، ولكن القائد يرفض طلبه، ويطلب أن يتقدم من هو أكبر منه سنا، فيبكي الشاب، وعندما يعلم أن الذي حل مكانه قد قتل في بداية المعركة يزداد بكاء وحزنا.
وقد تمكن قائد المنطقة البريطاني من عقد هدنة بين الطرفين، وعقب الهدنة تسلم المجاهدون شهداءهم الأبرار حيث احتفل بتشييع جنازتهم في موكب حاشد من أهل غزة وخان يونس والنصيرات، وقد دفنوا في مقابر خاصة بهم في النصيرات، وتذكر جريدة الدفاع الفلسطينية "وإن مستعمرة ديروم أو دير البلح منذ اللحظة التي سعدت بها أرضها بدماء هؤلاء الشهداء الأطهار قد أصبحت بقعة عربية خالصة لا يحق ليهودي أن يعيش على أرضها بعد اليوم شأنها في ذلك شأن كل شبر في أرض فلسطين المقدسة التي رويت من قبل بدماء الآباء والأجداد من العرب الأمجاد والصحابة والتابعين".
وقد خرجت جريدة الإخوان اليومية وعل صفحتها الأولى صور شهداء المعركة، وقد جللت الصفحة باللون الأخضر، حيث كان حسن البنا يحرص على الحصول من كل عضو بالجماعة يسافر للجهاد في فلسطين على صورة، ونبذة عن تاريخ حياته، تحسبا لمثل هذا اليوم.
وكتب حسن البنا مقالا بعنوان "من وحي الشهداء........وجهاً لوجه" يرثي فيه شهداء الإخوان أكد فيه أنه لابد من امتحان لحقيقة إيمان المؤمنين، وإن دعوى الإيمان وحدها لا تكفي في كثير ولا قليل، حتى يقف وجها لوجه أمام حقائق الإيمان العملية، وأوضح هذه الحقائق ما اتصل بالجهاد والشهادة والموت في سبيل الله "وهؤلاء الشهداء الإثنى عشر، ومن قبلهم الشهيد العزيز السعيد الأخ حسين الحلوس، الذي اختاره الله لجواره في حادث انقلاب سيارة المؤن والمهمات للشهداء بسيناء.......... فقد أوقفونا نحن الإخوان وأوقفوا أسرهم الكريمة وأوقفوا الأمة المصرية كلها..............أمام حقائق الإيمان وجها لوجه "ويعدد حسن البنا حقائق الإيمان، ومن هذه الحقائق أن الموت حق، وأن الأجل محدود، وأن القتال في سبيل الحق فريضة محكمة، وأن من مات في سبيل الله أو قتل مجاهدا فهو شهيد، وأن من يؤمن بهذه الحقائق إيمانا صحيحا، لا شك أن يفرح ويسر، ويسارع ويختار لأحبابه وذويه هذه الموتة السعيدة الكريمة، وفي نهاية المقال يخاطب الإخوان "فيا أيها الإخوان المسلمون، أنتم وأسركم والمتصلون بكم: لقد عاهدتم الله على الإيمان الكامل بكل حقائقه ومقتضايته، ولقد كان، وسجلوا عليكم هتافكم، وعرف الناس عنكم ذلك في كل المدن: "الجهاد سبيلنا.............. والموت في سبيل الله أسمى أمانينا"
تعليق