بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمدٍ وآله الطاهرين , وبعد :
قال تعالى في محكم كتابه الكريم ( وجعلنا منهم أئمة ً يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يُوقنون ).
في بداية البحت لا بد أن نعلم أن طبيعة فلسفة وجود الإنسان في دار الدنيا طبيعة ٌ إمتحانية, فلسفة ٌ إمتحانية ( خلق الموت والحياة ليبلوكم أيُّكم أحسن عملا ). من هنا نجد أن الإنسان الذي لم يستوعب هذه الحقيقة وهذه الفلسفة من وجوده في دار الدنيا قد يصطدم إذا مر َّ به البلاء فينهار وقد يؤدي ذلك الانهيار إلى أن يخسر الإنسان مبادئه وقيمه ودينه.
ومن هنا نستعرض بعض الآيات القرآنية المباركة والتي تبين حقيقة وفلسفة وجود الإنسان في عالم الدنيا:-
(ولا تحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خيراً لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين, ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب) آل عمران/178.
( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) آل عمران/186.
(وهو الذي جعلكم خلائفَ الأرض ورفع بعضكم فوق بعضٍ درجات ليبلوكم فيما آتيكم) الأنعام/165 .
(أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا أمنا وهم لا يُفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) العنكبوت/2و3 .
قوانين البلاء:-
لا بد لنا أن نعلم بأن هذا الابتلاء له درجات ومستويات مختلفة, ومن هنا فقد أصبح له قوانين... هذه القوانين تعتمد على شدة درجة الابتلاء في تقسيمها, وهي:-
القانون الأول: القانون العام... ويشير إلى هذا القانون قول الرسول الأعظم(ص) حين قام خطيباً في الناس قائلاً ( أيها الناس إنكم في دار هدنة وأنتم على ظهر سفرٍ والسير بكم سريع فأعدوا الجهاز لبعد المجاز.... فقام المقداد بن الأسود(رض) فقال: يا رسول الله وما دار الهدنة ؟ فقال(ص) : دار بلاءٍ وانقطاع ...). من هذا الحديث الشريف المبارك نفهم بأن الدنيا على كل حال دار للبلاء لا يسلم فيها البر ولا الفاجر ولا المؤمن ولا الكافر.
القانون الثاني: القانون الخاص... وهو خاصٌ بالمؤمنين, ويشير إليه الحديث النبوي الشريف( المؤمن مثل كفتي الميزان, كلما زاد إيمانه زاد بلاؤه ).
القانون الثالث: القانون الأخص, وهو يختص بشيعة أهل البيت, ويشير إلى هذا القانون قول الإمام ألصادق (ع) [ لو لا أن الله أكرم شيعتنا بإكرامه لنا لابتلاهم ببلاءٍ والله لا يتركُ على أحدهم ثوب يرتديه] . وهنا نسأل سؤال... من هم شيعة أهل البيت؟ هل هم نحن أم غيرنا؟ لمعرفة من هو الشيعي الحقيقي الذي يقصده الإمام(ع) فلننظر إلى هذه الرواية المروية عنه(الصادق) عليه السلام, يقول فيها حين سأله ذلك السائل قائلاً: يا بن رسول الله متى يكون المرء من شيعتكم؟ فقال(ع) : حينما يكون في بلد ٍ تعداد أهله مئة ألف ولا يكون فيهم من هو أتقى وأورع وأفقه منه). اللهم إنا نسألك العفو والعافية.
بناءاً على هذه القوانين, فمن هم أشد الناس بلاءاً وابتلاءاً في هذه الدنيا؟
الرواية التالية وضحت لنا الإجابة:
( عن سماعة عن أبي عبد الله الصادق(ع) قال: إن أشد الناس بلاءاً النبيون ثم الوصيون ثم الأمثل فالأمثل وإنما يبتلى المؤمن على قدر أعماله الحسنة... فمن صح دينه وحسن عمله اشتد بلاؤه وذلك إن الله عز وجل لم يجعل الدنيا ثواباً لمؤمن ولا عقوبةً لكافر ومن سخف دينه وضعف عمله قل بلاؤه, والله إن البلاء أسرع إلى المؤمن التقي من المطر إلى قرارة لأرض ) .
سؤال/ هل نستطيع أن ندفع عنا بعض هذا البلاء, ولو جزئياً لا كلياً ؟
الجواب/ نعم ... والوسيلة هي الدعاء... والدليل الروايات التالية عن أمير المؤمنين(ع):
قال عليه السلام:
( سلوا الله العافية من جهد البلاء فإن جهد البلاء فيه ذهاب الدين, قيل يا أمير المؤمنين وكيف ذلك؟ فقال(ع): عليكم بالدعاء ).
وقال عليه السلام :
( ادفعوا أمواج البلاء عنكم بالدعاء قبل ورود البلاء فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة للبلاء أسرع إلى المؤمن من انحدار السيل من أعلى التل إلى أسفله) .
إذاً الدعاء يسمى بلغتنا علاج وقائي من الابتلاءات التي تصيب الإنسان. ولكن إذا وقع البلاء فما هو العلاج الموصوف له ؟
الآيات الكريمات في سورة البقرة تبين لنا هذا العلاج:
قال تعالى: ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص ٍ من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ) البقرة 155و156 .
إذاً الآيات الكريمات تبين لنا إن العلاج الحقيقي للبلاء إذا وقع هو الصبر.
عن أمير المؤمنين(ع) قال: أما علامة الشاكر فأربعة, الشكر في النعماء والصبر في البلاء والقنوع بقسم الله ولا يحمد ولا يعظم إلا الله.
وعنه(ع) قال: واجعلوا قلوبكم بيوتاً للتقوى ولا تجعلوا قلوبكم مأوى الشهوات, وإن أجرعكم عند البلاء لأشدكم حباً للدنيا وإن أصبركم على البلاء لأزهدكم في الدنيا) .
أقسام الصبر:-
الصبر ثلاثة أقسام كما يشير إليها أمير المؤمنين(ع):
( الصبر إما صبر على المصيبة أو صبر على الطاعة أو صبر عن المعصية ) .
مقدمات الصبر:-
كما نعلم أن لكل شيء مقدمات, فعلى سبيل المثال إذا أصاب الإنسان أي مرض جسدي كان(عافاكم الله وإيانا) فإنه بحاجة إلى مقدمات للحصول على العلاج, هذه المقدمات هي المال للحصول على العلاج الموصوف له... أما في حالة الصبر فما هي المقدمات التي يجب أن نوفرها لكي نحصل على هذا الصبر الذي هو علاج للبلاء كما أشرنا سابقاً ؟
الجواب/ هذه المقدمات المطلوبة يبينها لنا الإمام موسى بن جعفر الكاظم(ع) في رسالته المعروفة بريالة العقل التي كتبها لتلميذه النجيب هشام بن الحكم البغدادي(رض), جاء فيها :
( يا هشام: اعلم الدنيا بحر عميق قد غرق فيه عالم كثير فلتكن سفينتك فيها تقوى الله وجسرها الإيمان بالله وشراعها التوكل على الله وقيمها العقل ودليلها العلم وسكانها الصبر).
هنا يجب أن نلتفت إلى نقطة مهمة يشير إليها الإمام(ع) وهي: أن الإمام قال (وسكانها الصبر) وكما نعلم بالعرف العقلائي فإن السكان لا يستطيعون ركب السفينة إذا لم يكن متوفر فيها المقدمات الخاصة لركوبها وهي الشراع والجسر والقيم والدليل.... إذاً فكل تلك الصفات(التقوى والإيمان والتوكل.....) هي مقدمات الصبر, فإذا لم تحصل هذه المقدمات لم نحصل على الصبر.
سؤال/ هذه المقدمات التي ذكرناها والتي هي شروط الحصول على الصبر... ماذا نسميها وبماذا نجملها؟
الجواب/ الرواية التالية تبين لنا ذلك:
(عن علي بن حمزة قال: قلت للصادق(ع) يا بن رسول الله ما حقيقة صبركم؟ فقال(ع): يا بن حمزة عقل به عرفنا الله تعالى وإيمان به أطعنا الله وعبدناه وتوكل به صارت أرواحنا معلقة بملكوت الله وعلم أخذناه بتقوى الله, وذلك والله هو اليقين, أما قرأت قوله تعالى : وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ) .
جزاء الصبر:-
مجملاً فإن القرآن الكريم يشير إلى جزاء الصبر عند الله:
( إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير ) هود/11 .
( ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعلمون ) النحل/96 .
( إني جزيتهم اليوم بما صبروا إنهم هم الفائزون ) المؤمنون/111 .
( وجزاهم بما صبروا جنة ً وحريرا ) الإنسان/12 .
أما التفصيل ففي روايات أهل البيت(ع) باعتبارهم عدل القرآن بصريح كلام الرسول الأعظم(ص) [ إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ], وكما نعلم أن مجمل العوالم التي يمر بها الإنسان هي : عالم الدنيا, عالم البرزخ, عالم الآخرة. فلننظر إلى جزاء الصبر في كل عالم من هذه العوالم:
عالم الدنيا : الجزاء الدنيوي هو الفرج والخلاص من الابتلاء.... عن الصادق(ع) موصياً بعض خاصته وشيعته: (وعليكم بالصبر فهو بوابة الفرج ولا تيأسوا من روح الله فإن أحب الأعمال إلى الله انتظار الفرج, أما علمتم أن لله بين كل رمشة وانتباهتها ثمانين ألف باب من الفرج) .
في عالم البرزخ(القبر):- عن علي(ع) قال : ( إذا وضع المؤمن في قبره جاء الصبر فوقف في ناحية القبر وقال: أنا لولي الله هذا ذخر وحصن عند الميزان وجسر جهنم والعرض عند الله... فيفتح ذلك الصبر لولي الله في قبره تسعة وتسعين باباً إلى الجنة يدخل عليه روحها وريحانها ولذتها ونعميها وطيبها إلى يوم القيامة ) .
الجزاء الأخروي: يوم القيامة, عن الباقر عن آبائه(ع) عن رسول الله(ص) قال: ( إذا كان يوم القيامة جمع الله الخلائق في صعيد واحد ونادى مناد ٍ من عند الله يُسمع أولهم كما يُسمع أخرهم فيقول: أين أهل الصبر؟ فيقوم عنق من الناس فتستقبلهم زمرة من الملائكة فيقولون لهم ما كان صبركم هذا الذي صبرتم؟ فيقولون صبَّرنا أنفسنا على طاعة الله وصبَّرناها عن معصية الله. فينادي مناد ٍ من عند الله: صدق عبادي, خلُّوا سبيلهم ليدخلوا الجنة بغير حساب ) .
( إنما يوفى الصابرون أجورهم بغير حساب )
والصلاة والسلام على محمدٍ وآله الطاهرين , وبعد :
قال تعالى في محكم كتابه الكريم ( وجعلنا منهم أئمة ً يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يُوقنون ).
في بداية البحت لا بد أن نعلم أن طبيعة فلسفة وجود الإنسان في دار الدنيا طبيعة ٌ إمتحانية, فلسفة ٌ إمتحانية ( خلق الموت والحياة ليبلوكم أيُّكم أحسن عملا ). من هنا نجد أن الإنسان الذي لم يستوعب هذه الحقيقة وهذه الفلسفة من وجوده في دار الدنيا قد يصطدم إذا مر َّ به البلاء فينهار وقد يؤدي ذلك الانهيار إلى أن يخسر الإنسان مبادئه وقيمه ودينه.
ومن هنا نستعرض بعض الآيات القرآنية المباركة والتي تبين حقيقة وفلسفة وجود الإنسان في عالم الدنيا:-
(ولا تحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خيراً لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين, ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب) آل عمران/178.
( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) آل عمران/186.
(وهو الذي جعلكم خلائفَ الأرض ورفع بعضكم فوق بعضٍ درجات ليبلوكم فيما آتيكم) الأنعام/165 .
(أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا أمنا وهم لا يُفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) العنكبوت/2و3 .
قوانين البلاء:-
لا بد لنا أن نعلم بأن هذا الابتلاء له درجات ومستويات مختلفة, ومن هنا فقد أصبح له قوانين... هذه القوانين تعتمد على شدة درجة الابتلاء في تقسيمها, وهي:-
القانون الأول: القانون العام... ويشير إلى هذا القانون قول الرسول الأعظم(ص) حين قام خطيباً في الناس قائلاً ( أيها الناس إنكم في دار هدنة وأنتم على ظهر سفرٍ والسير بكم سريع فأعدوا الجهاز لبعد المجاز.... فقام المقداد بن الأسود(رض) فقال: يا رسول الله وما دار الهدنة ؟ فقال(ص) : دار بلاءٍ وانقطاع ...). من هذا الحديث الشريف المبارك نفهم بأن الدنيا على كل حال دار للبلاء لا يسلم فيها البر ولا الفاجر ولا المؤمن ولا الكافر.
القانون الثاني: القانون الخاص... وهو خاصٌ بالمؤمنين, ويشير إليه الحديث النبوي الشريف( المؤمن مثل كفتي الميزان, كلما زاد إيمانه زاد بلاؤه ).
القانون الثالث: القانون الأخص, وهو يختص بشيعة أهل البيت, ويشير إلى هذا القانون قول الإمام ألصادق (ع) [ لو لا أن الله أكرم شيعتنا بإكرامه لنا لابتلاهم ببلاءٍ والله لا يتركُ على أحدهم ثوب يرتديه] . وهنا نسأل سؤال... من هم شيعة أهل البيت؟ هل هم نحن أم غيرنا؟ لمعرفة من هو الشيعي الحقيقي الذي يقصده الإمام(ع) فلننظر إلى هذه الرواية المروية عنه(الصادق) عليه السلام, يقول فيها حين سأله ذلك السائل قائلاً: يا بن رسول الله متى يكون المرء من شيعتكم؟ فقال(ع) : حينما يكون في بلد ٍ تعداد أهله مئة ألف ولا يكون فيهم من هو أتقى وأورع وأفقه منه). اللهم إنا نسألك العفو والعافية.
بناءاً على هذه القوانين, فمن هم أشد الناس بلاءاً وابتلاءاً في هذه الدنيا؟
الرواية التالية وضحت لنا الإجابة:
( عن سماعة عن أبي عبد الله الصادق(ع) قال: إن أشد الناس بلاءاً النبيون ثم الوصيون ثم الأمثل فالأمثل وإنما يبتلى المؤمن على قدر أعماله الحسنة... فمن صح دينه وحسن عمله اشتد بلاؤه وذلك إن الله عز وجل لم يجعل الدنيا ثواباً لمؤمن ولا عقوبةً لكافر ومن سخف دينه وضعف عمله قل بلاؤه, والله إن البلاء أسرع إلى المؤمن التقي من المطر إلى قرارة لأرض ) .
سؤال/ هل نستطيع أن ندفع عنا بعض هذا البلاء, ولو جزئياً لا كلياً ؟
الجواب/ نعم ... والوسيلة هي الدعاء... والدليل الروايات التالية عن أمير المؤمنين(ع):
قال عليه السلام:
( سلوا الله العافية من جهد البلاء فإن جهد البلاء فيه ذهاب الدين, قيل يا أمير المؤمنين وكيف ذلك؟ فقال(ع): عليكم بالدعاء ).
وقال عليه السلام :
( ادفعوا أمواج البلاء عنكم بالدعاء قبل ورود البلاء فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة للبلاء أسرع إلى المؤمن من انحدار السيل من أعلى التل إلى أسفله) .
إذاً الدعاء يسمى بلغتنا علاج وقائي من الابتلاءات التي تصيب الإنسان. ولكن إذا وقع البلاء فما هو العلاج الموصوف له ؟
الآيات الكريمات في سورة البقرة تبين لنا هذا العلاج:
قال تعالى: ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص ٍ من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ) البقرة 155و156 .
إذاً الآيات الكريمات تبين لنا إن العلاج الحقيقي للبلاء إذا وقع هو الصبر.
عن أمير المؤمنين(ع) قال: أما علامة الشاكر فأربعة, الشكر في النعماء والصبر في البلاء والقنوع بقسم الله ولا يحمد ولا يعظم إلا الله.
وعنه(ع) قال: واجعلوا قلوبكم بيوتاً للتقوى ولا تجعلوا قلوبكم مأوى الشهوات, وإن أجرعكم عند البلاء لأشدكم حباً للدنيا وإن أصبركم على البلاء لأزهدكم في الدنيا) .
أقسام الصبر:-
الصبر ثلاثة أقسام كما يشير إليها أمير المؤمنين(ع):
( الصبر إما صبر على المصيبة أو صبر على الطاعة أو صبر عن المعصية ) .
مقدمات الصبر:-
كما نعلم أن لكل شيء مقدمات, فعلى سبيل المثال إذا أصاب الإنسان أي مرض جسدي كان(عافاكم الله وإيانا) فإنه بحاجة إلى مقدمات للحصول على العلاج, هذه المقدمات هي المال للحصول على العلاج الموصوف له... أما في حالة الصبر فما هي المقدمات التي يجب أن نوفرها لكي نحصل على هذا الصبر الذي هو علاج للبلاء كما أشرنا سابقاً ؟
الجواب/ هذه المقدمات المطلوبة يبينها لنا الإمام موسى بن جعفر الكاظم(ع) في رسالته المعروفة بريالة العقل التي كتبها لتلميذه النجيب هشام بن الحكم البغدادي(رض), جاء فيها :
( يا هشام: اعلم الدنيا بحر عميق قد غرق فيه عالم كثير فلتكن سفينتك فيها تقوى الله وجسرها الإيمان بالله وشراعها التوكل على الله وقيمها العقل ودليلها العلم وسكانها الصبر).
هنا يجب أن نلتفت إلى نقطة مهمة يشير إليها الإمام(ع) وهي: أن الإمام قال (وسكانها الصبر) وكما نعلم بالعرف العقلائي فإن السكان لا يستطيعون ركب السفينة إذا لم يكن متوفر فيها المقدمات الخاصة لركوبها وهي الشراع والجسر والقيم والدليل.... إذاً فكل تلك الصفات(التقوى والإيمان والتوكل.....) هي مقدمات الصبر, فإذا لم تحصل هذه المقدمات لم نحصل على الصبر.
سؤال/ هذه المقدمات التي ذكرناها والتي هي شروط الحصول على الصبر... ماذا نسميها وبماذا نجملها؟
الجواب/ الرواية التالية تبين لنا ذلك:
(عن علي بن حمزة قال: قلت للصادق(ع) يا بن رسول الله ما حقيقة صبركم؟ فقال(ع): يا بن حمزة عقل به عرفنا الله تعالى وإيمان به أطعنا الله وعبدناه وتوكل به صارت أرواحنا معلقة بملكوت الله وعلم أخذناه بتقوى الله, وذلك والله هو اليقين, أما قرأت قوله تعالى : وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ) .
جزاء الصبر:-
مجملاً فإن القرآن الكريم يشير إلى جزاء الصبر عند الله:
( إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير ) هود/11 .
( ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعلمون ) النحل/96 .
( إني جزيتهم اليوم بما صبروا إنهم هم الفائزون ) المؤمنون/111 .
( وجزاهم بما صبروا جنة ً وحريرا ) الإنسان/12 .
أما التفصيل ففي روايات أهل البيت(ع) باعتبارهم عدل القرآن بصريح كلام الرسول الأعظم(ص) [ إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ], وكما نعلم أن مجمل العوالم التي يمر بها الإنسان هي : عالم الدنيا, عالم البرزخ, عالم الآخرة. فلننظر إلى جزاء الصبر في كل عالم من هذه العوالم:
عالم الدنيا : الجزاء الدنيوي هو الفرج والخلاص من الابتلاء.... عن الصادق(ع) موصياً بعض خاصته وشيعته: (وعليكم بالصبر فهو بوابة الفرج ولا تيأسوا من روح الله فإن أحب الأعمال إلى الله انتظار الفرج, أما علمتم أن لله بين كل رمشة وانتباهتها ثمانين ألف باب من الفرج) .
في عالم البرزخ(القبر):- عن علي(ع) قال : ( إذا وضع المؤمن في قبره جاء الصبر فوقف في ناحية القبر وقال: أنا لولي الله هذا ذخر وحصن عند الميزان وجسر جهنم والعرض عند الله... فيفتح ذلك الصبر لولي الله في قبره تسعة وتسعين باباً إلى الجنة يدخل عليه روحها وريحانها ولذتها ونعميها وطيبها إلى يوم القيامة ) .
الجزاء الأخروي: يوم القيامة, عن الباقر عن آبائه(ع) عن رسول الله(ص) قال: ( إذا كان يوم القيامة جمع الله الخلائق في صعيد واحد ونادى مناد ٍ من عند الله يُسمع أولهم كما يُسمع أخرهم فيقول: أين أهل الصبر؟ فيقوم عنق من الناس فتستقبلهم زمرة من الملائكة فيقولون لهم ما كان صبركم هذا الذي صبرتم؟ فيقولون صبَّرنا أنفسنا على طاعة الله وصبَّرناها عن معصية الله. فينادي مناد ٍ من عند الله: صدق عبادي, خلُّوا سبيلهم ليدخلوا الجنة بغير حساب ) .
( إنما يوفى الصابرون أجورهم بغير حساب )