إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

التواضع صفه المؤمنين

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التواضع صفه المؤمنين

    التواضع صفه المؤمنين

    اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم

    ماهو التواضع
    معنى التواضع اي من تواضع لله سبحانه وتعالى
    اي احترام النفس

    التواضع



    قال اللَّه تعالى :

    1ـ (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوإ سلاما).

    2ـ (ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا).

    3ـ (ولا تصعّر خدّك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إن اللَّه لا يحبّ كلّ مختال فخور * واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير).

    التواضع هو : عقد القلب على صَغار النفس المؤثر في عواطفه وميوله وجوارحه في مقابل اللَّه سبحانه وتعالى ، وفي مقابل رسله وأوليائه المعصومين، وفي مقابل المؤمنين. ويقابله التكبُّر، وهو : التعالي على اللَّه سبحانه، وهذا كفر باللَّه، أو على رسوله أو الإمام، وهذا كفر بالرسول أو الإمام، أو على المؤمنين، وهذا هو التكبُّر المألوف بين المسلمين الذين لم يهذِّبوا أنفسهم، وهي معصية عظيمة.

    وفرق التكبُّر عن الكِبر هو : أنّ الكِبْر مجرد تعاليه على غيره في نفسه. أمّا التكبُّر فهو : إظهار الكِبْر وإبرازه بجوارحه. وفرق الكبر عن العُجْب : أن الكِبْر يكون بالقياس إلى غيره، وهو اللَّه أو الرسول والإمام أو المؤمنون. والعُجْب ما يكون في الإنسان من رؤيته إلى نفسه بالعظمة والزهو والتبختر بذلك ولو من دون قياس بغيره، وهذا - أيضاً - من المعاصي العظيمة.

    وقد ورد في روايات عديدة : أنَّ الكِبْر خاصٌّ باللَّه سبحانه وتعالى، ويحرم منازعته فيه.

    والسرُّ في ذلك واضح، وهو : أنَّ الوحيد الخالي من كلِّ نقص هو اللَّه تعالى، فهو الذي يستحقُّ الكبرياء.

    فعن العلاء بن فضيل بسند تام، عن الصادق عليه السلام ، عن أبيه الباقر عليه السلام : العِزّ رداء اللَّه، والكِبْر إزاره، فمَنْ تناول شيئاً منه أكبَّه اللَّه في جهنَّم.

    وعن معمر بن عطاء، عن الباقر عليه السلام قال : الكِبْر رداء اللَّه، والمتكبِّر ينازع اللَّه رداءه.

    وعن ليث المرادي، عن الصادق عليه السلام قال : الكِبْر رداء اللَّه، فمَنْ نازع اللَّه شيئاً من ذلك أكبَّه اللَّه في النار.

    وبما أنَّ الكبرياء تختصّ باللَّه - سبحانه وتعالى - فكأ نَّه لهذا جعل الكِبْر في بعض الروايات مساوقاً لأدنى الإلحاد. فعن حكيم قال : سألت أبا عبداللَّه‏عليه السلام عن أدنى الإلحاد فقال : إنَّ الكِبْر أدناه.

    والعُجب من جملة أسباب الكبر، فإنَّ من أُعجب بنفسه تعالى على غيره. والروايات في ذمّ العُجْب كثيرة، وذلك من قبيل :

    1ـ ما عن الصادق عليه السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه واله بينما موسى عليه السلام جالساً إذ أقبل إبليس وعليه برنس ذو ألوان، فلمَّا دنا من موسى عليه السلام خلع البرنس، وقام إلى موسى فسلّم عليه، فقال له موسى : مَنْ أنت ؟

    فقال : أنا إبليس.

    قال : أنت فلا قرّب اللَّه دارك.

    قال : إنِّي إنَّما جئت لأسلِّم عليك لمكانك من اللَّه.

    قال : فقال له موسى عليه السلام : فما هذا البرنس ؟

    قال : به أختطف قلوب بني آدم.

    فقال موسى عليه السلام : فأخبرني بالذنب الذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذت عليه ؟

    قال : إذا أعجبته نفسه، واستكثر عمله، وصغر في عينه ذنبه (يعني : أنَّ هذه الحالة توجب الغرور والغفلة وعدم الاكتراث بعظمة الذنب. فمن الطبيعي أن يستحوذ الشيطان على صاحبها(. وقال : قال اللَّه عزّوجلَّ لداود عليه السلام : يا داود بشِّر المذنبين، وأنذر الصدّيقين.

    قال داود : كيف أُبشّر المذنبين، وأُنذر الصدّيقين؟

    قال : يا داود بشّر المذنبين أنِّي أقبل التوبة، وأعفو عن الذنب (يعني : ليتوبوا)، وأنذر الصدّيقين ألّا يعجبوا بأعمالهم؛ فإنَّه ليس عبدٌ أنصِبه للحساب إلَّا هلك.

    2ـ وعن أحدهما عليهما السلام قال : دخل رجلان المسجد أحدهما عابد والآخر فاسق، فخرجا من المسجد والفاسق صدِّيق والعابد فاسق؛ وذلك أنَّه يدخل العابد المسجد مدلّاً بعبادته يدلُّ بها، فتكون فكرته في ذلك، وتكون فكرة الفاسق في التندم على فسقه ويستغفر اللَّه عزّوجلّ ممَّا صنع من الذنوب.

    ويشبه هذا الحديث ما نقله في المحجَّة عن إحياء العلوم من أنَّ رجلاً في بني إسرائيل يقال له : خليع بني إسرائيل؛ لكثرة فساده، مرَّ برجل آخر يقال له : عابد بني إسرائيل، وكانت على رأس العابد غمامة تظلُّه، فلمَّا مرَّ الخليع به قال الخليع في نفسه، : أنا خليع بني إسرائيل وهذا عابد بني إسرائيل، فلو جلست إليه لعلَّ اللَّه يرحمني، فجلس إليه. فقال العابد في نفسه : أنا عابد بني إسرائيل، وهذا خليع بني إسرائيل، كيف يجلس إليَّ. فأنف منه وقال له : قم عنّي. فأوحى اللَّه إلى نبيِّ ذلك الزمان مرهما فليستأنفا العمل، فقد غفرت للخليع، وأحبطت عمل العابد. وفي حديث آخر : فتحولت الغمامة إلى رأس الخليع.

    وأيضاً من أسباب التكبُّر الإحساس بالصَغار والذلِّ والهوان، فكأنَّه يريد أن يجبر ذلك بالكِبْر، أو ينتقم من الناس الذين يرى نفسه حقيراً عندهم بالتكبر عليهم كما ورد في الحديث عن الصادق عليه السلام : ما من رجل تكبَّر أو تجبَّر إلَّا لذلَّة وجدها في نفسه.

    ومن أسباب علاج الكِبْر علاج سببه؛ فإن كان سببُ الكِبْرِ الإحساسَ بالذلِّ والصَغار، فليعرف صاحبه أن اللَّه - تعالى - خَلَقَ البشر عزيزاً كما قال سبحانه وتعالى : (ولقد كرّمنا بني آدم...)، وقال : (ذق إنك انت العزيز الكريم).

    وإنَّما الإنسان هو الذي يذلُّ نفسه بالكفر أو العصيان. وليس الذلُّ - حقيقةً عبارةً عن النقصان في المال أو الولد، أو سلامة البدن، أو صباحة الوجه، أو الجاه والجلال عند أهل الدنيا أو ما إلى ذلك. وإن كان ذلُّه بالفسق، فعليه ترك الفسق. وإن كان سبب الكِبْرِ إعجابَه بنفسه، فليدقِّق في معايبه ونقائصه يرها أكثر من كماله، بل قد ينكشف له أنَّ إعجابه لم يكن بالكمال، بل بالنقص، كالإعجاب بتغلُّبه على حقِّ فلان بالمكر والظلم، فيرى نفسه بذلك ذكيّاً أو شجاعاً، ولو كان إعجابه - حقّاً - بكمال، فليلتفت إلى أنَّ عاقبة الأمر مستورة عنه. وقد يؤدِّي نفس هذا الإعجاب أو أيِّ سبب آخر إلى فقده لذلك الكمال كما ورد في مصباح الشريعة عن الصادق عليه السلام : العَجب كلُّ العجب ممَّن يُعْجب بعمله وهو لا يدري بما يُختَم له. فمن اُعجب بنفسه وفعله فقد ضلَّ عن نهج الرشاد، وادَّعى ما ليس له، والمدّعي من غير حقٍّ كاذب وإن خفي دعواه وطال دهره، فإنَّه أوَّل ما يُفعَل بالمعجب نزع ما أُعجب به ؛ ليعلم أ نَّه عاجز حقير ويشهد على نفسه؛ لتكون الحُجَّة عليه أوكد كما فُعِلَ بإبليس....

    وما أقرب الكِبْر إلى العلماء غير الربَّانيين. وتوضيح ذلك : أنَّ العالم الربَّاني هو العالم الذي تجتمع فيه صفتان :

    الأُولى - أن يكون مهمُّ علمه الذي يعتني به وينمِّيه معرفةَ نفسه ومعرفة ربِّه مَنْ عرف نفسه فقد عرف ربَّه.... وهذا العلم لا يزيد العالم إلَّا خضوعاً وخشوعاً؛ لأنَّه بغوره في معرفة النفس تنكشف له نقائصه التي لا تتناهى أمام ما يغور فيه - أيضاً - من عظمة الربِّ التي لا تتناهى وتكون باقي علومه في حاشية هذا العلم الأصلي. فأوَّل العلم معرفة الجبَّار، وآخر العلم تفويض الأمر إليه.

    والثانية - أن يقترن علمه بتهذيب النفس؛ فإنَّ العلم بلا تهذيب للنفس يضرُّ ولا ينفع، فإنَّ العلم سيف ذو حدَّين؛ لأنَّ معرفة الأُمور كما تُعين الشخص في وضع الشي‏ء في محلِّه؛ إذ لولا العلم بالشي‏ء وبمحله لما استطاع إحراز وضع الشي‏ء في محلِّه، كذلك تُعينه في وضع الشي‏ء في غير محلِّه؛ إذ لولا العلم بالشي‏ء وبمحلِّه وغير محله لما استطاع إتقان وضع الشي‏ء في غير محلِّه. ويبقى تهذيب النفس وعدمه هو الذي يُعيِّن للعالم أن يصرف علمه في جانب العدل أو في جانب الظلم، ألا ترى أنَّ علم الأسلحة - مثلاً - يستفيد منه العادل لإقامة العدل ولحرب أعداء اللَّه، ويستفيد منه الظالم للظلم ولمحاربة المؤمنين. وهذا معنى ما قلنا : من أنَّ العلم سيف ذو حدّين. والعلم إن لم يقترن بتهذيب النفس أوجب التكبُّر، وإن اقترن بتهذيب النفس أوجب التواضع؛ لأ نَّه مهما تقدّم الإنسان في العلم انكشف أمامه وادٍ أوسع للجهل، وعرف حقيقة قوله تعالى : (...وما أُوتيتم من العلم إلّا قليلا)وعرف أنَّ ما أُوتي من العلم إنَّما هو بتوفيق الرب وليس من تلقاء نفسه، ومتى ما أراد اللَّه أن ينزعه عنه لنزعه، فهو ليس بأعظم من الرسول صلى الله عليه واله الذي قال له اللَّه تعالى : (ولئن شئنا لنذهبنّ بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا * إلّا رحمة من ربك إنّ فضله كان عليك كبيرا).

    وأيضاً ما أقرب الكِبْر إلى العبُّاد والزُّهاد المغرورين بعبادتهم وزهدهم دون المخلصين في عملهم. وقد ورد في الحديث عن الصادق عليه السلام قال : أتى عالم عابداً فقال له : كيف صلاتك ؟

    فقال : مثلي يُسأل عن صلاته ؟ ! وأنا أعبد اللَّه منذ كذا وكذا.

    قال : فكيف بكاؤك ؟

    قال : أبكي حتى تجري دموعي.

    فقال له العالم : فإنَّ ضحكك وأنت خائف أفضل من بكائك وأنت مدلٌّ، إنّ المدلَّ لا يصعد من عمله شي‏ء.

    أمّا مَنْ كان عابداً للَّه عن علم ووعي، ولم تكن عبادته عبادةَ الجهلاء، وكان مخلصاً في عمله، فهو بعيدٌ عن الكِبْر أشدّ البعد.

    وناهيك - إذن - من الأنبياء والمرسلين. ومن هنا نرى أن العلَّامة المجلسي رحمه الله يأوّل الرواية الواردة في قِصَّة يوسف الصدّيق على نبيّنا وآله وعليه الصلاة والسلام، فقد ورد في الكافي عن الصادق عليه السلام قال : إنَّ يوسف عليه السلام لمَّا قدم عليه الشيخ يعقوب عليه السلام دخله عزُّ المُلْك، فلم ينزل إليه، فهبط جبرئيل عليه السلام ، فقال : يا يوسف ابسط راحتك (يعني : باطن الكفّ) فخرج منها نور ساطع فصار في جوّ السماء، فقال يوسف عليه السلام : يا جبرئيل ما هذا النور الذي خرج من راحتي ؟ فقال : نزعت النبوَّة من عقبك عقوبة لما لم تنزل إلى الشيخ يعقوب، فلا يكون من عقبك نبيّ.

    قال المجلسي رحمه الله : ينبغي حمله على أنَّ ما دخله لم يكن تكبُّراً وتحقيراً لوالده؛ لكون الأنبياء مُنزَّهين عن أمثال ذلك، بل راعى فيه المصلحة؛ لحفظ عزَّته عند عامَّة الناس؛ لتمكِّنه من سياسة الخَلْق، وترويج الدين؛ إذ كان نزول الملك عندهم لغيره موجباً لذُلِّه. وكان رعاية الأدب للأب مع نبوَّته ومقاساة الشدائد لحبّه أهمَّ وأولى من رعاية تلك المصلحة، فكان هذا منه عليه السلام تركاً للأولى، فلذا عوتب عليه، وخرج نور النبوَّة من صلبه؛ لأ نَّهم لرفعة شأنهم وعلوِّ درجتهم يعاتبون بأدنى شي‏ء. فهذا كان شبيهاً بالتكبُّر ولم يكن تكبُّراً.

    أقول : هذا الحمل إنَّما يكون بعد فرض صدق الرواية، إلَّا أنَّ صدق الرواية عندي بعيد.

    وعلى أيّ حال، فعلى عكس ما قلناه : من أنَّ العلم والعبادة يوجبان الكِبْر حينما لا يكونان جامعين للشرائط، نقول هنا : إنَّهما يوجبان التواضع والخشوع حينما يكونان إلهيين واجدين للشرائط. وإن أردت أن تقف على حقيقة ذلك، فاستمع إلى حقيقة العلم وحقيقة العبوديَّة وأثرهما عن لسان الإمام الصادق عليه السلام في رواية طريفة مرويَّة في البحار عن عنوان البصري (وكان شيخاً كبيراً قد أتى عليه أربع وتسعون سنة) قال : كنت أختلف إلى مالك بن أنس سنين، فلمَّا قدم جعفر الصادق عليه السلام المدينة اختلفت إليه، وأحببت أن آخذ عنه كما أخذت عن مالك، فقال لي يوماً : إنِّي رجل مطلوب، ومع ذلك لي أوراد في كلِّ ساعة من آناء الليل والنهار، فلا تشغلني عن وردي، وخذ عن مالك، واختلف إليه كما كنت تختلف إليه. فاغتممت من ذلك، وخرجت من عنده، وقلت في نفسي : لو تفرَّس فيَّ خيراً لما زجرني عن الاختلاف إليه والأخذ عنه. فدخلت مسجد الرسول صلى الله عليه واله وسلَّمت عليه، ثُمَّ رجعت من الغد إلى الروضة وصلَّيت فيها ركعتين، وقلت : أسألك يا اللَّه يا اللَّه أن تعطف عليَّ قلب جعفر، وترزقني من علمه ما أهتدي به إلى صراطك المستقيم. ورجعت إلى داري مغتماً، ولم أختلف إلى مالك بن أنس؛ لما أُشرب قلبي من حبِّ جعفر، فما خرجت من داري إلّا إلى الصلاة المكتوبة حتّى عيل صبري، فلمَّا ضاق صدري تنعَّلت وتردَّيت وقصدت جعفراً وكان بعدما صلَّيت العصر، فلمَّا حضرت باب داره استأذنت عليه، فخرج خادم له فقال : ما حاجتك ؟ فقلت : السلام على الشريف فقال : هو قائم في مصلَّاه. فجلست بحذاء بابه، فما لبثت إلّا يسيراً إذ خرج خادم فقال : ادخل على بركة اللَّه. فدخلت وسلَّمت عليه، فردَّ السلام، وقال : اجلس غفر اللَّه لك، فجلست، فأطرق مليَّاً ثُمَّ رفع رأسه وقال : أبو مَنْ ؟ قلت : أبو عبداللَّه، قال : ثبَّت اللَّه كنيتك، ووفَّقك يا أبا عبداللَّه، ما مسألتك ؟ فقلت في نفسي : لو لم يكن لي من زيارته والتسليم غير هذا الدعاء لكان كثيراً، ثُمَّ رفع رأسه ثُمَّ قال : ما مسألتك ؟

    فقلت : سألت اللَّه أن يعطف قلبك عليَّ، ويرزقني من علمك، وأرجو أنّ اللَّه - تعالى أجابني في الشريف ما سألته.

    فقال : يا أبا عبداللَّه ليس العلم بالتعلُّم إنَّما هو نور يقع في قلب مَنْ يريد اللَّه - تبارك وتعالى - أن يهديه، فإن أردت العلم فاطلب أوَّلاً في نفسك حقيقة العبوديَّة، واطلب العلم باستعماله، واستفهم اللَّه يفهِّمك.

    قلت : يا شريف فقال : قل : يا أبا عبداللَّه، قلت : يا أبا عبداللَّه ما حقيقة العبوديَّة ؟

    قال : ثلاثة أشياء : أن لايرى العبد لنفسه فيما خوَّله اللَّه مُلكاً؛ لأنَّ العبيد لا يكون لهم ملك، يرون المال مال اللَّه يضعونه حيث أمرهم اللَّه به، ولايدبِّر العبد لنفسه تدبيراً وجملة اشتغاله فيما أمره تعالى به ونهاه عنه، فإذا لم يرَ العبد لنفسه فيما خوَّله اللَّه - تعالى - مُلكاً، هان عليه الإنفاق فيما أمره اللَّه - تعالى - أن ينفق فيه، وإذا فوَّض العبد تدبير نفسه على مدبِّره، هان عليه مصائب الدنيا، وإذا اشتغل العبد بما أمره اللَّه تعالى ونهاه، لايتفرَّغ منهما إلى المراء والمباهاة مع الناس، فإذا اكرم اللَّه العبد بهذه الثلاثة، هان عليه الدنيا وإبليس والخَلْق، ولا يطلب الدنيا تكاثراً وتفاخراً، ولا يطلب ما عند الناس عزَّاً وعلوَّاً، ولا يدع أيامه باطلاً. فهذا أوَّل درجة التُقى، قال اللَّه تبارك وتعالى : (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّاً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين).

    قلت : يا أبا عبداللَّه أوصني.

    قال : أُوصيك بتسعة أشياء، فإنَّها وصيَّتي لمريدي الطريق إلى اللَّه تعالى، واللَّه أسأل أن يوفِّقك لاستعماله : ثلاثة منها في رياضة النفس، وثلاثة منها في الحلم، وثلاثة منها في العلم، فاحفظها وإيَّاك والتهاون بها.

    قال عنوان : ففرَّغت قلبي له.

    فقال : أمَّا اللواتي في الرياضة : فإيَّاك أن تأكل ما لا تشتهيه؛ فإنَّه يورث الحماقة والبله، ولا تأكل إلَّا عند الجوع، وإذا أكلت فكل حلالاً، وسمِّ اللَّه، واذكر حديث الرسول صلى الله عليه واله : ما ملأ آدميٌّ وعاءً شرَّاً من بطنه، فإن كان ولابدَّ فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنَفَسه.

    وأمَّا اللواتي في الحلم فمَنْ قال لك : إن قلت واحدة سمعت عشراً، فقل : إن قلت عشراً لم تسمع واحدة، ومَنْ شتمك فقل له : إن كنت صادقاً فيما تقول فأسأل اللَّه أن يغفر لي، وإن كنت كاذباً فيما تقول فاللَّه أسأل أن يغفر لك، ومَنْ وعدك بالخنى‏فعده بالنصيحة والدعاء.

    وأمَّا اللواتي في العلم : فاسأل العلماء ما جهلت، وإيَّاك أن تسألهم تعنُّتاً وتَجْرِبة، وإيّاك أن تعمل برأيك شيئاً، وخذ بالاحتياط في جميع ما تجد إليه سبيلاً، واهرب من الفتيا هربك من الأسد، ولا تجعل رقبتك للناس جسراً. قم عنِّي يا أبا عبداللَّه فقد نصحت لك، ولا تفسد عليَّ وردي؛ فإنِّي امرؤ ضنين بنفسي، والسلام على مَنْ اتَّبع الهدى. انتهى الحديث.

    وممَّا يمنع تورُّط العلماء باللَّه في التكبُّر علمهم بأنَّ العلم حُجَّة، ومن هنا يكون أمر العالم من هذه الناحية أخطر من أمر الجاهل. وقد ورد في الحديث عن الصادق عليه السلام : ...أ نَّه يُغفَر للجاهل سبعون ذنباً قبل أن يُغفَر للعالم ذنب واحد....

    وعن النبيّ صلى الله عليه واله : مَنْ ازداد علماً ولم يزدد هدىً لم يزدد من اللَّه إلّا بعداً.

    وعنه صلى الله عليه واله : أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه علمه .

    وعن مسعدة بن زياد بسند صحيح، عن الصادق عليه السلام ، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام أنَّ عليَّاً عليه السلام قال : إنَّ في جهنَّم رحىً تطحن خمساً، أفلإے؛ظظ تسألون ما طحنها ؟ فقيل له : فما طحنها يا أميرالمؤمنين ؟ قال : العلماء الفجرة، والقُرَّاء الفسقة والجبابرة الظلمة، والوزراء الخونة، والعرفاء الكذبة....

    وأختم حديثنا عن التواضع بذكر رواية مسعدة بن صدقة عن الصادق عليه السلام قال : أرسل النجاشي إلى جعفر بن أبي طالب وأصحابه، فدخلوا عليه وهو في بيت له جالس على التراب، وعليه خُلقان الثياب، قال : فقال جعفر عليه السلام : فأشفقنا منه حين رأيناه على تلك الحال، فلمَّا رأى ما بنا وتغيُّر وجوهنا قال : الحمد للَّه الذي نصر محمَّداً وأقرَّ عينه، ألا أُبشِّركم ؟ فقلت : بلى أيُّها الملك، فقال : إنَّه جاءني الساعة من نحو أرضكم عين من عيوني هناك، فأخبرني أنَّ اللَّه - عزَّوجلَّ قد نصر نبيَّه محمَّداً صلى الله عليه واله ، وأهلك عدوَّه، وأُسر فلان وفلان وفلان التقوا بواد يقال له بدر كثير الأراك لكأنِّي أنظر إليه حيث كنت أرعى لسيِّدي هناك وهو رجل من بني ضمرة. فقال له جعفر : أيُّها الملك، فمالي أراك جالساً على التراب، وعليك هذه الخُلقان ؟ ! فقال له : يا جعفر، إنَّا نجد فيما أنزل اللَّه على عيسى عليه السلام أنَّ من حقِّ اللَّه على عباده أن يحدثوا له تواضعاً عندما يحدث لهم من نعمة، فلمَّا أحدث اللَّه - عزَّوجلَّ - لي نعمة بمحمَّد صلى الله عليه واله أحدثت للَّه هذا التواضع. فلمَّا بلغ النبيَّ صلى الله عليه واله قال لأصحابه : إنَّ الصدقة تزيد صاحبها كثرة، فتصدَّقوا يرحمكم اللَّه، وإنَّ التواضع يزيد صاحبه رفعة، فتواضعوا يرفعكم اللَّه، وإن العفو يزيد صاحبه عِزَّاً، فاعفوا يعزّكم اللَّه.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 09:44 PM
استجابة 1
12 مشاهدات
0 معجبون
آخر مشاركة ibrahim aly awaly
بواسطة ibrahim aly awaly
 
يعمل...
X