بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الثاني
الإهداء
إلى كل الشيوخ (1) والسالكين (2) والمريدين (3) والعارفين (4) والزهاد (5) والعباد(6) في إرجاء الأرض اللذين نذروا أنفسهم رخيصة إلى الله تعالى وانقطعوا إلى عبادته وتقديسه بإخلاص ويقين كاملين ....
عبادة دعتهم لترك مباهج الأرض وزينتها جانبا والاكتفاء بما يسد الرمق من الزاد ويكسو الجسم من اللباس وباليسير من متاع الحياة الدنيا .
عبادالشيخ:وبها ما يخالف إحكام الشريعة ولا يخالطها ما يناقض مبادئ العقيدة شئ ..
وهم لا يرجون من هذه أو تلك جزاء أو ثناء عدا مرضات الله سبحانه وعفوه بمعرفته (7) والفناء في حبه (8) ... أقدم هذا البحث الموجز ....
كربلاء المقدسة
محمد علي يوسف الاشيقر
1471 هـ -1996م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
(1) الشيخ :هو من بلغ مرتبة عالية من التصوف ,وهو الذي يرشد من معه في الطريق من الطلاب على الطريق المستقيم ,ويبصرهم بالوجه السليم الذي يحقق لهم كمال العلم والعمل ...
ويطلق على الشيخ أسماء مختلفة كالأستاذ والمرشد والولي والدليل والصوفي.
والقطب (وقد يسمى غوثا )لالتجاء الملهوفين إليه هو أعلى درجات السلم الصوفي .
(2) السالك: هو الذي يسير إخلاصه,مات (المنازل ) بالمجود الشخصي (قوة الحال) لا بقوة العلم وهو أيضا كل من وصل إلى درجة اليقين..
(3) المريد:وهو الكامل في إخلاصه , ويعد أيضا أول مرتبة صوفية .
(4) العارف:هو الذي يجاهد نفسه ويروضها طلبا للكمال..
(5) الزاهد: نسبة إلى الزهد –وهو الرضا بالقليل والقناعة بالموجود –وهو يتحقق بمجرد إعراض المرء عن متاع الحياة الدنيا وزينتها بأي نحو من الإنحاء طلبا للآخرة , أو ترك حظوظ النفس من جميع ما في الدنيا حلالها وحرامها , وهو ثمرة من ثمرات التصوف وليس هو التصوف بالذات .
(6)العابد :وهو من يعمل في الدنيا من اجل الآخرة .
(7)معرفة الله تكون عند الصوفية بالأذواق ,واكتناه إسرار ربوبيته تكون بالمواجيد .
(8)إن الصلة بين الصوفي وربه إنما هي صلة قائمة على المحبة لا على مجرد الطاعة لأوامره والخوف من نواهيه , فان المحب يعطي من عنده فوق ما يؤمر به ولا ينتظر الطلب ليستجيب إليه ,والفناء في الحب هو فناء الشهوات أو فناء الأنانية وحلول محبة الله محلها من القلوب و الأرواح وليس فناء الذات الإنسانية في الذات الالهيه , بل يموت فيه المرء بطبيعته الجدية ليولد ثانية بطبيعته الالهيه وليتحد
- 1 -
بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الأول
حكمة الكتاب
((إني رأيت انه لا يكتب إنسان كتابا في يومه إلا قال في غده :لو غير هذا لكان أحسن ,ولو زيد كذا لكان يستحسن ,ولو قدم هذا لكان أفضل ولو ترك ذاك لكان أجمل ..
وهذا من أعظم العبر وهو دليل على استيلاء النقص على جملة = كافة = البشر. ...))..
العماد الاصبهاني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
من ثم بالحق ))-التفكير فريضة إسلامية –عباس محمود العقاد
الفصل الثالث
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد (ص) وعلى اله الطيبين وصحبه الميامين وسلم تسليما كثيرا ...
وبعد ..فلم تك لدي هناك رغبة أو شوق في هذا الوقت أو قبلة إن اكتب شيئا وان كان موجزا عن موضوع التصوف (1) وذلك لان هذا الموضوع لم يكن ليعمل في ذهني قبل ألان ولا هو ضمن نطاق برامجي ومشاريعي الأدبية والثقافية والتاريخية على المدى القريب أو البعيد ..
فضلا عن إني لم أكن يوما قد ارتبطت بإحدى الطرق الصوفية لا في الوقت الحاضر ولا قبل ألان لأدعو إلى أفكارها وانتصر لمبادئها وتطلعاتها في خضم الحياة عبر الكتابة أو النشر أو الإعلان , على الرغم من تعاطفي التام وترحيبي الكامل بكل طريقة أو دعوة أو حركة مخلصة تهدف إلى التقرب إلى الله تعالى والارتباط الوثيق معه ,ومهما كان لون هذا أو اسمها أو موقعها على وجه الأرض
هذا إضافة إلى انه ليست لدي معلومات وافية ولا تصورات دقيقة عن علم التصوف .
ورواده عبر التاريخ ليمكن الاعتماالطريقة,و الاستعانة بها عند إعداد مثل هذا البحث.
إلا انه اتفق إن كلفني احد أصدقائي الأعزاء في بلدتي المقدسة كربلاء وهو الشيخ حسن الاسدي والذي يرتبط بإحدى الطرق الصوفية (2) ويتحمس لأفكارها وينتصر لمبادئها ,
كلفني هذا الصديق إن اكتب له بحثا –وان كان هذا موجز وقصيرا –يتناول تاريخ التصوف عبر التاريخ الإسلامي بما في ذلك نشأته ومسيرته وأقطابه البارزين , لأنني –في ذهنه –ممن يجيد الخوض في مثل هذا الموضوع أو سواه بسهولة ويسر ودونما كبير مشقة أو نصب ...
ومرد يقين هذا الشيخ الصوفي الصديق في قدرتي على خوض مثل هذا الموضوع هو علمه بخلفيتي الإسلامية , ولأنه –من ثم كان قد وقف عند كتب على ما كتبته في هامش احد فصول كتابي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
(1) هذه التسمية قد غلبت على هذه الطريقة ,فيقال رجل صوفي وللجماعة صوفية ومن يتوصل إلى ذلك يقال له متصوف وللجماعة المتصوفة . والتصوف باختصار ((منه:م تعرف به أحوال تزكية النفوس وتصفية الأخلاق وتمس الظاهر والباطن لنيل السعادة الأبدية))..وهو بقول أخر قريب منه
(هو مجادة النفس وترويضها للتغلب على ميولها وأهوائها فضلا عن التخلق بأخلاق الله تعالى بمعرفته والفناء في حبه ))..ولقد اعد هذا الموجز من اجل شرحه وتبيانه بصورة واضحوجلية. ..
(2) يزيد عن عدد الصور الصوفية في العالم على العشرات وتنشر في كافة الأقطار الإسلامية .
وتعد كل من المغرب العربي ومصر والسالراهن.كية من أكثر هذه الأقطار حظا بالطرق الصوالراهن.واظبة على فعالياتها حتى في الوقت الراهن ..
الأخير والذي يحمل عنوان ((تاريخ المساجد في المساجدوالفكرية.فصل الذي يتناول شرح وبيان موضوع ((ما حول المساجد))حيث كنت قد كالزمن, الهامش عند الإشارة في المتن إلى ((الزاوية ))كتبت شرحا موجزا للزاوية وبداية نشأتها وتطورها عبر الزمن,
فظلا عن الإشارة هناك أيضا إلى الصوفية التي استغلت الزاوية واتخذتها – بجنب المسجد- كركن ومكان خاص لممارسة العبادة وإقامة حلقات الذكر وقراءة الأوراد المختلفة والسكن فيها ...الخ
لذا فلتلبية لنداء هذا الأخ الفاضل والتماسه, والذي كان المفروض به هو إن يبادر بنفسه للقيام بإعداد هذا البحث عن التصوف وتقديمه إلي جاهز وكذلك إلى كل من يرغب في الوقوف على تفصيلات هذا الموضوع , ولسبب جدا بسيط هو انه يعيش ويحيا في أجوائه وينفعل مع مبادئه وأهدافه ويستذوق طعمه ونكهته إن كان له نكهة أو طعم خاص ..
نعم فاستجابة لطلب هذا الشيخ الكريم أولا ورغبة مني في خوض وسبر غور موضوع جديد وطريف لم اطرقه من قبل كما ولم يتطرق إليه أو يتناوله الكثير من أدبائنا وكتابنا في البلدة أو القطر عدا القليل جدا منهم ثانيا ...(3)
فقد قمت بعد التوكل على الله والاستعانة به –بإعداد هذا الكراس الموجز عن التصوف والذي أمل إن ينقلب في يوم قليب إلى كتاب يقف على قدميه وعند وقوفي على المزيد من شؤونه وإسراره ودقائقه التي غابت علي حتى ألان ...
ومرد ذلك هو لما للتصوف من اثر بارز وإسهام كبير في إيجاد حياة حافلة وخاصة تقوم أصلا على الزهد ومجاهدة النفس وتربيتها والتسامي بها ومغالبة نوازع البدن وحمله على شظف العيش فظلا عن دعوتها للإخاء والسلام والمساواة مابين البشر من دون تفرقة بسبب القومية أو المذهب أو الدين
مع تهذيب الشخصية البشرية من جميع جوانبها حتى تبلغ الغاية من تحقيق إمكانيتها واستكمال كفاءاتها , فضلا عن السمو بها إلى عالم الأرواح الزكية ...
أملا إن يكون ما كتبناه في هذه العجالة بمثابة مفاتيح تستخدم في فتح أبواب بعض الخزائن التي تحتضن كنوز التصوف وان تكون حافزا للآخرين للبحث الجدي في هذا الحقل الذي لابد من إن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
(3) تشير إلى ممن كتب موضوع التصوف بإسهاب في القطر هو المرحوم يوسف الشيخ إبراهيم السامرائي والذي توفاه الله تعالى عام 1993م , ولو إن هذا البحث كانت قد اختمرت في ذهني عند حياته لكنت قد التقيت به واستفدت منه كثيرا , وان كانت كتبه العديدة التي تركها وراءه عن التصوف وإعلامه قد سدت وعوضت بعض الشئ عن مثل هذا اللقاء ..
يجود بالغلال الوفيرة الروحية منها والفكرية ...
وهذا البحث الموجز هو إضافة لما تقدم بيانه رد جميلمبارك.ف مني بالمعروف والفضل لكثير من أصدقائي الكرام ممن يعيشون تحت راية التصوف وينعمون بأفضاله وبركاته سواء ممن يقيم في بلدة هذه او في العاصمة بغداد او في عمان او كراجي او كولومبوا وفي غيرها .. وطبيعي فأن هذا الجهد الذي بذلته في اعداد هذا البحث عن التصوف – وان صغر – سيسّرهم ويسعدهم رغم ان كل ما ورد فيه من معلومات وافكار هي مقتضبة وفي غاية الايجاز والاختصار وهي – من ثم – لا تكاد تخفى عليهم – ورغم انه (موضوع واسع الاطراف متعدد الجوانب يحتاج الى المجلدات الضخمة للكشف عن حقيته في انصاف ) (4) ..واضن ان الذي كتبناه هنا لايروي ضمئانً ولا يشبع جائعاً خصوصاًلمن لهم باع طويل في بحر التصوف وقدم راسخاً في دقائقه وتفصيلاته مقراً –ما بان ما نجهله حول الموضوع هو اكثر بكثير مما نعلمه وان خفي علينا اضعاف ما ظهر وان غاية ما سجلناه وحصلنا علية هو اننا اغترفنا غرفة من بحر الحقيقة للوصول الى هذه الحقيقة – وان هدفي وشعاري من ذلك هو : (( ان اظاءة شمعة واحدة هو خير من القيام بلعن الظلام )) (5) .. فضلاً من انه يتدرج ضمن مقولة الرسول الكريم (ص) وهي (( اذا مات ابن ادم انقطع عمله من الدنيا الا من ثلاث: صدقة جارية ، علم ٌ ينتفع به ، وولدٌ صالح يدعوا له )) ... او قول الشاعر وما من كاتب الا سيفنا ويبقي الدهر ما كتبت يداه فلا تكتب بخطك غير شيءٍ يسرك في القيامة ان تراه
(6) وانني لآمل هنا من كل هؤلاء الأصدقاء والأعزاء في هذا القطر او ذاك ومن سواهم ممن سيقفون على هذا البحث عن كثي او يمرون عليه بسرعة او بطأ او يطرق أسماعهم من قريب او بعيد- آمل من الجميع الصفح والغفران عما سيجدونه فيه من مأخذا أخطاء او تجاوزات او تكرار لبعض المعلومات في اكثر من فصل ومكان واحد او أي شيء آخر قد وقعت فيه من دون ما تعمد او قصد ..
ومرّد ذلك كما أسلفت ـ هو أني لم أسبر غور التصرف بدقة وعناية تامين , كما ولم أوفق لان أعيش في كنفها فترة كافية لتسهل لي هذه المعايشة الوقوف على حقيقته وطبيعته عن كثب ـ علما بأن كل الذي سجلته عبر هذه السطور وما أوردته عنه هنا من معلومات ونقاط هو كل ماتجمع في ذهني عبر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) الصوفية في الإسلام – ر . أ. يكلسون
(5) مثل صيني متداول
(6) التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق – الدكتور زكي مبارك
مطالعاتي المستمرة للكتب والدراسات العربية التي خطها أنصاره أو مناوئه في هذا البلد أو ذاك .
((رغم أن دراسة التصوف الإسلامي كانت توجب الطواف بما كتب عنه في اللغة الفارسية واللغة التركية ففي الفرس والترك صوفية لهم مقام عظيم في الأدب والأخلاق )) (6)..
فضلا عما علق في فكري من أمور وشؤون مشوشة كانت قد جاءت عبر المناقشات واللقاءات التي جرت وتمت ما بيني وما بين بعض أنصار التصوف ومريديه هنا أو هناك والتي تناولت الموضوع وطبيعة نشأته وقيامه ومسيرته التاريخية في خضم الحياة وبمنتهى الايجاز ...
وأنني هنا لاأكاد أكون بعيدا ولا بمنأى ـ عمليا أو نظريا ـ مما أورده أحد الكتاب الإسلاميين المعاصرين عما يحمله من التصوف من معلومات وأفكار ومواقف حين كتب بالحرف :
(( كنت قبل ان أتصدى للكتابة عن التصوف أسخر منه ومم يراه شيء مذكورا , وبعد ان درسته وتفهمته على حقيقته آمنت بأنه يستأهل العناية , وان اهتمام الأولين والآخرين به لم يكن عبثا وان من يسيطر على نفسه ويسير بها في سبيل النيل والرفعة لابد ان يبلغ المعرفة بالله والخير .. أو قل : ان من يتقي الله حق تقاته ويتخلق بأخلاقه الفاضلة لابد ان يؤيده بروح منه ويهديه سبيل الرشاد ) (7)
وفي ختام هذه المقدمة أقر بصراحة بأن فوق كل ذي علم عليم , وأن العصمة والكمال هو لله تعالى وحده والذي يلهج له لساني دوما بالحمد والشكر على أعانته لي في اعداد هذا البحث الذي هو :
(( فوق الطاقة ومن الصعب ان ينهض به رجل واحد )) (8) فقط والذي لم يكن هو على البال قبل ألان . وعلى إعانته سبحانه لي أيضا في اعداد سواه من الدراسات السابقة او التاالإسلامية.رغم إني لست ذلك الكاتب الموهوب الذي يجلب القارئ أسلوبه الكتابي , كما وليس لي من الخيال الخصب او ملكه خاصة ذي نكهة معينه يتذوقها هذا القارئ فيركن إليها ويشيد بها ـ او في إعانته لي أيضا في أشياء وأمور كثيرة أخرى قد لاتعد ولا تحصى وفي هذا المجال وذاك ..
سائلا منه تعالى دوما ان يجعل هذا الجهد المتواضع خالصا الساعة.كريم وان ينفع به كل من يقرأه وان يسد شيا ـ وان كان يسيرا في المكتبة الإسلامية ..
فضلا لطلب الرحمة والمغفرة منه في هذه الساعة وعند قيام مبارك. .. والحمد لله رب العالمين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
(7) نظرات في التصوف والكرامات ـ محمد جواد مغنية .
(8) التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق ـ الدكتور زكي مبارك .
(9) لقد تم الإشارة في نهاية هذا البحث الى الكتب والدراسات التي أعدها المؤلف من قبل وتبحث في مواضيع مختلفة .
مصطلح التصوّفي
نشير الى انه قد اختلف الناس وتباينت آراء واقوال الكتاب والمؤرخين عبر الزمن في العلة والسبب الذي من اجله أطلق اسم واصطلاح (( الصوفية )) على الطريقة التي ابتكرها البعض من المسلمين في حوالي القرن الثاني للهجرة او بعده بقليل وفي هذا القطر او ذاك ـ والذي وضع لها بمرور الوقت بعض الواجبات والأحوال والمقامات والتي تهدف كل هذه ـ فيما تهدف ـ الى توثيق الصلة بالله تعالى والابتعاد عن ملذات الدنيا ومسراتها والالتزام بالكتاب والسنة والتأسي بسلوك وسيرة الخلفاء الراشدين ( رض) والصحابة وأهل البيت (ع) في مضمار الزهد والتواضع والتقشف ..
علما بان ((هذا الاسم محدث ولم يوصف به احد من أصحاب رسول الله (ص) ولامن بعدهم ولا يعرف الناس الا بالعباد والزهاد والسياحين والفقراء وما قيل لأحد من أصحاب رسول الله (ص) صوفي بان السبب في ذلك بأنهم نبوا الى الصحبة , صحبة رسول الله (ص) وهي اشرف من النسبة الى الصوف )) (1)..ورغم اختلاف هولاء في سبب التسمية وعلتها الا انه يمكن جمع أقوالهم وتخريجاتهم ـ عبر الزمن ـ إزاء اشتقاق مصطلح التصوف في النقاط التالية :
1ـ قيل أنها جاءت من ـ الصفة ـ مقارنه بأهل الصفة وهم الفقراء والمعدمون الذين اتخذا عند مطلع الإسلام جانبا من المسجد النبوي في المدينة المنورة كمأوى ومسكن لهم (2) ..
2ـ كما وذهب البعض على أنها قد جاءت من ـ الصف ـ بسبب ان حملة هذه الطريقة ومريديها سيقفون عند قيام الساعة وبدأ ساعة الحساب في الصف الاول من بين عباد الله الآخرين وذلك لارتفاع هممهم وإقبالهم على الله بقلوبهم وتسابقهم على طاعته .
هناك من يذهب الى ان كلمة التصوف مشتقة من ـ صوفة ـ وهو اسم لشخص . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
1 ـ تاريخ التصوف الإسلامي ـ الدكتور عبد الرحمن بدوي .
2 ـ لقد اتخذ كثير من الناس المعدمين من أصحاب رسول الله ( ص) ممن لامساكن لهم ولا قبائل اتخذ من مسجد المدينة كملجأ أو مأوى لهم ينامون فيه ويقيمون , حيث كانت صفة المسجد مثواهم فنسبوا اليها . وكان الرسول ( ص) يدعوهم إليه بالليل عند العشاء فتتعشى طائفة منهم معه ويفرق البقية على أصحابه ليعشوهم, كما وكانوا يصلون جماعة خلف رسول الله ( ص) ويوزع المسلمون عليهم الصدقات لحاجتهم وفقرهم. وقد عرف هؤلاء بأصحاب الصفة وكانوا يكثرون هناك او يقلون تبعا لمن يتزوج منهم او يسافر او يعمل في الأرض او يقضى نحبه , (( وهؤلاء لايصح وصفهم بالزهد لعدم توفر أسباب العيش لديهم يوم ذاك وان فاقد الشيء لايوصف بالزهد فيه )) بين التصوف والتشيع ـ هاشم معروف الحسني .
معين متقي كان يعكف على ذكر الله وعبادته عند البيت الحرام في مكة المكرمة , وكان كل من يعكف من الناس على ذكر الله وعبادته وينقطع الى طاعته وتقديسه , إنما يشبه هذا الرجل المعين فانتسب الصوفية إليه ..
4 ـ وقال آخرون ويؤلفون الغالبية العددية في هذا المجال ـ ان التسمية هذه ـ في اقرب الاحتمالات ـ قد وردت من الصوف (3) لان هذا القسم والنوع من اللباس كان دأب الأنبياء , كما كان مخصصا لارتداء الزهاد والعباد والمتنسكين والصديقين من الرجال والنساء في صدر الإسلام بل وقبل الإسلام أيضا , حيث اختار هؤلاء هذا النوع من السلوك للبعد عن الحياة ونعيم الدنيا ..
وذلك بسبب ان الصوف هنا هو رمز التواضع والمسكنة والبعد عن أسباب البذخ والترف وإهمال المظهر .
وان الصوفي وعلاقته مع الله تعالى هو كالصوفه المطروحة على الأرض , حيث لايرغب احد فيها ولايلتفت إليها أخر , كما وهي لاتدبير لها ولا حركة بقرب وجوار الله سبحانه ـ
وان هذه الحالة يؤكدها ابن خلدون حي يقول : (( قلت والأظهر أن قيل بالاشتقاق انه من الصوف , وهم بالغالب مختصون بلبسه لما كانوا عليه من مخالفة الناس في لبس فاخر الثياب الى لبس الصوف )) (4) ..
كما إن الدكتور احمد أمين هو بدوره يؤيد هذا التخريج ويقول (( نحن نرجح أنها نسبة الى الصوف )) (5) كنسبة الكوفي الى الكوفة ـ .
5 ـ وقيل أيضا أنها قد جاءت من الصفاء والتي هي النقاء والمحبة والإخلاص , ولقد اعتمد هذا الوصف هنا بسبب كون الصوفي على الدوام صافي القلب وسليم الفؤاد , وربما المصطفى من أبناء البشر , أو أنهم صفوا من الشرور واكدار الدنيا وشهواتها او هو من صفا قلبه لله .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
(3) عقه الصوف بلبس الأنبياء (ع) فقد خلدون.ى بن مريم مرة أين بيتك ياروح الله فأجاب (( بيتي المساجد , وطيبي الماء , وادامي الجوع , ودابتي رجلاي , ووسادتي الحجر , وخداي يداي , وفراشي الأرض , وسراجي بالليل القمر , وطعامي ماتيسر , ولباسي الصوف , وشعاري الخوف , وجلسائي المساكين , وصلاتي مشارق الشمس , وليس لي ولد ولا امرأة تحزن و لابيت يخرب ولا مال يتلف , أبيت وليس لي شيء , وأصبح وليس شيء فانا اغني ولد آدم )) ..
(4) مقدمة ابن خلدون ـ عبد الرحمن بن خلدون .
(5) ظهر الإسلام ـ الدكتور احمد أمين.
وعن هذه الحالة نظم احد الشعراء يقول:
تنازع الناس في الصوفي واختلفوا فيه وظنوه مشتقا من الصوف
ولست أغال هذا الاسم غير فتى صفا فصوفي حتى لقب الصوفي
كما وقال الشاعر أبو العلاء المعري حول الموضوع :
صوفية ما ارتضوا للصف نسبتهم حتى ادعوا إنهم من طاعة صوفوا .
6 ـ كما وقيل كذلك إن هذا المصطلح مشتق من صوفه القفا ـ وهي الشعرات النابتات على الصوفانة ـ التي هي ضرب من البقل ومن نبات الصحراء وكانت مفضلة على غيرها من أنواع النبات . بسبب كونها لينه وسلسة كالخرقة الملقاة والصوفة المرمية ...
حيث إن الصوفي هنا هو على غرارها لين وسهل وبسيط على الدوام.
7 ـ وقيل إن الاسم هذا قد جاء من الكلمة اليونانية المروفة ((سونيا )) أي الحكمة فيصبح من يتسم بها بأنه ممن يحب ويطلب الحكمة ويدعو لها ولتزم بها من طريق الدين .
8 ـ ويقول بعضهم إن الصوفي منسوب الى صوفة , كما جاء في أساس البلاغة للزمخشري وغيره (( وكان آل صوفه يجيزون الحاج من عرفات أن يفيضون بهم , ويقال لهم : آل صوفان وال صفوان وكانوا يخدمون الكعبة ويتنسكون , ولعل الصوفية نسبوا إليهم تشبيها بهم في النسك والتعبد )) (6) .
9 ـ وهناك من يرى أن (( التسمية قد جاءت من كون الأنبياء (ع) رعاة للأغنام وأنهم قد اتخذوا من اوبارها ملابس تقيهم البرد في الخلاء )) (7) فسموا بذلك تيمننا بهولاء الأنبياء (ع) ..
10 ـ وأخيرا وليس آخرا (8) هناك رأي جديد يرجعه صاحبه الى العصر الجاهلي ـ أي قبل الإسلام ـ بعد قرون (( حيث كان يخدم الكعبة رجلا وهبته أمه في خدمة البيت الحرام وكان يدعى (( الغوث بن يركان )) انقطع هذا الرجل للعبادة وخدمة الكعبة والعمل على نظافتها عنه أخذت قريش فكرة مسندة الكعبة , وقد أطلق عليه ( صوفي ) وعرف بهذا اللقب طول حياته وان لفظ صوفي مشتق من اسمه (9)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
(6) التفكير فريضة إسلامية ـ عباس محمود العقاد.
(7) المذاهب الصوفية ومدارسها ـ عبد الحكيم عبد الغني قاسم .
(9) المذاهب الناس فقط في اصل ومصدر لفظ التصوف وتتعدد أرائهم حوله , بل نرى نفس الاختلاف في تعريف لفظ التصوف حيث بلغت تعاريفة العشرات كما سنرى ذلك في الفصل القادم .
(9) المذاهب الصوفية ومدارسها ـ عبد الحكيم عبد الغني قاسم .
هذا وسنشير في فصل قادم خاص (( وهو التصوف والمذاهب القديمة )) بالمذاهب والأديان والمعتقدات التي سبقت الإسلام وهل لهذه العلاقة ـ أن وجدت حقا ـ اثر أو ارتباط في وضع هذه التسمية لها أم أن الأمر هنا قد جاء عفويا ومن دون ارتباط أو علاقة مسبقة مع هذا المذهب القديم أو ذاك . علما بان للقشيري ـ الصوفي المعروف ـ حيث كتب عن ذلك يقول بالحرف : (( ولا يشهد لهذا الاسم اشتقاق من جهة العربية ولا قياس , والظاهر انه لقب , وأما القول باشتقاقه من الصفاء أو الصفة فبعيد من جهة القياس اللغوي , وكذلك من الصوف لأنهم لم يختصوا بلبسه )) (10) .
كما وان ابن الجوي هو الآخر يدلي بدلوه حول الموضوع ـ رغم تحفظه على التصوف وربما معارضته بعنف ـ حيث يكتب عن مصدر هذا الاسم فيقول:
(( وهذا الاسم ظهر للقوم قبل سنة 200 هجرية , ولما أظهره اوائلهم وتكلموا فيه وعبروا عن صفته بعبارات كثيرة وحاصلها أن التصوف عندهم رياضة للنفس ومجاهدة الطبع برده عن الأخلاق الرذيلة وحمله على الأخلاق الجميلة من الزهد والحلم والصبر والإخلاص والصدق والى غير ذلك من الخصال الحسنة التي تكسب المدائح في الدنيا والثواب في الآخرة .. )) (11) .
أما عن الفرق بين الصوفي والمتصوف فهو كالفرق بين الفيلسوف والمتفلسف , وتظهر هذه التفرقة في كلمة جميلة للعلاج حين قال : من أشار إليه فهو متصوف ومن أشار عنه فهو صوفي , فالأول لايزال يفرق بين الرب والعبد , والثاني قد اتحد بالذات الإلهية حتى صار يتكلم عنها وباسمها ) (12) .
وفي ختام هذا الفصل نشير الى تعقيب احد المتصوفة على تعدد مصلح واشتقاق لفظ التصوف حيث يقول بالحرف :
(( وعلى كل فأننا لانهتم بالتعابير والألفاظ بقدر اهتمامنا بالحقائق والأسس ونحن إذ ندعو الى التصوف إنما نقصد به تزكية النفوس وصفاء القلوب وإصلاح الأخلاق والوصول الى مرتبة الإحسان , نحن نسمي ذلك تصوفا وان شأت فسمه الجانب الروحي في الإسلام أو الجانب الاحساسي , اوالجانب الأخلاقي أو سمه ماشئت مما يتفق مع حقيقته وجوهره , إلا أن علماء الأمة قد توارثوا اسم (التصوف)وحقيقته عن أسلافهم المرشدين منذ صدر الإسلام حتى يومنا هذا فصار عرفا فيهم )) (13)..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(10) الرسالة القشيرية ـ أبو القاسم القشيري .
(11) تلبيس إبليس ـ ابن الجوزي .
(12) تاريخ التصوف الإسلامي ـ الدكتور عبد الرحمن بدري .
(13) حقائق عن التصوف ـ عبد القادر عيسى .
التعريف بالتصوف
ليس التصوف مذهبا دينيا يضاف الى تسلسل المذاهب الإسلامية المعروفة في العالم , أو فرقة معينة لها مبادئها وأفكارها وقواعدها الخاصة التي قد تبتعد عن مبادئ وأفكار وأصول هذا المذهب الإسلامي أو تقترب من سواه ـ
نعم فهي الصوفية (( ليس فرقة ولم يكن لهم مذهب مرسوم في العقائد ))(1) لها ميزات وسمات المذاهب الإسلامية المختلفة..
وهي أيضا ليست طائفة أو فقه لها اعتقادها الخاص, وإنما هي طريقة في السلوك تركز على الانشغال بإصلاح الباطن والمراقبة...(2) وإنما التصوف هو في الحقيقة (( نزعة من النزعات لافرقة مستقلة كالمعتزلة والشيعة وأهل السنة و ولذلك يصح أن يكون الرجل معتزلا وصوفيا وشيعيا وصوفيا أو سنيا وصوفيا )) (3) .
وبهذا (( يتبين مكان الخطأ فيما نقل عن أبي المظفر الاسرافراييني من أن التصوف مذهب من مذاهب أهل السنة , كما يتبين الخطأ في قول من عد المتصوفة فرقة مستقلة عن سائر الفرق الإسلامية , فقد كان الغزالي ثفيا أشعريا وابن سينا صوفيا أماميا وغيرهما صوفيا معتزليا )) (4) .
لذا نرى مما تقدم ان التصوف هو ضمن محيط ولواء وافق المذاهب الإسلامية ـ سنية كانت أم شيعية ـ المتواجدة في طول العالم وعرضه ..
هذا ولانعدم أناس من المتصوفة او من سواهم ممن يقول غير ذلك حيث يرىهولاء ان التصوف ليس ضمن مذهبي السنة والشيعة بل هو نسيج قائم بذاته حيث يكون مذهبا مستقلا وخاصا يقف الى جوار السنة او الشيعة وعلى قدم المساواة .
فهذا كاتب شيعي معاصر يكتب حول هذه الحالة فيقول : (( ان المتصوفة ممن يعتبرون أنفسهم فرقة إسلامية ـ يستطيعون هم أيضا ان يحيوا حياة إسلامية دون ان تكون بهم حاجة الى النظر الشيعي او السني فكأن الإسلام قد انشق من ثلاثة فروع هي هذه الاتجاهات التي ذكرناها )) (5) ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
(1) الصوفية في الإسلام – ر . أ. نيكلسون .
(2) بين السلفية والصوفية ـ زاهد يحيى ألزرفي .
(3) ظهر الإسلام ـ الدكتور احمد أمين.
(4) نظرات في التصوف والكرامات ـ محمد جواد مغنية .
(5) الصلة بين التصوف والتشيع ـ الدكتور كامل مصطفى الشيبي .
ولقد أيد هذا المنحى كاتب معاصر أخر وسني حيث كتب يقول:
(( لقد وصل التصوف ـ بعد نضجه واكتماله ـ الى مرحلة المذهب المتكامل بعد ان كان في بداياته مجرد سلوك انتقائي يتمثل في الامتناع عن ارتكاب المساوئ )) (6) .
ورغم ان التصوف هو ضمن المذاهب الإسلامية ـ كما نرى ـ الا انه قد يختلف عن المذهب او ذاك شيئا , وان هذا الاختلاف ـ ان وجد ـ ففي أمور وزوايا ثانوية وهي لاتمس جوهر عقيدة او كبد الشريعة في شيء , ولا تصطدم او تخالف مبادئ وافكار هذا المذهب الإسلامي او ذاك حيث ننتهي الى الإسلام وينتمي الى تعاليمه وأحكامه ..وحيث لازالت (( وما دامت محاولاته تجري في ظل الإسلام فمن الضلال التسرع باتهام احد بالإلحاد )) (7) او الخروج على هذا المذهب او ذاك . ..
والتصوف والذي هو (( يعتمد على الذوق والمواعيد (8) اكثر مما يعتمد على المنطق )) (9) اذا ماأريد وصفة وتعريفة قبل الخوض في تفاصيله والبحث في دقائقه فليس ذلك سهلا ويسير حيث سنجد أمامنا سيلا ضخما وعاما من الأوصاف والتعابير التي تحوم حوله التي ليس في المستطاع إحصائها واستقصائها , وقد تصل هذه التعاريف الى كبد التصوف فتصفه كما هو وعلى حقيقته او قد تقترب منه ولكن لاتصل الا الى قششته الخارجية دون الداخل . وعن عدد تعاريف التصوف والتي أريد بها كشف حقيقته وتبيان واقعه فإنها كثيرة ويتعذر جمعها وعدها ..
وعن ضخامة هذا العدد وتحديده فقد أشار الى ذلك الكثير من الكتاب والباحثين عن طرقهم لهذا الباب او كتابتهم عن هذا الموضوع ...
فالكاتب الإسلامي محمد جواد مغنية يشير الى (( انه قد ذكر له تعار يف شتى أنهاها بعضهم الى نيف وسبعين تعريفا )) (10) ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
(6) حركة التصوف الإسلامي ـ الدكتور محمد ياسر شرف .
(7) في تراثنا العربي الإسلامي ـ الدكتور توفيق الطويل .
(8) المواجيد : مفرده الوجد وهو مايرد على الباطن من الله فيكسبه فرحا او حزنا ويغيره عن حاله وهيئته ويتطلع الى الله تعالى , وهو أيضا (( مايصادف قلبك ويرد عليك بلا تعمد )) ..
(9) ظهر الإسلام ـ الدكتور احمد أمين.
(10) نظرات في التصوف والكرامات ـ محمد جواد مغنية .
أما الدكتور زكي مبارك فيذهب الى اكر من ذلك حيث يكتب : (( وقديما حار الناس في تعريف التصوف وتشعبوا الى مائة أي بل زادت أقوالهم في ماهيته على إلف قول )) (11).
أما الكاتبة وداد السكاكيني فلها رأي خاص حول الموضوع حيث تقول : (( وهناك كثير من التعريف بهذا المذهب الروحي بلغ المئات وملا الصفحات وتعددت فيه المعاني والألفاظ )) (12)
أما المستشرق الانكليزي نيكليسون فهو بدوره يدلي بدبالحرف:هذا الموضوع حيث كتب : (( فقد جمع مايقرب من (200) تعريف الا انه قرر في النهاية ماقرره المشايخ من قبل بان التصوف لايمكن معرفة كنهه وحقيقته بصورة تامة فهي تجمع معاني كثيرة , وان من يتصدى الى معالمها الرئيسية إنما يكون مسبقا الى رسم ضروب من الصور المعقدة )) (13) .
كما وقال مثل هذا السيد هاشم معروف الحسني حيث كتب بالحرف : (( ...... الى غير ذلك من التفاسير لماهية التصوف التي تزيد على ألف تفسير كما جاء في عوارف المعارف ـ وعلى كثرة ماقيل في تحديده لم يرد بينها تعرف جامع مانع يضع بين يدي القآء فكرة كاملة عن ماهيته ...)) (14) .
أما الشيخ عبد القادر عيسى فيكتب عن الموضوع : (( وقد حد التصوف ورسم وفسر بوجوه تبلغ نحو الألفين مرجع لصدق التوجه الى الله تعالى وانما هي وجوه فيه .... )) (15) .
بينما ويذهب السيد عدنان حسين العوادي حول الموضوع بالقول : اختلف الصوفية أنفسهم في تعريف التصوف وتحديده اختلافا بالغا حتى أربى ماوضع للتصوف من تعاريف على المئات , بل ان منهم من يرى ان الرؤيا الصوفية لايمكن ان توصف .... وبناءا على ذلك فان أية محاولة لتعريفها تعريفا منطقيا دقيقا تبوء بالفشل .... )) (16) .
هذا وإذا ما أردنا هنا تعريف التصوف ـ تعريفا نسبيا في الأقل ـ على ضوء الأقوال السابقة ـ بغض الطرف عمن يذهب الى تعذر ذلك ـ لإمكانية الوقوف على حقيقته والاطلاع على كنهه , فنرى من المناسب ان ننقل ونورد ماتقوله مختلف شرائح الناس بصدد هذا التعريف .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
(11) التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق ـ الدكتور زكي مبارك.
(12) العاشقة المتصوفة ـ وداد السكاكيني .
(13) الصوفية في الإسلام – ر . أ. نيكلسون .
(14) بين التصوف والتشيع ـ هاشم معروف الحسني .
(15) حقائق عن التصوف ـ عبد القادر عيسى .
(16) الشعر الصوفي ـ عدنان حسين العوادي .
الفصل الثاني
الإهداء
إلى كل الشيوخ (1) والسالكين (2) والمريدين (3) والعارفين (4) والزهاد (5) والعباد(6) في إرجاء الأرض اللذين نذروا أنفسهم رخيصة إلى الله تعالى وانقطعوا إلى عبادته وتقديسه بإخلاص ويقين كاملين ....
عبادة دعتهم لترك مباهج الأرض وزينتها جانبا والاكتفاء بما يسد الرمق من الزاد ويكسو الجسم من اللباس وباليسير من متاع الحياة الدنيا .
عبادالشيخ:وبها ما يخالف إحكام الشريعة ولا يخالطها ما يناقض مبادئ العقيدة شئ ..
وهم لا يرجون من هذه أو تلك جزاء أو ثناء عدا مرضات الله سبحانه وعفوه بمعرفته (7) والفناء في حبه (8) ... أقدم هذا البحث الموجز ....
كربلاء المقدسة
محمد علي يوسف الاشيقر
1471 هـ -1996م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
(1) الشيخ :هو من بلغ مرتبة عالية من التصوف ,وهو الذي يرشد من معه في الطريق من الطلاب على الطريق المستقيم ,ويبصرهم بالوجه السليم الذي يحقق لهم كمال العلم والعمل ...
ويطلق على الشيخ أسماء مختلفة كالأستاذ والمرشد والولي والدليل والصوفي.
والقطب (وقد يسمى غوثا )لالتجاء الملهوفين إليه هو أعلى درجات السلم الصوفي .
(2) السالك: هو الذي يسير إخلاصه,مات (المنازل ) بالمجود الشخصي (قوة الحال) لا بقوة العلم وهو أيضا كل من وصل إلى درجة اليقين..
(3) المريد:وهو الكامل في إخلاصه , ويعد أيضا أول مرتبة صوفية .
(4) العارف:هو الذي يجاهد نفسه ويروضها طلبا للكمال..
(5) الزاهد: نسبة إلى الزهد –وهو الرضا بالقليل والقناعة بالموجود –وهو يتحقق بمجرد إعراض المرء عن متاع الحياة الدنيا وزينتها بأي نحو من الإنحاء طلبا للآخرة , أو ترك حظوظ النفس من جميع ما في الدنيا حلالها وحرامها , وهو ثمرة من ثمرات التصوف وليس هو التصوف بالذات .
(6)العابد :وهو من يعمل في الدنيا من اجل الآخرة .
(7)معرفة الله تكون عند الصوفية بالأذواق ,واكتناه إسرار ربوبيته تكون بالمواجيد .
(8)إن الصلة بين الصوفي وربه إنما هي صلة قائمة على المحبة لا على مجرد الطاعة لأوامره والخوف من نواهيه , فان المحب يعطي من عنده فوق ما يؤمر به ولا ينتظر الطلب ليستجيب إليه ,والفناء في الحب هو فناء الشهوات أو فناء الأنانية وحلول محبة الله محلها من القلوب و الأرواح وليس فناء الذات الإنسانية في الذات الالهيه , بل يموت فيه المرء بطبيعته الجدية ليولد ثانية بطبيعته الالهيه وليتحد
- 1 -
بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الأول
حكمة الكتاب
((إني رأيت انه لا يكتب إنسان كتابا في يومه إلا قال في غده :لو غير هذا لكان أحسن ,ولو زيد كذا لكان يستحسن ,ولو قدم هذا لكان أفضل ولو ترك ذاك لكان أجمل ..
وهذا من أعظم العبر وهو دليل على استيلاء النقص على جملة = كافة = البشر. ...))..
العماد الاصبهاني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
من ثم بالحق ))-التفكير فريضة إسلامية –عباس محمود العقاد
الفصل الثالث
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد (ص) وعلى اله الطيبين وصحبه الميامين وسلم تسليما كثيرا ...
وبعد ..فلم تك لدي هناك رغبة أو شوق في هذا الوقت أو قبلة إن اكتب شيئا وان كان موجزا عن موضوع التصوف (1) وذلك لان هذا الموضوع لم يكن ليعمل في ذهني قبل ألان ولا هو ضمن نطاق برامجي ومشاريعي الأدبية والثقافية والتاريخية على المدى القريب أو البعيد ..
فضلا عن إني لم أكن يوما قد ارتبطت بإحدى الطرق الصوفية لا في الوقت الحاضر ولا قبل ألان لأدعو إلى أفكارها وانتصر لمبادئها وتطلعاتها في خضم الحياة عبر الكتابة أو النشر أو الإعلان , على الرغم من تعاطفي التام وترحيبي الكامل بكل طريقة أو دعوة أو حركة مخلصة تهدف إلى التقرب إلى الله تعالى والارتباط الوثيق معه ,ومهما كان لون هذا أو اسمها أو موقعها على وجه الأرض
هذا إضافة إلى انه ليست لدي معلومات وافية ولا تصورات دقيقة عن علم التصوف .
ورواده عبر التاريخ ليمكن الاعتماالطريقة,و الاستعانة بها عند إعداد مثل هذا البحث.
إلا انه اتفق إن كلفني احد أصدقائي الأعزاء في بلدتي المقدسة كربلاء وهو الشيخ حسن الاسدي والذي يرتبط بإحدى الطرق الصوفية (2) ويتحمس لأفكارها وينتصر لمبادئها ,
كلفني هذا الصديق إن اكتب له بحثا –وان كان هذا موجز وقصيرا –يتناول تاريخ التصوف عبر التاريخ الإسلامي بما في ذلك نشأته ومسيرته وأقطابه البارزين , لأنني –في ذهنه –ممن يجيد الخوض في مثل هذا الموضوع أو سواه بسهولة ويسر ودونما كبير مشقة أو نصب ...
ومرد يقين هذا الشيخ الصوفي الصديق في قدرتي على خوض مثل هذا الموضوع هو علمه بخلفيتي الإسلامية , ولأنه –من ثم كان قد وقف عند كتب على ما كتبته في هامش احد فصول كتابي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
(1) هذه التسمية قد غلبت على هذه الطريقة ,فيقال رجل صوفي وللجماعة صوفية ومن يتوصل إلى ذلك يقال له متصوف وللجماعة المتصوفة . والتصوف باختصار ((منه:م تعرف به أحوال تزكية النفوس وتصفية الأخلاق وتمس الظاهر والباطن لنيل السعادة الأبدية))..وهو بقول أخر قريب منه

(2) يزيد عن عدد الصور الصوفية في العالم على العشرات وتنشر في كافة الأقطار الإسلامية .
وتعد كل من المغرب العربي ومصر والسالراهن.كية من أكثر هذه الأقطار حظا بالطرق الصوالراهن.واظبة على فعالياتها حتى في الوقت الراهن ..
الأخير والذي يحمل عنوان ((تاريخ المساجد في المساجدوالفكرية.فصل الذي يتناول شرح وبيان موضوع ((ما حول المساجد))حيث كنت قد كالزمن, الهامش عند الإشارة في المتن إلى ((الزاوية ))كتبت شرحا موجزا للزاوية وبداية نشأتها وتطورها عبر الزمن,
فظلا عن الإشارة هناك أيضا إلى الصوفية التي استغلت الزاوية واتخذتها – بجنب المسجد- كركن ومكان خاص لممارسة العبادة وإقامة حلقات الذكر وقراءة الأوراد المختلفة والسكن فيها ...الخ
لذا فلتلبية لنداء هذا الأخ الفاضل والتماسه, والذي كان المفروض به هو إن يبادر بنفسه للقيام بإعداد هذا البحث عن التصوف وتقديمه إلي جاهز وكذلك إلى كل من يرغب في الوقوف على تفصيلات هذا الموضوع , ولسبب جدا بسيط هو انه يعيش ويحيا في أجوائه وينفعل مع مبادئه وأهدافه ويستذوق طعمه ونكهته إن كان له نكهة أو طعم خاص ..
نعم فاستجابة لطلب هذا الشيخ الكريم أولا ورغبة مني في خوض وسبر غور موضوع جديد وطريف لم اطرقه من قبل كما ولم يتطرق إليه أو يتناوله الكثير من أدبائنا وكتابنا في البلدة أو القطر عدا القليل جدا منهم ثانيا ...(3)
فقد قمت بعد التوكل على الله والاستعانة به –بإعداد هذا الكراس الموجز عن التصوف والذي أمل إن ينقلب في يوم قليب إلى كتاب يقف على قدميه وعند وقوفي على المزيد من شؤونه وإسراره ودقائقه التي غابت علي حتى ألان ...
ومرد ذلك هو لما للتصوف من اثر بارز وإسهام كبير في إيجاد حياة حافلة وخاصة تقوم أصلا على الزهد ومجاهدة النفس وتربيتها والتسامي بها ومغالبة نوازع البدن وحمله على شظف العيش فظلا عن دعوتها للإخاء والسلام والمساواة مابين البشر من دون تفرقة بسبب القومية أو المذهب أو الدين
مع تهذيب الشخصية البشرية من جميع جوانبها حتى تبلغ الغاية من تحقيق إمكانيتها واستكمال كفاءاتها , فضلا عن السمو بها إلى عالم الأرواح الزكية ...
أملا إن يكون ما كتبناه في هذه العجالة بمثابة مفاتيح تستخدم في فتح أبواب بعض الخزائن التي تحتضن كنوز التصوف وان تكون حافزا للآخرين للبحث الجدي في هذا الحقل الذي لابد من إن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
(3) تشير إلى ممن كتب موضوع التصوف بإسهاب في القطر هو المرحوم يوسف الشيخ إبراهيم السامرائي والذي توفاه الله تعالى عام 1993م , ولو إن هذا البحث كانت قد اختمرت في ذهني عند حياته لكنت قد التقيت به واستفدت منه كثيرا , وان كانت كتبه العديدة التي تركها وراءه عن التصوف وإعلامه قد سدت وعوضت بعض الشئ عن مثل هذا اللقاء ..
يجود بالغلال الوفيرة الروحية منها والفكرية ...
وهذا البحث الموجز هو إضافة لما تقدم بيانه رد جميلمبارك.ف مني بالمعروف والفضل لكثير من أصدقائي الكرام ممن يعيشون تحت راية التصوف وينعمون بأفضاله وبركاته سواء ممن يقيم في بلدة هذه او في العاصمة بغداد او في عمان او كراجي او كولومبوا وفي غيرها .. وطبيعي فأن هذا الجهد الذي بذلته في اعداد هذا البحث عن التصوف – وان صغر – سيسّرهم ويسعدهم رغم ان كل ما ورد فيه من معلومات وافكار هي مقتضبة وفي غاية الايجاز والاختصار وهي – من ثم – لا تكاد تخفى عليهم – ورغم انه (موضوع واسع الاطراف متعدد الجوانب يحتاج الى المجلدات الضخمة للكشف عن حقيته في انصاف ) (4) ..واضن ان الذي كتبناه هنا لايروي ضمئانً ولا يشبع جائعاً خصوصاًلمن لهم باع طويل في بحر التصوف وقدم راسخاً في دقائقه وتفصيلاته مقراً –ما بان ما نجهله حول الموضوع هو اكثر بكثير مما نعلمه وان خفي علينا اضعاف ما ظهر وان غاية ما سجلناه وحصلنا علية هو اننا اغترفنا غرفة من بحر الحقيقة للوصول الى هذه الحقيقة – وان هدفي وشعاري من ذلك هو : (( ان اظاءة شمعة واحدة هو خير من القيام بلعن الظلام )) (5) .. فضلاً من انه يتدرج ضمن مقولة الرسول الكريم (ص) وهي (( اذا مات ابن ادم انقطع عمله من الدنيا الا من ثلاث: صدقة جارية ، علم ٌ ينتفع به ، وولدٌ صالح يدعوا له )) ... او قول الشاعر وما من كاتب الا سيفنا ويبقي الدهر ما كتبت يداه فلا تكتب بخطك غير شيءٍ يسرك في القيامة ان تراه
(6) وانني لآمل هنا من كل هؤلاء الأصدقاء والأعزاء في هذا القطر او ذاك ومن سواهم ممن سيقفون على هذا البحث عن كثي او يمرون عليه بسرعة او بطأ او يطرق أسماعهم من قريب او بعيد- آمل من الجميع الصفح والغفران عما سيجدونه فيه من مأخذا أخطاء او تجاوزات او تكرار لبعض المعلومات في اكثر من فصل ومكان واحد او أي شيء آخر قد وقعت فيه من دون ما تعمد او قصد ..
ومرّد ذلك كما أسلفت ـ هو أني لم أسبر غور التصرف بدقة وعناية تامين , كما ولم أوفق لان أعيش في كنفها فترة كافية لتسهل لي هذه المعايشة الوقوف على حقيقته وطبيعته عن كثب ـ علما بأن كل الذي سجلته عبر هذه السطور وما أوردته عنه هنا من معلومات ونقاط هو كل ماتجمع في ذهني عبر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(4) الصوفية في الإسلام – ر . أ. يكلسون
(5) مثل صيني متداول
(6) التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق – الدكتور زكي مبارك
مطالعاتي المستمرة للكتب والدراسات العربية التي خطها أنصاره أو مناوئه في هذا البلد أو ذاك .
((رغم أن دراسة التصوف الإسلامي كانت توجب الطواف بما كتب عنه في اللغة الفارسية واللغة التركية ففي الفرس والترك صوفية لهم مقام عظيم في الأدب والأخلاق )) (6)..
فضلا عما علق في فكري من أمور وشؤون مشوشة كانت قد جاءت عبر المناقشات واللقاءات التي جرت وتمت ما بيني وما بين بعض أنصار التصوف ومريديه هنا أو هناك والتي تناولت الموضوع وطبيعة نشأته وقيامه ومسيرته التاريخية في خضم الحياة وبمنتهى الايجاز ...
وأنني هنا لاأكاد أكون بعيدا ولا بمنأى ـ عمليا أو نظريا ـ مما أورده أحد الكتاب الإسلاميين المعاصرين عما يحمله من التصوف من معلومات وأفكار ومواقف حين كتب بالحرف :
(( كنت قبل ان أتصدى للكتابة عن التصوف أسخر منه ومم يراه شيء مذكورا , وبعد ان درسته وتفهمته على حقيقته آمنت بأنه يستأهل العناية , وان اهتمام الأولين والآخرين به لم يكن عبثا وان من يسيطر على نفسه ويسير بها في سبيل النيل والرفعة لابد ان يبلغ المعرفة بالله والخير .. أو قل : ان من يتقي الله حق تقاته ويتخلق بأخلاقه الفاضلة لابد ان يؤيده بروح منه ويهديه سبيل الرشاد ) (7)
وفي ختام هذه المقدمة أقر بصراحة بأن فوق كل ذي علم عليم , وأن العصمة والكمال هو لله تعالى وحده والذي يلهج له لساني دوما بالحمد والشكر على أعانته لي في اعداد هذا البحث الذي هو :
(( فوق الطاقة ومن الصعب ان ينهض به رجل واحد )) (8) فقط والذي لم يكن هو على البال قبل ألان . وعلى إعانته سبحانه لي أيضا في اعداد سواه من الدراسات السابقة او التاالإسلامية.رغم إني لست ذلك الكاتب الموهوب الذي يجلب القارئ أسلوبه الكتابي , كما وليس لي من الخيال الخصب او ملكه خاصة ذي نكهة معينه يتذوقها هذا القارئ فيركن إليها ويشيد بها ـ او في إعانته لي أيضا في أشياء وأمور كثيرة أخرى قد لاتعد ولا تحصى وفي هذا المجال وذاك ..
سائلا منه تعالى دوما ان يجعل هذا الجهد المتواضع خالصا الساعة.كريم وان ينفع به كل من يقرأه وان يسد شيا ـ وان كان يسيرا في المكتبة الإسلامية ..
فضلا لطلب الرحمة والمغفرة منه في هذه الساعة وعند قيام مبارك. .. والحمد لله رب العالمين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
(7) نظرات في التصوف والكرامات ـ محمد جواد مغنية .
(8) التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق ـ الدكتور زكي مبارك .
(9) لقد تم الإشارة في نهاية هذا البحث الى الكتب والدراسات التي أعدها المؤلف من قبل وتبحث في مواضيع مختلفة .
مصطلح التصوّفي
نشير الى انه قد اختلف الناس وتباينت آراء واقوال الكتاب والمؤرخين عبر الزمن في العلة والسبب الذي من اجله أطلق اسم واصطلاح (( الصوفية )) على الطريقة التي ابتكرها البعض من المسلمين في حوالي القرن الثاني للهجرة او بعده بقليل وفي هذا القطر او ذاك ـ والذي وضع لها بمرور الوقت بعض الواجبات والأحوال والمقامات والتي تهدف كل هذه ـ فيما تهدف ـ الى توثيق الصلة بالله تعالى والابتعاد عن ملذات الدنيا ومسراتها والالتزام بالكتاب والسنة والتأسي بسلوك وسيرة الخلفاء الراشدين ( رض) والصحابة وأهل البيت (ع) في مضمار الزهد والتواضع والتقشف ..
علما بان ((هذا الاسم محدث ولم يوصف به احد من أصحاب رسول الله (ص) ولامن بعدهم ولا يعرف الناس الا بالعباد والزهاد والسياحين والفقراء وما قيل لأحد من أصحاب رسول الله (ص) صوفي بان السبب في ذلك بأنهم نبوا الى الصحبة , صحبة رسول الله (ص) وهي اشرف من النسبة الى الصوف )) (1)..ورغم اختلاف هولاء في سبب التسمية وعلتها الا انه يمكن جمع أقوالهم وتخريجاتهم ـ عبر الزمن ـ إزاء اشتقاق مصطلح التصوف في النقاط التالية :
1ـ قيل أنها جاءت من ـ الصفة ـ مقارنه بأهل الصفة وهم الفقراء والمعدمون الذين اتخذا عند مطلع الإسلام جانبا من المسجد النبوي في المدينة المنورة كمأوى ومسكن لهم (2) ..
2ـ كما وذهب البعض على أنها قد جاءت من ـ الصف ـ بسبب ان حملة هذه الطريقة ومريديها سيقفون عند قيام الساعة وبدأ ساعة الحساب في الصف الاول من بين عباد الله الآخرين وذلك لارتفاع هممهم وإقبالهم على الله بقلوبهم وتسابقهم على طاعته .
هناك من يذهب الى ان كلمة التصوف مشتقة من ـ صوفة ـ وهو اسم لشخص . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
1 ـ تاريخ التصوف الإسلامي ـ الدكتور عبد الرحمن بدوي .
2 ـ لقد اتخذ كثير من الناس المعدمين من أصحاب رسول الله ( ص) ممن لامساكن لهم ولا قبائل اتخذ من مسجد المدينة كملجأ أو مأوى لهم ينامون فيه ويقيمون , حيث كانت صفة المسجد مثواهم فنسبوا اليها . وكان الرسول ( ص) يدعوهم إليه بالليل عند العشاء فتتعشى طائفة منهم معه ويفرق البقية على أصحابه ليعشوهم, كما وكانوا يصلون جماعة خلف رسول الله ( ص) ويوزع المسلمون عليهم الصدقات لحاجتهم وفقرهم. وقد عرف هؤلاء بأصحاب الصفة وكانوا يكثرون هناك او يقلون تبعا لمن يتزوج منهم او يسافر او يعمل في الأرض او يقضى نحبه , (( وهؤلاء لايصح وصفهم بالزهد لعدم توفر أسباب العيش لديهم يوم ذاك وان فاقد الشيء لايوصف بالزهد فيه )) بين التصوف والتشيع ـ هاشم معروف الحسني .
معين متقي كان يعكف على ذكر الله وعبادته عند البيت الحرام في مكة المكرمة , وكان كل من يعكف من الناس على ذكر الله وعبادته وينقطع الى طاعته وتقديسه , إنما يشبه هذا الرجل المعين فانتسب الصوفية إليه ..
4 ـ وقال آخرون ويؤلفون الغالبية العددية في هذا المجال ـ ان التسمية هذه ـ في اقرب الاحتمالات ـ قد وردت من الصوف (3) لان هذا القسم والنوع من اللباس كان دأب الأنبياء , كما كان مخصصا لارتداء الزهاد والعباد والمتنسكين والصديقين من الرجال والنساء في صدر الإسلام بل وقبل الإسلام أيضا , حيث اختار هؤلاء هذا النوع من السلوك للبعد عن الحياة ونعيم الدنيا ..
وذلك بسبب ان الصوف هنا هو رمز التواضع والمسكنة والبعد عن أسباب البذخ والترف وإهمال المظهر .
وان الصوفي وعلاقته مع الله تعالى هو كالصوفه المطروحة على الأرض , حيث لايرغب احد فيها ولايلتفت إليها أخر , كما وهي لاتدبير لها ولا حركة بقرب وجوار الله سبحانه ـ
وان هذه الحالة يؤكدها ابن خلدون حي يقول : (( قلت والأظهر أن قيل بالاشتقاق انه من الصوف , وهم بالغالب مختصون بلبسه لما كانوا عليه من مخالفة الناس في لبس فاخر الثياب الى لبس الصوف )) (4) ..
كما إن الدكتور احمد أمين هو بدوره يؤيد هذا التخريج ويقول (( نحن نرجح أنها نسبة الى الصوف )) (5) كنسبة الكوفي الى الكوفة ـ .
5 ـ وقيل أيضا أنها قد جاءت من الصفاء والتي هي النقاء والمحبة والإخلاص , ولقد اعتمد هذا الوصف هنا بسبب كون الصوفي على الدوام صافي القلب وسليم الفؤاد , وربما المصطفى من أبناء البشر , أو أنهم صفوا من الشرور واكدار الدنيا وشهواتها او هو من صفا قلبه لله .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
(3) عقه الصوف بلبس الأنبياء (ع) فقد خلدون.ى بن مريم مرة أين بيتك ياروح الله فأجاب (( بيتي المساجد , وطيبي الماء , وادامي الجوع , ودابتي رجلاي , ووسادتي الحجر , وخداي يداي , وفراشي الأرض , وسراجي بالليل القمر , وطعامي ماتيسر , ولباسي الصوف , وشعاري الخوف , وجلسائي المساكين , وصلاتي مشارق الشمس , وليس لي ولد ولا امرأة تحزن و لابيت يخرب ولا مال يتلف , أبيت وليس لي شيء , وأصبح وليس شيء فانا اغني ولد آدم )) ..
(4) مقدمة ابن خلدون ـ عبد الرحمن بن خلدون .
(5) ظهر الإسلام ـ الدكتور احمد أمين.
وعن هذه الحالة نظم احد الشعراء يقول:
تنازع الناس في الصوفي واختلفوا فيه وظنوه مشتقا من الصوف
ولست أغال هذا الاسم غير فتى صفا فصوفي حتى لقب الصوفي
كما وقال الشاعر أبو العلاء المعري حول الموضوع :
صوفية ما ارتضوا للصف نسبتهم حتى ادعوا إنهم من طاعة صوفوا .
6 ـ كما وقيل كذلك إن هذا المصطلح مشتق من صوفه القفا ـ وهي الشعرات النابتات على الصوفانة ـ التي هي ضرب من البقل ومن نبات الصحراء وكانت مفضلة على غيرها من أنواع النبات . بسبب كونها لينه وسلسة كالخرقة الملقاة والصوفة المرمية ...
حيث إن الصوفي هنا هو على غرارها لين وسهل وبسيط على الدوام.
7 ـ وقيل إن الاسم هذا قد جاء من الكلمة اليونانية المروفة ((سونيا )) أي الحكمة فيصبح من يتسم بها بأنه ممن يحب ويطلب الحكمة ويدعو لها ولتزم بها من طريق الدين .
8 ـ ويقول بعضهم إن الصوفي منسوب الى صوفة , كما جاء في أساس البلاغة للزمخشري وغيره (( وكان آل صوفه يجيزون الحاج من عرفات أن يفيضون بهم , ويقال لهم : آل صوفان وال صفوان وكانوا يخدمون الكعبة ويتنسكون , ولعل الصوفية نسبوا إليهم تشبيها بهم في النسك والتعبد )) (6) .
9 ـ وهناك من يرى أن (( التسمية قد جاءت من كون الأنبياء (ع) رعاة للأغنام وأنهم قد اتخذوا من اوبارها ملابس تقيهم البرد في الخلاء )) (7) فسموا بذلك تيمننا بهولاء الأنبياء (ع) ..
10 ـ وأخيرا وليس آخرا (8) هناك رأي جديد يرجعه صاحبه الى العصر الجاهلي ـ أي قبل الإسلام ـ بعد قرون (( حيث كان يخدم الكعبة رجلا وهبته أمه في خدمة البيت الحرام وكان يدعى (( الغوث بن يركان )) انقطع هذا الرجل للعبادة وخدمة الكعبة والعمل على نظافتها عنه أخذت قريش فكرة مسندة الكعبة , وقد أطلق عليه ( صوفي ) وعرف بهذا اللقب طول حياته وان لفظ صوفي مشتق من اسمه (9)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
(6) التفكير فريضة إسلامية ـ عباس محمود العقاد.
(7) المذاهب الصوفية ومدارسها ـ عبد الحكيم عبد الغني قاسم .
(9) المذاهب الناس فقط في اصل ومصدر لفظ التصوف وتتعدد أرائهم حوله , بل نرى نفس الاختلاف في تعريف لفظ التصوف حيث بلغت تعاريفة العشرات كما سنرى ذلك في الفصل القادم .
(9) المذاهب الصوفية ومدارسها ـ عبد الحكيم عبد الغني قاسم .
هذا وسنشير في فصل قادم خاص (( وهو التصوف والمذاهب القديمة )) بالمذاهب والأديان والمعتقدات التي سبقت الإسلام وهل لهذه العلاقة ـ أن وجدت حقا ـ اثر أو ارتباط في وضع هذه التسمية لها أم أن الأمر هنا قد جاء عفويا ومن دون ارتباط أو علاقة مسبقة مع هذا المذهب القديم أو ذاك . علما بان للقشيري ـ الصوفي المعروف ـ حيث كتب عن ذلك يقول بالحرف : (( ولا يشهد لهذا الاسم اشتقاق من جهة العربية ولا قياس , والظاهر انه لقب , وأما القول باشتقاقه من الصفاء أو الصفة فبعيد من جهة القياس اللغوي , وكذلك من الصوف لأنهم لم يختصوا بلبسه )) (10) .
كما وان ابن الجوي هو الآخر يدلي بدلوه حول الموضوع ـ رغم تحفظه على التصوف وربما معارضته بعنف ـ حيث يكتب عن مصدر هذا الاسم فيقول:
(( وهذا الاسم ظهر للقوم قبل سنة 200 هجرية , ولما أظهره اوائلهم وتكلموا فيه وعبروا عن صفته بعبارات كثيرة وحاصلها أن التصوف عندهم رياضة للنفس ومجاهدة الطبع برده عن الأخلاق الرذيلة وحمله على الأخلاق الجميلة من الزهد والحلم والصبر والإخلاص والصدق والى غير ذلك من الخصال الحسنة التي تكسب المدائح في الدنيا والثواب في الآخرة .. )) (11) .
أما عن الفرق بين الصوفي والمتصوف فهو كالفرق بين الفيلسوف والمتفلسف , وتظهر هذه التفرقة في كلمة جميلة للعلاج حين قال : من أشار إليه فهو متصوف ومن أشار عنه فهو صوفي , فالأول لايزال يفرق بين الرب والعبد , والثاني قد اتحد بالذات الإلهية حتى صار يتكلم عنها وباسمها ) (12) .
وفي ختام هذا الفصل نشير الى تعقيب احد المتصوفة على تعدد مصلح واشتقاق لفظ التصوف حيث يقول بالحرف :
(( وعلى كل فأننا لانهتم بالتعابير والألفاظ بقدر اهتمامنا بالحقائق والأسس ونحن إذ ندعو الى التصوف إنما نقصد به تزكية النفوس وصفاء القلوب وإصلاح الأخلاق والوصول الى مرتبة الإحسان , نحن نسمي ذلك تصوفا وان شأت فسمه الجانب الروحي في الإسلام أو الجانب الاحساسي , اوالجانب الأخلاقي أو سمه ماشئت مما يتفق مع حقيقته وجوهره , إلا أن علماء الأمة قد توارثوا اسم (التصوف)وحقيقته عن أسلافهم المرشدين منذ صدر الإسلام حتى يومنا هذا فصار عرفا فيهم )) (13)..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(10) الرسالة القشيرية ـ أبو القاسم القشيري .
(11) تلبيس إبليس ـ ابن الجوزي .
(12) تاريخ التصوف الإسلامي ـ الدكتور عبد الرحمن بدري .
(13) حقائق عن التصوف ـ عبد القادر عيسى .
التعريف بالتصوف
ليس التصوف مذهبا دينيا يضاف الى تسلسل المذاهب الإسلامية المعروفة في العالم , أو فرقة معينة لها مبادئها وأفكارها وقواعدها الخاصة التي قد تبتعد عن مبادئ وأفكار وأصول هذا المذهب الإسلامي أو تقترب من سواه ـ
نعم فهي الصوفية (( ليس فرقة ولم يكن لهم مذهب مرسوم في العقائد ))(1) لها ميزات وسمات المذاهب الإسلامية المختلفة..
وهي أيضا ليست طائفة أو فقه لها اعتقادها الخاص, وإنما هي طريقة في السلوك تركز على الانشغال بإصلاح الباطن والمراقبة...(2) وإنما التصوف هو في الحقيقة (( نزعة من النزعات لافرقة مستقلة كالمعتزلة والشيعة وأهل السنة و ولذلك يصح أن يكون الرجل معتزلا وصوفيا وشيعيا وصوفيا أو سنيا وصوفيا )) (3) .
وبهذا (( يتبين مكان الخطأ فيما نقل عن أبي المظفر الاسرافراييني من أن التصوف مذهب من مذاهب أهل السنة , كما يتبين الخطأ في قول من عد المتصوفة فرقة مستقلة عن سائر الفرق الإسلامية , فقد كان الغزالي ثفيا أشعريا وابن سينا صوفيا أماميا وغيرهما صوفيا معتزليا )) (4) .
لذا نرى مما تقدم ان التصوف هو ضمن محيط ولواء وافق المذاهب الإسلامية ـ سنية كانت أم شيعية ـ المتواجدة في طول العالم وعرضه ..
هذا ولانعدم أناس من المتصوفة او من سواهم ممن يقول غير ذلك حيث يرىهولاء ان التصوف ليس ضمن مذهبي السنة والشيعة بل هو نسيج قائم بذاته حيث يكون مذهبا مستقلا وخاصا يقف الى جوار السنة او الشيعة وعلى قدم المساواة .
فهذا كاتب شيعي معاصر يكتب حول هذه الحالة فيقول : (( ان المتصوفة ممن يعتبرون أنفسهم فرقة إسلامية ـ يستطيعون هم أيضا ان يحيوا حياة إسلامية دون ان تكون بهم حاجة الى النظر الشيعي او السني فكأن الإسلام قد انشق من ثلاثة فروع هي هذه الاتجاهات التي ذكرناها )) (5) ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
(1) الصوفية في الإسلام – ر . أ. نيكلسون .
(2) بين السلفية والصوفية ـ زاهد يحيى ألزرفي .
(3) ظهر الإسلام ـ الدكتور احمد أمين.
(4) نظرات في التصوف والكرامات ـ محمد جواد مغنية .
(5) الصلة بين التصوف والتشيع ـ الدكتور كامل مصطفى الشيبي .
ولقد أيد هذا المنحى كاتب معاصر أخر وسني حيث كتب يقول:
(( لقد وصل التصوف ـ بعد نضجه واكتماله ـ الى مرحلة المذهب المتكامل بعد ان كان في بداياته مجرد سلوك انتقائي يتمثل في الامتناع عن ارتكاب المساوئ )) (6) .
ورغم ان التصوف هو ضمن المذاهب الإسلامية ـ كما نرى ـ الا انه قد يختلف عن المذهب او ذاك شيئا , وان هذا الاختلاف ـ ان وجد ـ ففي أمور وزوايا ثانوية وهي لاتمس جوهر عقيدة او كبد الشريعة في شيء , ولا تصطدم او تخالف مبادئ وافكار هذا المذهب الإسلامي او ذاك حيث ننتهي الى الإسلام وينتمي الى تعاليمه وأحكامه ..وحيث لازالت (( وما دامت محاولاته تجري في ظل الإسلام فمن الضلال التسرع باتهام احد بالإلحاد )) (7) او الخروج على هذا المذهب او ذاك . ..
والتصوف والذي هو (( يعتمد على الذوق والمواعيد (8) اكثر مما يعتمد على المنطق )) (9) اذا ماأريد وصفة وتعريفة قبل الخوض في تفاصيله والبحث في دقائقه فليس ذلك سهلا ويسير حيث سنجد أمامنا سيلا ضخما وعاما من الأوصاف والتعابير التي تحوم حوله التي ليس في المستطاع إحصائها واستقصائها , وقد تصل هذه التعاريف الى كبد التصوف فتصفه كما هو وعلى حقيقته او قد تقترب منه ولكن لاتصل الا الى قششته الخارجية دون الداخل . وعن عدد تعاريف التصوف والتي أريد بها كشف حقيقته وتبيان واقعه فإنها كثيرة ويتعذر جمعها وعدها ..
وعن ضخامة هذا العدد وتحديده فقد أشار الى ذلك الكثير من الكتاب والباحثين عن طرقهم لهذا الباب او كتابتهم عن هذا الموضوع ...
فالكاتب الإسلامي محمد جواد مغنية يشير الى (( انه قد ذكر له تعار يف شتى أنهاها بعضهم الى نيف وسبعين تعريفا )) (10) ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
(6) حركة التصوف الإسلامي ـ الدكتور محمد ياسر شرف .
(7) في تراثنا العربي الإسلامي ـ الدكتور توفيق الطويل .
(8) المواجيد : مفرده الوجد وهو مايرد على الباطن من الله فيكسبه فرحا او حزنا ويغيره عن حاله وهيئته ويتطلع الى الله تعالى , وهو أيضا (( مايصادف قلبك ويرد عليك بلا تعمد )) ..
(9) ظهر الإسلام ـ الدكتور احمد أمين.
(10) نظرات في التصوف والكرامات ـ محمد جواد مغنية .
أما الدكتور زكي مبارك فيذهب الى اكر من ذلك حيث يكتب : (( وقديما حار الناس في تعريف التصوف وتشعبوا الى مائة أي بل زادت أقوالهم في ماهيته على إلف قول )) (11).
أما الكاتبة وداد السكاكيني فلها رأي خاص حول الموضوع حيث تقول : (( وهناك كثير من التعريف بهذا المذهب الروحي بلغ المئات وملا الصفحات وتعددت فيه المعاني والألفاظ )) (12)
أما المستشرق الانكليزي نيكليسون فهو بدوره يدلي بدبالحرف:هذا الموضوع حيث كتب : (( فقد جمع مايقرب من (200) تعريف الا انه قرر في النهاية ماقرره المشايخ من قبل بان التصوف لايمكن معرفة كنهه وحقيقته بصورة تامة فهي تجمع معاني كثيرة , وان من يتصدى الى معالمها الرئيسية إنما يكون مسبقا الى رسم ضروب من الصور المعقدة )) (13) .
كما وقال مثل هذا السيد هاشم معروف الحسني حيث كتب بالحرف : (( ...... الى غير ذلك من التفاسير لماهية التصوف التي تزيد على ألف تفسير كما جاء في عوارف المعارف ـ وعلى كثرة ماقيل في تحديده لم يرد بينها تعرف جامع مانع يضع بين يدي القآء فكرة كاملة عن ماهيته ...)) (14) .
أما الشيخ عبد القادر عيسى فيكتب عن الموضوع : (( وقد حد التصوف ورسم وفسر بوجوه تبلغ نحو الألفين مرجع لصدق التوجه الى الله تعالى وانما هي وجوه فيه .... )) (15) .
بينما ويذهب السيد عدنان حسين العوادي حول الموضوع بالقول : اختلف الصوفية أنفسهم في تعريف التصوف وتحديده اختلافا بالغا حتى أربى ماوضع للتصوف من تعاريف على المئات , بل ان منهم من يرى ان الرؤيا الصوفية لايمكن ان توصف .... وبناءا على ذلك فان أية محاولة لتعريفها تعريفا منطقيا دقيقا تبوء بالفشل .... )) (16) .
هذا وإذا ما أردنا هنا تعريف التصوف ـ تعريفا نسبيا في الأقل ـ على ضوء الأقوال السابقة ـ بغض الطرف عمن يذهب الى تعذر ذلك ـ لإمكانية الوقوف على حقيقته والاطلاع على كنهه , فنرى من المناسب ان ننقل ونورد ماتقوله مختلف شرائح الناس بصدد هذا التعريف .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
(11) التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق ـ الدكتور زكي مبارك.
(12) العاشقة المتصوفة ـ وداد السكاكيني .
(13) الصوفية في الإسلام – ر . أ. نيكلسون .
(14) بين التصوف والتشيع ـ هاشم معروف الحسني .
(15) حقائق عن التصوف ـ عبد القادر عيسى .
(16) الشعر الصوفي ـ عدنان حسين العوادي .