@ المفاجأة الكبرى؛ مسلم يصف البخاري بسوء الروية، والبدعة، وقلة الشأن، وفساد القول، ومخالفة العلم والعلماء، والشذوذ عنهم :
صحيح مسلم - ج 1 - ص 22 - 28
وقد تكلم بعض منتحلي الحديث من أهل عصرنا في تصحيح الأسانيد وتسقيمها بقول لو ضربنا عن حكايته وذكر فساده صفحا لكان رأيا متينا ومذهبا صحيحا إذ الاعراض عن القول المطرح أحرى لإماتته واخمال ذكر قائله وأجدر أن لا يكون ذلك تنبيها للجهال عليه غير أنا لما تخوفنا من شرور العواقب واغترار الجهلة بمحدثات الأمور وإسراعهم إلى اعتقاد خطأ المخطئين والأقوال الساقطة عند العلماء رأينا الكشف عن فساد قوله ورد مقالته بقدر ما يليق بها من الرد أجدى على الأنام واحمد للعاقبة إن شاء الله * وزعم القائل الذي افتتحنا الكلام على الحكاية عن قوله والاخبار عن سوء رويته ان كل اسناد لحديث فيه فلان عن فلان وقد أحاط العلم بأنهما قد كانا في عصر واحد وجائز أن يكون الحديث الذي روى الراوي عمن روى عنه قد سمعه منه وشافهه به غير أنه لا نعلم له منه سماعا ولم نجد في شئ من الروايات انهما التقيا قط أو تشافها بحديث ان الحجة لا تقوم عنده بكل خبر جاء كهذا المجئ حتى يكون عنده العلم بأنهما قد اجتمعا من دهرهما مرة فصاعدا أو تشافها بالحديث بينهما أو يرد خبر فيه بيان اجتماعها وتلاقيهما مرة من دهرهما فما فوقها فإن لم يكن عنده علم ذلك ولم تأت رواية تخبر ان هذا الراوي عن صاحبه قد لقيه مرة وسمع منه شيئا لم يكن في نقله الخبر عمن روى عنه ذلك والامر كما وصفنا حجة وكان الخبر عنده موقوفا حتى يرد عليه سماعه منه لشئ من الحديث قل أو كثر في رواية مثل ما ورد * وهذا القول يرحمك الله في الطعن في الأسانيد قول مخترع مستحدث غير مسبوق صاحبه إليه ولا مساعد له من أهل العلم عليه وذلك أن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالاخبار والروايات قديما وحديثا ان كل رجل ثقة روى عن مثله حديثا وجائز ممكن له لقاؤه والسماع منه لكونهما جميعا كانا في عصر واحد وان لم يأت في خبر قط انهما اجتمعا ولا تشافها بكلام فالرواية ثابتة والحجة بها لازمة الا أن يكون هناك دلالة بينة ان هذا الراوي لم يلق من روى عنه أو لم يسمع منه شيئا فأما والامر مبهم على الامكان الذي فسرنا فالرواية على السماع ابدا حتى تكون الدلالة التي بينا فيقال لمخترع هذا القول الذي وصفنا مقالته أو للذاب عنه قد أعطيت في جملة قولك ان خبر الواحد الثقة عن الواحد الثقة حجة يلزم به العمل ثم أدخلت فيه الشرط بعد فقلت حتى نعلم أنهما قد كانا التقيا مرة فصاعدا أو سمع منه شيئا فهل تجد هذا الشرط الذي اشترطته عن أحد يلزم قوله وإلا فهلم دليلا على ما زعمت فان ادعى قول أحد من علماء السلف بما زعم من ادخال الشريطة في تثبيت الخبر طولب به ولن يجد هو ولا غيره إلى ايجاده سبيلا وان هو ادعى فيما زعم دليلا يحتج به قيل وما ذاك الدليل فان قال قلته لأني وجدت رواة الاخبار قديما وحديثا يروى أحدهم عن الآخر الحديث ولما يعاينه ولا سمع منه شيئا قط فلما رأيتهم استجازوا رواية الحديث بينهم هكذا على الارسال من غير سماع والمرسل من الروايات في أصل قولنا وقول أهل العلم بالاخبار ليس بحجة احتجت لما وصفت من العلة إلى البحث عن سماع راوي كل خبر عن راويه فإذا انا هجمت على سماعه منه لأدنى شئ ثبت عندي بذلك جميع ما يروى عنه بعد فان عزب عنى معرفة ذلك أوقفت الخبر ولم يكن عندي موضع حجة لامكان الارسال فيه فيقال له فان كانت العلة في تضعيفك الخبر وتركك الاحتجاج به امكان الارسال فيه لزمك ان لا تثبت اسنادا معنعنا حتى ترى فيه السماع من أوله إلى آخره وذلك أن الحديث الوارد علينا باسناد هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة فبيقين نعلم أن هشاما قد سمع من أبيه وان أباه قد سمع من عائشة كما نعلم أن عائشة قد سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم وقد يجوز إذا لم يقل هشام في رواية يرويها عن أبيه سمعت أو اخبرني أن يكون بينه وبين أبيه في تلك الرواية انسان آخر اخبره بها عن أبيه ولم يسمعها هو من أبيه لما أحب ان يرويها مرسلا ولا يسندها إلى من سمعها منه وكما يمكن ذلك في هشام عن أبيه فهو أيضا ممكن في أبيه عن عائشة وكذلك كل اسناد لحديث ليس فيه ذكر سماع بعضهم من بعض وإن كان قد عرف في الجملة ان كل واحد منهم قد سمع من صاحبه سماعا كثيرا فجائز لكل واحد منهم ان ينزل في بعض الرواية فيسمع من غيره عنه بعض أحاديثه ثم يرسله عنه أحيانا ولا يسمى من سمع منه وينشط أحيانا فيسمى الذي حمل عنه الحديث ويترك الارسال وما قلنا من هذا موجود في الحديث مستفيض من فعل ثقات المحدثين وأئمة أهل العلم وسنذكر من رواياتهم على الجهة التي ذكرنا عددا يستدل بها على أكثر منها إن شاء الله تعالى * فمن ذلك ان أيوب السختياني وابن المبارك ووكيعا وابن نمير وجماعة غيرهم رووا عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله ولحرمه بأطيب ما أجد فروى هذه الرواية بعينها الليث بن سعد وداود العطار وحميد بن الأسود ووهيب بن خالد وأبو أسامة عن هشام قال اخبرني عثمان بن عروة عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى هشام عن أبيه عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يدنى إلى رأسه فأرجله وانا حائض فرواها بعينها مالك بن انس عن الزهري عن عروة عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى الزهري وصالح بن أبي حسان عن أبي سلمة عن عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم فقال يحيى بن أبي كثير في هذا الخبر في القبلة اخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن ان عمر بن عبد العزيز اخبره ان عروة اخبره ان عائشة أخبرته ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم وروى ابن عيينة وغيره عن عمرو بن دينار عن جابر قال أطعمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الخيل ونهانا عن لحوم الحمر فرواه حماد بن زيد عن عمرو عن محمد بن علي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم * وهذا النحو في الروايات كثير يكثر تعداده وفيما ذكرنا منها كفاية لذوي الفهم فإذا كانت العلة عند من وصفنا قوله من قبل في فساد الحديث وتوهينه إذا لم يعلم أن الراوي قد سمع ممن روى عنه شيئا امكان الارسال فيه لزمه ترك الاحتجاج في قياد قوله برواية من يعلم أنه قد سمع ممن روى عنه الا في نفس الخبر الذي فيه ذكر السماع لما بينا من قبل عن الأئمة الذين نقلوا الاخبار انهم كانت لهم تارات يرسلون فيها الحديث ارسالا ولا يذكرون من سمعوه منه وتارات ينشطون فيها فيسندون الخبر على هيئة ما سمعوا فيخبرون بالنزول فيه ان نزلوا وبالصعود ان صعدوا كما شرحنا ذلك عنهم وما علمنا أحدا من أئمة السلف ممن يستعمل الاخبار ويتفقد صحة الأسانيد وسقمها مثل أيوب السختياني وابن عون ومالك ابن انس وشعبة بن الحجاج ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي ومن بعدهم من أهل الحديث فتشوا عن موضع السماع في الأسانيد كما ادعاه الذي وصفنا قوله من قبل وإنما كان تفقد من تفقد منهم سماع رواه الحديث ممن روى عنهم إذا كان الراوي ممن عرف بالتدليس في الحديث وشهر به فحينئذ يبحثون عن سماعه في روايته ويتفقدون ذلك منه كي تنزاح عنهم علة التدليس فمن ابتغى ذلك من غير مدلس على الوجه الذي زعم من حكينا قوله فما سمعنا ذلك عن أحد ممن سمينا ولم نسم من الأئمة فمن ذلك ان عبد الله بن يزيد الأنصاري وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم قد روى عن حذيفة وعن أبي مسعود الأنصاري وعن كل واحد منهما حديثا يسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم وليس في روايته عنهما ذكر السماع منهما ولا حفظنا في شئ من الروايات ان عبد الله بن يزيد شافه حذيفة وأبا مسعود بحديث قط ولا وجدنا ذكر رؤيته إياهما في رواية بعينها ولم نسمع عن أحد من أهل العلم ممن مضى ولا ممن أدركنا انه طعن في هذين الخبرين اللذين رواهما عبد الله بن يزيد عن حذيفة وأبى مسعود بضعف فيهما بل هما وما أشبههما عند من لاقينا من أهل العلم بالحديث من صحاح الأسانيد وقويها يرون استعمال ما نقل بها والاحتجاج بما أتت من سنن وآثار وهي في زعم من حكينا قوله من قبل واهية مهملة حتى يصيب سماع الراوي عمن روى ولو ذهبنا نعدد الاخبار الصحاح عند أهل العلم ممن يهن بزعم هذا القائل ونحصيها لعجزنا عن تقصى ذكرها واحصائها كلها ولكنا أحببنا ان ننصب منها عددا يكون سمة لما سكتنا عنه منها وهذا أبو عثمان النهدي وأبو رافع الصائغ وهما ممن أدرك الجاهلية وصحبا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من البدريين هلم جرا ونقلا عنهم الاخبار حتى نزلا إلى مثل أبي هريرة وابن عمر وذويهما قد أسند كل واحد منهما عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا ولم نسمع في رواية بعينها انهما عاينا أبيا أو سمعا منه شيئا واسند أبو عمرو الشيباني وهو ممن أدرك الجاهلية وكان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم رجلا وأبو معمر عبد الله بن سخبرة كل واحد منهما عن أبي مسعود الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم خبرين واسند عبيد بن عمير عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا وعبيد بن عمير ولد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم واسند قيس بن أبي حازم وقد أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي مسعود الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة اخبار واسند عبد الرحمن بن أبي ليلى وقد حفظ عن عمر بن الخطاب وصحب عليا عن انس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا واسند ربعي بن حراش عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثين وعن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا وقد سمع ربعي من علي بن أبي طالب وروى عنه واسند نافع بن جبير بن مطعم عن أبي شريح الخزاعي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا واسند النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد الخدري ثلاثة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم واسند عطاء بن يزيد الليثي عن تميم الداري عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا واسند سليمان بن يسار عن رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا واسند حميد بن عبد الرحمن الحميري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث فكل هؤلاء التابعين الذين نصبنا روايتهم عن الصحابة الذين سميناهم لم يحفظ عنهم سماع علمناه منهم في رواية بعينها ولا انهم لقوهم في نفس خبر بعينه وهي أسانيد عند ذوي المعرفة بالاخبار والروايات من صحاح الأسانيد لا نعلمهم وهنوا منها شيئا قط ولا التمسوا فيها سماع بعضهم من بعض إذ السماع لكل واحد منهم ممكن من صاحبه غير مستنكر لكونهم جميعا كانوا في كالعصر الذي اتفقوا فيه وكان هذا القول الذي أحدثه القائل الذي حكيناه في توهين الحديث بالعلة التي وصف أقل من أن يعرج عليه ويثار ذكره إذ كان قولا محدثا وكلاما خلفا لم يقله أحد من أهل العلم سلف ويستنكره من بعدهم خلف فلا حاجة بنا في رده بأكثر مما شرحنا إذ كان قدر المقالة وقائلها القدر الذي وصفناه والله المستعان على دفع ما خالف مذهب العلماء وعليه التكلان
مسلم، لحدة خلقه، انحرف عن البخاري، ولم يذكر له حديثاً في صحيحه، وحط منه، ووبخه :
سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج 12 - ص 572 - 573
قال أبو بكر الخطيب : كان مسلم يناضل عن البخاري ، حتى أوحش ما بينه وبين محمد بن يحيى بسببه. قلت : ثم إن مسلما ، لحدة في خلقه ، انحرف أيضا عن البخاري ، ولم يذكر له حديثا ، ولا سماه في " صحيحه " ، بل افتتح الكتاب بالحط على من اشترط اللقي لمن روى عنه بصيغة " عن " ، وادعى الاجماع في أن المعاصرة كافية ، ولا يتوقف في ذلك على العلم بالتقائهما ، ووبخ من اشترط ذلك . وإنما يقول ذلك أبو عبد الله البخاري ، وشيخه علي بن المديني ، وهو الأصوب الأقوى . وليس هذا موضع بسط هذه المسألة.
صحيح مسلم - ج 1 - ص 22 - 28
وقد تكلم بعض منتحلي الحديث من أهل عصرنا في تصحيح الأسانيد وتسقيمها بقول لو ضربنا عن حكايته وذكر فساده صفحا لكان رأيا متينا ومذهبا صحيحا إذ الاعراض عن القول المطرح أحرى لإماتته واخمال ذكر قائله وأجدر أن لا يكون ذلك تنبيها للجهال عليه غير أنا لما تخوفنا من شرور العواقب واغترار الجهلة بمحدثات الأمور وإسراعهم إلى اعتقاد خطأ المخطئين والأقوال الساقطة عند العلماء رأينا الكشف عن فساد قوله ورد مقالته بقدر ما يليق بها من الرد أجدى على الأنام واحمد للعاقبة إن شاء الله * وزعم القائل الذي افتتحنا الكلام على الحكاية عن قوله والاخبار عن سوء رويته ان كل اسناد لحديث فيه فلان عن فلان وقد أحاط العلم بأنهما قد كانا في عصر واحد وجائز أن يكون الحديث الذي روى الراوي عمن روى عنه قد سمعه منه وشافهه به غير أنه لا نعلم له منه سماعا ولم نجد في شئ من الروايات انهما التقيا قط أو تشافها بحديث ان الحجة لا تقوم عنده بكل خبر جاء كهذا المجئ حتى يكون عنده العلم بأنهما قد اجتمعا من دهرهما مرة فصاعدا أو تشافها بالحديث بينهما أو يرد خبر فيه بيان اجتماعها وتلاقيهما مرة من دهرهما فما فوقها فإن لم يكن عنده علم ذلك ولم تأت رواية تخبر ان هذا الراوي عن صاحبه قد لقيه مرة وسمع منه شيئا لم يكن في نقله الخبر عمن روى عنه ذلك والامر كما وصفنا حجة وكان الخبر عنده موقوفا حتى يرد عليه سماعه منه لشئ من الحديث قل أو كثر في رواية مثل ما ورد * وهذا القول يرحمك الله في الطعن في الأسانيد قول مخترع مستحدث غير مسبوق صاحبه إليه ولا مساعد له من أهل العلم عليه وذلك أن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالاخبار والروايات قديما وحديثا ان كل رجل ثقة روى عن مثله حديثا وجائز ممكن له لقاؤه والسماع منه لكونهما جميعا كانا في عصر واحد وان لم يأت في خبر قط انهما اجتمعا ولا تشافها بكلام فالرواية ثابتة والحجة بها لازمة الا أن يكون هناك دلالة بينة ان هذا الراوي لم يلق من روى عنه أو لم يسمع منه شيئا فأما والامر مبهم على الامكان الذي فسرنا فالرواية على السماع ابدا حتى تكون الدلالة التي بينا فيقال لمخترع هذا القول الذي وصفنا مقالته أو للذاب عنه قد أعطيت في جملة قولك ان خبر الواحد الثقة عن الواحد الثقة حجة يلزم به العمل ثم أدخلت فيه الشرط بعد فقلت حتى نعلم أنهما قد كانا التقيا مرة فصاعدا أو سمع منه شيئا فهل تجد هذا الشرط الذي اشترطته عن أحد يلزم قوله وإلا فهلم دليلا على ما زعمت فان ادعى قول أحد من علماء السلف بما زعم من ادخال الشريطة في تثبيت الخبر طولب به ولن يجد هو ولا غيره إلى ايجاده سبيلا وان هو ادعى فيما زعم دليلا يحتج به قيل وما ذاك الدليل فان قال قلته لأني وجدت رواة الاخبار قديما وحديثا يروى أحدهم عن الآخر الحديث ولما يعاينه ولا سمع منه شيئا قط فلما رأيتهم استجازوا رواية الحديث بينهم هكذا على الارسال من غير سماع والمرسل من الروايات في أصل قولنا وقول أهل العلم بالاخبار ليس بحجة احتجت لما وصفت من العلة إلى البحث عن سماع راوي كل خبر عن راويه فإذا انا هجمت على سماعه منه لأدنى شئ ثبت عندي بذلك جميع ما يروى عنه بعد فان عزب عنى معرفة ذلك أوقفت الخبر ولم يكن عندي موضع حجة لامكان الارسال فيه فيقال له فان كانت العلة في تضعيفك الخبر وتركك الاحتجاج به امكان الارسال فيه لزمك ان لا تثبت اسنادا معنعنا حتى ترى فيه السماع من أوله إلى آخره وذلك أن الحديث الوارد علينا باسناد هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة فبيقين نعلم أن هشاما قد سمع من أبيه وان أباه قد سمع من عائشة كما نعلم أن عائشة قد سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم وقد يجوز إذا لم يقل هشام في رواية يرويها عن أبيه سمعت أو اخبرني أن يكون بينه وبين أبيه في تلك الرواية انسان آخر اخبره بها عن أبيه ولم يسمعها هو من أبيه لما أحب ان يرويها مرسلا ولا يسندها إلى من سمعها منه وكما يمكن ذلك في هشام عن أبيه فهو أيضا ممكن في أبيه عن عائشة وكذلك كل اسناد لحديث ليس فيه ذكر سماع بعضهم من بعض وإن كان قد عرف في الجملة ان كل واحد منهم قد سمع من صاحبه سماعا كثيرا فجائز لكل واحد منهم ان ينزل في بعض الرواية فيسمع من غيره عنه بعض أحاديثه ثم يرسله عنه أحيانا ولا يسمى من سمع منه وينشط أحيانا فيسمى الذي حمل عنه الحديث ويترك الارسال وما قلنا من هذا موجود في الحديث مستفيض من فعل ثقات المحدثين وأئمة أهل العلم وسنذكر من رواياتهم على الجهة التي ذكرنا عددا يستدل بها على أكثر منها إن شاء الله تعالى * فمن ذلك ان أيوب السختياني وابن المبارك ووكيعا وابن نمير وجماعة غيرهم رووا عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله ولحرمه بأطيب ما أجد فروى هذه الرواية بعينها الليث بن سعد وداود العطار وحميد بن الأسود ووهيب بن خالد وأبو أسامة عن هشام قال اخبرني عثمان بن عروة عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى هشام عن أبيه عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يدنى إلى رأسه فأرجله وانا حائض فرواها بعينها مالك بن انس عن الزهري عن عروة عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى الزهري وصالح بن أبي حسان عن أبي سلمة عن عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم فقال يحيى بن أبي كثير في هذا الخبر في القبلة اخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن ان عمر بن عبد العزيز اخبره ان عروة اخبره ان عائشة أخبرته ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم وروى ابن عيينة وغيره عن عمرو بن دينار عن جابر قال أطعمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الخيل ونهانا عن لحوم الحمر فرواه حماد بن زيد عن عمرو عن محمد بن علي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم * وهذا النحو في الروايات كثير يكثر تعداده وفيما ذكرنا منها كفاية لذوي الفهم فإذا كانت العلة عند من وصفنا قوله من قبل في فساد الحديث وتوهينه إذا لم يعلم أن الراوي قد سمع ممن روى عنه شيئا امكان الارسال فيه لزمه ترك الاحتجاج في قياد قوله برواية من يعلم أنه قد سمع ممن روى عنه الا في نفس الخبر الذي فيه ذكر السماع لما بينا من قبل عن الأئمة الذين نقلوا الاخبار انهم كانت لهم تارات يرسلون فيها الحديث ارسالا ولا يذكرون من سمعوه منه وتارات ينشطون فيها فيسندون الخبر على هيئة ما سمعوا فيخبرون بالنزول فيه ان نزلوا وبالصعود ان صعدوا كما شرحنا ذلك عنهم وما علمنا أحدا من أئمة السلف ممن يستعمل الاخبار ويتفقد صحة الأسانيد وسقمها مثل أيوب السختياني وابن عون ومالك ابن انس وشعبة بن الحجاج ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي ومن بعدهم من أهل الحديث فتشوا عن موضع السماع في الأسانيد كما ادعاه الذي وصفنا قوله من قبل وإنما كان تفقد من تفقد منهم سماع رواه الحديث ممن روى عنهم إذا كان الراوي ممن عرف بالتدليس في الحديث وشهر به فحينئذ يبحثون عن سماعه في روايته ويتفقدون ذلك منه كي تنزاح عنهم علة التدليس فمن ابتغى ذلك من غير مدلس على الوجه الذي زعم من حكينا قوله فما سمعنا ذلك عن أحد ممن سمينا ولم نسم من الأئمة فمن ذلك ان عبد الله بن يزيد الأنصاري وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم قد روى عن حذيفة وعن أبي مسعود الأنصاري وعن كل واحد منهما حديثا يسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم وليس في روايته عنهما ذكر السماع منهما ولا حفظنا في شئ من الروايات ان عبد الله بن يزيد شافه حذيفة وأبا مسعود بحديث قط ولا وجدنا ذكر رؤيته إياهما في رواية بعينها ولم نسمع عن أحد من أهل العلم ممن مضى ولا ممن أدركنا انه طعن في هذين الخبرين اللذين رواهما عبد الله بن يزيد عن حذيفة وأبى مسعود بضعف فيهما بل هما وما أشبههما عند من لاقينا من أهل العلم بالحديث من صحاح الأسانيد وقويها يرون استعمال ما نقل بها والاحتجاج بما أتت من سنن وآثار وهي في زعم من حكينا قوله من قبل واهية مهملة حتى يصيب سماع الراوي عمن روى ولو ذهبنا نعدد الاخبار الصحاح عند أهل العلم ممن يهن بزعم هذا القائل ونحصيها لعجزنا عن تقصى ذكرها واحصائها كلها ولكنا أحببنا ان ننصب منها عددا يكون سمة لما سكتنا عنه منها وهذا أبو عثمان النهدي وأبو رافع الصائغ وهما ممن أدرك الجاهلية وصحبا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من البدريين هلم جرا ونقلا عنهم الاخبار حتى نزلا إلى مثل أبي هريرة وابن عمر وذويهما قد أسند كل واحد منهما عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا ولم نسمع في رواية بعينها انهما عاينا أبيا أو سمعا منه شيئا واسند أبو عمرو الشيباني وهو ممن أدرك الجاهلية وكان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم رجلا وأبو معمر عبد الله بن سخبرة كل واحد منهما عن أبي مسعود الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم خبرين واسند عبيد بن عمير عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا وعبيد بن عمير ولد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم واسند قيس بن أبي حازم وقد أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي مسعود الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة اخبار واسند عبد الرحمن بن أبي ليلى وقد حفظ عن عمر بن الخطاب وصحب عليا عن انس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا واسند ربعي بن حراش عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثين وعن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا وقد سمع ربعي من علي بن أبي طالب وروى عنه واسند نافع بن جبير بن مطعم عن أبي شريح الخزاعي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا واسند النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد الخدري ثلاثة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم واسند عطاء بن يزيد الليثي عن تميم الداري عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا واسند سليمان بن يسار عن رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا واسند حميد بن عبد الرحمن الحميري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث فكل هؤلاء التابعين الذين نصبنا روايتهم عن الصحابة الذين سميناهم لم يحفظ عنهم سماع علمناه منهم في رواية بعينها ولا انهم لقوهم في نفس خبر بعينه وهي أسانيد عند ذوي المعرفة بالاخبار والروايات من صحاح الأسانيد لا نعلمهم وهنوا منها شيئا قط ولا التمسوا فيها سماع بعضهم من بعض إذ السماع لكل واحد منهم ممكن من صاحبه غير مستنكر لكونهم جميعا كانوا في كالعصر الذي اتفقوا فيه وكان هذا القول الذي أحدثه القائل الذي حكيناه في توهين الحديث بالعلة التي وصف أقل من أن يعرج عليه ويثار ذكره إذ كان قولا محدثا وكلاما خلفا لم يقله أحد من أهل العلم سلف ويستنكره من بعدهم خلف فلا حاجة بنا في رده بأكثر مما شرحنا إذ كان قدر المقالة وقائلها القدر الذي وصفناه والله المستعان على دفع ما خالف مذهب العلماء وعليه التكلان
مسلم، لحدة خلقه، انحرف عن البخاري، ولم يذكر له حديثاً في صحيحه، وحط منه، ووبخه :
سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج 12 - ص 572 - 573
قال أبو بكر الخطيب : كان مسلم يناضل عن البخاري ، حتى أوحش ما بينه وبين محمد بن يحيى بسببه. قلت : ثم إن مسلما ، لحدة في خلقه ، انحرف أيضا عن البخاري ، ولم يذكر له حديثا ، ولا سماه في " صحيحه " ، بل افتتح الكتاب بالحط على من اشترط اللقي لمن روى عنه بصيغة " عن " ، وادعى الاجماع في أن المعاصرة كافية ، ولا يتوقف في ذلك على العلم بالتقائهما ، ووبخ من اشترط ذلك . وإنما يقول ذلك أبو عبد الله البخاري ، وشيخه علي بن المديني ، وهو الأصوب الأقوى . وليس هذا موضع بسط هذه المسألة.
تعليق