كل سني يجب أن يكون فيه تشيع وكل شيعي يجب أن تكون فيه سنة

المالكي لـ"الكويتية": نحن من أظلم الشعوب.. وفي العهد الأموي هُدمت الكعبة واستُبيحت المدينة وقُتل نسل النبي
خاص - «الكويتية»
* العدل تجده في القرآن الكريم أهم من الصلاة والصوم والحج والزكاة
* من يشرعن قوانين فوق الشريعة يوحي بأن دين الله ناقص
* تمنيت إيمان الشيعة وروحانية الصوفية وعمل السلف
* نصرالله في المقدمة لجهاده وصدقه
* الخلل بدأ من القرن الأول حينما تم التوسع بعسكرة الإسلام وتقليل المعرفة
* نعاتب أنفسنا نحن السنة على موقفنا من الزهراء وغياب حضورها الروحي
* الفتوحات في عهد بني أمية وبني العباس هدفها مثل أهداف المغول والصليبيين
رفض كل العروض للعيش خارج المملكة العربية السعودية، مؤكدا أن طرحه السني غريب عن وسطه المذهبي «لا عن النص الشرعي»، ويوحي بأنه متشيع، ويرى أن بني أمية ماتوا وبقي أتباعهم وهم يؤذونه وغيره إلى اليوم فالدول تموت وفكرها يبقى.
وتساءل لماذا أصر المسلمون على فتح الإسكندرية وشمال أفريقيا والأندلس، ولم يتوجهوا إلى أواسط أفريقيا، مشيرا إلى أنه ليس مع الفتوحات الإسلامية إلا للعراق والشام لأن سكانهما عرب مضطهدون، هو مثير للجدل في معظم آرائه بمختلف القضايا، ولديه قدرة على الحفظ دون الرجوع لمذكرة أو ورقة يحتفظ بها، كما أظهر اعتزازا بسعوديته ووطنيته، وبإعجابه الشديد بخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، وكذلك المغفور لهما الملك عبدالعزيز والملك فيصل، على الرغم من طرحه آراء تاريخية قد تثير جدلا واسعا لفترة طويلة لأنها غير مقبولة ولا معقولة في هذه المرحلة من قبل جميع المسلمين في العصر الحالي. إنه الباحث السعودي حسن فرحان المالكي الذي حاورته «الكويتية» للتعرف على أفكاره، وفيما يلي تفاصيل الحوار:
• ما رؤيتك لما يجب أن نكون عليه كمسلمين؟
-أولا أن نكتشف النورين، نور الوحي ونور العقل، فنحن بعيدون عن كتاب الله قطعا من حيث التدبر وترتيب أفكارنا وعقائدنا وأولوياتنا وفق القرآن، لأنني أجد أن الموضوعات الكبرى في القرآن الكريم استبدل بها موضوعات مذهبية صغيرة تنازعت فيها الأمم منذ القدم، هذا فيما يخص نور الوحي (النص)،
أما في ما يخص نور العقل، وهو نور العلم والمعرفة أو النور الإنساني المعتمد على التفكر في الكتاب الكوني (المادة بتشعباتها) الذي ارتقى به الأوروبيون واليابانيون والأميركيون وغيرهم، ونحن أضعنا النورين الأول بالمزاحمة بالروايات، والثاني بتعطيل التفكر والبحث المادي.
البوصلة
• هل أضعنا البوصلة مع أن لدينا أفضل شريعة سمحاء في الكون؟
-المسلمون جميعا لديهم الإسلام ولكن الإسلام اللفظي، أعني أنهم لم يغوصوا إلى حقائق الإسلام المعرفية والإيمانية وفق التوجيه القرآني، فعندما تأتي وتستعرض آيات العدل في القرآن الكريم تجد أن العدل في القرآن موضوع محوري كبير، بسببه بعث الله الرسل وأنزل الكتب، وهو بهذا أهم من أركان الإسلام عدا الشهادتين، لقولة تعالى: «لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط»، فلم يقل في التعليل «ليصلّوا أو ليصوموا أو ليحجوا أو ليزكوا» مع أهمية هذه الفرائض قرآنياً، إلا أن العدل فرض أعلى منها قرآنياً لوجود التعليل هنا، فقد جعل هدف إرسال الرسل وإنزال الكتب أن يقوم الناس بالقسط فيها بينهم، ونحن كمسلمين للأسف من أظلم الشعوب، فالأمة الإسلامية خاصة من أيام العهد الأموي أصيبت بهذا الظلم، وسكتت عن ظلم الحكومة الأموية التي كانت من أظلم الحكومات خاصة مع ورود النصوص الصحيحة، فقد كان هناك قتل وتعذيب، وهناك موسوعة كاملة تسجل التفنن في التعذيب ومعظمها في العصر الأموي والعباسي، وهي للدكتور عبود الشايجي في سبعة مجلدات مطبوعة!
وأكثر ما يؤسف أن المسلمين يومئذ «حكاماً وعلماء ووعاظا» لما عجزوا عن الارتقاء إلى عدالة النبي (ص)، أنزلوا النبي إلى ظلمهم ونسبوا إلى السيرة النبوية والسنة النبوية كثيراً من حالات العنف والإبادة ونزع الأعين والصلب والاستباحة والسبي وأشياء كبيرة.
كل هذا ليبرروا واقع ملوكهم ومن معهم، فتشوهت صورة النبي (ص) وأصبحنا نحتج على الآخرين والتشويه صادر منا في البداية، فلنبدأ بالتصحيح والنقد الذاتي قبل أن نتشدق بالدفاع عن النبي (ص)، فنحن أول من قبل تشويه صورته وسنته ورحمته وسعة أفقه ..إلخ.
الكتاب والسنة
• أين الكتاب الحق والسنة النبوية الحقة في أجندة المسلمين على مر العصور حتى الوصول إلى يومنا هذا؟
- في الواقع لسنا على كتاب ولا سنة، كيف ندعي ذلك ونحن في هذا التخلف والظلم والأحقاد المتبادلة ونشر الكراهية، هذا كله ضد الكتاب والسنة وتحريف لمعانيهما، بل حتى في موضوع أخص وهو موضوع الجهاد، فأن يأتي المسلمون من قديم ويقولون إن الله أمر بالجهاد فانطلقوا في مشارق الأرض ومغاربها لقوله تعالى:»واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، هكذا يفعلون بالقرآن، بينما لو تلوا الآية التي قبلها لوجدوا قول الله عز وجل: «وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا فإن الله لا يحب المعتدين»، فلو التزم المسلمون بهذه الآية لما حاربوا إلا المعتدين فقط، ولأقبلوا على تدبر القرآن والكون، ولكان إنتاجهم الفكري والثقافي في الذروة، لذلك أنا لست مع الفتوحات الإسلامية إلا في ما يخص العراق والشام، لأنها قبائل عربية مضطهدة من قبل الفرس والرومان، فعلة القتال قائمة هنا، لأن علة القتال في القرآن اثنتان فقط، إما دفاعا عن النفس، وإما نصرة لمضطهدين، وأما التوسع في الفتوحات إلى الأندلس غربا وإلى الصين شرقا، فهذا غير شرعي ولا يسنده النص القرآني المهيمن، وقد ألهتنا الفتوح من قديم عن المعرفة في القرآن الكريم، وعن بناء الشورى وعن بناء السياسة مع إماتتها للمشاركة الشعبية والحرية والعدالة والنظام المالي العادل، وعن أشياء كثيرة، وأقصد هنا أن الخلل قديم، بدأ من القرن الأول في التوسع بعسكرة الإسلام مادياً ومعرفياً، فأدى هذا إلى تقليل المعرفة وتشويهها، ثم تفسير الكتاب والسنة جاء مستجيبا لعسكرة الإسلام ولساسته وسلاطينه الذين في أغلبهم كانوا ظالمين ويتجبرون على الناس، وتم إنتاج عقائد متساوقة مع الجبر العسكري مثل عقيدة الجبر، بحيث يدعون أن الإنسان مجبور على أفعاله، وأن ما هم فيه من مظالم هي من قدر الله فليؤمنوا به ويصبروا عليه!
وتم في الجانب الآخر إنتاج عقيدة الإرجاء التي تسهل على الناس دخول الجنة بمجرد أذكار بسيطة أو بناء مسجد كموضع قطاة (حمامة)!
فالمسلم عندنا لا يحتاج إلى أن يتعب نفسه في الأمر بالمعروف (القرآني) والنهي عن المنكر (القرآني)، وأطر نفسه على الصدق والعدل، وإنما الجنة أقرب من هذا، إنها مجرد تسبيحات وتكبيرات وتهليلات ويغفر له ما تقدم من ذنبه ولو كانت خطاياه مثل زبد البحر!
وفي الجانب الآخر يتم إقلاق نفسية المسلم بأن الذنب الصغير يمكن أن يهوي به في جهنم سبعين خريفاً «مجرد كلمة يضحك بها الناس»!
فأصبح المسلم معه عشرة أحاديث تدخله الجنة وعشرة أحاديث تهوي به في النار سبعين خريفاً.
وهذا خلاف القرآن، فالقرآن لا يذكر الجنة إلا بعد أشياء كبيرة، ولا النار إلا بعد أشياء كبيرة، فثقافتنا بنيناها على روايات أحاديث متأثرة بالجانب السياسي والسذاجة الوعظية، فالله لم يأمر أن نقرأ الكتاب فقط، ولا أن نحفظه بل أمرنا أن نتدبره.
أبو ذر الغفاري
• هل تم ليّ معاني القرآن بشكل يتناسب مع ما أراد وكما ذكرت؟
- نعم فالسلطة هي التي فعلت، وتستطيع أن تحشد لها، فكان هناك صالحون ينطقون بالحق ووجدوا أذى، فأبو ذر الغفاري في زمنه وجد أذى في الجانب المالي والاقتصادي في ظل الامتيازات التي كانت لغيره، وكذلك عامر بن عبد قيس وكميل بن زياد وزيد بن صوحان والحسن البصري إلخ، والصلحاء عبر التاريخ لهم مواقف أنكروا فيها على سلاطين الجور. في العهد الأموي استطاعت السلطة وجبروتها أن تهدم الكعبة وتستبيح المدينة وتقتل أبناء النبي فماذا تريد بعد هذه الحرمات العظيمة؟ فالضعيف من الناس خاف، ودول الجبروت أصلا لم تكن كما ندعيه بأنهم كانوا يتسابقون على رضى الرحمن، وأن السيف بيد والقرآن بيد! فهذه أدبيات حماسية غير صحيحة على أرض الواقع، والأصل في الفتوح وخاصة في العهد الأموي والعباسي إنما هو لأجل المال والدنيا، والنبي (ص) يقول: «ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم الدنيا، أن تنافسوها كما تنافسها الذين من قبلكم، فتهلككم كما أهلكتهم»، وقد أهلكتنا الدنيا فعلاً، وصرفتنا عن الدين والمعرفة والعدل والتسامح والهدوء النفسي ..إلخ.
حتى في عهد النبي كان القرآن ينزل بنقد المؤمنين وتوجيههم «ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا»، فالإسلام الذي يظن صاحبه أنه إسلام كان النبي يقاومه لأنه ليس إسلاماً، فليس الإسلام بالمزاج وإنما بالبرهان والدليل، وبعد أن توفي النبي (ص) لم يأت وحي ليقيّم المواقف ويسددها، ففي عهد النبي تلحظ في قراءة السور الكريمة تقييمات في كل الغزوات والمعارك، في بدر (الأنفال) وأحد (آل عمران) والخندق (الأحزاب) ..إلخ، فهي تقييمات للمسلمين فعلتم كذا وأطعتم في كذا وعصيتم في كذا، وتظنون بالله الظنون في الحدث الفلاني..إلخ، فجميعها تقييمات من الوحي للمسلمين في وقت مبكر، وقت النبوة ونزول الوحي وتألق الإيمان، فكيف سيكون حالهم بعدها؟
بعد وفاة النبي (ص) وانقطاع الوحي لم يعد هناك تقييم، وأصبحت السلطة هي التي تقيم، وتقول للناس أحسنتم أو أسأتم.
والسلطة قاصرة عن النظرة القرآنية التي لا تجامل أحداً، ولا تخشى من أحد.. فلذلك نجد العتب القرآني شديداً.. بعكس الاعتذارات الفقهية.
قصور بشري
• من أين نشأ هذا المبدأ لدى السلطات؟ وهل تعتقد أن المسلمين الأوائل لم يكن إسلامهم كاملا؟
-في عهد الخلفاء الراشدين كان هناك قصور بشري يمكن تداركه، وأما في العهد الأموي والعباسي فقد أصبح هناك استبداد كبير، والسلطة أصبحت هي الرقم واحد، والعقل والعبقريات ضعيفة، وإذا اكتشفوا رجلا ذكيا لا يعينونه في نتائجه أو اهتماماته، وإنما يتم تكفيره وزندقته أو يستفاد منه ويأخذونه كمستشار لكيفية اغتيال المعارضين، ومشكلتنا في التاريخ الإسلامي أننا عندما نقول إن هناك قصورا بشريا في عهد الخلفاء الراشدين يسمى هذا طعنا وتهجما، وهذا قصور في الفهم، فالله عز وجل يقول للمسلمين الذين كان النبي فيهم «واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم»، أي لشقيتم، فهنا ينبه الله النبي ألا يطيع الصحابة في كثير من الأمور وإلا فسيشقون، ولو انطلقنا من هذه الآية بعد وفاة النبي لدلتنا على بداية العنت ولو كان نسبيا، وسيأتي العنت ولو تدريجيا، فالواجب أن نراقب مظان هذا العنت في حقوق الإنسان مثلاً، وهو من العنت، وكذلك التوسع في العقوبات (وهي عنت)، والتفاضل في العطاء، ومراقبة زحف العصبية القبلية (وهي من العنت)، والمتمثلة في القرشية المتغلبة على الأنصار حتى في الولايات وقيادة الجيوش والمشاركة في القرار..إلخ، رغم أن الأنصار أغلبية الصحابة (كانوا ثلثي الصحابة الأولين)، وكذلك لو راقبنا الاهتمام بالفتوحات وكيف تمت على حساب المعرفة والبحث والتدبر، ولو راقبنا أن القرآن لم يخرج إلى الناس إلا بعد عشرين سنة تقريباً من وفاة النبي أي بعد فترة طويلة، وبعد أن وصلت الروايات واختلطت الآراء الشعبية وغيرها التي كانت قد أتمت بناء كثير من القيم الدينية والعقلية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، إذن فهذا يسمى قصورا (وكله من بدايات العنت المعرفي والحقوقي والسياسي الذي أسس لما بعده ولو بحسن نية أو على الأقل اقتدى به من بعده بسوء نية).
فالصالح من المسلمين يحدث منه قصور بلا قصد، فيأتي الظالم ليحصد هذا القصور ويعتمد عليه ويجعله شرعاً.. إلخ.
والجبن أو الخوف عن تقييم التاريخ وأثره في الفكر والدين مشكلة كبيرة، إذ إنه يبرر السكوت عن هذا التداخل (البشري- الديني) وبقاء الدين صافياً (عن كل إدخال بشري) واجب كل مسلم.
ولا ريب أن الوعي التاريخي هو أفضل ما يعيدنا إلى النص الأصلي، وعندما تقرأ الفتوحات ستجد أن المسلمين انطلقوا من أقصى الإسكندرية شرق أفريقيا إلى طنجة غرب أفريقيا ثم الأندلس، وستجد أن هذه المسافة الطويلة التي تمتد لآلاف الكيلومترات كان عرضها قد لا يتعدى عشرة كيلومترات باستثناءات في مصر، لماذا؟
لماذا الشريط الساحلي فقط، ألا نتساءل لماذا لم تفتح أفريقيا كلها؟ لماذا لم يتجهوا جنوبا؟ ألا يستحق هؤلاء البشر الهداية؟ ألا يستحقون الإسلام؟
فالجواب يأتي واضحاً وهو أن غرض الفتوحات في العهد الأموي المال والجواري، وإشغال المعارضة الداخلية والتجنيد الإجباري وليس الغرض نشر الدين ولا الجهاد في سبيل الله.. وكلما اتهمنا التاريخ برأنا الإسلام من أهواء البشر، وعلى العكس كلما برأنا السلطات وضعنا أخطاءها وأطماعها على ظهر الإسلام الذي أصبح يئن من كثرة الأحمال التي ألقيناها بلا رحمة فوق ظهره!
إذن فالبلاد المفتوحة هي البلاد التي يتمتع أهلها بالبشرة البيضاء والمال، وتم إهمال الفقراء أصحاب البشرة السوداء، فيؤخذ من البيض السبايا والأموال، أما الفقراء السود فلا نحتاج إليهم، فجيبوتي والصومال مثلا لماذا لم نصل إليها وهي على حدود العرب جنوباً ووصلنا إلى فرنسا والصين؟!
لماذا لم نبعث لهم زورقا واحداً فيه مجموعة من الدعاة أو العساكر أو حتى داعية مسلم واحد، ولو ترى الخريطة في الفتوحات كلها شمالية بيضاء، بينما الرسالة المحمدية هي جمعاء للأبيض والأسود وغيرهم، فلو كانت الفتوحات هي نتيجة أوامر النبي أو كما قالوا إنه بشّر بهذا وأمر بكذا وكذا وأنه قال (جعل الله رزقي تحت ظل رمحي)، وغير ذلك من هذه الأحاديث الجهادية التي وضعتها السلطات، لما اقتصرت الفتوحات على البلدان البيضاء..
وهذه الأحاديث لا تصح، لأن النبي لا يخالف القرآن، وقد عرفنا علة القتال في القرآن (في حق المحاربين أو نصرة المضطهدين فقط).. وليس هناك حرب على أساس ديني، وإنما للأمرين السابقين، وسيرة النبي تشهد بهذا، فقد تتبعتها غزوة غزوة وسرية سرية.. والموضوع يطول..
فهذا الخلل العسكري فقط، فما بالك بتتبع الخلل الفكري والنفسي والعصبية القبيلة، وعودتها بين زعامة قريش وثقيف وإهمال بقية القبائل، فهذه إذا لم يجتمع الباحثون المسلمون على مناقشتها فسنحمل الإسلام أخطاء الفاتحين وأخطاء البشر، وكلما نقدت التاريخ رفعت الإسلام، وكلما رفعت البشر أنزلت الإسلام تحت البشر.
النساء والمال
• هل تعني في تقييمك أن الفتوحات الإسلامية الأولى في أوروبا كان هدفها النساء والمال؟
- نعم الفتوحات التي في عهد بني أمية وبني العباس الهدف منها مثل أهداف المغول والصليبيين تماما، وتقتصر على التوسع والمال والتسلطن، وليس الهدف نشر الدين، فالدين لم ينشروه في بلاد المسلمين فكيف ببلاد غير المسلمين؟ فلم يتح لهم نشر الدين بمعنى الدين، ولا بد لديننا الذي نزعم أنه ديننا أن نخضعه للقرآن الكريم، فإذا رفع القرآن قيمة العدل يجب أن نرفعها، وإذا أهمل موضوع اللحية يجب أن نهملها أو على الأقل لا تكون أولوية دينية.. وإذا خفض القرآن قيمة الشخص نتبع الدين الحق في خفضها، أما أن تأتي أنت بدين بديل فتجعل العدل فيه قيمة صغرى وترفع من قيمة السلطان والأشخاص.. فهنا هذا دينك أنت لا دين الله، أنت الذي ضبطته وأصلحته وخيطته..إلخ.
يجب أن نقيم الدين الموروث بالخضوع التام لكتاب الله وسنة رسوله، فهذا لم يفعله المسلمون وهم بهذا يلعبون بالدين كما شاؤوا، بمعنى إن لم يعجبنا العدل والحرية نخرجها من أساسيات الدين، ولا نضع لها بابا من أبواب البخاري أو مسلم أو الترمذي، بينما باب الزينة وباب اللباس وباب المشي وباب الجلوس وباب القعود هذه موجودة، وأكبر جريمة يفعلها المسلمون وفعلها قبلهم النصارى واليهود هو الكذب على الله وعلى رسلهم، والنبي (ص) قد قال: «لتسلكنّ سنن من كانوا قبلكم، شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه»، ألا نردد ذلك على المنابر في هذه الأيام، فماذا فعلنا سوى أننا نزعم بأننا أفضل أمة أخرجت للناس دون مراقبة لشروط ذلك المذكورة في النص من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
وحتى هذا الموضوع (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) شوهناه، وحصرناه في أمور صغرى، متناسين أن أعظم المنكر الظلم، وأعظم المعروف العدل.. وهكذا..
قائد الضلال
• ما سبب الصد عن الدين ومن أين أتت هذه الأسباب؟
- نحن كمسلمين يجب أن نؤمن بجميع ما في القرآن الكريم، فالقرآن مثلاً ركز على إبليس (الشيطان) فلماذا نهمل معرفته ومكره وتلبيسه وتزيينه؟ ..إلخ.
الشيطان في القرآن هو قائد الضلال في هذا العالم، ولديه خبرة طويلة من أيام آدم عليه السلام وإلى اليوم، يدخل في كل نفس ويعرف طبيعتها وكيفية التأثير فيها مهما كانت تلك النفس إن لم تعتصم بالله، تصور الآن لو أن عالما نفسيا يدخل في كل نفس! كيف تكون قدرته على الإيحاء والإقناع؟ ألا تكون قدرة هائلة؟ والشيطان لا يركز على جنوده من القتلة والمجرمين فقط، وإنما غاية اهتمامه تتركز على من بيدهم تفسير الدين ودعوة الناس إليه.. من علماء وفقهاء وسلطات حامية لهذا الدين، فيدخل عبر مواطن التأسي والقدوة، ويشوش بهذا على الأنوار جميعا الوحي والعقل ..إلخ، وهمه الأول إطفاء نور القرآن وإطفاء نور النبوة، ليس بالمحاربة المباشرة وإنما بتحريف هذا الدين حتى يصبح معه أكثر مما هو مع الأنبياء.. وحتى يتبعه من أتباع الدين أكثر ممن يتبع النبي (ص)..
وقد نجح -للأسف- هذا الشيطان في ذلك نجاحا كبيرا، فأخذ أكثر الناس معه، بالتأثير على الفقيه والسلطان قبل العامي الذي لا يتبعه أحد..
والقليل من العلماء والباحثين والسلاطين من يتنبه لخطورة هذه الأمور، الشيطان وجنوده من نفس وهوى وعصبية ومصالح وكبر ..إلخ، وما أقوله هنا هو منطق إيماني وليس عقلياً مادياً نتيجة بحث تجريبي..
وللشيطان مشروع إضلال كبير، وقد أنسى المسلمين ذكره وأشغلهم ببعضهم، حتى أنك لو تدخل أي مكتبة تجد تحذير السنة من الشيعة، والشيعة من السنة، والسلفية من الجهمية والأشاعرة أكثر من التحذير من الشيطان الرجيم، بل لن تجد كتاباً في هذا الشيطان الذي تكثف تحذير الله منه في كتابه الكريم..
فهل كان تحذير الله عبثياً؟ معاذ الله..
إذن فالشيطان ليس له وجود في ثقافتنا الدينية، وكأننا استجبنا لمدننة المعاني الغيبية (مدننة: من المادية)..
والخلاصة هنا أن الشيطان قائد عام للضلال، له أتباع مجرمون من القتلة غير المسلمين مثل كفار قريش، وله صف آخر داخل المسلمين يحرف معاني الكتاب فيهمل منه أمورا كبرى كالعدل والعقل والحرية والتفكر والحقوق ..إلخ، فيرفع من الأشخاص فوق النص، ويجعل الناس كلهم سلفا، ثم انتشرت عبارة «اجتهد واخطأ» حتى لو أجرم وسفك الشخص الدماء بلا وجه حق، فهو في هذه الثقافة (اجتهد وأخطأ وله أجر واحد على كل جريمة ارتكبها)..
شرع النص
• ماذا تقصد؟
- أقصد أننا أصبحنا نأخذ الشرع من السلف، ونأخذ الشرع من تطبيقات البشر ونأخذ الشرع من الفقهاء، فالشرع يؤخذ من النص فقط، وما الحكم إلا لله، من القرآن ومن السنة، فالسنة لها معايير، فنحن نتفاخر إلى اليوم في قصائدنا وأدبياتنا بأن خالد القسري قتل الجعد بن درهم، وقال: «أيها الناس ضحوا تقبل الله أضحياتكم فإني مضح بالجعد بن درهم، فإنه زعم أن الله لم يكلم موسى تكليما ولم يتخذ الله إبراهيم خليلا»، ثم نزل وذبحه، ونحن إلى اليوم نسمع قول الذابح ولم نسمع قول المذبوح، فقد ردد هذه القصة البخاري في كتابه (خلق أفعال العباد)، ثم تتابعوا على مدح فعل خالد القسري إلى اليوم، وهذا الإمام ابن القيم على فضله يشيد بفعل خالد القسري في قصيدته النونية،
فأي دين سنعرضه على العالم؟ فهذا المذبوح لم يؤخذ قوله بعد؟
ألم ترددوا لنا مثالاً في العدل، بأنه «إذا أتاك شخص وقد فقئت عينه فلا تحكم حتى يأتيك الآخر فربما فقئت عيناه»، فالمذبوح الجعد بن درهم وإلى الآن لم يسمع قوله!
طبعاً كانت السلطة تتمسح بالدين، فالجعد بن درهم كان معارضا سياسيا فقط، وكان مع يزيد بن المهلب ضد يزيد بن عبدالملك، أما خالد القسري فهو رجل ظالم وفاجر وشرير وشريب خمور وليس بأهل أن يحكم على الناس ويذبحهم بلا حكم قضائي عادل..
الأحكام الوضعية
• هل هذا المنطق لايزال موجودا إلى يومنا هذا؟
-للأسف نعم فالأحكام الوضعية في كتب العقائد أسوأ من الأحكام التي نشكو وضعيتها من القوانين الغربية، كل كتاب عقائدي- سواء كان شيعيا أو سنيا- فيه كلمة (يستتاب فلان وإلا قتل) فهو كتاب وضعي، أو على الأقل فيه أحكام وضعيه، لأن كلمة «الاستتابة» ليست شرعية، ولا وجود لها في كتاب الله ولا سنة رسوله أبدا، والذي قال للنبي -وهو النبي- «ليخرجنّ الأعز منّا الأذل»، لم يستتبه النبي نفسه، والذين استهزؤوا بالله وآياته ورسوله في غزوة تبوك وأنزل الله فيهم (لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم)، لم يستتبهم النبي أيضاً، فضلاً عن أن يقتلهم أو يطلّقهم من زوجاتهم أو يسجنهم أو يجلدهم، ولم يمنعهم العطاء ولم يمنع من الزواج منهم أو يتزوجوا من الآخرين، ولا منعهم من الدفن في مقابر المسلمين، فحق للمضطهدين من المسلمين اليوم أن يطالبوا «بحقوق المنافقين في عهد النبي (ص)»، وأكبر عدو للرحمة والعدل والحرية المسؤولة في الإسلام المحمدي (القديم) هم أصحاب المذاهب أنفسهم أو كثير منهم ممن شرعنوا هذه العقوبات على أمور قد لا تكون محرمة أصلاً، فهم يأخذون الله ورسوله معهم لكبت حريات الآخرين، ويشرعنون القوانين المضافة للشرع، وكأن الله أنزل دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامه، أو كأنهم شركاء لله- والعياذ بالله- فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى، أو كأن النبي قصر في تبليغ الرسالة فهم استكملوها!
تعليق