ما علاقة سياسيينا بفاتن حمامة؟
فاتن حمامة ممثله مصرية ملتزمة، لمع نجمها في أربعينيات القرن الماضي، وأبدعت في عملها واستحقت بجدارة لقب سيدة الشاشة العربية، وغادرت مصر وهي في قمة عطائها للفترة من 1966-1971 بسبب تعرضها لضغوط سياسية ومضايقات الأجهزة المخابراتية المصرية التي استهترت بالإنسان وعاثت فسادا ابان الحكم الناصري، لقد اجادت هذه السيدة في بداية مشوارها الفني أداء شخصية الفتاة المسكينة البريئة المغلوبة على أمرها, فسلبت عطف المشاهدين وقلوبهم، وفي فترة الخمسينيات كان شائعا أن يحضر الممثلون الى دار السينما لافتتاح العرض الاول لفيلمهم الجديد ويجلسون بين الجماهير، وأثناء عرض أحد الافلام الذي كانت بطلته فاتن حمامة كالعادة تبكي وتقاسي الامرين بسبب اضطهاد الفنان المبدع زكي رستم لها, فتفاعلت الجماهير الغاضبة مع مشاهد الظلم القاسية وتصاعد حماسها فهاجموا الفنان الكبير رستم يرومون ايذائه أو ربما قتله تعاطفا مع نجمتهم المحبوبة لولا تدخل رجال الامن في اللحظة المناسبة لإنقاذه، وهذا ان دل على شيء فهو يدل على ابداع هؤلاء الممثلين العمالقة في كسب عواطف الجماهير ومحبتهم, فالناس في طبعها تميل الى التعاطف مع المظلوم ونصرته بأي وسيلة كانت.
ان دور التباكي والتظاهر بمظهر المظلوم والمغلوب على أمره اجاده معظم سياسيو عصر ما بعد التغيير, كل يشكو من ظلم الاخر مدعيا بانه (يريد) أن يقدم شيئا للشعب (ولكن) الاخرين يمنعونه، ان ظاهرة ولع السياسيين بالظهور في وسائل الاعلام بوجوههم الشاكية الواجمة ادت وتؤدي الى تنامي ردود أفعال حاقدة وعنيفة ودامية ضربت بظلالها على مزاج رجل الشارع العراقي, وأفضت الى تصاعد روح الكراهية والتنافر بين أبناء الشعب الواحد, لان كل سياسي يدعي انه يمثل طائفته وملته ليوهمها بالتهميش, بينما أكدت السنين العجاف المنصرمة أنه لا يمثل الا نفسه, لان التهميش شمل الشعب بأكمله!، بدليل ان كل فئة من فئات الشعب تنتقد نوابها، لذا فمن واجب السياسيين اليوم خدمة وطنهم وشعبهم بشرف وبمهنيه عالية, والكف عن تمثيل أدوار المغلوب على أمرهم لتبرير عجزهم وفشلهم, بينما هم يستحوذون على أموال الشعب العراقي المظلوم بدون حق ويحرمونه من أبسط حقوقه المشروعة، بل يجب عليهم اشاعة روح المحبة والوئام بين الجماهير بتدابير تفضي الى شعورهم بالعدل والرضا وأولها تقسيم الثروات بالقسط وتوفير الخدمات التي ماتزال أمل كل مواطن أصيب بالإحباط والقنوط بعد يقينه بأن أحلامه لم تكن الا أضغاثا. ان ترك مظهر المتسولين البائسين يجب ان لا يفهمه بعض السياسيين بان يعاودوا ممارسة هوايتهم بالظهور الاعلامي الممل، ولكن هذه المرة بوجوه النظام البائد العابسة الكالحة ونظراتهم المتعالية الشزرة الشريرة, بل يجب أن يكونوا كما السياسيين في العالم الغربي المتحضر, فهم متواضعون لكن متأنقين وبسلوكهم طبيعيين, الذين ينامون الليل امنين مطمئنين تحفهم الملائكة لانهم عادلين, فلم يؤذوا أحدا أو ينهبوا حقوق الاميين والمستضعفين, ولكونهم عن النهب والسلب متعففين، وعن اللغو والتبريرات بعيدين, فهم ليسوا بحاجة لجيوش الحمايات المسلحين والمصفحات، وبما ان سياسيينا المنتخبين يعشقون الشهرة والاضواء الساطعة ولم يتفهموا بعد ان إنصاف المواطنين بكل مللهم هو الحل الامثل لاستقرار العراق السياسي والامني الحصين, نهدي لهم ونحن في أجواء الفن الجميل اغنية المطربة العراقية المبدعة عفيفة اسكندر (أريد الله يبين حوبتي بيهم!) التي هي لسان حال كل المظلومين.
هشام الخزاعي
المقال يعبر عن رأي كاتبه