الإهداء :
إلى أرواحِ الشٌّهداءِ الَّذينَ قَضَوْا في سَبيلِ الثَّورةِ الإسلاميَّةِ، ولم يُذعِنوا لِطُغاةِ الشَّرقِ والغَربِ.
نَسَبُهُ:
يَنحَدِرُ مُسلمُ بنُ عَقيلٍ مِنْ عائلةٍ كَريمةٍ منْ قريشٍ، وأَبوهُ عَقيلُ بنُ أَبي طالبٍ، وهوَ أخو أميرِ المؤمنينَ عليٍّ (ع)، وكانَ عقيلٌ مَعروفاً بالنَّجابَةِ والعِلمِ والفَضلِ، ويُعَدُّ منْ أصحابِ أخِيهِ المخلِصينَ في طريقِِ الإسلامِ والقرآنِ. وكانَتْ لهُ عنَد رسولِ اللهِ (ص) مكانةٌ خاصَّةٌ، فقد أجابَ يوماً عن تَساؤُلِ أميرِ المؤمنينَ (ع) عن محبَّتِهِ (ص) لِعَقيلٍ بقولِه: أَيْ واللهِ، إنّي لأُحِبُّهُ حُبَّينِ، حُبّاً له، وحُبّاً لِحُبِّ أبي طالبٍ له… وابْنُهُ مُسلمٌ يُسْقى الشَّهادةَ في سبيلِ محبَّةِ ونُصرةِ الحُسينِ، فَيَبكيهِ المؤمنُونَ، وتُبارِكُ ملائكةُ الرَّحمنِ روحَهُ الطّاهِرةَ.
وأنجبَ عَقيلٌ هذا من زَوجتِه أُمِّ وَلَدٍ، ابنَهُ مُسلماً، أَوَّلَ منْ قُتِلَ في الكوفةِ منْ أصحابِ الحسينِ(ع)، مِنْ بنيِ هاشِمٍ.
حياتُهُ:
لقد صَمَتَ التَاريخُ عن الحديثِ عنْ مُسلمِ بنِ عقيلٍ في بَواكيرِ حَياتِهِ، ولَمّا بَلَغَ الثامِنَةَ عَشْرَةَ من عُمرهِ، رَعاهُ عَمُّهُ الإِمامُ عليُّ (ع) بعدَ أنْ قضى أبوهُ. وعن عَمِّهِ تَلَقّى شَتّى فُنونِ المَعارفِ؛ كَما تَلَقّى فُنونَ الشَّجاعَةِ والإِقدامِ. وغَدا مِنْ أَصحابِهِ المُلخصينَ، وبعدَ استِشهادهِ عليهِ السَّلامُ، تابَعَ طريقِ الدّعوةِ إلى الإِسْلامِ الحقِّ، مَعَ أبناءِ عَمِّه الأَكرمينَ، بِتفانٍ وإِخلاصٍ، حتّى قَدَّمَ حياتَهُ في هذا الطَّريقِ.
عُهودُ الظَّلامِ:
تَرَّبعَ مُعاويةُ على سَدَّةِ الحُكمِ بعدَ مقتَلِ سَيِّدِ المُتَقينَ (ع)، ومنْ بَعدِهِ أسْلَمَ الحُكمَ لابنِهِ يَزيدَ، كانَ يَزيدُ شابّاً عابثاً فاسِداً، انْصَرفَ إلى الخمرِ واللَّهوِ والقِمارِ، بعدَ أَنْ داسَ بِقَدمَيْهِ تعاليمَ الإِسلامِ وأحكامَهُ، الّتي أقامَها الرّسولُ الأكرمُ (ص)، ورَعاها من بعدِهِ الأَئِمَّةُ منْ أهلِهِ عَليهمْ السَّلامُ.
اسْتَشْرى الفَسادُ في أيّامِ يزيدَ وتَفَاقَمَ حتّى أَنَّ بعضَ المَؤرِّخينَ ذكروا أنَّ فِرْعَوْنَ الطّاغيةَ كَانَ أَكثَرَ عدلاً وإِنصافاً منْ يزيدَ.
طلبَ يزيدُ منْ عامِلِهِ على المدينةِ أنْ يأخُذَ لهُ البَيْعَةَ من الحسينِ (ع)، سيِّدِ الأَحرارِ ونَصيرِ المَظلومينَ، لكِنَّ الحُسينَ أبى، وتَوَجَّهَ من ثَمَّ إلى مكَّةَ المَكَرَّمَةَ، يُهَيِّئُ الأّسبابَ، وَيُوقِظُ النّاسَ على الحَقائِقِ المُؤْلِمَةِ، ويُبَينَّ الأَخطارَ الّتي يَتَعرَّضُ لها الدّيُن الحنيفُ على يَدَيْ يَزيدَ وأعوانِهِ، ويَدعو النّاسَ إلى القيامِ في وجهِ زَبانيةِ الطُّغيانِ وأصلِ الفَسادِ.
الكوفةُ والأحداث:
كان أهلُ الكوفةِ يَرَوْنَ ما آلَتْ إليهِ الحالُ، ويُعِدّونَ أنفُسَهم لِمُواجَهَةٍ لابُدَّ آتِيَةٍ معَ الحُكمِ الفاسدِ، وعِندما بلَغهُم نبأُ رفْضِ الإِمام الحُسينِ (ع) لبَيعَةِ يزيدَ أَجمَعوا أَمرهُهم على دَعوتِه إلى الكوفَةِ، ومُبايعتِهِ، والتَّحرُّكِ تَحتَ قيادَتِهِ، وكانَ أوَّلَ من بادَر إلى الدعوةِ سليمانُ بنُ صردٍ الخُزاعِيُّ، حيثُ جَمعَ أعيانَ الكوفةِ في دارِهِ، وَوَقَّعَ معهمْ في نهايَةِ المُداوَلاتِ وَثيقَةً هذا فَحواها:
1 ـ رَدُّ بيعةِ يزيدَ بنِ معاويةَ، ورفضُ سَلطَتِهِ.
2 ـ إِرسالُ وَفْدٍ منهم إلى الحسينِ (ع) لدَعوتِهِ إلى الكوفةِ.
3 ـ إِرسالُ كُتُبٍ من جميعِ الأَطرافِ في الكوفِة، تَتَضَمَّنُ دعوتَهُ عليهِ السَّلامُ رسْمِيّاً، والعَهدَ لهُ ببذلِ النَّفْسِ والنَّفيسِ دُونَهُ.
وهكذا كانَ، وتَوالى وُرودُ الرَّسائلِ، إلى الحسينِ (ع) حتّى بلغتْ حَوالي اثْنَيْ عَشَر ألفاً، كما وَرَدَتْ إليهِ رَسائلُ من البصرةِ، بعدَ أنْ اجْتمعَ أَهلُها في دارِ مارِيَّةَ بنتِ مُنْقِذٍ العَبدِيِّ، وأجْمَعوا أمَرهُم على القيامِ.
سفرُ مُسلمِ بنِ عقيلٍ إلى الكوفةِ:
لما رأى الحسينُ (ع) كثرةَ الرَّسائلِ والدَّعواتِ أرسَلَ ابنَ عَمِّه مُسلماً بنَ عقيلٍ إلى الكُوفَةِ لاستطلاعِ حقيقةِ الأمرِ هُناكَ، وأرفَقَ معُه وَفْداً من رجالِهِ قَيسُ بنُ مُسهرٍ الصَّيداوِيُّ، وعُمارةُ بنُ عبدِاللهِ السَّلولِيُّ، وعبدُ الرَّحمنِ بنُ عبدِ الله الأَزْدِيُّ، وَحمَّلَهُ كِتاباً جاءَ فيه:
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
منْ الحسينِ بنِ عليٍّ (ع) إلى شيعَةِ ومُسلمي الكوفةِ، أمّا بعدُ، فإِنَّ هانياً وسعيداً (يقصدُ آخِرَ رسولينِ منَ الكوفَةِ إِليهِ وهما هانيءُ بنُ هانِيءٍ السُّبَيْعيُّ وسعيدُ بنُ عبدِاللهِ الحَنَفيُّ) قَدِما عَلَيَّ بكُتبِكُمْ؛ وكانا آخِرَ منْ قَدِمَ عَليَّ منْ رُسُلِكُمْ ، وقد فهِمْتُ ما اقْتَصَصْتُم (ما تَبادلتُم من أَحاديث) مِنْ مَقالَةِ جُلِّكُمْ؛ أَنَّهُ ليسَ علينا إِمامٌ، فَأَقْبلْ لَعَلَّ اللهَ يَجَمعُنا بكَ على الحقِّ والهُدى. وإِنّي باعِثٌ إِليكم أخي وابْنَ عَمّي وثِقَتي منْ أهل بيتي، مُسلمُ بن عَقيلٍ، فإنْ كَتَبَ إِليَّ أَنَّهُ قد اجْتمعَ رأيُ مِلَّتِكُمْ، وَذَوي الحِجى (أهلُ العقلِ والفِطنةِ) والفَضَلِ منكُمْ، على مِثْلِ ما قَدِمَتْ بهِ رُسُلُكُمْ، وقَرَأتُ من كُتُبِكُمِ، فإِنّي أَقْدُمُ إِليكُم وَشيكاً إنْ شاءَ اللهُ، فَلَعَمْري ما الإِمامُ إِلاّ الحاكمُ بِالكتابِ، القائمُ بالقِسْطِ، الدّائنُ بِدينِ الحَقِّ، الحابِسُ نفْسَهُ على ذاتِ اللهِ، والسلام.
نُلاحِظُ من هذا الكِتابِ أُموراً هامَّةً:
1ـ يُوَضِّحُ الإِمامُ (ع) اعتمادَهُ وثِقَتَهُ بِمُسلمِ بنِ عَقيلٍ.
2ـ لِياقَةَ مُسلمٍ وكَفاءتَهُ لِتمثيلِ الإِمامِ، و إِحاطَتِهِ بِأُمورِ النّاسِ.
3ـ يُعْتَبَرُ الكِتابُ بِمثابَةِ وَرَقةِ اعتمادٍ لسفيرِ الإِسلامِ مسلمِ بن عقيلٍ، مُقَدَّمَةً لأَهلِ الكوفةِ، كي يَتَعرَّفوا عليهِ ويُبايِعوهُ.
4ـ في نهايةِ الكتابِ يُذَكِّرُ الحسينُ (ع) بِشَرائِطِ وَصفاتِ القائِد المُؤَهَّلِ لِقيادَةِ المُسْلِمينَ وَهيَ:
1ـ الحكمُ والعَمَلُ بِكتابِ اللهِ.
2ـ العدالةُ والإِنصافُ.
3ـ التَّقَيُّدُ بِدينِ الحَقِّ.
4ـ تَسْليمُ النَّفْسِ للهِ.
شروطٌ أربعةٌ، يَدعو الحسينُ الأُمَّةَ للانْتِباهِ إليها، ومنْ ثَمَّ للقِيامِ في وجهِ حُكمِ يَزيدَ على أساسِها.
سارَ مسلمٌ وصَحْبُهُ في طريقِهِمْ إلى الكوفةِ، مع دَليلَيْنِ من قَيْسٍ، فحارا عن الطَّريقِ وماتا عَطَشاً، فَتَطَيَّر مُسلمٌ (تشاءَمَ) من هذا الحادِثِ، وحَوادِثَ أُخرى مماثِلَةٍ، وكَتب إلى الإِمامِ بِذلكَ، لَكِنَّ الإِمامَ حَثَّه على المسيرِ، فتابَعَتْ قافِلَتُهُ طَريقَها بعدَ أنْ أشرَفَ مُسلمُ وأَصحابهُ على الهَلاكِ، لكنَّهمْ أَخيراً وصَلوُا إلى مكانٍ يُدعى المضيقَ، قُربَ نهرِ الفُراتِ، فشَرِبُوا جَميعاً واسْتَراحوا، ثُمَّ أخذوا طريقَهُمْ إلى الكوفَةِ، فَوَصلوها ليلاً، ونزَلوا في دارِ المُختارِ بن أبي عُبَيدةَ الثَّقَفيِّ أحدِ أنصارِ ومُحبِّي الإِمامِ (ع) فاستقبَلَهُمْ بتَرحابٍ كبيرٍ.
وما إِن سَمِعَ أهلُ الكُوفَةِ بِمقْدَمِ رسولِ الإِمام، حتّى تقاطَروا إليهِ أفواجاً أفواجاً، وبَعدَ أنْ رَحَّبوا بهِ تَرحيباً لا نَظيرَ لهُ، وَسَمِعوا كتابَ الحُسينِ (ع) بَكَوْا مِنْ فَرْطِ فَرْحَتِهم وشَوْقِهم إلى لُقياهُ، وبايَعوا مُسلماً كَنائبٍ عنْ الإِمامِ، وفي مَدّةٍ قَصيرةٍ بلغَ تَعْدادُ المبايعينَ ثَمانِيَةَ عَشَرَ أَلفاً على أَقَلِّ تَقديرٍ، بايَعوهُ ونَصَّبوه إِماماً يَؤُمُّهُم بِالصَّلاةِ في مسجدِ الكوفةِ الكبير، وكانَتَ، تُرى بينَ المُصلّينَ شَخصياتٌ بارزةٌ كَحبيبِ بن مُظاهرٍ وهانيءِ بنِ عُروةَ وسعيدِ بنِ عبدِاللهِ وعابِسِ بنِ شَبيبٍ وغَيرِهم.
تَبدَّلتْ أوضاعُ الكوفةِ وأشرقَتْ الوُجوهُ بالبِشْرِ وأَعلنَ النّاسُ وفاءَهُم للإِمامِ (ع).
ومَرّةً قامَ عابسُ الشاكِريُّ، وهُوَ من هَمَدانَ، فخطبَ مُتوجِّهاً إلى مُسلِمٍ فقالَُ
إِنّي لا أُخبرُكَ عنْ النّاسِ، ولا أعَلمُ ما في نُفوسِهِمْ، وما أَغُرُّكَ منهم، ولكنّي واللهِ أخْبِرُك بما أَنا مُوَطِّنٌ نَفَسي عليهِ، واللهِ لأُجيبَنَّكُمْ إذا دَعَوْتُم، وَلأُقاتِلنَنَّ معكُمْ عَدوَّكُم؛ وَلأَضْرِبَنَّ بِسيفي هذا دونَكُم، حتّى أَلقى اللهَ، ولا أُريُد بذلك إلاّ ما عندَ اللهِ.
ثم قامَ حبيبُ بن مُظاهرٍ، البطلُ الشَّيخُ وقال: رَحِمكَ اللهُ، قَدْ قَضْيتَ ما في نفسِكَ بِواجِزٍ منْ قَولِكَ، وأنا واللهِ الّذي لا إلهَ إلاّ هُوَ، على مِثْلِ مَا هَذا عليهِ. (يَقصُدُ عابِساً).
ثم قامَ سعيدُ بنُ عبدِاللهِ فقالَ مِثْلَ قَولِهِما. وقدْ صَدَقَ أُولئِكَ الثَّلاثَةُ ما عاهَدوا اللهَ ومُسلماً عَليهِ، فَافْتَدوْا نُصْرَةَ الإِسلامِ بأنْفُسِهِمْ ونالوا الشَّهادةَ.
اطَمأَنَّ مسلمُ بنُ عقيلٍ إلى إخلاص أهلِ الكوفةِ، بعد ما رآهُ وسَمِعَهُ، فكتَبَ إلى الحسينِ (ع) كتاباً يقولُ فيه: أمّا بعدُ فإِنَّ الرّائِدَ لا يَكْذِبُ أهلَهُ، وقد بايَعَني مِنْ أهلِ الكوفةِ ثمانيةُ عشَر ألفاً، فعَجِّلْ بالإِقبالِ حينَ يأتيكَ كِتَابي هذا، فإنَّ النّاسَ كُلَّهُمْ مَعَكَ، لَيس لهمْ في آلِ مُعاويةَ رأيٌ ولا هُدى.
ثم أرسلَ الكتابَ مع عابسِ بن شبيبٍ الشّاكريِّ إلى الحسينِ (ع) وهو في مكَّة. فَتهَيَّأَ عليه السّلامُ للسفَرِ إلى الكوفةِ.
الكوفة علي عَتَبَةِ الثَّورة:
تزايدَ الْتِفافُ الناسِ حولَ مُسلمٍ، كما تزايدَ عددُ المبايعينَ لهُ، الأْمرُ الّذي أحدَثَ تَحَوُّلاً في أوضاعِ الكُوفَةِ،وَاتَّضَحَ، بِجَلاءٍ أنَّ الثورةَ على حكمِ يزيدَ أضحتْ قَريبةً، مِمّا أوقَعَ الرُّعبَ في قلبِ النُّعمانِ بنِ بشير، حاكمِ الكوفةِ منْ قِبَلِ يزيدَ، فجمعَ النّاسَ في مِسجدِ الكوفةِ، وحَذَّرهُمْ من الفتنةِ، وهدَّدَ وتَوَعَّدَ، لكنَّ أحداً لمْ يُعِرْ تهَديدَهُ أدنى اهْتمام، فقد كانَ رَجُلاً ضعيفاً، فَضْلاً عن أنَّ المعارضَةَ كانَتْ قويَّةً؛ الأمرُ الّذي دعا أتباع يزيدَ إلى أنْ يكُتبوا إليه يُحذِّرونَهُ من مَغَبَّة إهمال الأمرِ، الذي اسْتَفْحَلَ بازْديادِ إِقبالِ النّاسِ على مُسلمِ بنِ عقيلٍ أمامَ والٍ لا حَوْلَ له ولا قُوَّةً.
عند وصولِ الخبرِ إلى يزيدَ جمعَ مُستَشاريهِ يَطلبُ نُصحَهُم، فأشارَ عليه كاتِبُهُ ومُستَشارُهُ ((سِرجَوْنُ الرّوميُّ)) بِعزْلِ عامِلِهِ على الكوفةِ فوراً، وأَنَّ هذا الإِشكالَ الكبيرَ لا يُحَلُّ إلاّ بِخُشونَةِ وقَسْوَةِ عُبَيْدِاللهِ بنِ زيادٍ، وقالَ لهُ لو كَانَ أبوكَ مُعاويةُ حَيّاً لفَعَلَ هذا.
عَمِلَ يزيدُ بِنصيحةِ مُستشارِهِ، وطلبَ إليه كتابةَ رسالةٍ لابن زيادٍ في البَصرةِ، يأمُرُهُ فيها بالتَّوَجُّهِ فوراً إلى الكوفة وعَزْلِ النُّعمانَ والحُلولِ محلَّهُ، كما أمرهُ بالقَبضِ على مُسلمٍ أو قَتلِهِ أو إِبعادِهِ. وبعدَ أنْ وقَّعَ الرِّسالةَ بعثَ بها إلى ابنِ زيادٍ مع أحَدِ أعوانِهِ ويُدعى مسلمَ بنَ عَمْروٍ الباهِليَّ.
تلقّي ابنُ زيادٍ كتابَ يزيدَ، وما إِنْ أحاطَ بِمَظْمونِهِ.
حتى بادَرَ من فَوْرِه مُتَّجِهاً إلى الكوفةِ.
إلى أرواحِ الشٌّهداءِ الَّذينَ قَضَوْا في سَبيلِ الثَّورةِ الإسلاميَّةِ، ولم يُذعِنوا لِطُغاةِ الشَّرقِ والغَربِ.
نَسَبُهُ:
يَنحَدِرُ مُسلمُ بنُ عَقيلٍ مِنْ عائلةٍ كَريمةٍ منْ قريشٍ، وأَبوهُ عَقيلُ بنُ أَبي طالبٍ، وهوَ أخو أميرِ المؤمنينَ عليٍّ (ع)، وكانَ عقيلٌ مَعروفاً بالنَّجابَةِ والعِلمِ والفَضلِ، ويُعَدُّ منْ أصحابِ أخِيهِ المخلِصينَ في طريقِِ الإسلامِ والقرآنِ. وكانَتْ لهُ عنَد رسولِ اللهِ (ص) مكانةٌ خاصَّةٌ، فقد أجابَ يوماً عن تَساؤُلِ أميرِ المؤمنينَ (ع) عن محبَّتِهِ (ص) لِعَقيلٍ بقولِه: أَيْ واللهِ، إنّي لأُحِبُّهُ حُبَّينِ، حُبّاً له، وحُبّاً لِحُبِّ أبي طالبٍ له… وابْنُهُ مُسلمٌ يُسْقى الشَّهادةَ في سبيلِ محبَّةِ ونُصرةِ الحُسينِ، فَيَبكيهِ المؤمنُونَ، وتُبارِكُ ملائكةُ الرَّحمنِ روحَهُ الطّاهِرةَ.
وأنجبَ عَقيلٌ هذا من زَوجتِه أُمِّ وَلَدٍ، ابنَهُ مُسلماً، أَوَّلَ منْ قُتِلَ في الكوفةِ منْ أصحابِ الحسينِ(ع)، مِنْ بنيِ هاشِمٍ.
حياتُهُ:
لقد صَمَتَ التَاريخُ عن الحديثِ عنْ مُسلمِ بنِ عقيلٍ في بَواكيرِ حَياتِهِ، ولَمّا بَلَغَ الثامِنَةَ عَشْرَةَ من عُمرهِ، رَعاهُ عَمُّهُ الإِمامُ عليُّ (ع) بعدَ أنْ قضى أبوهُ. وعن عَمِّهِ تَلَقّى شَتّى فُنونِ المَعارفِ؛ كَما تَلَقّى فُنونَ الشَّجاعَةِ والإِقدامِ. وغَدا مِنْ أَصحابِهِ المُلخصينَ، وبعدَ استِشهادهِ عليهِ السَّلامُ، تابَعَ طريقِ الدّعوةِ إلى الإِسْلامِ الحقِّ، مَعَ أبناءِ عَمِّه الأَكرمينَ، بِتفانٍ وإِخلاصٍ، حتّى قَدَّمَ حياتَهُ في هذا الطَّريقِ.
عُهودُ الظَّلامِ:
تَرَّبعَ مُعاويةُ على سَدَّةِ الحُكمِ بعدَ مقتَلِ سَيِّدِ المُتَقينَ (ع)، ومنْ بَعدِهِ أسْلَمَ الحُكمَ لابنِهِ يَزيدَ، كانَ يَزيدُ شابّاً عابثاً فاسِداً، انْصَرفَ إلى الخمرِ واللَّهوِ والقِمارِ، بعدَ أَنْ داسَ بِقَدمَيْهِ تعاليمَ الإِسلامِ وأحكامَهُ، الّتي أقامَها الرّسولُ الأكرمُ (ص)، ورَعاها من بعدِهِ الأَئِمَّةُ منْ أهلِهِ عَليهمْ السَّلامُ.
اسْتَشْرى الفَسادُ في أيّامِ يزيدَ وتَفَاقَمَ حتّى أَنَّ بعضَ المَؤرِّخينَ ذكروا أنَّ فِرْعَوْنَ الطّاغيةَ كَانَ أَكثَرَ عدلاً وإِنصافاً منْ يزيدَ.
طلبَ يزيدُ منْ عامِلِهِ على المدينةِ أنْ يأخُذَ لهُ البَيْعَةَ من الحسينِ (ع)، سيِّدِ الأَحرارِ ونَصيرِ المَظلومينَ، لكِنَّ الحُسينَ أبى، وتَوَجَّهَ من ثَمَّ إلى مكَّةَ المَكَرَّمَةَ، يُهَيِّئُ الأّسبابَ، وَيُوقِظُ النّاسَ على الحَقائِقِ المُؤْلِمَةِ، ويُبَينَّ الأَخطارَ الّتي يَتَعرَّضُ لها الدّيُن الحنيفُ على يَدَيْ يَزيدَ وأعوانِهِ، ويَدعو النّاسَ إلى القيامِ في وجهِ زَبانيةِ الطُّغيانِ وأصلِ الفَسادِ.
الكوفةُ والأحداث:
كان أهلُ الكوفةِ يَرَوْنَ ما آلَتْ إليهِ الحالُ، ويُعِدّونَ أنفُسَهم لِمُواجَهَةٍ لابُدَّ آتِيَةٍ معَ الحُكمِ الفاسدِ، وعِندما بلَغهُم نبأُ رفْضِ الإِمام الحُسينِ (ع) لبَيعَةِ يزيدَ أَجمَعوا أَمرهُهم على دَعوتِه إلى الكوفَةِ، ومُبايعتِهِ، والتَّحرُّكِ تَحتَ قيادَتِهِ، وكانَ أوَّلَ من بادَر إلى الدعوةِ سليمانُ بنُ صردٍ الخُزاعِيُّ، حيثُ جَمعَ أعيانَ الكوفةِ في دارِهِ، وَوَقَّعَ معهمْ في نهايَةِ المُداوَلاتِ وَثيقَةً هذا فَحواها:
1 ـ رَدُّ بيعةِ يزيدَ بنِ معاويةَ، ورفضُ سَلطَتِهِ.
2 ـ إِرسالُ وَفْدٍ منهم إلى الحسينِ (ع) لدَعوتِهِ إلى الكوفةِ.
3 ـ إِرسالُ كُتُبٍ من جميعِ الأَطرافِ في الكوفِة، تَتَضَمَّنُ دعوتَهُ عليهِ السَّلامُ رسْمِيّاً، والعَهدَ لهُ ببذلِ النَّفْسِ والنَّفيسِ دُونَهُ.
وهكذا كانَ، وتَوالى وُرودُ الرَّسائلِ، إلى الحسينِ (ع) حتّى بلغتْ حَوالي اثْنَيْ عَشَر ألفاً، كما وَرَدَتْ إليهِ رَسائلُ من البصرةِ، بعدَ أنْ اجْتمعَ أَهلُها في دارِ مارِيَّةَ بنتِ مُنْقِذٍ العَبدِيِّ، وأجْمَعوا أمَرهُم على القيامِ.
سفرُ مُسلمِ بنِ عقيلٍ إلى الكوفةِ:
لما رأى الحسينُ (ع) كثرةَ الرَّسائلِ والدَّعواتِ أرسَلَ ابنَ عَمِّه مُسلماً بنَ عقيلٍ إلى الكُوفَةِ لاستطلاعِ حقيقةِ الأمرِ هُناكَ، وأرفَقَ معُه وَفْداً من رجالِهِ قَيسُ بنُ مُسهرٍ الصَّيداوِيُّ، وعُمارةُ بنُ عبدِاللهِ السَّلولِيُّ، وعبدُ الرَّحمنِ بنُ عبدِ الله الأَزْدِيُّ، وَحمَّلَهُ كِتاباً جاءَ فيه:
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
منْ الحسينِ بنِ عليٍّ (ع) إلى شيعَةِ ومُسلمي الكوفةِ، أمّا بعدُ، فإِنَّ هانياً وسعيداً (يقصدُ آخِرَ رسولينِ منَ الكوفَةِ إِليهِ وهما هانيءُ بنُ هانِيءٍ السُّبَيْعيُّ وسعيدُ بنُ عبدِاللهِ الحَنَفيُّ) قَدِما عَلَيَّ بكُتبِكُمْ؛ وكانا آخِرَ منْ قَدِمَ عَليَّ منْ رُسُلِكُمْ ، وقد فهِمْتُ ما اقْتَصَصْتُم (ما تَبادلتُم من أَحاديث) مِنْ مَقالَةِ جُلِّكُمْ؛ أَنَّهُ ليسَ علينا إِمامٌ، فَأَقْبلْ لَعَلَّ اللهَ يَجَمعُنا بكَ على الحقِّ والهُدى. وإِنّي باعِثٌ إِليكم أخي وابْنَ عَمّي وثِقَتي منْ أهل بيتي، مُسلمُ بن عَقيلٍ، فإنْ كَتَبَ إِليَّ أَنَّهُ قد اجْتمعَ رأيُ مِلَّتِكُمْ، وَذَوي الحِجى (أهلُ العقلِ والفِطنةِ) والفَضَلِ منكُمْ، على مِثْلِ ما قَدِمَتْ بهِ رُسُلُكُمْ، وقَرَأتُ من كُتُبِكُمِ، فإِنّي أَقْدُمُ إِليكُم وَشيكاً إنْ شاءَ اللهُ، فَلَعَمْري ما الإِمامُ إِلاّ الحاكمُ بِالكتابِ، القائمُ بالقِسْطِ، الدّائنُ بِدينِ الحَقِّ، الحابِسُ نفْسَهُ على ذاتِ اللهِ، والسلام.
نُلاحِظُ من هذا الكِتابِ أُموراً هامَّةً:
1ـ يُوَضِّحُ الإِمامُ (ع) اعتمادَهُ وثِقَتَهُ بِمُسلمِ بنِ عَقيلٍ.
2ـ لِياقَةَ مُسلمٍ وكَفاءتَهُ لِتمثيلِ الإِمامِ، و إِحاطَتِهِ بِأُمورِ النّاسِ.
3ـ يُعْتَبَرُ الكِتابُ بِمثابَةِ وَرَقةِ اعتمادٍ لسفيرِ الإِسلامِ مسلمِ بن عقيلٍ، مُقَدَّمَةً لأَهلِ الكوفةِ، كي يَتَعرَّفوا عليهِ ويُبايِعوهُ.
4ـ في نهايةِ الكتابِ يُذَكِّرُ الحسينُ (ع) بِشَرائِطِ وَصفاتِ القائِد المُؤَهَّلِ لِقيادَةِ المُسْلِمينَ وَهيَ:
1ـ الحكمُ والعَمَلُ بِكتابِ اللهِ.
2ـ العدالةُ والإِنصافُ.
3ـ التَّقَيُّدُ بِدينِ الحَقِّ.
4ـ تَسْليمُ النَّفْسِ للهِ.
شروطٌ أربعةٌ، يَدعو الحسينُ الأُمَّةَ للانْتِباهِ إليها، ومنْ ثَمَّ للقِيامِ في وجهِ حُكمِ يَزيدَ على أساسِها.
سارَ مسلمٌ وصَحْبُهُ في طريقِهِمْ إلى الكوفةِ، مع دَليلَيْنِ من قَيْسٍ، فحارا عن الطَّريقِ وماتا عَطَشاً، فَتَطَيَّر مُسلمٌ (تشاءَمَ) من هذا الحادِثِ، وحَوادِثَ أُخرى مماثِلَةٍ، وكَتب إلى الإِمامِ بِذلكَ، لَكِنَّ الإِمامَ حَثَّه على المسيرِ، فتابَعَتْ قافِلَتُهُ طَريقَها بعدَ أنْ أشرَفَ مُسلمُ وأَصحابهُ على الهَلاكِ، لكنَّهمْ أَخيراً وصَلوُا إلى مكانٍ يُدعى المضيقَ، قُربَ نهرِ الفُراتِ، فشَرِبُوا جَميعاً واسْتَراحوا، ثُمَّ أخذوا طريقَهُمْ إلى الكوفَةِ، فَوَصلوها ليلاً، ونزَلوا في دارِ المُختارِ بن أبي عُبَيدةَ الثَّقَفيِّ أحدِ أنصارِ ومُحبِّي الإِمامِ (ع) فاستقبَلَهُمْ بتَرحابٍ كبيرٍ.
وما إِن سَمِعَ أهلُ الكُوفَةِ بِمقْدَمِ رسولِ الإِمام، حتّى تقاطَروا إليهِ أفواجاً أفواجاً، وبَعدَ أنْ رَحَّبوا بهِ تَرحيباً لا نَظيرَ لهُ، وَسَمِعوا كتابَ الحُسينِ (ع) بَكَوْا مِنْ فَرْطِ فَرْحَتِهم وشَوْقِهم إلى لُقياهُ، وبايَعوا مُسلماً كَنائبٍ عنْ الإِمامِ، وفي مَدّةٍ قَصيرةٍ بلغَ تَعْدادُ المبايعينَ ثَمانِيَةَ عَشَرَ أَلفاً على أَقَلِّ تَقديرٍ، بايَعوهُ ونَصَّبوه إِماماً يَؤُمُّهُم بِالصَّلاةِ في مسجدِ الكوفةِ الكبير، وكانَتَ، تُرى بينَ المُصلّينَ شَخصياتٌ بارزةٌ كَحبيبِ بن مُظاهرٍ وهانيءِ بنِ عُروةَ وسعيدِ بنِ عبدِاللهِ وعابِسِ بنِ شَبيبٍ وغَيرِهم.
تَبدَّلتْ أوضاعُ الكوفةِ وأشرقَتْ الوُجوهُ بالبِشْرِ وأَعلنَ النّاسُ وفاءَهُم للإِمامِ (ع).
ومَرّةً قامَ عابسُ الشاكِريُّ، وهُوَ من هَمَدانَ، فخطبَ مُتوجِّهاً إلى مُسلِمٍ فقالَُ
إِنّي لا أُخبرُكَ عنْ النّاسِ، ولا أعَلمُ ما في نُفوسِهِمْ، وما أَغُرُّكَ منهم، ولكنّي واللهِ أخْبِرُك بما أَنا مُوَطِّنٌ نَفَسي عليهِ، واللهِ لأُجيبَنَّكُمْ إذا دَعَوْتُم، وَلأُقاتِلنَنَّ معكُمْ عَدوَّكُم؛ وَلأَضْرِبَنَّ بِسيفي هذا دونَكُم، حتّى أَلقى اللهَ، ولا أُريُد بذلك إلاّ ما عندَ اللهِ.
ثم قامَ حبيبُ بن مُظاهرٍ، البطلُ الشَّيخُ وقال: رَحِمكَ اللهُ، قَدْ قَضْيتَ ما في نفسِكَ بِواجِزٍ منْ قَولِكَ، وأنا واللهِ الّذي لا إلهَ إلاّ هُوَ، على مِثْلِ مَا هَذا عليهِ. (يَقصُدُ عابِساً).
ثم قامَ سعيدُ بنُ عبدِاللهِ فقالَ مِثْلَ قَولِهِما. وقدْ صَدَقَ أُولئِكَ الثَّلاثَةُ ما عاهَدوا اللهَ ومُسلماً عَليهِ، فَافْتَدوْا نُصْرَةَ الإِسلامِ بأنْفُسِهِمْ ونالوا الشَّهادةَ.
اطَمأَنَّ مسلمُ بنُ عقيلٍ إلى إخلاص أهلِ الكوفةِ، بعد ما رآهُ وسَمِعَهُ، فكتَبَ إلى الحسينِ (ع) كتاباً يقولُ فيه: أمّا بعدُ فإِنَّ الرّائِدَ لا يَكْذِبُ أهلَهُ، وقد بايَعَني مِنْ أهلِ الكوفةِ ثمانيةُ عشَر ألفاً، فعَجِّلْ بالإِقبالِ حينَ يأتيكَ كِتَابي هذا، فإنَّ النّاسَ كُلَّهُمْ مَعَكَ، لَيس لهمْ في آلِ مُعاويةَ رأيٌ ولا هُدى.
ثم أرسلَ الكتابَ مع عابسِ بن شبيبٍ الشّاكريِّ إلى الحسينِ (ع) وهو في مكَّة. فَتهَيَّأَ عليه السّلامُ للسفَرِ إلى الكوفةِ.
الكوفة علي عَتَبَةِ الثَّورة:
تزايدَ الْتِفافُ الناسِ حولَ مُسلمٍ، كما تزايدَ عددُ المبايعينَ لهُ، الأْمرُ الّذي أحدَثَ تَحَوُّلاً في أوضاعِ الكُوفَةِ،وَاتَّضَحَ، بِجَلاءٍ أنَّ الثورةَ على حكمِ يزيدَ أضحتْ قَريبةً، مِمّا أوقَعَ الرُّعبَ في قلبِ النُّعمانِ بنِ بشير، حاكمِ الكوفةِ منْ قِبَلِ يزيدَ، فجمعَ النّاسَ في مِسجدِ الكوفةِ، وحَذَّرهُمْ من الفتنةِ، وهدَّدَ وتَوَعَّدَ، لكنَّ أحداً لمْ يُعِرْ تهَديدَهُ أدنى اهْتمام، فقد كانَ رَجُلاً ضعيفاً، فَضْلاً عن أنَّ المعارضَةَ كانَتْ قويَّةً؛ الأمرُ الّذي دعا أتباع يزيدَ إلى أنْ يكُتبوا إليه يُحذِّرونَهُ من مَغَبَّة إهمال الأمرِ، الذي اسْتَفْحَلَ بازْديادِ إِقبالِ النّاسِ على مُسلمِ بنِ عقيلٍ أمامَ والٍ لا حَوْلَ له ولا قُوَّةً.
عند وصولِ الخبرِ إلى يزيدَ جمعَ مُستَشاريهِ يَطلبُ نُصحَهُم، فأشارَ عليه كاتِبُهُ ومُستَشارُهُ ((سِرجَوْنُ الرّوميُّ)) بِعزْلِ عامِلِهِ على الكوفةِ فوراً، وأَنَّ هذا الإِشكالَ الكبيرَ لا يُحَلُّ إلاّ بِخُشونَةِ وقَسْوَةِ عُبَيْدِاللهِ بنِ زيادٍ، وقالَ لهُ لو كَانَ أبوكَ مُعاويةُ حَيّاً لفَعَلَ هذا.
عَمِلَ يزيدُ بِنصيحةِ مُستشارِهِ، وطلبَ إليه كتابةَ رسالةٍ لابن زيادٍ في البَصرةِ، يأمُرُهُ فيها بالتَّوَجُّهِ فوراً إلى الكوفة وعَزْلِ النُّعمانَ والحُلولِ محلَّهُ، كما أمرهُ بالقَبضِ على مُسلمٍ أو قَتلِهِ أو إِبعادِهِ. وبعدَ أنْ وقَّعَ الرِّسالةَ بعثَ بها إلى ابنِ زيادٍ مع أحَدِ أعوانِهِ ويُدعى مسلمَ بنَ عَمْروٍ الباهِليَّ.
تلقّي ابنُ زيادٍ كتابَ يزيدَ، وما إِنْ أحاطَ بِمَظْمونِهِ.
حتى بادَرَ من فَوْرِه مُتَّجِهاً إلى الكوفةِ.
تعليق