يا لثارات الحسين
نداء المطالبة بالثأر لدم الحسين عليه السلام. وهو من جملة نداءات أنصاره، وشعار الملائكة الملازمين لقبره حتى ظهور صاحب الزمان عليه السلام(بحار الأنوار 286:44 و 103:98)، وهو أيضاً شعار المهدي حين يظهر طالباً بثار شهداء كربلاء(منتهى الآمال 542:1)، وهو أيضاً شعار أنصار المهدي المشتاقون للشهادة في سبيل الله: " شعارهم: يا لثارات الحسين"(بحار الأنوار 308:52) .
وكان شعار التوابين الذين ثاروا في الكوفة عام 57 هـ. بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي هو يا لثارات الحسين. وفي ثورة المختار رفع نفس الشعار أيضاً. وجاء في بعض المصادر أنه "يا أهل ثارات الحسين"(بحار الأنوار 334:45) .
يا دهر أُفٍّ لك
مقطع من أبيات شعرية كان الحسين عليه السلام يكثر من ترديدها، ولما سمعها الإمام السجاد عليه السلام- الذي كان مسجيّ على فراش المرض في الخيمة، والعقيلة زينب تمرّضه-فهم مغزاها بما تعنيه من استشهاد الحسين عليه السلام، وحينما سمعتها زينب بكت، فسكّنها الحسين وأوصاها بالصبر(شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 245:3)
والأبيات الشعرية هي كالآتي :
يا دهرٌ أفٍّ لك من خليـل
كم لك بالإشراق والأصيل
من صاحب أو طالبٍ قتيل
والدهر لا يقنع بالبــديل
وإنما الأمر إلى الجليــل
وكلُّ حيٍّ ســالك سبيلي
يوم الله
من أسماء يوم الطف، ومع أن كل الأيام والأزمنة هي لله، إلا!ّ أنه قد ينسب زمان ومكان خاص إلى الله بسبب أهمية أو عظمة الحادثة التي وقعت فيه وظهرت خلالها قدرة الله.
ورد في القرآن الكريم اسم "أيام الله" مع الحث على تكريمها والاحتفاء بها لما لها من تأثير على مصير الشعوب والأمم: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ}(إبراهيم/5).
و في يوم عاشوراء وقعت أحداث هامّة من أبرزها ملحمة عاشوراء واستناداً إلى كثير من الروايات وخاصة الروايات الواردة في كتب السنّة فإن يوم عاشوراء كان يوماً مهماً كان الماضون يصومونه، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يصومه أيضاً إلاّ أن بني أميّة اتخذوه من بعد قتل الحسين يوم فرح وسرور" اللهم أن هذا يوم تبرّكت به بنو أميّة . . . وهذا يوم فرحت به آل زياد وآل مروان بقتلهم الحسين"(مفاتيح الجنان، زيارة عاشوراء:451)، ومنذ تلك الواقعة اعتبره أئمة الشيعة يوم شؤم ونهوا عن صيامه.
جاء في روايات السُنّة أن رسول الله صلى الله عليه وآله سئل عن صيام يوم عاشوراء، فقال: "إن عاشوراء يوم من أيام الله تعالى، فمن شاء صامه ومن شاء تركه"(كنز العمال 658:8)، وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "إن آل أمية لعنهم الله ومن أعانهم على قتل الحسين من أهل الشام نذروا نذراً إن قتل الحسين عليه السلام، وسَلِم من خرج إلى الحسين، وصارت الخلافة في آل أبي سفيان أن يتّخذوا ذلك اليوم عيداً لهم يصومون فيه شكراً، فصارت آل أبي سفيان سنّة إلى اليوم واقتدى بهم الناس جميعاً لذلك، فلذلك يصومونه ويدخلون على عيالاتهم وأهاليهم الفرح في ذلك اليوم"(بحار الأنوار 95:45).
و على كل حال كانت واقعة عاشوراء الدامية أعظم مظاهر الفداء والتضحية المخلصة في سبيل الدين، وتقديم أغلى وأعز الناس في سبيل الحق والعدالة وإحياء الدين. وكان لها تأثير بارز في إيقاظ الشعوب على مدى التاريخ تستلهم منها الشعوب والأشخاص الدروس على طريق مقارعة الظلم. وإذا كانت لنا في الإسلام بضعة أيام مجيدة وتستوجب الثناء فأحدها يوم عاشوراء الذي صار رمزاً لتكريم الإنسان على الملائكة. ويكفي أمّة محمد صلى الله عليه وآله فخراً بأن لها قدوات كالحسين عليه السلام وشهداء كربلاء.
روي في حديث مناجاة موسى عليه السلام، "قال: يا رب لم فضلت أمة محمد صلى الله عليه وآله على سائر الأمم؟ فقال الله تعالى: فضلتهم لعشر. قال موسى: وما تلك الخصال التي يعملونها حتى آمر بني إسرائيل يعملونها؟ قال الله تعالى: "الصلاة و الزكاة والصوم والحج والجهاد والجمعة والجماعة و القرآن والعلم وعاشوراء . . .".
واعجباه! لقد جعل عاشوراء في مصاف الصلاة والحج والجهاد والقرآن التي فضلت بها أمة الإسلام على الأُمم الأخرى. وهذا هو سر وعظمة عاشوراء وكونه من أيّام الله .
ثم أن موسى عليه السلام سأل بعد ذلك: "يا رب وما عاشوراء؟ قال: البكاء والتباكي على سبط محمد صلى الله عليه وآله والمرثية والعزاء على مصيبة ولد المصطفى. يا موسى، وما من عبد من عبيدي في ذلك الزمان بكى أو تباكى وتعزّى على ولد المصطفى إلاّ وكانت له الجنّة ثابتاً فيها. وما من عبد أنفق من ماله في محبّة ابن بنت نبيّه طعاماً وغير ذلك كان معافاً في الجنّة وغفرت له ذنوبه"(مجمع البحرين، كلمة عشر) .
هيهات منّا الذلّة
شعار الحسين يوم عاشوراء، وشعار جميع الأحرار الذين لا يرضخون للظلم، ولا يستسلمون لسلطة الجبابرة. وهذه الجملة صرّح بها الإمام الحسين في إحدى خطبه يوم عاشوراء وجاء في مطلعها: "تباً لكم أيها الجماعة وترحاً. . .". وهو حين رأى إصرارهم على إرغامه على الاستسلام والبيعة في ذلك اليوم، أعلن رفضه قائلاً: "ألا وإنّ الدعي ابن الدعي قد تركني بين السلة والذلة، وهيهات له ذلك منّي، هيهات منا الذلة، أَبى الله ذلك لنا ولرسوله والمؤمنون، وحجور طهرت، وجدود طابت، وأُنوف حميّة، ونفوس أبيّة أن يؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام"(نفس المهموم:131، مقتل الخوارزمي 7:2، بحار الأنوار 83:45 مع اختلاف يسير في الألفاظ).
وهذا النوع من النظرة إلى الحياة يعلّم الإنسان درساً ويجعله على مفترق طريقي الحياة ذليلاً أو الشهادة، واختيار عزة الشهادة، واعتبار الحياة الذليلة موتاً.
في حرب صفين لما رأى علي عليه السلام استيلاء جيش معاوية على الماء وأن أصحابه قد نضب ما لديهم من ماء وهم على وشك الاستسلام الذليل، خطب فيهم وحرّضهم على إرواء سيوفهم من دم العدو حتى يتاح لهن الارتواء بالماء قائلاً: " فالموت في حياتكم مقهورين والحياة في موتكم قاهرين"(نهج البلاغة لصبحي الصالح، الخطبة 51).
وهذا افهم متبلور في النهج الحماسي الحسيني والعلوي، وهو جوهر الحياة الكريمة.
ردّ الحسين على بعض أفراد جيش الكوفة الذين طلبوا الانصياع لحكم يزيد لكي ينعم بالسلامة قائلاً: "لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا إقرار العبيد"(مقتل الحسين للمقرّم:280، تاريخ الطبري 323:4)، فهو يرى في مثل هذا الاستسلام ذلة العبودية وهو يأنف ذلك.
أنشد أبو نصر بن نباتة في رأي الإمام الحسين هذا:
والحسين الذي رأى الموت في العز
حـياة والعـيش في الـذلّ قتـلاً
(شرح نهج البلاغة لأبن أبي حديد 254:3)
هدم قبر الإمام الحسين عليه السلام
لمّا كانت التربة الدامية لسيد الشهداء عليه السلام مصدر إلهام على طريق مقارعة الظلم، فقد كان قبره على الدوام موضع تكريم يتحلقون حوله الأحرار، ومما ضاعف من شدّة ذلك لتكريم تأكيدات الأئمة على ضرورة زيارة قبره الشريف، وهذا ما جعل الحكام الظلمة يستشعرون الخطر من هذا الجانب دائماً ويعملون على هدم قبره.
منذ عهد بني أمية كانت زيارته ممنوعة وتخضع لرقابة، والي عهد هارون الرشيد حيث قطعوا السدرة التي يستظل به زواره(تاريخ الشيعة للمظفري:89، بحار الأنوار 398:45)، وحتّى عهد المتوكّل العبّاسي حيث بلغ المنع والتشدّد ذروته، والى عهد سلطة الوهابيين وغارتهم على كربلاء وهدم مرقده الشريف، وهذه تنم بأجمعها عن مدى الرعب الذي يشعر به أعداء الحق وأهل البيت من إشراقة هذه الشموس المنيرة.
أنشأ المتوكّل العباسي نقطة قرب كربلاء وأمر أتباعه بقتل كلّ من يأتي لزيارة الحسين(بحار الأنوار 404:45و194)، وهُدم قبر الحسين بأمر المتوكل 17 مرّة، وفي أحد المرّات أمر "ديزج اليهودي" بهدم القبر وتغيير موضعه وتبديل معالمه، وحتى أنّه ذهب بنفسه هو وغلمانه ونبشوا القبر حتى بلغوا الحصير الذي فيه جسد الإمام وإذا به تفوح منه رائحة المسك، فهالوا عليه التراب ثانية وقطعوا الماء وأرادوا حراثة الأرض لكن الأبقار التي تجر المحراث وقفت عن المسير(تتمة المنتهى:241و240).
و في إحدى المرّات أمر هارون الرشيد والي الكوفة بهدم قبر الحسين بن علي. فشيّدوا في تلك البقعة بعض البنايات وزرعوا سائر الأراضي(بحار الأنوار 404:45و394).
بلغ المتوكل أن أهل السواد يجتمعون بأرض نينوى لزيارة قبر الحسين عليه السلام فيصير إلى قبره منهم خلق كثير، فانفذ قائداً من قوّاده وضمّ إليه عدداً كثيفاً من الجند لنبش قبر الحسين ومنع الناس من زيارته والاجتماع إلى قبره، فخرج القائد إلى الطف وعمل بما أمر به، وذلك في سنة 237هـ، وفي موسم الزيارة، تجمّع الناس مرّة أخرى وثاروا ضد عناصر الخليفة وقالوا لهم: لو قُتِلنا عن آخرنا لما امسك من بقي منا عن زيارته، فلمّا وصل الخبر إلى المتوكل أبرق إلى قائده بالكف عنهم، والمسير إلى الكوفة مظهراً أنّ مسيره إليها في صالح أهلها(تتمة المنتهى:241و240).
فمضى على ذلك زمن حتّى كانت سنة 247 فبلغ المتوكل أيضاً مصير الناس من أهل السواد والكوفة إلى كربلاء لزيارة قبر الحسين عليه السلام وإنه قد كثر جمعهم وصار لهم سوق كبير. فأنفذ قائداً في جمع كثير من الجند وأمر منادياً ينادي براءة الذمة ممن زار قبره. ثم نبش القبر وحرث أرضه وانقطع الناس عن الزيارة(أعيان الشيعة 628:1،تراث كربلاء:34).
لقد كانت كلّ هذه الأعمال لغرض تفريق الناس عن مهد الدفء والشوق هذا، ولكن لم يتمّ لهم ما قدّروه، بل ازداد الناس شوقاً إليه، فأصبحت كربلاء خندقاً للمقاومة وقبلة لأهل الحقيقة والولاء(تتمة المنتهى:241).
أجل . . ."إن زيارة هذه التربة تساعد الجماهير للتفكير بثورة الحسين وجهاده ومقارعته للظلم، والاهتمام بفضح السلطة الحاكمة. وهكذا تتحول هذه التربة-تربة كربلاء-إلى رمز وشعار، ويصبح الطواف حول قبر الحسين مقابل مائة طواف حول الكعبة، بل ويرجح عليه أيضا"(مجموعة مؤلفات شريعتي(الشيعة) 20:7).
و أغار الوهابيون عام 1216 هـ على كربلاء، وتواصلت غاراتهم لمدّة عشر سنوات، نهبوا خلالها المدينة، وقتلوا الناس، وهدموا القبر. وفي عام 1225 هـ سار "الأمير سعود" على رأس جيش عداده 20 ألف مقاتل وهابي، وهجم على النجف ومن هناك على كربلاء(للاطلاع على فتن وغارات الوهابيين على العتبات المقدسة، راجع الكتب التالية: "كشف الارتياب" للسيّد محسن الأمين، أعيان الشيعة 628:1، تراث كربلاء لسلمان هادي طعمة:262، وموسوعة العتبات المقدسة 201:1).
و في عصرنا الحالي، استخدمت الحكومة البعثية في العراق أنواع الأسلحة لإخماد الانتفاضة الثورية الشيعية عام 1411 هـ. في مدينتي النجف وكربلاء، وضربت قبّة الإمام الحسين عليه السلام بالمدفعية. وقد حصل هذا بعد الانتفاضة الشعبية ضد حكومة "صدام" حيث استولى الثوار على المدينتين، فاستخدمت الحكومة أعنف الأساليب لغرض استعادتها من أيديهم. وأُلحقت أضرار بالغة ببناء مرقد أمير المؤمنين وسيّد الشهداء وأبي الفض ضل العباس عليهم السلام.
و بسبب هذه الجرائم أصدر قائد الثورة الإسلامية سماحة آية الله الخامنئي بياناً أدان فيه اعتداءات النظام البعثي العراقي على المدن والمراقد المقدّسة، وأعلن يوم الخميس 8 ذي القعدة 1411 هـ. يوم حداد عام. وقد جاء في جانب من هذا البيان: ". . . وهجموا على النجف وكربلاء وارتكبوا فيهما ما يعجز القلم عن وصفه، وصنعوا بالعتبات المقدسة والمسلمين وشعب العراق والحوزات العلمية ما لم يصنعه الطواغيت الجائرون، أحدثوا في قلوب محبّي أهل البيت جرحاً عميقاً لا يمكن مقارنته بأية مصيبة في هذا الزمن، "وهيّجوا أحزان يوم الطفوف".
نداء المطالبة بالثأر لدم الحسين عليه السلام. وهو من جملة نداءات أنصاره، وشعار الملائكة الملازمين لقبره حتى ظهور صاحب الزمان عليه السلام(بحار الأنوار 286:44 و 103:98)، وهو أيضاً شعار المهدي حين يظهر طالباً بثار شهداء كربلاء(منتهى الآمال 542:1)، وهو أيضاً شعار أنصار المهدي المشتاقون للشهادة في سبيل الله: " شعارهم: يا لثارات الحسين"(بحار الأنوار 308:52) .
وكان شعار التوابين الذين ثاروا في الكوفة عام 57 هـ. بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي هو يا لثارات الحسين. وفي ثورة المختار رفع نفس الشعار أيضاً. وجاء في بعض المصادر أنه "يا أهل ثارات الحسين"(بحار الأنوار 334:45) .
يا دهر أُفٍّ لك
مقطع من أبيات شعرية كان الحسين عليه السلام يكثر من ترديدها، ولما سمعها الإمام السجاد عليه السلام- الذي كان مسجيّ على فراش المرض في الخيمة، والعقيلة زينب تمرّضه-فهم مغزاها بما تعنيه من استشهاد الحسين عليه السلام، وحينما سمعتها زينب بكت، فسكّنها الحسين وأوصاها بالصبر(شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 245:3)
والأبيات الشعرية هي كالآتي :
يا دهرٌ أفٍّ لك من خليـل
كم لك بالإشراق والأصيل
من صاحب أو طالبٍ قتيل
والدهر لا يقنع بالبــديل
وإنما الأمر إلى الجليــل
وكلُّ حيٍّ ســالك سبيلي
يوم الله
من أسماء يوم الطف، ومع أن كل الأيام والأزمنة هي لله، إلا!ّ أنه قد ينسب زمان ومكان خاص إلى الله بسبب أهمية أو عظمة الحادثة التي وقعت فيه وظهرت خلالها قدرة الله.
ورد في القرآن الكريم اسم "أيام الله" مع الحث على تكريمها والاحتفاء بها لما لها من تأثير على مصير الشعوب والأمم: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ}(إبراهيم/5).
و في يوم عاشوراء وقعت أحداث هامّة من أبرزها ملحمة عاشوراء واستناداً إلى كثير من الروايات وخاصة الروايات الواردة في كتب السنّة فإن يوم عاشوراء كان يوماً مهماً كان الماضون يصومونه، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يصومه أيضاً إلاّ أن بني أميّة اتخذوه من بعد قتل الحسين يوم فرح وسرور" اللهم أن هذا يوم تبرّكت به بنو أميّة . . . وهذا يوم فرحت به آل زياد وآل مروان بقتلهم الحسين"(مفاتيح الجنان، زيارة عاشوراء:451)، ومنذ تلك الواقعة اعتبره أئمة الشيعة يوم شؤم ونهوا عن صيامه.
جاء في روايات السُنّة أن رسول الله صلى الله عليه وآله سئل عن صيام يوم عاشوراء، فقال: "إن عاشوراء يوم من أيام الله تعالى، فمن شاء صامه ومن شاء تركه"(كنز العمال 658:8)، وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "إن آل أمية لعنهم الله ومن أعانهم على قتل الحسين من أهل الشام نذروا نذراً إن قتل الحسين عليه السلام، وسَلِم من خرج إلى الحسين، وصارت الخلافة في آل أبي سفيان أن يتّخذوا ذلك اليوم عيداً لهم يصومون فيه شكراً، فصارت آل أبي سفيان سنّة إلى اليوم واقتدى بهم الناس جميعاً لذلك، فلذلك يصومونه ويدخلون على عيالاتهم وأهاليهم الفرح في ذلك اليوم"(بحار الأنوار 95:45).
و على كل حال كانت واقعة عاشوراء الدامية أعظم مظاهر الفداء والتضحية المخلصة في سبيل الدين، وتقديم أغلى وأعز الناس في سبيل الحق والعدالة وإحياء الدين. وكان لها تأثير بارز في إيقاظ الشعوب على مدى التاريخ تستلهم منها الشعوب والأشخاص الدروس على طريق مقارعة الظلم. وإذا كانت لنا في الإسلام بضعة أيام مجيدة وتستوجب الثناء فأحدها يوم عاشوراء الذي صار رمزاً لتكريم الإنسان على الملائكة. ويكفي أمّة محمد صلى الله عليه وآله فخراً بأن لها قدوات كالحسين عليه السلام وشهداء كربلاء.
روي في حديث مناجاة موسى عليه السلام، "قال: يا رب لم فضلت أمة محمد صلى الله عليه وآله على سائر الأمم؟ فقال الله تعالى: فضلتهم لعشر. قال موسى: وما تلك الخصال التي يعملونها حتى آمر بني إسرائيل يعملونها؟ قال الله تعالى: "الصلاة و الزكاة والصوم والحج والجهاد والجمعة والجماعة و القرآن والعلم وعاشوراء . . .".
واعجباه! لقد جعل عاشوراء في مصاف الصلاة والحج والجهاد والقرآن التي فضلت بها أمة الإسلام على الأُمم الأخرى. وهذا هو سر وعظمة عاشوراء وكونه من أيّام الله .
ثم أن موسى عليه السلام سأل بعد ذلك: "يا رب وما عاشوراء؟ قال: البكاء والتباكي على سبط محمد صلى الله عليه وآله والمرثية والعزاء على مصيبة ولد المصطفى. يا موسى، وما من عبد من عبيدي في ذلك الزمان بكى أو تباكى وتعزّى على ولد المصطفى إلاّ وكانت له الجنّة ثابتاً فيها. وما من عبد أنفق من ماله في محبّة ابن بنت نبيّه طعاماً وغير ذلك كان معافاً في الجنّة وغفرت له ذنوبه"(مجمع البحرين، كلمة عشر) .
هيهات منّا الذلّة
شعار الحسين يوم عاشوراء، وشعار جميع الأحرار الذين لا يرضخون للظلم، ولا يستسلمون لسلطة الجبابرة. وهذه الجملة صرّح بها الإمام الحسين في إحدى خطبه يوم عاشوراء وجاء في مطلعها: "تباً لكم أيها الجماعة وترحاً. . .". وهو حين رأى إصرارهم على إرغامه على الاستسلام والبيعة في ذلك اليوم، أعلن رفضه قائلاً: "ألا وإنّ الدعي ابن الدعي قد تركني بين السلة والذلة، وهيهات له ذلك منّي، هيهات منا الذلة، أَبى الله ذلك لنا ولرسوله والمؤمنون، وحجور طهرت، وجدود طابت، وأُنوف حميّة، ونفوس أبيّة أن يؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام"(نفس المهموم:131، مقتل الخوارزمي 7:2، بحار الأنوار 83:45 مع اختلاف يسير في الألفاظ).
وهذا النوع من النظرة إلى الحياة يعلّم الإنسان درساً ويجعله على مفترق طريقي الحياة ذليلاً أو الشهادة، واختيار عزة الشهادة، واعتبار الحياة الذليلة موتاً.
في حرب صفين لما رأى علي عليه السلام استيلاء جيش معاوية على الماء وأن أصحابه قد نضب ما لديهم من ماء وهم على وشك الاستسلام الذليل، خطب فيهم وحرّضهم على إرواء سيوفهم من دم العدو حتى يتاح لهن الارتواء بالماء قائلاً: " فالموت في حياتكم مقهورين والحياة في موتكم قاهرين"(نهج البلاغة لصبحي الصالح، الخطبة 51).
وهذا افهم متبلور في النهج الحماسي الحسيني والعلوي، وهو جوهر الحياة الكريمة.
ردّ الحسين على بعض أفراد جيش الكوفة الذين طلبوا الانصياع لحكم يزيد لكي ينعم بالسلامة قائلاً: "لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا إقرار العبيد"(مقتل الحسين للمقرّم:280، تاريخ الطبري 323:4)، فهو يرى في مثل هذا الاستسلام ذلة العبودية وهو يأنف ذلك.
أنشد أبو نصر بن نباتة في رأي الإمام الحسين هذا:
والحسين الذي رأى الموت في العز
حـياة والعـيش في الـذلّ قتـلاً
(شرح نهج البلاغة لأبن أبي حديد 254:3)
هدم قبر الإمام الحسين عليه السلام
لمّا كانت التربة الدامية لسيد الشهداء عليه السلام مصدر إلهام على طريق مقارعة الظلم، فقد كان قبره على الدوام موضع تكريم يتحلقون حوله الأحرار، ومما ضاعف من شدّة ذلك لتكريم تأكيدات الأئمة على ضرورة زيارة قبره الشريف، وهذا ما جعل الحكام الظلمة يستشعرون الخطر من هذا الجانب دائماً ويعملون على هدم قبره.
منذ عهد بني أمية كانت زيارته ممنوعة وتخضع لرقابة، والي عهد هارون الرشيد حيث قطعوا السدرة التي يستظل به زواره(تاريخ الشيعة للمظفري:89، بحار الأنوار 398:45)، وحتّى عهد المتوكّل العبّاسي حيث بلغ المنع والتشدّد ذروته، والى عهد سلطة الوهابيين وغارتهم على كربلاء وهدم مرقده الشريف، وهذه تنم بأجمعها عن مدى الرعب الذي يشعر به أعداء الحق وأهل البيت من إشراقة هذه الشموس المنيرة.
أنشأ المتوكّل العباسي نقطة قرب كربلاء وأمر أتباعه بقتل كلّ من يأتي لزيارة الحسين(بحار الأنوار 404:45و194)، وهُدم قبر الحسين بأمر المتوكل 17 مرّة، وفي أحد المرّات أمر "ديزج اليهودي" بهدم القبر وتغيير موضعه وتبديل معالمه، وحتى أنّه ذهب بنفسه هو وغلمانه ونبشوا القبر حتى بلغوا الحصير الذي فيه جسد الإمام وإذا به تفوح منه رائحة المسك، فهالوا عليه التراب ثانية وقطعوا الماء وأرادوا حراثة الأرض لكن الأبقار التي تجر المحراث وقفت عن المسير(تتمة المنتهى:241و240).
و في إحدى المرّات أمر هارون الرشيد والي الكوفة بهدم قبر الحسين بن علي. فشيّدوا في تلك البقعة بعض البنايات وزرعوا سائر الأراضي(بحار الأنوار 404:45و394).
بلغ المتوكل أن أهل السواد يجتمعون بأرض نينوى لزيارة قبر الحسين عليه السلام فيصير إلى قبره منهم خلق كثير، فانفذ قائداً من قوّاده وضمّ إليه عدداً كثيفاً من الجند لنبش قبر الحسين ومنع الناس من زيارته والاجتماع إلى قبره، فخرج القائد إلى الطف وعمل بما أمر به، وذلك في سنة 237هـ، وفي موسم الزيارة، تجمّع الناس مرّة أخرى وثاروا ضد عناصر الخليفة وقالوا لهم: لو قُتِلنا عن آخرنا لما امسك من بقي منا عن زيارته، فلمّا وصل الخبر إلى المتوكل أبرق إلى قائده بالكف عنهم، والمسير إلى الكوفة مظهراً أنّ مسيره إليها في صالح أهلها(تتمة المنتهى:241و240).
فمضى على ذلك زمن حتّى كانت سنة 247 فبلغ المتوكل أيضاً مصير الناس من أهل السواد والكوفة إلى كربلاء لزيارة قبر الحسين عليه السلام وإنه قد كثر جمعهم وصار لهم سوق كبير. فأنفذ قائداً في جمع كثير من الجند وأمر منادياً ينادي براءة الذمة ممن زار قبره. ثم نبش القبر وحرث أرضه وانقطع الناس عن الزيارة(أعيان الشيعة 628:1،تراث كربلاء:34).
لقد كانت كلّ هذه الأعمال لغرض تفريق الناس عن مهد الدفء والشوق هذا، ولكن لم يتمّ لهم ما قدّروه، بل ازداد الناس شوقاً إليه، فأصبحت كربلاء خندقاً للمقاومة وقبلة لأهل الحقيقة والولاء(تتمة المنتهى:241).
أجل . . ."إن زيارة هذه التربة تساعد الجماهير للتفكير بثورة الحسين وجهاده ومقارعته للظلم، والاهتمام بفضح السلطة الحاكمة. وهكذا تتحول هذه التربة-تربة كربلاء-إلى رمز وشعار، ويصبح الطواف حول قبر الحسين مقابل مائة طواف حول الكعبة، بل ويرجح عليه أيضا"(مجموعة مؤلفات شريعتي(الشيعة) 20:7).
و أغار الوهابيون عام 1216 هـ على كربلاء، وتواصلت غاراتهم لمدّة عشر سنوات، نهبوا خلالها المدينة، وقتلوا الناس، وهدموا القبر. وفي عام 1225 هـ سار "الأمير سعود" على رأس جيش عداده 20 ألف مقاتل وهابي، وهجم على النجف ومن هناك على كربلاء(للاطلاع على فتن وغارات الوهابيين على العتبات المقدسة، راجع الكتب التالية: "كشف الارتياب" للسيّد محسن الأمين، أعيان الشيعة 628:1، تراث كربلاء لسلمان هادي طعمة:262، وموسوعة العتبات المقدسة 201:1).
و في عصرنا الحالي، استخدمت الحكومة البعثية في العراق أنواع الأسلحة لإخماد الانتفاضة الثورية الشيعية عام 1411 هـ. في مدينتي النجف وكربلاء، وضربت قبّة الإمام الحسين عليه السلام بالمدفعية. وقد حصل هذا بعد الانتفاضة الشعبية ضد حكومة "صدام" حيث استولى الثوار على المدينتين، فاستخدمت الحكومة أعنف الأساليب لغرض استعادتها من أيديهم. وأُلحقت أضرار بالغة ببناء مرقد أمير المؤمنين وسيّد الشهداء وأبي الفض ضل العباس عليهم السلام.
و بسبب هذه الجرائم أصدر قائد الثورة الإسلامية سماحة آية الله الخامنئي بياناً أدان فيه اعتداءات النظام البعثي العراقي على المدن والمراقد المقدّسة، وأعلن يوم الخميس 8 ذي القعدة 1411 هـ. يوم حداد عام. وقد جاء في جانب من هذا البيان: ". . . وهجموا على النجف وكربلاء وارتكبوا فيهما ما يعجز القلم عن وصفه، وصنعوا بالعتبات المقدسة والمسلمين وشعب العراق والحوزات العلمية ما لم يصنعه الطواغيت الجائرون، أحدثوا في قلوب محبّي أهل البيت جرحاً عميقاً لا يمكن مقارنته بأية مصيبة في هذا الزمن، "وهيّجوا أحزان يوم الطفوف".
تعليق