والجدير بالذكر ما ورد في تفسير الآيتين المباركتين وهما:
قوله تعالى :
{فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} (الأعراف157)
{فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (التغابن8)
((علي بن إبراهيم بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام فى قول الله تعالى: "الّذين يتّبعون الرّسول النّبيّ الأمّيّ الّذي يجدونه مكتوبا عندهم في التّوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلّ لهم الطّيّبات ويحرّم عليهم الخبائث...إلى قوله... فالّذين آمنوا به وعزّروه ونصروه واتّبعوا النّور الّذي أنزل معه أولئك هم المفلحون" قال : النور فى هذا الموضع على أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام)) (الكافى ج1 ص194 روايه2)
((أحمد بن مهران عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنى عن على بن اسباط والحسن بن محبوب عن أبي أيوب عن أبي خالد الكابلي، قال :سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله تعالى فآمنوا باللّه ورسوله والنّور الّذي أنزلنا فقال : يا أبا خالد النور - والله- الأئمة عليهم السلام يا ابا خالد لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار وهم الذين ينورون قلوب المؤمنين ويحجب الله نورهم عمن يشاء فتظلم قلوبهم ويغشاهم بها)) (الكافي ج1 ص195 رواية4)
وقال تعالى في شأن رسوله صلوات الله عليه :
{وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} (الاحزاب46)
وأمّا كلام القوم في تفسير النور :
وقال ابن عباس : من أن المقصود من الآية أنَّ "مثل نور الله الذي يهدي به المؤمن".
وقال الحسن : "مثل هذا القرآن فى القلب كمشكاة".
وقيل : مثل نوره وهو طاعته.
وقال سعيد بن جبير : "النور محمد كأنه قال مثل محمد رسول الله".
وقيل : هو مثل ضُرب لقلب المؤمن.
أقـول:
و لا تعارض بين الأحاديث والأقوال المختلفة في هذا المجال، بل يمكن الجمع بينها فنور الله ليس هو إلا رسوله وهو متَّحد مع القرآن.
ثمَّ :
عندما نتأمَّل في الوسائط التي بيَّنتها الآية المباركة، وهي المشكاة، والمصباح، والزجاجة، سوف نعرف أنَّها لا تمنع من إشعاع النور أصلاً، بل من خلالها يتمكَّن الإنسان من معرفة ذلك النور الوضّاء الذي نوَّر السماوات والأرض، نور الله المطلق، فلا مجال للإنسان أن يشاهد النور الإلهي من غير الانطلاق منها، فهل للخفاش أن يوصف الشمس المضيئة للعالم؟ فما هو الحلّ إذاً؟
الحلّ إنَّما هو التوسُّل بتلك الوسائط والتقرُّب إليها كما مرَّ.
ومما ينبغي ذكره أنَّه تعالى بعد ذكر تلك الوسائط قال :
{نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} (النور35)
فمعرفة الأنوار الإلهيَّة ليست من السهل لأيِّ إنسان، بل تفتقر إلى قابلية وتهيُّأ، وهذا لا يحصل إلا بمشيئته الله سبحانه.
ولعلَّ هذا المقطع من الآية إشارة إلى ذلك النور الإلهي الغائب بقيَّة الله في الأرضين الحجَّة بن الحسن المهدي عجَّل الله تعالى فرجه الشريف في خصوص عصر غيبته، حيث أنَّ النور في الآية أضيف إلى الضمير الغائب أعني "لِنُورِه" وأخفى إسم من أسماءه تعالى هو الهاء، كما أنَّ قوله تعالى :
{وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا...} (الزمر69)
يشير إلى عصر ظهوره صلوات الله وسلامه عليه، حينما ينتشر ذلك النور فينوِّر الأرض، وقد ورد في هذا المجال حديث طويل، عن محمد بن أبي عبد الله عن جعفر بن محمد عن القاسم بن الربيع عن صباح المزني عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام (حين ظهور المهدي) :
((يستغني الناس عن ضوء الشمس ونور القمر ويجتزؤون بنور الإمام)) (البحار ج7 ص326 روايه1 باب17)
وفي الزيارة الجامعة الكبيرة :
((وأشرقت الأرض بنوركم)) (البحار ج102 ص129 روايه4 باب8)
ولا يخفى لطافة التعبير في الآية حيث أضيف النور إلى الربّ، في قوله "بِنُورِ رَبِّهَا " وهو أجلى وأظهر أسمائه تعالى.
وفي حديث آخر :
((الكوكب الدرِّي القائمُ المنتظر عليه السلام، الذي يملأ الأرض عدلاً)) (معجم أحاديث الإمام المهدي جلد5 صفحة273)
وعن ابن محبوب عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال :
(( قال لي: لا بدَّ من فتنة صماء صيلم، يسقط فيها كل بطانة ووليجة، وذلك عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي يبكى عليه أهل السماء وأهل الأرض وكلّ حريٍّ وحرّان وكلّ حزين لهفان، ثم قال : بأبي وأمي سميّ جدي وشبيهي وشبيه موسى بن عمران (عليه السلام)، عليه جيوبُ النور تتوقَّد بشعاع ضياء القدس)) (بحار الأنوار ج51 ص152 روايه2 باب8)
ونفس النص قد صدر عن أمير المؤمنين عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم (بحار الأنوار ج51 ص108 روايه42 باب1)
ثمَّ قال تعالى:
{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ*رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} (النور36،37)
فتلك الأنوار إنَّما هي في بيوت، فما هي تلك البيوت التي احتملت الأنوار المعنويَّة؟
هذا ما يجيب عنه أئمتنا عليهم السلام معتمدين على الآية نفسها.
فالقرآن يشتمل على ظاهر وباطن وقد أشار سبحانه إلى باطنه بقوله:
{وما يعلم تأويله إلا الله} (آل عمران7)
فالظاهر ورود هذه الآية في المساجد. فالمسجد له الأهمية القصوى في الإسلام، لأنه مكان أداء أقدس الأعمال ألا وهو الصلاة.
فالمسجد في ظاهره ليس إلا عبارة عن بناء مكوَّن من التراب والصخر والحديد وكلّها جمادات، إلا أنها لإضافتها باسم الربّ تعالى، فإن شأن المسجد يختلف عن سائر البيوت في الدنيا والآخرة، كما تؤكِّد على ذلك الآيات الكثيرة والأحاديث المتواترة.
بيت النبوَّة والإمامة
ولله أيضاً بيوت ليست من الصخر والطين والحديد، بل إنها من العقل والروح والقلب فهي مختلفة عن سائر البيوت. إن المسجد بيتٌ لإقامة الصلاة، أما بيت العقل والروح والقلب فسكّانه المعرفة والعلم بالله.
وهذا البيت الروحاني هو المقصود الباطني لهذه الآية. فالقلب هو المسجد وبيت الله الحقيقي، وهو مسكن للمعرفة والتوحيد والأسماء الحسنى الإلهية.
ولذلك نعرف السرّ في أهميَّة مشاهد الرسول والأئمة عليهم السلام حيث يجري عليها أحكام المساجد.
ففي روضة الكافى عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل : "فى بيوت أذن الله أن ترفع" قال :
((هي بيوت النبي صلى الله عليه وآله))
وأيضاً :
لما قدم قتادة -وكان فقيهاً عالماً لا يتزعزع أمام كبار العلماء- على الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام، وقبل أن ينطق قال له الإمام عليه السلام :
(("ويحك يا قتاده، إن الله تعالى خلق خلقاً من خلقه فجعلهم حججاً على خلقه، وهم أوتادٌ في أرضه، قّوامٌ بأمره، نجباء في علمه، اصطفاهم قبل خلقه، أظلّة عن يمين عرشه". قال : فسكت قتاده طويلاً، ثمّ قال : أصلحك الله، والله لقد جلستُ بين يدي الفقهاء وقدّام ابن عباس، فما اضطرب قلبي قدّام واحد منهم ما اضطرب قدّامك! فقال أبو جعفر عليه السلام : "أتدري أين أنت؟ بين يدي بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبِّح له فيها بالغدوّ والآصال رجالٌ لا تلهيهم تجارة ولا بيعٌ عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ونحن أولئك". فقال قتادة : صدقت والله، جعلني الله فداك، والله ما هي بيوت حجارة ولا طين!)) (بحار الأنوار ج10 ص155 والكافي ج6 ص265 ح1
قوله تعالى :
{فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} (الأعراف157)
{فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (التغابن8)
((علي بن إبراهيم بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام فى قول الله تعالى: "الّذين يتّبعون الرّسول النّبيّ الأمّيّ الّذي يجدونه مكتوبا عندهم في التّوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلّ لهم الطّيّبات ويحرّم عليهم الخبائث...إلى قوله... فالّذين آمنوا به وعزّروه ونصروه واتّبعوا النّور الّذي أنزل معه أولئك هم المفلحون" قال : النور فى هذا الموضع على أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام)) (الكافى ج1 ص194 روايه2)
((أحمد بن مهران عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنى عن على بن اسباط والحسن بن محبوب عن أبي أيوب عن أبي خالد الكابلي، قال :سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله تعالى فآمنوا باللّه ورسوله والنّور الّذي أنزلنا فقال : يا أبا خالد النور - والله- الأئمة عليهم السلام يا ابا خالد لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار وهم الذين ينورون قلوب المؤمنين ويحجب الله نورهم عمن يشاء فتظلم قلوبهم ويغشاهم بها)) (الكافي ج1 ص195 رواية4)
وقال تعالى في شأن رسوله صلوات الله عليه :
{وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} (الاحزاب46)
وأمّا كلام القوم في تفسير النور :
وقال ابن عباس : من أن المقصود من الآية أنَّ "مثل نور الله الذي يهدي به المؤمن".
وقال الحسن : "مثل هذا القرآن فى القلب كمشكاة".
وقيل : مثل نوره وهو طاعته.
وقال سعيد بن جبير : "النور محمد كأنه قال مثل محمد رسول الله".
وقيل : هو مثل ضُرب لقلب المؤمن.
أقـول:
و لا تعارض بين الأحاديث والأقوال المختلفة في هذا المجال، بل يمكن الجمع بينها فنور الله ليس هو إلا رسوله وهو متَّحد مع القرآن.
ثمَّ :
عندما نتأمَّل في الوسائط التي بيَّنتها الآية المباركة، وهي المشكاة، والمصباح، والزجاجة، سوف نعرف أنَّها لا تمنع من إشعاع النور أصلاً، بل من خلالها يتمكَّن الإنسان من معرفة ذلك النور الوضّاء الذي نوَّر السماوات والأرض، نور الله المطلق، فلا مجال للإنسان أن يشاهد النور الإلهي من غير الانطلاق منها، فهل للخفاش أن يوصف الشمس المضيئة للعالم؟ فما هو الحلّ إذاً؟
الحلّ إنَّما هو التوسُّل بتلك الوسائط والتقرُّب إليها كما مرَّ.
ومما ينبغي ذكره أنَّه تعالى بعد ذكر تلك الوسائط قال :
{نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} (النور35)
فمعرفة الأنوار الإلهيَّة ليست من السهل لأيِّ إنسان، بل تفتقر إلى قابلية وتهيُّأ، وهذا لا يحصل إلا بمشيئته الله سبحانه.
ولعلَّ هذا المقطع من الآية إشارة إلى ذلك النور الإلهي الغائب بقيَّة الله في الأرضين الحجَّة بن الحسن المهدي عجَّل الله تعالى فرجه الشريف في خصوص عصر غيبته، حيث أنَّ النور في الآية أضيف إلى الضمير الغائب أعني "لِنُورِه" وأخفى إسم من أسماءه تعالى هو الهاء، كما أنَّ قوله تعالى :
{وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا...} (الزمر69)
يشير إلى عصر ظهوره صلوات الله وسلامه عليه، حينما ينتشر ذلك النور فينوِّر الأرض، وقد ورد في هذا المجال حديث طويل، عن محمد بن أبي عبد الله عن جعفر بن محمد عن القاسم بن الربيع عن صباح المزني عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام (حين ظهور المهدي) :
((يستغني الناس عن ضوء الشمس ونور القمر ويجتزؤون بنور الإمام)) (البحار ج7 ص326 روايه1 باب17)
وفي الزيارة الجامعة الكبيرة :
((وأشرقت الأرض بنوركم)) (البحار ج102 ص129 روايه4 باب8)
ولا يخفى لطافة التعبير في الآية حيث أضيف النور إلى الربّ، في قوله "بِنُورِ رَبِّهَا " وهو أجلى وأظهر أسمائه تعالى.
وفي حديث آخر :
((الكوكب الدرِّي القائمُ المنتظر عليه السلام، الذي يملأ الأرض عدلاً)) (معجم أحاديث الإمام المهدي جلد5 صفحة273)
وعن ابن محبوب عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال :
(( قال لي: لا بدَّ من فتنة صماء صيلم، يسقط فيها كل بطانة ووليجة، وذلك عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي يبكى عليه أهل السماء وأهل الأرض وكلّ حريٍّ وحرّان وكلّ حزين لهفان، ثم قال : بأبي وأمي سميّ جدي وشبيهي وشبيه موسى بن عمران (عليه السلام)، عليه جيوبُ النور تتوقَّد بشعاع ضياء القدس)) (بحار الأنوار ج51 ص152 روايه2 باب8)
ونفس النص قد صدر عن أمير المؤمنين عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم (بحار الأنوار ج51 ص108 روايه42 باب1)
ثمَّ قال تعالى:
{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ*رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} (النور36،37)
فتلك الأنوار إنَّما هي في بيوت، فما هي تلك البيوت التي احتملت الأنوار المعنويَّة؟
هذا ما يجيب عنه أئمتنا عليهم السلام معتمدين على الآية نفسها.
فالقرآن يشتمل على ظاهر وباطن وقد أشار سبحانه إلى باطنه بقوله:
{وما يعلم تأويله إلا الله} (آل عمران7)
فالظاهر ورود هذه الآية في المساجد. فالمسجد له الأهمية القصوى في الإسلام، لأنه مكان أداء أقدس الأعمال ألا وهو الصلاة.
فالمسجد في ظاهره ليس إلا عبارة عن بناء مكوَّن من التراب والصخر والحديد وكلّها جمادات، إلا أنها لإضافتها باسم الربّ تعالى، فإن شأن المسجد يختلف عن سائر البيوت في الدنيا والآخرة، كما تؤكِّد على ذلك الآيات الكثيرة والأحاديث المتواترة.
بيت النبوَّة والإمامة
ولله أيضاً بيوت ليست من الصخر والطين والحديد، بل إنها من العقل والروح والقلب فهي مختلفة عن سائر البيوت. إن المسجد بيتٌ لإقامة الصلاة، أما بيت العقل والروح والقلب فسكّانه المعرفة والعلم بالله.
وهذا البيت الروحاني هو المقصود الباطني لهذه الآية. فالقلب هو المسجد وبيت الله الحقيقي، وهو مسكن للمعرفة والتوحيد والأسماء الحسنى الإلهية.
ولذلك نعرف السرّ في أهميَّة مشاهد الرسول والأئمة عليهم السلام حيث يجري عليها أحكام المساجد.
ففي روضة الكافى عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل : "فى بيوت أذن الله أن ترفع" قال :
((هي بيوت النبي صلى الله عليه وآله))
وأيضاً :
لما قدم قتادة -وكان فقيهاً عالماً لا يتزعزع أمام كبار العلماء- على الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام، وقبل أن ينطق قال له الإمام عليه السلام :
(("ويحك يا قتاده، إن الله تعالى خلق خلقاً من خلقه فجعلهم حججاً على خلقه، وهم أوتادٌ في أرضه، قّوامٌ بأمره، نجباء في علمه، اصطفاهم قبل خلقه، أظلّة عن يمين عرشه". قال : فسكت قتاده طويلاً، ثمّ قال : أصلحك الله، والله لقد جلستُ بين يدي الفقهاء وقدّام ابن عباس، فما اضطرب قلبي قدّام واحد منهم ما اضطرب قدّامك! فقال أبو جعفر عليه السلام : "أتدري أين أنت؟ بين يدي بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبِّح له فيها بالغدوّ والآصال رجالٌ لا تلهيهم تجارة ولا بيعٌ عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ونحن أولئك". فقال قتادة : صدقت والله، جعلني الله فداك، والله ما هي بيوت حجارة ولا طين!)) (بحار الأنوار ج10 ص155 والكافي ج6 ص265 ح1