بسم الله الرحمن الرحيم
الملامح الاعجازية للموت نظرة قرآنية
فإطلاق لفظ الكلية على النفس ووضوح الدلالة القولبة, ما من شي إلا سيذوق الموت والسؤال المهم في أصل البحث لما فعل الذوق جاء قرينا للموت وهل الموت شي حتى تتذوقه النفس 00؟
إن المعنى المتصور في ذهن الإنسان عن الذائقة التي هي محل اللسان انه يستطيع معرفة طعم الأشياء من خلال هذه الحاسة الضرورية لكن بعد تلبسها بالشيء المراد تذوقه لا قبله وعلينا أن نعرف أيضا إن نتائج الذائقة أربعة أشياء هي الحلو والمر والمالح والحامض وان كنت اعتقد أن الأخيرين من أجزاء الثاني وليس مستقل عنه أو قل آثارا مخففه عنه فالحقيقة هاهنا فبما إن للذائقة أحوال أربعة فالموت بعد تلقيه للفرد له نفس الأحوال وتأكيد ذلك بالتصريح الروائي والقرآني لقوله تعالى((لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ))الدخان 56 وأما الاستثناء المنقطع الوارد هنا وان كان يُحتمل منه المرارة أيضا لكن لدينا قرينةلفظية صارفة وهي الآيات المتقدمةفيكفي مراجعتها, وقوله للمذاق السيء ((إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا لِلْطَّاغِينَ مَآبًا لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا )) النبأ 24 وان تقلب الموت بحالين أو أربعة راجع إلى الفرد نفسه لا إلى جوهر الموت ونضيف إن التذوق فعل يقع للموجود لا العدم والموجود هو مخلوق وهو الموت قال تعالى ((الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ )) الملك 2 فإذا كان الموت مخلوقا وموجودا تكوينينا لماذا البعض يرفضه أو ينكر ما بعده لان إنكار ما بعده أصبح مقدمة لعدم تصديق أحوال الموت وواقعيته الفكر الأوربي وقع ضحية المادة والظواهر الطبيعية إلا إننا لم نجده يتعامل مع الموت كونه كذلك لأنه يتخطى حدود المادة وما يعتقدون به وهنا تحديدا تظهر الجنبة الاعجازية في ملامح الموت التي منها ربطه بالتذوق وان كانت روحية طبعا لكنها مشترك أنساني عام وذلك من خلال عرض النقاط التالية
1- ربط المجهول التصديقي كمفهوم بآخر تصديقي تمثيلي حسي للوصول إلى تصديقي من نوع آخر كما يريده الحق سبحانه وهذا متوفر بالذهنية البشرية
2- عدم إنكار الماورائية أو الميتافيزيقا كما يصطلح على مفهوم الغيب عندنا فلو رفض الموت لإنكار ما بعده لهدم مشاهدته أو الإحساس به فهم يعتقدون بكثير من العلوم التي لها نفس الطابع لكنهم يؤمنون بها على خلاف نظرياتهم الأخرى ومثال ذلك التنجيم والسحر والباراسايكولجي والتنويم المغناطيسي والمشاعر والأحاسيس النفسية التي يمرون بها لها جميعا طابع غيبي
3- جاء القران الكريم بمفهوم التذوق والذائقة لان له بعدا ماديا أولا ومعنويا ثانيا والإنسان على إطلاقه يمر بالمعنيين فلا داعي عقلا إن ينكر متعلقهما وهو الموت
4- الإنسان المادي مثلا يبحث دائما عن الراحة والدعة والاستقرار والرفاهية المطلقة وصولا إلى مفهوم السعادة الذي ينشده في داخله فهل وصل إلى مبتغاه في كل ذلك أم بقي يتعثر في ساحة السعادة المطلوبة أكيدا لم يصل ويكفي إن يطلع الفرد على أوربا اليوم فيرى ذلك جليا فإذا كانت السعادة مفقودة فأين هو المتذوق للغيب الذي يجد السعادة في الآخرة بكل معانيها متحققة هناك وواسطة الوصول والانتقال إليها هي الموت والذي يتذوق الموت بحلاوته أو مرارته يجد النتيجة أمامه ظاهرة
5- قانون الهدفية في التفكير المادي يحتم إن لا يوجد فعل أنساني دون إن يكون له هدفا و غاية تحدده فهل يعقل إن يكون أصل وجوده الإنساني عبثا والموت خير دليل ليراجع أهل المادة والطبيعيات هذا القانون وليطبقوه على أصل وجودهم فماذا تكون النتيجة غير الإيمان بالله تعالى وبالموت الذي يجعل الفرد منهم ومنا إن يعيد كل ما صدر منه وما سيصدر لان المسالك تحددها الغايات
وفي أصل البحث لابد لنا من التطرق إلى الأبعاد الأخلاقية الناتجة من ملامح الموت وفعل التذوق وبما إن الموت هو انفصال الروح عن البدن أو انتقال الروح إلى عالم الآخرة بعد ترك الجسد فان القران يشير إلى فعل الموت ووقوعه على النفس ((كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ )) والنفس من متعلقات الدنيا فالذي يتصف بميله إلى الدنيا ولو بمقدار معين هو ذلك الذي يعاني من سكرات الموت وشدة النزع لان الانفصال يكون هنا شديد والموت حاله المرارة هنا كما صرحت بعض الروايات يذيقه ملك الموت مرارة الموت وأما إن يكون حلو الحال أثناء النزع فخلاف ذلك تماما كما قال الإمام الحسين عليه السلام لابن أخيه القاسم عليه السلام كيف تجد الموت معي قال أحلى من العسل وهذا يوضح لنا جملة من الحقائق أهمها
1- إن الذائقة لها أحوال أربعة وهي روحية أيضا وهذا حسب أعمال الفرد نفسه
2- إن الذائقة الحلوة لها مراتب متفاوتة تقع على النفس وهذا أيضا يوضح شدة تقوى الفرد وتعلقه بالآخرة التي هي دار القرار
3- ممكن إن يكون الفرد مستعدا للموت بشكل جيد ويؤهله إن ينتقل إلى الآخرة بسلام وذلك حسب قول أمير المؤمنين عليه السلام قال (الاستعداد للموت بثلاثة أداء الفرائض واجتناب المحارم واكتساب المكارم) بهذا الصفات الثلاث يكون الفرد ممن يتلقى الموت بحلاوة الأولياء لا العصاة والجهلة
4- إن الموت كما عبر عنه بعض الأعلام ما هو إلا نافذة يطل من خلالها الفرد على عالم الآخرة وهي مغلقة إلى حين سكرات الموت تبدأ هذه النافذة بالانفتاح إلى عالمه التي عمل له وصدق به (( وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا )) الإسراء 19
5- إن الفرد يوميا تمر على ذائقته المادية عشرات الأطعمة والاشربة فيقبل هذا ويرفض ذاك أو ليس عليه إن يُعمل ذائقته المعنوية بما يرفضه من معاصي ويقبله من طاعات مذكرا نفسه بحلاوة الموت أو مرارته
6- فخلاصة القول أننا من خلال البحث مررنا بثلاثة أبعاد تفسيرية واعجازية اثباتية وأخلاقية فينبغي الالتفات إليها والتزود منها لدار الآخرة قال تعالى((وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ )) البقرة 197
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وسلم تسليما كثيرا
معهد الإمام الصادق عليه السلام للدراسات الإسلامية في الناصرية
9|ربيع الثاني|1433هـ