كلمة سماحة ا لشيخ علي سلمان في مسجد الخواجة ليلة الرابع من محرم الحرام من عام 1424الموافق 6/3/2003بعنوان :
الأزمة الأخلاقية : نظرة تاريخية عامة
أعوذ بالله من الشيطان الغوي الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين ، واللعن الدائم على أعدائهم إلى يوم الدين ، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته .
ماذا نقصد بالأزمة الأخلاقية ؟
نقصد بالأزمة الأخلاقية - من منطلق الرؤية الدينية – كل ممارسة تبتعد عن الرؤية الدينية وعن إرادة الله سبحانه وتعالى ، تحت أي عنوان كانت هذه الممارسة ، فحينما تسود قيم الربا والغش والاحتكار مثلاً في سوق العمل فهذا أحد مصاديق الأزمة الأخلاقية ، وحينما تسود القيم الهادمة للأسرة ولعلاقات الأبوة والأمومة الدينية فهذه أزمة أخلاقية ، فالأزمة الأخلاقية مختلفة الأبعاد وتشمل مختلف القضايا والعناوين كالاقتصاد والأسرة والعلاقات الفردية والاجتماعية ، في علاقات الأفراد مع بعضهم البعض ، وفي علاقات ا لأمم بع بعضها البعض ، فحينما تغيب قيم السماء عن هذه القضايا فهناك أزمة أخلاقية .
عالمية الأزمة الأخلاقية
الأزمة الأخلاقية التي نعيشها اليوم هي أزمة أخلاقية عالمية وليست محلية فقط ، ومظاهر هذه الأزمة توجد في مختلف دول وحضارات العالم ، وما نعيشه ا ليوم من أزمة في المجال الأخلاقي لم تعشه البشرية في يوم من الأيام ، فلم تتردى البشرية في بعض جوانب القيم الأخلاقية في يوم ما كما هي متردية اليوم ، وهذا بدوره يرجع إلى وسائل النقل المتطورة والتي تقوم بنقل الصوت والصورة ، وأصبحت بالتالي لا تسمح بوجود محليات أو على الأقل قللت من مساحة القضايا المحلية لتصبح عالمية ، فوجود مشكلة ما في إحدى البقاع لا يمكن أن تنحصر فيها فقط ، وتقليعة رجل مشهور في أمريكا تصبح تقليعة عالمية وتلف وسائل الاتصال بها الأرض .
في السابق وحين كانت وسائل الاتصال بدائية وأقل تطوراً كانت بعض الأمم تنهض وتندثر ولا يكون لها التأثير الواضح على الأمة المجاورة لها ، وبتوافر وسائل الاتصال المتطورة اليوم لم يعد بالإمكان أن تتحول هذه الأزمة الأخلاقية إلى أزمة محلية فقط بل هي أزمة عالمية ، فكما نشعر نحن بهذه الأزمة في مجتمعنا ، يشعر الأوروبي كذلك بهذه الأزمة من خلال علاقاته الأسرية والاجتماعية وعلاقات سوق العمل .
الأزمة الأخلاقية : نظرة تاريخية
مع البدايات الأولى لسكن الإنسان وتواجده على هذه الأرض بدأت الأزمة الأخلاقية ، وتجلت في الخلاف الذي دار بين أبناء آدم هابيل وقابيل والذي انتهى بعملية القتل الأولى في تاريخ البشرية ، ومعها بدأ الصراع بين قيم الخير المرتبطة بالسماء وقيم الشر المرتبطة بالأرض ، وفي خضم هذا الصراع يكون النصر أحياناً حليف قيم السماء والخير المتمثلة في الرسالات السماوية ، ويكون النصر أحياناً حليف قيم الشر المتمثل في الفساد الذي يسعى لتضخيم قيم الغريزة والشر على حساب قيم الخير ، واستمرت البشرية تعيش دائرة هذا الصراع ، تأتي الرسالة السماوية بقيم الخير فتتصدى لها قيم الشر ، وحينما تنتصر قيم الشر تأتي رسالة أخرى وهكذا ، حتى انتصرت قيم الشر قبل الرسالة الإسلامية ولذا جاءت هذه الرسالة لتجدد وتحيي قيم الخير والصلاح .
وقد كان من نماذج هذا الصراع أن جاءت أمة المطففين الذين أخذوا ينتقصون من مال الناس ، فكانوا يعانون من مشكلة أخلاقية في الجانب المالي ، يعانون من فساد مالي ، فشاء الله أن يصحح المسيرة وذلك عن طريق اجتثاث هذه الأمة وتدميرها ، ثم جاء قوم لوط فأفسدوا في الأرض وكان مصيرهم الدمار والخراب ، فقد كان هذا الأسلوب الرباني في تصحيح المسيرة ، مسيرة الخير ، مستخدما في تلك الفترة ولم يعد مستخدما الآن .
فكرة التدخل الإلهي المباشر في عملية إصلاح المسيرة البشرية لم تعد موجودة الآن كما كانت في السابق ، ولكن وجدت لهذه الأمة بعض الروايات التي تقول بوجود التجديد المستمر عن طريق المجددين الذين يأتون بعد كل مائة عام ليصلحوا ما فسد في طريق مسيرة الأمة نحو الخير والصلاح .
المعركة الأخيرة التي نعيشها اليوم بين قيم الخير وقيم الشر – والتي بدأت منذ ما يقرب من 300 عام – تعد من أقوى وأشد اللحظات التاريخية في هذا الصراع ، ولو قسنا هذه المرحلة بالمراحل السابقة لقلنا بأن المفسدين اليوم يستحقون أن يخسف الله بهم الأرض ويدمرهم تدميرا ، ويمارس عليهم ما مارسه بحق أسلافهم في الأمم الماضية .
الثورة الصناعية :
بدأت هذه المرحلة – في تقديري – مع بداية الثورة الصناعية ، التي أوجدت مثلثاً متألفاً من ثورة علمية وصناعية واقتصادية ، هذه الثورة المثلثة دخلت في صراع مع ممثل قيم السماء في الغرب وهو الدين المسيحي الذي أساء تمثيله للسماء من خلال ظلمه للمجتمع ووقوفه إلى جانب الدكتاتورية في قبال الشعوب ، في هذا الصراع تغلبت قيم الثورة الصناعية على قيم السماء ، فالمسيحية وإن كانت محرفة في الفكر والدور إلا أنها كانت أقرب للسماء من قيم المادة ، والقيم التي جاءت لتبشر بها الثورة الصناعية ، فانتصرت قيم الشر على قيم الخير .
الثورة الفرنسية :
بعد ذلك تأتي الثورة الفرنسية التي جاءت لتعلن مبادئ الإخاء والمساواة والعدالة ، وهذا توجه باتجاه الخير ولكنه لم يكن توجهاً من دون ثغرات في جدار الفضيلة ، جاءت بشعار المساواة بين الرجل والمرأة ولكنها فتحت مع ذلك باباً ضد الفضيلة في هذه العلاقة لم تستطع حتى الآن إغلاقه وإصلاحه ، صحيح أن هذه الثورة قامت بإسقاط النظام السياسي الفاسد والديكتاتوري ولكنها أوجدت وسمحت من الناحية الفكرية بقضايا فاسدة ساهمت في انتصار الشر والرذيلة على الخير والفضيلة .
الحرب العالمية الأولى :
جاءت الحرب العالمية الأولى بدرجة عالية من الانحدار في سلم الفضيلة والخير ، فساهمت في تفكك الأسرة وقيم الأسرة والعلاقات الاجتماعية واللباس وغير ذلك ، وتعد هذه الحرب محطة هامة في صراع الفضيلة مع اللافضيلة والتي ساهمت في انتصار قيم الشر على قيم الخير .
الثورة الروسية :
جاءت الثورة الروسية لتقف ضد الدين ، وتضربه بشكل مباشر فكرياً وعملياً ، وجاءت بشراسة لم تفعلها سابقاً الحضارة الغربية ، فحاولت أن تصنع هزة تربك العقائد الدينية وقد دفعت بحالة الصراع بين قيم الخير والشر إلى مستوى متقدم .
الحرب العالمية الثانية :
جاءت الحرب العالمية الثانية بانعكاسات مشابهة لتلك التي جاءت بعد الحرب العالمية الأولى ، وقد جاءت هذه الحرب بملامح عالم جديد ، تكون فيه الصراع بين المعسكر الغربي والمعسكر الشرقي ، كمحطة من محطات المعركة التي ظهر في وسطها انبعاث للحالة الإسلامية التي انعكست حتى على المجتمع في الغرب أو على الأقل على الجاليات المسلمة في الغرب ، تمثلت حالة انبعاث هذه في انتصار الثورة الإسلامية في إيران التي انتصرت لقيم الخير على قيم الشر ، ولكن – وكحالة تتماشى مع السنن الكونية – تضاءل تأثير الثورة الإسلامية في إيران مع الوقت ، وكان هذا أحد أسباب ازدياد حالة التأزم الأخلاقي .
المحطة الأخيرة : انهيار الاتحاد السوفييتي :
بعد سقوط الاتحاد السوفييتي زاد نشاط التكتل الغربي وتطرفه استناداً لقيم رأس المال والحضارة الغربية ، فقد أطلق الغرب وما فيه من حضارة مادية العنان لفكره وبلا أي مجاملات أو سدود كانت موجود سابقاً أثناء صراعه مع التكتل الشرقي ، ففي أثناء قيام الاتحاد السوفييتي كان المعسكر الغربي يعلن احترامه لحريات الأمم وثقافاتها وأديانها كنقطة من نقاط الصراع مع المعسكر الغربي الذي كان يرفض الدين بشكل صريح ومباشر ، ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وجد المعسكر الغربي نفسه بلا حاجة لهذه المجاملات مع العالم الإسلامي وأمريكا الجنوبية وغيرها من المناطق ، فأطلق لنفسه العنان وما عاد يهتم لما يقوله عنه الآخرون ما دام هو القوي والذي يستطيع أن يوصل فكره من خلال قوته التي لا قوة تضاهيها ، وأصبحت أفكار حوار الحضارات مجرد شعارات لا واقع لها عند الحضارة الغربية ، وأصبحت القيم تابعة للقوة والكسب والربح التجاري ، فحينما تستطيع أن تكسب من خلال قهر الشعوب فاكسب ، وحينما يزداد رصيدك بهدم قيم السماء فاجعله يزداد .
أصبح الفكر الغربي المتسلم لزمام الأمور ينظر لثقافات الأمم الأخرى ، مثلما نحن ننظر لحضارة من يعبدون البقر من الهندوس وغيرهم ، أصبح لا يكترث بحضارات ا لآخرين وثقافاتهم .
وقد أصبح من نتائج هذه المحطة أن ظهرت فكرة العولمة التي تعني أن في بعدها الفكري أن النموذج الفكري الغربي هو الذي يجب أن يسود ، وأن النظام السياسي الغربي هو الذي يجب أن يسود ، وكل قيم الغرب المادية هي التي يجب أن تسود من خلال فكرة العولمة ، فهذه القيم هي القيم المثى التي يجب أن تسود .
هذه إلمامة بسيطة لتاريخ الصراع بين قيم السماء وقيم الأرض ، وسوف يكون الحديث القادم حول مصادر الانحراف والفساد الأخلاقي الذي نعيشه ، ومن ضمنها طبيعة الخلق بما فيه من تحدي وامتحان ، وقابلية الانحراف ، ووجود الشيطان الذي يسعى للانحراف ، وانحراف الرسالات السماوية من خلال الأتباع الذين لم يخلصوا للرسول والرسالة فصيروها رسالة مشوهة محرفة كاليهودية والمسيحية ، وأخيراً عدم التطبيق الكامل للرسالة السماوية مما أدى إلى عجزها على الأرض من أن تلبي حاجات البشرية ، وهناك عدة مصادر أخرى سيكون الحديث عنها في وقت آخر .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
__________________________________________________ __
الأزمة الأخلاقية : نظرة تاريخية عامة
أعوذ بالله من الشيطان الغوي الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين ، واللعن الدائم على أعدائهم إلى يوم الدين ، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته .
ماذا نقصد بالأزمة الأخلاقية ؟
نقصد بالأزمة الأخلاقية - من منطلق الرؤية الدينية – كل ممارسة تبتعد عن الرؤية الدينية وعن إرادة الله سبحانه وتعالى ، تحت أي عنوان كانت هذه الممارسة ، فحينما تسود قيم الربا والغش والاحتكار مثلاً في سوق العمل فهذا أحد مصاديق الأزمة الأخلاقية ، وحينما تسود القيم الهادمة للأسرة ولعلاقات الأبوة والأمومة الدينية فهذه أزمة أخلاقية ، فالأزمة الأخلاقية مختلفة الأبعاد وتشمل مختلف القضايا والعناوين كالاقتصاد والأسرة والعلاقات الفردية والاجتماعية ، في علاقات الأفراد مع بعضهم البعض ، وفي علاقات ا لأمم بع بعضها البعض ، فحينما تغيب قيم السماء عن هذه القضايا فهناك أزمة أخلاقية .
عالمية الأزمة الأخلاقية
الأزمة الأخلاقية التي نعيشها اليوم هي أزمة أخلاقية عالمية وليست محلية فقط ، ومظاهر هذه الأزمة توجد في مختلف دول وحضارات العالم ، وما نعيشه ا ليوم من أزمة في المجال الأخلاقي لم تعشه البشرية في يوم من الأيام ، فلم تتردى البشرية في بعض جوانب القيم الأخلاقية في يوم ما كما هي متردية اليوم ، وهذا بدوره يرجع إلى وسائل النقل المتطورة والتي تقوم بنقل الصوت والصورة ، وأصبحت بالتالي لا تسمح بوجود محليات أو على الأقل قللت من مساحة القضايا المحلية لتصبح عالمية ، فوجود مشكلة ما في إحدى البقاع لا يمكن أن تنحصر فيها فقط ، وتقليعة رجل مشهور في أمريكا تصبح تقليعة عالمية وتلف وسائل الاتصال بها الأرض .
في السابق وحين كانت وسائل الاتصال بدائية وأقل تطوراً كانت بعض الأمم تنهض وتندثر ولا يكون لها التأثير الواضح على الأمة المجاورة لها ، وبتوافر وسائل الاتصال المتطورة اليوم لم يعد بالإمكان أن تتحول هذه الأزمة الأخلاقية إلى أزمة محلية فقط بل هي أزمة عالمية ، فكما نشعر نحن بهذه الأزمة في مجتمعنا ، يشعر الأوروبي كذلك بهذه الأزمة من خلال علاقاته الأسرية والاجتماعية وعلاقات سوق العمل .
الأزمة الأخلاقية : نظرة تاريخية
مع البدايات الأولى لسكن الإنسان وتواجده على هذه الأرض بدأت الأزمة الأخلاقية ، وتجلت في الخلاف الذي دار بين أبناء آدم هابيل وقابيل والذي انتهى بعملية القتل الأولى في تاريخ البشرية ، ومعها بدأ الصراع بين قيم الخير المرتبطة بالسماء وقيم الشر المرتبطة بالأرض ، وفي خضم هذا الصراع يكون النصر أحياناً حليف قيم السماء والخير المتمثلة في الرسالات السماوية ، ويكون النصر أحياناً حليف قيم الشر المتمثل في الفساد الذي يسعى لتضخيم قيم الغريزة والشر على حساب قيم الخير ، واستمرت البشرية تعيش دائرة هذا الصراع ، تأتي الرسالة السماوية بقيم الخير فتتصدى لها قيم الشر ، وحينما تنتصر قيم الشر تأتي رسالة أخرى وهكذا ، حتى انتصرت قيم الشر قبل الرسالة الإسلامية ولذا جاءت هذه الرسالة لتجدد وتحيي قيم الخير والصلاح .
وقد كان من نماذج هذا الصراع أن جاءت أمة المطففين الذين أخذوا ينتقصون من مال الناس ، فكانوا يعانون من مشكلة أخلاقية في الجانب المالي ، يعانون من فساد مالي ، فشاء الله أن يصحح المسيرة وذلك عن طريق اجتثاث هذه الأمة وتدميرها ، ثم جاء قوم لوط فأفسدوا في الأرض وكان مصيرهم الدمار والخراب ، فقد كان هذا الأسلوب الرباني في تصحيح المسيرة ، مسيرة الخير ، مستخدما في تلك الفترة ولم يعد مستخدما الآن .
فكرة التدخل الإلهي المباشر في عملية إصلاح المسيرة البشرية لم تعد موجودة الآن كما كانت في السابق ، ولكن وجدت لهذه الأمة بعض الروايات التي تقول بوجود التجديد المستمر عن طريق المجددين الذين يأتون بعد كل مائة عام ليصلحوا ما فسد في طريق مسيرة الأمة نحو الخير والصلاح .
المعركة الأخيرة التي نعيشها اليوم بين قيم الخير وقيم الشر – والتي بدأت منذ ما يقرب من 300 عام – تعد من أقوى وأشد اللحظات التاريخية في هذا الصراع ، ولو قسنا هذه المرحلة بالمراحل السابقة لقلنا بأن المفسدين اليوم يستحقون أن يخسف الله بهم الأرض ويدمرهم تدميرا ، ويمارس عليهم ما مارسه بحق أسلافهم في الأمم الماضية .
الثورة الصناعية :
بدأت هذه المرحلة – في تقديري – مع بداية الثورة الصناعية ، التي أوجدت مثلثاً متألفاً من ثورة علمية وصناعية واقتصادية ، هذه الثورة المثلثة دخلت في صراع مع ممثل قيم السماء في الغرب وهو الدين المسيحي الذي أساء تمثيله للسماء من خلال ظلمه للمجتمع ووقوفه إلى جانب الدكتاتورية في قبال الشعوب ، في هذا الصراع تغلبت قيم الثورة الصناعية على قيم السماء ، فالمسيحية وإن كانت محرفة في الفكر والدور إلا أنها كانت أقرب للسماء من قيم المادة ، والقيم التي جاءت لتبشر بها الثورة الصناعية ، فانتصرت قيم الشر على قيم الخير .
الثورة الفرنسية :
بعد ذلك تأتي الثورة الفرنسية التي جاءت لتعلن مبادئ الإخاء والمساواة والعدالة ، وهذا توجه باتجاه الخير ولكنه لم يكن توجهاً من دون ثغرات في جدار الفضيلة ، جاءت بشعار المساواة بين الرجل والمرأة ولكنها فتحت مع ذلك باباً ضد الفضيلة في هذه العلاقة لم تستطع حتى الآن إغلاقه وإصلاحه ، صحيح أن هذه الثورة قامت بإسقاط النظام السياسي الفاسد والديكتاتوري ولكنها أوجدت وسمحت من الناحية الفكرية بقضايا فاسدة ساهمت في انتصار الشر والرذيلة على الخير والفضيلة .
الحرب العالمية الأولى :
جاءت الحرب العالمية الأولى بدرجة عالية من الانحدار في سلم الفضيلة والخير ، فساهمت في تفكك الأسرة وقيم الأسرة والعلاقات الاجتماعية واللباس وغير ذلك ، وتعد هذه الحرب محطة هامة في صراع الفضيلة مع اللافضيلة والتي ساهمت في انتصار قيم الشر على قيم الخير .
الثورة الروسية :
جاءت الثورة الروسية لتقف ضد الدين ، وتضربه بشكل مباشر فكرياً وعملياً ، وجاءت بشراسة لم تفعلها سابقاً الحضارة الغربية ، فحاولت أن تصنع هزة تربك العقائد الدينية وقد دفعت بحالة الصراع بين قيم الخير والشر إلى مستوى متقدم .
الحرب العالمية الثانية :
جاءت الحرب العالمية الثانية بانعكاسات مشابهة لتلك التي جاءت بعد الحرب العالمية الأولى ، وقد جاءت هذه الحرب بملامح عالم جديد ، تكون فيه الصراع بين المعسكر الغربي والمعسكر الشرقي ، كمحطة من محطات المعركة التي ظهر في وسطها انبعاث للحالة الإسلامية التي انعكست حتى على المجتمع في الغرب أو على الأقل على الجاليات المسلمة في الغرب ، تمثلت حالة انبعاث هذه في انتصار الثورة الإسلامية في إيران التي انتصرت لقيم الخير على قيم الشر ، ولكن – وكحالة تتماشى مع السنن الكونية – تضاءل تأثير الثورة الإسلامية في إيران مع الوقت ، وكان هذا أحد أسباب ازدياد حالة التأزم الأخلاقي .
المحطة الأخيرة : انهيار الاتحاد السوفييتي :
بعد سقوط الاتحاد السوفييتي زاد نشاط التكتل الغربي وتطرفه استناداً لقيم رأس المال والحضارة الغربية ، فقد أطلق الغرب وما فيه من حضارة مادية العنان لفكره وبلا أي مجاملات أو سدود كانت موجود سابقاً أثناء صراعه مع التكتل الشرقي ، ففي أثناء قيام الاتحاد السوفييتي كان المعسكر الغربي يعلن احترامه لحريات الأمم وثقافاتها وأديانها كنقطة من نقاط الصراع مع المعسكر الغربي الذي كان يرفض الدين بشكل صريح ومباشر ، ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وجد المعسكر الغربي نفسه بلا حاجة لهذه المجاملات مع العالم الإسلامي وأمريكا الجنوبية وغيرها من المناطق ، فأطلق لنفسه العنان وما عاد يهتم لما يقوله عنه الآخرون ما دام هو القوي والذي يستطيع أن يوصل فكره من خلال قوته التي لا قوة تضاهيها ، وأصبحت أفكار حوار الحضارات مجرد شعارات لا واقع لها عند الحضارة الغربية ، وأصبحت القيم تابعة للقوة والكسب والربح التجاري ، فحينما تستطيع أن تكسب من خلال قهر الشعوب فاكسب ، وحينما يزداد رصيدك بهدم قيم السماء فاجعله يزداد .
أصبح الفكر الغربي المتسلم لزمام الأمور ينظر لثقافات الأمم الأخرى ، مثلما نحن ننظر لحضارة من يعبدون البقر من الهندوس وغيرهم ، أصبح لا يكترث بحضارات ا لآخرين وثقافاتهم .
وقد أصبح من نتائج هذه المحطة أن ظهرت فكرة العولمة التي تعني أن في بعدها الفكري أن النموذج الفكري الغربي هو الذي يجب أن يسود ، وأن النظام السياسي الغربي هو الذي يجب أن يسود ، وكل قيم الغرب المادية هي التي يجب أن تسود من خلال فكرة العولمة ، فهذه القيم هي القيم المثى التي يجب أن تسود .
هذه إلمامة بسيطة لتاريخ الصراع بين قيم السماء وقيم الأرض ، وسوف يكون الحديث القادم حول مصادر الانحراف والفساد الأخلاقي الذي نعيشه ، ومن ضمنها طبيعة الخلق بما فيه من تحدي وامتحان ، وقابلية الانحراف ، ووجود الشيطان الذي يسعى للانحراف ، وانحراف الرسالات السماوية من خلال الأتباع الذين لم يخلصوا للرسول والرسالة فصيروها رسالة مشوهة محرفة كاليهودية والمسيحية ، وأخيراً عدم التطبيق الكامل للرسالة السماوية مما أدى إلى عجزها على الأرض من أن تلبي حاجات البشرية ، وهناك عدة مصادر أخرى سيكون الحديث عنها في وقت آخر .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
__________________________________________________ __