السلام عليكم
اثبت للأخوة أدناه رسالة كنت بعثتها للشيخ حسن بن فرحان المالكي منذ حوالي شهرين ، وكنت بعثت مثيلا لها منذ عام 2008 م للسيد كمال الحيدري ، حيث بينت فيها رغم اختصاري لكثير من النقاط فيها ، الحجة الدامغة ومن كتاب الله فقط ، التي تثبت بما لايدع مجالا للشك ، بأن عهد الإمامة للناس كل الناس الذي عهده الله سبحانه لنبيه ابراهيم ولذريته ( غير الظالمين منهم ) من بعده قد تجلى حقيقة في بني هاشم ، وهو مستمر عبر ذرية فاطمة عليها السلام حتى قيام الساعة .
والذي أرجوه ممن يطلع عليها نشرها بين أهله ومحبيه ومعارفه تعميما للفائدة وتحذيرا من كتمان البينات من كتاب الله .
==================
الرسالة :
(( الأخ الشيخ المحترم حسن بن فرحان المالكي
تحية طيبة وبعد
ورد في كتاب الله سبحانه البيان الآتي :
وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ{124} / من سورة البقرة
نحن أمام بيان يتحدث عن عهد عهده الله سبحانه لنبيه إبراهيم ولذريته ( غير الظالمين منهم ) بأن جعله إماماً للناس وسيجعل من ذريته ( غير الظالمين منهم ) أئمة للناس كذلك .
لو تبصرنا في هذا البيان سيتضح لنا الآتي :
1. هذا المقام الذي آتاه الله سبحانه لإبراهيم كان بعد أن بعثه الله نبيا .
2. هذا العهد الذي عهده الله لإبراهيم في ذريته كذلك غير محدد بأجل ، وبالتالي فهو قائم حتى قيام الساعة .
3. البيان يقول بأن الله سبحانه جعل إبراهيم إماماً للناس ، وليس فقط لأمة محددة أو قوم بعينهم ، وهذا يفيد بأن إمامته هذه هي على جميع الناس كافة دون استثناء .
ما هو مدلول القول ( إماماً للناس ) :
لو عدنا لتجليات هذا العهد الذي عهده الله سبحانه لنبيه إبراهيم وتتبعنا ذلك من خلال ما ورد بيانه في كتاب الله سنجد :
1. جعلت النبوة والكتاب في ذريته حصراً من بعده : {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ }العنكبوت27 ، وكتاب الله عندما يبين بأن النبوة والكتاب جعلت في ذرية إبراهيم فهذا يفيدنا بأن كل الأنبياء ( نبوة ) وكل الرسل ( كتاب شريعة ومنهاج ) هم من ذرية إبراهيم من بعده .
2. إبراهيم هو أبو الملة ( أبو المسلمين ) وهو من سماهم بهذا الاسم : {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ }الحج78 ، {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ }البقرة130 ، {وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }البقرة135 ، {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً }النساء125 ، {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }الأنعام161 ، {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }النحل123 ، {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ }الحج78 .
3. إبراهيم غدا خليل الله ، وهو مقام رفيع ، إذ لايغفل الخليل عن خليله طرفة عين فهو حاضر في قلبه وبكل جوارحه : {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً }النساء125 .
4. لقد حث الله سبحانه الناس جميعاً لأن يتخذوا من (مَّقَامِ ) إبراهيم مصلى : وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ{125} / البقرة ، والمقام ( بفتح الميم ) يفيد الدرجة والقربى من الله سبحانه التي وصل إليها نبي الله إبراهيم ، و كلمة ( المصلّى ) في البيان أعلاه تفيد الهدف والغاية القصوى التي ترنو إليها العقول والقلوب ، وهي أعلى درجات القرب من الله سبحانه .
تلك بعضاً من معاني دليل البيان ( إماماً للناس ) ، ومع ذلك لنا أن نسأل الآتي :
1. هل كان إبراهيم في عصره ملكاً أو خليفة لأمة أو قوم ؟ والجواب لم يثبت التاريخ والأثر ذلك .
2. هل كان يطمح في أن يكون كذلك ؟ والجواب ليس إبراهيم صاحب ذلك المقام المحمود الرفيع من يطمح في جاه أو ملك زائل .
لكن لنعيد السؤال بطريقة أخرى ونسأل :
1. من كان المرجعية العليا وسراج الهدى لكل سالك إلى الله سبحانه في زمن إبراهيم ؟ والجواب إنّه إبراهيم بلا منازع .
2. هل يحل لمن عاصر إبراهيم من قومه بالتحديد ، ممن هم طلاب هدى وسالكين صادقين إلى الله سبحانه ، أن يتقدموا عليه في أي أمر فيه هدى لهم ولقومهم ، مثل الحكم والحاكمية وسياسة القوم ... الخ ؟ والجواب : لايحل لهم ذلك ، ومن يفعل مثل هذا فقد ظلم نفسه وتجرأ على مقام رفيع هو بمثابة الرأس بالنسبة للجسم .
3. هل يحل لأي احد من أتباع إبراهيم ( من ملته ) أن ينازعه في سلطان أو حكم وهو الأولى بذلك على جميع الناس ؟ والجواب : لا يحل ذلك له بتاتاً .
4. هل يحل لمن جاء من بعد عصر إبراهيم أن يدعي إمامة للناس إن لم يكن من ذرية إبراهيم حصرا (من جهة الوالد والوالدة ، وإلا لم يتحقق شرط النسب ) ويتحقق فيه شرط العهد الذي عهده الله سبحانه لنبيه إبراهيم ؟ والجواب : لايحل له ذلك ومن ادعى هذا الادعاء فهو ضال مضل وكاذب .
أين تجلى عهد الإمامة للناس كل الناس بعد زمن نبي الله إبراهيم ؟
إن المتتبع لقصة خليل الله إبراهيم كما ورد بيان ذلك في كتاب الله سبحانه سيجد أنه من تلك الشجرة المباركة الطيبة ( إبراهيم ) انبثق عنها فرعان هما إسماعيل واسحق ، ومن ذرية اسحق كان بنو إسرائيل ، ومن ذرية اسماعيل كان الأميون .
هل تجلى عهد الإمامة للناس كل الناس في فرع بني إسرائيل ؟
1. إن كتاب الله يبين أن كل أنبياء ورسل الله الذين بعثهم في بني إسرائيل كانوا لقومهم فقط ( لبني إسرائيل فقط ) بدءاً من الأسباط وانتهاء بعيسى .
2. إن الأئمة من بني إسرائيل ، كانوا أئمة على قومهم فقط ، وليس على الناس جميعاً .
نعود لتقصي الأمر في فرع الأميين ( ذرية إسماعيل ابن إبراهيم ) ومن كتاب الله ، حيث سيتضح لنا جلياً ، أن عهد الله سبحانه لإبراهيم قد تحقق في ذرية إسماعيل ( الأميين ، نسبة لأم القرى مكة ، والتي كان أول من سكنها بعد إعادة إعمار بيت الله فيها هو نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل ، الذي من ذريته عبر الزمن جاءت قبيلة قريش ) .
تجليات ذلك العهد على أرض الواقع :
1. لقد تحققت دعوة إبراهيم عند رفعه لقواعد البيت وإسماعيل كما ورد في البيان من كتاب الله : {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ }البقرة129 ، بتأكيد ذلك ومن كتاب الله سبحانه بالقول : {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }الجمعة2 ، {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ }البقرة151 .
2. الذي بعثه الله في الأميين نبيا رسولا هو من قريش ومن بني هاشم وذلك يفيد بتحقق شرطي العهد : 1 ـ بني هاشم من ذرية إبراهيم من جهة الوالد والوالدة ـ 2 ـ بني هاشم من ذرية إبراهيم الصالحة الطيبة المحسنة ، فالطيبون للطيبات .
3. رسول الله محمد كان رسول الله للناس جميعاً وليس للأميين فقط : {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }الأعراف158 ، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء107 ، {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } الفرقان1 ، {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ }ص87 .
لقد اتضح مما ذكرته أعلاه بأن ( إمام الناس جميعا ) كان رسول الله محمد ، واتضح وسيتضح لنا لاحقاً بأن ائمة الناس كل الناس هم من ذرية بني هاشم حصراً ولا ينازعهم في هذا المقام منازع ، وعلينا ألا نغفل عن أمر جد هام ، وهو أن استمرار تلك الذرية الطيبة ( العترة المطهرة من الرجس ) بعد أن تبين سيدها الأكبر ( وهو رسول الله محمد ) كان من خلال ابن عمه علي ابن أبي طالب وابنته فاطمة .
ما نعرفه جميعاً ، أن كتب الحديث الذي تنسب لرسول الله ، تروي الكثير الكثير من المواقف والخطب الصادرة عن رسول الله الصادق الأمين محمد والتي تشير إلى منزلة وقرب إبن عمه علي أبن أبي طالب منه ، مثل بيعة غدير خم ، ومثل قوله له أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي ، ومثل قوله له يوم برز لابن ود العامري ، لقد برز الإيمان كله للشرك كله ... الخ .
يخطئ كثيراً ( وقد أخطأ في ذلك كثير من السلف والصحب ) من يظن أن مواقف وخطب الرسول التي بين فيها منزلة ابن عمه علي منه ومن مولاه ، فيها تحيز له بسبب صلة القربى ، بل على من يؤمن حقاً بأن محمداً رسول الله ونبيه الخاتم ، أن يعتقد يقيناً بأن ما صدر عن الرسول الكريم في هذا الصدد هو تبيان لما ورد في كتاب الله وتذكير شديد بالعهد الذي عهده الله سبحانه لإبراهيم ولذريته ( غير الظالمين منهم ) من بعده ، فليس للرسول أن يجبر الناس على هذا بل عليه البلاغ والإنذار ، وقد فعل ذلك مرات ومرات ومرات ، حتى وهو على فراش الموت ، لقد بين لهم من هو أولى الناس بمقامه من بعده ، لكن القوم أبوا واستكبروا .
والخلاصة التي يمكن لنا أن نستخلصها مما بيناه أعلاه :
1. لايحل لأي كان من أمة رسول الله محمد وخاصة الذين عاصروه وعاصروا ذريته أن ينازعوهم هذا الحق الإلهي الذي عهده الله لنبيه إبراهيم ولذريته ( غير الظالمين منهم ) من بعده .
2. كل ما جرى بعد رسول الله محمد من أمر الخلافة ( الذي هو أمر حاكمية وسياسة دولة وقيادة رعيتها لما فيه صلاحهم وهداهم ، والذي هو من مسلمات العهد بإمامة الناس كل الناس فكيف بقوم أو أمة ) هو فسوق عن ذلك العهد وكفر به .
3. ليس لأحد من الناس جميعاً ( فلقد ختم عصر النبوة برسول الله محمد ) من غير ذرية بني هاشم حصراً ( ممن تحقق فيه شرط العهد وتبين جلياً على أرض الواقع ) أن يتجرأ على هذا المقام المحمود الرفيع ، ومن تجرأ فقد ضل وأضلّ ، وفي رقبته يقع وزر الأمة حتى قيام الساعة .
أكتفي بهذا القدر من التوضيح
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . ))
اثبت للأخوة أدناه رسالة كنت بعثتها للشيخ حسن بن فرحان المالكي منذ حوالي شهرين ، وكنت بعثت مثيلا لها منذ عام 2008 م للسيد كمال الحيدري ، حيث بينت فيها رغم اختصاري لكثير من النقاط فيها ، الحجة الدامغة ومن كتاب الله فقط ، التي تثبت بما لايدع مجالا للشك ، بأن عهد الإمامة للناس كل الناس الذي عهده الله سبحانه لنبيه ابراهيم ولذريته ( غير الظالمين منهم ) من بعده قد تجلى حقيقة في بني هاشم ، وهو مستمر عبر ذرية فاطمة عليها السلام حتى قيام الساعة .
والذي أرجوه ممن يطلع عليها نشرها بين أهله ومحبيه ومعارفه تعميما للفائدة وتحذيرا من كتمان البينات من كتاب الله .
==================
الرسالة :
(( الأخ الشيخ المحترم حسن بن فرحان المالكي
تحية طيبة وبعد
ورد في كتاب الله سبحانه البيان الآتي :
وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ{124} / من سورة البقرة
نحن أمام بيان يتحدث عن عهد عهده الله سبحانه لنبيه إبراهيم ولذريته ( غير الظالمين منهم ) بأن جعله إماماً للناس وسيجعل من ذريته ( غير الظالمين منهم ) أئمة للناس كذلك .
لو تبصرنا في هذا البيان سيتضح لنا الآتي :
1. هذا المقام الذي آتاه الله سبحانه لإبراهيم كان بعد أن بعثه الله نبيا .
2. هذا العهد الذي عهده الله لإبراهيم في ذريته كذلك غير محدد بأجل ، وبالتالي فهو قائم حتى قيام الساعة .
3. البيان يقول بأن الله سبحانه جعل إبراهيم إماماً للناس ، وليس فقط لأمة محددة أو قوم بعينهم ، وهذا يفيد بأن إمامته هذه هي على جميع الناس كافة دون استثناء .
ما هو مدلول القول ( إماماً للناس ) :
لو عدنا لتجليات هذا العهد الذي عهده الله سبحانه لنبيه إبراهيم وتتبعنا ذلك من خلال ما ورد بيانه في كتاب الله سنجد :
1. جعلت النبوة والكتاب في ذريته حصراً من بعده : {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ }العنكبوت27 ، وكتاب الله عندما يبين بأن النبوة والكتاب جعلت في ذرية إبراهيم فهذا يفيدنا بأن كل الأنبياء ( نبوة ) وكل الرسل ( كتاب شريعة ومنهاج ) هم من ذرية إبراهيم من بعده .
2. إبراهيم هو أبو الملة ( أبو المسلمين ) وهو من سماهم بهذا الاسم : {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ }الحج78 ، {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ }البقرة130 ، {وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }البقرة135 ، {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً }النساء125 ، {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }الأنعام161 ، {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }النحل123 ، {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ }الحج78 .
3. إبراهيم غدا خليل الله ، وهو مقام رفيع ، إذ لايغفل الخليل عن خليله طرفة عين فهو حاضر في قلبه وبكل جوارحه : {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً }النساء125 .
4. لقد حث الله سبحانه الناس جميعاً لأن يتخذوا من (مَّقَامِ ) إبراهيم مصلى : وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ{125} / البقرة ، والمقام ( بفتح الميم ) يفيد الدرجة والقربى من الله سبحانه التي وصل إليها نبي الله إبراهيم ، و كلمة ( المصلّى ) في البيان أعلاه تفيد الهدف والغاية القصوى التي ترنو إليها العقول والقلوب ، وهي أعلى درجات القرب من الله سبحانه .
تلك بعضاً من معاني دليل البيان ( إماماً للناس ) ، ومع ذلك لنا أن نسأل الآتي :
1. هل كان إبراهيم في عصره ملكاً أو خليفة لأمة أو قوم ؟ والجواب لم يثبت التاريخ والأثر ذلك .
2. هل كان يطمح في أن يكون كذلك ؟ والجواب ليس إبراهيم صاحب ذلك المقام المحمود الرفيع من يطمح في جاه أو ملك زائل .
لكن لنعيد السؤال بطريقة أخرى ونسأل :
1. من كان المرجعية العليا وسراج الهدى لكل سالك إلى الله سبحانه في زمن إبراهيم ؟ والجواب إنّه إبراهيم بلا منازع .
2. هل يحل لمن عاصر إبراهيم من قومه بالتحديد ، ممن هم طلاب هدى وسالكين صادقين إلى الله سبحانه ، أن يتقدموا عليه في أي أمر فيه هدى لهم ولقومهم ، مثل الحكم والحاكمية وسياسة القوم ... الخ ؟ والجواب : لايحل لهم ذلك ، ومن يفعل مثل هذا فقد ظلم نفسه وتجرأ على مقام رفيع هو بمثابة الرأس بالنسبة للجسم .
3. هل يحل لأي احد من أتباع إبراهيم ( من ملته ) أن ينازعه في سلطان أو حكم وهو الأولى بذلك على جميع الناس ؟ والجواب : لا يحل ذلك له بتاتاً .
4. هل يحل لمن جاء من بعد عصر إبراهيم أن يدعي إمامة للناس إن لم يكن من ذرية إبراهيم حصرا (من جهة الوالد والوالدة ، وإلا لم يتحقق شرط النسب ) ويتحقق فيه شرط العهد الذي عهده الله سبحانه لنبيه إبراهيم ؟ والجواب : لايحل له ذلك ومن ادعى هذا الادعاء فهو ضال مضل وكاذب .
أين تجلى عهد الإمامة للناس كل الناس بعد زمن نبي الله إبراهيم ؟
إن المتتبع لقصة خليل الله إبراهيم كما ورد بيان ذلك في كتاب الله سبحانه سيجد أنه من تلك الشجرة المباركة الطيبة ( إبراهيم ) انبثق عنها فرعان هما إسماعيل واسحق ، ومن ذرية اسحق كان بنو إسرائيل ، ومن ذرية اسماعيل كان الأميون .
هل تجلى عهد الإمامة للناس كل الناس في فرع بني إسرائيل ؟
1. إن كتاب الله يبين أن كل أنبياء ورسل الله الذين بعثهم في بني إسرائيل كانوا لقومهم فقط ( لبني إسرائيل فقط ) بدءاً من الأسباط وانتهاء بعيسى .
2. إن الأئمة من بني إسرائيل ، كانوا أئمة على قومهم فقط ، وليس على الناس جميعاً .
نعود لتقصي الأمر في فرع الأميين ( ذرية إسماعيل ابن إبراهيم ) ومن كتاب الله ، حيث سيتضح لنا جلياً ، أن عهد الله سبحانه لإبراهيم قد تحقق في ذرية إسماعيل ( الأميين ، نسبة لأم القرى مكة ، والتي كان أول من سكنها بعد إعادة إعمار بيت الله فيها هو نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل ، الذي من ذريته عبر الزمن جاءت قبيلة قريش ) .
تجليات ذلك العهد على أرض الواقع :
1. لقد تحققت دعوة إبراهيم عند رفعه لقواعد البيت وإسماعيل كما ورد في البيان من كتاب الله : {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ }البقرة129 ، بتأكيد ذلك ومن كتاب الله سبحانه بالقول : {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }الجمعة2 ، {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ }البقرة151 .
2. الذي بعثه الله في الأميين نبيا رسولا هو من قريش ومن بني هاشم وذلك يفيد بتحقق شرطي العهد : 1 ـ بني هاشم من ذرية إبراهيم من جهة الوالد والوالدة ـ 2 ـ بني هاشم من ذرية إبراهيم الصالحة الطيبة المحسنة ، فالطيبون للطيبات .
3. رسول الله محمد كان رسول الله للناس جميعاً وليس للأميين فقط : {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }الأعراف158 ، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء107 ، {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } الفرقان1 ، {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ }ص87 .
لقد اتضح مما ذكرته أعلاه بأن ( إمام الناس جميعا ) كان رسول الله محمد ، واتضح وسيتضح لنا لاحقاً بأن ائمة الناس كل الناس هم من ذرية بني هاشم حصراً ولا ينازعهم في هذا المقام منازع ، وعلينا ألا نغفل عن أمر جد هام ، وهو أن استمرار تلك الذرية الطيبة ( العترة المطهرة من الرجس ) بعد أن تبين سيدها الأكبر ( وهو رسول الله محمد ) كان من خلال ابن عمه علي ابن أبي طالب وابنته فاطمة .
ما نعرفه جميعاً ، أن كتب الحديث الذي تنسب لرسول الله ، تروي الكثير الكثير من المواقف والخطب الصادرة عن رسول الله الصادق الأمين محمد والتي تشير إلى منزلة وقرب إبن عمه علي أبن أبي طالب منه ، مثل بيعة غدير خم ، ومثل قوله له أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي ، ومثل قوله له يوم برز لابن ود العامري ، لقد برز الإيمان كله للشرك كله ... الخ .
يخطئ كثيراً ( وقد أخطأ في ذلك كثير من السلف والصحب ) من يظن أن مواقف وخطب الرسول التي بين فيها منزلة ابن عمه علي منه ومن مولاه ، فيها تحيز له بسبب صلة القربى ، بل على من يؤمن حقاً بأن محمداً رسول الله ونبيه الخاتم ، أن يعتقد يقيناً بأن ما صدر عن الرسول الكريم في هذا الصدد هو تبيان لما ورد في كتاب الله وتذكير شديد بالعهد الذي عهده الله سبحانه لإبراهيم ولذريته ( غير الظالمين منهم ) من بعده ، فليس للرسول أن يجبر الناس على هذا بل عليه البلاغ والإنذار ، وقد فعل ذلك مرات ومرات ومرات ، حتى وهو على فراش الموت ، لقد بين لهم من هو أولى الناس بمقامه من بعده ، لكن القوم أبوا واستكبروا .
والخلاصة التي يمكن لنا أن نستخلصها مما بيناه أعلاه :
1. لايحل لأي كان من أمة رسول الله محمد وخاصة الذين عاصروه وعاصروا ذريته أن ينازعوهم هذا الحق الإلهي الذي عهده الله لنبيه إبراهيم ولذريته ( غير الظالمين منهم ) من بعده .
2. كل ما جرى بعد رسول الله محمد من أمر الخلافة ( الذي هو أمر حاكمية وسياسة دولة وقيادة رعيتها لما فيه صلاحهم وهداهم ، والذي هو من مسلمات العهد بإمامة الناس كل الناس فكيف بقوم أو أمة ) هو فسوق عن ذلك العهد وكفر به .
3. ليس لأحد من الناس جميعاً ( فلقد ختم عصر النبوة برسول الله محمد ) من غير ذرية بني هاشم حصراً ( ممن تحقق فيه شرط العهد وتبين جلياً على أرض الواقع ) أن يتجرأ على هذا المقام المحمود الرفيع ، ومن تجرأ فقد ضل وأضلّ ، وفي رقبته يقع وزر الأمة حتى قيام الساعة .
أكتفي بهذا القدر من التوضيح
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . ))
تعليق