31/12/2012
الانقسام في واشنطن بلغ مستويات غير معهودة
يواصل زعماء الكونغرس من الحزبين اجتماعاتهم ومناقشاتهم المكثفة للتوصل الى اتفاق لتفادي دفع الاقتصاد الاميركي الى هاوية تعيد البلاد الى كساد آخر يتمثل في زيادة الضرائب على جميع الاميركيين وخفوضات كبيرة في الخدمات الطبية وتعويضات البطالة مع بداية السنة الجديدة.
أنب الرئيس الاميركي باراك اوباما المشرعين، وخصوصاً الجمهوريين الذين يسيطرون على مجلس النواب، لليوم الثاني توالياً على عادتهم السيئة الانتظار حتى اللحظة الاخيرة لتفادي ما يسمى "الهاوية المالية".
وكان الحزبان قد توصلا الى اتفاق موقت مطلع السنة يقضي بانه في حال اخفاقهما في التوصل الى حل متكامل لمشاكل معدلات الضرائب وخفض الانفاق الحكومي والعجز الفيديرالي مع نهاية هذه السنة، يبدأ العمل بسلسلة من الزيادات الضريبية والاقتطاعات الحكومية تلقائيا. وخلال عهد الرئيس السابق جورج بوش، خفضت الضرائب فترة معينة، اضطر اوباما خلال ولايته الاولى الى تمديدها لفترة اخرى تنتهي بنهاية 2012.
وكان اوباما قد اقترح تمديد هذه الاعفاءات الضريبية التي اقرت خلال ولاية الرئيس بوش للاميركيين الذين يقل دخلهم عن 250 الف دولار سنوياً، لكن رفعها لاقل من 2 في المئة من الاثرياء الذين يزيد دخلهم عن هذا الرقم.
ويلتقي المسؤولون والخبراء الاقتصاديون والماليون على ان السماح للاقتصاد الاميركي بالسقوط في الهاوية سيؤدي الى تقويض التحسن الاقتصادي الملموس، كما يتبين من انخفاض معدل البطالة وازدياد وتيرة بناء المنازل والتقدم المطرد سنة 2012 في مؤشرات الاسواق المالية في نيويورك. وازدادت مشاعر انعدام اليقين والقلق مع اقتراب نهاية السنة، الامر الذي اثر سلباً على نسبة انفاق المستهلكين الاميركيين خلال فترة عيدي الميلاد ورأس السنة، وهي الفترة التي تزداد فيها الحركة الاقتصادية في البلاد، وتعكس نمو الاقتصاد الاميركي أو تباطؤه. والاخفاق في التوصل الى حل يعني ان الاقتصاد سوف ينمو نقطة واحدة في الربع الاول من 2013 بدل 1٫3 في المئة كما حدث في الربع الاخير من 2012.
وفي مؤشر عكس قلق الاسواق المالية من مضاعفات الاخفاق في التوصل الى حل، انخفض مؤشر "داو جونز" في البورصة الاميركية 400 نقطة الاسبوع الماضي.
كساد اقتصادي
والاخفاق في التوصل الى حل يعني زيادة فورية للضرائب والاقتطاعات الحكومية من النفقات بقيمة 500 مليار دولار، الامر الذي سيدخل البلاد في كساد اقتصادي في الربع الاول من 2013، مع ارتفاع معدل البطالة من 7,7 في المئة الان الى 1,9 في المئة بحلول الربع الاخير من 2013.
مطلع هذه السنة، كان ثمة حديث عن "صفقة ضخمة" تشمل مختلف النقاط الخلافية بين الطرفين، ويقبل الديموقراطيون بموجبها بالبحث في خفض حجم البرامج الحكومية الاجتماعية والصحية وخفض معدلات تعويض البطالة، وهي مسائل تهم الفئات التي تصوت عادة للديموقراطيين. وفي المقابل، يقبل الجمهوريون بخفض الانفاق العسكري، واصلاح القوانين الضريبية لزيادة معدلات الدخل الحكومي، وربما زيادة الضرائب على ذوي الدخل العالي. ومنذ عهد الرئيس جورج بوش الاب، لم يقبل الجمهوريون باية زيادة في معدلات الضرائب.
ولكن مع اقتراب موعد الحسم وتمسك الفريقين بمواقفهما، بدأ البحث في التوصل الى حل اقل طموحاً أو خطة موقتة تشمل التفاهم على بعض القضايا، وترك المسائل الاصعب للكونغرس الجديد سنة 2013. وفي هذا السياق اقترح اوباما تسوية تقضي برفع الضرائب على الاميركيين الذين يزيد دخلهم عن 400 الف دولار سنوياً، بدل 250 الفا، في محاولة لارضاء الجمهوريين. ومن جهته، حاول رئيس مجلس النواب الجمهوري جون بوينر اقناع حزبه بالتصويت على تسوية سميت "الخطة ب" البديلة تقضي برفع الضرائب عن الاميركيين الذين يزيد دخلهم عن مليون دولار سنوياً، والحفاظ على الاعفاءات الضريبية للآخرين، لكنه اصيب بنكسة حين رفض الجمهوريون المتشددون في مجلس النواب الموافقة على طرح الاقتراح على التصويت، في مؤشر آخر للتحديات التي يواجهها بوينر مع المتشددين في حزبه، الامر الذي اعاد الامور الى نقطة الصفر.
تهديد ضمني
والجمعة الماضي، دعا اوباما زعماء الحزبين في الكونغرس الى اجتماع لمحاولة ايجاد حل موقت باقرار خطة محدودة لمنع الكارثة. وأمكن التفاهم على اعطاء رئيس الغالبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ هاري ريد ورئيس الاقلية ميتش ماكونل الفرصة للتوصل الى تسوية واقرارها قبل نهاية السنة.
وفي تهديد ضمني للجمهوريين، قال اوباما انه اذا أخفق ريد وماكونل في التوصل الى تسوية، سوف يطلب من ريد طرح خطته على التصويت (اعفاءات ضريبية لذوي الدخل الذي يقل عن 250 الف دولار، ورفعها على الاثرياء ومواصلة دفع تعويضات البطالة لاكثر من مليوني اميركي) وذلك في خطوة تهدف الى الضغط على ماكونل الذي سيجد نفسه في وضع محرج وهو يدافع عن اعفاء الاغنياء من دفع الضرائب وعدم دعم الاعفاءات الضريبية لـ98 في المئة من الاميركيين.
واعتبر المراقبون ان اوباما يقول للجمهوريين هذه فرصتكم الاخيرة. ويعتقد انه اذا واصل الجمهوريون تمسكهم بعدم زيادة الضرائب على ذوي الدخل العالي، سوف يلجأ اوباما الى خطاب التنصيب في 20 كانون الثاني، والخطاب عن حال الاتحاد بعده، لتحميل هؤلاء المسؤولية.
وعلى رغم ان جميع المجتمعين الجمعة قالوا ان المناقشات كانت جدية ومشجعة، الا انه لا تزال ثمة مخاوف من أن ينجح المتشددون الجمهوريون في مجلس النواب، من منع زعمائهم من الموافقة على اية تسوية تشمل زيادة ضريبية.
ويتعرض رئيس مجلس النواب لانتقادات من المتشددين، وهو لا يستطيع تجاهل مواقفهم، خصوصاً انه سيرشح نفسه مرة اخرى الخميس لرئاسة مجلس النواب الجديد.
وفي مؤشر عكس مدى سيطرة المحافظين والمتشددين على الحزب الجمهوري، يعترف عدد كبير من اعضاء الكونغرس من الجمهوريين بان اياديهم مقيدة ولا يستطيعون الدخول في اية تسويات، لانهم يخشون ان يتحداهم منافسون أكثر تشدداً في معارك الانتخابات الحزبية.
كذلك، يمثل النواب الاكثر تشددا في المجلس مقاطعات ريفية محافظة جداً، وهم لا يواجهون تحديات حزبية مقلقة، وتالياً فان بقاءهم في مقاعدهم امر مضمون، الامر الذي يعطيهم القدرة حتى على تحدي زعمائهم.
انقسام عميق
الانقسام الايديولوجي والحزبي العميق في واشنطن والذي يؤدي الى بطء كبير في اتخاذ الكونغرس القرارات، وصل في رأي عدد كبير من المراقبين والمؤرخين الى مستويات غير معهودة، منذ السنوات التي سبقت الحرب الاهلية. طبعا، لا احد يتحدث عن حرب اهلية جديدة، ولكن مما لا شك فيه انه اذا لم يدخل تعديلات واصلاحات على اساليب عمل الكونغرس (مثل منع الاقلية او حتى بعض الافراد من استغلال الاساليب البرلمانية لاعاقة التصويت على قرارات مهمة) فان الجمود الراهن سوف يستمر ويدخل البلاد في حقبة طويلة من القفز من ازمة الى أخرى والى ايجاد مشكلة حكم لا احد يعي اضرارها الكاملة.
المصدر:
http://www.alahednews.com.lb/essaydetails.php?eid=69553&cid=55
الانقسام في واشنطن بلغ مستويات غير معهودة
يواصل زعماء الكونغرس من الحزبين اجتماعاتهم ومناقشاتهم المكثفة للتوصل الى اتفاق لتفادي دفع الاقتصاد الاميركي الى هاوية تعيد البلاد الى كساد آخر يتمثل في زيادة الضرائب على جميع الاميركيين وخفوضات كبيرة في الخدمات الطبية وتعويضات البطالة مع بداية السنة الجديدة.
أنب الرئيس الاميركي باراك اوباما المشرعين، وخصوصاً الجمهوريين الذين يسيطرون على مجلس النواب، لليوم الثاني توالياً على عادتهم السيئة الانتظار حتى اللحظة الاخيرة لتفادي ما يسمى "الهاوية المالية".
وكان الحزبان قد توصلا الى اتفاق موقت مطلع السنة يقضي بانه في حال اخفاقهما في التوصل الى حل متكامل لمشاكل معدلات الضرائب وخفض الانفاق الحكومي والعجز الفيديرالي مع نهاية هذه السنة، يبدأ العمل بسلسلة من الزيادات الضريبية والاقتطاعات الحكومية تلقائيا. وخلال عهد الرئيس السابق جورج بوش، خفضت الضرائب فترة معينة، اضطر اوباما خلال ولايته الاولى الى تمديدها لفترة اخرى تنتهي بنهاية 2012.
وكان اوباما قد اقترح تمديد هذه الاعفاءات الضريبية التي اقرت خلال ولاية الرئيس بوش للاميركيين الذين يقل دخلهم عن 250 الف دولار سنوياً، لكن رفعها لاقل من 2 في المئة من الاثرياء الذين يزيد دخلهم عن هذا الرقم.
ويلتقي المسؤولون والخبراء الاقتصاديون والماليون على ان السماح للاقتصاد الاميركي بالسقوط في الهاوية سيؤدي الى تقويض التحسن الاقتصادي الملموس، كما يتبين من انخفاض معدل البطالة وازدياد وتيرة بناء المنازل والتقدم المطرد سنة 2012 في مؤشرات الاسواق المالية في نيويورك. وازدادت مشاعر انعدام اليقين والقلق مع اقتراب نهاية السنة، الامر الذي اثر سلباً على نسبة انفاق المستهلكين الاميركيين خلال فترة عيدي الميلاد ورأس السنة، وهي الفترة التي تزداد فيها الحركة الاقتصادية في البلاد، وتعكس نمو الاقتصاد الاميركي أو تباطؤه. والاخفاق في التوصل الى حل يعني ان الاقتصاد سوف ينمو نقطة واحدة في الربع الاول من 2013 بدل 1٫3 في المئة كما حدث في الربع الاخير من 2012.
وفي مؤشر عكس قلق الاسواق المالية من مضاعفات الاخفاق في التوصل الى حل، انخفض مؤشر "داو جونز" في البورصة الاميركية 400 نقطة الاسبوع الماضي.
كساد اقتصادي
والاخفاق في التوصل الى حل يعني زيادة فورية للضرائب والاقتطاعات الحكومية من النفقات بقيمة 500 مليار دولار، الامر الذي سيدخل البلاد في كساد اقتصادي في الربع الاول من 2013، مع ارتفاع معدل البطالة من 7,7 في المئة الان الى 1,9 في المئة بحلول الربع الاخير من 2013.
مطلع هذه السنة، كان ثمة حديث عن "صفقة ضخمة" تشمل مختلف النقاط الخلافية بين الطرفين، ويقبل الديموقراطيون بموجبها بالبحث في خفض حجم البرامج الحكومية الاجتماعية والصحية وخفض معدلات تعويض البطالة، وهي مسائل تهم الفئات التي تصوت عادة للديموقراطيين. وفي المقابل، يقبل الجمهوريون بخفض الانفاق العسكري، واصلاح القوانين الضريبية لزيادة معدلات الدخل الحكومي، وربما زيادة الضرائب على ذوي الدخل العالي. ومنذ عهد الرئيس جورج بوش الاب، لم يقبل الجمهوريون باية زيادة في معدلات الضرائب.
ولكن مع اقتراب موعد الحسم وتمسك الفريقين بمواقفهما، بدأ البحث في التوصل الى حل اقل طموحاً أو خطة موقتة تشمل التفاهم على بعض القضايا، وترك المسائل الاصعب للكونغرس الجديد سنة 2013. وفي هذا السياق اقترح اوباما تسوية تقضي برفع الضرائب على الاميركيين الذين يزيد دخلهم عن 400 الف دولار سنوياً، بدل 250 الفا، في محاولة لارضاء الجمهوريين. ومن جهته، حاول رئيس مجلس النواب الجمهوري جون بوينر اقناع حزبه بالتصويت على تسوية سميت "الخطة ب" البديلة تقضي برفع الضرائب عن الاميركيين الذين يزيد دخلهم عن مليون دولار سنوياً، والحفاظ على الاعفاءات الضريبية للآخرين، لكنه اصيب بنكسة حين رفض الجمهوريون المتشددون في مجلس النواب الموافقة على طرح الاقتراح على التصويت، في مؤشر آخر للتحديات التي يواجهها بوينر مع المتشددين في حزبه، الامر الذي اعاد الامور الى نقطة الصفر.
تهديد ضمني
والجمعة الماضي، دعا اوباما زعماء الحزبين في الكونغرس الى اجتماع لمحاولة ايجاد حل موقت باقرار خطة محدودة لمنع الكارثة. وأمكن التفاهم على اعطاء رئيس الغالبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ هاري ريد ورئيس الاقلية ميتش ماكونل الفرصة للتوصل الى تسوية واقرارها قبل نهاية السنة.
وفي تهديد ضمني للجمهوريين، قال اوباما انه اذا أخفق ريد وماكونل في التوصل الى تسوية، سوف يطلب من ريد طرح خطته على التصويت (اعفاءات ضريبية لذوي الدخل الذي يقل عن 250 الف دولار، ورفعها على الاثرياء ومواصلة دفع تعويضات البطالة لاكثر من مليوني اميركي) وذلك في خطوة تهدف الى الضغط على ماكونل الذي سيجد نفسه في وضع محرج وهو يدافع عن اعفاء الاغنياء من دفع الضرائب وعدم دعم الاعفاءات الضريبية لـ98 في المئة من الاميركيين.
واعتبر المراقبون ان اوباما يقول للجمهوريين هذه فرصتكم الاخيرة. ويعتقد انه اذا واصل الجمهوريون تمسكهم بعدم زيادة الضرائب على ذوي الدخل العالي، سوف يلجأ اوباما الى خطاب التنصيب في 20 كانون الثاني، والخطاب عن حال الاتحاد بعده، لتحميل هؤلاء المسؤولية.
وعلى رغم ان جميع المجتمعين الجمعة قالوا ان المناقشات كانت جدية ومشجعة، الا انه لا تزال ثمة مخاوف من أن ينجح المتشددون الجمهوريون في مجلس النواب، من منع زعمائهم من الموافقة على اية تسوية تشمل زيادة ضريبية.
ويتعرض رئيس مجلس النواب لانتقادات من المتشددين، وهو لا يستطيع تجاهل مواقفهم، خصوصاً انه سيرشح نفسه مرة اخرى الخميس لرئاسة مجلس النواب الجديد.
وفي مؤشر عكس مدى سيطرة المحافظين والمتشددين على الحزب الجمهوري، يعترف عدد كبير من اعضاء الكونغرس من الجمهوريين بان اياديهم مقيدة ولا يستطيعون الدخول في اية تسويات، لانهم يخشون ان يتحداهم منافسون أكثر تشدداً في معارك الانتخابات الحزبية.
كذلك، يمثل النواب الاكثر تشددا في المجلس مقاطعات ريفية محافظة جداً، وهم لا يواجهون تحديات حزبية مقلقة، وتالياً فان بقاءهم في مقاعدهم امر مضمون، الامر الذي يعطيهم القدرة حتى على تحدي زعمائهم.
انقسام عميق
الانقسام الايديولوجي والحزبي العميق في واشنطن والذي يؤدي الى بطء كبير في اتخاذ الكونغرس القرارات، وصل في رأي عدد كبير من المراقبين والمؤرخين الى مستويات غير معهودة، منذ السنوات التي سبقت الحرب الاهلية. طبعا، لا احد يتحدث عن حرب اهلية جديدة، ولكن مما لا شك فيه انه اذا لم يدخل تعديلات واصلاحات على اساليب عمل الكونغرس (مثل منع الاقلية او حتى بعض الافراد من استغلال الاساليب البرلمانية لاعاقة التصويت على قرارات مهمة) فان الجمود الراهن سوف يستمر ويدخل البلاد في حقبة طويلة من القفز من ازمة الى أخرى والى ايجاد مشكلة حكم لا احد يعي اضرارها الكاملة.
المصدر:
http://www.alahednews.com.lb/essaydetails.php?eid=69553&cid=55