ثورة البحرين وارتدادات "العنف الرسمي"
اثبتت تطورات الاحداث في البحرين ان "الفعل العنفي" لقمع ثورة الشعب المضحي في هذا البلد، لم ولن يجدي نفعا على مستوى الماضي والحاضر والمستقبل.
فقد اظهرت الوقائع ان "الفعل العنفي الحكومي" متورط في نفس النفق الذي يسير فيه "الفعل التكفيري الارهابي"، وفي هذا السياق لا احد يستطيع التكهن بموعد توقف او انقطاع هذين الفعلين السلبيين، الا اذا تضافرت الجهود الطيبة والنوايا المخلصة والرغبات الصادقة في سبيل انهاء الكوارث والمجازر والعذابات التي يسببانها لابناء الامة الاسلامية والعربية.
المؤكد ان التخلف الرسمي الخليجي في مضمار هضم الحقوق المدنية والفكرية والسياسية والاجتماعية، سجل ارقاما قياسية، لاسيما في البحرين والسعودية وقطر، الامر الذي يثير الكثير من علامات التعجب والاستغراب والدهشة حيال تواطؤ الانظمة القبيلة في البلدان المذكورة مع المشروع الاميركي ــ الصهيوني وبرامج حلف الناتو من اجل ضرب السلم الاهلي والتلاحم الوطني والتعايش الاخوي في سورية والعراق ولبنان وحتى في مصر والسودان واليمن، بدعوى الدفاع عن الشعارات الغربية الرامية الى تطبيق الديمقراطية والحريات والتعديات في الشرق الاوسط والعالم الاسلامي.
في حين ان الانظمة العربية المطلة على الخليج الفارسي متهمة بل ومدانة اكثر من سواها بانتهاك هذه الشعارات، وامعانها في سحق انسانية الانسان في بلدانها.
الواضح ان النموذج الخليفي في قمعه الثورة الشعبية السلمية، واستعانته بالقوات السعودية الاكثر لؤما وطائفية وحقدا ودموية تحت يافطة قوات "درع الجزیرة" في التعامل العنیف والشرس مع المتظاهرين والمحتجين البحرينيين منذ نحو سنتين، يعطي صورة سوداویة للغاية عن العلاقة بين الحكام والمحكومين.
فالعالم كله يدرك بانه ليس هناك حل للاوضاع المزرية في البحرين، الا عبر الاحتكام الى لغة الحوار والتفاهم واحترام المطالب العادلة والمشروعة للثوار السلميين في هذا البلد.
في حين برهنت التجربة على ان التوسل بالقوة المفرطة واعتناق لغة الحديد و النار، لن يأتيا ابدا بالنتائج المطلوبة بالنسبة لسلطات المنامة، لان ثورة البحرين الحضارية تتصاعد يوما بعد آخر، وهي تلقى تعاطفا وتأييدا واسنادا واسع النطاق من لدن الرأي العام الاسلامي والعالمي، خلافا للنظام الملكي الحاكم الذي يقع من حيث التسلسل في المراتب الدنيا بخصوص انتهاك القوانين الدولية ومعاهدة جنيف لاحترام حقوق الانسان والحريات الفردية والجمعية.
ان القمع الارهابي الخليفي ضد الشعب البحريني على نحوه الاحمق والمتغطرس، يوحي الى ان سلطات المنامة ما فتئت تراهن على "الفعل العنفي" بوصفه امتدادا لغياب سياسة العقل والحكمة والموضوعية والتفاعل مع التطلعات المحقة للثوار الذين لا يطلبون سوى العمل بالمبادئ الانسانية وحمايتها على صعيد كفالة مقومات العدالة والمساواة والتكافؤ واحترام الخصوصيات بعيدا عن اية نوازع طائفية او عصبية او قبلية ، وبمنأى عن التدخلات السعودیة والغربية والاسرائيلية التي حولت بلادهم الى قاعدة عسكرية واستخبارية كبرى تعمل ليلا ونهارا على اثارة الازمات والتوترات في دول الجوار والعالم العربي.
والواقع اننا عندما نحاول العثور على أي تفسير لازدواجية التعامل مع قضايا الحرية والعدالة والحقوق ، لدى الانظمة الخليجية فاننا نجد انفسنا امام ايديولوجيا سياسية وسلوكيات سيكولوجية (غير حضارية ولااخلاقية)، لان الجرائم التي يرتكبها الحكام المستبدون في البحرين والسعودية والقطر والامارات تشكل خليطا كريها جدا من النفاق والتعصب والعمالة بل والخيانة، خدمة لاستراتيجيات اميركا والناتو واسرائيل والمشروع التدميري الغربي الذي بات يتوغل في كل صغيرة وكبيرة من شؤون الامة الاسلامية والعربية.
ومع ذلك فان المسؤولية الدينية والانسانية ومبادئ صيانة حسن الجوار، تدفع الجمهورية الاسلامية باعتبارها الشريك الاكبر في منطقة الخليج ، الى اعتماد لغة النصح والتفاهم والتواصل مع جيرانها عموما و مع البحرين خصوصا لاخراج هذا البلد من ازمته المتفاقمة، على قاعدة اعطاء كل ذي حق حقه والاصغاء لصوت الشعب المحاصر والمضطهد والمبتلي بألة القتل اليومية هناك ، و تلبية مطالب ابنائه ، وبالتالي تحريرهم من دوامة "العنف الرسمي" الذي لا نعتقد ان الثوار المناضلين سيتحملونه الى الابد ، باعتباره لم يوفر احدا من المواطنين الشيوخ منهم والاطفال، والنساء والرجال، والعلماء و المثقفين، والعمال والتجار والموظفين.
وبرأي المراقبين فإن الممارسات الخليفية تجاوزت جميع الضوابط الحضارية والقوانين الدولية ، وقد آن لحكام المنامة ان يعودوا الى جادة الصواب و الجنوح الى منهج العقل والرشاد ، والتخلي عن اساليب العهود المظلمة، كونها لم تعد صالحة لمواكبة العصر والتحولات المتسارعة في عالم ينبغي ان تسود فيه مبادئ احترام حقوق المواطنة والقيم الانسانية في جميع المناحي.
حميد حلمي زادة
8 - 1- 2013
8 - 1- 2013