يقول السيد حسن الأمين: (في عام 564هـ كان الصليبيون يهددون مصر (الفاطمية) ويتحفزون للوثوب عليها، بعد أن خبروا أحوالها قبل ذلك في أحداث ليس هنا مكان سرد تفاصيلها، فرأى الخليفة الفاطمي (العاضد)، أن لا قبل لمصر بمدافعة الصليبيين، لكثافة قواهم وتفوقها على القوى المصرية، فتجلّت وطنيته على أبرز صورها، فتناسى ما بينه وبين الآخرين من أوتار، وتجاهل ما يحملونه له من عداوة، وأغضى عما طالما بيتوه له ولأسرته من تآمر، وصمم على الاستنجاد بالقوى الإسلامية خارج مصر، مهما كان في هذا الاستنجاد من مخاطر عليه وعلى أسرته.
ورأى أن أقرب القوى إليه هي في الشام، وفيها نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي، وكان الصليبيون زحفوا على عسقلان، حتى وصلوا إلى بلبيس فاحتلوها وفتكوا بأهلها، ثم مشوا إلى القاهرة وحاصروها، فتقرر إحراق مدينة الفسطاط المتصلة بالقاهرة، خوفاً عليها من الصليبيين، فأحرقت وظلت النار تعمل فيها أربعة وخمسين يوماً، ولعوامل عديدة، فك الصليبيون الحصار عن القاهرة وعادوا من حيث أتوا، ولكن الخطر مازال جاثماً، فكرر العاضد الاستنجاد بنور الدين
ولم يكتفِ، بل بذل له ثلث بلاد مصر، وأن يكون قائد النجدة مقيماً عنده في عسكره، وأن يقطعه خارجاً عن الثلث الذي لنور الدين.
فقرر نور الدين تلبية الطلب، فأرسل حملة مؤلفة من ثمانية آلاف فارس، بقيادة أسد الدين شيركوه، ومعه ابن أخيه صلاح الدين، ... وجاءت الحملة إلى مصر حيث لقيت ترحيباً وابتهاجاً، وفعل العاضد أكثر من الترحيب، فأناط الحكم بأسد الدين شيركوه وجعله وزيراً له، ولكنه لم يلبث في الوزارة إلاّ شهرين وخمسة أيام، ثم توفي فجأة، فاختار الخليفة صلاح الدين مكانه
(فأرسل الخليفة (العاضد) إلى صلاح الدين، فأمره بالحضور إلى قصره ليخلع عليه الوزارة ويوليه بعد عمّه)
وهكذا أمدّ الخليفة (العاضد) وزيره صلاح الدين بالقوة، ووضع في يده أسبابها، ومكّن له في الحكم، استعداداً للدفاع في وجه الصليبيين إذا حاولوا إعادة الكرّة على مصر، ثم للهجوم عليهم فيما احتلوه من بلاد، وقد صحّ ما توقعه (العاضد)، فقد وصل الصليبيون في ربيع الأول سنة 565هـ.
يقول المقريزي: (فخرجت العساكر من القاهرة، وقد بلغت النفقة عليها زيادة على 550 ألف دينار، فأقامت الحرب مدة خمسة وخمسين يوماً، وكانت صعبة شديدة ...إلى أن رحل الصليبيون عن دمياط ...، يضيف المقريزي: (وكان صلاح الدين يقول ما رأيت أكرم من العاضد )
ويقول صاحب كتاب (الروضتين): (إن العاضد أحب صلاح الدين محبة عظيمة)، ويقول عنه في مكان آخر، أنه لما تولى صلاح الدين الوزارة، مال إليه العاضد وحكّمه في ماله وبلاده)
فكيف تُرى خلفه صلاح الدين في ماله وبلاده؟.. لقد كان (العاضد) في وادٍ، وصلاح الدين في واد آخر، ووطنية العاضد التي جعلته يستنجد بهم، ويضع سلطته وبلاده تحت تصرفهم، لم تمنعه من التآمر عليه وعلى دولته.
كانت الخطة قد وضعت قديماً في الشام، بين نور الدين محمود وأسد الدين شيركوه، وصلاح الدين ونجم الدين عالمان بها، وذلك بأن تكون النجدة لا لإنقاذ البلاد مـن الصليبيين، بل للقضاء علـى العاضد ودولته، واستغلال الخطر الصليبي على مصر، وانشغال العاضد به لتنفيذها.
يقول المقريزي عن صلاح الدين: (واستبدّ بالأمور، ومنع العاضد من التصرف، ثم يقول: وصلاح الدين يوالي الطلب منه كل يوم ليضعفه، فأتى على المال والخيل والرقيق، حتى لم يبق عند العاضد غير فرس واحد، فطلبه منه وألجأه إلى إرساله، وأبطل ركوبه من ذلك الوقت، وصار لا يخرج من القصر
ثم أخذ صلاح الدين وجنده يظهرون الطعن في الخليفة ويتهمونه بفساد العقيدة و الزندقة
يقول أبو شامة في الروضتين: (إن صلاح الدين يوسف بن أيوب، لما ثبت قدمه في مصر، وزال المخالفون له، وضعف أمر العاضد - وهو الخليفة بها -، ولم يبق من العساكر المصرية أحد، كتب إليه الملك الفاضل نور الدين محمود، يأمره بقطع الخطبة العاضدية، وإقامة الخطبة العباسية، فاعتذر صلاح الدين بالخوف من وثوب أهل مصر وامتناعهم من الإجابة إلى ذلك، لميلهم إلى العلويين، فلم يصغ نور الدين إلى قوله، وأرسل إليه يلزمه بذلك إلزاماً... واتفق أن العاضد مرض، وكان صلاح الدين قد عزم على قطع الخطبة لـه، فاستشار الأمراء، كيف يكون الابتداء بالخطبة العباسية، فمنهم مـن أقدم على المساعدة وأشار بها، ومنهم من خاف ذلك، إلاّ أنه لم يمكنه إلاّ امتثال أمر نور الدين
وهكذا، فبعد انقضاء سنتين فقط على وصول شيركوه وصلاح الدين إلى مصر، كافأوا العاضد بالقضاء عليه وعلى دولته، ولم تدخل سنة 567هـ حتى (استفتحها صلاح الدين بإقامة الخطبة في مصر لبني العباس)، كما يقول صاحب كتاب (الروضتين)، والخليفة العاضد لا يزال حياً
ورأى أن أقرب القوى إليه هي في الشام، وفيها نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي، وكان الصليبيون زحفوا على عسقلان، حتى وصلوا إلى بلبيس فاحتلوها وفتكوا بأهلها، ثم مشوا إلى القاهرة وحاصروها، فتقرر إحراق مدينة الفسطاط المتصلة بالقاهرة، خوفاً عليها من الصليبيين، فأحرقت وظلت النار تعمل فيها أربعة وخمسين يوماً، ولعوامل عديدة، فك الصليبيون الحصار عن القاهرة وعادوا من حيث أتوا، ولكن الخطر مازال جاثماً، فكرر العاضد الاستنجاد بنور الدين
ولم يكتفِ، بل بذل له ثلث بلاد مصر، وأن يكون قائد النجدة مقيماً عنده في عسكره، وأن يقطعه خارجاً عن الثلث الذي لنور الدين.
فقرر نور الدين تلبية الطلب، فأرسل حملة مؤلفة من ثمانية آلاف فارس، بقيادة أسد الدين شيركوه، ومعه ابن أخيه صلاح الدين، ... وجاءت الحملة إلى مصر حيث لقيت ترحيباً وابتهاجاً، وفعل العاضد أكثر من الترحيب، فأناط الحكم بأسد الدين شيركوه وجعله وزيراً له، ولكنه لم يلبث في الوزارة إلاّ شهرين وخمسة أيام، ثم توفي فجأة، فاختار الخليفة صلاح الدين مكانه
(فأرسل الخليفة (العاضد) إلى صلاح الدين، فأمره بالحضور إلى قصره ليخلع عليه الوزارة ويوليه بعد عمّه)
وهكذا أمدّ الخليفة (العاضد) وزيره صلاح الدين بالقوة، ووضع في يده أسبابها، ومكّن له في الحكم، استعداداً للدفاع في وجه الصليبيين إذا حاولوا إعادة الكرّة على مصر، ثم للهجوم عليهم فيما احتلوه من بلاد، وقد صحّ ما توقعه (العاضد)، فقد وصل الصليبيون في ربيع الأول سنة 565هـ.
يقول المقريزي: (فخرجت العساكر من القاهرة، وقد بلغت النفقة عليها زيادة على 550 ألف دينار، فأقامت الحرب مدة خمسة وخمسين يوماً، وكانت صعبة شديدة ...إلى أن رحل الصليبيون عن دمياط ...، يضيف المقريزي: (وكان صلاح الدين يقول ما رأيت أكرم من العاضد )
ويقول صاحب كتاب (الروضتين): (إن العاضد أحب صلاح الدين محبة عظيمة)، ويقول عنه في مكان آخر، أنه لما تولى صلاح الدين الوزارة، مال إليه العاضد وحكّمه في ماله وبلاده)
فكيف تُرى خلفه صلاح الدين في ماله وبلاده؟.. لقد كان (العاضد) في وادٍ، وصلاح الدين في واد آخر، ووطنية العاضد التي جعلته يستنجد بهم، ويضع سلطته وبلاده تحت تصرفهم، لم تمنعه من التآمر عليه وعلى دولته.
كانت الخطة قد وضعت قديماً في الشام، بين نور الدين محمود وأسد الدين شيركوه، وصلاح الدين ونجم الدين عالمان بها، وذلك بأن تكون النجدة لا لإنقاذ البلاد مـن الصليبيين، بل للقضاء علـى العاضد ودولته، واستغلال الخطر الصليبي على مصر، وانشغال العاضد به لتنفيذها.
يقول المقريزي عن صلاح الدين: (واستبدّ بالأمور، ومنع العاضد من التصرف، ثم يقول: وصلاح الدين يوالي الطلب منه كل يوم ليضعفه، فأتى على المال والخيل والرقيق، حتى لم يبق عند العاضد غير فرس واحد، فطلبه منه وألجأه إلى إرساله، وأبطل ركوبه من ذلك الوقت، وصار لا يخرج من القصر
ثم أخذ صلاح الدين وجنده يظهرون الطعن في الخليفة ويتهمونه بفساد العقيدة و الزندقة
يقول أبو شامة في الروضتين: (إن صلاح الدين يوسف بن أيوب، لما ثبت قدمه في مصر، وزال المخالفون له، وضعف أمر العاضد - وهو الخليفة بها -، ولم يبق من العساكر المصرية أحد، كتب إليه الملك الفاضل نور الدين محمود، يأمره بقطع الخطبة العاضدية، وإقامة الخطبة العباسية، فاعتذر صلاح الدين بالخوف من وثوب أهل مصر وامتناعهم من الإجابة إلى ذلك، لميلهم إلى العلويين، فلم يصغ نور الدين إلى قوله، وأرسل إليه يلزمه بذلك إلزاماً... واتفق أن العاضد مرض، وكان صلاح الدين قد عزم على قطع الخطبة لـه، فاستشار الأمراء، كيف يكون الابتداء بالخطبة العباسية، فمنهم مـن أقدم على المساعدة وأشار بها، ومنهم من خاف ذلك، إلاّ أنه لم يمكنه إلاّ امتثال أمر نور الدين
وهكذا، فبعد انقضاء سنتين فقط على وصول شيركوه وصلاح الدين إلى مصر، كافأوا العاضد بالقضاء عليه وعلى دولته، ولم تدخل سنة 567هـ حتى (استفتحها صلاح الدين بإقامة الخطبة في مصر لبني العباس)، كما يقول صاحب كتاب (الروضتين)، والخليفة العاضد لا يزال حياً
تعليق