بسم الله الرحمن الرحيم و الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد و اله الطاهرين
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته
ربما لقائل أن يقول: إذا كان نظر الإسلام في تكوين المجتمع الصالح أرقى بناءً وأتقن أساساً حتى من المجتمعات التي كونتها الملل المتمدنة المترقية حقاً فما باله لم يقبل الإجراء إلا برهة يسيرة ثم لم يملك نفسه دون أن تبدل قيصرية وكسروية؟ وتحوّل إمبراطورية أفجع وأشنع أعمالاً مما كان قبله بخلاف المدنية الغربية التي تستديم البقاء.
وهذا هو الدليل على كون مدنيتهم أرقى وسنتهم في الاجتماع أتقن وأشد استحكاماً، وقد وضعوا سنتهم الاجتماعية وقوانينهم الدائرة على أساس إرادة الأمة واقتراح الطباع والميول ثم اعتبروا فيها إرادة الأكثر واقتراحهم، لاستحالة اجتماع الكل بحسب العادة إرادة، وغلبة الأكثر سنة جارية في الطبيعة مشهودة فإنا نجد كلاً من العلل المادية والأسباب الطبيعية مؤثرة على الأكثر لا على الدوام، وكذا العوامل المختلفة المتنازعة إنما يؤثر منها الأكثر دون الكل ودون الأقل فمن الحري أن يبنى هيكل الاجتماع بحسب الغرض وبحسب السنن والقوانين الجارية فيه على إرادة الأكثر وأما فرضية الدين فليست في الدنيا الحاضرة إلا أمنية لا تتجاوز مرحلة الفرض ومثالاً عقلياً غير جائز النيل.
وقد ضمنت المدنية الحاضرة فيما ظهرت فيه من الممالك قوة المجتمع وسعادتها وتهذيب الأفراد وطهارتهم من الرذائل، وهي الأمور التي لا يرتضيها المجتمع كالكذب والخيانة والظلم والجفاء والجفاف ونحو ذلك.
وهذا الذي أوردناه محصل ما يختلج في صدور جمع من باحثينا معاشر الشرقيين وخاصة الباحثين من الفضلاء المفكرين في نطاق البحث الاجتماعي والنفسي، غير أنهم وردوا هذا البحث من غير مورده فاختلط عليهم حق النظر، ولتوضيح ذلك نقول:
أما قولهم: إن السنة الاجتماعية الإسلامية غير قابلة الجريان في الدنيا على خلاف سنن المدنية الحاضرة في جو الظروف القائمة، ومعناه أن الأوضاع الحاضرة في الدنيا لا تلائم الأحكام المشرعة في الإسلام، فهو مسلم لكنه لا ينتج شيئاً فإن جميع السنن الدائرة في المجتمع الإنساني إنما حدثت بعد ما لم تكن وظهرت في حين لم تكن عامة الأوضاع والظروف الموجودة إلا مناقضة له طاردة إياه، فانتهضت، ونازعت السنن السابقة المستمرة المتعرقة، وربما اضطهدت وانهزمت في أول نهضتها ثم عادت ثانياً وثالثاً حتى غلبت وتمكنت وملكت سيطرتها، وربما بادت وانقرضت إذ لم يُساعدها العوامل والظروف بعد، والتاريخ يشهد بذلك في جميع السنن الدينية والدنيوية حتى في مثل الديمقراطية والاشتراكية، وإلى مثله يشير قوله تعالى: ﴿قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِين﴾1.
فالآية تشير إلى أن السنة التي تصاحب تكذيب آيات الله لا تنتهي إلى عاقبة حسنة محمودة.
فمجرد عدم انطباق سنة من السنن على الوضع الإنساني الحاضر ليس يكشف عن بطلانه وفساده، بل هو في جملة السنن الطبيعية الجارية في العالم لتتميم كينونة الحوادث الجديدة إثر الفعل والانفعال وتنازع العوامل المختلفة.
والإسلام كسائر السنن من جهة النظر الطبيعي والاجتماعي وليس بمستثنى من هذه الكلية، فحاله من حيث التقدم والتأخر والاستظهار بالعوامل والظروف حال سائر السنن وليس حال الإسلام اليوم ـ وقد تمكن في نفوس ما يزيد على المليار من أفراد البشر، ونشب في قلوبهم، بأضعف من حاله في الدنيا زمان دعوة نوح وإبراهيم ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم، وقد قامت دعوة كل منهم بنفس واحدة لم تكن تعرف الدنيا وقتئذ غير الفساد ثم انبسطت وتعرقت وعاشت واتصل بعضها ببعض فلم ينقطع حتى اليوم. وقد قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بالدعوة ولم يكن معه من يستظهر به يومئذ إلا رجل وامرأة ثم لم يزل يلحق بهم واحد بعد واحد واليوم يوم العسرة كل العسرة حتى أتاهم نصر الله فتشكلوا مجتمعاً صالحاً ذا أفراد يغلب عليهم الصلاح والتقوى ومكثوا برهة على الصلاح الاجتماعي حتى كان من أمر الفتن بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما كان.
يتبع...
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته
ربما لقائل أن يقول: إذا كان نظر الإسلام في تكوين المجتمع الصالح أرقى بناءً وأتقن أساساً حتى من المجتمعات التي كونتها الملل المتمدنة المترقية حقاً فما باله لم يقبل الإجراء إلا برهة يسيرة ثم لم يملك نفسه دون أن تبدل قيصرية وكسروية؟ وتحوّل إمبراطورية أفجع وأشنع أعمالاً مما كان قبله بخلاف المدنية الغربية التي تستديم البقاء.
وهذا هو الدليل على كون مدنيتهم أرقى وسنتهم في الاجتماع أتقن وأشد استحكاماً، وقد وضعوا سنتهم الاجتماعية وقوانينهم الدائرة على أساس إرادة الأمة واقتراح الطباع والميول ثم اعتبروا فيها إرادة الأكثر واقتراحهم، لاستحالة اجتماع الكل بحسب العادة إرادة، وغلبة الأكثر سنة جارية في الطبيعة مشهودة فإنا نجد كلاً من العلل المادية والأسباب الطبيعية مؤثرة على الأكثر لا على الدوام، وكذا العوامل المختلفة المتنازعة إنما يؤثر منها الأكثر دون الكل ودون الأقل فمن الحري أن يبنى هيكل الاجتماع بحسب الغرض وبحسب السنن والقوانين الجارية فيه على إرادة الأكثر وأما فرضية الدين فليست في الدنيا الحاضرة إلا أمنية لا تتجاوز مرحلة الفرض ومثالاً عقلياً غير جائز النيل.
وقد ضمنت المدنية الحاضرة فيما ظهرت فيه من الممالك قوة المجتمع وسعادتها وتهذيب الأفراد وطهارتهم من الرذائل، وهي الأمور التي لا يرتضيها المجتمع كالكذب والخيانة والظلم والجفاء والجفاف ونحو ذلك.
وهذا الذي أوردناه محصل ما يختلج في صدور جمع من باحثينا معاشر الشرقيين وخاصة الباحثين من الفضلاء المفكرين في نطاق البحث الاجتماعي والنفسي، غير أنهم وردوا هذا البحث من غير مورده فاختلط عليهم حق النظر، ولتوضيح ذلك نقول:
أما قولهم: إن السنة الاجتماعية الإسلامية غير قابلة الجريان في الدنيا على خلاف سنن المدنية الحاضرة في جو الظروف القائمة، ومعناه أن الأوضاع الحاضرة في الدنيا لا تلائم الأحكام المشرعة في الإسلام، فهو مسلم لكنه لا ينتج شيئاً فإن جميع السنن الدائرة في المجتمع الإنساني إنما حدثت بعد ما لم تكن وظهرت في حين لم تكن عامة الأوضاع والظروف الموجودة إلا مناقضة له طاردة إياه، فانتهضت، ونازعت السنن السابقة المستمرة المتعرقة، وربما اضطهدت وانهزمت في أول نهضتها ثم عادت ثانياً وثالثاً حتى غلبت وتمكنت وملكت سيطرتها، وربما بادت وانقرضت إذ لم يُساعدها العوامل والظروف بعد، والتاريخ يشهد بذلك في جميع السنن الدينية والدنيوية حتى في مثل الديمقراطية والاشتراكية، وإلى مثله يشير قوله تعالى: ﴿قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِين﴾1.
فالآية تشير إلى أن السنة التي تصاحب تكذيب آيات الله لا تنتهي إلى عاقبة حسنة محمودة.
فمجرد عدم انطباق سنة من السنن على الوضع الإنساني الحاضر ليس يكشف عن بطلانه وفساده، بل هو في جملة السنن الطبيعية الجارية في العالم لتتميم كينونة الحوادث الجديدة إثر الفعل والانفعال وتنازع العوامل المختلفة.
والإسلام كسائر السنن من جهة النظر الطبيعي والاجتماعي وليس بمستثنى من هذه الكلية، فحاله من حيث التقدم والتأخر والاستظهار بالعوامل والظروف حال سائر السنن وليس حال الإسلام اليوم ـ وقد تمكن في نفوس ما يزيد على المليار من أفراد البشر، ونشب في قلوبهم، بأضعف من حاله في الدنيا زمان دعوة نوح وإبراهيم ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم، وقد قامت دعوة كل منهم بنفس واحدة لم تكن تعرف الدنيا وقتئذ غير الفساد ثم انبسطت وتعرقت وعاشت واتصل بعضها ببعض فلم ينقطع حتى اليوم. وقد قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بالدعوة ولم يكن معه من يستظهر به يومئذ إلا رجل وامرأة ثم لم يزل يلحق بهم واحد بعد واحد واليوم يوم العسرة كل العسرة حتى أتاهم نصر الله فتشكلوا مجتمعاً صالحاً ذا أفراد يغلب عليهم الصلاح والتقوى ومكثوا برهة على الصلاح الاجتماعي حتى كان من أمر الفتن بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما كان.
يتبع...
تعليق