16/1/2013
الجيش السوري الحر ما زال يتألق... مثل كوكب منطفئ
بقلم: تييري ميسان
صحافي وناشط سياسي فرنسي
في حين تبشر الصحافة الفرنسية أكثر من أي وقت مضى بـ "السقوط الوشيك" لسوريا وبـ "فرار بشار الأسد"، انقلب الوضع على الأرض بشكل كامل. فإذا كانت الفوضى قد انتشرت في القسم الأكبر من البلاد، فإن "المناطق المحررة" قد ذابت كما يذوب الثلج تحت الشمس. لقد فقد الجيش الحر كل نقاط ارتكازه ولم يعد أمامه أي أفق، في حين تتهيأ واشنطن وموسكو لإطلاق جرس النهاية.
لقد بدأ العد العكسي. ومنذ اللحظة التي سيتم فيها إقرار إدارة أوباما الجديدة في الحكم من قبل مجلس الشيوخ، فإن هذه الإدارة ستتقدم إلى مجلس الأمن بمشروع للسلام في سوريا. من الناحية القانونية، وبالرغم من كون الرئيس أوباما قد فاز بولاية ثانية، فإن إدارته السابقة، في ولايته الأولى، لا صلاحية لها غير تصريف الأعمال الجارية ولا يجوز لها أن تأخذ مبادرات كبرى. ومن الناحية السياسية، لم يصدر عن باراك أوباما، يوم كان في عز معركته الانتخابية، أي رد فعل عندما عمد بعض مساعديه إلى إفشال اتفاقية جنيف. لكنه عاد وأطلق عملية تنظيف كبرى منذ الإعلان عن إعادة انتخابه. وكما كان مقرراً، سقط الجنرال دايفد بترايوس، مهندس الحرب على سوريا، في الفخ الذي نصب له وأجبر على تقديم استقالته. وكما كان مقرراً، جرى إخضاع قادة الناتو والدعاة إلى إقامة درع صاروخية من الرافضين لاتفاق مع روسيا، جرى إخضاعهم للتحقيق بتهم الفساد وأجبروا على السكوت. وكما كان مقرراً أيضاً، تم إبعاد وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون عن اللعبة. والمفاجأة الوحيدة كانت في طريقة استبعادها: حادث صحي خطير وضعها في حالة الموت السريري.

أما لجهة الأمم المتحدة، فقد حصل تقدم ملحوظ. ففي أيلول/ سبتمبر وقع قسم عمليات حفظ السلام اتفاقية مع منظمة معاهدة الأمن الجماعي. وأشرف في تشرين الأول/ أكتوبر على مناورات أجريت في كازاخستان لمحاكاة عملية نشر لـ "القبعات الزرق" في سوريا. وفي كانون الأول / ديسمبر، اجتمع بناءً على دعوته الممثلون العسكريون للدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن ليعرض عليهم الكيفية التي يمكن من خلالها أن تتم عملية نشر القوات. وعلى الرغم من معارضتهم لهذا الحل، فإن البريطانيين والفرنسيين رضخوا أمام مشيئة الولايات المتحدة.
ومع هذا، حاولت فرنسا استخدام المبعوث الخاص للأمم المتحدة والجامعة العربية، الأخضر الإبراهيمي، بغية تغيير خطة سلام جنيف لتتناسب مع التحفظات التي أبدتها في 30 حزيران / يونيو. وفي النهاية، تصرف الإبراهيمي بحذر ولم يتخذ موقفاً حيث اكتفى بنقل رسائل بين أطراف النزاع، ذلكم أن الحكومة السورية هي في موقع القوة على الأرض. فقد انقلب الوضع العسكري لصالحها، وتوقف الفرنسيون أنفسهم عن الكلام عن "المناطق المحررة" التي كانوا يأملون حكمها عن طريق تفويض من الأمم المتحدة. فهذه المناطق لم تتوقف عن التقلص باستمرار، وما تبقى منها يخضع لسيطرة السلفيين المفتقرين إلى تمثيل [الشعب السوري]. وقد تلقت قوات الجيش الحر توجيهات بالانسحاب من مواقعها والتجمع حول العاصمة تمهيداً لهجوم نهائي. وكان المسلحون يأملون دفع اللاجئين الفلسطينيين، وأكثريتهم من أهل السنة، إلى الانتفاض ضد النظام المتعدد الطوائف كما سبق لآل الحريري في لبنان أن حاولوا دفع الفلسطينيين السنة في مخيم نهر البارد إلى التحرك ضد حزب الله الشيعي. وكما في لبنان، فشل هذا المشروع لأن الفلسطينيين يعرفون جيداً من هم أصدقاؤهم ومن يقاتل فعلاً من أجل تحرير أرضهم. فقد تبين بشكل ملموس خلال الحرب الإسرائيلية على غزة التي استمرت ثمانية أيام أن الأسلحة الإيرانية والسورية هي التي رجحت كفة غزة في حين لم تحرك ممالك الخليج ساكناً.
بعض عناصر حماس ممن يؤيدون خالد مشعل ويحصلون على التمويل من قطر فتحوا أبواب مخيم اليرموك لبضع مئات من مقاتلي جبهة النصرة لأهالي الشام (الفرع السوري اللبناني لتنظيم القاعدة) الممولين أيضاً من قطر. وقد قاتل هؤلاء بشكل رئيسي ضد مقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة. وقد طلبت الحكومة السورية بواسطة الرسائل الهاتفية إلى سكان المخيم البالغ عددهم 180 ألفاً أن يغادروا المكان بأسرع وقت ممكن وأمنت لهم سكناً مؤقتاً في فنادق ومدارس وملاعب رياضية في دمشق. لكن بعضهم آثر النزوح إلى لبنان. وفي اليوم التالي قام الجيش العربي السوري بمهاجمة المخيم بالأسلحة الثقيلة واستعاد السيطرة عليه. عندها وقع 14 تنظيماً فلسطينياً على اتفاق يقضي باعتبار المخيم "منطقة محايدة" وانسحب مقاتلو الجيش السوري الحر بشكل منظم واستأنفوا حربهم ضد سوريا في الأرياف المجاورة في حين كان المدنيون يعودون إلى بيوتهم. وقد وجدوا المخيم مدمراً والمدارس والمستشفيات متضررة بشكل منهجي.
لقد انتهت الحرب بالمعنى الاستراتيجي : فقد خسر الجيش السوري الحر الدعم الشعبي الذي كان قد حظي به في فترة معينة ولم يعد له أي حظ بالانتصار. وما زال الأوروبيون يظنون أن بإمكانهم تغيير النظام عبر شراء ضباط كبار أو من خلال تدبير انقلاب عسكري. ولكنهم يعرفون أنهم لا يستطيعون ذلك مع الجيش السوري الحر. هنالك مسلحون ما زالوا يصلون ولكن المدد بالمال والسلاح بدأ ينضب. وقد توقف قسم كبير من الدعم الدولي مع أن تداعيات ذلك لم تظهر بعد على أرض المعركة. فالوضع شبيه بعض الشيء بوضع كوكب يمكنه أن يستمر بإرسال الضوء بعد زمن طويل من انطفائه. لقد قررت الولايات المتحدة بوضوح أن تقلب الصفحة وأن تضحي بالجيش السوري الحر. إنها تزوده بتعليمات غبية تفضي إلى مقتل المسلحين. فقد قتل الآلاف منهم خلال الشهر الفائت.
في الوقت نفسه، يعلن مجلس الاستخبارات القومي بكل صفاقة أن "الجهادية الدولية" ستختفي قريباً. ولا بد أن حلفاء آخرين للولايات المتحدة يتساءلون اليوم عما إذا كانت المعطيات المستجدة لا تستدعي أن يضحوا هم أيضاً بالمسلحين.
المصدر:
http://www.alahednews.com.lb/essaydetails.php?eid=70231&cid=88
الجيش السوري الحر ما زال يتألق... مثل كوكب منطفئ
بقلم: تييري ميسان
صحافي وناشط سياسي فرنسي
في حين تبشر الصحافة الفرنسية أكثر من أي وقت مضى بـ "السقوط الوشيك" لسوريا وبـ "فرار بشار الأسد"، انقلب الوضع على الأرض بشكل كامل. فإذا كانت الفوضى قد انتشرت في القسم الأكبر من البلاد، فإن "المناطق المحررة" قد ذابت كما يذوب الثلج تحت الشمس. لقد فقد الجيش الحر كل نقاط ارتكازه ولم يعد أمامه أي أفق، في حين تتهيأ واشنطن وموسكو لإطلاق جرس النهاية.
لقد بدأ العد العكسي. ومنذ اللحظة التي سيتم فيها إقرار إدارة أوباما الجديدة في الحكم من قبل مجلس الشيوخ، فإن هذه الإدارة ستتقدم إلى مجلس الأمن بمشروع للسلام في سوريا. من الناحية القانونية، وبالرغم من كون الرئيس أوباما قد فاز بولاية ثانية، فإن إدارته السابقة، في ولايته الأولى، لا صلاحية لها غير تصريف الأعمال الجارية ولا يجوز لها أن تأخذ مبادرات كبرى. ومن الناحية السياسية، لم يصدر عن باراك أوباما، يوم كان في عز معركته الانتخابية، أي رد فعل عندما عمد بعض مساعديه إلى إفشال اتفاقية جنيف. لكنه عاد وأطلق عملية تنظيف كبرى منذ الإعلان عن إعادة انتخابه. وكما كان مقرراً، سقط الجنرال دايفد بترايوس، مهندس الحرب على سوريا، في الفخ الذي نصب له وأجبر على تقديم استقالته. وكما كان مقرراً، جرى إخضاع قادة الناتو والدعاة إلى إقامة درع صاروخية من الرافضين لاتفاق مع روسيا، جرى إخضاعهم للتحقيق بتهم الفساد وأجبروا على السكوت. وكما كان مقرراً أيضاً، تم إبعاد وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون عن اللعبة. والمفاجأة الوحيدة كانت في طريقة استبعادها: حادث صحي خطير وضعها في حالة الموت السريري.

أما لجهة الأمم المتحدة، فقد حصل تقدم ملحوظ. ففي أيلول/ سبتمبر وقع قسم عمليات حفظ السلام اتفاقية مع منظمة معاهدة الأمن الجماعي. وأشرف في تشرين الأول/ أكتوبر على مناورات أجريت في كازاخستان لمحاكاة عملية نشر لـ "القبعات الزرق" في سوريا. وفي كانون الأول / ديسمبر، اجتمع بناءً على دعوته الممثلون العسكريون للدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن ليعرض عليهم الكيفية التي يمكن من خلالها أن تتم عملية نشر القوات. وعلى الرغم من معارضتهم لهذا الحل، فإن البريطانيين والفرنسيين رضخوا أمام مشيئة الولايات المتحدة.
ومع هذا، حاولت فرنسا استخدام المبعوث الخاص للأمم المتحدة والجامعة العربية، الأخضر الإبراهيمي، بغية تغيير خطة سلام جنيف لتتناسب مع التحفظات التي أبدتها في 30 حزيران / يونيو. وفي النهاية، تصرف الإبراهيمي بحذر ولم يتخذ موقفاً حيث اكتفى بنقل رسائل بين أطراف النزاع، ذلكم أن الحكومة السورية هي في موقع القوة على الأرض. فقد انقلب الوضع العسكري لصالحها، وتوقف الفرنسيون أنفسهم عن الكلام عن "المناطق المحررة" التي كانوا يأملون حكمها عن طريق تفويض من الأمم المتحدة. فهذه المناطق لم تتوقف عن التقلص باستمرار، وما تبقى منها يخضع لسيطرة السلفيين المفتقرين إلى تمثيل [الشعب السوري]. وقد تلقت قوات الجيش الحر توجيهات بالانسحاب من مواقعها والتجمع حول العاصمة تمهيداً لهجوم نهائي. وكان المسلحون يأملون دفع اللاجئين الفلسطينيين، وأكثريتهم من أهل السنة، إلى الانتفاض ضد النظام المتعدد الطوائف كما سبق لآل الحريري في لبنان أن حاولوا دفع الفلسطينيين السنة في مخيم نهر البارد إلى التحرك ضد حزب الله الشيعي. وكما في لبنان، فشل هذا المشروع لأن الفلسطينيين يعرفون جيداً من هم أصدقاؤهم ومن يقاتل فعلاً من أجل تحرير أرضهم. فقد تبين بشكل ملموس خلال الحرب الإسرائيلية على غزة التي استمرت ثمانية أيام أن الأسلحة الإيرانية والسورية هي التي رجحت كفة غزة في حين لم تحرك ممالك الخليج ساكناً.
بعض عناصر حماس ممن يؤيدون خالد مشعل ويحصلون على التمويل من قطر فتحوا أبواب مخيم اليرموك لبضع مئات من مقاتلي جبهة النصرة لأهالي الشام (الفرع السوري اللبناني لتنظيم القاعدة) الممولين أيضاً من قطر. وقد قاتل هؤلاء بشكل رئيسي ضد مقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة. وقد طلبت الحكومة السورية بواسطة الرسائل الهاتفية إلى سكان المخيم البالغ عددهم 180 ألفاً أن يغادروا المكان بأسرع وقت ممكن وأمنت لهم سكناً مؤقتاً في فنادق ومدارس وملاعب رياضية في دمشق. لكن بعضهم آثر النزوح إلى لبنان. وفي اليوم التالي قام الجيش العربي السوري بمهاجمة المخيم بالأسلحة الثقيلة واستعاد السيطرة عليه. عندها وقع 14 تنظيماً فلسطينياً على اتفاق يقضي باعتبار المخيم "منطقة محايدة" وانسحب مقاتلو الجيش السوري الحر بشكل منظم واستأنفوا حربهم ضد سوريا في الأرياف المجاورة في حين كان المدنيون يعودون إلى بيوتهم. وقد وجدوا المخيم مدمراً والمدارس والمستشفيات متضررة بشكل منهجي.
لقد انتهت الحرب بالمعنى الاستراتيجي : فقد خسر الجيش السوري الحر الدعم الشعبي الذي كان قد حظي به في فترة معينة ولم يعد له أي حظ بالانتصار. وما زال الأوروبيون يظنون أن بإمكانهم تغيير النظام عبر شراء ضباط كبار أو من خلال تدبير انقلاب عسكري. ولكنهم يعرفون أنهم لا يستطيعون ذلك مع الجيش السوري الحر. هنالك مسلحون ما زالوا يصلون ولكن المدد بالمال والسلاح بدأ ينضب. وقد توقف قسم كبير من الدعم الدولي مع أن تداعيات ذلك لم تظهر بعد على أرض المعركة. فالوضع شبيه بعض الشيء بوضع كوكب يمكنه أن يستمر بإرسال الضوء بعد زمن طويل من انطفائه. لقد قررت الولايات المتحدة بوضوح أن تقلب الصفحة وأن تضحي بالجيش السوري الحر. إنها تزوده بتعليمات غبية تفضي إلى مقتل المسلحين. فقد قتل الآلاف منهم خلال الشهر الفائت.
في الوقت نفسه، يعلن مجلس الاستخبارات القومي بكل صفاقة أن "الجهادية الدولية" ستختفي قريباً. ولا بد أن حلفاء آخرين للولايات المتحدة يتساءلون اليوم عما إذا كانت المعطيات المستجدة لا تستدعي أن يضحوا هم أيضاً بالمسلحين.
المصدر:
http://www.alahednews.com.lb/essaydetails.php?eid=70231&cid=88