9/2/2013
هـل الـسـعــوديـــة فـي خـطــر؟
أبرز مؤشرات الأزمة في المملكة، تردي الأحوال المعيشية لنسبة كبيرة من المواطنين وارتفاع معدلات البطالة، وكسر حاجز الخوف على المستوى الشعبي، حيث أصبح الكثير من الأفراد يتحدثون بلغة جريئة غير مسبوقة، ما شكّل حالة جماعية تتسع دائرتها، مطالبة بالتغيير.
بعد سنتين تقريباً من بدء الثورات العربية، تعيش المملكة حالة من الاستقرار السياسي وطفرة اقتصادية جعلت من مدن المملكة ورشة عمل لا تتوقف شبيهة بالطفرة الأولى في نهاية السبعينيات، على الرغم من الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها اغلب دول العالم. ولكن لا بد من التنبيه إلى عدد من المؤشرات إلى احتمالات أن تواجه المملكة أزمة عميقة خلال السنوات القليلة القادمة في حال لم تبادر القيادة إلى معالجة خمس قضايا رئيسة وملحة.
ومن بين أبرز المؤشرات على الأزمة القادمة نذكر على سبيل المثال وليس الحصر: (1) تردي الأحوال المعيشية لنسبة كبيرة من المواطنين، (2) ارتفاع معدلات البطالة، (3) كسر حاجز الخوف على المستوى الشعبي حيث أصبح الكثير من الأفراد يتحدثون بلغة جرئية غير مسبوقة ـ وحادة أحياناً ـ ولا يتوقفون عند حد في نقدهم الصريح ومطالباتهم بالتغيير. والملاحظ ان الانتقادات الموجهة للحكومة في مسائل مختلفة لم تعد تتم بشكل فردي، بل أصبحت تمثل حالة جماعية تتسع دائرتها باستمرار. هذه مؤشرات لا يمكن لعاقل يهمه مستقبل المملكة ويحرص على استقرارها أن يتجاهلها.
أما القضايا الخمس التي تتطلب معالجات حاسمة وقرارات شجاعة لكي تتجنب المملكة دخول نفق يصعب الخروج منه فتتمثل في ما يلي:
1ـ ترتيبات السلطة داخل الأسرة المالكة
2ـ الإصلاح السياسي
3ـ مكافحة الفساد
4ـ منح حقوق المواطنة الكاملة للشيعة
5ـ إنهاء ملف الموقوفين على ذمة قضايا أمنية
(1) ترتيبات السلطة داخل الأسرة المالكة
بالنسبة لترتيبات السلطة، فكما كتبت مؤخراً الصحافية الأميركية المخضرمة كارين اليوت هيوز في مقال عن المملكة تحت عنوان: «الفوضى القادمة من الشرق الأوسط»، فإن الأسرة المالكة لا بد ان تحسم موضوع انتقال السلطة للجيل الثاني أو حتى الثالث بالنظر إلى ان الكثير من أمراء الجيل الثاني متقدمين في السن. أهمية قضية العمر والشيخوخة داخل الأسرة المالكة لا تقتصر فقط على مشكلة المرض والوفاة المفاجئة وما قد يترتب على ذلك من اضطراب، بل تتعدى ذلك إلى عدم قدرة القيادة المتقدمة في العمر ـ ولأسباب طبيعية خالصة ـ ان تتعاطى مع الإشكالات المتعددة التي تواجه المجتمع السعودي الشاب أو حتى التعامل مع ما يجري من حولنا من تحولات كبيرة. فالشيخوخة ـ وحسب الأبحاث الطبية ـ تحد من قدرة الشخص، سواء كان مواطناً عادياً أم ملكاً متوجا، على إدراك ما حوله من واقع معقد، وهذه كما قلنا مسألة طبيعية تحدث حتى على مستوى الأسر، ولكن خطورتها تتعاظم حين تكون متعلقة بحكم دولة وإدارتها داخليا وخارجيا، فكيف إذا كانت دولة بحجم المملكة ذات الثقل الاقتصادي والسياسي الكبير إقليميا ودوليا.
قد يقول البعض ان هذه المشكلة قد حلت بعد تأسيس هيئة البيعة. ونرد على هؤلاء بأننا أيضاً كنا نأمل ذلك، إلا ان طريقة التعاطي مع ولاية العهد بعد وفاة الأمير سلطان والأمير نايف تظهر ان توقعاتنا لم تكن صحيحة، ففي الحالة الأولى انفرد الملك باختيار ولي العد واكتفى بمجرد إشعار الهيئة، أما في الحالة الثانية فلم ترد أي اشارة للهيئة. وإذا كان هذا هو حال الهيئة مع الملك عبد الله وهو من أمر بتأسيسها فما الذي يمكن ان نتوقعه منها بعده؟
وبنظرة سريعة على قائمة الأحياء من ابناء الملك عبد العزيز الذين يحق لهم تولي الملك وفق الشطر الأول من المادة الثانية من النظام الأساسي للحكم الصادر عام 1412هـ التي تنص على ان «يكون الحكم في أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء»، نجد ان عدد من يمكن ان يتولى الملك من أبناء المؤسس هم 14 أميراً. ولكن وحين نطبق الشطر الأخير من ذات المادة والذي يقول «ويبايع الأصلح منهم للحكم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم «نجد ان هذا العدد ـ في حال استثنينا الأميرين سلمان وأحمد لأنهما في طريقهما لتولي الملك ـ يتقلص وبشكل مذهل إلى أمير واحد فقط وهو الأمير مقرن. ونشير إلى ان معيار الصلاحية الذي اخترناه هنا يتمثل في ثلاثة شروط هي: (1) الصحة (2) الخبرة الإدارية (3) القبول الشعبي. هذا الأخير بالطبع ليس شرطاً ولكن الملاحظ ان الأسرة المالكة تراعي ذلك وهو ما يفسر تخطي بعض الأمراء تاريخيا.
إذا نحن امام شخص واحد فقط من ابناء الملك عبد العزيز الذي يمكن ان تنطبق عليه شروط تولي الملك وهو الأمير مقرن، رغم ان هناك من يشير إلى إشكالية تواجه الأمير مقرن وتتمثل في القبول داخل الأسرة المالكة لأسباب خاصة بها. المؤكد إذا ان المملكة ستنتقل خلال سنوات قليلة إلى الجيل الثاني أو حتى الثالث. هنا تتأكد ضرورة مبادرة الأسرة لحل هذا الإشكال من الآن وعدم تركه للزمن. اختيار من يتولى الحكم ليس أمراً سهلاً لذلك نرى أهمية استثمار وجود الشخصيات الثلاث الأكثر تأثيراً داخل الأسرة وهم الملك والأمير سلمان والأمير مشعل لتحديد مسار الحكم لعشرين أو ثلاثين سنة قادمة. لا بد إذاً من التوافق داخل الأسرة المالكة وبرعاية من الملك ودعم من الأميرين مشعل وسلمان على اسماء الأصلح من الأحفاد لتولي الحكم بعد الأمير أحمد وذلك لضمان الاستقرار في مؤسسة الحكم لثلاثة عقود قادمة على الأقل.
وفي حال لم تبادر الأسرة المالكة إلى استثمار وجود هذه الشخصيات الثلاث ذات التأثير الكبير في أفرادها، فأخشى اننا لن نضمن تحقق توافق على من يتولى الحكم بعد الأمير أحمد، وهذا يسبب قلقاً كبيراً ليس داخل الأسرة فقط، بل للمملكة ككل، فاستقرار الدولة مبني بالدرجة الأولى على استقرار الحكم.
(2) الإصلاح السياسي
معلوم ان سبب الثورات التي تشهدها عدد من الدول العربية هو الركود السياسي والانفراد بالسلطة وتغييب الشعب عن المشاركة في إدارة شؤونه العامة. وكما أثبتت الثورات الشعبية ان الدول العربية لم تكن استثناء من موجات الديموقراطية التي هبت على أنحاء كثيرة من العالم كما كان البعض يظن، فإن المملكة ليست استثناء من التحولات التي تعيشها الدول العربية.
وهناك مؤشرات تدل على ذلك وتظهر رغبة متنامية من الشعب في المشاركة في السلطة من خلال انتخابات لمجلس الشورى وتوسيع صلاحياته بل وحتى البدء في الانتقال التدريجي إلى مرحلة الحكم الشعبي أولا بفصل مؤسسة الملك عن السلطة التنفيذية، وثانيا بتعزيز مشاركة الشعب في السلطة التنفيذية من خلال تعيين مواطنين مؤهلين نواباً لرئيس مجلس الوزراء، وبصلاحيات حقيقية، وتقليص مشاركة الأسرة المالكة في المناصب الوزارية. ما يحدث من حولنا يشير إلى ان هذا التحول قادم وإن تأخر، لذلك فمن الانسب ان تبادر الأسرة المالكة إلى تبني مشروع اصلاح سياسي حقيقي لا شكلي يمنحها قدرة على صياغة التغيير القادم بدلاً من مواجهته.
(3) مكافحة الفساد
يعد الفساد أساس سائر المشاكل التي تواجه المملكة اليوم سواء تمثلت في تردي الأحوال المعيشية أم سوء الخدمات أم البطالة أم حالة الاحتقان المتنامية والناجمة عن هذه المشاكل. ورغم ان الفساد موجود في معظم الدول، إلا ان الفساد المالي في المملكة يمثل حالة خاصة، والسبب ان هذا الفساد حرم المواطنين من الاستفادة الحقيقية من الثروات المالية الضخمة والدخل السنوي الهائل من النفط، الذي يعد حالة استثنائية في التاريخ.
ان جزءاً كبيرا من الثروة المالية الطائلة، يتآكل بسرعة وليس له تعويض وستكون الأجيال القادمة الخاسر الأكبر. وذلك كله بسبب الفساد المالي المستشري والذي لا يمكن معالجته والتصدي له من دون وجود رقابة مستقلة.
فالأجهزة الرقابية الحالية ومهما تمتعت به من صلاحيات وكثر عددها، فلن تنجح في محاربة الفساد لسبب بسيط، هو انها مرتبطة بالسلطة التنفيذية التي تمثل بعض مؤسساتها المصدر الرئيس للفساد. وحتى لو ارتبطت هذه الاجهزة بالملك مثل هيئة مكافحة الفساد، فهي لن تستطيع التعامل مع قضايا الفساد الكبرى نظراً لعدم استقلاليتها عن السلطة التنفيذية، حيث ان الملك هو رئيس مجلس الوزراء الذي يعد السلطة التنفيذية في المملكة.
(4) منح حقوق المواطنة الكاملة للشيعة
رغم ان المواطنين الشيعة لا يشكلون سوى نسبة صغيرة من سكان المملكة لا تتجاوز 7 في المئة، إلا ان وضعهم الراهن يعد مصدر قلق على استقرار المملكة ويتطلب قرارات شجاعة تنطلق من اعتراف بمعاناتهم بسبب ممارسة التمييز والإقصاء ضدهم، والعمل على انهاء هذه المعاناة من خلال تبني سياسة اندماج وطني تمنحهم حقوق المواطنة الكاملة أسوة بغيرهم من المواطنين.
ولعل الغريب في وضع الشيعة في المملكة، هو انهم يعانون من التمييز والإقصاء رغم عدم وجود سياسة رسمية تشرع ذلك، بل ان الموقف الرسمي ـ وباستثناءات قليلة ـ ينظر إليهم بشكل عادل ويؤكد دائما حقهم في المواطنة الكاملة. مصدر التمييز والإقصاء ضد الشيعة، هو ثقافة الكراهية التي تنامت بشكل كبير خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وتعمل المؤسسة الدينية من خلال كل القنوات المتاحة على نشرها بتبديعهم (من بدعة) بل وتكفيرهم، وهذا ما يؤسس للنظرة السلبية ضدهم وانتشار مشاعر الكراهية لهم في المجتمع بشكل عام.
هذه الثقافة المعادية للشيعة هي سبب ممارسات التمييز ضدهم التي يلقونها في كل المؤسسات والأجهزة الحكومية، وهي ممارسات منتشرة حتى بين صغار الموظفين دون شعور بأنها ممارسات خاطئة. بل ان الكثير يعتقد انهم وبتضييقهم على مواطن شيعي سواء في فرصة وظيفية أم تعليمية أم غيرها يقوم بواجب ديني وذلك بسبب ترسخ ثقافة التحريض ضدهم. ويجد هؤلاء الموظفون ما يؤكد صحة سلوكهم المعادي ضد الشيعة في عدم تعرض أي موظف للمساءلة، حتى لو تقدم مواطن شيعي بشكوى ضده، وهو ما يولد شعوراً لدى الموظف والمواطن الشيعي المنتهك حقه على حد سواء بأن كبار المسؤولين يقبلون هذه السلوكيات ويجيزونها.
لذلك، نؤكد انه وبدون معالجة عادلة لملف الشيعة، فإننا لا يمكن ان نطمئن على مستقبل المملكة خاصة في ظل نظام دولي يعلي من شأن حقوق الأقليات ودعمها. لا بد من اتخاذ قرار شجاع ومنح الشيعة حقوق المواطنة الكاملة وتجريم التحريض ضدهم، وتبني سياسة وطنية تتحقق بالمساواة للجميع دون تمييز. هذه السياسة ستجد معارضة «صوتية» والكثير من الضجيج والتهويل من بعض الفئات المتشددة. ولكن مصلحة الوطن أهم وأكبر من أي صوت أو اتجاه منغلق سواء جاء من الشارع أم من داخل المؤسسة الدينية ذاتها، وستنجح المملكة بإذن الله في تجاوز هذه المعارضة كما حدث في حالات مشابهة في السابق.
(5) إنهاء ملف الموقوفين على ذمة قضايا أمنية
لم يتحرك الشارع السعودي ويتعاطف مع قضية مثل قضية الموقوفين أمنيا الذين يقدرهم عددهم ـ حسب بعض الناشطين ـ بعشرات آلاف، بعضهم موقوف منذ عشر سنوات دون حكم قضائي، وآخرون لا يزالون رغم انتهاء محكوميتهم. أهالي هؤلاء الموقوفين ومناصروهم، وبعد ان فشلت محاولاتهم بإقناع المسؤولين بإطلاق سراح أبنائهم أو إحالتهم للقضاء أو حتى معرفة التهم الموجهة لهم، خرجوا إلى الشارع في تظاهرات واعتصامات أصبحت محل اهتمام وسائل الإعلام الأجنبي.
خلاصة الأمر ان المملكة تتمتع اليوم بالكثير من المقومات والفرص التي تمكنها من ضمان استمرار الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي، ولكن هذا الأمر مشروط بسرعة التحرك نحو معالجة هذه التحديات الخمسة بقرارات شجاعة.
وأختم هذه الصفحات بنظرة متفائلة للمستقبل تراهن على حكمة القيادة التي جنبت المملكة تاريخيا الكثير من المشاكل والتحديات وجعلتها واحة استقرار في بحر مضطرب. ولكن السؤال المهم هو هل تستطيع المملكة ان تصمد امام أمواج الربيع العربي الصاخبة؟
المصدر:
http://www.alahednews.com.lb/essayde...d=71292&cid=55
هـل الـسـعــوديـــة فـي خـطــر؟
أبرز مؤشرات الأزمة في المملكة، تردي الأحوال المعيشية لنسبة كبيرة من المواطنين وارتفاع معدلات البطالة، وكسر حاجز الخوف على المستوى الشعبي، حيث أصبح الكثير من الأفراد يتحدثون بلغة جريئة غير مسبوقة، ما شكّل حالة جماعية تتسع دائرتها، مطالبة بالتغيير.
بعد سنتين تقريباً من بدء الثورات العربية، تعيش المملكة حالة من الاستقرار السياسي وطفرة اقتصادية جعلت من مدن المملكة ورشة عمل لا تتوقف شبيهة بالطفرة الأولى في نهاية السبعينيات، على الرغم من الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها اغلب دول العالم. ولكن لا بد من التنبيه إلى عدد من المؤشرات إلى احتمالات أن تواجه المملكة أزمة عميقة خلال السنوات القليلة القادمة في حال لم تبادر القيادة إلى معالجة خمس قضايا رئيسة وملحة.
ومن بين أبرز المؤشرات على الأزمة القادمة نذكر على سبيل المثال وليس الحصر: (1) تردي الأحوال المعيشية لنسبة كبيرة من المواطنين، (2) ارتفاع معدلات البطالة، (3) كسر حاجز الخوف على المستوى الشعبي حيث أصبح الكثير من الأفراد يتحدثون بلغة جرئية غير مسبوقة ـ وحادة أحياناً ـ ولا يتوقفون عند حد في نقدهم الصريح ومطالباتهم بالتغيير. والملاحظ ان الانتقادات الموجهة للحكومة في مسائل مختلفة لم تعد تتم بشكل فردي، بل أصبحت تمثل حالة جماعية تتسع دائرتها باستمرار. هذه مؤشرات لا يمكن لعاقل يهمه مستقبل المملكة ويحرص على استقرارها أن يتجاهلها.
أما القضايا الخمس التي تتطلب معالجات حاسمة وقرارات شجاعة لكي تتجنب المملكة دخول نفق يصعب الخروج منه فتتمثل في ما يلي:
1ـ ترتيبات السلطة داخل الأسرة المالكة
2ـ الإصلاح السياسي
3ـ مكافحة الفساد
4ـ منح حقوق المواطنة الكاملة للشيعة
5ـ إنهاء ملف الموقوفين على ذمة قضايا أمنية
(1) ترتيبات السلطة داخل الأسرة المالكة
بالنسبة لترتيبات السلطة، فكما كتبت مؤخراً الصحافية الأميركية المخضرمة كارين اليوت هيوز في مقال عن المملكة تحت عنوان: «الفوضى القادمة من الشرق الأوسط»، فإن الأسرة المالكة لا بد ان تحسم موضوع انتقال السلطة للجيل الثاني أو حتى الثالث بالنظر إلى ان الكثير من أمراء الجيل الثاني متقدمين في السن. أهمية قضية العمر والشيخوخة داخل الأسرة المالكة لا تقتصر فقط على مشكلة المرض والوفاة المفاجئة وما قد يترتب على ذلك من اضطراب، بل تتعدى ذلك إلى عدم قدرة القيادة المتقدمة في العمر ـ ولأسباب طبيعية خالصة ـ ان تتعاطى مع الإشكالات المتعددة التي تواجه المجتمع السعودي الشاب أو حتى التعامل مع ما يجري من حولنا من تحولات كبيرة. فالشيخوخة ـ وحسب الأبحاث الطبية ـ تحد من قدرة الشخص، سواء كان مواطناً عادياً أم ملكاً متوجا، على إدراك ما حوله من واقع معقد، وهذه كما قلنا مسألة طبيعية تحدث حتى على مستوى الأسر، ولكن خطورتها تتعاظم حين تكون متعلقة بحكم دولة وإدارتها داخليا وخارجيا، فكيف إذا كانت دولة بحجم المملكة ذات الثقل الاقتصادي والسياسي الكبير إقليميا ودوليا.
قد يقول البعض ان هذه المشكلة قد حلت بعد تأسيس هيئة البيعة. ونرد على هؤلاء بأننا أيضاً كنا نأمل ذلك، إلا ان طريقة التعاطي مع ولاية العهد بعد وفاة الأمير سلطان والأمير نايف تظهر ان توقعاتنا لم تكن صحيحة، ففي الحالة الأولى انفرد الملك باختيار ولي العد واكتفى بمجرد إشعار الهيئة، أما في الحالة الثانية فلم ترد أي اشارة للهيئة. وإذا كان هذا هو حال الهيئة مع الملك عبد الله وهو من أمر بتأسيسها فما الذي يمكن ان نتوقعه منها بعده؟
وبنظرة سريعة على قائمة الأحياء من ابناء الملك عبد العزيز الذين يحق لهم تولي الملك وفق الشطر الأول من المادة الثانية من النظام الأساسي للحكم الصادر عام 1412هـ التي تنص على ان «يكون الحكم في أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء»، نجد ان عدد من يمكن ان يتولى الملك من أبناء المؤسس هم 14 أميراً. ولكن وحين نطبق الشطر الأخير من ذات المادة والذي يقول «ويبايع الأصلح منهم للحكم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم «نجد ان هذا العدد ـ في حال استثنينا الأميرين سلمان وأحمد لأنهما في طريقهما لتولي الملك ـ يتقلص وبشكل مذهل إلى أمير واحد فقط وهو الأمير مقرن. ونشير إلى ان معيار الصلاحية الذي اخترناه هنا يتمثل في ثلاثة شروط هي: (1) الصحة (2) الخبرة الإدارية (3) القبول الشعبي. هذا الأخير بالطبع ليس شرطاً ولكن الملاحظ ان الأسرة المالكة تراعي ذلك وهو ما يفسر تخطي بعض الأمراء تاريخيا.
إذا نحن امام شخص واحد فقط من ابناء الملك عبد العزيز الذي يمكن ان تنطبق عليه شروط تولي الملك وهو الأمير مقرن، رغم ان هناك من يشير إلى إشكالية تواجه الأمير مقرن وتتمثل في القبول داخل الأسرة المالكة لأسباب خاصة بها. المؤكد إذا ان المملكة ستنتقل خلال سنوات قليلة إلى الجيل الثاني أو حتى الثالث. هنا تتأكد ضرورة مبادرة الأسرة لحل هذا الإشكال من الآن وعدم تركه للزمن. اختيار من يتولى الحكم ليس أمراً سهلاً لذلك نرى أهمية استثمار وجود الشخصيات الثلاث الأكثر تأثيراً داخل الأسرة وهم الملك والأمير سلمان والأمير مشعل لتحديد مسار الحكم لعشرين أو ثلاثين سنة قادمة. لا بد إذاً من التوافق داخل الأسرة المالكة وبرعاية من الملك ودعم من الأميرين مشعل وسلمان على اسماء الأصلح من الأحفاد لتولي الحكم بعد الأمير أحمد وذلك لضمان الاستقرار في مؤسسة الحكم لثلاثة عقود قادمة على الأقل.
وفي حال لم تبادر الأسرة المالكة إلى استثمار وجود هذه الشخصيات الثلاث ذات التأثير الكبير في أفرادها، فأخشى اننا لن نضمن تحقق توافق على من يتولى الحكم بعد الأمير أحمد، وهذا يسبب قلقاً كبيراً ليس داخل الأسرة فقط، بل للمملكة ككل، فاستقرار الدولة مبني بالدرجة الأولى على استقرار الحكم.
(2) الإصلاح السياسي
معلوم ان سبب الثورات التي تشهدها عدد من الدول العربية هو الركود السياسي والانفراد بالسلطة وتغييب الشعب عن المشاركة في إدارة شؤونه العامة. وكما أثبتت الثورات الشعبية ان الدول العربية لم تكن استثناء من موجات الديموقراطية التي هبت على أنحاء كثيرة من العالم كما كان البعض يظن، فإن المملكة ليست استثناء من التحولات التي تعيشها الدول العربية.
وهناك مؤشرات تدل على ذلك وتظهر رغبة متنامية من الشعب في المشاركة في السلطة من خلال انتخابات لمجلس الشورى وتوسيع صلاحياته بل وحتى البدء في الانتقال التدريجي إلى مرحلة الحكم الشعبي أولا بفصل مؤسسة الملك عن السلطة التنفيذية، وثانيا بتعزيز مشاركة الشعب في السلطة التنفيذية من خلال تعيين مواطنين مؤهلين نواباً لرئيس مجلس الوزراء، وبصلاحيات حقيقية، وتقليص مشاركة الأسرة المالكة في المناصب الوزارية. ما يحدث من حولنا يشير إلى ان هذا التحول قادم وإن تأخر، لذلك فمن الانسب ان تبادر الأسرة المالكة إلى تبني مشروع اصلاح سياسي حقيقي لا شكلي يمنحها قدرة على صياغة التغيير القادم بدلاً من مواجهته.
(3) مكافحة الفساد
يعد الفساد أساس سائر المشاكل التي تواجه المملكة اليوم سواء تمثلت في تردي الأحوال المعيشية أم سوء الخدمات أم البطالة أم حالة الاحتقان المتنامية والناجمة عن هذه المشاكل. ورغم ان الفساد موجود في معظم الدول، إلا ان الفساد المالي في المملكة يمثل حالة خاصة، والسبب ان هذا الفساد حرم المواطنين من الاستفادة الحقيقية من الثروات المالية الضخمة والدخل السنوي الهائل من النفط، الذي يعد حالة استثنائية في التاريخ.
ان جزءاً كبيرا من الثروة المالية الطائلة، يتآكل بسرعة وليس له تعويض وستكون الأجيال القادمة الخاسر الأكبر. وذلك كله بسبب الفساد المالي المستشري والذي لا يمكن معالجته والتصدي له من دون وجود رقابة مستقلة.
فالأجهزة الرقابية الحالية ومهما تمتعت به من صلاحيات وكثر عددها، فلن تنجح في محاربة الفساد لسبب بسيط، هو انها مرتبطة بالسلطة التنفيذية التي تمثل بعض مؤسساتها المصدر الرئيس للفساد. وحتى لو ارتبطت هذه الاجهزة بالملك مثل هيئة مكافحة الفساد، فهي لن تستطيع التعامل مع قضايا الفساد الكبرى نظراً لعدم استقلاليتها عن السلطة التنفيذية، حيث ان الملك هو رئيس مجلس الوزراء الذي يعد السلطة التنفيذية في المملكة.
(4) منح حقوق المواطنة الكاملة للشيعة
رغم ان المواطنين الشيعة لا يشكلون سوى نسبة صغيرة من سكان المملكة لا تتجاوز 7 في المئة، إلا ان وضعهم الراهن يعد مصدر قلق على استقرار المملكة ويتطلب قرارات شجاعة تنطلق من اعتراف بمعاناتهم بسبب ممارسة التمييز والإقصاء ضدهم، والعمل على انهاء هذه المعاناة من خلال تبني سياسة اندماج وطني تمنحهم حقوق المواطنة الكاملة أسوة بغيرهم من المواطنين.
ولعل الغريب في وضع الشيعة في المملكة، هو انهم يعانون من التمييز والإقصاء رغم عدم وجود سياسة رسمية تشرع ذلك، بل ان الموقف الرسمي ـ وباستثناءات قليلة ـ ينظر إليهم بشكل عادل ويؤكد دائما حقهم في المواطنة الكاملة. مصدر التمييز والإقصاء ضد الشيعة، هو ثقافة الكراهية التي تنامت بشكل كبير خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وتعمل المؤسسة الدينية من خلال كل القنوات المتاحة على نشرها بتبديعهم (من بدعة) بل وتكفيرهم، وهذا ما يؤسس للنظرة السلبية ضدهم وانتشار مشاعر الكراهية لهم في المجتمع بشكل عام.
هذه الثقافة المعادية للشيعة هي سبب ممارسات التمييز ضدهم التي يلقونها في كل المؤسسات والأجهزة الحكومية، وهي ممارسات منتشرة حتى بين صغار الموظفين دون شعور بأنها ممارسات خاطئة. بل ان الكثير يعتقد انهم وبتضييقهم على مواطن شيعي سواء في فرصة وظيفية أم تعليمية أم غيرها يقوم بواجب ديني وذلك بسبب ترسخ ثقافة التحريض ضدهم. ويجد هؤلاء الموظفون ما يؤكد صحة سلوكهم المعادي ضد الشيعة في عدم تعرض أي موظف للمساءلة، حتى لو تقدم مواطن شيعي بشكوى ضده، وهو ما يولد شعوراً لدى الموظف والمواطن الشيعي المنتهك حقه على حد سواء بأن كبار المسؤولين يقبلون هذه السلوكيات ويجيزونها.
لذلك، نؤكد انه وبدون معالجة عادلة لملف الشيعة، فإننا لا يمكن ان نطمئن على مستقبل المملكة خاصة في ظل نظام دولي يعلي من شأن حقوق الأقليات ودعمها. لا بد من اتخاذ قرار شجاع ومنح الشيعة حقوق المواطنة الكاملة وتجريم التحريض ضدهم، وتبني سياسة وطنية تتحقق بالمساواة للجميع دون تمييز. هذه السياسة ستجد معارضة «صوتية» والكثير من الضجيج والتهويل من بعض الفئات المتشددة. ولكن مصلحة الوطن أهم وأكبر من أي صوت أو اتجاه منغلق سواء جاء من الشارع أم من داخل المؤسسة الدينية ذاتها، وستنجح المملكة بإذن الله في تجاوز هذه المعارضة كما حدث في حالات مشابهة في السابق.
(5) إنهاء ملف الموقوفين على ذمة قضايا أمنية
لم يتحرك الشارع السعودي ويتعاطف مع قضية مثل قضية الموقوفين أمنيا الذين يقدرهم عددهم ـ حسب بعض الناشطين ـ بعشرات آلاف، بعضهم موقوف منذ عشر سنوات دون حكم قضائي، وآخرون لا يزالون رغم انتهاء محكوميتهم. أهالي هؤلاء الموقوفين ومناصروهم، وبعد ان فشلت محاولاتهم بإقناع المسؤولين بإطلاق سراح أبنائهم أو إحالتهم للقضاء أو حتى معرفة التهم الموجهة لهم، خرجوا إلى الشارع في تظاهرات واعتصامات أصبحت محل اهتمام وسائل الإعلام الأجنبي.
خلاصة الأمر ان المملكة تتمتع اليوم بالكثير من المقومات والفرص التي تمكنها من ضمان استمرار الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي، ولكن هذا الأمر مشروط بسرعة التحرك نحو معالجة هذه التحديات الخمسة بقرارات شجاعة.
وأختم هذه الصفحات بنظرة متفائلة للمستقبل تراهن على حكمة القيادة التي جنبت المملكة تاريخيا الكثير من المشاكل والتحديات وجعلتها واحة استقرار في بحر مضطرب. ولكن السؤال المهم هو هل تستطيع المملكة ان تصمد امام أمواج الربيع العربي الصاخبة؟
المصدر:
http://www.alahednews.com.lb/essayde...d=71292&cid=55
تعليق