إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

هـل الـسـعــوديـــة فـي خـطــر؟

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • هـل الـسـعــوديـــة فـي خـطــر؟

    9/2/2013


    هـل الـسـعــوديـــة فـي خـطــر؟



    أبرز مؤشرات الأزمة في المملكة، تردي الأحوال المعيشية لنسبة كبيرة من المواطنين وارتفاع معدلات البطالة، وكسر حاجز الخوف على المستوى الشعبي، حيث أصبح الكثير من الأفراد يتحدثون بلغة جريئة غير مسبوقة، ما شكّل حالة جماعية تتسع دائرتها، مطالبة بالتغيير.

    بعد سنتين تقريباً من بدء الثورات العربية، تعيش المملكة حالة من الاستقرار السياسي وطفرة اقتصادية جعلت من مدن المملكة ورشة عمل لا تتوقف شبيهة بالطفرة الأولى في نهاية السبعينيات، على الرغم من الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها اغلب دول العالم. ولكن لا بد من التنبيه إلى عدد من المؤشرات إلى احتمالات أن تواجه المملكة أزمة عميقة خلال السنوات القليلة القادمة في حال لم تبادر القيادة إلى معالجة خمس قضايا رئيسة وملحة.

    ومن بين أبرز المؤشرات على الأزمة القادمة نذكر على سبيل المثال وليس الحصر: (1) تردي الأحوال المعيشية لنسبة كبيرة من المواطنين، (2) ارتفاع معدلات البطالة، (3) كسر حاجز الخوف على المستوى الشعبي حيث أصبح الكثير من الأفراد يتحدثون بلغة جرئية غير مسبوقة ـ وحادة أحياناً ـ ولا يتوقفون عند حد في نقدهم الصريح ومطالباتهم بالتغيير. والملاحظ ان الانتقادات الموجهة للحكومة في مسائل مختلفة لم تعد تتم بشكل فردي، بل أصبحت تمثل حالة جماعية تتسع دائرتها باستمرار. هذه مؤشرات لا يمكن لعاقل يهمه مستقبل المملكة ويحرص على استقرارها أن يتجاهلها.

    أما القضايا الخمس التي تتطلب معالجات حاسمة وقرارات شجاعة لكي تتجنب المملكة دخول نفق يصعب الخروج منه فتتمثل في ما يلي:


    1ـ ترتيبات السلطة داخل الأسرة المالكة
    2ـ الإصلاح السياسي
    3ـ مكافحة الفساد
    4ـ منح حقوق المواطنة الكاملة للشيعة
    5ـ إنهاء ملف الموقوفين على ذمة قضايا أمنية

    (1) ترتيبات السلطة داخل الأسرة المالكة

    بالنسبة لترتيبات السلطة، فكما كتبت مؤخراً الصحافية الأميركية المخضرمة كارين اليوت هيوز في مقال عن المملكة تحت عنوان: «الفوضى القادمة من الشرق الأوسط»، فإن الأسرة المالكة لا بد ان تحسم موضوع انتقال السلطة للجيل الثاني أو حتى الثالث بالنظر إلى ان الكثير من أمراء الجيل الثاني متقدمين في السن. أهمية قضية العمر والشيخوخة داخل الأسرة المالكة لا تقتصر فقط على مشكلة المرض والوفاة المفاجئة وما قد يترتب على ذلك من اضطراب، بل تتعدى ذلك إلى عدم قدرة القيادة المتقدمة في العمر ـ ولأسباب طبيعية خالصة ـ ان تتعاطى مع الإشكالات المتعددة التي تواجه المجتمع السعودي الشاب أو حتى التعامل مع ما يجري من حولنا من تحولات كبيرة. فالشيخوخة ـ وحسب الأبحاث الطبية ـ تحد من قدرة الشخص، سواء كان مواطناً عادياً أم ملكاً متوجا، على إدراك ما حوله من واقع معقد، وهذه كما قلنا مسألة طبيعية تحدث حتى على مستوى الأسر، ولكن خطورتها تتعاظم حين تكون متعلقة بحكم دولة وإدارتها داخليا وخارجيا، فكيف إذا كانت دولة بحجم المملكة ذات الثقل الاقتصادي والسياسي الكبير إقليميا ودوليا.

    قد يقول البعض ان هذه المشكلة قد حلت بعد تأسيس هيئة البيعة. ونرد على هؤلاء بأننا أيضاً كنا نأمل ذلك، إلا ان طريقة التعاطي مع ولاية العهد بعد وفاة الأمير سلطان والأمير نايف تظهر ان توقعاتنا لم تكن صحيحة، ففي الحالة الأولى انفرد الملك باختيار ولي العد واكتفى بمجرد إشعار الهيئة، أما في الحالة الثانية فلم ترد أي اشارة للهيئة. وإذا كان هذا هو حال الهيئة مع الملك عبد الله وهو من أمر بتأسيسها فما الذي يمكن ان نتوقعه منها بعده؟

    وبنظرة سريعة على قائمة الأحياء من ابناء الملك عبد العزيز الذين يحق لهم تولي الملك وفق الشطر الأول من المادة الثانية من النظام الأساسي للحكم الصادر عام 1412هـ التي تنص على ان «يكون الحكم في أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء»، نجد ان عدد من يمكن ان يتولى الملك من أبناء المؤسس هم 14 أميراً. ولكن وحين نطبق الشطر الأخير من ذات المادة والذي يقول «ويبايع الأصلح منهم للحكم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم «نجد ان هذا العدد ـ في حال استثنينا الأميرين سلمان وأحمد لأنهما في طريقهما لتولي الملك ـ يتقلص وبشكل مذهل إلى أمير واحد فقط وهو الأمير مقرن. ونشير إلى ان معيار الصلاحية الذي اخترناه هنا يتمثل في ثلاثة شروط هي: (1) الصحة (2) الخبرة الإدارية (3) القبول الشعبي. هذا الأخير بالطبع ليس شرطاً ولكن الملاحظ ان الأسرة المالكة تراعي ذلك وهو ما يفسر تخطي بعض الأمراء تاريخيا.

    إذا نحن امام شخص واحد فقط من ابناء الملك عبد العزيز الذي يمكن ان تنطبق عليه شروط تولي الملك وهو الأمير مقرن، رغم ان هناك من يشير إلى إشكالية تواجه الأمير مقرن وتتمثل في القبول داخل الأسرة المالكة لأسباب خاصة بها. المؤكد إذا ان المملكة ستنتقل خلال سنوات قليلة إلى الجيل الثاني أو حتى الثالث. هنا تتأكد ضرورة مبادرة الأسرة لحل هذا الإشكال من الآن وعدم تركه للزمن. اختيار من يتولى الحكم ليس أمراً سهلاً لذلك نرى أهمية استثمار وجود الشخصيات الثلاث الأكثر تأثيراً داخل الأسرة وهم الملك والأمير سلمان والأمير مشعل لتحديد مسار الحكم لعشرين أو ثلاثين سنة قادمة. لا بد إذاً من التوافق داخل الأسرة المالكة وبرعاية من الملك ودعم من الأميرين مشعل وسلمان على اسماء الأصلح من الأحفاد لتولي الحكم بعد الأمير أحمد وذلك لضمان الاستقرار في مؤسسة الحكم لثلاثة عقود قادمة على الأقل.

    وفي حال لم تبادر الأسرة المالكة إلى استثمار وجود هذه الشخصيات الثلاث ذات التأثير الكبير في أفرادها، فأخشى اننا لن نضمن تحقق توافق على من يتولى الحكم بعد الأمير أحمد، وهذا يسبب قلقاً كبيراً ليس داخل الأسرة فقط، بل للمملكة ككل، فاستقرار الدولة مبني بالدرجة الأولى على استقرار الحكم.

    (2) الإصلاح السياسي

    معلوم ان سبب الثورات التي تشهدها عدد من الدول العربية هو الركود السياسي والانفراد بالسلطة وتغييب الشعب عن المشاركة في إدارة شؤونه العامة. وكما أثبتت الثورات الشعبية ان الدول العربية لم تكن استثناء من موجات الديموقراطية التي هبت على أنحاء كثيرة من العالم كما كان البعض يظن، فإن المملكة ليست استثناء من التحولات التي تعيشها الدول العربية.

    وهناك مؤشرات تدل على ذلك وتظهر رغبة متنامية من الشعب في المشاركة في السلطة من خلال انتخابات لمجلس الشورى وتوسيع صلاحياته بل وحتى البدء في الانتقال التدريجي إلى مرحلة الحكم الشعبي أولا بفصل مؤسسة الملك عن السلطة التنفيذية، وثانيا بتعزيز مشاركة الشعب في السلطة التنفيذية من خلال تعيين مواطنين مؤهلين نواباً لرئيس مجلس الوزراء، وبصلاحيات حقيقية، وتقليص مشاركة الأسرة المالكة في المناصب الوزارية. ما يحدث من حولنا يشير إلى ان هذا التحول قادم وإن تأخر، لذلك فمن الانسب ان تبادر الأسرة المالكة إلى تبني مشروع اصلاح سياسي حقيقي لا شكلي يمنحها قدرة على صياغة التغيير القادم بدلاً من مواجهته.

    (3) مكافحة الفساد

    يعد الفساد أساس سائر المشاكل التي تواجه المملكة اليوم سواء تمثلت في تردي الأحوال المعيشية أم سوء الخدمات أم البطالة أم حالة الاحتقان المتنامية والناجمة عن هذه المشاكل. ورغم ان الفساد موجود في معظم الدول، إلا ان الفساد المالي في المملكة يمثل حالة خاصة، والسبب ان هذا الفساد حرم المواطنين من الاستفادة الحقيقية من الثروات المالية الضخمة والدخل السنوي الهائل من النفط، الذي يعد حالة استثنائية في التاريخ.

    ان جزءاً كبيرا من الثروة المالية الطائلة، يتآكل بسرعة وليس له تعويض وستكون الأجيال القادمة الخاسر الأكبر. وذلك كله بسبب الفساد المالي المستشري والذي لا يمكن معالجته والتصدي له من دون وجود رقابة مستقلة.

    فالأجهزة الرقابية الحالية ومهما تمتعت به من صلاحيات وكثر عددها، فلن تنجح في محاربة الفساد لسبب بسيط، هو انها مرتبطة بالسلطة التنفيذية التي تمثل بعض مؤسساتها المصدر الرئيس للفساد. وحتى لو ارتبطت هذه الاجهزة بالملك مثل هيئة مكافحة الفساد، فهي لن تستطيع التعامل مع قضايا الفساد الكبرى نظراً لعدم استقلاليتها عن السلطة التنفيذية، حيث ان الملك هو رئيس مجلس الوزراء الذي يعد السلطة التنفيذية في المملكة.

    (4) منح حقوق المواطنة الكاملة للشيعة

    رغم ان المواطنين الشيعة لا يشكلون سوى نسبة صغيرة من سكان المملكة لا تتجاوز 7 في المئة، إلا ان وضعهم الراهن يعد مصدر قلق على استقرار المملكة ويتطلب قرارات شجاعة تنطلق من اعتراف بمعاناتهم بسبب ممارسة التمييز والإقصاء ضدهم، والعمل على انهاء هذه المعاناة من خلال تبني سياسة اندماج وطني تمنحهم حقوق المواطنة الكاملة أسوة بغيرهم من المواطنين.

    ولعل الغريب في وضع الشيعة في المملكة، هو انهم يعانون من التمييز والإقصاء رغم عدم وجود سياسة رسمية تشرع ذلك، بل ان الموقف الرسمي ـ وباستثناءات قليلة ـ ينظر إليهم بشكل عادل ويؤكد دائما حقهم في المواطنة الكاملة. مصدر التمييز والإقصاء ضد الشيعة، هو ثقافة الكراهية التي تنامت بشكل كبير خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وتعمل المؤسسة الدينية من خلال كل القنوات المتاحة على نشرها بتبديعهم (من بدعة) بل وتكفيرهم، وهذا ما يؤسس للنظرة السلبية ضدهم وانتشار مشاعر الكراهية لهم في المجتمع بشكل عام.

    هذه الثقافة المعادية للشيعة هي سبب ممارسات التمييز ضدهم التي يلقونها في كل المؤسسات والأجهزة الحكومية، وهي ممارسات منتشرة حتى بين صغار الموظفين دون شعور بأنها ممارسات خاطئة. بل ان الكثير يعتقد انهم وبتضييقهم على مواطن شيعي سواء في فرصة وظيفية أم تعليمية أم غيرها يقوم بواجب ديني وذلك بسبب ترسخ ثقافة التحريض ضدهم. ويجد هؤلاء الموظفون ما يؤكد صحة سلوكهم المعادي ضد الشيعة في عدم تعرض أي موظف للمساءلة، حتى لو تقدم مواطن شيعي بشكوى ضده، وهو ما يولد شعوراً لدى الموظف والمواطن الشيعي المنتهك حقه على حد سواء بأن كبار المسؤولين يقبلون هذه السلوكيات ويجيزونها.


    لذلك، نؤكد انه وبدون معالجة عادلة لملف الشيعة، فإننا لا يمكن ان نطمئن على مستقبل المملكة خاصة في ظل نظام دولي يعلي من شأن حقوق الأقليات ودعمها. لا بد من اتخاذ قرار شجاع ومنح الشيعة حقوق المواطنة الكاملة وتجريم التحريض ضدهم، وتبني سياسة وطنية تتحقق بالمساواة للجميع دون تمييز. هذه السياسة ستجد معارضة «صوتية» والكثير من الضجيج والتهويل من بعض الفئات المتشددة. ولكن مصلحة الوطن أهم وأكبر من أي صوت أو اتجاه منغلق سواء جاء من الشارع أم من داخل المؤسسة الدينية ذاتها، وستنجح المملكة بإذن الله في تجاوز هذه المعارضة كما حدث في حالات مشابهة في السابق.

    (5) إنهاء ملف الموقوفين على ذمة قضايا أمنية

    لم يتحرك الشارع السعودي ويتعاطف مع قضية مثل قضية الموقوفين أمنيا الذين يقدرهم عددهم ـ حسب بعض الناشطين ـ بعشرات آلاف، بعضهم موقوف منذ عشر سنوات دون حكم قضائي، وآخرون لا يزالون رغم انتهاء محكوميتهم. أهالي هؤلاء الموقوفين ومناصروهم، وبعد ان فشلت محاولاتهم بإقناع المسؤولين بإطلاق سراح أبنائهم أو إحالتهم للقضاء أو حتى معرفة التهم الموجهة لهم، خرجوا إلى الشارع في تظاهرات واعتصامات أصبحت محل اهتمام وسائل الإعلام الأجنبي.

    خلاصة الأمر ان المملكة تتمتع اليوم بالكثير من المقومات والفرص التي تمكنها من ضمان استمرار الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي، ولكن هذا الأمر مشروط بسرعة التحرك نحو معالجة هذه التحديات الخمسة بقرارات شجاعة.

    وأختم هذه الصفحات بنظرة متفائلة للمستقبل تراهن على حكمة القيادة التي جنبت المملكة تاريخيا الكثير من المشاكل والتحديات وجعلتها واحة استقرار في بحر مضطرب. ولكن السؤال المهم هو هل تستطيع المملكة ان تصمد امام أمواج الربيع العربي الصاخبة؟


    المصدر:
    http://www.alahednews.com.lb/essayde...d=71292&cid=55

  • #2
    تعديل

    الشيعة في السعودية ليسوا 7 % بل هم 20 % بالمائة وإذا ما تم إضافة الإسماعيلية في نجران يصبحون 24 %

    تعليق


    • #3
      يعد الفساد أساس سائر المشاكل التي تواجه المملكة اليوم سواء تمثلت في تردي الأحوال المعيشية أم سوء الخدمات أم البطالة أم حالة الاحتقان المتنامية والناجمة عن هذه المشاكل. ورغم ان الفساد موجود في معظم الدول، إلا ان الفساد المالي في المملكة يمثل حالة خاصة، والسبب ان هذا الفساد حرم المواطنين من الاستفادة الحقيقية من الثروات المالية الضخمة والدخل السنوي الهائل من النفط، الذي يعد حالة استثنائية في التاريخ.
      دولة خاوية ..الاصلاح لم يعد كافيا
      العلاج الوحيد هو استاصلها وتخليص القوم منها
      اي اصلاح يرجى من نظام يحتاج الى كل هذا الاصلاح ؟؟؟

      تعليق


      • #4
        11/2/2013


        مستقبل "النظام السعودي"المجهول يصنعه حاضرٌ غير سويّ


        امراء سعوديون
        بقلم: د. عبد العزيز الدخيل ـ الشرق

        لمستقبلُ يُولَد من بطن الحاضر؛ فالحاضر يصنعُ المستقبل. الحاضر غير السوي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً لابد أن يلد مستقبلاً مليئاً بالأمراض، متعدِّدَ المخاطر، مجهولَ الهوية.

        اغضبوا أولا تغضبوا؛ فهذه هي قراءتي لحاضرِنا.

        قولوا ما شئتُم، قولوا متشائمٌ؛ نعم! فأنا متشائم، أنا لا أرى شمساً ولا قمراً في سماء مستقبلِنا، وتسألونني مِن أين جاءتك هذه النبوءة عن مستقبلنا؟ فأقول لكم: حاضرنا هو الذي أنبأني بها، اسألوه إن كنتم لا تصدِّقُون. آسفٌ آسف، معذرة إخوتي، لقد نسيت! فنحن لا نعرف ما المستقبل؟!. لقد سقط هذا الزمن من مفرداتنا وأُلغِيَ من خارطة أفكارِنا، نحن سُكارى من خمر الحاضر، وبطونُنا منتفخةٌ من موائدِه. موائدُ إن لم تُستهلَكْ حالاً يُصبْها العفن، لا تعرف المستقبل، ولم تعد لكي تصل إليه. إنَّها موادُّ استهلاكيَّةٌ صُنعت خصيصاً للحاضر، عمرُها الزمني لا يتعدَّى حدوده وينقضي بانقضائه. نحن لا نسأل عن المستقبل؛ لأنَّنَا غارقون في وحل الحاضر، عقولنا بَطُل مفعولُها، وفقدت قدرتَها على التفكير خارجَ حدود الحاضر وتضاريسِه.

        نحن نعيش نعمة الحاضر الذي أوقف الزَّمنَ عند أقدامِه، وأوهمنا بنعمتِه وكرمِه، وأفهمنا أنه هو المستقبل، وهو الأبد. يسقينا الحاضر في الليل وفي النهار من خمرِ بتروله فنسكرُ ونمرحُ ونرقصُ ونغنِّي الأناشيدَ الوطنيَّةَ، ونرفع الصوت عالياً: بلادنا أنت ما مثلك بلد. وكلما استيقظ أحدُنا وهمَّ بالسؤال هبَّ الحاضر وأترعنا بمزيدٍ من بتروله الأسود، الذي سرعانَ ما يتحوَّلُ إلى دولارات ودنانير بفعل خلطة سعودية مسجَّل اختراعُها لنا؛ فهي من ضمن خصوصيتنا، فتنتفخ جيوبُنا، وتُقفَل عقولُنا التي لا نشعر أننا بحاجة إليها، فنحن سعداء بحالنا ومالنا، ونردد القول: الله لا يغيّر علينا.

        أنا واحد منكم، مشارك في كل خطاياكم وذنوبكم، إلا أنَّ خمرَكم لم يُسكرْني ويرحْني مثل ما أراحكم لأنعمَ مثلَكم بحياة التيه والنسيان واختصار الزمان في الحاضر من الأيام. ما أسعدَكم بعقولكم! وما أشقاني بعقلٍ رافضٍ مشاغبٍ كافرٍ بالنعمة يرفض أن يريحني لأريحكم من تشاؤمي بمستقبلٍ ترونه بعيداً وأراه قريباً! سألت عقلي المتمرِّدَ عليَّ وعلى النوم والراحة: ما الذي دعاك وأوصلك إلى هذا الخوف الشديد من المستقبل؟ ألا ترى ما نحن فيه من رَغَدِ العَيش وطيب المأكَل والمسكَن؟ صحيح أنَّ سيول البترول المتطايرة من أفواه آبار البترول تسيلُ في بعض الوديان المرتفعة ولا تنحدر إلى الوديان المنخفضة، وهذا عكس قانون الطبيعة، لكنَّنَا راضون مقتنعون، حتى وإن كان حالُنا مخالفاً لقوانين الطبيعة؛ فالقناعةُ كنزٌ لا يفنى. صحيحٌ أنَّه رغدٌ لا ينعم به ويستفيد منه كل المواطنين بشيء من العدل والمساواة، لكن حتى أولئك المحرومين راضون بحالِهم.

        صحيحٌ أنَّنَا لم نسألْهم، لكنْ هناك عديدٌ من الصحف والبرامج والمقالات والبيانات الرسمية وحتى الدولية التي تجيب عنهم، وتقول على لسانهم وبلغتهم «إنَّنا بخير وعافية.. راضون راضون». نحن أيها العقل الرافض الجاهل، أو المتجاهل لخصوصيَّتنا، ليس للسؤال مكانٌ في لغتنا، ولا للاعتراضِ وجودٌ في حياتنا. نحن لم نتعوَّدْ على السؤال، أو قل إنَّه ليسَ من خُصوصيَّتِنا السعوديَّة؛ فالإجابات – والحمد لله – جاهزةٌ بين أيدينا، وعلى ألسنتنا، لكي لا نشقى بعناء البحث عن الإجابة، وهذه من بَرَكَات النِّفط، الإجاباتُ تسرَّبُ إلينا وتُوضَعُ على ألسنتِنا، وتحتلُّ كلَّ مكان في عقولِنا قبلَ أن تصل إلينا رياح الأسئلة؛ لذا فإنه عندما يصل السؤال إلى العقل لا يجد له مكاناً البتة؛ فالأجوبة بكل ألوانها وأشكالها «شعراً ونثراً فقهاً وحكمةً» احتلت المكانَ كلَّ المكان، ولم يعد بالإمكان التفكير في المستقبل والقادم من الزمان.

        أليست هذه هي راحة البال أيها الشقي؟! نحن – أيها العقل الذي لا يشكر- تعلَّمنا أن يكون الحمدُ والشكرُ هو جوابنا الدائم، حتى وإن كنَّا نشعر بعدم الرضا، نحن يا سيدي تركنا العمل والجد والاجتهاد بعد أن فُتحت لنا خزائنُ الأرضِ بترولاً. دعْ عنك هذا المستقبل الذي أزعجتَنا به، ودعنا نعش حاضرنا ونسعد به، يكفينا التفاؤل والآمال والأحلام، فمَا نيلُ المطالبِ إلا بالتَّمنِّي، والدنيا لا تُدرَك غِلاباً، أيها الجاهل الشقي بعقله.

        أعود مرة أخرى إلى سؤالي: ما الذي دعاك وأوصلك أيها العقل المشاغب إلى حالة الإحباط هذه؟ انتفض العقل وقال: اسمع أيها الغائب عن رؤية مستقبلك، أيها التائه في بلايين دولاراتك النفطية دعْني أمر مرور الكرام على واقع حالك؛ لأريَك إن كنتَ ترى، وأُسمعَك إن كنتَ تسمع، وأبيِّنَ لك إن كنتَ تعقل أنَّ حاضرك قائمٌ بنيانُه على ثروات زائلة متلاشية، وأنَّ مستقبلَك سرابٌ تحسبه شيئاً فإن جئته فلن تجد فيه شيئاً.

        دعْنِي إن سمحتَ لي ورغبتَ أن تُصغيَ لحديثي أن أمرَّ مرورَ الكرام على ثلاث قواعد أساسيَّة في حياتك اليومية وواقعك المعاش وهي: واقعُك السياسي وواقعُك الاجتماعي وواقعُك الاقتصادي. قلت: هات، فقال: حاول أن تفهمَ وتستوعبَ وتُدركَ ما أقول، ولو أنني أعلمُ أنك لا تدرك جيداً العلاقة بين الحاضر والمستقبل؛ حيث المستقبل يُولَد من رحم الحاضر، لكنني لم أفقد الأمل فيك علَّ وعسى في ذلك العقل خليَّةً استعصت على النوم، وتعلقت بإرادة الحياة. قلت له: مشكورٌ على هذا الاستهزاء، لكنني سأصبر وأستمع؛ علَّني أستفيدُ منك شيئاً، قال:

        في الجانب السياسي:
        إرادة الفعل والنقض والتغيير والبناء والتطوير والتحديث هي إرادة الحكومة، أمَّا كلُّ إرادتكم الجمعية ومعها عقولكم الذكية ومهاراتكم المهنية وأفكاركم الجهنمية والعادية فهي خارج دائرة القرار الفاعل، وأرجو أن تركز معي، فأنا أقول «القرار الهام والفاعل والاستراتيجي»، وليس «القرار العادي الإداري» وما في حكمه. أنا أقول إنه لا يوجد في بنائكم السياسي الحاضر قاعدة أساسية صالحة وقادرة على التطور والنضج تكون رافداً ومؤسساً لمستقبل أفضل. قلت: لم أفهم، قال: سأوضِّحُ رغمَ أنني أخشى أنك لن تفهم!. قلت: كفى. قال: إنَّني أقول إنه ليس لديكم – كشعب – إطارٌ سياسيٌّ يمثلُكم ويعبِّرُ عن آرائكم ورغباتكم وخوفكم وآمالكم ومستقبلكم، إطار يكون عوناً لمن تشرَّف بحكمكم ونال ثقتكم وأصبح وليَّ الأمر عليكم. قلت: أيها العقل، أنت لست فقط جاهلاً بحالِنا وما نحن فيه من سعادة نُحسَدُ عليها؛ ولكنك لا تقرأ ولا تتابع الأخبار والتطورات. ألم تعلم أن لدينا مجلساً للشورى ضُمَّ إليه مؤخراً ثلاثون امرأة، فأصبحنا أكثر تحرراً وتقدماً من كثير من الدول بما فيها بعض الدول المتقدمة؟

        قال: على رِسْلِك، «ألم أقلْ لكَ إنَّكَ لن تستطيعَ مَعِيَ صَبْراً». أرجوك، لا تحدثْني عن مجلس الشورى، قديمه أو حديثه؛ فهذا لم أعنِ. مجلس الشورى، يا أخي، أياً كان مَن فيه لم يوجد ليمثل إرادة الشعب، وإنما وُجد ليمثل إرادة الدولة، أفهمت أيها الذكي؟ أنا أقول إنه ليس لديكم مجلس ممثِّلٌ للأمة بجميع شرائحها وطوائفها ومناطقها ومذاهبها ورجالها ونسائها، منتخَب من الشعب انتخاباً حراً نزيهاً. فالمجلس المنتخب هو القاعدة الأساسية لبناء نظام سياسي يعبِّرُ عن آمال الأمة وآلامها، نظامٌ يشارك فيه الشعب بفعالية وجدية مع القيادة الحاكمة في بناء حاضر على أسس صالحة وقوية تؤسِّسُ لمستقبل أفضل وأقوى. الموضوع في هذا الجانب يطول لكنني أكتفي بهذا القدر منه.


        في الجانب الاجتماعي:
        أما في الجانب الاجتماعي، فقد غيرت الثروة البترولية كثيراً من خصالكم الاجتماعية الجيِّدة الأصيلة واستبدلتموها بخصال «بترولية» طغى فيها الاستهلاكُ على الإنتاج، والكسلُ على العمل، والفسادُ على الأمانة، والمخدراتُ على الوعي الصحي والفكري، جعلتم الركضَ وراء النساء إمَّا لاستعبادِهنَّ أو إخفائِهنَّ عنواناً لإصلاحكم الاجتماعي، وأصبح جمعُ المال بغير وجه حقٍّ ظلماً كان أو فساداً شائعاً في دياركم. لم يعد للمال العام حرمته، شبّكتم الصحاري والقفار بعد المدن والشواطئ. تفرقتم شِيَعاً وقبائل وطوائف ومذاهب. نظامُكم التعليمي يتعثر، يتقدم العالم وهو يتأخر، فكان مِن ويلاته البطالة والجهل المستتر، المشكلة أنَّ وزراء العمل عندكم ليست لديهم الشجاعة ليعترفوا أنَّ كثرة المكوِّن الأدبي والفقهي على حساب قلة وضعف المكوِّن العلمي والتكنولوجي في مناهجكم التعليمية هي من أهم أسباب البطالة الصريحة والمقنعة عندكم.

        في الجانب الاقتصادي:
        وهنا حدِّثْ ولا حرج. دعني أؤكدْ في البداية أنَّ الاقتصاد يقعُ محلَّ القلب في جسم الإنسان، إن خرب خرب الجسدُ كلُّه، وتوقف الدم النقي عن الانسياب في شرايينه، والوصول إلى كل أطرافه، فتموت أو يصيبها الشلل. قلت: هذا صحيح، ولكن المهم في الأمر الآن هو: هل اقتصادنا – أعني قلبَنا على حد تعبيرك – سليمٌ قويٌّ يهيئ لنا وسائل العيش الكريم حاضراً ومستقبل، خصوصاً ونحن شعب يزدادُ كلَّ دقيقةٍ؛ فمعدلات النمو السكاني لدينا من أكبر المعدلات في العالم؟ قال: كم أنا سعيد بهذا السؤال يبدو أنك بدأت تفهم خطورة واقعك. لا، لا أريد أن أكون متفائلاً أكثر من اللازم، أقصد أنك بدأت تطرح السؤال الصحيح، وهذا في حد ذاته مهمٌّ جداً، وأجدادكم يقولون: مَن سأل ما ضاع.

        يا سيدي قلبكم ينبُضُ في كل يوم حوالي عشرة ملايين برميل من البترول، تغمر أجزاءً من أرضكم حتى الغرق، وتمطر فوق أجزاء، وتمرُّ مرَّ السحاب فوق أخرى. فلنترك موضوع التوزيع العادل للثروة جانباً فقد يكون هذا صعباً عليك فهمُه، فالمهم الآن هو أن هذه الثروة البترولية والأموال الناجمة عن استنزافها هي التي تمول أكثر من 90٪ مِن نفقات ميزانيتكم الحكومية التي منها التعليم والصحة والطرق والدفاع والأمن ورواتب الموظفين والمشاريع والمياه والكهرباء والصناعة والزراعة والمواصلات والموانئ وأمورٌ أخرى مستترة.

        هذه الثروة يا أخي الغافل ناضبةٌ منتهية، إن آجلاً أو عاجلاً. كم أنا عاجز عن فهم صمتكم وسكونكم وسكوتكم، لم تقلقكم وتقض مضاجعكم هذه الحقيقة الجيولوجية الاقتصادية، وظللتم في غيِّكم واستهلاكِكُم المتسارع لثروتكم الوطنية سائرين، وعن بناء رأسمال وطني بديل نائمين. فهل تعلمون أو تفكرون أو تتخيلون كيف يكون حالكم وحال أجيالكم عندما يقف قلبكم البترولي عن ضخ دم يكفيكم ويسد حاجتكم؟ سيكون الأمر صعباً صعباً. قلت لهذا العقل الثرثار (الملقوف): مالنا ومال الأجيال القادمة؟! اللي رزقنا يرزقهم.

        نظر العقل إليَّ باشمئزاز وقال: (أولاً) هذه الثروة ليست لكم وحدَكم لكي تبددوها وتستهلكوها. هي لكم ولأجيالكم القادمة، كلٌّ يأخذ بقدر حاجته وقدرته على استثمار عوائدها لإنتاج أصول رأسمالية منتجة. (ثانياً) الأجيال هي طفلك الذي وُلد بالأمس وطفل ابنك وابنتك القادم. أفق من هذه الأنانية وهدر أموال الشعب السعودي من جيلكم والأجيال القادمة. أنتم الآن يا سيدي أمام فرصة ذهبية أضعتم جزءاً منها، وإن لم تصلحوا حالَكم فيما بقي من الزمن؛ فإنَّكم لا محالة إلى الفقر ذاهبون، وإلى الهاوية بأقدامكم سائرون. أبدلوا أقدامَكم بعقولكم تسيروا في الاتجاه الصحيح ويصلح حالكم.

        المصدر:
        http://www.alalam.ir/news/1445047
        التعديل الأخير تم بواسطة ابوبرير; الساعة 12-02-2013, 10:02 PM.

        تعليق

        المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
        حفظ-تلقائي
        x

        رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

        صورة التسجيل تحديث الصورة

        اقرأ في منتديات يا حسين

        تقليص

        المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
        أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 09:44 PM
        استجابة 1
        10 مشاهدات
        0 معجبون
        آخر مشاركة ibrahim aly awaly
        بواسطة ibrahim aly awaly
         
        أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 07:21 AM
        ردود 2
        12 مشاهدات
        0 معجبون
        آخر مشاركة ibrahim aly awaly
        بواسطة ibrahim aly awaly
         
        يعمل...
        X