علل الفشل
نـــــــــــــــزارحيدر
نـــــــــــــــزارحيدر
عندماتاه الملك، ذات يوم، في الصحراء، وهو في رحلة صيد واستجمام، لم يكن معه الا خادمهوحماره.
فلماجن عليه الليل، وكان البرد قارسا، طلب من خادمه ان يبحث له، في تلك الصحراءالقاحلة، عن غطاء يتدثر به.
بحثالخادم عن اي شئ يلبي طلب الملك، فلم يجد الا (سرج الحمار) فهل يجرؤ على ان يقدمهللملك كغطاء يتدثر به؟ هل يعقل ذلك؟.عاد الى الملك ليخبره بانه لم يعثر على شئ.
طلبمنه الملك ان يبحث جيدا والا فانه سيموت من البرد في هذه الليلة الليلاء.ذهبالخادم مرة ثانية وثالثة ورابعة، وفي كل مرة يعود الى الملك ليخبره بان كلمحاولاته للعثور على شئ ما ليتدثر به باءت بالفشل، طبعا من دون ان يجرؤ على انيذكر له (سرج الحمار) الذي لا يليق بالخادم فما بالك بالملك.واخيرا، ولما راىالخادم الملك وقد استشاط غضبا وربما سيقتله اذا لم يات له بشئ ما، قرر مع نفسه انيخبره بالشئ الوحيد الذي عثر عليه، فقال للملك مترددا وخائفا مرعوبا، بانه لم يجدالا (سرج الحمار) ليستعمله غطاءا لهذه الليلة فقط، والصباح رباح.غضب الملك اكثرفاكثر، قائلا للخادم: وهل تريدني، انا الملك، ان اتدثر بسرج حماري؟ كيف تقبل ليبذلك؟ وماذا ستقول الرعية اذا شاع بينها الخبر؟ اذهب وابحث من جديد عن اي شئ آخرسوى ما ذكرت؟.
اخيراوضع الخادم ملكه امام الامر الواقع فخيره بين ان يقبل بسرج الحمار او ان يموت منشدة البرد.وتحت ضغط الامر الواقع وشدة البرد وافق الملك على ذلك وقد اشترط علىالخادم شرطا قبل ان يتدثر بسرج الحمار، قائلا له:
حسنا،دثرني به ولكن لا تسمه.وهكذا هو حالنا، نحن الشعوب النائمة التي يسمونها بالنامية،فكل واحد منا يعاني من مرض ولكن الكل يشترط ان لا نسميه خوف الفضيحة.اننا نخشى منتسمية الاشياء باسمائها الحقيقية، على العكس من الشعوب الاخرى، التي تتحدث بوضوحوشفافية وصراحة من دون لف او دوران، ومن الواضح جدا فان المرء الذي يخدع نفسهبالتسميات يخدعها بكل الاشياء الاخرى، لان اصل الامور تسمياتها التي تعني شيئا ما،اليس كذلك؟.وربما لهذا السبب ترى المشاكل تترى علينا الواحدة تلو الاخرى، فلا نخرجمن مشكلة الا ونجد اختها تنتظر بالباب لتدخل علينا من حيث لا ندري، ما ينتج لناالفشل المركب، حتى بات البعض يسمينا بالشعوب والمجتمعات الفاشلة، وللتدليل على دقةهذه التسمية، يلزمنا ان ننتبه الى:
الف:ان التاريخ عندنا يعيد نفسه باسوأ اشكاله، وبشكل مباشر وعلى عجلة متناهية، ربما كلعام.
باء:ان الامس بالنسبة لنا افضل من يومنا هذا، وان يومنا افضل من غدنا، اي اننا فينقصان.
جيم:حضور ظاهرة التغني بالماضي وغياب الحاضر والمستقبل، بسبب من عبادة التراث.
دال:اجترار المشاكل واستنساخها بمرور الزمن، فمشكلتنا قبل مئة عام هي نفسها مشكلتنااليوم، وان مشكلتنا قبل (500) عام هي نفسها مشكلتنا قبل (100) عام وهكذا.
هاء:جل خلافاتنا وصراعاتنا تاريخية ليس لها افق معين، وبنظرة سريعة لاعلامنا وخطاباتناوكتاباتنا فسنجد ان الخلاف الذي تلوكه السنتنا تاريخي بامتياز ينعكس على واقعناوكانه قد حدث اليوم او انه سيقع غدا، وكان الاجيال المتعاقبة تتخاصم مع ذاتها ومعبعضها بالنيابة عن التاريخ الذي ليس لها دخل فيه.
لماذا؟.
اعتقدان بعض السبب يعود الى ما يلي:
اولا:اننا لا نعترف بمشاكلنا، ولذلك لا نتحدث عنها، فمن عاداتنا السيئة هي اننا شعوبنكابر ومجتمعات نغالي جدا في تقدير واقعنا الاجتماعي ومستوى وعينا الثقافيوالسياسي، وكذلك نغالي في الحديث عن انسجامنا المجتمعي، فنتصور وكاننا كتلةاجتماعية واحدة منصهرة ومنسجمة بشكل كبير جدا.
ثانيا:واذا اعترفنا بمشكلة ما فلا نسعى للغوص فيها لنعرف حقيقتها وجذورها واصلهاومنشأها، فترانا نخدع انفسنا ونحن نتحدث عن المشكلة، ما ينتج حلولا ترقيعية غير صحيحةولا تنطبق على الواقع الذي نريد ان نجد له حلا، بمعنى آخر فان كل حلولنا مثالية لاتتطابق وحقيقة الواقع وحاجته.
ثالثا:ولهذا السبب تتعقد عندنا المشاكل، الفردية منها والاجتماعية، يوما بعد آخر من دونان نضع لها حدا او حلا ابدا.
اناية مشكلة في هذا العالم تبدا صغيرة وربما لسبب تافه، فاذا عالجها المرء عثر لهاعلى حل سيكون هو الاخر بسيطا وربما تافها، كما ان ثمنه سيكون بسيطا او تافها،ربما، اما اذا استرسل معها المرء فستكبر المشكلة وتتسع لتصل الى مرحلة يكون فيهاالحل معقدا والثمن باهضا، وهو حالنا في العراق اليوم مثلا.انظروا مثلا الى التلميذفي المدرسة، فاذا انتبه الاب الى مشكلته مع التعليم في بداية العام الدراسي فانبامكانه ان يجد لها حلا بسيطا جدا يمكنه به ان يتجاوز الرسوب مثلا، اما اذا انتبهالاب الى مشكلة ابنه بعد انتهاء النصف الاول من العام الدراسي فانه بالتاكيد سيجدصعوبة لحلها وربما سيدفع التلميذ ثمنا غاليا لهذه المشكلة والمتمثل عادة باعادةالسنة الدراسية بالكامل، لان الغفلة عن اسباب المشكلة يعقدها.مثل آخر يوضح لناالمعنى بشكل جلي، هو المشاكل العائلية، فان اغلب اسبابها عادة ما تكون بسيطة وربماتافهة جدا، فاذا انتبه لها الزوجان وسارعا لايجاد الحل المناسب فانهما سيحافظانعلى العلاقة الزوجية مستمرة على احسن ما يرام، اما اذا تجاهل احدهما الاخر ورفض انيصغ الى ما يقوله الاخر، فان المشكلة ستكبر وتتسع وتنتهي في اغلب الاحيان الىالطلاق والانفصال، وهو ابغض الحلال عند الله تعالى كما نعرف، ولو سالت الازواجالمطلقين عن سبب الطلاق وكيف بدا؟ فسترى انه سبب تافه وبسيط جدا، وهو في الحقيقةليس سبب الطلاق وانما السبب الحقيقي يكمن في تجاهل المشكلة التي تجمعت ككرة الثلجلتستعصي على الحل بمرور الايام، ما تنتهي بالزوجين الى الانفصال.هذا من جانب، ومنجانب آخر فان المشكلة بين اي زوجين ستكون تحت السيطرة ومقدور على حلها اذا كانا قداتخذا من قبل قرارا استراتيجيا لا رجعة فيه يقضي باستمرار حياة الشراكة الزوجيةبينهما مهما كانت المشاكل، وكذلك ان لا يتحدثا بمشاكلهما للاخر لا تلميحا ولاتصريحا لان المشكلة التي يتدخل فيها طرف ثالث تنتهي الى التعقيد عادة الا ما خرجبدليل وقليل ما هو.كذا الحال في المشاكل الاجتماعية والسياسية، ولعل افضل دليل علىما نتحدث عليه هو الحال الحاضر الذي يمر به العراق الجديد.لقد ظل السياسيونيكابرون ويغالون بانسجامهم وتوافقاتهم واتفاقاتهم، فلم يعيروا لمن يتحدث عنالمشاكل آذانا صاغية، بل رايناهم كيف انهم يتهمون من يتحدث عن مشكلة ما ومن اي نوعكان بالخيانة والعمالة وبانه ينفذ اجندات خارجية وهكذا، حتى ظلت هذه المشاكلتتراكم وتتعقد وتتكاثر كالاميبيا لتصل اليوم الى مرحلة بات الجميع عاجز عن ايجادالحلول الممكنة لها، ولو انهم كانوا قد اعترفوا بوجود المشاكل لجلسوا يبحثون عنهابشكل عقلاني وواقعي سليم، فان اول خطوة لايجاد حل لاي مشكلة هي ان تقر بوجودها،وثاني الخطوات هي ان تقرر حلها بنفسك فلا تسمح للاخر ان يتدخل او يتوسط لحلها،وثالثا الاعتماد على قرارك الاستراتيجي الاولي الذي يعتمد التعايش السلمي ووحدةالبلاد مهما اختلفنا وتشاجرنا.ان علينا جميعا ان نتحلى بالشجاعة اللازمة لنعترفبمشاكلنا اولا وقبل كل شئ، الامر الذي سياخذ بايدينا الى الحل بشكل سلس وطبيعيبعيدا عن التعقيد.ان علينا ان نعترف، كعراقيين، ان مجتمعنا يعاني من انقساماتعرقية ودينية ومذهبية ومرجعية ومناطقية وعشائرية وفكرية وحزبية كثيرة جدا، لاينبغي القفز على هذه الحقيقة او ان نكابر فننفيها جملة وتفصيلا، فان ذلك لايساعدنا على ايجاد الحلول الحقيقية، وسيكون حالنا حال المريض المصاب بمرض السرطانالا ان الطبيب لا يصارحه بالحقيقة وانما يكتفي بان يخبره بالقول (انك تعاني منصداع في الراس وستشفى منه عما قريب) وعندما تسال الطبيب عن سبب عدم مصارحته المريضبمرضه يجيبك بالقول: احتراما لمشاعره وخوفا على نفسيته، ناسيا الطبيب او متناسياان اخفاء الحقيقة عن مريضه سيعجل بموته لانه سيصطدم بالحقيقة ان عاجلا او آجلا،وعندها فستقتله صدمة المفاجأة، وهذا ما يحدث عند الكثيرين، ولذلك ترى الطبيب فيبلاد الغرب يتحدث الى مريضه بكل الحقائق المتعلقة بصحته ولهذا السبب ترى المصاببمرض السرطان عندهم يتعايش معه عقود طويلة من الزمن اما عندنا فلا يقاوم صاحبالسرطان اكثر من (6) اشهر في افضل الحالات.ذات الامر ينطبق على المشاكلالاجتماعية، فالولايات المتحدة الاميركية، مثلا تتشكل من مجتمع متنوع اشد التنوعوعلى مختلف الاصعدة، الدينية والاثنية والمذهبية والمناطقية والسياسية وفي كل شئ،ولقد ظل هذا المجتمع متصارعا ومتقاتلا لا زال لم يعترف بمشاكله عندما ظل يكابرويتجاهل ويتغافل ويرفض ان يتحدث عنها بصوت عال، حتى اذا حانت ساعة الحقيقة واعترفالجميع بها بداوا يبحثون عن الحلول الحقيقية لها الى ان قضوا عليها بشكل حاملتقريبا.ان العملية السياسية الجديدة في العراق تحمل في ذاتها الكثير جدا منالمشاكل، واذا اردنا ان نجد لها الحلول المناسبة والجذرية فان علينا اولا ان نعترفبها بعيدا عن سياسات التجهيل واغماض العين والطبطبة على الظهر والمكابرة والشعاراتالفارغة، فالى متى يظل السياسيون يرددون العبارة بعد كل اجتماع ثنائي او عام (لقدكانت وجهات نظرنا متطابقة)؟ هذه العبارة المملوءة كذبا وزورا ونفاقا من اول حرففيها الى آخر حرف، لانها تتناقض مع الواقع ايما تناقض؟ ايظنون ان الشارع العراقيمغفل الى هذه الدرجة لتنطلي عليه اكاذيبهم؟ ام يظنون بان العراقيين نائمون ولايعرفون حقيقة ما يجري خلف الكواليس وفي الغرف المظلمة؟ لماذا لا يحددون المشاكلبشكل صريح وواضح لنساعدهم على حلها؟ لماذا لا يدرجونها بالتسلسل حسب الخطورةوالاهمية ليبحثوا عن حل حقيقي وواقعي لكل واحدة منها؟.ان البحث عن حلول المشاكلكسلة واحدة على طريقة تشريع القوانين في مجلس النواب بسلة واحدة في كل مرة لا يجدينفعا ابدا، لان ذلك يعني انهم يساومون في الحلول كما يساومون في تشريع القوانين،وهذا امر خطير لا يخدم العملية السياسية ابدا.
ايهاالساسة، اعترفوا بالمشاكل وتحدثوا عنها بصوت مرتفع، ليشارككم الراي العام في ايجادالحلول.لماذا تتحدثون عنها في وسائل الاعلام وتصمتوا عنها صمت اهل القبور فيالاجتماعات؟ لماذا تتراشقون فيما بينكم في وسائل الاعلام وتسكتون عنها فياجتماعاتكم؟ لماذا يتهم بعضكم بعضا بالخيانة والجهل والعمالة وتنفيذ الاجنداتالخارجية والضعف في الاداء وكل سبة اخرى، هذا في وسائل الاعلام، اما في الاجتماعاتفان وجهات نظركم متطابقة، اي نفاق هذا؟ واي خيانة هذه؟ واي تضليل للراي العامهذا؟.الى متى تظلون تتلفعون بـ (سرج الحمار) وتخشون ان تسموه خوف الفضيحة؟ هلتظنون بان العراقيين لا يرون السرج؟ ام انهم لا يميزون بين الناقة والجمل؟.انمشاكلكم المستمرة وازماتكم المتجددة والمتفاعلة قادت البلاد الى حافة الهاوية، فهاهو العراق اليوم يواجه كل الاحتمالات افضلها سيئ، وأأمنها خطير.ان العمليةالسياسية اليوم تعاني من مشاكل عويصة لا يجوز لاحد ان يهون منها او يقلل منمخاطرها، الا ان يكون لا اباليا لا يعير للبلاد اهمية تذكر فيتعامل معها كما لوانها بلاد مفتوحة امامه تهمه منها خيراتها ونعمها وليذهب اي شئ آخر الى الجحيم،كما هو حال بعض السياسيين الذين يتعاملون مع موقع المسؤولية بهذه الطريقة التي تنمعن الانانية وروح الخيانة وان لم يسمها.ان ما يؤسف له حقا هو ان بعضهم، وعلى الرغممن عظم المخاطر المحدقة بالعراق، يسعى لتضليل الراي العام بقوله ان المشاكل تحتالسيطرة وان ما يشهده العراق اليوم فقاعات ستنفجر عما قريب في الهواء، فاذا جدالجد وانفلتت الامور من بين يديه تراه اول المهزومين من البلاد واول الفارينبجلده، ما يدلل على ان مثل هذه النماذج لا تتحلى بروح المسؤولية ولذلك فهي لاتتعامل مع القضايا والامور بروح المسؤولية، لان المسؤول هو الذي يواجه الاموربصلابة وثبات وواقعية بعيدا عن التنظير والكلام الفارغ والتضليل الاعلامي.هذا منجانب، ومن جانب آخر فان المشاكل الحالية بحاجة الى ان يتحلى المسؤول بالصبر ويتسلحبالحكمة وسعة الصدر وهو يبحث عن الحلول الجذرية لهذه المشاكل، اما التسرع والعجلةغير المدروسة والانشغال في البحث عن حلول ترقيعية فان كل ذلك يزيد المشكلة تعقيداوابتعادا عن الحل المطلوب، ففي مثل هذه الازمات فان الحل الاستراتيجي يعادلباهميته وفاعليته مليون حلا تكتيكيا، فضلا عن ان ذلك يساعد في التقليل من المخاطرويقلل في الوقت نفسه من الثمن المدفوع لحل مثل هذه المشاكل.ان العنتريات وردودالافعال المتشنجة والقرارات الاستعراضية والاحاديث الصبيانية تصب الزيت اكثر فاكثرعلى نار الازمة، ولذلك فان على الجميع ان يبتعد عنها، خاصة المسؤولين الكبار فيالدولة.
اتمنىعلى كل السياسيين ان ياخذوا بنظر الاعتبار الخطوات التالية، لايقاف التصعيدالحالي:
اولا:ايقاف كل انواع التصعيد الاعلامي من قبل كل الاطراف فورا.
ثانيا:الامتناع عن الادلاء باي حديث اعلامي لوسائل الاعلام المعادية ومن قبل كل الاطراف.
ثالثا:المسؤول المسكون بالازمة، عليه ان لا يتخذ في هذه الفترة اية قرارات مهمةواستراتيجية ومصيرية، لانها ستكون انفعالية ومستعجلة ستزيد من تعقيد المشاكل دونان تحلها.
رابعا:ابعاد كل العناصر المازومة والمسكونة بهوس السلطة من حول المسؤولين الذين يجب انيتخذوا قرارا شجاعا يقضي بعدم الاصغاء لاستشارات مثل هذه العناصر لانها توديهباستشاراتها الى الهاوية.
خامسا:الامتناع فورا عن توظيف الشارع لمواجهة الازمات، وايقاف كل انواع الاستغلال السئللسلطة وللمال العام لتحريك الشارع، فان هذه الاساليب تؤجج المشاكل ولا تواجهها.
سادسا:ان يمتنع الجميع عن اتخاذ القرارات الفردية، وليعد كل واحد منهم الى جماعته ليطبخمعهم القرارات فيتخذها بشكل جماعي وليس فرديا، فما احوجنا اليوم الى القراراتالجمعية.
سابعا:اتفاق الجميع على مناقشة المشاكل وجها لوجه وامام عدسة الكاميرا ليواجهوا بهاالشارع.
اخيرا:ايها الساسة، لا تلعبوا بالنار، فستحرقكم جميعا، ولكم في الطاغية الذليل صدام حسينعبرة.
انالخطا اليوم قد يودي بحياة (جمهورية العراق).
بحثالخادم عن اي شئ يلبي طلب الملك، فلم يجد الا (سرج الحمار) فهل يجرؤ على ان يقدمهللملك كغطاء يتدثر به؟ هل يعقل ذلك؟.عاد الى الملك ليخبره بانه لم يعثر على شئ.
طلبمنه الملك ان يبحث جيدا والا فانه سيموت من البرد في هذه الليلة الليلاء.ذهبالخادم مرة ثانية وثالثة ورابعة، وفي كل مرة يعود الى الملك ليخبره بان كلمحاولاته للعثور على شئ ما ليتدثر به باءت بالفشل، طبعا من دون ان يجرؤ على انيذكر له (سرج الحمار) الذي لا يليق بالخادم فما بالك بالملك.واخيرا، ولما راىالخادم الملك وقد استشاط غضبا وربما سيقتله اذا لم يات له بشئ ما، قرر مع نفسه انيخبره بالشئ الوحيد الذي عثر عليه، فقال للملك مترددا وخائفا مرعوبا، بانه لم يجدالا (سرج الحمار) ليستعمله غطاءا لهذه الليلة فقط، والصباح رباح.غضب الملك اكثرفاكثر، قائلا للخادم: وهل تريدني، انا الملك، ان اتدثر بسرج حماري؟ كيف تقبل ليبذلك؟ وماذا ستقول الرعية اذا شاع بينها الخبر؟ اذهب وابحث من جديد عن اي شئ آخرسوى ما ذكرت؟.
اخيراوضع الخادم ملكه امام الامر الواقع فخيره بين ان يقبل بسرج الحمار او ان يموت منشدة البرد.وتحت ضغط الامر الواقع وشدة البرد وافق الملك على ذلك وقد اشترط علىالخادم شرطا قبل ان يتدثر بسرج الحمار، قائلا له:
حسنا،دثرني به ولكن لا تسمه.وهكذا هو حالنا، نحن الشعوب النائمة التي يسمونها بالنامية،فكل واحد منا يعاني من مرض ولكن الكل يشترط ان لا نسميه خوف الفضيحة.اننا نخشى منتسمية الاشياء باسمائها الحقيقية، على العكس من الشعوب الاخرى، التي تتحدث بوضوحوشفافية وصراحة من دون لف او دوران، ومن الواضح جدا فان المرء الذي يخدع نفسهبالتسميات يخدعها بكل الاشياء الاخرى، لان اصل الامور تسمياتها التي تعني شيئا ما،اليس كذلك؟.وربما لهذا السبب ترى المشاكل تترى علينا الواحدة تلو الاخرى، فلا نخرجمن مشكلة الا ونجد اختها تنتظر بالباب لتدخل علينا من حيث لا ندري، ما ينتج لناالفشل المركب، حتى بات البعض يسمينا بالشعوب والمجتمعات الفاشلة، وللتدليل على دقةهذه التسمية، يلزمنا ان ننتبه الى:
الف:ان التاريخ عندنا يعيد نفسه باسوأ اشكاله، وبشكل مباشر وعلى عجلة متناهية، ربما كلعام.
باء:ان الامس بالنسبة لنا افضل من يومنا هذا، وان يومنا افضل من غدنا، اي اننا فينقصان.
جيم:حضور ظاهرة التغني بالماضي وغياب الحاضر والمستقبل، بسبب من عبادة التراث.
دال:اجترار المشاكل واستنساخها بمرور الزمن، فمشكلتنا قبل مئة عام هي نفسها مشكلتنااليوم، وان مشكلتنا قبل (500) عام هي نفسها مشكلتنا قبل (100) عام وهكذا.
هاء:جل خلافاتنا وصراعاتنا تاريخية ليس لها افق معين، وبنظرة سريعة لاعلامنا وخطاباتناوكتاباتنا فسنجد ان الخلاف الذي تلوكه السنتنا تاريخي بامتياز ينعكس على واقعناوكانه قد حدث اليوم او انه سيقع غدا، وكان الاجيال المتعاقبة تتخاصم مع ذاتها ومعبعضها بالنيابة عن التاريخ الذي ليس لها دخل فيه.
لماذا؟.
اعتقدان بعض السبب يعود الى ما يلي:
اولا:اننا لا نعترف بمشاكلنا، ولذلك لا نتحدث عنها، فمن عاداتنا السيئة هي اننا شعوبنكابر ومجتمعات نغالي جدا في تقدير واقعنا الاجتماعي ومستوى وعينا الثقافيوالسياسي، وكذلك نغالي في الحديث عن انسجامنا المجتمعي، فنتصور وكاننا كتلةاجتماعية واحدة منصهرة ومنسجمة بشكل كبير جدا.
ثانيا:واذا اعترفنا بمشكلة ما فلا نسعى للغوص فيها لنعرف حقيقتها وجذورها واصلهاومنشأها، فترانا نخدع انفسنا ونحن نتحدث عن المشكلة، ما ينتج حلولا ترقيعية غير صحيحةولا تنطبق على الواقع الذي نريد ان نجد له حلا، بمعنى آخر فان كل حلولنا مثالية لاتتطابق وحقيقة الواقع وحاجته.
ثالثا:ولهذا السبب تتعقد عندنا المشاكل، الفردية منها والاجتماعية، يوما بعد آخر من دونان نضع لها حدا او حلا ابدا.
اناية مشكلة في هذا العالم تبدا صغيرة وربما لسبب تافه، فاذا عالجها المرء عثر لهاعلى حل سيكون هو الاخر بسيطا وربما تافها، كما ان ثمنه سيكون بسيطا او تافها،ربما، اما اذا استرسل معها المرء فستكبر المشكلة وتتسع لتصل الى مرحلة يكون فيهاالحل معقدا والثمن باهضا، وهو حالنا في العراق اليوم مثلا.انظروا مثلا الى التلميذفي المدرسة، فاذا انتبه الاب الى مشكلته مع التعليم في بداية العام الدراسي فانبامكانه ان يجد لها حلا بسيطا جدا يمكنه به ان يتجاوز الرسوب مثلا، اما اذا انتبهالاب الى مشكلة ابنه بعد انتهاء النصف الاول من العام الدراسي فانه بالتاكيد سيجدصعوبة لحلها وربما سيدفع التلميذ ثمنا غاليا لهذه المشكلة والمتمثل عادة باعادةالسنة الدراسية بالكامل، لان الغفلة عن اسباب المشكلة يعقدها.مثل آخر يوضح لناالمعنى بشكل جلي، هو المشاكل العائلية، فان اغلب اسبابها عادة ما تكون بسيطة وربماتافهة جدا، فاذا انتبه لها الزوجان وسارعا لايجاد الحل المناسب فانهما سيحافظانعلى العلاقة الزوجية مستمرة على احسن ما يرام، اما اذا تجاهل احدهما الاخر ورفض انيصغ الى ما يقوله الاخر، فان المشكلة ستكبر وتتسع وتنتهي في اغلب الاحيان الىالطلاق والانفصال، وهو ابغض الحلال عند الله تعالى كما نعرف، ولو سالت الازواجالمطلقين عن سبب الطلاق وكيف بدا؟ فسترى انه سبب تافه وبسيط جدا، وهو في الحقيقةليس سبب الطلاق وانما السبب الحقيقي يكمن في تجاهل المشكلة التي تجمعت ككرة الثلجلتستعصي على الحل بمرور الايام، ما تنتهي بالزوجين الى الانفصال.هذا من جانب، ومنجانب آخر فان المشكلة بين اي زوجين ستكون تحت السيطرة ومقدور على حلها اذا كانا قداتخذا من قبل قرارا استراتيجيا لا رجعة فيه يقضي باستمرار حياة الشراكة الزوجيةبينهما مهما كانت المشاكل، وكذلك ان لا يتحدثا بمشاكلهما للاخر لا تلميحا ولاتصريحا لان المشكلة التي يتدخل فيها طرف ثالث تنتهي الى التعقيد عادة الا ما خرجبدليل وقليل ما هو.كذا الحال في المشاكل الاجتماعية والسياسية، ولعل افضل دليل علىما نتحدث عليه هو الحال الحاضر الذي يمر به العراق الجديد.لقد ظل السياسيونيكابرون ويغالون بانسجامهم وتوافقاتهم واتفاقاتهم، فلم يعيروا لمن يتحدث عنالمشاكل آذانا صاغية، بل رايناهم كيف انهم يتهمون من يتحدث عن مشكلة ما ومن اي نوعكان بالخيانة والعمالة وبانه ينفذ اجندات خارجية وهكذا، حتى ظلت هذه المشاكلتتراكم وتتعقد وتتكاثر كالاميبيا لتصل اليوم الى مرحلة بات الجميع عاجز عن ايجادالحلول الممكنة لها، ولو انهم كانوا قد اعترفوا بوجود المشاكل لجلسوا يبحثون عنهابشكل عقلاني وواقعي سليم، فان اول خطوة لايجاد حل لاي مشكلة هي ان تقر بوجودها،وثاني الخطوات هي ان تقرر حلها بنفسك فلا تسمح للاخر ان يتدخل او يتوسط لحلها،وثالثا الاعتماد على قرارك الاستراتيجي الاولي الذي يعتمد التعايش السلمي ووحدةالبلاد مهما اختلفنا وتشاجرنا.ان علينا جميعا ان نتحلى بالشجاعة اللازمة لنعترفبمشاكلنا اولا وقبل كل شئ، الامر الذي سياخذ بايدينا الى الحل بشكل سلس وطبيعيبعيدا عن التعقيد.ان علينا ان نعترف، كعراقيين، ان مجتمعنا يعاني من انقساماتعرقية ودينية ومذهبية ومرجعية ومناطقية وعشائرية وفكرية وحزبية كثيرة جدا، لاينبغي القفز على هذه الحقيقة او ان نكابر فننفيها جملة وتفصيلا، فان ذلك لايساعدنا على ايجاد الحلول الحقيقية، وسيكون حالنا حال المريض المصاب بمرض السرطانالا ان الطبيب لا يصارحه بالحقيقة وانما يكتفي بان يخبره بالقول (انك تعاني منصداع في الراس وستشفى منه عما قريب) وعندما تسال الطبيب عن سبب عدم مصارحته المريضبمرضه يجيبك بالقول: احتراما لمشاعره وخوفا على نفسيته، ناسيا الطبيب او متناسياان اخفاء الحقيقة عن مريضه سيعجل بموته لانه سيصطدم بالحقيقة ان عاجلا او آجلا،وعندها فستقتله صدمة المفاجأة، وهذا ما يحدث عند الكثيرين، ولذلك ترى الطبيب فيبلاد الغرب يتحدث الى مريضه بكل الحقائق المتعلقة بصحته ولهذا السبب ترى المصاببمرض السرطان عندهم يتعايش معه عقود طويلة من الزمن اما عندنا فلا يقاوم صاحبالسرطان اكثر من (6) اشهر في افضل الحالات.ذات الامر ينطبق على المشاكلالاجتماعية، فالولايات المتحدة الاميركية، مثلا تتشكل من مجتمع متنوع اشد التنوعوعلى مختلف الاصعدة، الدينية والاثنية والمذهبية والمناطقية والسياسية وفي كل شئ،ولقد ظل هذا المجتمع متصارعا ومتقاتلا لا زال لم يعترف بمشاكله عندما ظل يكابرويتجاهل ويتغافل ويرفض ان يتحدث عنها بصوت عال، حتى اذا حانت ساعة الحقيقة واعترفالجميع بها بداوا يبحثون عن الحلول الحقيقية لها الى ان قضوا عليها بشكل حاملتقريبا.ان العملية السياسية الجديدة في العراق تحمل في ذاتها الكثير جدا منالمشاكل، واذا اردنا ان نجد لها الحلول المناسبة والجذرية فان علينا اولا ان نعترفبها بعيدا عن سياسات التجهيل واغماض العين والطبطبة على الظهر والمكابرة والشعاراتالفارغة، فالى متى يظل السياسيون يرددون العبارة بعد كل اجتماع ثنائي او عام (لقدكانت وجهات نظرنا متطابقة)؟ هذه العبارة المملوءة كذبا وزورا ونفاقا من اول حرففيها الى آخر حرف، لانها تتناقض مع الواقع ايما تناقض؟ ايظنون ان الشارع العراقيمغفل الى هذه الدرجة لتنطلي عليه اكاذيبهم؟ ام يظنون بان العراقيين نائمون ولايعرفون حقيقة ما يجري خلف الكواليس وفي الغرف المظلمة؟ لماذا لا يحددون المشاكلبشكل صريح وواضح لنساعدهم على حلها؟ لماذا لا يدرجونها بالتسلسل حسب الخطورةوالاهمية ليبحثوا عن حل حقيقي وواقعي لكل واحدة منها؟.ان البحث عن حلول المشاكلكسلة واحدة على طريقة تشريع القوانين في مجلس النواب بسلة واحدة في كل مرة لا يجدينفعا ابدا، لان ذلك يعني انهم يساومون في الحلول كما يساومون في تشريع القوانين،وهذا امر خطير لا يخدم العملية السياسية ابدا.
ايهاالساسة، اعترفوا بالمشاكل وتحدثوا عنها بصوت مرتفع، ليشارككم الراي العام في ايجادالحلول.لماذا تتحدثون عنها في وسائل الاعلام وتصمتوا عنها صمت اهل القبور فيالاجتماعات؟ لماذا تتراشقون فيما بينكم في وسائل الاعلام وتسكتون عنها فياجتماعاتكم؟ لماذا يتهم بعضكم بعضا بالخيانة والجهل والعمالة وتنفيذ الاجنداتالخارجية والضعف في الاداء وكل سبة اخرى، هذا في وسائل الاعلام، اما في الاجتماعاتفان وجهات نظركم متطابقة، اي نفاق هذا؟ واي خيانة هذه؟ واي تضليل للراي العامهذا؟.الى متى تظلون تتلفعون بـ (سرج الحمار) وتخشون ان تسموه خوف الفضيحة؟ هلتظنون بان العراقيين لا يرون السرج؟ ام انهم لا يميزون بين الناقة والجمل؟.انمشاكلكم المستمرة وازماتكم المتجددة والمتفاعلة قادت البلاد الى حافة الهاوية، فهاهو العراق اليوم يواجه كل الاحتمالات افضلها سيئ، وأأمنها خطير.ان العمليةالسياسية اليوم تعاني من مشاكل عويصة لا يجوز لاحد ان يهون منها او يقلل منمخاطرها، الا ان يكون لا اباليا لا يعير للبلاد اهمية تذكر فيتعامل معها كما لوانها بلاد مفتوحة امامه تهمه منها خيراتها ونعمها وليذهب اي شئ آخر الى الجحيم،كما هو حال بعض السياسيين الذين يتعاملون مع موقع المسؤولية بهذه الطريقة التي تنمعن الانانية وروح الخيانة وان لم يسمها.ان ما يؤسف له حقا هو ان بعضهم، وعلى الرغممن عظم المخاطر المحدقة بالعراق، يسعى لتضليل الراي العام بقوله ان المشاكل تحتالسيطرة وان ما يشهده العراق اليوم فقاعات ستنفجر عما قريب في الهواء، فاذا جدالجد وانفلتت الامور من بين يديه تراه اول المهزومين من البلاد واول الفارينبجلده، ما يدلل على ان مثل هذه النماذج لا تتحلى بروح المسؤولية ولذلك فهي لاتتعامل مع القضايا والامور بروح المسؤولية، لان المسؤول هو الذي يواجه الاموربصلابة وثبات وواقعية بعيدا عن التنظير والكلام الفارغ والتضليل الاعلامي.هذا منجانب، ومن جانب آخر فان المشاكل الحالية بحاجة الى ان يتحلى المسؤول بالصبر ويتسلحبالحكمة وسعة الصدر وهو يبحث عن الحلول الجذرية لهذه المشاكل، اما التسرع والعجلةغير المدروسة والانشغال في البحث عن حلول ترقيعية فان كل ذلك يزيد المشكلة تعقيداوابتعادا عن الحل المطلوب، ففي مثل هذه الازمات فان الحل الاستراتيجي يعادلباهميته وفاعليته مليون حلا تكتيكيا، فضلا عن ان ذلك يساعد في التقليل من المخاطرويقلل في الوقت نفسه من الثمن المدفوع لحل مثل هذه المشاكل.ان العنتريات وردودالافعال المتشنجة والقرارات الاستعراضية والاحاديث الصبيانية تصب الزيت اكثر فاكثرعلى نار الازمة، ولذلك فان على الجميع ان يبتعد عنها، خاصة المسؤولين الكبار فيالدولة.
اتمنىعلى كل السياسيين ان ياخذوا بنظر الاعتبار الخطوات التالية، لايقاف التصعيدالحالي:
اولا:ايقاف كل انواع التصعيد الاعلامي من قبل كل الاطراف فورا.
ثانيا:الامتناع عن الادلاء باي حديث اعلامي لوسائل الاعلام المعادية ومن قبل كل الاطراف.
ثالثا:المسؤول المسكون بالازمة، عليه ان لا يتخذ في هذه الفترة اية قرارات مهمةواستراتيجية ومصيرية، لانها ستكون انفعالية ومستعجلة ستزيد من تعقيد المشاكل دونان تحلها.
رابعا:ابعاد كل العناصر المازومة والمسكونة بهوس السلطة من حول المسؤولين الذين يجب انيتخذوا قرارا شجاعا يقضي بعدم الاصغاء لاستشارات مثل هذه العناصر لانها توديهباستشاراتها الى الهاوية.
خامسا:الامتناع فورا عن توظيف الشارع لمواجهة الازمات، وايقاف كل انواع الاستغلال السئللسلطة وللمال العام لتحريك الشارع، فان هذه الاساليب تؤجج المشاكل ولا تواجهها.
سادسا:ان يمتنع الجميع عن اتخاذ القرارات الفردية، وليعد كل واحد منهم الى جماعته ليطبخمعهم القرارات فيتخذها بشكل جماعي وليس فرديا، فما احوجنا اليوم الى القراراتالجمعية.
سابعا:اتفاق الجميع على مناقشة المشاكل وجها لوجه وامام عدسة الكاميرا ليواجهوا بهاالشارع.
اخيرا:ايها الساسة، لا تلعبوا بالنار، فستحرقكم جميعا، ولكم في الطاغية الذليل صدام حسينعبرة.
انالخطا اليوم قد يودي بحياة (جمهورية العراق).
تعليق