بلادي اليوم
سارع العراق الى دعم حركات الاحتجاج التي شهدتها بلدان عربية عدة منذ العام 2011 وذلك انطلاقا من حرصه على حق الشعوب في التحرر وحكم نفسه بنفسه والخلاص من قيود الاستبداد والدكتاتورية التي جثمت على صدره طيلة عقود. وفي الوقت الذي حرص العراق على دعم اشقائه كونه رائدا لــ "الربيع العربي" فقد حرص ايضا على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لتلك البلدان فأتسم موقفه دون جيرانه وبقية البلدان والاقليمية بالموقف المتوازن والحكيم . في هذه الدراسة للناشط والمعارض السعودي البارز الدكتور حمزة الحسن حول موقف الدول العربية من ازمة البحرين يتعرض فيها للموقف العراقي الذي دعم الانتفاضة الشعبية السلمية في البحرين المطالبة باصلاحات سياسية تتمثل باقامة مملكة دستورية ، في ظل التقاعس والخذلان العربي المؤسف لاشقائهم في البحرين . والدراسة اجراها الباحث لمركز البحرين للدراسات في لندن في اطار سلسلة بحوث حملت عنوان (التقرير الستراتيجي للبحرين : 2013) وارتأت "بلادي اليوم" نشرها لتعميم الفائدة العامة.
د. حمزة الحسن
باحث ومعارض سعودي
اتخذت مواقف الدول العربية عامة وفي المحيط الإقليمي كتركيا وإيران تجاه القضية البحرينية طابع الجمود طيلة العام 2012، ولربما كان هذا سبباً أساسياً في الجمود السياسي الذي تشهده القضية البحرينية. فعلى الرغم من انقسام الموقف تجاه الثورة البحرينية، فإن تحولاً في السياسات والمواقف لم يحدث. ولم تسجل للدول العربية والخليجية والإقليمية أية مبادرة جادّة للتوصل الى حلّ سياسي بين النظام البحريني والمعارضة، ما ينبئ عن حقيقة أن الموضوع البحريني بالنسبة لأغلبية هذه الدول إما مؤجل وتسبقه في الأهمية ملفات أخرى اكثر أهمية وحساسية (كالملف السوري)؛ أو أنه موضوع يتعمّد لاعبون أساسيون تجاهله أملاً في موت الثورة البحرينية ببطء أو بسبب الإهمال، أو على أمل أن يؤدي الصراع الإقليمي والدولي في منطقة الشرق الأوسط الى بروز ظرف مناسب يسهم في تقليص حجم التنازل من قبل نظام الحكم في البحرين للمعارضة.
مواقف الدول عامة قد تم حسمها منذ بدايات الثورة البحرينية، ولم يحدث تغير فيها اللهم إلا في الموقف السوري الذي رحب بتدخل قوات درع الجزيرة لقمع الثورة البحرينية، ثم تغير ليتحول الى معاملة بالمثل حيث الإصطفاف الخليجي مع المعارضة السورية. ومثل هذا التغيّر في الموقف السوري لا يفيد، ولا نابعاً من قناعة. بيد أن هناك تغيراً لافتاً آخر ـ ولكنه دفاعي ايضاً ـ جاء من روسيا، حيث طالبت بمناقشة الملف البحريني في مجلس الأمن حين تم الضغط عليها بشأن الملف السوري.
ثبات الوضع السياسي على الأرض والناشئ من تعادل ميزان القوى بين المعارضة والسلطة في البحرين، وعدم حدوث تطورات مفصلية في الصراع بين طرفي السلطة والثورة.. ساهم في الجمود والتأجيل واستقرار المواقف السياسية للدول المهتمة بالشأن البحريني عامة.
في التحليل العام لمواقف الدول الخليجية والعربية، تبدو أمامنا قوتان فاعلتان بيدهما ـ اضافة الى القوة الأوروبية / الأميركية ـ التأثير الأكبر على سيرورة الأوضاع في البحرين وعلى القرار البحريني المحلي. هاتان الدولتان هما: إيران، والسعودية. بقية الدول إما ألحقت قرارها بإحدى الدولتين، أو تجد نفسها غير معنيّة بالثورة البحرينية البتة، ولها اهتماماتها ومشاغلها الخاصة بها، ولا يوجد لها القدرة ولا فائض من الإهتمام لتؤسس لنفسها موقفاً مستقلاً.
في ظاهر الصورة، تبدو مواقف دول مجلس التعاون الخليجي بشأن الثورة في البحرين متطابقة الى حدّ بعيد، ولا ينتظر تغييراً دراماتيكياً بشأنها. فهذه الدول تتشارك الهموم والمشاكل نفسها وينتابها القلق عينه:
أولا: قلق العدوى
بالنظر الى التشابه الى حدّ كبير في النسيج الإجتماعي والأنظمة السياسية في دول مجلس التعاون الخليجي، فإن أيّ تحوّل أو تغيير سياسي حادّ في أحدها، يمكن أن ينقل العدوى بسرعة الى بقية الدول. وقد نُظر الى الثورة البحرينية كمصدر خطر داهم لا يهدد نظام الحكم في البحرين فحسب، بل قد تمتد آثاره الى أنظمة خليجية أخرى. إن الطبيعة السياسية المحافظة لأنظمة دول الخليج تجعل من إنهاء الثورة البحرينية هدفاً ومصلحة مشتركة لها جميعاً. وعموماً فإن أنظمة الخليج لا تشعر بالإرتياح البتة من أي تغييرات ديمقراطية تدريجية في إحداها، خشية انتقال العدوى اليها، فكيف بها تقبل بتحولات ديمقراطية ـ سلمية بوتيرة أسرع، تطالب بالملكية الدستورية كما في البحرين.
بالطبع فإن حساسية دول الخليج من التغييرات الديمقراطية المحدودة متفاوتة، والأكثر حساسية بين الدول الخليجية ـ وكما هو معلوم ـ هي المملكة العربية السعودية، الدولة الأكثر تشدداً في نظامها السياسي، وبالتالي الدولة الأكثر تأثراً من تطورات دول الجوار الخليجي. لا غرو أنها كانت ولاتزال في طليعة مقاومي التغيير ضمن بيئتها الخاصة أو في الدول الخليجية الأخرى، أو حتى في الدائرة العربية الأوسع. وهناك تجارب سابقة وحالية تعضد هذا المشهد: ضغوط على البحرين والكويت 1975 و1976 لحل برلمانيهما، وما فتئت الرياض تشير الى أن الديمقراطية هي سبب الإضطراب الحالي في البلدين؛ فيما يرى آخرون أن تعويق النمو الطبيعي للتحولات السياسية في البحرين والكويت، ليتماشى مع الرغبة والضغط السعوديين، هو الذي سبّب الإنفجار في كلا البلدين.
ثانيا: القلق من شيعية البحرين
تدرك جميع الدول الخليجية خصوصية وضع البحرين من جهة أن أكثرية مواطنيها الأصليين ينتمون الى المذهب الشيعي؛ ما جعل حساسيتها تجاه التغيير الديمقراطي مفرطاً ومضاعفاً في سلبيته عليها. يقترن هذا مع صراع محاور سياسية في منطقة الخليج، ومع نمطية في النظرة تربط كل مواطن شيعي عربي بإيران. لا تريد الأنظمة الخليجية أن ترى انتصاراً للتغيير السياسي السلمي الديمقراطي عامة، وبصورة أكبر لا تريد أن يكون المنتفع من ذلك التغيير (مواطنون شيعة). إن انتصار الديمقراطية في البحرين يعني لها ـ في نهاية المطاف ـ أو هي تريد أن تصوره كذلك، انتصاراً للمواطنين الشيعة ولإيران. وإذا كانت قطر قد شذّت في دعمها لدول الربيع العربي عامّة، فإنها ـ وبسبب الإستقطاب الطائفي ـ لم تناصر الثورة في البحرين، وهي الثورة الأكثر سلميّة بينها، والأقل من جهة المطالب أيضاً: (ملكية دستورية). في حين ان المملكة العربية السعودية، كانت ولاتزال ضد كل ثورات الربيع العربي، ولم تدعم إلا الثورة السورية، وكل ذلك يعود الى اعتقادها ـ وهو صحيح، بأن تلك الثورات قد أضعفت مكانة الرياض في المحيط الإقليمي، ونقلت الى شعبها بعض العدوى الثورية والديمقراطية، وعزّزت من مكانة إيران الإقليمية. أما الثورة السورية فقد نظرت اليها السعودية لا بعين ديمقراطية محبّة، بل ما يمكن ان تجنيه من مصلحة من إضعاف منافسيها الإقليميين وإمكانية استعادة بعض مكانتها التي خسرتها طيلة عقدين كاملين. لكن تبقى للسعودية حماسة فائضة ضد الثورات عامة، وضد الثورة البحرينية بشكل خاص. فالسعودية من بين كل دول الخليج ينظر اليها على أنها الأكثر تعصّباً طائفياً، وهي ترى نفسها حامية السنّة، وهي الدولة الأكبر التي يلعب التباين المذهبي دوراً أساسياً في توجيه سياساتها الخارجية. باختصار: هي الدولة والمذهب الأكثر عداءً للشيعة، سواء بالنسبة لمواطنيها أو لمواطني الخليج، أو على الصعيد العربي والإسلامي العام. وبالتالي فإن الرياض لا ترى في الثورة البحرينية تهديداً سياسياً فحسب، بل هي من وجهة نظرها تمثل تهديداً عقدياً / مذهبياً. تماماً مثلما تنظر الى الثورة السورية، فهي تمثل ـ ان انتصرت ـ مكسباً مذهبياً وسياسياً في آن.
يضاف الى هذا، فإن المملكة السعودية، تعد الأكثر تأثراً بما يجري في البحرين، فالكتل البشرية في البلدين متقاربة من جهة المسافة والمكان، والأكثر اقتراباً من جهة التماثل الثقافي والمذهبي والعائلي، فضلاً عن المشتركات السياسية التاريخية بين شرق السعودية (الأحساء والقطيف) والبحرين. ولعلّ واحداً من أهم أسباب التدخل السعودي السريع ـ عسكرياً، لقمع الثورة البحرينية يعود الى الخشية من تأثر المناطق الشرقية السعودية بها، وتحفيز سكانها على الثورة.
وبالفعل، كان التخوف في محله وإن كانت نتائج إجهاض الثورة البحرينية قد جاءت بعكس ما تمنته السلطات السعودية. لقد فجّر قمع الثورة في البحرين طوفاناً من التعاطف معها في القطيف والأحساء، ولعلّ واحدة من أهم أسباب تصاعد الحراك في المنطقة الشرقية السعودية واستمراره يعود الى الثورة البحرينية (مظاهرات البحرين بدأت في 14 فبراير 2011؛ ومظاهرات الشرقية في السعودية بدأت في 17 فبراير 2011 واستمرتا الى الآن). لم تحظَ قضية البحرين بتعاطف شعبي جارف بمثل ما حظيت به في المناطق الشرقية السعودية، حتى يكاد المرء يرى التحاماً في المشاعر والتوجهات إزاء عدو بدا مشتركاً يقمع الشعبين في كلا البلدين: البحرين والسعودية.
من جهته، فقد نظر نظام الحكم في البحرين الى شعب المنطقة الشرقية بنظرة ممثالة لنظرته لأكثرية شعبه (الشيعية)؛ فقد منعهم في البداية من دخول البحرين، وأعادهم من حيث أتوا؛ كما أنه اعتقل العديد من المواطنين من القطيف والأحساء بتهمة مساعدة الثورة البحرينية؛ بل أن النظام البحريني لم تكن لديه أية حواجز لممارسة المسلك الطائفي الفجّ تجاه المواطنين الشيعة القادمين من شرق السعودية، طالما أن النظام السعودي نفسه يقوم بذات الفعل، إن لم يكن متواطئاً معه في استنساخ ذات الممارسات.
ثالثا: تجميد الخلافات لمواجهة التغيير
تتفق دول الخليج عامة على أن الخلافات البينيّة بينها، كخلافات الحدود، أو تباين السياسات الخارجية في بعض الملفات العربية والإقليمية، أو التنافسات على الزعامة، يجب ان تتجمّد إذا وصل الأمر الى حدود التغيير في هيكلية النظام السياسي لأيّة دولة خليجية. إن الخلافات القطرية البحرينية، على سبيل المثال، لا يمكن تثميرها لصالح الثورة البحرينية؛ بل أن هناك ما يؤكد حقيقة التحريض القطري لنظام الحكم في البحرين على ممارسة المزيد من القمع. تغيير الأنظمة جزئياً أو كلياً يعد خطاً أحمر بالنسبة لكل الأنظمة الخليجية. ومن هنا، فإن دعم نظام الحكم في البحرين عسكرياً وأمنياً وتغطيته سياسياً ومالياً مسألة مفروغ منها بالنسبة للدول الأغنى: الإمارات، السعودية، الكويت، قطر.
هناك توافق بين دول الخليج على مواصلة الدعم لنظام الحكم في البحرين أياً كانت السياسات التي اتخذها، وحتى لو لم يكن مرضياً عن بعضها. لقد اتخذ قرار التدخل العسكري في البحرين من قبل وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في 10/3/(2)2011، وهناك تطابق في وجهات النظر من ناحية التهميش الإعلامي لما يجري في البحرين وكأن شيئاً لم يقع؛ كما أن مواصلة الدعم جاءت تحت ذلك الغطاء "قرر مجلس التعاون الخليجي تخصيص 20 مليار دولار لسلطنة عمان والبحرين" أو عبر الهبات المباشرة.
رابعا: المرجعية السعودية
هناك إجماع بين دول الخليج العربي، والى حدّ كبير بين الدول العربية، على أن السعودية تمثل مرجعية في الملف البحريني، فلا مقترح ولا حلّ يمكن أن يمرّر إلا عبرها وبموافقتها. وهذا ما وضع حدوداً في المساحة التي تتحرك فيها الدول الخليجية الأخرى في الضغط على العائلة المالكة الخليفية، أو زحزحتها عن بعض مواقفها الأكثر تشدداً، للخروج بحل سلمي. السعودية ترى الحسم وعدم التنازل للمعارضة وإن طال الزمن. يتناغم هذا مع رؤية الأكثرية في العائلة المالكة في البحرين، وفي مقدمهم الملك ورئيس وزرائه و وزير ديوانه و وزير دفاعه و وزير داخليته. ومن هنا فشلت مساعي المعارضة البحرينية في إقناع الكويت ـ مثلاً ـ بالتوسط، فمساحة المناورة لدى الأخيرة قليلة، ومن يريد الحلول فليتحدث الى الرياض أولاً. دول خليجية أخرى، رفضت التدخل أساساً في موضوع الحوار بين المعارضة والسلطة، ونصحت بأن توسطها غير مجد وغير ممكن، وأن الجهة التي يجب التعامل معها هي: الرياض، التي لم تطلب لقاءً مع المعارضة البحرينية، ولا ترى ضرورة في الحوار معها، لأنها في الأساس لا ترى أية فائدة من الحلول السلمية أو أنصاف الحلول السياسية.
خامسا: تباينات لا تحدث فارقاً
مع الاعتراف بمرجعية السعودية في الملف البحريني، فإن هناك اختلافاً في الرؤية للخروج من المأزق. فمعلوم أن المعارضة الأساسية في البحرين ممثلة في حركة (الوفاق) لا تستهدف إسقاط النظام الملكي، وأقصى ما طالبت به هو ملكية دستورية ضمن (ديمقراطية توافقية). هذا المطلب لا يستدعي في الأساس تدخلاً خليجياً عسكرياً، ولا عنفاً حكومياً محلياً قاسياً كالذي جرى وكشف عنه تقرير د. محمود شريف بسيوني. ومن هنا، فإن هناك نقداً غير صريح من قبل دول خليجية (الكويت مثلاً) لكيفية تعاطي الحكومة البحرينية مع المطالب الشعبية، ورأت أن تشددها ـ وربما تهوّرها ـ أوجد تداعيات سلبية كان يمكن تفاديها بقليل من الحكمة والتواضع والتنازل واعتماد الحلول الوسطى. لكن الذي تغلّب في النهاية هو رأي السعودية والعناصر المتشددة في الحكم البحريني، والتي تعتمد ما يسمى بـ (خيار الصفر) أو سياسة (كسر العظم).
هذه الصورة العامة التي ترسمها النقاط الخمس، لا يتوقع لها أن تتغيّر بشكل دراماتيكي في المدة المقبلة، حتى إن حدثت بعض التحوّلات السياسية وتصاعدت الحركات الشعبية في دول خليجية أخرى، كالسعودية والكويت والإمارات. واضحٌ أن السمة العامّة في سياسات دول مجلس التعاون الخليجي، هي التشدّد مع المعارضة. ذلك انه من الصعب جداً أن تتخذ دولة خليجية سياسة معتدلة مع معارضيها في الداخل، وفي الوقت نفسه تتبنّى سياسة متشدّدة ضد معارضي دولة أخرى ـ كالبحرين.
على سبيل المثال، لوحظ أن سلطنة عمان أقلّ اعتناءً في صحافتها ومواقفها السياسية بإدانة المعارضة البحرينية أو غير البحرينية. ربما تكون هذه سياسة عامّة تجاه العديد من القضايا والدول، فهي لا تقحم نفسها في المعارك البينية بين الدول العربية، ولا بين الحكومات وشعوبها. هذا الأمر واضح. ولكن السلطنة نفسها ـ وحتى هذا الوقت ـ كانت الأكثر حكمة في التعاطي مع المعترضين الذين قاموا بوقفات احتجاجية في مسقط وصحار وصلالة، وقد استجاب السلطان لتلك الضغوط بنحو أو بآخر، ولعلّ هذه السياسة المنتهجة داخلياً لا تشجّع على التأييد الأعمى للعنف الرسمي في البحرين (خارجياً). بالطبع هذا لا يعني ان لسلطنة عُمان سياسة مختلفة بشأن البحرين، ففي القرارات السياسية العامّة التي يتخذها مجلس التعاون الخليجي، أو حتى الجامعة العربية، فإن السلطنة عادة ما تساير الإجماع القائم، دون أن تلتزم به بالضرورة.
المراقبون لاحظوا أيضاً ـ في الإمارات مثلاً ـ تشدّداً داخلياً مع المعارضة بما يفوق حجمها بأضعاف، حيث سحبت في 22 /12 /2011 الجنسية من عدد الأكاديميين المعارضين الذين اتهمتهم بالتآمر على النظام السياسي، وفتحت الحكومة هناك معركة مع الإخوان المسلمين في كل مكان (وفي مقدمتها مصر) ولاتزال.
سارع العراق الى دعم حركات الاحتجاج التي شهدتها بلدان عربية عدة منذ العام 2011 وذلك انطلاقا من حرصه على حق الشعوب في التحرر وحكم نفسه بنفسه والخلاص من قيود الاستبداد والدكتاتورية التي جثمت على صدره طيلة عقود. وفي الوقت الذي حرص العراق على دعم اشقائه كونه رائدا لــ "الربيع العربي" فقد حرص ايضا على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لتلك البلدان فأتسم موقفه دون جيرانه وبقية البلدان والاقليمية بالموقف المتوازن والحكيم . في هذه الدراسة للناشط والمعارض السعودي البارز الدكتور حمزة الحسن حول موقف الدول العربية من ازمة البحرين يتعرض فيها للموقف العراقي الذي دعم الانتفاضة الشعبية السلمية في البحرين المطالبة باصلاحات سياسية تتمثل باقامة مملكة دستورية ، في ظل التقاعس والخذلان العربي المؤسف لاشقائهم في البحرين . والدراسة اجراها الباحث لمركز البحرين للدراسات في لندن في اطار سلسلة بحوث حملت عنوان (التقرير الستراتيجي للبحرين : 2013) وارتأت "بلادي اليوم" نشرها لتعميم الفائدة العامة.
قراءة في الموقف الخليجي والعربي من أزمة البحرين
د. حمزة الحسن
باحث ومعارض سعودي
اتخذت مواقف الدول العربية عامة وفي المحيط الإقليمي كتركيا وإيران تجاه القضية البحرينية طابع الجمود طيلة العام 2012، ولربما كان هذا سبباً أساسياً في الجمود السياسي الذي تشهده القضية البحرينية. فعلى الرغم من انقسام الموقف تجاه الثورة البحرينية، فإن تحولاً في السياسات والمواقف لم يحدث. ولم تسجل للدول العربية والخليجية والإقليمية أية مبادرة جادّة للتوصل الى حلّ سياسي بين النظام البحريني والمعارضة، ما ينبئ عن حقيقة أن الموضوع البحريني بالنسبة لأغلبية هذه الدول إما مؤجل وتسبقه في الأهمية ملفات أخرى اكثر أهمية وحساسية (كالملف السوري)؛ أو أنه موضوع يتعمّد لاعبون أساسيون تجاهله أملاً في موت الثورة البحرينية ببطء أو بسبب الإهمال، أو على أمل أن يؤدي الصراع الإقليمي والدولي في منطقة الشرق الأوسط الى بروز ظرف مناسب يسهم في تقليص حجم التنازل من قبل نظام الحكم في البحرين للمعارضة.
مواقف الدول عامة قد تم حسمها منذ بدايات الثورة البحرينية، ولم يحدث تغير فيها اللهم إلا في الموقف السوري الذي رحب بتدخل قوات درع الجزيرة لقمع الثورة البحرينية، ثم تغير ليتحول الى معاملة بالمثل حيث الإصطفاف الخليجي مع المعارضة السورية. ومثل هذا التغيّر في الموقف السوري لا يفيد، ولا نابعاً من قناعة. بيد أن هناك تغيراً لافتاً آخر ـ ولكنه دفاعي ايضاً ـ جاء من روسيا، حيث طالبت بمناقشة الملف البحريني في مجلس الأمن حين تم الضغط عليها بشأن الملف السوري.
ثبات الوضع السياسي على الأرض والناشئ من تعادل ميزان القوى بين المعارضة والسلطة في البحرين، وعدم حدوث تطورات مفصلية في الصراع بين طرفي السلطة والثورة.. ساهم في الجمود والتأجيل واستقرار المواقف السياسية للدول المهتمة بالشأن البحريني عامة.
في التحليل العام لمواقف الدول الخليجية والعربية، تبدو أمامنا قوتان فاعلتان بيدهما ـ اضافة الى القوة الأوروبية / الأميركية ـ التأثير الأكبر على سيرورة الأوضاع في البحرين وعلى القرار البحريني المحلي. هاتان الدولتان هما: إيران، والسعودية. بقية الدول إما ألحقت قرارها بإحدى الدولتين، أو تجد نفسها غير معنيّة بالثورة البحرينية البتة، ولها اهتماماتها ومشاغلها الخاصة بها، ولا يوجد لها القدرة ولا فائض من الإهتمام لتؤسس لنفسها موقفاً مستقلاً.
في ظاهر الصورة، تبدو مواقف دول مجلس التعاون الخليجي بشأن الثورة في البحرين متطابقة الى حدّ بعيد، ولا ينتظر تغييراً دراماتيكياً بشأنها. فهذه الدول تتشارك الهموم والمشاكل نفسها وينتابها القلق عينه:
أولا: قلق العدوى
بالنظر الى التشابه الى حدّ كبير في النسيج الإجتماعي والأنظمة السياسية في دول مجلس التعاون الخليجي، فإن أيّ تحوّل أو تغيير سياسي حادّ في أحدها، يمكن أن ينقل العدوى بسرعة الى بقية الدول. وقد نُظر الى الثورة البحرينية كمصدر خطر داهم لا يهدد نظام الحكم في البحرين فحسب، بل قد تمتد آثاره الى أنظمة خليجية أخرى. إن الطبيعة السياسية المحافظة لأنظمة دول الخليج تجعل من إنهاء الثورة البحرينية هدفاً ومصلحة مشتركة لها جميعاً. وعموماً فإن أنظمة الخليج لا تشعر بالإرتياح البتة من أي تغييرات ديمقراطية تدريجية في إحداها، خشية انتقال العدوى اليها، فكيف بها تقبل بتحولات ديمقراطية ـ سلمية بوتيرة أسرع، تطالب بالملكية الدستورية كما في البحرين.
بالطبع فإن حساسية دول الخليج من التغييرات الديمقراطية المحدودة متفاوتة، والأكثر حساسية بين الدول الخليجية ـ وكما هو معلوم ـ هي المملكة العربية السعودية، الدولة الأكثر تشدداً في نظامها السياسي، وبالتالي الدولة الأكثر تأثراً من تطورات دول الجوار الخليجي. لا غرو أنها كانت ولاتزال في طليعة مقاومي التغيير ضمن بيئتها الخاصة أو في الدول الخليجية الأخرى، أو حتى في الدائرة العربية الأوسع. وهناك تجارب سابقة وحالية تعضد هذا المشهد: ضغوط على البحرين والكويت 1975 و1976 لحل برلمانيهما، وما فتئت الرياض تشير الى أن الديمقراطية هي سبب الإضطراب الحالي في البلدين؛ فيما يرى آخرون أن تعويق النمو الطبيعي للتحولات السياسية في البحرين والكويت، ليتماشى مع الرغبة والضغط السعوديين، هو الذي سبّب الإنفجار في كلا البلدين.
ثانيا: القلق من شيعية البحرين
تدرك جميع الدول الخليجية خصوصية وضع البحرين من جهة أن أكثرية مواطنيها الأصليين ينتمون الى المذهب الشيعي؛ ما جعل حساسيتها تجاه التغيير الديمقراطي مفرطاً ومضاعفاً في سلبيته عليها. يقترن هذا مع صراع محاور سياسية في منطقة الخليج، ومع نمطية في النظرة تربط كل مواطن شيعي عربي بإيران. لا تريد الأنظمة الخليجية أن ترى انتصاراً للتغيير السياسي السلمي الديمقراطي عامة، وبصورة أكبر لا تريد أن يكون المنتفع من ذلك التغيير (مواطنون شيعة). إن انتصار الديمقراطية في البحرين يعني لها ـ في نهاية المطاف ـ أو هي تريد أن تصوره كذلك، انتصاراً للمواطنين الشيعة ولإيران. وإذا كانت قطر قد شذّت في دعمها لدول الربيع العربي عامّة، فإنها ـ وبسبب الإستقطاب الطائفي ـ لم تناصر الثورة في البحرين، وهي الثورة الأكثر سلميّة بينها، والأقل من جهة المطالب أيضاً: (ملكية دستورية). في حين ان المملكة العربية السعودية، كانت ولاتزال ضد كل ثورات الربيع العربي، ولم تدعم إلا الثورة السورية، وكل ذلك يعود الى اعتقادها ـ وهو صحيح، بأن تلك الثورات قد أضعفت مكانة الرياض في المحيط الإقليمي، ونقلت الى شعبها بعض العدوى الثورية والديمقراطية، وعزّزت من مكانة إيران الإقليمية. أما الثورة السورية فقد نظرت اليها السعودية لا بعين ديمقراطية محبّة، بل ما يمكن ان تجنيه من مصلحة من إضعاف منافسيها الإقليميين وإمكانية استعادة بعض مكانتها التي خسرتها طيلة عقدين كاملين. لكن تبقى للسعودية حماسة فائضة ضد الثورات عامة، وضد الثورة البحرينية بشكل خاص. فالسعودية من بين كل دول الخليج ينظر اليها على أنها الأكثر تعصّباً طائفياً، وهي ترى نفسها حامية السنّة، وهي الدولة الأكبر التي يلعب التباين المذهبي دوراً أساسياً في توجيه سياساتها الخارجية. باختصار: هي الدولة والمذهب الأكثر عداءً للشيعة، سواء بالنسبة لمواطنيها أو لمواطني الخليج، أو على الصعيد العربي والإسلامي العام. وبالتالي فإن الرياض لا ترى في الثورة البحرينية تهديداً سياسياً فحسب، بل هي من وجهة نظرها تمثل تهديداً عقدياً / مذهبياً. تماماً مثلما تنظر الى الثورة السورية، فهي تمثل ـ ان انتصرت ـ مكسباً مذهبياً وسياسياً في آن.
يضاف الى هذا، فإن المملكة السعودية، تعد الأكثر تأثراً بما يجري في البحرين، فالكتل البشرية في البلدين متقاربة من جهة المسافة والمكان، والأكثر اقتراباً من جهة التماثل الثقافي والمذهبي والعائلي، فضلاً عن المشتركات السياسية التاريخية بين شرق السعودية (الأحساء والقطيف) والبحرين. ولعلّ واحداً من أهم أسباب التدخل السعودي السريع ـ عسكرياً، لقمع الثورة البحرينية يعود الى الخشية من تأثر المناطق الشرقية السعودية بها، وتحفيز سكانها على الثورة.
وبالفعل، كان التخوف في محله وإن كانت نتائج إجهاض الثورة البحرينية قد جاءت بعكس ما تمنته السلطات السعودية. لقد فجّر قمع الثورة في البحرين طوفاناً من التعاطف معها في القطيف والأحساء، ولعلّ واحدة من أهم أسباب تصاعد الحراك في المنطقة الشرقية السعودية واستمراره يعود الى الثورة البحرينية (مظاهرات البحرين بدأت في 14 فبراير 2011؛ ومظاهرات الشرقية في السعودية بدأت في 17 فبراير 2011 واستمرتا الى الآن). لم تحظَ قضية البحرين بتعاطف شعبي جارف بمثل ما حظيت به في المناطق الشرقية السعودية، حتى يكاد المرء يرى التحاماً في المشاعر والتوجهات إزاء عدو بدا مشتركاً يقمع الشعبين في كلا البلدين: البحرين والسعودية.
من جهته، فقد نظر نظام الحكم في البحرين الى شعب المنطقة الشرقية بنظرة ممثالة لنظرته لأكثرية شعبه (الشيعية)؛ فقد منعهم في البداية من دخول البحرين، وأعادهم من حيث أتوا؛ كما أنه اعتقل العديد من المواطنين من القطيف والأحساء بتهمة مساعدة الثورة البحرينية؛ بل أن النظام البحريني لم تكن لديه أية حواجز لممارسة المسلك الطائفي الفجّ تجاه المواطنين الشيعة القادمين من شرق السعودية، طالما أن النظام السعودي نفسه يقوم بذات الفعل، إن لم يكن متواطئاً معه في استنساخ ذات الممارسات.
ثالثا: تجميد الخلافات لمواجهة التغيير
تتفق دول الخليج عامة على أن الخلافات البينيّة بينها، كخلافات الحدود، أو تباين السياسات الخارجية في بعض الملفات العربية والإقليمية، أو التنافسات على الزعامة، يجب ان تتجمّد إذا وصل الأمر الى حدود التغيير في هيكلية النظام السياسي لأيّة دولة خليجية. إن الخلافات القطرية البحرينية، على سبيل المثال، لا يمكن تثميرها لصالح الثورة البحرينية؛ بل أن هناك ما يؤكد حقيقة التحريض القطري لنظام الحكم في البحرين على ممارسة المزيد من القمع. تغيير الأنظمة جزئياً أو كلياً يعد خطاً أحمر بالنسبة لكل الأنظمة الخليجية. ومن هنا، فإن دعم نظام الحكم في البحرين عسكرياً وأمنياً وتغطيته سياسياً ومالياً مسألة مفروغ منها بالنسبة للدول الأغنى: الإمارات، السعودية، الكويت، قطر.
هناك توافق بين دول الخليج على مواصلة الدعم لنظام الحكم في البحرين أياً كانت السياسات التي اتخذها، وحتى لو لم يكن مرضياً عن بعضها. لقد اتخذ قرار التدخل العسكري في البحرين من قبل وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في 10/3/(2)2011، وهناك تطابق في وجهات النظر من ناحية التهميش الإعلامي لما يجري في البحرين وكأن شيئاً لم يقع؛ كما أن مواصلة الدعم جاءت تحت ذلك الغطاء "قرر مجلس التعاون الخليجي تخصيص 20 مليار دولار لسلطنة عمان والبحرين" أو عبر الهبات المباشرة.
رابعا: المرجعية السعودية
هناك إجماع بين دول الخليج العربي، والى حدّ كبير بين الدول العربية، على أن السعودية تمثل مرجعية في الملف البحريني، فلا مقترح ولا حلّ يمكن أن يمرّر إلا عبرها وبموافقتها. وهذا ما وضع حدوداً في المساحة التي تتحرك فيها الدول الخليجية الأخرى في الضغط على العائلة المالكة الخليفية، أو زحزحتها عن بعض مواقفها الأكثر تشدداً، للخروج بحل سلمي. السعودية ترى الحسم وعدم التنازل للمعارضة وإن طال الزمن. يتناغم هذا مع رؤية الأكثرية في العائلة المالكة في البحرين، وفي مقدمهم الملك ورئيس وزرائه و وزير ديوانه و وزير دفاعه و وزير داخليته. ومن هنا فشلت مساعي المعارضة البحرينية في إقناع الكويت ـ مثلاً ـ بالتوسط، فمساحة المناورة لدى الأخيرة قليلة، ومن يريد الحلول فليتحدث الى الرياض أولاً. دول خليجية أخرى، رفضت التدخل أساساً في موضوع الحوار بين المعارضة والسلطة، ونصحت بأن توسطها غير مجد وغير ممكن، وأن الجهة التي يجب التعامل معها هي: الرياض، التي لم تطلب لقاءً مع المعارضة البحرينية، ولا ترى ضرورة في الحوار معها، لأنها في الأساس لا ترى أية فائدة من الحلول السلمية أو أنصاف الحلول السياسية.
خامسا: تباينات لا تحدث فارقاً
مع الاعتراف بمرجعية السعودية في الملف البحريني، فإن هناك اختلافاً في الرؤية للخروج من المأزق. فمعلوم أن المعارضة الأساسية في البحرين ممثلة في حركة (الوفاق) لا تستهدف إسقاط النظام الملكي، وأقصى ما طالبت به هو ملكية دستورية ضمن (ديمقراطية توافقية). هذا المطلب لا يستدعي في الأساس تدخلاً خليجياً عسكرياً، ولا عنفاً حكومياً محلياً قاسياً كالذي جرى وكشف عنه تقرير د. محمود شريف بسيوني. ومن هنا، فإن هناك نقداً غير صريح من قبل دول خليجية (الكويت مثلاً) لكيفية تعاطي الحكومة البحرينية مع المطالب الشعبية، ورأت أن تشددها ـ وربما تهوّرها ـ أوجد تداعيات سلبية كان يمكن تفاديها بقليل من الحكمة والتواضع والتنازل واعتماد الحلول الوسطى. لكن الذي تغلّب في النهاية هو رأي السعودية والعناصر المتشددة في الحكم البحريني، والتي تعتمد ما يسمى بـ (خيار الصفر) أو سياسة (كسر العظم).
هذه الصورة العامة التي ترسمها النقاط الخمس، لا يتوقع لها أن تتغيّر بشكل دراماتيكي في المدة المقبلة، حتى إن حدثت بعض التحوّلات السياسية وتصاعدت الحركات الشعبية في دول خليجية أخرى، كالسعودية والكويت والإمارات. واضحٌ أن السمة العامّة في سياسات دول مجلس التعاون الخليجي، هي التشدّد مع المعارضة. ذلك انه من الصعب جداً أن تتخذ دولة خليجية سياسة معتدلة مع معارضيها في الداخل، وفي الوقت نفسه تتبنّى سياسة متشدّدة ضد معارضي دولة أخرى ـ كالبحرين.
على سبيل المثال، لوحظ أن سلطنة عمان أقلّ اعتناءً في صحافتها ومواقفها السياسية بإدانة المعارضة البحرينية أو غير البحرينية. ربما تكون هذه سياسة عامّة تجاه العديد من القضايا والدول، فهي لا تقحم نفسها في المعارك البينية بين الدول العربية، ولا بين الحكومات وشعوبها. هذا الأمر واضح. ولكن السلطنة نفسها ـ وحتى هذا الوقت ـ كانت الأكثر حكمة في التعاطي مع المعترضين الذين قاموا بوقفات احتجاجية في مسقط وصحار وصلالة، وقد استجاب السلطان لتلك الضغوط بنحو أو بآخر، ولعلّ هذه السياسة المنتهجة داخلياً لا تشجّع على التأييد الأعمى للعنف الرسمي في البحرين (خارجياً). بالطبع هذا لا يعني ان لسلطنة عُمان سياسة مختلفة بشأن البحرين، ففي القرارات السياسية العامّة التي يتخذها مجلس التعاون الخليجي، أو حتى الجامعة العربية، فإن السلطنة عادة ما تساير الإجماع القائم، دون أن تلتزم به بالضرورة.
المراقبون لاحظوا أيضاً ـ في الإمارات مثلاً ـ تشدّداً داخلياً مع المعارضة بما يفوق حجمها بأضعاف، حيث سحبت في 22 /12 /2011 الجنسية من عدد الأكاديميين المعارضين الذين اتهمتهم بالتآمر على النظام السياسي، وفتحت الحكومة هناك معركة مع الإخوان المسلمين في كل مكان (وفي مقدمتها مصر) ولاتزال.
تعليق