
بقلم: سراج علي أبو السعود
مفيدةٌ كثيراً هي الجملة: "مَن يقرأ يعشْ أكثر من حياة"، ذلك أنّ شخصاً ـ والحديث هنا من باب التمثيل ـ له ما له من العمر المديد، الممتلئ بالدروس والعبر، ربّما دوّن محطات حياته المهمّة في كتابٍ به بضع مئاتٍ من الصفحات، كان يكفي أيّ شخص أن يبذل ساعاتٍ ليست كثيرة حتى يقرأ ويعي تلك الدروس والعِبَر، غير أنّ الجهل وربما الكسل هما من أهم أسباب تلك الحالة المؤسفة في مجتمعاتنا العربية بوجهٍ عام من العزوف عن القراءة.
في الغرب، وفي أماكن عامّة كثيرة فيه، كالمترو والباص والطائرة وغيرها، كثيراً ما تجد أشخاصاً من الجنسَين بكتابٍ يقرؤونه، واقفين كانوا أو جالسين، دونما حرجٍ من أيّ شخص. هذه الحالة من الولع بالقراءة تصاحبها في كثيرٍ من الأحيان سلوكيّات راقية، تعكس تلك الحالة من الثقافة المكتسبة، التي بطبيعة الحال تميّزهم جدّاً عن الكثير من المجتمعات.
في دراسةٍ نُشرت في صحيفة (الرأي) الأُردنيّة، أظهرت أنّ معدّل قراءة الفرد العربي من الجنسَين هو ربع صفحة في العام، في حين يقرأ الأمريكيّ أحد عشر كتاباً، والبريطاني سبعة كتب في العام الواحد، وبلا شك، فإنّ هذه نتيجةٌ تصيب الإنسان بالدهشة والأسف على واقعنا الثقافي المرير، الذي لا شكّ أنّ سبباً واحداً لا يمكن أن نجد لتبريره على هذا النحو المتدنّي جداً.
في اعتقادي أنّ أمراً كهذا يستحقّ جدّاً من وزراء التعليم في البلدان العربية قاطبةً أن يجدوا آلياتٍ تستطيع الارتقاء بالمواطن العربي في هذا الشأن، ولا أرى ضيراً من أن يكون هنالك مادّة تُعنى بهذا الجانب، إضافةً إلى البحث المعتمد على الرجوع لعدّة مراجع ومصادر، وبصفتي أحمل بكالوريوس في الإدارة تخصص (بحوث وعمليّات)، فإنّ تجربتي في كتابة البحوث جعلتني مضطراً ـ بحسب نظام البحث ـ إلى الرجوع لمجموعةٍ كبيرةٍ من المراجع والمصادر، الأمر الذي يجعلني معتقداً أنّ وضع مادّة للبحث العلمي تستطيع أن تُسهم إلى حدٍّ ما في حثّ الطالب على القراءة والاطّلاع.
إنّ واقعَنا المرير في الجانب الثقافي وتحديداً في القراءة، كان وما زال سبباً مهمّاً في التخلّف المستشري إجمالاً في المجتمعات العربيّة، حتى إنّه من النادر جدّاً أن تجد مَن يستطيع أو يجيد الكتابة العربيّة على نحوٍ جيّد، في صورةٍ تعكس بشكلٍ واضح المستوى الثقافي العام، ولأنّ الإنسان هو المورد الاقتصادي الأهمّ في أيّ بلد، فإنّ متّخذي القرار ينبغي لهم جداً ـ فيما أرى ـ أن تكون لديهم خطّةً وبرنامجاً مدروساً، يستطيع خلال مدّةٍ زمنيّةٍ معيّنةٍ أن يُسهم في علاج هذه الظاهرة وإنهائها على مدى غير طويل، والارتقاء بالإنسان العربي إلى الدرجة التي تتناسب مع سموّ ديننا وعظمة نبيّنا (صلّى الله عليه وآله)، الّذي هو سيّد الأنبياء والمرسلين، والذي نزل عليه الذكر الحكيم، أوّل ما نزل بالآية الكريمة: (إقرأ باسم ربّك الذي خلق).
إنّ عدم المبادرة لعلاج هذه الظاهرة سيجعلنا قابعين في دركٍ متهاوٍ من التخلّف، وسيجعلنا دائماً دون غيرنا من المجتمعات التي لا أظنّ أنّ هنالك سبباً لتقدّمهم أهمّ من إقبالهم على العلم والثقافة على وجه العموم، وإنّ الغيرة على مجتمعاتنا لَينبغي أوّلاً أن تدفعنا جميعاً إلى فهم واقعنا الثقافي المخزي الذي نعيشه، قبل أن نقرّر حجم المجهود الذي ينبغي بذله للوقوف في وجه تنامي هذه الظاهرة السلبيّة والقضاء عليها.