المعتقدات الشعبيّة: حبل نجاة للخائف
على الرغم من التقدّم العلمي والتكنولوجي الذي نعيشه، لا تزال العديد من العادات الشعبية الموروثة موجودة في غير منطقة لبنانية. لا يهم إن كان البعض يرفضها أو يصفها بالـ«خزعبلات» ما دام مريدوها موجودين بكثرة
رامح حمية
قد يكون الأمر مستغرباً، أو غير قابل للتصديق، لكن هناك فعلاً من لا يزال يعتقد، كلما «طنّت» أذنه اليمنى، أن هناك من يذكره بالخير. أما إذا شعر بالطنين في الأذن اليسرى، فثمة من يذكره بالسوء، على ذمة المعتقدات الشعبية السائدة. ولا سبيل أمام المرء للتخلص من هذا الطنين سوى بقول «الله يسامحه».
أبرز دليل على وجود الشخص أعلاه، ما تؤكده مشاهداتنا اليومية لـ«فردة حذاء» متدلية من مقدمة سيارة ما، أو كف في وسطها عين متأرجحة تحت مرآة سائق. إضافة إلى ما نسمعه من طرائف عن حمل العريس لعروسه ليلة الزفاف بهدف تمكينها من إلصاق الخميرة فوق مدخل منزلها الزوجي، وما يحمله الفشل في إلصاقها من نذير شؤم على حياة الزوجين التي قد تنتهي سريعاً بطلاق قريب. ولا ننسى طبعاً التمائم والحجابات والتعاويذ التي يحملها الكثيرون. وهناك من لا يزال يتشاءم لدى رؤية قطيع ماعز صباحاً، أو فتح مظلة داخل منزل، إلخ.
تطول اللائحة ولا تكاد تنتهي، وكلّ المشاهدات أعلاه تندرج ضمن خانة المعتقدات الشعبية المتوارثة منذ عقود وعقود. فالمجتمعات الإنسانية، منذ القدم، أولت أهمية كبرى للجانب الغيبي من الحياة، وتسلّحت حيال ذلك بعادات وتقاليد وتعاطت معه بأشكال مختلفة من الطقوس التي تقاطعت مع الاقتناعات الدينية تارة، والخلفيات العقائدية تارة أخرى.
في البقاع تحديداً، وفي بلدات لبنانية أخرى، لا تزال هذه المعتقدات الشعبية سائدة، وفي مقدمتها «صيبة العين» وجالبات الشؤم (التطيّر)، وطرق معالجة ما يسمى شعبياً «داء النقطة»، وغيره ممّا درج عليه العرف الشعبي.
وتكاد «صيبة العين» تحتكر الشهرة والصيت بين المعتقدات الشعبية، إذ تطالعك عبارات الحد من أذى العين كلما وقعت عيناك على أشياء جميلة، فتسمع أو تقرأ على مداخل المنازل وخلفية السيارات والفانات «عين الحاسد تبلى بالعمى»، أو «يخزي العين»... وهي «تحذيرات لاتّقاء شر العين الفارغة» كما تقول سعاد البواري. هذه السيدة تؤكد وجود «أعين متخصصة في الأذى، وحتى أنها تصل حدّ القتل» تقول. في ذاكرة البواري روايات عن أذى لحق بها وبأشخاص وممتلكات، من قبل «نسوة يشتهرن في بعض القرى بامتلاكهن عيوناً حاسدة لكل ما هو جميل، كالوسامة والغنى والجاه» تقول بثقة مفرطة.
الحاجة زينب الديراني تشاطر البواري الاعتقاد بـ«صيبة العين»، مشيرة إلى «الخرزة الزرقاء» التي رفعتها عند مدخل منزلها، والتي «تبعد العين الفارغة عني وعن أولادي وممتلكاتي». هذه الخرزة الزرقاء من وسائل الوقاية من العين، كما «طاسة الرعبة (وعاء نحاسي صغير)، وتذويب الرصاصة القاتلة وتفتيتها لإنقاذ حياة الشخص الذي أصابته العين» بحسب شرح الديراني.
إلى جانب «صيبة العين»، هناك جالبات الشؤم، ونماذجها المتعددة، ومن أكثرها تأثيراً في الناس «البومة شكلاً وصوتاً» التي تعدّ أحد أبرز رموز الشؤم وقمة النحس، كما هي حال العنزة ومرآها صباحاً، في حين أن منظر الغنم مدعاة للتفاؤل والاستبشار بالخير. كذلك تشير الديراني إلى عواء الكلب المتوجع ليلاً «الذي لا يبشر بالخير، وكذلك رؤية فردة حذاء مقلوبة، ورؤية الرجل الأمرد، أي الذي لا ينبت له شعر في ذقنه وشاربيه». ومن الإشارات السلبية أيضاً أنه «إذا حككت باطن قدمك فذلك يدل على أنك ستمشي في جنازة».
أما نلا السحمراني فتذهب إلى أبعد من ذلك بمعتقدات تمثّل نوعاً من المحرمات «لا يجوز القيام بها» على حدّ قولها، ومنها عدم فتح المظلة داخل المنزل، وعدم استحسان كنس البيت ليلاً، وعدم ترك الطفل نائماً وحده من دون وضع سكين أو مقص تحت وسادته، فضلاً عن التحذير الشديد من إحصاء النجوم مخافة ظهور «الثآليل في اليدين أو الشحاد بالقرب من العين». لكن ماذا عن المعتقدات التي تدعو إلى التفاؤل؟ بحسب السحمراني هي «طبعاً موجودة، لكنها قليلة، ومنها أنك إذا حككت باطن يدك اليمنى فهذا يعني أنك ستقبض المال». أما حكّ الحاجب الأيمن فـ«يدل على استقبال ضيف عزيز، ويكفي ترداد كلمة انكسر الشر عند انكسار فنجان القهوة حتى يبتعد السوء» تقول.
قد يبدو كلّ هذا مقبولاً أمام معتقدات قد تتطلّب من أحدهم رد فعل عملي على أمر ما. ففي بعض التقاليد، تصل الأمور إلى حد امتناع الزوجة التي يموت زوجها أو والدها عن الاستحمام وتسريح الشعر لمدة تزيد على سنة، الأمر الذي يدعو إيهاب الزين إلى التساؤل عن مدى قدرة الزوج على «تحمل ذاك الوضع فيما لو مات والد زوجته وكانت حريصة على تطبيق تلك التقاليد». لا يكتفي الشاب «المنطقي» بهذا، بل يسأل عن ماهية حياة زوجة الرجل الأمرد، أو الراعي صاحب قطيع الماعز «يعني حياتهم لازم تكون مآسي وأحزان مستمرة»، الأمر الذي يدفعه إلى القول بنحو جازم إن كل ذلك «خرافات وترّهات متوارثة عبر الأجيال نقنع أنفسنا بها مع كل صدفة تحصل معنا».
ولكن أين الدين من كل هذا؟ لجنة الفتوى في دار الإفتاء في بعلبك _ الهرمل رأت أن هذه المعتقدات تعدّ «استخفافاً بالعقل وعدم احترام له. فهل يعقل أن رؤية الماعز صباحاً مدعاة للتشاؤم؟!»، مشددة على أن كل ذلك «يعود بالإنسان وعقله إلى الوراء. فعندما تحضر الخرافات والأوهام تغيب الطموحات والأفكار، وقد أُمرنا بالتفاؤل بدلاً من التشاؤم: تفاءلوا بالخير تجدوه، كما نهينا عن التطيّر والتشاؤم: ليس منّا من تطيّر أو تطيّر له»، كما يقول أحد مشايخ لجنة الفتوى.
وإذا كانت شريحة لا بأس بها من المجتمع اللبناني تركن إلى هذه المعتقدات، يبرز سؤال كبير لا يكف البعض عن طرحه، «ما رأي العلم بهذه المعتقدات وتاريخ نشوئها وماهيتها؟».
الباحثة الاجتماعية لارا شحود رأت في حديث إلى «الأخبار» أن المعتقدات الشعبية عبارة عن «إسقاطات ذاتية اعتباطية وانتقائية، قد نتبنّاها يوماً ونشك فيها يوماً آخر»، مشددة على أنها «غير ثابتة ولا يمكن أن ترتقي إلى مرتبة القانون العلمي مهما تبنّتها شريحة كبيرة من الناس، وإن استمرت عبر الزمن». لا إمكانية بحسب شحود لتحديد تاريخ نشوء هذه المعتقدات المتوارثة، في حين ترجّح معرفة كيفية نشوء كل معتقد «حسب مضمونه ورمزيته وتأثيره على النفس».
من جهة ثانية، وعلى الرغم من التطوّر العلمي الذي نعيشه، تؤكد شحود أن «السلة الثقافية لن تخلو من المعتقدات الشعبية التي تشكل استنتاجات شخصية فردية أو جماعية، تندرج جميعها في عملية إسقاط للذات في قراءتنا لواقع معين، وتحديداً بعدما بات العنصر الاجتماعي آلة عاملة ورقماً انتخابياً أو مدنياً ينشغل بالمطالبة بحقوقه»، مضيفة أنه «حيث يغيب العلم أو الدين تحضر هذه المعتقدات التي قد ترتقي حينها إلى مرتبة تقديسية عالية، فيبتدع حينها الإنسان رموزاً شعبية كثيرة ويربطها بتفاسير عديدة٬ تبعد عنه شبح الخوف من غموض المجهول، فالمهم أن يجد لكل سؤال جواب ومهما كان هذا الجواب».
علاج «الكبسة» بالمقبرة أو بـ«الباطي»
«الكبسة» مصطلح شعبي يستخدم للدلالة على العوارض الصحية التي يعانيها الأطفال الحديثي الولادة، والمتمثلة في بطء النمو وقلة الحركة والامتناع عن تناول الطعام. في الطب هو عبارة عن ضمور وتقصير في وظائف بعض الغدد، ويمكن علاجه طبياً. أما شعبياً فـ«انكباس» الطفل يعود سببه إلى زيارة إحدى النسوة «اللي مش طاهرة»، إلى منزل الطفل، وبمجرد أن يقع ظلها عليه، «تلقائياً رح ينكبس». طريقة العلاج المتّبعة شعبياً تقضي بتنويم الطفل ومن ثم إعطائه إلى أي امرأة تتبرع بحمله والذهاب به إلى المقبرة، حيث ينبغي أن تتركه فوق قبر قتيل، وتعود أدراجها، لتتولى امرأة أخرى وعبر طريق آخر مهمة استعادته من المدافن، وهكذا يشفى الطفل.
أما الطريقة الثانية والمعتمدة أيضاً عند فشل الأولى فتقضي بالذهاب بالطفل إلى مدينة جونية وتغسيله بحوض على الشاطئ يدعى «الباطي» ليشفى، (ويقال إن الحوض اكتسب خاصيته من النبي «الخضر» الذي سبق أن مرّ به واغتسل بمياهه، وهو نفسه النبي لدى المسيحيين المعروف بمار جرجس قاتل التنين).
الأخبار
مجتمع
العدد ١٩٦٣ السبت ٢٣ آذار ٢٠١٣

على الرغم من التقدّم العلمي والتكنولوجي الذي نعيشه، لا تزال العديد من العادات الشعبية الموروثة موجودة في غير منطقة لبنانية. لا يهم إن كان البعض يرفضها أو يصفها بالـ«خزعبلات» ما دام مريدوها موجودين بكثرة
رامح حمية
قد يكون الأمر مستغرباً، أو غير قابل للتصديق، لكن هناك فعلاً من لا يزال يعتقد، كلما «طنّت» أذنه اليمنى، أن هناك من يذكره بالخير. أما إذا شعر بالطنين في الأذن اليسرى، فثمة من يذكره بالسوء، على ذمة المعتقدات الشعبية السائدة. ولا سبيل أمام المرء للتخلص من هذا الطنين سوى بقول «الله يسامحه».
أبرز دليل على وجود الشخص أعلاه، ما تؤكده مشاهداتنا اليومية لـ«فردة حذاء» متدلية من مقدمة سيارة ما، أو كف في وسطها عين متأرجحة تحت مرآة سائق. إضافة إلى ما نسمعه من طرائف عن حمل العريس لعروسه ليلة الزفاف بهدف تمكينها من إلصاق الخميرة فوق مدخل منزلها الزوجي، وما يحمله الفشل في إلصاقها من نذير شؤم على حياة الزوجين التي قد تنتهي سريعاً بطلاق قريب. ولا ننسى طبعاً التمائم والحجابات والتعاويذ التي يحملها الكثيرون. وهناك من لا يزال يتشاءم لدى رؤية قطيع ماعز صباحاً، أو فتح مظلة داخل منزل، إلخ.
تطول اللائحة ولا تكاد تنتهي، وكلّ المشاهدات أعلاه تندرج ضمن خانة المعتقدات الشعبية المتوارثة منذ عقود وعقود. فالمجتمعات الإنسانية، منذ القدم، أولت أهمية كبرى للجانب الغيبي من الحياة، وتسلّحت حيال ذلك بعادات وتقاليد وتعاطت معه بأشكال مختلفة من الطقوس التي تقاطعت مع الاقتناعات الدينية تارة، والخلفيات العقائدية تارة أخرى.
في البقاع تحديداً، وفي بلدات لبنانية أخرى، لا تزال هذه المعتقدات الشعبية سائدة، وفي مقدمتها «صيبة العين» وجالبات الشؤم (التطيّر)، وطرق معالجة ما يسمى شعبياً «داء النقطة»، وغيره ممّا درج عليه العرف الشعبي.
وتكاد «صيبة العين» تحتكر الشهرة والصيت بين المعتقدات الشعبية، إذ تطالعك عبارات الحد من أذى العين كلما وقعت عيناك على أشياء جميلة، فتسمع أو تقرأ على مداخل المنازل وخلفية السيارات والفانات «عين الحاسد تبلى بالعمى»، أو «يخزي العين»... وهي «تحذيرات لاتّقاء شر العين الفارغة» كما تقول سعاد البواري. هذه السيدة تؤكد وجود «أعين متخصصة في الأذى، وحتى أنها تصل حدّ القتل» تقول. في ذاكرة البواري روايات عن أذى لحق بها وبأشخاص وممتلكات، من قبل «نسوة يشتهرن في بعض القرى بامتلاكهن عيوناً حاسدة لكل ما هو جميل، كالوسامة والغنى والجاه» تقول بثقة مفرطة.
الحاجة زينب الديراني تشاطر البواري الاعتقاد بـ«صيبة العين»، مشيرة إلى «الخرزة الزرقاء» التي رفعتها عند مدخل منزلها، والتي «تبعد العين الفارغة عني وعن أولادي وممتلكاتي». هذه الخرزة الزرقاء من وسائل الوقاية من العين، كما «طاسة الرعبة (وعاء نحاسي صغير)، وتذويب الرصاصة القاتلة وتفتيتها لإنقاذ حياة الشخص الذي أصابته العين» بحسب شرح الديراني.
إلى جانب «صيبة العين»، هناك جالبات الشؤم، ونماذجها المتعددة، ومن أكثرها تأثيراً في الناس «البومة شكلاً وصوتاً» التي تعدّ أحد أبرز رموز الشؤم وقمة النحس، كما هي حال العنزة ومرآها صباحاً، في حين أن منظر الغنم مدعاة للتفاؤل والاستبشار بالخير. كذلك تشير الديراني إلى عواء الكلب المتوجع ليلاً «الذي لا يبشر بالخير، وكذلك رؤية فردة حذاء مقلوبة، ورؤية الرجل الأمرد، أي الذي لا ينبت له شعر في ذقنه وشاربيه». ومن الإشارات السلبية أيضاً أنه «إذا حككت باطن قدمك فذلك يدل على أنك ستمشي في جنازة».
أما نلا السحمراني فتذهب إلى أبعد من ذلك بمعتقدات تمثّل نوعاً من المحرمات «لا يجوز القيام بها» على حدّ قولها، ومنها عدم فتح المظلة داخل المنزل، وعدم استحسان كنس البيت ليلاً، وعدم ترك الطفل نائماً وحده من دون وضع سكين أو مقص تحت وسادته، فضلاً عن التحذير الشديد من إحصاء النجوم مخافة ظهور «الثآليل في اليدين أو الشحاد بالقرب من العين». لكن ماذا عن المعتقدات التي تدعو إلى التفاؤل؟ بحسب السحمراني هي «طبعاً موجودة، لكنها قليلة، ومنها أنك إذا حككت باطن يدك اليمنى فهذا يعني أنك ستقبض المال». أما حكّ الحاجب الأيمن فـ«يدل على استقبال ضيف عزيز، ويكفي ترداد كلمة انكسر الشر عند انكسار فنجان القهوة حتى يبتعد السوء» تقول.
قد يبدو كلّ هذا مقبولاً أمام معتقدات قد تتطلّب من أحدهم رد فعل عملي على أمر ما. ففي بعض التقاليد، تصل الأمور إلى حد امتناع الزوجة التي يموت زوجها أو والدها عن الاستحمام وتسريح الشعر لمدة تزيد على سنة، الأمر الذي يدعو إيهاب الزين إلى التساؤل عن مدى قدرة الزوج على «تحمل ذاك الوضع فيما لو مات والد زوجته وكانت حريصة على تطبيق تلك التقاليد». لا يكتفي الشاب «المنطقي» بهذا، بل يسأل عن ماهية حياة زوجة الرجل الأمرد، أو الراعي صاحب قطيع الماعز «يعني حياتهم لازم تكون مآسي وأحزان مستمرة»، الأمر الذي يدفعه إلى القول بنحو جازم إن كل ذلك «خرافات وترّهات متوارثة عبر الأجيال نقنع أنفسنا بها مع كل صدفة تحصل معنا».
ولكن أين الدين من كل هذا؟ لجنة الفتوى في دار الإفتاء في بعلبك _ الهرمل رأت أن هذه المعتقدات تعدّ «استخفافاً بالعقل وعدم احترام له. فهل يعقل أن رؤية الماعز صباحاً مدعاة للتشاؤم؟!»، مشددة على أن كل ذلك «يعود بالإنسان وعقله إلى الوراء. فعندما تحضر الخرافات والأوهام تغيب الطموحات والأفكار، وقد أُمرنا بالتفاؤل بدلاً من التشاؤم: تفاءلوا بالخير تجدوه، كما نهينا عن التطيّر والتشاؤم: ليس منّا من تطيّر أو تطيّر له»، كما يقول أحد مشايخ لجنة الفتوى.
وإذا كانت شريحة لا بأس بها من المجتمع اللبناني تركن إلى هذه المعتقدات، يبرز سؤال كبير لا يكف البعض عن طرحه، «ما رأي العلم بهذه المعتقدات وتاريخ نشوئها وماهيتها؟».
الباحثة الاجتماعية لارا شحود رأت في حديث إلى «الأخبار» أن المعتقدات الشعبية عبارة عن «إسقاطات ذاتية اعتباطية وانتقائية، قد نتبنّاها يوماً ونشك فيها يوماً آخر»، مشددة على أنها «غير ثابتة ولا يمكن أن ترتقي إلى مرتبة القانون العلمي مهما تبنّتها شريحة كبيرة من الناس، وإن استمرت عبر الزمن». لا إمكانية بحسب شحود لتحديد تاريخ نشوء هذه المعتقدات المتوارثة، في حين ترجّح معرفة كيفية نشوء كل معتقد «حسب مضمونه ورمزيته وتأثيره على النفس».
من جهة ثانية، وعلى الرغم من التطوّر العلمي الذي نعيشه، تؤكد شحود أن «السلة الثقافية لن تخلو من المعتقدات الشعبية التي تشكل استنتاجات شخصية فردية أو جماعية، تندرج جميعها في عملية إسقاط للذات في قراءتنا لواقع معين، وتحديداً بعدما بات العنصر الاجتماعي آلة عاملة ورقماً انتخابياً أو مدنياً ينشغل بالمطالبة بحقوقه»، مضيفة أنه «حيث يغيب العلم أو الدين تحضر هذه المعتقدات التي قد ترتقي حينها إلى مرتبة تقديسية عالية، فيبتدع حينها الإنسان رموزاً شعبية كثيرة ويربطها بتفاسير عديدة٬ تبعد عنه شبح الخوف من غموض المجهول، فالمهم أن يجد لكل سؤال جواب ومهما كان هذا الجواب».
علاج «الكبسة» بالمقبرة أو بـ«الباطي»
«الكبسة» مصطلح شعبي يستخدم للدلالة على العوارض الصحية التي يعانيها الأطفال الحديثي الولادة، والمتمثلة في بطء النمو وقلة الحركة والامتناع عن تناول الطعام. في الطب هو عبارة عن ضمور وتقصير في وظائف بعض الغدد، ويمكن علاجه طبياً. أما شعبياً فـ«انكباس» الطفل يعود سببه إلى زيارة إحدى النسوة «اللي مش طاهرة»، إلى منزل الطفل، وبمجرد أن يقع ظلها عليه، «تلقائياً رح ينكبس». طريقة العلاج المتّبعة شعبياً تقضي بتنويم الطفل ومن ثم إعطائه إلى أي امرأة تتبرع بحمله والذهاب به إلى المقبرة، حيث ينبغي أن تتركه فوق قبر قتيل، وتعود أدراجها، لتتولى امرأة أخرى وعبر طريق آخر مهمة استعادته من المدافن، وهكذا يشفى الطفل.
أما الطريقة الثانية والمعتمدة أيضاً عند فشل الأولى فتقضي بالذهاب بالطفل إلى مدينة جونية وتغسيله بحوض على الشاطئ يدعى «الباطي» ليشفى، (ويقال إن الحوض اكتسب خاصيته من النبي «الخضر» الذي سبق أن مرّ به واغتسل بمياهه، وهو نفسه النبي لدى المسيحيين المعروف بمار جرجس قاتل التنين).
الأخبار
مجتمع
العدد ١٩٦٣ السبت ٢٣ آذار ٢٠١٣