القَسَم بالعبّاس عليه السلام
من عجيب ما شاهدته في كربـلاء ومنذ نعومة أظفاري وأنا في التاسعة من عمري حيث وصلنا كربلاء المقدّسة من النجف الأشرف إلى وقت خروجي الإجباري من هذه المدينة قاصداً الكويت(14) الكثير من الوقائع . فمن مشاهداتي المتكرّرة فـي كربلاء هو خوف العرب والعجم والهنود والترك والكرد وغيـرهم من القَسَمِ بالعبّاس عليه السلام ، فبعضهم يهون عليه الحلف بالله سبحانه على الحلف بالعبّاس عليه السلام .
وقد استخدمتُ هـذه العقيدة القويّة لدى الناس بالعبّاس عليه السلام في حلّ المنازعات التي كانت تنشب بينهم ، فكنت أطلب ـ عند الترافع إليّ ـ ممن أراه على باطل أن يحلف بالعبّاس ، فتراه على استعداد لأن يقرّ ويعترف بذنبه ويرجّحه على القسم بالعبّاس عليه السلام وهـذه الظاهرة لا تنحصر بالشيعة فقط بل نجدها عند أهل السنّة أيضـاً ، فكانـوا لا يقسمون بالعبّاس باطـلاً حتّى لو كانت فيها أرواحهم . وممّا أتذكّر في معرض الكلام حول القَسَم بالعبّاس عليه السلام أن شاه إيران ـ محمّد رضا ـ لما طرده الشعب من إيران إبان أحداث مصدّق والسيد الكاشاني جاء إلى مدينة كربلاء وذهب إلى حرم العبّاس عليه السلام وهناك أقسم بأن يعدّل من سلوكه ويحسن ســيرتــه إذا رجع إلى إيران . ثمّ إنّه ذهب إلـــى إيطاليا بعـد زيارة كربلاء ثمّ عاد إلى إيران بانقلاب عسكري .
ولمّا لم يَبر الشاه بقَسَمِهِ ولـم يف بالحلف الذي حلفه فـي حرم العبّاس شاهدنا كيف كان مصيره ، حيث عاد إلى نهجه بمجرّد وصوله إلى إيران ، بل ازداد طغياناً وجبروتاً، فتكرّر مصيره مجدّداً حيث خرج من إيران لكنّه لم يعد في المرّة الثانية .
وفي الأيّام التي كنّا فيها في كربـلاء ، جاء أحمد حسن البكر ومعه صالح مهدي عمّاش وحردان التكريـتي ، وهـم الثلاثة الذين قادوا الانقـلاب العسكري ضد عبد الرحمن عارف ، وزاروا كربلاء . ثمّ إنّهم قدموا إلى حرم العبّاس وحلفوا عند العبّاس عليه السلام بأنّهم لن يَخون بعضهم بعضاً .
لكنّهم لـم يوفوا بحلفهم أيضاً ، كما هـي عادة الحكّام الطغاة ، إذ كان البـكر قد انتهى بإبرة قاتلة(15) . وتلقى عمّاش نهايته بحادث سيّارة ! أمّا حردان فقد مزّقت رصاصـات رفاقه البعثيين جسده في الكويت ، فهل ترى لهم من باقية .
وأيّام الانتفاضة الشعبانية في كربلاء المقدّسة ضدّ الحكم الجائر(16) ، تقدّم حسين كامل قائد عملية اجتياح كربلاء حتّى بلغ ضريح الإمام الحسين عليه السلام ، ثمّ إنّه خاطب الإمـام بصلافـة وعنجهية قائلاً : «أنا حسين وأنت حسين فانظر مَن الذي غَلَب» .
ولم تمض سوى بضع سنوات حتّى اختلف مع عمّه «والد زوجته» صدّام ، ففرّ إلى الأردن ثمّ عادّ إلى العراق مجدّداً ليلقي مصيره الأسود على أيدي جلاوزة عمّه، فقد قُتِلَ بأبشع صورة ، قُطِعَ رأسه وسُحِلَ جسده في شوارع بغداد .
ومن حقّنا أن نسأل بعدما لقاه حسين كامل : مَن الغالب حسين بن علي عليه السلام أم حسين كامل(17).
لقد ذهب الطغاة وبقيت الآية الكريمة تصدع في الآذان : ( كَتَبَ اللهُ لأغلبَنّ أنا ورسُلي)(18).
14 ـ هاجر إليها المؤلف سنة 1391هـ بعد أن صدر عليه حكـم الإعدام غيابياً من قبل الحكومة البعثية في العراق ، ونشر الحكم في جريدة الثورة وجريدة الجمهورية آنذاك، وبقي في الكويت ثمانية أعوام .
15 ـ لرفع السكر لديه بواسطة حقنة من قبل الدكتور صادق علوش وبأمر من صدام وكان ذلك سنة 1401هـ (1982م) .
16 ـ والتي حدثت في شعبان سنة 1411هـ (آذار 1991م) حيث قاد حسين كامل قوات الحرس الجمهوري التي حاصرت كربلاء المقدسة على شكل قوس من منطقة الرزازة والى طريق بغداد ، تساندها المروحيات والمدافع . وعندما أراد الهجوم على المدينة قال حسين كامل : أنا حسين و هو حسين ولنر من سينتصر في النهاية. وقد استشهد من الأهالي في كربلاء ما يقارب الخمسين ألفاً .
17 ـ إنّ حسين كامل أصبح مثـلاً عند الشعب العراقي بغبائه حتّى استخدم مثلاً للتعريض بالشخص ، يقولون : إنّه أغبى من حسين كامل .
18 ـ سورة المجادلة : الآية 21 .
http://alshirazi.com/compilations/hi...as/part1/1.htm
تعليق