إبتكار مدرسة فنون الرّسم والتّشكيل الحسيني
بقلم المُصمّم والمُبتكر اللبناني, الفنّان التّشكيليوالرّسّام الهندسي الفنّي
حسين أحمد سليم
كربلاءأرض الطّفّ بالعراق, التي جرت فوق ترابها واقعة مقتل الإمام الحسين في العاشر منشهر محرّم للعام الهجري الواحد والسّتّين, والجعجعة به, ثُمّ قتله وقطع رأسهوالتّمثيل بجسمانه, وقتل أصحابه ظلماً وإعتداءً وزوراً وبهتاناً, والإعتداءالسّافر على أهل بيته والتّنكيل بهم, دون وجه حقّ, وهتك أستارهم وقتل غالبيّتهم,دون إيمان أو وازع من ضمير أو رادع من وجدان, وسبي من بقي منهم على قيد الحياةعنوة قهر وإذلال, وممارسات فعل تعذيبهم وتجويعهم في مسارات الطّريق الطّويل,ومروراً بهم إستعراضاً ومهانةً في همروجات سياسيّة ساقطة, بمدن وقرى وبلداتومسافات ممتدّة, وإجتيازهم الأودية والأماكن الوعرة والجبال والسّهول, وصولا بهمإلى مجلس الحاكم الطّاغية في دمشق ببلاد الشّام...
إنبثقتمن رحم تلك الواقعة الكربلائيّة المؤلمة, الشّعائر الحسينيّة العاشورائيّةالسّنويّة, التي تتفاعل مع الطّقوس والشّعائر التي تتعاظم في تفاعل ثورتها على صعد كثيرة, بحيث ساهمت الشّعائرالكربلائيّة العاشورائيّة الحسينيّة بقوّة, في التأثير الواسع الفاعل في بُنىوتطوير وتفعيل منظومات الفنون الثّقافيّة الأدبيّة منها, والفنّيّة التّشكيليّةوالأدائيّة القديمة والحديثة على حدّ سواء...
وعاشوراءالحسين, غدت ترتبط بواقعنا الذي نعيش اليوم, وتتّصل بحياتنا التي نُريد لهاالإستمرار للغد, بحيث تُغذّي ذاكرتنا وتشحذ وجداننا, وتُقلبن عقولنا وتُعقلنقلوبنا, لتتجذّر في ذواتنا وكينوناتنا وثقافاتنا, ومخزوننا الشّعبي التّقليدي,وتروي ظمأ فنوننا العامّة من أدبيّة وأدائيّة وغيرها, سيّما في مجالات ثقافةالفنون التّشكيليّة منها, وبأساليب متنوّعة من حركات فعل الإبتكار والصّنع في فنونالإبداع بالرّسم, وفنون التّشكيل بالنّحت, وفنون الإبتكار بالأشغال اليدويّةوالصّناعيّة والإحترافيّة, بالإعتماد على أسس ومباديء مدارس ومذاهب ومسارات الفنونالتّشكيليّة العالميّة المعروفة, مع الإحتفاظ بالخصوصيّات الرّوحيّة الدّينيّة,إضافة لإستنباط وإبتكار رؤى ومسارات ومدارس فنّيّة عاشورائيّة حسينيّة تتماشى معوقائع مجتمعاتنا وبيئتهاً...
فعاشوراءالكربلائيّة الحسينيّة بالمفاهيم الثّوريّة الفكريّة والثّقافيّة المعاصرة, أضرمتحركات فعل الإبداع والإبتكار, وحفّزت وجدان الفنّانين التّشكيليين رسماً ونحتا,وأثرت خيالهم برؤى وأطياف فنّيّة من إمتدادات البعد الخيالي, لتصوّر الواقعةالكربلائيّة العاشورائيّة الحسينيّة بالطّفّ العراقيّ, ورسم معالم ذيولها اللاحقةالتي توالدت من رحمها, كمسيرة السّبي لأهل بيت الحسين وأصحابه إلى بلاد الشّام,بما ساهم وساعد على ولادة الإبداع الفنّيّ التّشكيلي العاشورائي الحسيني الخاصّ,لرسم وتشكيل اللوحة الكربلائيّة والمشهديّة العاشورائيّة الحسينيّة, بأسلوب فنّيّلافت وجذّاب ترفل له العيون وتهرق دمعها, للإيحاءات التي تعكسها تلك اللوحة أوالمشهديّة الكربلائيّة العاشورائيّة الحسينيّة, التي تنمنمها وتنسجها وترسمهاوتشكّلها أنامل الفنّانين التّشكيليين والرّسّامين الفنّيين... لتتزركش بالدّماءالحمراء, المنسابة من الرّؤوس المشقوقة بالسّيوف, على شكل صور متنوّعة وأيقوناتمختلفة, وشعارات هادفة, ورموز ومصطلحات وتعابير وملصقات, ولوحات ومشهديّاتورسومات, ورايات سوداء وحمراء, ولافتات وعبارات وأقوال وحروفيّات ومجسّمات...
عاشوراءالكربلائيّة الحسينيّة, أزهرت الكثير وتوالد من صميمها الكثير من حركات فعل الخلقوالإبداع والإبتكار في مجالات عديدة, وعاشوراء الحسين فعلت فعل السّحر في تطويرشؤون الفنون التّشكيليّة, بحيث كان لها الأثر الأكبر في تحديث جوانب عديدة فيالفنون التّشكيليّة المعاصرة, سعياً لخلق وإبتكار مدرسة فنّيّة تشكيليّة جديدة,أفخر بتسميتها مدرسة فنون الرّسم والتّشكيل الحسيني العاشورائي...
أريدلمدرسة فنون الرّسم والتّشكيل الحسيني العاشورائي الكربلائي, أن تكون المدرسةالفنّيّة التّشكيليّة الإيمانيّة المميّزة, التي تحملنا على صهوات أثيريّاتألوانها وأشكالها وعناصرها التّكوينيّة ورموزها ومصطلحاتها وتعابيرها, لترود بناعالم الفنون الإسلاميّة الهادفة في هذا الزّمن...
فمسيرةفنون الرّسم والتّشكيل العاشورائي بدأت فور مصرع الإمام الحسين فوق رمال كربلاء,وواكبت مسيرة السّبايا من بقايا أهل بيته... حيث كانت ولادة أوّل عمل فنّي رسّخ فيالذّاكرة والوجدان الحدث الكربلائي الحسيني التّاريخي وما تلاه, رسمة تلك اللوحةالفنّيّة التي قام بنقشها الرّاهب النّصراني قراقوليس لرأس الإمام الحسين, أثناءمسيرة السّبايا من كربلاء إلى الشّام, حين طلب الرّاهب إيداعه الرّأس الشّريف داخلكنيسة دير رأس بعلبك للتّبرّك به... وهذه اللوحة ما تزال محفوظة ضمن ممتلكات متحفموسكو بروسيا...
وإنبثقتبعد ذلك محاولات تشكيليّة محدودة, من قبل البعض المهتمّ في التّوثيق للواقعةالكربلائيّة العاشورائيّة الحسينيّة بالرّيشة واللون, ومنذ زمن الحكم البويهي, حيثأوحت المأساة العاشورائيّة الحسينيّة الدّامية, بالخلق والإبداع الفنّي التّشكيلي,للفنّانين والرّسّامين والتّشكيليين في العراق وإيران وأزربيجان والأناضول وبعضمناطق سيبيريا وعدد من الدّول الأخرى, إلى أن عمّت أنحاء كثيرة في العالمين العربيوالإسلامي...
ومعبدايات الإحتفاء السّنوي التّقليدي بالذّكرى العاشورائيّة الحسينيّة, أخذت المراسمالعاشورائيّة بالتّطوّر في ممارسات الشّعائر والطّقوس, ومنها الإفتاء الشّرعيبجواز التّصوير والرّسم والتشكيل... وتشييد المباني الحسينيّة والتّكايا, وتزيينهابالزّخارف واللوحات الفنّيّة العاشورائيّة والمشهديّات الكربلائيّة الحسينيّة,بحيث تضمّ إحدى هذه التّكايا في كرمنشاه والتي تمّ تشييدها في العام 1917 للميلاد,أكبر لوحة فنّيّة شعبيّة لمشهد السّبايا الحسينيين وهنّ مكبّلات بالسّلاسلوالأصفاد الحديديّة, بالإضافة إلى لوحات ومشهديّات أخرى, تُحاكي الوقائعالكربلائيّة التّفصيليّة, بتقنيّات بانوراميّة تصويريّة للواقعة بتفاصيلهاوعناصرها ورموزها وشخصيّاتها... بحيث غدت اللوحة الفنّيّة التّشكيليّةالعاشورائيّة الحسينيّة لوحة سرديّة, شاء الفنّان التّشكيلي من خلالها القيام بدورالرّاوي التّصويري, لتجسيد المشهديّات العاشورائيّة الحسينيّة البّانوراميّة,وللإحاطة بتفاصيل الواقعة من جميع الجهات...
هذاوأصبحت فنون الرّسم العاشورائي الحسيني تحكي قصّة الثّورة العاشورائيّة الحسينيّةبلغة تشكيليّة فنّيّة, تذخر بالرّموز والتّعابير والدّلالات والإشارات التي تدخلالوجدان من دون إستئذان, وتُحرّك العواطف من خلال جماليات فنون التّشكيل والرّسم فيلوحات وجداريّات ومنمنمات, لإيصالها إلى الجمهور المتلقّي بأسلوب ممتع وطريقةسهلة... وتحوّلت اللوحة الكربلائيّة العاشورائيّة الحسينيّة, لوسيلة حديثة وعصريّةمن وسائل وأدوات الإعلام العاشورائي الحسيني, لا تقتصر على جماليات الفنون فقط,وإنّما لها وظيفتها الإعلاميّة والإخباريّة, بما تثير التّفاعل مع المتلقّي ليعيشالواقعة الكربلائيّة وكأنها حدثت في الحال...
فنونالتّشكيل العاشورائي هي حركات فعل محاكاة الواقعة الكربلائيّة الحسينيّة,والتّعبير عنها بالرّيشة واللون فوق الخامات المتعدّدة ووفق الأساليب والمدارسوالمذاهب الفنّيّة المتنوّعة, وبمؤازرة الكلمة التّعبيريّة, بحيث يسهل علىالمتلقّي فهمها...
والفنّالتّشكيلي العاشورائي الحسيني غدا عنصراً مهمّاً لا بُدّ منه لعرض تفاصيل ملحمةكربلاء وإيصال رسالتها المحقّة إلى أبعد ما يُمكن في إثراء مفاهيم عقول الناس وهديهاللحقيقة...
ومعتطوّر فنون الرّسم والتّشكيل العاشورائي الحسيني, راح الفنّان يُمارس حركات فعلالإبداع في عمليّات التّعبير عن الواقعة الكربلائيّة العاشورائيّة الحسينيّة,وأخذت هذه الفنون في تأدية دورها الوظيفي الإعلامي الدّيني, وإنطلقت المراسموالشّعائر العاشورائيّة الكربلائيّة الحسينيّة, وإخترقت إطارها التّقليدي, حتّىأصبحت عاشوراء الحسين النّاطق الأصدق, تحكي معاناة الشّعوب المغلوب على أمرهاوالمظلومة بحكّامها, والحاضرة من خلال المعاني والرّموز والتّعابير الفنّيّة فيعناصر اللوحة العاشورائيّة الحسينيّة, لتتحقّق عاشوراء الحسين وتتجسّد في كلّ زمانوفي كلّ مكان وفي كلّ أرض...
وعليهنستطيع تحديد قواعد وأسس مدرسة فنون الرّسم والتّشكيل للواقعة العاشورائيّةالحسينيّة, التي نستكمل إستنباط وإبتكار عناصرها التّشكيليّة, ونطمع في ترسيخهاوتثبيتها كمدرسة فنّيّة تشكيليّة حسينيّة عالميّة, تأخذ مكانها الصّحيح في منظومةمدارس الفنون التّشكيليّة المعروفة, لتتجسّد بمجموعة من الرّموز والتّعابيروالمصطلحات العاشورائيّة الحسينيّة, الدّالّة عليها تمييزاً وتحديداً, والتينُلخّصها كما يلي:
بصورةرمزيّة لشكل السّيف, الذي يقطر دماً أحمراً قانياً, والذي يرمز تعبيريّا إلىإستشهاد الإمام الحسين به, فوق أرض كربلاء في العراق...
وبصورةالرّأس البشري الملتحي والمُشعّث الشّعر, المخضّب بالدّماء الحمراء, والمقطوع عنالجسد الإنساني, والمرفوع على الرّمح, تعبيرا رمزيّاً لرأس الإمام الحسين, الذي رُفعبعد فصله عن الجسد على الرّمح, والسّير به إلى مجلس حاكم الشّام...
وبصورالأكفّ المقطوعة, وصور أشكال قربة الماء الممزّقة, والتي تُعبّر الأكفّ مع القربةعن شخصيّة العبّاس, أخ الحسين, الذي لُقّب بساقي العطاشى...
لتتماذجهذه الرّموز والمصطلحات مع العناصر الفنّيّة التّشكيليّة العاشورائيّة الحسينيّةوأجزائها, كالصّور التّعبيريّة والتّرميزيّة للإمام الحسين والعبّاس وعليّ الأكبر,وصور السّبايا التّرميزيّة والتّجريديّة والسّورياليّة: شقيقة الحسين زينب,وزوجاته وزوجات أهل بيته وأصحابه مع الأطفال, بحيث تبرز بعض الرّموز كذلك, لتضافإلى أسس إبتكار مدرسة فنون الرّسم والتّشكيل الحسيني العاشورائي ومنها:
الأصفادوالسّلاسل الحديديّة, التي تمّ بها جعل جميع السّبايا ومن معهنّ مكبّلين بالأصفادوالحديد, ومُتشحات بالسّواد...
وكذلكصورة الحصان المُدمّى والمثقل بالجراحات, والمُأطيء الرّأس حزنا وألماً على فقدانفارسه الإمام الحسين...
إضافةللحروفيّات الكتابيّة التي تتناغم وتتكامل مع تشكيلات الرّسومات الفنّيّة, لتؤلّفالعمل الفنّي الإبداعي العاشورائي الحسيني...
ناهيكعن منظومة أطياف الألوان التي تتميّز بها اللوحة العاشورائيّة الحسينيّة, وخاصّةاللونين الأحمر والأسود...
بحيثيرمز اللون الأحمر إلى لون الدّمّ ويُعبّر عن القتل والشّهادة, فيما يُعبّر اللونالأسود عن الحزن والحداد والفاجعة والمأساة في كربلاء, إضافة لرمزيّته للظّلم بحقّالنّاس...
هذاولقد تعدّدت الأساليب والتّقنيّات وتنوّعت المواد والخامات التي تُستخدم في صناعةاللوحة العاشورائيّة الحسينيّة, والتّعبير من خلالها عن الواقعة الكربلائيّة, مننقوش ولوحات جداريّة إلى لافتات إعلانيّة فملصقات ومجسّمات جامدة ومتحرّكة...وتعدّدت كذلك الأساليب الفنّيّة وتمحورت بين فنون المدارس الكلاسّيكيّةوالإنطباعيّة والرّمزيّة والتّجريديّة والسّورياليّة والبصريّة والمفاهميّة وغيرهامن الفنون التّجهيزيّة والإنشائيّة التّشكيليّة... كما تعدّدت أساليب التّقنيّات,ما بين إستخدامات الأقلام التّحبيريّة التي تستخدم الحبر الصّيني, وأقلام الرّصاص,والأقلام الخشبيّة الملوّنة, والأقلام المائيّة التّلوينيّة, إلى إستخدامات أصنافالألوان التّرابيّة فالألوان المائيّة والزّيتيّة والطّباشيريّة والصّناعيّة,وصولا لتقنيات الفنون اللونيّة والإبرو والحاسوبيّة, والجمع واللصق والتّشكيلالورقي, والموادّ المختلفة وفنون النّحت والحفر, والرسم على الزّجاج والخزف بكافّةأشكاله وأنواعه وتقنيّاته الحديثة, وصولا لتقنيّات فنون الرّسم الرّقميّة التيتُستخدم من خلال الحواسيب الشّخصيّة والبرمجيات العشريّة الرّقميّة التّابعةلها...
إلىهذا فإنّ التّعبير الحزين والمأساوي عن الواقعة الكربلائيّة العاشورائيّةالحسينيّة, قد إختلف من مكان إلى آخر, ومن زمن إلى زمن آخر, ومن مجتمع إلى بيئةأخرى, وتحت ظلّ دولة ما إلى ظلّ دولة أخرى, وما بين ظروف ما وظروف أخرى, وبين حالةوحالة, وبين رسّام ورسّام آخر وفنّان تشكيلي وآخر, وبين مرسم ومرسم آخر وبين معرضومعرض آخر... إلاّ أنّ جميع النّتاجات التي تنضوي تحت مدرسة فنون التّشكيلالعاشورائي الحسيني, تلتقي وتتوافق على جوهر الموضوع, وتوجّهه وقيمته الهدفيّة,وإستلهام الأبعاد الرّوحيّة للثّورة الحسينيّة... بحيث غدت مدرسة الفنونالكربلائيّة العاشورائيّة الحسينيّة, غنيّة وثريّة بالرّموز والعناصر والمصطلحاتالتّشكيليّة التّعبيريّة, التي تغدو متناغمة متماذجة متجانسة ومنسجمة مع كافّةالوحدات الفنّيّة الأخرى, التي يشأ الفنّان التّشكيلي التّعامل معها, لتفعيل لوحتهالكربلائيّة العاشورائيّة الحسينيّة الفنّيّة...