أين يذهب بكم الفضلي، وأين به تذهبون؟ قبل نحو من ثلاثة عقود كتب "نشأة الشيعة"... كتيب يحكي سطحية مؤلفه وتوقف تحصيله عند المقدمات والسطوح الدنيا (ودع عنك دعاوى ونجومية تصنعها الأحزاب لأتباعها)، يفتقد العمق ويخلو من علم بل يجانب أدنى أصول البحث والتحقيق، ما يعكس ضحالة الرجل ويصور خواءه ويكفينا مؤونة المزيد في شرح حاله على هذا الصعيد. والكتيب، بعد هذا، يثبت انحرافه بجلاء، فالعبارة واضحة لا تواري والبيان صريح لا يماري، لا تبقى سعة للترديد في ضلاله وابتداعه، ولا تذر لمحامل الخير طاقة لتتجشم ما تنوء به ظهور أهله حتى تصرعهم، لا أقول في نار جهنم ونزُل من حميم، ولكن مكبين على وجوههم لا يهتدون. لقد تجنى الكتاب على الحقيقة وأساء للعلم، والأخطر أنه ظلَم الأئمة الأطهار مقاماتهم التي أنزلهم الله فيها وبخسهم حقهم الذي قرره الله لهم... فالشيخان عند الفضلي اجتهدا في السقيفة، كما فعل أميرالمؤمنين (والعياذ بالله) في المعارضة، ولكل مجتهد أجر ونصيب، لذا فهو يترضى عليهما (بلا إكراه ولا تقية)! وعنده أن أهل البيت والصحابة على حد سواء في الفضل والمنزلة ! وأن النزاع بين المدرستين بدأ سياسياً ثم تحول فكرياً لا العكس... فهل يزعم العريفي ودمشقية والخميس غير هذا ؟! إن تشيّع الفضلي وحزب الدعوة لا يعرف أن الولاية هي أساس الدين ومرتكزه ولبه وجوهره الذي يغدو إذا خلا منه وجُرّد عنه هباءً منثوراً، ولا يعترف بالمؤامرة التي حاكها القوم والتنكر للبيعة والغدر بالغدير والانقلاب الذي وقع بعد وفاة رسول الله ! إن عقول الدعاة لا تطيق فهم أن طينتنا عجنت من قبل تكويننا بحب أهل البيت، ولا تفقه أنهم باب حطة هذه الأمة وسفينة نوحها والعروة الوثقى والصراط المستقيم والحبل المتين والسبيل الذي يوصل إلى الله عز وجل حصراً. وأننا خلقنا من فاضل طينة خامرتهم فسرت أرواحهم في كياناتنا ! أهل البيت عند الفضلي وأبي عقيل الموسوي وفضل الله وكل من استقى من مشرب الدعوة واكترع من آسن فكرها، مجرد شخصيات محترمة وصلحاء من عدول المسلمين يؤخذ بقولهم ويُطمئن إلى نقلهم عن جدّهم... هكذا يفهم الرجلُ الدين، وهذا هو مستوى ولائه وسطح تشيّعه ! كيف لا وهو من الرعيل الأول والنطاق الملاصق لمؤسسي حزب الدعوة، الجناح والفرع الشيعي للإخوان المسلمين، والصيغة المحسّنة لحزب التحرير الإسلامي.. ماذا عسى حسن البنا وسيد قطب وتقي الدين النبهاني أن يفهموا من حقيقة آل محمد؟ وهذا المسكين ربيبهم، نشأ على أفكارهم، وتغذى من ترهاتهم، وترعرع في كنفهم، بل كنيفهم الذي خلّف القرضاوي وأضرابه ! فلم يكتف حتى صبَّ سمومهم في قالب باسم التشيّع، ورسمها في إطار نسبه للدين الحق.. لقد عقّ (عقائدياً) والده الميرزا الفضلي، مثال العلم والورع، وتنكر لبيئته أحساء الولاء وكمال العقيدة، وارتمى في أحضان طالب الرفاعي وأبي حسن السبيتي، وحاكى علي شريعتي وعلي الوردي، وآخى صالحي نجف آبادي ومحمد حسين فضل الله ! فماذا عساه أن يكون وأين علّه أن يبلغ ؟ إلا نسخة محسَّـنة لأحمد القبنجي وأحمد الكاتب وحسين المؤيد وموسى الموسوي؟ تحكي الوقار بعد هراء الصغار فتدلّس على العوام، وتذهَب في الاتزان بعد ابتذال الصعاليك فتُغرِّر بالمستضعفين ! أغضى العلماء عن الرجل وتجاهلوه من باب "الباطل يموت بتركه"، وأهملوه لسريع انفصاله عن الحوزة واتخاذه المنحى الأكاديمي، سواء في كلية أصول الفقه أو في دراساته العليا التي جعلته الدكتور عبدالهادي الفضلي. وعاجلاً ما قبض الثمن منصباً رفيعاً في إحدى جامعات المملكة السعودية . كان الرجل متنفراً من الحوزة ومناهجها نفرة الإلتقاطي الهجين من النقي الأصيل، متمرداً على نهجها ومسلكها تمرد السقيم على مرّ الدواء وإرشاد الحكيم، يحكي بـ"تنويره" لظى، وينزع بأتباعه إلى تسطيحٍ وتغريبٍ نزّاع للشوى ! إنه ـ في نفي التبري أو تمييعه ـ يتجاهل العقل والمنطق (الذي كتب فيه فأزرى به) ويتهافت حتى يجمع بين النقيضين والضدين ولا يبالي ! وهذا صادق آل محمد يعلن : "من جالس لنا عائباً، أو مدح لنا قالياً، أو واصل لنا قاطعاً، أو والى لنا عدواً فقد كفر بالذي أنزل السبع المثاني والقرآن العظيم"، ويتفجر النور من أبي جعفر الباقر فيقول: "من لم يعرف سوء ما اُتي إلينا من ظلمنا وذهاب حقنا، وما نكبنا به، فهو شريك من أتى به إلينا في ما ولينا به"! وبعد، فلا غضاضة أن يلتحق بهذا الركب وينضم إلى تشييع عبدالهادي الفضلي وتأبينه أتباع الضلال وأنصار الحداثة الزائفة والثقافة الكاذبة، فهذا شأنهم... لا نخشى منهم ولا نأسى عليهم . ولكن هلم إلى أحرار مستقلين يصطفون مع حزبيين ! وثوار معارضين ينصرون حكوميين قاعدين ! وولائيين عقائديين يعظمون دعاة متسننين، ومتدينين ملتزمين في ركب إباحيين انحلاليين ؟! ما جمع ابن فضل الله مع حسين الراضي وعلي الناصر وجوقة المنشدين في مسرح الحزب والعمالة والإتجار بالدين، بيّـن لا يخفى على ذي بصيرة.. ولكن ما بال عامة المؤمنين الكرام بكوا على فقيد الإلتقاط والقعود، وندبوا الإنحراف والجحود؟ أيها المؤمنون الكرام ما لكم وهؤلاء؟ ذروهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون... افصلوا مواقفكم واعزلوا صفوفكم عن هذه العصابة الهالكة، واتركوهم وما يعبدون، وإلا ستردون موردهم ويكون مآلكم إلى نارهم. لا تغرنكم دعاوى توحيد الساحة وجمع الشمل وقوة الإتحاد وبريق الثورية وزبرج الحركية... إنها مصاحف ضلال العصر على أسنة الإعلام المدلِّس والفضائيات الشيطانية التي تزيّن الباطل وتقلب الحقائق. إنها جبهة بإزاء أخرى : جبهة الولاء وإحياء الشعائر واتباع المرجعية الأصيلة، مقابل الميوعة العقائدية وعداء الشعائر ، والمرجعية المزيفة التي أملاها الإعلام وصنعتها المخابرات، وبينهما ما يأخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان، لتستحكم الخديعة وتنطلي الحيلة... فانظر أين تضع نفسك وكيف تنجو بدينك . ألا هل بلغت... اللهم اشهد محمد باقر الصافي