إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

السلفيون بين الخائفين منهم والخائفين عليهم

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • السلفيون بين الخائفين منهم والخائفين عليهم

    السلفيون بين الخائفين منهم والخائفين عليهم


    لا أستطيع أن أفترض البراءة في الحملة التي يشنها البعض في مصر هذه الأيام، رافعين شعار: معا ضد الشيعة.
    (1)
    خلال أبريل/ نيسان الحالي عقد مؤتمران للترويج لتلك الحملة. أحدهما في الإسكندرية والثاني في مدينة كفر الدوار. وكانت تلك إشارة إلى أن السلفيين نذروا أنفسهم لتعبئة الرأي العام في محافظات مصر لمواجهة ما أسموه بالمد الشيعي، منذ الإعلان عن بدء تشغيل خط الطيران المباشر بين القاهرة وطهران، لأول مرة منذ 34 عاما. ومن خلاله نقل بعض السياح الإيرانيين لمشاهدة الآثار الفرعونية في مدينة الأقصر.
    هذا التطور أصاب البعض بلوثة، وانتابتهم حالة من الهياج عبّرت عنها أغلب المنابر السلفية التي ما برحت تهاجم الشيعة بأقذع الألفاظ وتحذر من نشر التشيع في مصر، تمهيدا للقضاء على الهوية السنية للبلد بما يمهد للتغلغل "الفارسي" فيها.
    هذا ادعاء ساذج ومضحك، لأنه افترض في المصريين البلاهة بحيث إنهم - من دون كل العرب - سوف يتخلون عن مذهب أهل السنة بمجرد أن تقع أعينهم على السياح الإيرانيين. كما أنه اعتبر أن أولئك السياح الذين سيقضون أياما معدودة في البلد يحملون معهم أساليب سحرية وجهنمية من شأنها أن تغسل عقول المصريين على الفور، وتغير ثقافتهم الدينية لتحولهم من التسنن إلى التشيع.
    تجاهل هؤلاء أن الشيعة الذين يمثلون نحو 10٪ من المسلمين يعيشون إلى جوار أهل السنة منذ قرون في العديد من الدول العربية المشرقية بوجه أخص، ولم يحدث أن تحول فريق منهم إلى مذهب الآخر. كما تجاهلوا أن ست طائرات تسير رحلات يومية بين دبي وطهران، وأن أسرابا من الإيرانيين يذهبون إلى دولة الإمارات كل يوم ويعودون إلى بلادهم، دون أن يرتّب ذلك شيئا من الانقلابات المذهبية أو السياسية التي يخوّفوننا منها. وإنما ساعد على تبادل المنافع بين الجانبين، حتى وصل حجم التبادل التجاري بين إيران ودولة الإمارات إلى رقم يتراوح بين 10 و15 مليار دولار سنويا.
    لن أتحدث عن الإهانة التي يلحقها ادعاء الغزو المذهبي السياسي بمصر والمصريين، حيث لا يقيم وزنا لبلد التسعين مليون نسمة بعمقه التاريخي وثقله الحضاري والثقافي ويفترض فيه الخفة والهشاشة التي تجعله هدفا سهلا ولقمة سائغة للتشيع أو ما يسمى بالتغلغل الفارسي.
    (2)
    لقد توجّه نفر من الذين أصابتهم اللوثة إلى مقر السفير الإيراني في القاهرة للإعراب عن غضبهم واحتجاجهم واستخدموا في ذلك نداءات فظة وكتابات بذيئة لا تليق بأهل التهذيب ناهيك عن أهل الدين. وهددوا بحصار مطار القاهرة لمنع السياح الإيرانيين من الخروج منه إذا ما هبطت طائرتهم على أرضه. وكانت رسالتهم التي رددها بعض رموزهم أنهم ليسوا فقط ضد احتمالات الاختراق المذهبي الشيعي ولكنهم أيضا ضد أي تعامل مع إيران الدولة. بما يعنى أنهم ليسوا ضد المذهب فحسب، ولكنهم ضد تبادل المنافع والمصالح بين البلدين. وهو مسلك يثير الدهشة وتستوقفنا في سياقه تصريحات بعض القيادات السلفية التي ادعت أن عقيدة الشيعة أخطر من الصهيونية (الدكتور ياسر برهامي في 6 / 4 / 2013).
    بل إن من قياداتهم من اشترط للتعامل مع إيران أن تمتنع عن اضطهاد أهل السنة في الأحواز وغيرها، وأن توقف سفك دماء إخواننا في سوريا كما توقف القلاقل التي يحدثونها في الخليج. (القيادي السلفي بسام الزرقا المستشار السابق لرئيس الجمهورية في تصريح نشرته صحيفة الشرق الأوسط في 15 / 4) - وذلك كلام تحفل المواقع السلفية بأضعافه من حيث الكم، وبأسوأ كثيرا منه من حيث النوع والمضمون.
    هؤلاء الذين يثيرون الضجيج في الفضاء المصري لا يرون المصالح المصرية العليا، ولا الأزمة الاقتصادية التي يمر بها البلد بعد الثورة جراء عدم استقرار أوضاع الداخل وشبه الحصار المفروض من الخارج. ولا يعنيهم كثيرا أن يستفيد الاقتصاد المصري من السياحة الإيرانية ولا من تبادل المنافع والمصالح التجارية بين القاهرة وطهران - وربما لا تخطر على بالهم فكرة استعادة موقع ودور مصر ضمن أضلاع ما يعرف في الفكر الإستراتيجي بمثلث القوة في الشرق الأوسط المتمثل في الجسور الممتدة بين مصر وتركيا وإيران.
    ولست واثقا من أنهم على دراية كافية بأن الموقف الذي ينحازون إليه يلبي بالضبط المطلب الأميركي والإسرائيلي من مصر. الداعي إلى إحكام الحصار حول إيران وكسر عنادها إزاء البلدين.
    هذه الاعتبارات كلها يتم تجاهلها لتعزيز التعبئة ضد الشيعة الأمر الذي يغذّي الدعوة إلى إطلاق الحرب الموازية بينهم وبين أهل السنّة. وهي التي يحلم بإشعالها الذين يسعون إلى تفتيت الشرق الأوسط بعد إنهاكه وإغراقه في أوحال مستنقع الصراع المذهبي، تمهيدا لإعادة رسم خرائطه من جديد.
    (3)
    أدري أن السلفيين ليسوا شيئا واحدا في العالم العربي، فالسلفية الجهادية التي ترفع السلاح والقريبة من تنظيم القاعدة لها وجودها في العراق وسوريا ودول المغرب العربي، لكنها ليست معروفة في مصر مثلا. رغم ما يقال من أن لها وجودا رمزيا في سيناء. والذين نتحدث عنهم في مصر أقرب إلى السلفية العلمية التي أميز فيها بين جناح الآباء الغيورين على الدين والذين كرسوا أنفسهم للدعوة ورفضوا الانخراط في العمل السياسي، وجناح الناشطين الذين خاضوا غمار العمل السياسي بعد الثورة، التي رفض أكثرهم الالتحاق بها من البداية وأدانوه (كان ذلك موقف الدعوة السلفية في الإسكندرية الذي أعلنه الدكتور ياسر برهامي).
    ورغم الاختلاف في المواقف ثمة قواسم مشتركة بين السلفيين تتمثل في أنهم جميعا من أهل النص والحديث وليسوا من أهل الرأي، ثم إنهم يحاربون البدع والأضرحة في مقدمتها، كما يعدّون المتصوفة والشيعة من المبتدعة، ولذلك فإن خصومتهم لهاتين الفئتين عميقة وتاريخية، واشتباكهم مع أتباعهما لم يتوقف، ووصل إلى حد الاقتتال في بعض الأحيان.
    أدري أيضا أن السلفية وصف اصطلاحي أطلق على القرون الثلاثة الأولى من الدعوة الإسلامية وهي "الحلقات الموصولة بينبوع النبوة وتعاليم الرسالة"، كما يذكر الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في كتابه الذي اختزل فكرته في عنوانه: السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي.
    لكن هذا المعنى الذي تحدث عنه تراجع بصورة تدريجية، حتى أصبح السلفيون في العصر الحديث جماعة بذاتها لهم مواصفاتهم التي سبق ذكرها والتي تميزهم عن غيرهم من المسلمين، إذ صاروا أصحاب مذهب قاعدته الأساسية في المملكة العربية السعودية، التي ظهر فيها الإمام محمد بن عبد الوهاب في القرن الثامن عشر رافعا لواء التوحيد ومعلنا الحرب على البدع والخرافات التي انتشرت حينذاك في الجزيرة العربية، وجذبت هذه الدعوة كثيرين في العالم العربي بوجه أخص، وكانت الإمكانيات المادية التي توافرت للمملكة عنصرا مساعدا على نشر المذهب ومساندة أتباعه في كل مكان وصلت إليه الدعوة.
    وبسبب تلك المساندة حدث ربط تقليدي بدرجات متفاوتة بين سياسة الدولة السعودية والمد السلفي بمختلف أشكاله. إلا أننا لا نستطيع أن نستبعد أيضا الدور الذي لعبته أجهزة الأمن المصرية في تعاملها مع السلفيين في ظل النظام السابق، حيث شجعت بعضهم و"تعاونت" معهم بمظنة أن ذلك يمكن أن يسحب البساط من تحت أقدام الإخوان، الذين خاصمهم نظام مبارك.
    لقد ظلت الحركة السلفية في مصر متماسكة بصورة نسبية طيلة مرحلة ما قبل الثورة، ساعد على ذلك أنها كانت مهتمة بالدعوة وبالعمل الاجتماعي، وكانت تعتمد على شيوخ لهم باعهم في العلم ومنهم من تمتع بجاذبية أو شعبية أكثر من غيره، وظلوا خلال تلك الفترة على قناعتهم بأن تشكيل الجماعات والأحزاب من مداخل الفرقة المذمومة، إلا أن الوضع اختلف في ظاهره حين تشكلت في تسعينيات القرن الماضي الدعوة السلفية في الإسكندرية في كيان منفرد لم تعهده الحركة من قبل.
    وظهر على السطح آنذاك الدكتور ياسر برهامي مع أقرانه الذين تخرجوا في كلية الطب وكانت بداياتهم مع الجماعة الإسلامية التي انفصلوا عنها لاحقا. وخلال تلك الفترة ظلت الحركة السلفية نشطة في الدعوة وبعيدة عن العمل السياسي المباشر. إلا أن قيام الثورة في العام 2011 قلب المشهد رأسا على عقب.
    (4)
    حين عادت مصر كلها إلى السياسة بعد الثورة لم يستطع أغلب السلفيين مقاومة جاذبيتها فدخلوا مع الداخلين. ومن ثم انتقلوا من ساحة الدعوة التي خبروها إلى عالم السياسة الذي لم تكن لهم علاقة به. وهو ما استدعى انتقالهم من مخاصمة الأحزاب والنفور منها إلى التلهف على تشكيل الأحزاب والتطلع إلى صدارتها.
    في البدء ظهر حزب النور بالإسكندرية في العام 2011 ليكون واجهة للحركة السلفية وذراعها السياسية. ثم انفتحت الشهية لدى الآخرين، فلم يستطع الأقران مقاومة الإغراء، فأصبح لديهم في السنة الثانية للثورة ثمانية أحزاب التفّت حول أشخاص وليس حول أفكار وبرامج. ذلك إلى جانب الشيوخ الذين صار لكل منهم أتباعه ومريدوه وبرامجه التلفزيونية، حتى حزب النور نفسه انشق وخرج من عباءته حزب "الوطن"، الذي أعلن عنه في بداية العام 2013 الحالي. وحين خاضوا غمار السياسة اكتشفوا أنهم افتقدوا مرجعية النص والحديث الذي هو قوام بنائهم الفكري، وصاروا في قلب ساحة الرأي الذي عزفوا عنه واستهجنوه.
    وبمضي الوقت استسلموا للفتنة الجديدة، حتى بدوا من هذه الزاوية وكأنهم انصرفوا عن السلف واتجهت أبصارهم إلى حظوظ الخلف. إذ صاروا مشغولين بحصتهم في الوزارة والإدارة وفي غير ذلك من المناصب والوجاهات السياسية. وفي بعض الاجتماعات الرسمية كانوا يتحدثون صراحة عن تلك الحصص ويشكون من الغبن الذي أصابهم فيها.
    والوجاهات لم تكن سياسة أيضا، ولكنها صارت إعلامية أيضا، حيث جرى التسابق على شاشات التلفزيون، الأمر الذي استدرجهم إلى الخوض في العديد من أمور الدنيا من السياسة إلى الأدب والفن مرورا بالقضايا الإقليمية والدولية، الأمر الذي ورطهم في مشكلات عدة خصوصا مع الفنانين والأدباء من نجيب محفوظ إلى باسم يوسف مرورا بإلهام شاهين.
    في الآونة الأخيرة رأينا غضبهم شديدا من السياح الإيرانيين لكن أحدا منهم لم يسمع له صوت احتجاج أو غضب لقدوم السياح الإسرائيليين. ووجدنا أطرافا منهم مدت جسورها مع فلول النظام السابق في لقاءات تمت بعيدا عن الأضواء. وحاولت القيام بأدوار محيرة في ساحة الصراع الداخلي بين المعارضة والسلطة. وأثيرت علامات استفهام حول أنشطتهم في الخارج، بعدما تردد أن مائتين منهم سافروا إلى السعودية في فبراير/ شباط الماضي لعمرة استغرقت أسابيع. وتسربت أنباء عن سفر آخرين منهم إلى تركيا للمشاركة في القتال الدائر بسوريا لإسقاط النظام "العلوي" المتحالف مع الشيعة.
    وإذا أضفت إلى ذلك الممارسات التي أقدم عليها بعضهم في عملية وضع الدستور (المزايدة على الجميع في مسألة الشريعة مثلا). وفي لجان مجلس الشورى (اقتراح إلغاء تدريس اللغة الإنجليزية مثلا) أو تلك التي تورط فيها البعض الآخر في المجال العام ممن لجأوا إلى تجريح عقائد الأقباط وهدم بعض الأضرحة أو رفض تحية العلم، إذا لاحظت كل ذلك فستجد أن الناشطين السياسيين منهم أصبحوا عبئا على الوضع المستجد بعد الثورة وليس إضافة. (مشكلاتهم في تونس أكبر ومعركتهم مع السلطة أكثر شراسة).

    لا غرابة والأمر كذلك أن يتراجع رصيد السلفيين في مصر، وأن يتوزع رأي الناس، من غير أنصارهم، فيهم بين فريقين، أحدهما يخاف منهم والثاني يخاف عليهم.

    فهمي هويدي

  • #2
    نشر المقال على موقع الجزيرة (هنا) لاحظ التعليقات
    وكذلك موقع صحيفة السفير اللبنانية (هنا)
    لاحظ التعليقات
    ونقله موقع قناة الفرات الفضائية على هذا (الرابط)، وعلّقت هيئة التحرير عليه:

    تنويه: تسجل هيئة تحرير موقع قناة الفرات الالكتروني أعجابها بـ"نسق وهدف" هذا المقال للكاتب الكبير فهمي هويدي، وتدعوا الى التأمل فيه خصوصا من قبل الاخوة السنّة، والذي تتلخص في أنها تبحث عن وحدة أسلامية ترتكز في بعضها (المهم) على البراغماتية ولغة المصالح الاقتصادية، وأحببنا أن نذكر بأن فهمي هويدي لا يزال "سنّيا"، أذ لم يشيعه أحد...!!!

    تعليق


    • #3
      السلفيون إلى أين؟

      لن أتكلّم عن السلفيين في البحرين، فإنّما هم فصيلٌ صغيرٌ في بلدٍ صغيرٍ، متحالفٌ حد التماهي مع السلطة، إنّما سأتكلّم عن السلفيين في المنطقة العربية بعد الربيع العربي.

      الأحداث الأخيرة، وبروز السلفيين على السطح بقوة، خصوصاً في مصر وتونس، تستدعي التوقف عندها، فقد شهد البلَدَان تحالفاً مع الأخوان المسلمين، كانت المؤشرات كلها تدل على انه سيكون مؤقتاً. فالعارف بالمدرستين، يدرك تماماً وجود تناقض كبير بين الطرحين، وسرعان ما تتكشف التحالفات المرحلية عن صدامٍ كبيرٍ بعد مدة من الانتخابات.

      الحركات السلفية التي تضرب اليوم في مالي والصومال وليبيا والجزائر والعراق واليمن (وحتى سورية)، تحت شعار الجهاد، مستخدمةً أقصى درجات العنف، وأساليب التفجير والمفخّخات، تقوم على فلسفة الشك بـ «إسلامية» المجتمعات الاسلامية والتشكيك بدينها. وهي تناهض المبدأ الاسلامي الأصيل بكفاية «الشهادتين» لثبوت إسلام المرء. ومن أسهل الأمور في هذه المدرسة تكفير المجتمع، وما يقود إليه ذلك من تساهلٍ بدماء البشر. هذا المد العنيف سينتهي حتماً إلى صدامٍ حادٍ مع المجتمعات.

      في تونس، شهدنا انتهاء التحالف المؤقت بين السلفيين وحركة النهضة الاسلامية، بعد جولات من المناوشات بين «أنصار الشريعة» والحكومة التونسية. وكان آخرها منع الحكومة عقد المؤتمر السنوي للسلفيين، أعقبه الصدام مع قوات الأمن، بعدما اعتبرت الحكومة على لسان رئيسها علي العريّض، «أنصار الشريعة» حركة إرهابيةً وغير شرعية، وتوعد بالتصدّي لها بشدة، وربما كان ذلك رداً على عدم اعتراف الحركة بالحكومة و وصفها بـ «الطاغوت». وكانت «أنصار الشريعة» تجاهر برفضها الاعتراف بالدولة وبالقوانين الوضعية، وإعلان تبنيها مشروع إقامة خلافة إسلامية تطبّق الشريعة.

      التدهور السريع في العلاقة يكشف عن هشاشة التحالف السياسي، الذي كان ينتظر شرارة ليشتعل الموقف، وهي حالةٌ شاهدنا بوادرها في مصر أيضاً، خلال المدة الماضية.

      هذه الحركات لا تمتلك مشروعاً سياسياً واضحاً، غير الشعارات الفضفاضة، والمفارقة أنها نشأت في أحضان نظام علماني دكتاتوري متطرف، كان يعد على الناس أنفاسهم، ويحاسبهم على أفكارهم وعقائدهم، ويمعن في الدعوة لعزل الدين عن السياسة والحياة. فمن الطبيعي أن تكون ردة الفعل متطرفةً، وتذهب في الاتجاه المعاكس تماماً، تمسكاً بأبسط الأفكار وأكثرها تشدداً في الحياة.

      في تونس، بدأ الحراك السلفي بتظاهرة احتجاجية ضد فيلم مسيء للرسول (ص)، انتهى إلى هجوم على السفارة الأميركية في سبتمبر 2012، وكان متهماً فيه زعيم مجموعة تونسية قاتلت في أفغانستان إلى جانب القاعدة، وساهمت هذه المجموعة في تدبير اغتيال أحمد شاه مسعود الذي كان يحارب ضد طالبان أفغانستان.

      الملاحظ أن جمهور هذه الحركات، وعلى غير الفكرة السائدة أو الصورة النمطية للسلفيين في العقود السابقة، أغلبه من الشباب وصغار السن، فهناك جيلٌ صاعدٌ من الشباب، سيؤدي دوراً كبيراً في حروب السياسة، وربما سيُستَخدم، بوعي أو دون وعي، في مناهضة الأفكار التحررية الجديدة التي جاء بها الربيع العربي، والتي تؤصل للحرية والكرامة وحقوق الإنسان.

      هذه الحركات لا تمتلك مشروعاً سياسياً للتغيير الحقيقي لأوضاع المنطقة التي عانت من الدكتاتورية قروناً، إلى جانب اعتمادها المتأصل لاستخدام العنف ضد من يختلفون معها في الرأي أو الاتجاه، حتى لو كانوا إسلاميين. وهو ما ينذر بحقبةٍ طويلةٍ من النزاعات الداخلية التي تستنزف الأمة لعقودٍ مقبلةٍ على حساب مواجهة الأخطار والتحديات الخارجية الكبرى.

      قاسم حسين

      تعليق

      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
      حفظ-تلقائي
      x

      رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

      صورة التسجيل تحديث الصورة

      اقرأ في منتديات يا حسين

      تقليص

      لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

      يعمل...
      X