إبتكار مدرسة فنون رسم وتشكيلالتّراث القروي
بقلم: حسين أحمد سليم
آل الحاج يونس
المُصمّم المُبتكروالمخترع اللبناني, الفنّان التّشكيلي المتمرّس القدير والرّسّام الهندسي الفنّيالخبير
الشّعب القروي أينما وُجد, هو شعب طيّب النّفس, ليّنالعريكة, شهم معطاء ومحافظ, صادق إن حكى, وفيّ إن وعد, صدوق إن صاحب, مضياف إنإستضاف, عربيّ الأصول والجذور, عريق التّاريخ وارث المناقب الرّفيعة والأخلاقالعالية, حياته مليئة بالرّجولة والكرم والعنفوان وإغاثة الملهوف وحماية المستجير,وحياته تكتنز بالكثير من التّقاليد والعادات والأعراف والقيم والآداب الموروثة,وحياته الإجتماعيّة قوام العمل المتواصل في القرية, قبل أن تجذبها المدنيّةوالحياة العصريّة وحضارة العولمة وعالم الأنترنت والهاتف الذّكيّ وبرمجيّاتالتّواصل والفضائيّات...
ومظاهر الفنون الشّعبيّة والفلكلوريّة القرويّة, تُعتبرجزءً لا يتجزّأ من القاموس الحضاري لكلّ بيئة, بحيث وراء كلّ صورة من صور مدرسةفنون رسم وتشكيل التّراث القروي, هناك قصّة طريفة قديمة قِدم التّراث... وماحرّضني على العمل الجادّ لإبتكار مدرسة فنون الرّسم والتّشكيل للتّراث القروي, هوالتطلّع إلى حركة فعل التّوثيق لمشهديّات الفنون الشّعبيّة القرويّة, كون هذهالفنون هي عمر هذا الشّعب, إنّها حياته الحقيقيّة, ووجهه الأصيل... ولا يستطيع أحدمن أن يرى معالم وصور ومشهديّات هذه الحضارة القرويّة, التي أصبحت في طريقالزّوال, إلاّ إذا توغّل أحدنا في القرى النّائية, وعاش بين أبنائها الطّيّبين...
ولادتي كانت في رحاب قريتي اللبنانيّة الرّيفيّة النّائية,والتي تتربّع هادئة ساكنة في سهول بقاع لبنان الممتدّة بين سلسلتيّ جبالهالشّرقيّة والغربيّة, والتي تتربّع في بيوتها وأزقّتها وناسها الطّيّبين إلى الغربمن مدينة التّاريخ, مدينة الشّمس بعلبك, عند أطراف النّهر التّاريخيّ القديم, نهرالليطاني...
هناك في قريتي البقاعيّة البعلبكيّة تلك, عشت تفاصيل جميعمعالم ومظاهر وأدوات وفلكلوريّات وفنون حضارة قريتي, تلك الحضارة التي أصبحت فيطريق الزّوال, والتي غدت من الماضي الغابر, وأصاب غالبيّة عناصرها وأجزائهاومفرداتها النّسيان...
من هنا راودتني فكرة إبتكار مدرسة فنّيّة خاصّة, تُعنىبرسم وتشكيل الفنون الشّعبيّة القرويّة, وتهتم بصناعة مشهديّات من رحم الحضارةالقرويّة وهي في طريقها للنّسيان والّزوال... وأنا الذي عشت في رحاب القريّةاللبنانيّة ردحاً زمنيّاً من عمري, فكان لا بُدّ لي, وأنا المُهتمّ بالفنونالأدبيّة والفنون التّشكيليّة والفنون الهندسيّة, إلاّ أن أقوم بتطبيق وفائيوإخلاصي لقريتي الرّيفيّة اللبنانيّة, أينما كانت وأينما نشأت, جبلاً أو سهلاً أوساحلاً, بقاعاً أو جنوباً أو شمالاً أو وسطاً... فعزمت الأمر وعلى الله توكّلت,ومارست زياراتي المكّوكيّة الكثيفة لغالبيّة القرى اللبنانيّة إضافة لقريتي وقريةزوجتي في رحاب قرى قضاء الهرمل, تُرافقني قرينتي الكاتبة والفنّانة التّصويريّة,وضحة سعيد شعيب, بحيث إستطعنا رؤية وتصوير وجمع ما تيسّر لنا من بقايا أدواتومعالم ومظاهر وصور الحضارة القرويّة, وعكفنا سويّاً على توثيقها بعد رسمهاوتشكيلها في لوحات ومشهديّات ترفل لها العين, إختلط فيها مداد قلمي وألوان ريشتي فوقالخامات المتنوّعة, وتماذجت فيها أحباري وخطوطي وأشكالي بمياه ينابيع وأنهار لبنانالفيّاضة, والتي تترقرق منسابة في مجاريها الملتوية إلتواء الأوديّة, لتصل مطمئنّةفي موسقات خريرها بين الحصى, وتصبّ في شاطيء بحر لبنان الممتدّ من الشّمال إلىالجنوب غرباً بمسافة طوليّة تتجاوز المائتيّ كيلومتر...
مدرسة فنون الرّسم والتّشكيل التّراثي القروي, تختزنالكثير من المشهديّات واللوحات والصّور, ومنها على سبيل المثال لا الحصر: صناعةالخبز المرقوق على الصّاج, صناعة خبز التّنّور, مشهديّة العين, صورة البئر, درسالقمح على البيدر, ذري القمح على البيدر, الدّبكة التّسائيّة, درب العين,النّاطور, لعب السّيف والتّرس, قيمة الجرن, ساحة الضّيعة, الكبّة, الرّقصةالنّسائيّة, الدّبكة الجامعة, قطف المشمش والتّفّاح, قطف العنب, حصاد القمح,الحطّاب, الدّكّان, الرّاعي, لعبة الكماش, المغربي, سلق القمح, مجلس المختار,قافلة المكاريّة, القرية, شيخ شباب القرية, دبكة الرّجال, نافخ المزمار, عازفالرّبابة, غزل الصّوف, فرك الكشك, صناعة القورما, صناعة المربّيات, صناعةالمخلّلات, جمع الزّوفا والبابونج, صناعة البرغل, المطحنة القديمة, السّهراتالقرويّة, الشّـاء القروي والثّلوج, وحدل السّطح التّرابي بالمحدلة والقوس, وصيانةحوافّ السّطوح وطرقها بالمخباط الخشبي, وكذلك مراسم العزاء لرحيل أحد من أهلالقرية, وتربية دود القزّ, وأشغال المطرّزات والمنمات والإبرة والخياطة, وصناعةالأطباق من سنابل القمح, وصناعة الحصر من أوراق عرانيس الذّرة, وصناعة البسطوالسّجاجيد من شرائط الثّياب العتيقة...
هذا, ومن التّراثيّات القرويّة, بناء البيت القروي,وتفصيلاته الخارجيّة والدّاخليّة, وبناء زرائب المواشي والحيوانات, وبناء مستودعاتالتّبن والحطب, وحفظ المونة في توابيت ترابيّة في الجدران المنزليّة, وتنجيد الفرشواللحف والوسائد والطّراريح, والموقدة في زاوية غرفة الجلوس, وأدوات الفلاحةالقديمة, من صمد ونير ومسّاس... وزوج الثّيران, وتربية الغنم والماعز, وإستخداماتالخيل, والحمير والجمال والبغال والكلاب... والحاكورة وتربية الدّجاج, وتربيةالنّحل لجني العسل, والأدوات المطبخيّة, وجرّة وإبريق الفخّار, ومظاهر العرسالقروي, وزفّة العروس, وتقاليد طلب العروس من أهلها...
هذا, وجميع هذه العناصر والأدوات والمعالم, تُشكّل فيمجموعها الخزّان الذي لا ينضب, لتكون مرجعاً واسعاً لتطبيقات لوحات ومشهديّات وصورمدرسة فنون رسم وتشكيل التّراث القروي والفنون الشّعبيّة القرويّة والفلكلوريّاتالقرويّة, بأساليب فنّيّة متنوّعة, ذات لون أحاديّ أو بألوان مختلفة, وموادّمتنوّعة وخامات عديدة...