ولد جورج دابليو بوش لأبوين متدينين هما جورج بوش الأب وباربارا بوش في ولاية كونكتيكت الأمريكية عام 1946، وانتقل به أبواه وهو صبي إلى ولاية تكساس التي أصبحت موطنه ومكان صعود نجمه السياسي. لكن بوش الشاب لم يسر في البداية على خطى أبويه المتدينيْن، بل كان مدمنا علىالخمر حتى سبب أكثر من إزعاج لزوجته "لورا". وقد كانت لورا صاحبة الفضل في إقناعه بالكف عن الشراب، والأخذ بيده إلى الكنيسة التي اعتادت الذهاب إليها.
لكن الرجل الذي أثر في حياة جورج بوش الدينية ونقله نقلة جذرية من حياة الإدمان إلى حياة الأصولية المسيحية هو القسيس "بيلي غراهام", وقد أثنى بوش على شيخه "بيلي غراهام" مرة فقال: "إنه الرجل الذي قادني إلى الرب".
وبيل غراهام - لمن لا يعرفه - هو أبرز وجوه اليمين المسيحي الصهيوني في الولايات المتحدة اليوم. وكان ابنه "فرانكلين" هو الذي قدم الصلوات في تدشين رئاسة جورج بوش.
وقد سمع العرب والمسلمون عبر العالم الكثير عن بيل غراهام وعن ابنه فرانكلين السنة الفارطة بسبب تهجماتهما على الدين الإسلامي، ووصفه بشتى الأوصاف المشينة.
وقد ذكر بوش في حملة الانتخابات الرئاسية الماضية أنه يبدأ حياته كل يوم بقراءة في الإنجيل، أو على الأصح في "الكتاب المقدس" الذي يشمل الإنجيل والتوراة العبرانية. ومن كتبه المفضلة التي يقرأها يوميا في البيت الأبيض – طبقا لنيوزويك – كتاب للقسيس "أوزوالد شامبرز" الذي مات في مصر عام 1917 وهو يعظ الجنود البريطانيين والأستراليين هناك بالزحف على القدس وانتزاعها من المسلمين.
لكن ما يهمنا هنا أكثر هو التعبير السياسي لهذه الخلفية الدينية. وفي هذا السياق تحسن الإشارة إلى أن امتزاج الدين والسياسة في شخصية الرئيس بوش لم يسفر عن وجهه إلا في العام 1988، حينما بدأ بوش المشاركة في حملة أبيه الانتخابية الرئاسية، وقد أوكل إليه أبوه تولي ملف العلاقات بالقسس والوعاظ المسيحيين وتعبئتهم للتوصيت له. فكانت هذه أول مرة اكتشف فيها بوش الشاب القوة الدينية اليمينية الصاعدة، خصوصا في الجنوب الأمريكي. وكانت فراسة بوش في أولئك اليمينيين المسيحيين فراسة صائبة، فقد سيطرت تلك المجموعات فيما بعد على الحزب الجمهوري، وتحولت إلى قوة سياسية ضاربة، استفاد منها بوش في تقلد منصب حاكم ولاية تكساس، ثم في انتخابه رئيسا فيما بعد.
مكانة بوش على الخريطة الدينية الأميركية
وتتسم الخريطة الدينية للولايات المتحدة بشيء من التعقيد، فلا يمكن رسم حدودها واضحة وبيان مكانة بوش فيها بشكل مفصل في هذا المقال، لكن يمكن القول إجمالا إن أنصار بوش هم في الغالب الأعم من البيض البروتستنت، وممن ينتمون للكنيسة المعمدانيةBabtist أو الكنيسة المنهجية Methodist التي ينتمي إليها بوش، أما الكنيسة الكاثوليكية التي يقدر أتباعها بحوالي 60 مليون شخصا، فلا تربطها علاقة ود بالرئيس بوش، لأسباب سياسية ودينية وتاريخية كثيرة. لكن أغلب اليهود الأمريكيين بمختلف طوائفهم المتدينة والليبرالية يؤيدونه بقوة في سياساته في فلسطين وفي العراق، بل يمكن القول بدون مبالغة إنهم صاغة تلك السياسة ومخططوها.
وقد تحدث كثيرون عن مجموعة "ريتشارد بيرل" وزملائه في "معهد الاسراتيجيات المتقدمة والدراسات السياسية" الذين هم أصل فكرة غزو العراق. فقد أعد ريتشارد بيرل منذ أعوام ضمن فريق ترأسه من مثقفي اليهود الأمريكيين دراسة عن "الاستراتيجية الإسرائيلية إلى العام 2000" قدموها إلى بنيامين نتنياهو فور نجاحه في الانتخابات الإسرائيلية، ودعوا فيها إلى دفع أمريكا إلى غزو العراق باعتبار ذلك جزءا محوريا من الاستراتيجية الإسرائيلية لاستمرار التفوق العسكري والاستراتيجي في الأمد المنظور. كما دعوا إلى انتهاج سياسة هجومية عدائية ضد الفلسطينيين، والتخلي عن فكرة "السلام الشامل" لصالح فكرة "السلام القائم على ميزان القوى". وقد رأينا كيف بدأت هذه الاستراتيجية في التعاطي مع الفلسطينيين، والآن يبدو أن البند المتعلق بالعراق من تلك الوثيقة قد أوشك على دخول حيز التطبيق.
وقد ورد في سيرة حياة ريتشارد بيرل الذي ترأس فريق الدراسة آنذاك، أنه عمل عضوا في مجلس إدارة "المعهد اليهودي لدراسات الأمن القومي" ومديرا لصحيفة "الجروسالم بوست" الإسرائيلية. لكن الأهم والأغرب أنه اليوم يترأس "مجلس سياسات الدفاع" في الولايات المتحدة، ويعمل مستشارا لوزير الدفاع دونالد رامسفيلد، مع العديد من اليهود الأمريكيين المحيطين بوزير الدفاع الأمريكي، وليس أقلهم شأنا نائب الوزير "بول ولفويتز".
وقد قدمت قناة "سي أن أن" منذ أيام ريتشارد بيرل في مقابلة معه، على أنه "الرجل الذي ينظر إليه باعتباره صاحب فكرة غزو العراق".. ولا يترك "أفرايم كام" الباحث في "مركز جافي للدراسات الاستراتيجية" بجامعة تل أبيب شكا في أن إسرائيل هي صاحبة المصلحة الأولى والأخيرة في غزو العراق، وذلك في دراسة له منشورة الشهر المنصرم بعنوان: "صبيحة ما بعد صدام".
لكن ما هي علاقة كل ذلك بتدين جورج بوش؟ الحق أن العلاقة وطيدة، لأن اليمين المسيحي الذي ينتمي إليه جورج بوش يؤمن بأن إسرائيل مشروع إلهي، ومحطة تاريخية لازمة لعودة المسيح. وكل رجال الدين الأقوياء الذين يقفون وراء بوش ويمثلون القاعدة الانتخابية للحزب الجمهوي معروفون بولائهم لإسرائيل في عقائدهم ومشاعرهم. وهذا المعتقد الديني الراسخ هو الذي يجعل رجلا مثل بوش يتبنى الخطة الإسرائيلية لغزو العراق، حتى ولو عنى ذلك إشعال الحرب مع العالم الإسلامي وانهيار العلاقات التاريخية بأوربا.
جدلية الدين والسياسة في تفكير الرئيس بوش
وقد لاحظ كثيرون أثر الدين في رؤية بوش السياسية، بشكل غير معهود في الحياة الأمريكية: فهو يميل إلى التفسير الديني للأحداث السياسية الحالية، وقد قال في حديث للمذيعين الدينيين مؤخرا :"إن الإرهابيين يمقتوننا، لأننا نعبد الرب بالطريقة التي نراها مناسبة". كما يكثر في أحاديثه وخطاباته إيراد المصطلحات الدينية. فهو كثير الحديث عن "الرب" وعن "الصراع بين الخير والشر". وما مصطلح "محور الشر" إلا مثالا واحدا على ذلك.
وقد لاحظ أحد الكتاب أن بوش يفضل استخدام مصطلح "الحرية" على مصطلح "الديمقراطية"، وأن الحرية في عرف بوش ذات مدلول ديني، فهي ليست حرية الخيار السياسي بالضرورة، بل "حرية اكتشاف الرب" بكل المدلول المسيحي التبشيري لذلك. وذكرت مجلة نيوزويك أن أنصار بوش من الإنجيليين يأملون أن تكون الحرب القادمة على العراق فاتحة لنشر المسيحية في بغداد (نيوزويك 10/03/2003) كما يشير موقع القس بيلي غراهام على الإنترنت – وهو الأب الروحي للرئيس بوش- إلى "الجوع الروحي في العراق في الوقت الحاضر"، ولذلك مدلوله الخاص في السياق الحالي.
ويميل الرئيس بوش إلى اعتماد البرامج الاقتصادية والاجتماعية، التي ترسخ الدين المسيحي في المجتمع الأمريكي وفي العالم. ومن أمثلة ذلك داخليا تخصيصه بندا من الميزانية لتمويل المؤسسات التربوية والاجتماعية الدينية، من كنائس ومدارس دينية وغيرها، وهي سابقة في تاريخ الولايات المتحدة، اعتبرها كثيرون بداية النهاية للموقف الحيادي من الدين الذي يلزم الدستور الأمريكي الحكومة به. أما خارجيا فمن أمثلة ذلك تخصيص بوش 15 مليار دولارا لمكافحة الأيدز في إفريقيا، وهو برنامج يحمل مضمونا تبشيريا أيضا، فقد ورد في النيوزويك أن حلفاء بوش من الحركة الإنجيلية يطمحون إلى استعمال تلك الأموال في نشر المسيحية في إفريقيا.
ويشير الكاتب الصحفي بوب وودوارد في كتابه الجديد: "بوش في الحرب" Bush at War إلى قصة طريفة تكشف عن جانب من جدلية الدين والسياسة في تفكير الرئيس بوش. فقد حكى بوش للكاتب في إحدى مقابلاته معه أثناء إعداد الكتاب قصة لقائه الأول مع الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" يوم 19/06/2001. يقول بوش:"دخل الرئيس بوتين وجلس ... وحضر المترجمان.. وأراد بوتين أن يبدأ الكلام، لكني بادرته بالقول: السيد الرئيس.. دعني أبدأ بالإشارة إلى أمر لفت انتباهي، وهو أن والدتك أعطتك صليبا، وأنكم باركتم ذلك الصليب في إسرائيل الأرض المقدسة. فقال: صحيح. فقلت: إن هذا الأمر يثير عجبي، لأنك كنت شيوعيا وضابطا في (الكي جي بي) ومع ذلك كنتَ راغبا في حمل الصليب، إن هذا الأمر بالنسبة لي يحمل من المعنى أكثر مما تحمله مجلدات". ثم يضيف الرئيس بوش: "..وبدأ بوتين يتحدث عن ديون روسيا... لكني كنت مهتما أكثر بمعرفة هذا الرجل [بوتين] الذي علي أن أتعامل معه، ولهذا أردت التأكد من صحة قصة الصليب" (بوش في الحرب ص 119-120).
هل تديّن بوش مصدر قوة أم مصدر ضعف؟
لكن هذا الحماس الديني الذي هو مصدر قوة الرئيس بوش وطاقته، هو أيضا مصدر ضعفه وسوء تقديره للأمور. وليس هذا رأي أعداء الرئيس بوش ومنتقديه فحسب، بل هو قول مساعديه ومقربيه كذلك. وقد ذكرت مجلة "نيوزويك" أن مستشاري الرئيس بوش يدركون أن "العديد من الأمريكيين – وكثيرين عبر العالم - يعتبرونه رجلا أعمته معتقداته .. عن فهم تعقيدات العالم المحيط به كما هي". ولاينكر مساعدو بوش هذه التهمة، بحسب المجلة، التي تضيف: "يقول مساعدو بوش إن معتقداته المسيحية المتأججة تحت السطح تمنحه قوة وعزما، لكنها لا تعينه على فهم السياسات اللازم اتباعها" (نيوزويك 10/03/2003).
لكن الرجل الذي أثر في حياة جورج بوش الدينية ونقله نقلة جذرية من حياة الإدمان إلى حياة الأصولية المسيحية هو القسيس "بيلي غراهام", وقد أثنى بوش على شيخه "بيلي غراهام" مرة فقال: "إنه الرجل الذي قادني إلى الرب".
وبيل غراهام - لمن لا يعرفه - هو أبرز وجوه اليمين المسيحي الصهيوني في الولايات المتحدة اليوم. وكان ابنه "فرانكلين" هو الذي قدم الصلوات في تدشين رئاسة جورج بوش.
وقد سمع العرب والمسلمون عبر العالم الكثير عن بيل غراهام وعن ابنه فرانكلين السنة الفارطة بسبب تهجماتهما على الدين الإسلامي، ووصفه بشتى الأوصاف المشينة.
وقد ذكر بوش في حملة الانتخابات الرئاسية الماضية أنه يبدأ حياته كل يوم بقراءة في الإنجيل، أو على الأصح في "الكتاب المقدس" الذي يشمل الإنجيل والتوراة العبرانية. ومن كتبه المفضلة التي يقرأها يوميا في البيت الأبيض – طبقا لنيوزويك – كتاب للقسيس "أوزوالد شامبرز" الذي مات في مصر عام 1917 وهو يعظ الجنود البريطانيين والأستراليين هناك بالزحف على القدس وانتزاعها من المسلمين.
لكن ما يهمنا هنا أكثر هو التعبير السياسي لهذه الخلفية الدينية. وفي هذا السياق تحسن الإشارة إلى أن امتزاج الدين والسياسة في شخصية الرئيس بوش لم يسفر عن وجهه إلا في العام 1988، حينما بدأ بوش المشاركة في حملة أبيه الانتخابية الرئاسية، وقد أوكل إليه أبوه تولي ملف العلاقات بالقسس والوعاظ المسيحيين وتعبئتهم للتوصيت له. فكانت هذه أول مرة اكتشف فيها بوش الشاب القوة الدينية اليمينية الصاعدة، خصوصا في الجنوب الأمريكي. وكانت فراسة بوش في أولئك اليمينيين المسيحيين فراسة صائبة، فقد سيطرت تلك المجموعات فيما بعد على الحزب الجمهوري، وتحولت إلى قوة سياسية ضاربة، استفاد منها بوش في تقلد منصب حاكم ولاية تكساس، ثم في انتخابه رئيسا فيما بعد.
مكانة بوش على الخريطة الدينية الأميركية
وتتسم الخريطة الدينية للولايات المتحدة بشيء من التعقيد، فلا يمكن رسم حدودها واضحة وبيان مكانة بوش فيها بشكل مفصل في هذا المقال، لكن يمكن القول إجمالا إن أنصار بوش هم في الغالب الأعم من البيض البروتستنت، وممن ينتمون للكنيسة المعمدانيةBabtist أو الكنيسة المنهجية Methodist التي ينتمي إليها بوش، أما الكنيسة الكاثوليكية التي يقدر أتباعها بحوالي 60 مليون شخصا، فلا تربطها علاقة ود بالرئيس بوش، لأسباب سياسية ودينية وتاريخية كثيرة. لكن أغلب اليهود الأمريكيين بمختلف طوائفهم المتدينة والليبرالية يؤيدونه بقوة في سياساته في فلسطين وفي العراق، بل يمكن القول بدون مبالغة إنهم صاغة تلك السياسة ومخططوها.
وقد تحدث كثيرون عن مجموعة "ريتشارد بيرل" وزملائه في "معهد الاسراتيجيات المتقدمة والدراسات السياسية" الذين هم أصل فكرة غزو العراق. فقد أعد ريتشارد بيرل منذ أعوام ضمن فريق ترأسه من مثقفي اليهود الأمريكيين دراسة عن "الاستراتيجية الإسرائيلية إلى العام 2000" قدموها إلى بنيامين نتنياهو فور نجاحه في الانتخابات الإسرائيلية، ودعوا فيها إلى دفع أمريكا إلى غزو العراق باعتبار ذلك جزءا محوريا من الاستراتيجية الإسرائيلية لاستمرار التفوق العسكري والاستراتيجي في الأمد المنظور. كما دعوا إلى انتهاج سياسة هجومية عدائية ضد الفلسطينيين، والتخلي عن فكرة "السلام الشامل" لصالح فكرة "السلام القائم على ميزان القوى". وقد رأينا كيف بدأت هذه الاستراتيجية في التعاطي مع الفلسطينيين، والآن يبدو أن البند المتعلق بالعراق من تلك الوثيقة قد أوشك على دخول حيز التطبيق.
وقد ورد في سيرة حياة ريتشارد بيرل الذي ترأس فريق الدراسة آنذاك، أنه عمل عضوا في مجلس إدارة "المعهد اليهودي لدراسات الأمن القومي" ومديرا لصحيفة "الجروسالم بوست" الإسرائيلية. لكن الأهم والأغرب أنه اليوم يترأس "مجلس سياسات الدفاع" في الولايات المتحدة، ويعمل مستشارا لوزير الدفاع دونالد رامسفيلد، مع العديد من اليهود الأمريكيين المحيطين بوزير الدفاع الأمريكي، وليس أقلهم شأنا نائب الوزير "بول ولفويتز".
وقد قدمت قناة "سي أن أن" منذ أيام ريتشارد بيرل في مقابلة معه، على أنه "الرجل الذي ينظر إليه باعتباره صاحب فكرة غزو العراق".. ولا يترك "أفرايم كام" الباحث في "مركز جافي للدراسات الاستراتيجية" بجامعة تل أبيب شكا في أن إسرائيل هي صاحبة المصلحة الأولى والأخيرة في غزو العراق، وذلك في دراسة له منشورة الشهر المنصرم بعنوان: "صبيحة ما بعد صدام".
لكن ما هي علاقة كل ذلك بتدين جورج بوش؟ الحق أن العلاقة وطيدة، لأن اليمين المسيحي الذي ينتمي إليه جورج بوش يؤمن بأن إسرائيل مشروع إلهي، ومحطة تاريخية لازمة لعودة المسيح. وكل رجال الدين الأقوياء الذين يقفون وراء بوش ويمثلون القاعدة الانتخابية للحزب الجمهوي معروفون بولائهم لإسرائيل في عقائدهم ومشاعرهم. وهذا المعتقد الديني الراسخ هو الذي يجعل رجلا مثل بوش يتبنى الخطة الإسرائيلية لغزو العراق، حتى ولو عنى ذلك إشعال الحرب مع العالم الإسلامي وانهيار العلاقات التاريخية بأوربا.
جدلية الدين والسياسة في تفكير الرئيس بوش
وقد لاحظ كثيرون أثر الدين في رؤية بوش السياسية، بشكل غير معهود في الحياة الأمريكية: فهو يميل إلى التفسير الديني للأحداث السياسية الحالية، وقد قال في حديث للمذيعين الدينيين مؤخرا :"إن الإرهابيين يمقتوننا، لأننا نعبد الرب بالطريقة التي نراها مناسبة". كما يكثر في أحاديثه وخطاباته إيراد المصطلحات الدينية. فهو كثير الحديث عن "الرب" وعن "الصراع بين الخير والشر". وما مصطلح "محور الشر" إلا مثالا واحدا على ذلك.
وقد لاحظ أحد الكتاب أن بوش يفضل استخدام مصطلح "الحرية" على مصطلح "الديمقراطية"، وأن الحرية في عرف بوش ذات مدلول ديني، فهي ليست حرية الخيار السياسي بالضرورة، بل "حرية اكتشاف الرب" بكل المدلول المسيحي التبشيري لذلك. وذكرت مجلة نيوزويك أن أنصار بوش من الإنجيليين يأملون أن تكون الحرب القادمة على العراق فاتحة لنشر المسيحية في بغداد (نيوزويك 10/03/2003) كما يشير موقع القس بيلي غراهام على الإنترنت – وهو الأب الروحي للرئيس بوش- إلى "الجوع الروحي في العراق في الوقت الحاضر"، ولذلك مدلوله الخاص في السياق الحالي.
ويميل الرئيس بوش إلى اعتماد البرامج الاقتصادية والاجتماعية، التي ترسخ الدين المسيحي في المجتمع الأمريكي وفي العالم. ومن أمثلة ذلك داخليا تخصيصه بندا من الميزانية لتمويل المؤسسات التربوية والاجتماعية الدينية، من كنائس ومدارس دينية وغيرها، وهي سابقة في تاريخ الولايات المتحدة، اعتبرها كثيرون بداية النهاية للموقف الحيادي من الدين الذي يلزم الدستور الأمريكي الحكومة به. أما خارجيا فمن أمثلة ذلك تخصيص بوش 15 مليار دولارا لمكافحة الأيدز في إفريقيا، وهو برنامج يحمل مضمونا تبشيريا أيضا، فقد ورد في النيوزويك أن حلفاء بوش من الحركة الإنجيلية يطمحون إلى استعمال تلك الأموال في نشر المسيحية في إفريقيا.
ويشير الكاتب الصحفي بوب وودوارد في كتابه الجديد: "بوش في الحرب" Bush at War إلى قصة طريفة تكشف عن جانب من جدلية الدين والسياسة في تفكير الرئيس بوش. فقد حكى بوش للكاتب في إحدى مقابلاته معه أثناء إعداد الكتاب قصة لقائه الأول مع الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" يوم 19/06/2001. يقول بوش:"دخل الرئيس بوتين وجلس ... وحضر المترجمان.. وأراد بوتين أن يبدأ الكلام، لكني بادرته بالقول: السيد الرئيس.. دعني أبدأ بالإشارة إلى أمر لفت انتباهي، وهو أن والدتك أعطتك صليبا، وأنكم باركتم ذلك الصليب في إسرائيل الأرض المقدسة. فقال: صحيح. فقلت: إن هذا الأمر يثير عجبي، لأنك كنت شيوعيا وضابطا في (الكي جي بي) ومع ذلك كنتَ راغبا في حمل الصليب، إن هذا الأمر بالنسبة لي يحمل من المعنى أكثر مما تحمله مجلدات". ثم يضيف الرئيس بوش: "..وبدأ بوتين يتحدث عن ديون روسيا... لكني كنت مهتما أكثر بمعرفة هذا الرجل [بوتين] الذي علي أن أتعامل معه، ولهذا أردت التأكد من صحة قصة الصليب" (بوش في الحرب ص 119-120).
هل تديّن بوش مصدر قوة أم مصدر ضعف؟
لكن هذا الحماس الديني الذي هو مصدر قوة الرئيس بوش وطاقته، هو أيضا مصدر ضعفه وسوء تقديره للأمور. وليس هذا رأي أعداء الرئيس بوش ومنتقديه فحسب، بل هو قول مساعديه ومقربيه كذلك. وقد ذكرت مجلة "نيوزويك" أن مستشاري الرئيس بوش يدركون أن "العديد من الأمريكيين – وكثيرين عبر العالم - يعتبرونه رجلا أعمته معتقداته .. عن فهم تعقيدات العالم المحيط به كما هي". ولاينكر مساعدو بوش هذه التهمة، بحسب المجلة، التي تضيف: "يقول مساعدو بوش إن معتقداته المسيحية المتأججة تحت السطح تمنحه قوة وعزما، لكنها لا تعينه على فهم السياسات اللازم اتباعها" (نيوزويك 10/03/2003).
تعليق