إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

هكذا ظلمنا الإمام الشيرازي

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • هكذا ظلمنا الإمام الشيرازي

    هكذا ظلمنا الإمام الشيرازي

    ورقة صفراء وأسئلة بيضاء:
    كنت في صغري أحب البحث في الأوراق الصفراء التي اختزنتها مكتبتنا الخاصة في منزلنا، كانت الأوراق تتراوح بين بيانات دينية، ونشرات توجيهية من بعض العلماء في العراق ولبنان، وبعض القصائد التي كانت توزع هُنا وهناك.

    وقعت في يدي فجأة ورقة صفراء كتب فيها سؤال عن اجتهاد السيد محمد بن السيد مهدي الشيرازي، وذُيلت بإجابات مقتضبة لبعض المراجع الكبار في النجف الأشرف بعدم معرفتهم الشخص المذكور بالاجتهاد، وعدم عهدهم إياه في حوزاتهم. وحين سألت أخي الأكبر عن هذا الاستفتاء أخذه مني وقال لي: لا شأن لك بهذه الأمور وأنت بهذه السن.

    المشكلة أن هذا الأمر أوقعني في حيرة شديدة، فقد كنت في ذات الفترة أقرأ تلك الكتيبات الصغيرة التي كان يحضرها أخي المرحوم الشيخ شفيع «رحمه الله» ووالدي «دام ظله» من كربلاء، والتي كانت من تأليف الإمام الراحل الشيرازي «قده»، وما فيها إلا التوجيهات الدينية وتعليم أصول الدين والمذهب، وكلامٌ عن الشيوعية لم أفهمه، وكتاب عن مناسك الحج.

    كبرت وكبر معي هذا التساؤل والتناقض في التعامل مع الإمام الشيرازي «قده»، فقد شهدت الكثير من الإنجازات التي قدمتها هذه المرجعية في قيادتها للجماهير التي كانت ترجع إليها في التقليد، وكانت تتركز حين ذاك في القطيف وسيهات والكويت وكربلاء، وكنت أسمع عن الشيرازيين بأن عليهم علامات استفهام في أنشطتهم التي تتسم بالسرية، وأن هؤلاء - على رغم انتشارهم الواسع وكثافتهم - ليسوا على حق وأعمالهم باطلة، لأنهم يرجعون إلى شخص غير مجتهد، أو في أحسن الأحوال غيرِ الأعلم.

    الصدمة:
    بعد وفاة الميرزا حسن الإحقاقي وبعده ابنه الميرزا عبدالرسول[1] ، تقدم بعض الإخوة بالسؤال من المرحوم آية الله العظمى الشيخ محمد الهاجري «قده» [2] عن من يمكنهم الرجوع إليه في التقليد، خصوصاً بعد اقتناعهم بمبدأ تقليد الحي الأعلم، فأحالهم لتقليد السيد محمد الشيرازي، [3] وبعد مراجعته المشهورة لسماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد السيستاني «دام ظله» كان يجيب من يسأله عن الأعلم بالتخيير بين السيد السيستاني والسيد الشيرازي[4] .

    عجيب! كيف يمكن لشخص في مثل علمية آية الله المحقق الشيخ محمد الهاجري أن يضفي لقب الأعلمية لشخص قيل لنا بأنه غير مجتهدٍ أصلاً وحامت حوله الشبهات؟!

    وللأسف - أقولها وكلي حسرة وألم - فقد رجع بعض الأخوة لتقليد الإمام الشيرازي «قده» بناءً على وضوح كلام الشيخ الهاجري، إلا أنهم تعرضوا للمضايقات والإلحاح والمحاورات الطويلة لإقناعهم بالعدول عن السيد الشيرازي «قده»، ورضخوا لتلك الضغوطات واقتنعوا بما أُملي لهم تحت إلحاح الأكثرية[5] .

    قائمة الملاحظات:
    في الحقيقة هي قائمة الافتراءات التي أُلصقت بالإمام الشيرازي ومرجعيته، والتي كنتُ أسمعها من هنا وهناك منذ الصغر وحتى وقت قريب، ومن أهمها:

    أن السيد الشيرازي غير مجتهد أصلاً، مستشهدين بأقوال بعض «الفضلاء» و«أهل الخبرة»!!؛ وبالتالي فإن تقليده غير مجزئ ولا مبرئ للذمة.

    بعض المؤلفات المنسوبة للسيد الشيرازي لم يكتبها هو بل كتبها آخرون له.

    أغلب تلك المؤلفات تفتقر إلى العمق وتمتاز بالسطحية، وبعضها ملتقطٌ من هنا وهناك.

    مرجعية السيد الشيرازي سياسية وذات طابع ثوري واندفاعي، فيجب الحذر منها، خصوصاً مع الظروف الأمنية التي كانت تعيشها المنطقة في فترة الثمانينات ومطلع التسعينات.

    وغيرها الكثير من الافتراءات التي سمعتها - وللأسف - حتى من بعض المتمشيخين والمتلبسين بلباس طلبة العلم، وبعض الذين تأثروا بهم من هنا وهناك.

    البحر المليء عذوبة:
    في إحدى سفراتي إلى البحرين لحضور بعض الفعاليات العاشورائية هناك، أهداني أحد الأشخاص اسطوانة تحوي محاضرات عربية للإمام الشيرازي، مشفوعة بابتسامة منه ودعوة لي بالتوفيق.

    في طريق عودتي كنتُ أستمع باهتمام إلى بعض تلك المحاضرات التي انتقيتها بعشوائية، فصُدمت بحجم الفكر والوعي الذي يمتلكه هذا المفكر العظيم، في مجال السياسة والاجتماع والأخلاق والفقه وهموم الحركات الإسلامية والتاريخ السياسي والاجتماعي للعراق وباقي شعوب المنطقة.

    فالتفتُّ إلى أخي الذي كان بجانبي قائلاً: ألا تظُنُّ بأننا ضيّعنا على أنفسنا الكثير الكثير من العطاء الفكري والوعي والعلم بمقاطعتنا كتب ومحاضرات هذا السيد الجليل؟؟

    بعدها بفترة كنت في طور إعداد بحث تاريخي، فاقتنيت كتاب فلسفة التاريخ للإمام الشيرازي، وما إن تصفحت عناوينه وبعض فصوله إلا وذُهلت لهذا المفكر العملاق، فلم يكتفِ بالبحث في السنن التاريخية التقليدية والنظريات التاريخية القديمة للعلماء المسلمين، بل راح يناقش المناهج التحليلية الحديثة للتاريخ للمفكرين الغربيين. وتساءلت حينها، أي عمقِ فكري يريده هؤلاء أكثر من هذا؟!

    أضف إلى ذلك الكثير من الكتب النهضوية ككتاب السبيل إلى إنهاض المسلمين وكتاب طريقنا إلى الحضارة، وكتاب اللاعنف في الإسلام وكتاب ليحج خمسون مليوناً كل عام وغيرها الكثير، متجاوزاً الكتب والموسوعات الفقهية والأصولية العميقة، التي تثبت أن للمرجع الراحل نظرة ثاقبة تنفذ في المستقبل، يرى بعين البصيرة ما لم يره غيره، كان البعض يستهزئ بالسيد الشيرازي حينما كان يطرح بعض القضايا المستقبلية التي لم تكن معهودة في ذلك الوقت، واليوم خلف لنا الكثير من الفكر والعطاء، ورصيداً ضخماً من الحسرة والندم.

    انفجار الحقيقة:
    وقع في يدي كتابٌ «قادة الفكر الديني والسياسي في النجف الأشرف» لسماحة الدكتور الشيخ محمد حسين الصغير[6] ، والحديث عن هذا الكتاب والمؤلف يحتاج إلى موضوع مستقل، ما يهمنا في الأمر أن الدكتور الصغير كتب هذا الكتاب كجزء ثانٍ لكتابه الأول «أساطين المرجعية في النجف الأشرف»، وقد ترجم لعددٍ من العلماء والمراجع، وتكمن أهمية هذا الكتاب وندرته في أن الكاتب تحدث عن هذه الشخصيات من واقع معايشة واحتكاك مباشر معهم.

    في هذا الكتاب خصص الدكتور الصغير بحثاً بعنوان: «السيد محمد مهدي الشيرازي موضوعياً» [7] ، وقد ذكر فيه من الحقائق والمعلومات ما أزالت الرين عن قلبي، وأبطلت سحر الأوراق الصفراء والنفوس السوداء التي ما برحت تُسقط شخصية الإمام الراحل السيد محمد مهدي الشيرازي «قده».

    وتجدر الإشارة إلى أن سماحة الدكتور محمد حسين الصغير هو من المحسوبين على مرجعية السيد محسن الحكيم ثم السيد الخوئي فالسيد السيستاني، وقد كان - ولا يزال - مستشاراً لهذين المرجعين الكبيرين[8] ، وهذا ما أعطى البحث المزيد من الموضوعية والاستقلالية.

    وقد استوقفتني الكثير من الموارد في هذا الكتاب جعلتني أعيد حساباتي في أمور كثيرة جداً، ومن أهم تلك الموارد التي ذكرها الدكتور الصغير:

    «إن هذه الأسرة الشريفة في كربلاء المقدسة ـ أسرة آل الشيرازي ـ يحسدها الكثيرون ممن لا خلق ولا خلاق، لأنهم محبوبون حباً ذاتياً، ولهم شعبية هائلة في الوسط الجماهيري، وتلك نعمة كبرى، وكل ذي نعمة محسود.» [9]

    «السيد الشيرازي قدس سره داعية إسلامية كبير، ومرجع ديني معروف، وظاهرة فريدة في البحث والتأليف والنشر، وضرب به المثل في الصبر والمعاناة على ذلك.» [10]

    «لم يكن هذا المكان الذي احتله السيد الشيرازي اعتباطيا أو فجائياً، فالرجل في نشأته المباركة وراء هذه الأهمية الخاصة، فقد كان كثير الصِلاة بالمناخ العلمي، وقد عاصر طائفة من العلماء الربانيين، وهو على ارتباط مباشر بثقافة هذا العصر، فعاد بذلك مثقفاً عصرياً متحضراً.» [11]

    «نشأ السيد الشيرازي قدس سره في بحبوحة من الشرف الشامخ، متمتعاً بالخلق الرفيع، ومدرّعاً بالعلم الناضج، ومنفتحاً على كل جديد في الحضارة الإنسانية.، لم يقف عند علم الفقه وعلم الأصول وعلم الدراية، وقد جعل القرآن الكريم أمامه فهداه الصراط المستقيم، وانصهر بالعلوم والسياسة والتربية والقانون والتعليم وعلم النفس، وأطاريح الفلسفة والمنظمات الدولية، ولوائح حقوق الإنسان.» [12]

    «لم أسمعه طيلة صلتي به متناولاً لأحد بسوء قط، يحمل على الظاهر، ويجري أصالة الصحة، وهو لا يقابل أعدائه ومناويئه بمثل مقابلتهم له، بل العفو والصفح الجميل من أبرز ملامحه في التعامل، يَكِلُ أمرهم إلى الله تعالى، ويدعهم لتأنيب الضمير، فهناك من يثلبه ثلباً لا ورع معه، وهناك من يشتمه جهاراً، وقد يشكك بعضهم باجتهاده، وقد يطعن باستقلاله الفكري، وقد ينسبه إلى ما هو بريء منه، ولكنه لا يعبأ بمثل هذه الأقاويل، فله عن ذلك شغل شاغل بتطلعاته الريادية، وليس على الهراء سبيل لديه، فهو أرفع جانباً، وأعلى كعباً وأسمى عقلية.» [13]

    «بلغني أن أحدهم ممن ثلب السيد الشيرازي، كان قد أحتُضر، وقد رأوه يتملل على فراش الموت، ويتأسف كثيراً، فخوطب في ذلك، فأجاب أنه زوّر على بعض المراجع العظام فتوى كاذبة تتناول السيد الشيرازي بالقدح، والمرجع لا يعلم بذلك على الاطلاق، بل كان يحب السيد الشيرازي حباً جماً.» [14]

    «كان السيد الشيرازي طاب ثراه قد تعرض في حياته إلى حقد الحاقدين، واستهدف من قبل نفر ضال، وكان الشطط والبهتان والتزوير من معالم الحملة الظالمة التي واجهها بقلب سليم، وشق غبارها بعزم ثابت وشجاعة نادرة فكان مظلوماً من قبل هؤلاء، وكان ظلمه هذا ظلماً فئوياً متعمداً، ولم يكن ظلماً اجتماعياً، فقد كان يمثل الصدارة في نظر المجتمع السليم، وكان يتبوأ مقعد الصدق عند جمهرة المثقفين، وكان يحظى بتأييد شعبي منقطع النظير.» [15]

    «حدثني سماحة الأخ العلامة الجليل الدكتور السيد محمد بحر العلوم دام علاه، قال: أهدى إليّ السيد الشيرازي وأنا مقيم في لندن «132» مجلداً من موسوعته الفقهية، فبهرت لهذا العمل الضخم، واستدعيت أحد العلماء البارزين، وقلت له بالحرف الواحد: من منا يستطيع أن يقوم بهذا الجهد العظيم، أليس صاحبه قد غربل الآثار، واطلع على ما في الأسفار، حتى استطاع أن يخرج بمثل هذه الحصيلة النادرة؟ اتركوا التقولات، ودعوا الرجل يعمل بصمت!!» [16]

    «ولكن المؤسف له حقاً أن السيد الشيرازي، إنما حورب باعتباره مرجعاً، فكان الاعتداء عليه اعتداء على المنصب. والاعتداء على المنصب ـ أمس واليوم وغداً ـ يشكّل ظاهرة مخزية، تورد من تولّى كبرها موارد الهلاك.» [17]

    «نتيجة للحملات الظالمة التي شنت بضراوة ضد المبادئ الاسلامية، انبرى هو وأخوه الشهيد السعيد المجاهد السيد حسن الشيرازي إلى تكريس جهودهما في النشر والتأليف في شتى الفنون المعرفية المنبثقة عن الإسلام، لإشاعة الطرح الإسلامي في احتواء قضايا العصر، وصيانة شباب الأمة من الانحراف والانزلاق، إن لم أقل المئات في الدعوة، والدعاة، والتبليغ، والسياسة والتربية، والاجتماع، والاقتصاد الإسلامي، وشؤون الدولة، والإدارة، والحقوق، والقانون، والفقه، على شكل كراسات ونشرات وكتب ومؤلفات، أتمكن أن أقول جازماً بأنها قد أغرقت الأسواق والمكتبات بتراث غض جديد، وبعرض جديد، وهو ما أتاح للشباب المثقف الاندماج الكلي في هذا الخط التبليغي الرائد، فصدرت بعده للمؤلفين العراقيين كتب قيمة تصب في هذا الرافد، ومعنى ذلك أن السيد الشيرازي له فضل السبق في إرساء حركة التأليف والنشر بأهداف رائدة في العراق بالتوجه الكتابي والتدويني مضافاً إلى الشعر المسيطر.» [18]

    «انتقل الإمام السيد مهدي الحسيني الشيرازي إلى الرفيق الأعلى عام 1960م، فحمل راية النضال الديني والسياسي في كربلاء المقدسة أبناؤه الأبرار: السيد محمد الشيرازي، والسيد حسن الشيرازي، والسيد صادق الشيرازي، وكوكبة مناضلة من رجال العلم والفكر والإصلاح، وقد أظهروا من البسالة والمقاومة وما شهد به تاريخ العراق المعاصر، ودون بأحرف من نور توجت أعمال المجاهدين الحقيقيين بأكاليل النصر المبين، وكان قائد ذلك السيد محمد الشيرازي، وهو في عنفوان شبابه المبارك، وهذه حقيقة ثابتة.» [19]

    «كانت إقامة السيد الشيرازي قدس سره في الكويت مباركةً بأدق معاني هذه الكلمة، إذ استطاع استقطاب الجماهير المؤمنة في دول الخليج، وفي المنطقة الشرقية من الحجاز، وفي شرق أسيا، مضافاً إلى أوروبا والولايات المتحدة والدول الاسكندنافية.» [20]

    «ومن أهم توجهاته العناية الخاصة بجبل العلويين، وأماكن تواجدهم، والأخذ بـأيديهم نحو الطريق الأقوم في موالاة أهل البيت، والسير في ضوء تعليماتهم العليا من دون المغالاة المتنشرة من دون أساس، وقد أنقذ المشروع مئات الآلاف، ووضع أقدامهم على الجادة، وزودهم بالكتب والمجلات والمنشورات التي طورتهم فكرياً وثقافياً وعقائدياً بما سيكتبة التاريخ مرفوع الجبين.» [21]

    «جددت العهد بمكتبه - السيد الشيرازي - في 3 / 7 / 2004م لأقدم التعازي بفقده، وأخوه آية الله السيد صادق الحسيني الشيرازي دامت بركاته يخلفه فيه ويقوم مقامه، وحوله الناس يستقبلهم بثغره الباسم ووداعته المعهودة، وهو يلبي طلباتهم، ويقضي أشغالهم، ومن حوله أبناء الفقيد السعيد وأبناؤه هو، وكلهم من أهل العلم والتحصيل، هنالك تذكرت قول الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء: «بيت فيه العلم لا يخرب» وهكذا كان.» [22]

    «سيأتي اليوم الذي تختفي فيه مظاهر الابتزاز لكيان الابتزاز والمتقين، ويعود آل الشيرازي إلى كربلاء المقدسة، مربض أمجادهم وجهادهم الديني، وتزدهر بهذه الأسرة الكريمة ربوع العراق بإذن الله تعالى.» [23]

    ومما ذكره الدكتور محمد حسين الصغير الدور الذي لعبه السيد الشيرازي في إنقاذ الإمام الخميني «قده» من الإعدام[24] إبان حكم الشاه المقبور على إيران، وذلك بسعيه لدى مراجع النجف الأشرف لإرسال برقيات تحذر الشاه من مغبة ذلك، ولمخاطبة الإمام الخميني بالمرجع، لكون الدستور الإيراني آنذاك يحظر إعدام المراجع، مما اضطر الشاه إلى تسفيره لتركيا.

    هذا غيضٌ من فيض[25] مما ذكره الدكتور الصغير، وقد كان منصفاً وموضوعياً في طرحه.

    وأختم بالمفاجأة التي كتبها الدكتور محمد حسين الصغير إذ يقول: «وفي هذا الصدد فإنني أسجل للتاريخ تقرير سيدنا الإمام الخوئي قدس سره بالحرف الواحد آنذاك: «لو كان عندنا ثلاثة مثل السيد محمد الشيرازي لغزونا العالم». وهو حديث متواتر مشهور على ألسنة الشباب الذين سمعوه، وكان الأخ الحميم العلامة السيد جواد الشهرستاني[26] كبير وكلاء المرجعية العليا في النجف الأشرف آخر من حدثني به.» [27]

    فرحم الله هذا المرجع الكبير المظلوم، وأسأل الله أن يسجّل شهادتي هذه اعتذاراً مني إليه مما قد يكون بدر مني في حق هذا المرجع الكبير، عسى الله أن يغفر لنا ذنوبنا وخطايانا، إنه هو السميع البصير.

    مِسك:
    إن من أكبر مشاكلنا التي تعيق تحضرنا وتقدمنا هي مشكلة التعميم والخلط وعدم الموضوعية، فحين تشير إلى المكانة العلمية والمعرفية لعالم من العلماء ومرجع كبير من المراجع، ينبري البعض بتشويه صورته بسبب ملاحظات يراها على بعض وكلائه أو مقلديه! وما شأني أنا وإياهم؟ بل شأني معه هو فقط، وكأن هذا الذام لم يسمع قوله تعالى: ﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [28] .


    الهوامش:
    [1] أبرز مرجعي تقليد للشيخية في الأحساء والكويت.
    [2] آية الله الشيخ محمد بن سلمان الهاجري، ولد في الأحساء بالسعودية عام 1335هـ، درس في الأحساء وكربلاء على يد نخبة من العلماء أمثال السيد مهدي الشيرازي والسيد محمد هادي الميلاني والشيخ يوسف الخراساني وغيرهم، ونال درجة الاجتهاد وبدأ بتدريس العلوم الإسلامية والبحث الخارج لأكثر من 27 عاماً، تخرج على يديه عدد من العلماء كالسيد صادق الشيرازي والسيد حسن الشيرازي والسيد محمد تقي المدرسي والسيد هادي المدرسي وغيرهم من أساتذة البحث الخارج في قم وكربلاء، عاد إلى الأحساء وعُين قاضياً لمحكمة الأوقاف والمواريث الجعفرية إلى أن توفي في عام 1425هـ.
    [3] كان آية الله الهاجري زميل درسٍ للسيد الشيرازي في حوزة كربلاء المقدسة، وكان يقول بأن جوابه هذا ناتجٌ عن معرفة تامة واحتكاك مباشر بالمكانة العلمية للسيد الشيرازي «قده».
    [4] نقل لنا ذلك أكثر من شخص قام بسؤاله مباشرة، وذلك مشهور عندنا.
    [5] مورد التأسف هنا ليس لعدولهم عن السيد الشيرازي عليه الرحمة إلى مرجعِ آخر، وإنما لما صاحب ذلك الضغط من تسقيط وتصغير من شأن الإمام الشيرازي سمعناه دون أن نحرك ساكناً.
    [6] الدكتور الشيخ محمد حسين الصغير، العالم الديني والبروفيسور الأكاديمي والشاعر الكبير، ولد في مدينة النجف عام 1940 م. التحق بالحوزة العلمية في النجف عام 1952، وأكمل دراسته في البحث الخارج على يد السيد أبي القاسم الخوئي «قده»، أكمل دراسته العليا في جامعة القاهرة وجامعة بغداد وجامعة درهام البريطانية. حصل على الدكتوراه في الآداب بدرجة الامتياز ودرجة الشرف الأولى عام 1979. حصل على درجة الأستاذية «البروفيسور» عام 1988، كما أنه مؤسس الدراسات العليا في جامعة الكوفة، وقد حصل منها على مرتبة الأستاذ الأول عام 1993، كما حصل على مرتبة الأستاذ الأول المتمرس عام 2001. أشرف وناقش أكثر من 257 رسالة ماجستير ودكتوراه في الدراسات القرآنية والأصولية والحديثية والبلاغية والنقدية. كما أنه له من المؤلفات والبحوث العلمية أكثر من ستين بحثاً علمياً وثلاثين مؤلفا.
    [7] صدر هذا الفصل فيما بعد في كتاب مستقلٍ بعنوان «انفجار الحقيقة» أصدره مكتب العلامة المهتدي البحراني في البحرين، مع تقديم للمهتدي البحراني يشرح فيه مسيرة ومآسي مرجعية الإمام الشيرازي على مدى نصف قرن.
    [8] قادة الفكر الديني والسياسي في النجف الأشرف، الدكتور الصغير، ص 213.
    [9] المصدر السابق، ص 213
    [10] [11] [12] المصدر السابق، ص 214
    [13] المصدر السابق، ص 215
    [14] [15] [16] المصدر السابق، ص 216
    [17] المصدر السابق، ص 217
    [18] المصدر السابق، ص 221 - 222
    [19] المصدر السابق، ص 225
    [20] المصدر السابق، ص 229
    [21] المصدر السابق، ص 230
    [22] [23] المصدر السابق، ص 241
    [24] المصدر السابق، ص 233
    [25] يمكن الاطلاع على كامل الفصل إليكترونيا على العنوان (هنا)
    [26] السيد جواد الشهرستاني صهر سماحة المرجع السيد علي السيستاني «دام ظله»، ووكيله المطلق، ومدير مكتب المرجع السيستاني في قم المقدسة.
    [27] قادة الفكر الديني والسياسي في النجف الأشرف، الدكتور الصغير، ص 235
    [28] سورة المائدة، الآية 8.

    ابراهيم محمد البوشفيع
    23 / 9 / 2011م

    https://twitter.com/boshafie
    راصد

  • #2
    اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
    وبعد
    إن ايرادي للموضوع ليس تأييدا لكل ما فيه وتبنّيه
    وكلامي هذا لا يعني نفي ما يحويه
    وسأتعرض الى بعض من ردّه من الكتّاب
    واوضّح بعض النقاط التي اوردها المؤيّد والمنتقد نفيا واثباتا
    فاقتضى التنويه
    برجاء المتابعة في أصل الموضوع
    وهو ليس محلا لابداء الآراء العقيمة دون دليل

    تعليق


    • #3
      دلالات "المفكر" بالفكر الجديد الذي لم يسبقه به غيره

      هذا المقال هو توضيح على مقال السيد إبراهيم محمد البوشفيع. حول خط ورؤى السيد محمد الشيرازي(ره)
      هكذا فهمنا؛ بأنّ الدلالة على فكر كلّ مفكرٍ هو "الفكر الجديد الذي يتفرّد به و يسبق غيره من العلماء والاكاديميات في زمانه"!؟
      لأثباث دعواك يا أخي الكاتب إبراهيم محمد البوشفيع؛ نرجو الاشارة الى النظرية الجديدة ألتي تفرّد بها المرحوم محمد الشيرازي دون غيره, علماً انني قرأت واطّلعتُ إجمالاً على أكثر مؤلفاته التي وكما تفضّل بتقييمها غيري من المتطلعين أيضاً ومن الباحثين تمتاز بالسّطحية وعدم العمق بل وسرقة بعض الأفكار خصوصاً (نظرية شورى المراجع), كما يُمكنكم أن تلاحظوا ذلك أيضاً في موسوعته الفقهية التي تعتبر من أشهر كتبه بين الشيرازيين.

      أما بالنسبة لموقف الأمام الخوئي من السيد محمد الشيرازي وحتى موقف السيد الحكيم(قده) فهو معروف حين سأل مجموعة من المؤمنين السيد الخوئي عن رأيه بالسيد محمد الشيرازي؛ فقال السيد الخوئي "إنّ أمره لَمُريب".
      بل القطيعة كانت معروفة بين خط الحوزة في كربلاء والنجف منذ زمن السيد الحكيم (قده) وقبله.. ولحد الآن بسبب الخلاف حول موارد صرف الخمس والزكاة.

      أما بالنسبة لعلاقته مع الأمام الخميني (قده) فأنّه - أي السيد محمد الشيرازي(رحمه الله) - ليس فقط عادى نظرية ولاية الفقيه (الحكومة الأسلامية)..
      بل كان يأمل بسقوط الدولة الاسلامية بعد إنتصار الثورة الأسلامية حين أصدر الأمام الراحل الخميني(قده) فتواه التأريخية المشهورة بتحريم التطبير الذي أخّرَ وشوّه سمعة الأمة والشيعة خصوصاً ولقرون, بسبب تلك الأعمال المُنافية للشرع ولخطّ أهل البيت(عليهم السلام) حيث لم ترد ولا رواية واحدة بوجوب أو حتى إستحباب شقّ الرأس (القامة) أو تدميم الجسم بآلات جارحة - وتحريم مثل تلك الأمور يعتبر من البديهايات العقلية والشرعيّة قبل كل شيئ.. حيث قال - أي السيد محمد الشيرازي - لأحد مُقرّبيه.. أعتذر عن ذكر إسمه - أثناء صدور تلك الفتوى؛ "بأنّ هذه الدولة ستزول إن شاء الله قريباً" ولك أن تتصور المستوى الفكري للسيد محمد الشيرازي من هذا الموقف المشين!؟

      وأمّا مسألة توسطته - أي السيد محمد الشيرازي - لدى المراجع في النجف لأجل عدم إعدام الأمام من قبل الشاه المقبور.. فهذه فرية ستحاسب عليها أنت يا أخي الكاتب وكل من نقل لك هذه الخبر العاري من الصحة؛ لأن الأمام الخميني ألقي عليه القبض عام 1963م والسيد الشيرازي أنذاك لم يكن مجتهداً ولم يكن يعرف حتى الأمام الخميني ولم يكن قد إلتقاه حتى مرّة واحدة إلا فيما بعد, ثم إن القانون الأيراني أساساً يُحرّم إعدام أي مجتهد حصل على درجة الأجتهاد - وقد صوب هذا القانون منذ زمن المشروطة - والأمام آلخميني كان مجتهداً قبل ذلك التأريخ بربع قرن, والعالم كلّه كان يعرف ذلك خصوصاً الشعب الايراني الأبيّ وحكومة الشاه بالذات الذي كان أبوه هو الذي وقع القرار, ولهذا تمّ إبعاده من إيران بعد حادثة الفيضية إلى تركيا ثم العراق ثم فرنسا حتى إنتصار الثورة التي هزّت عروش المستكبرين عام 1979م, لكن للأسف عادى السيد الشيرازي وجماعة من الكربلائين مسار الثورة وخط الأمام الخميني(رض) بنظرية نسبها لنفسه وهي نظرية شورى المراجع, تلك النظرية التي كان محل خلاف بين كبار المراجع منذ أيام المشروطة أي قبل ولادة السيد محمد الشيرازي ووالده رحمة الله عليه, كل هذا بسبب عدم قدرتهم على هضم فكر الأمام الخميني الذي هو الأمتداد الأصيل لفكر أهل البيت في عصر الغيبة الكبرى, ولسوء عاقبة أكثر مقلديه المعروفين نراهم لجؤوا في السنوات الأخيرة بعد عام 1990 م (جماعة من المدرسيين والقزوينيين إلى أمريكا وإنكلترا) للأنضمام إلى التحالف اليهودي المعادي لخط الثورة الاسلامية المباركة جهلاً وتجاهلاً لنيل قليلٍ من حطام الدنيا, فهل ما خلّقته هذه المدرسة البالية المريبة من هكذا مواقف ونتائج يا أخي الكاتب تُعبّر عن فكر أو دين أو حتى إيمان سطحيّ بمذهب أهل البيتْ عليهم السلام.. ما لكم كيف تحكمون!؟


      عزيز الخزرجي
      كتابات في الميزان

      تعليق


      • #4
        ايضا سوف ننتطرق الى ما جاء في رد الخزرجي على اصل المقال ونرى بعض ما جاء فيه
        ولابد قبل ذلك من ادراج عدة من المقالات وجمعها حتى تكتمل الصورة ويتسنى لنا المناقشة فيها بعد ذلك

        تعليق


        • #5
          السيد محمد الشيرازي.. موضوعياً
          بحث مستل من كتاب قادة الفكر الديني والسياسي في النجف الأشرف
          للدكتور محمد حسين علي الصغير



          تمهيد منهجي:
          السيد الشيرازي قدس سره وبصريح العبارة: رجل ارتفع به أولياؤه إلى درجة التقديس، وهو أهل للتبجيل والتعظيم من دون شك. وانحدر به أعداؤه إلى حد التوهين، وليس الأمر كذلك، فكان مدحه يتعدى حدود الإفراط أحياناً، وكان قدحه يتعدى حدود التفريط دائماً، وبناءً على هذا المناخ المتناقض، فقد كثر اتباعه ومحبوه، وهم يفدونه بالآباء والأبناء، وكثر – أيضاً – مبغضوه بشكل غريب يدعو إلى الحيرة والتساؤل.

          فما هي الأسباب الكامنة وراء هذا التضادّ؟
          وما هي شخصيته في الميزان الواقعي الموضوعي.
          وما هي الدواعي الحقيقية وراء حملة التشهير به جزافاً؟
          وما هي فلسفة الاعتزاز به والاحتفاء بقيادته؟
          وما هي مواقفه الإنسانية المجهولة لدى الكثيرين؟
          وما هو دوره في بناء الفكر الإسلامي المعاصر؟

          هذه بعض الأسئلة الرئيسية الكبرى التي تدور حول مسيرة السيد الشيرازي قدس سره، وهي أسئلة قائمة بالفعل، أرجو أن يوفقني الله تعالى للإجابة عليها بأمانة وإخلاص ضمن هذه الصفحات من ملامح حياة السيد الشيرازي العامة.

          وينبغي الإشارة بادئ ذي بدء، أن الرجل قد انتقل إلى جوار ربه، فلستُ آمله في شيء، ولستُ من أتباعه ولا مقلديه، ولا علاقة مالية لي معه، فلستُ محتاجاً ولا أتناول حقاً شرعياً، بل قد أخرجه أحياناً.

          وقد أكون مستشاراً عند جملة من المراجع العظام طيلة أكثر من أربعين عاماً، وليس هو أحدهم، نعم هو أخي في ذات الله والمصلحة الإسلامية العليا، وهو صديقي منذ أكثر من خمسين عاماً أيام الصبا والشباب، واستمرت هذه الصلة حتى وفاته من دون أن يكدر صفوها شيء.

          فإذا كتبتُ عنه فبدافع الوفاء لهذه النوع من الإلتقاء الروحي، ولستُ من المتعصبين له أو عليه، ولهذا فسأكتب للتاريخ والأجيال القادمة التي قد لا تتوصل إلى حقيقية هذا الرجل بيسر وسماح، أو قد تلمس شيئاً من اللبس والغموض حول شخصيته الفذة، بين ثناء المحبين، وهجاء المبغضين.

          يحدّثنا التاريخ أن احدهم قد أثنى ثناءً كبيراً على أمير المؤمنين الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام بحضوره – وكان متهماً – فقال الإمام بما نصه أو معناه: أنا دون ما تقول، وفوق ما في نفسك، وهذا ما ينطبق في حدود على المغالين بالسيد الشيرازي طاب ثراه، وعلى القالين له.

          سألني أحد علماء لبنان في صيف عام 1997م، وأنا أقضي فصل الصيف هناك؛ قال لي: أنت رجل صريح، ومعروف بحبك وإخلاصك للسيد الشيرازي، وأنت من جماعة السيد محسن الحكيم، والسيد أبو القاسم الخوئي، والسيد علي السيستاني؟ قلتُ هذا صحيح، قال: أريد أن أسألك سؤالاً قد يكون محرجاً بعض الشيء، قلت له: على رسلك؛ سل ما تشاء!!
          قال: ما هي الشيرازية؟ ومن هم الشيرازيون؟
          إن هذا الإسم يبدو مخيفاً ومحاطاً بالرهبة!! فما هو خطهم وما هو منهجهم؟..فتبسمتُ وقلت له:
          السيد الشيرازي في خط الله تعالى، وخط رسوله صلى الله عليه وآله وخط أهل البيت عليهم السلام، وعلى المنهج القويم المعتدل.
          قال: هناك بعض الإنتقاد لجماعته!!
          قلت: لسنا معصومين. وكل كنا عرضة للنقد، ولكنه النقد الذي لا يخرج أحداً من دينه. وأردفت قائلاً: إن هذه الأسرة الشريفة في كربلاء المقدسة ـ أسرة آل الشيرازي ـ يحسدها الكثيرون ممن لا خلق ولا خلاق، لأنهم محبوبون حباً ذاتياً، ولهم شعبية هائلة في الوسط الجماهيري، وتلك نعمة كبرى، وكل ذي نعمة محسود.
          قال: جزاك الله خيراً فقد نفّست عني كثيراً.
          قلت: لا عليك بالأقاويل والأباطيل، ما قلت لك الوقائع بعينه.

          كان هذا الحديث مدعاةً الى تسجيل جملة من الواقع قد تنحلّ من خلالها الإشكاليات جملة وتفصيلاً.

          النشأ المثالية:
          نشأ السيد الشيرازي قدس سره نشأة رائعة مثالية بين أحضان والده المهدي، وكان رجلاً عرفانياً، وعالماً ربانياً، تتمثل به القداسة بأروع صورها، فإكتسب المترجم له خصائصه السلوكية، وأضاف إليها معارفه العلمية، فغذاه لباب العلم الخالص، ودرس على يديه وعلى أساتيذ كربلاء المقدسة الدراسات الأولية والعالية والعليا، وإختصّ بعد والده طاب ثراه بالحجة الشيخ يوسف الحائري، حتى لمع نجمه في الوسط العلمي، وهو في عنفوان شبابه، وبذلك إشتهرـ منذ عهد مبكّرـ شهرة مستفيضة في العالم الإسلامي.

          والسيد الشيرازي قدس سره داعية إسلامية كبير، ومرجع ديني معروف، وظاهرة فريدة في البحث والتأليف والنشر، وضرب به المثل في الصبر والمعاناة على ذلك. ولم يكن هذا المكان الذي إحتله السيد الشيرازي إعتباطياً أو فجائياً، فالرجل في نشأته المباركة وراء هذه الأهمية الخاصة، فقد كان كثير الصلاة بالمناخ العلمي، وقد عاصر طائفة من العلماء الربانيين، وهو على إرتباط مباشر بثقافة هذا العصر، فعاد بذلك مثقفاً عصرياً متحضراً.

          يضاف الى هذا كله أن السيد الشيرازي قد ورث مجداً رفيعاً من أبيه العظيم، وكان زعيم كربلاء المطلق، فإتجه نحو المعالي في الفكر والمنهج والمسيرة لا عن كلالة وقد نشأ السيد الشيرازي قدس سره في بحبوحة من الشرف الشامخ، متمتعاً بالخلق الرفيع، ومدرّعاً بالعلم الناضج، ومنفتحاً على كل جديد في الحضارة الإنسانية. لم يقف عند علم الفقه وعلم الأصول وعلم الدراية، وقد جعل القرآن الكريم أمامه فهداه الصراط المستقيم، وإنصهر بالعلوم والسياسة والتربة والقانون والتعليم وعلم النفس، وأطاريح الفلسفة والمنظمات الدولية، ولوائح حقوق الإنسان.

          ولم ينس مهمته الأساسية في نشر التشريع وإشاعة وإذاعة علوم الأئمة الطاهرين، فحدب على التدريس في بحثه الخارج في كربلاء المقدسة فقهاً وأصولاً، فنشأ على يديه جيل من المبلغين والمرشدين وحملة العلم.

          خصائص السيد الشيرازي الذاتية:
          يتسامى السيد الشيرازي طاب ثراه، بخصائص متميزة إرتفعت به الى مستوى الأبرار، فهو طلق الوجه، مبتسم الثغر، بهيج المحيّا، عالي الهمّة، دقيق الفكر، حصيف الرأي، أصيل النضر، إبتعد عن صغائر الأمور وإتجه نحو القمة في الموضوعية والإبداع، وقد جلب تواضعه الجم أفئدة الناس إليه، وإستولى ترسله العفوي في الحديث على قلوب الشباب وعطفهم نحوه، فإمتلك بذلك الضمائر الحية النابضة، وكان زهده وتقشفه قد زاد من إلتفاف الجماهير حول قيادته المثقفة الواعية.

          ومن ملكاته الكسبية والذاتية كونه يحسن لغة العصر وفلسفة الحوار، وملكة الحوار الجريء، وإسلوب الإقناع الفطري، يسترسل في البيان والأداء ببلاغته المعهودة فيسيطر على الموقف في الإبلاغ، وتبسيط في معالجة الموضوعات المهمة فيفهم عنه كل أحد، ويجادل بالّتي هي أحسن فيقتنع بجدله من ألقى السمع وهو شهيد، ولديه من شفافية التعبير، ورشاقة الكلمة، وإشراقة الديباجة ما يجلب له السماع والإستماع، ويمحور بثقافته العصرية أفكاره الحضارية فتتجاوب معه نبضات القلوب وأصداء الآراء، فيبث ما شاء من أطاريح وتطلعات.

          وإذا استمعت إلى حديث السيد الشيرازي، وهو يمزجه ببسمة رقيقة، فإنك تستمع منه إلى السحر الحلال لطفاً وعذوبة واستجابة، فهو حديث القلب إلى القلب، ونداء الضمير إلى الضمير، فلا يكاد يحدثك بلغته الهادئة إلا امتلك عليك المشاعر والأحاسيس تلقائياً، وتلك هبة سامية من الله تعالى جذب بها قلوب الشباب اليقظ، واسترعى انتباههم، فبلغ ما يريد من التوجيه والنصح الكريم.

          ولم أسمعه طيلة صلتي به متناولاً لأحد بسوء قط، يحمل على الظاهر، ويجري أصالة الصحة، وهو لا يقابل أعدائه ومناويئه بمثل مقابلتهم له، بل العفو والصفح الجميل من أبرز ملامحه في التعامل، يَكِلُ أمرهم إلى الله تعالى، ويدعهم لتأنيب الضمير، فهناك من يثلبه ثلباً لا ورع معه، وهناك من يشتمه جهاراً، وقد يشكك بعضهم باجتهاده، وقد يطعن باستقلاله الفكري، وقد ينسبه إلى ما هو بريء منه، ولكنه لا يعبأ بمثل هذه الأقاويل، فله عن ذلك شغل شاغل بتطلعاته الريادية، وليس على الهراء سبيل لديه، فهو أرفع جانباً، وأعلى كعباً وأسمى عقلية.

          بلغني أن أحدهم ممن ثلب السيد الشيرازي، كان قد أحتُضر، وقد رآوه يتملل على فراش الموت، ويتأسف كثيراً، فخوطب في ذلك، فأجاب أنه زوّر على بعض المراجع العظام فتوى كاذبة تتناول السيد الشيرازي بالقدح، والمرجع لا يعلم بذلك على الاطلاق، بل كان يحب السيد الشيرازي حباً جماً.

          عقبات في طريق القيادة:
          كان السيد الشيرازي طاب ثراه قد تعرض في حياته إلى حقد الحاقدين، واستهدف من قبل نفر ضال، وكان الشطط والبهتان والتزوير من معالم الحملة الظالمة التي واجهها بقلب سليم، وشق غبارها بعزم ثابت وشجاعة نادرة فكان مظلوماً من قبل هؤلاء، وكان ظلمه هذا ظلماً فئوياً متعمداً، ولم يكن ظلماً اجتماعياً، فقد كان يمثل الصدارة في نظر المجتمع السليم، وكان يتبوأ مقعد الصدق عند جمهرة المثقفين، وكان يحظى بتأييد شعبي منقطع النظير.

          حدثني سماحة الأخ العلامة الجليل الدكتور السيد محمد بحر العلوم دام علاه، قال:
          أهدى إليّ السيد الشيرازي وأنا مقيم في لندن (132) مجلداً من موسوعته الفقهية، فبهرت لهذا العمل الضخم، واستدعيت أحد العلماء البارزين، وقلت له بالحرف الواحد: من منا يستطيع أن يقوم بهذا الجهد العظيم، أليس صاحبه قد غربل الآثار، واطلع على ما في الأسفار، حتى استطاع أن يخرج بمثل هذه الحصيلة النادرة؟ اتركوا التقولات!! ودعوا الرجل يعمل بصمت!!

          وكان هذا موقفاً جريئاً من السيد بحر العلوم، انتصاراً لهذا الرجل المظلوم، فلله درك أيها العبقري الصامد، لم تلن عوداً، ولم تخمد عزيمةً، ولم تستسلم لليأس، والليل داج، والأهواء تعبث بالآراء يميناً وشمالاً، وأنت كالطود الشامخ، حتى إذا غادرنا السيد الشيرازي إلى دار الخلود الأبدي، بدأ الكثير يتأسف ويتساءل:

          ما هو ذنب السيد الشيرازي؟
          ولماذا احتجز السيد الشيرازي؟
          ولماذا حورب السيد الشيرازي؟

          وتبقى الإجابة عن هذه الأسئلة حائرةً، لا يبوح بحقيقتها إلا القلائل، ولا عار على القلة النادرة، فهو لهم شرف عظيم، وقد نطق القرآن بذلك، فقال تعالى: (وَقَلِيلٌ مَا هُمْ) وقال تعالى: (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) وقال تعالى: (ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرينَ).

          ولم تؤثر الريح السوداء العاتية التي أثيرت من هنا وهناك على مسيرة السيد الشيرازي الرسالية، وإنما شقها ألم الجبين مكللاً بالنصر، فقد تلاشت وتساقطت تساقط ورق الشجر في فصل الخريف وبدا الحق واضحاً للعيان، وندم من إفترى عليه، ووضع العراقيل بإزائه، إذ كان المترجم له كالجبل الأشم، وكان رحيب الصدر، لم يحقد طرفة عين أبداً على ذلك النفر الضال ممن بهته وإفترى عليه، وربما دعا لهم بالهداية والإستقامة، وآثر الصمت والسكوت عن تلك التجاوزات، ولكن المؤسف له حقاً أن السيد الشيرازي، إنما حورب بإعتباره مرجعاً، فكان الإعتداء عليه إعتداء على المنصب. والإعتداء على المنصب ـ أمس واليوم وغداً ـ يشكّل ظاهرة مخزية، تورد من تولّى كبرها موارد الهلاك.

          لئن مضت السنين عجافاً في حياة السيد الشيرازي قدس سره، فشأنه بذلك شأن القادة الأفذاذ الذين لا يريدون بما قدّموه للأجيال جزاءً ولا شكوراً، علماً بأن هذه السنين قد مضت ـ أيضاً ـ غنية بآثاره الخالدة، وثريّة بأعماله الجبارة، فقد إستطاع بين حسد الحاسدين، وكيد الحاقدين، وأبواق الهذر والثرثرة التي مارس طقوسها وأجواءها أعداؤه والتافهون، إستطاع أن يبني مجداً مؤثراً من المعارف السائرة، وأن يضرب مثلاً رائعاً من التسامح الديني، وأن يصبح رمزاً من هذه الرموز في التضحية والجهاد، وان يضل صامداً كالجبل الأشم أمام العواصف.

          وسيجمع الله بينه وبين من أساء إليه من هنا وهناك، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) سورة الشعراء: 227.

          كانت الهموم تتوالى على الرجل، وكان الاضطهاد السياسي ملازماً له ملازمة الظل للشاخص، إلا ان الآلام تعصر قلبه عصراً، ولآمال الرسالية لم يتحقق لديه كما أراد؛ حتى فاضت نفسه الطاهرة، ووفد على ربه الكريم، يضاف إلى هذا كله أنه كان كثير الحنين إلى كربلاء المقدسة معقله المرجعي.

          الخطوات الحضارية في مرجعية السيد الشيرازي:
          كان الفقيد السيد الشيرازي أعلى الله مقامه، سبّاقاً إلى تطلعات العصر في القرن العشرين،مستوعباً للأبعاد الحضارية التي ينبغي أن يؤسس عليها الكيان المرجعي، متميزاً في استقراء المشكلات الاجتماعية التي تعاني منها الأمة، باحثاً في أنجع السبل لاحتواء هذه الظواهر في معالجات ضخمة شاخصة، كان لها الأثر الفاعل في درء الأزمات، كما عاد لها الأثر الإيجابي في أداء الرسالة، والحديث في الجانب مثلئبٌ متسع، ولكنني أحاول إيجازه على سبيل النموذج في نقاط أساسية:

          1- القيادة الناجحة لجماهير كربلاء المؤمنة، وبقية قصبات العراق، والبلدان المجاورة، بحيث شكل ذلك ظاهرة موضوعية، نبهت القيادات الشابة في العراق إلى تمثل الخطوات الرائدة التي يتخذها السيد الشيرازي في استقطاب المواهب المتحفزة، واستكناه هموم الشباب في توقعاتهم المشروعة.

          2- التفاعل الهادف المتكافل مع المشاعر المتدفقة والأحاسيس الثائرة لدى الجماعات الواعية، وتوجيهها ميدانياً للعمل المثمر في حقول المعرفة والثقافة والمشاريع الإنسانية، وإيثار المصلحة العامة المكاسب الذاتية.

          3- إعداد عشرات المبلّغين الرساليين من حملة الفكر الإسلامي للقيام بدورهم البنّاء في أداء الرسالة، ونشر المبادئ العليا، وإبلاغ الموروث الحضاري الصادر عن أئمة أهل البيت عليهم السلام للأمة، وذلك بشتى الطرق السلمية التي تتيحها مراحل التبليغ.

          4- تهيأة الكادر العلمي المتطور ممن يتمتعون بالتأهيل الثقافي، ومن الذين لهم الصلاحية الفكرية التربوية للقيام بأعباء المسؤولية الشرعية روحاً وعملاً، لجلب أكبر عدد ممكن إلى حضيرة الإسلام بالتي هي أحسن، والقيام بشؤونهم المالية، وتحسين الحالة الإقتصادية.

          5- الإشراف على المنبر الحسيني بجعله أداة حية مشرقة لبث تعليمات أهل البيت عليهم السلام، ونشر علمهم الإلهي الزاخر، وبيان مظلوميتهم في عزلهم عن قيادة الأمة سياسياً، وإبداء ما جرى عليهم من نكبات وصدمات واستئصال وتصفية جسدية لهم ولأوليائهم من السائرين على خطهم، بما يتضمن طرح المبادئ العليا على الصعيد الفكري والإعلامي، والتي ناضل الأئمة المعصومون عليهم السلام من أجل إقرارها بأصالة وإخلاص لسعادة الكائن البشري في الدنيا والأخرة، وطرح تلك المبادئ سليمة عن الزيغ والانحراف والتطرف.

          6- العناية التامة بعنصر الشباب باعتبارهم يتفجرون – عادةً – بالنشاط والحيوية والفتوة، بتلقيهم دروساً إضافية في العلم والمعرفة والصبر والثبات والتضحية والإصرار نابعة من صميم نظريات أهل البيت عليهم السلام وقيمهم العليا، والحفاظ على ذلك باعتباره ذخيرة خالدة من أنفس ذخائر الفكر الإنساني المتنور.

          7- إفشاء الدوريات والمجلات والنشرات والرسائل الصغيرة، بما يتناسب مع الفهم العام لجماهير المؤمنين بعبارة مشرقة، وأسلوب سهل ممتنع، بعيدة عن العمق الفلسفي الذي ترفضه طبيعة التعليم الأولي في ترسيخ المبادئ العامة للإسلام بعرض جيد وأسلوب جديد.

          8- تشكيل اللجان المتخصصة الواعية، من قادة الفكر، ورجال النظر، وأصحاب الخبرة والتجربة، لتنشيط عملية التوعية والإرشاد والتبليغ في ضوء المعطيات التي تؤتي أكلها كل حين، بعيداً عن الصراع الذهني والطائفي والإقليمي، للإرتفاع بمستوى الأمة لدرجة المسؤولية.

          9ـ تأمين الكوادر المالية المتبرعة والواهبة، وعن طريق الحقوق الشرعية، لإدارة المشاريع السابقة بكل أمانة، بعيداً عن الأثرة والتسلط واحتجان المال، وجعل ذلك وسيلة للهدف المركزي في تسريع عملية الإنقاذ والتطوير كما هو شأن الدعاة المصلحين بكل زمان ومكان.

          10ـ تحديد مسؤولية العاملين بهذه الآفاق المتعددة، ليكون كلٌ عند واجبة وجهاً لوجه، من أجل إنجاح الأطاريح المترتبة الأداء لدى كل فريق منهم، وتنمية الروح الرياضية في طياتها، وخلق المناخ التكاملي الذي يسدد بعضه بعضاً بموضوعة مطلقة لا مكان فيها للأهواء أو الآراء الكيفية، وحصر النشاط جميعه في إطار الصالح العام.

          الظواهر الثقافية في مرجعية السيد الشيرازي:
          وإذ يتمثل ما قدمنا من خطوات حضارية في مرجعية السيد الشيرازي قدس سره، تبرز لنا ظواهر موضوعة أخرى تعنى بالثقافة الإسلامية نتيجة لتلك الأصول الثابتة في التأسيس، وهي ظواهر متعددة، أشير بالبحث فيها إلى أربع ظواهر:

          الظاهرة الأولى:
          كان المناخ السائد في العراق أدبياً يؤكد سيادة الشعر العربي من دون النثر، وذلك أن بيئة العراق بعامة بيئة شعرية، وكانت النجف الأشرف وكربلاء المقدسة وبغداد، قد أبرزت مشاهير الشعراء في الوطن العربي، وكانت المهرجانات التاريخية والاحتفالات الجماهيرية، ومحافل المنبر الحسيني الشريف تبرز هذه الظاهرة بأجلى صورها، وتلك حقيقة ثابتة يدل عليها الاستقراء، وكان الميل إلى الكتابة والنثر متضائلاً إلا في حدود الإعلام والصحافة، وهو أقل ممارسة بكثير بالنسبة إلى الشعر في شتى أغراضه نظماً وحفظاً وتدويناً وإذاعة، حتى إذا اتسعت الظروف لاحتضان مشكلات العصر، وتلاقحت الثقافية المصرية واللبنانية نثراً بالثقافة العراقية، بدأت الحاجة إلى الكتابة والتأليف والمقالة والقصة حاجة ماسّة وملحة، وهنا نجد توجه السيد الشيرازي قدس سره في كربلاء متجاوباً مع هذه الظاهرة، وذلك بتبني الأفكار الجديدة الداعية إلى خوض ميادين التأليف والنشر مضافاً إلى ماهو شائع من ذيوع أمر الشعر، فأسس في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين سلسلة أسماها: «منابع الثقافة الإسلامية» لتزود المكتبة العربية بكتاب متوسط الحجم في مطلع كل شهر، واستمر هذا الانتاج الجديد عشر سنوات متوالية، فتلاقفته الأيدي بإقبال وحماس شديدين، مما أوجد حالة دعائية وتثقيفية في مجالات الإسلام الإعلامية والسياسية الاقتصادية والتاريخية والتربوية وسوى ذلك.

          هذا المشروع الضخم كان بداية حضارية في رؤية معاصرة، لم يسبق إليها في العراق بهذا الشكل مما دعا الشباب المسلم المثقف إلى الالتفاف حوله، والإفادة من أطاريحه الواعية، وما إن ثبت هذا المشروع على قاعدة صلبة من التصميم حتى رأينا جيلاً ناهضاً يتدافع كالسيل للمشاركة فنياً وأكاديمياً وتحريرياً في هذا الأتجاه، مما يعني أن المترجم له كان حجر الأساس في إشاعة فن النثر وعالم التأليف في العراق.

          وكان لي شرف المساهمة بهذا المشروع بإصرار كبير من السيد الشيرازي نفسه، فألفت للسلسلة كتاباً بعنوان «إنسانية الدعوة الإسلامية» في حدود (100) صفحة، وما لبث أن نفذ من الأسواق بسرعة مذهلة، وطبع طبعة ثانية.

          الظاهرة الثانية:
          نتيجة للحملات الظالمة التي شنت بضراوة ضد المبادئ الاسلامية، لم يجد السيد الشيرازي قدس سره، أن سلسلة «منابع الثقافة الإسلامية» كافية لصد هجمات أعداء الإسلام، فانبرى هو وأخوه الشهيد السعيد المجاهد السيد حسن الشيرازي إلى تكريس جهودهما في النشر والتأليف في شتى الفنون المعرفية المنبثقة عن الإسلام، لإشاعة الطرح الإسلامي في احتواء قضايا العصر، وصيانة شباب الأمة من الانحراف والانزلاق، إن لم أقل المئات في الدعوة، والدعاة، والتبليغ، والسياسة والتربية، والاجتماع، والأقتصاد الإسلامي، وشؤون الدولة، والإدارة، والحقوق، والقانون، والفقه، على شكل كراسات ونشرات وكتب ومؤلفات، أتمكن أن أقول جازماً بأنها قد أغرقت الأسواق والمكتبات بتراث غض جديد، وبعرض جديد، وهو ما أتاح للشباب المثقف الأندماج الكلي في هذا الخط التبلغي الرائد، فصدرت بعده للمؤلفين العراقيين كتب قيمة تصب في هذا الرافد، ومعنى ذلك أن السيد الشيرازي له فضل السبق في إرساء حركة التأليف والنشر بأهداف رائدة في العراق بالتوجه الكتابي والتدويني مضافاً إلى الشعر المسيطر.

          الظاهرة الثالثة:
          ورأى السيد الشيرازي بفطرته الثاقبة ان الحياة متطورة تطوراً سريعاً بما يستجد على الساحة من اكتشافات وابتكارات علمية من جهة، وأن حركة غير اعتيادية من الإقبال على الموروث الإسلامي، فعمد إلى تأسيس مشروع «أجوبة المسائل الدينية» وهي تتولى الإجابة عن الأطاريح الجديدة، وتتمحض لنشر الإستفتاءات الشرعية برعايته وعنايته، فكانت هذه النشرة أو المجلة أو الدورية تؤدي دوراً رسالياً في تلبية حاجة المجتمع الإسلامي في الوصول إلى حقائق الأشياء.

          وقد صدرت بانتظام طيلة عدة سنوات حافلة بالنشاط المعرفي في أجزاء متتابعة، كان لها الأثر الفاعل في غناء نفوس الشباب العراقي باللباب من المعارف الإسلامية بهدوء من دون ضجة، وبعمل جاد دون ثرثرة.

          الظاهرة الرابعة:
          وهي تستوعي نشاط السيد الشيرازي في الستينيات من القرن العشرين، وتتمثل في ثلاثة معالم بارزة، كرس لها جهوده البالغة:

          1ـ إقامة الاحتفالات العامة ورعايتها في المهرجانات الدينية والمواسم الإسلامية، وتفجير الطاقات المبدعة، وإحياء شعائر الله، والتأكيد على المخزون الحضاري الذي نهض به أئمة أهل البيت عليهم السلام، وذلك بإثارة وإلقاء ما هو أصيل ومبتكر فيها شعراً ونثراً وخطاباً.

          2ـ التركيز الموضوعي على تأسيس المساجد العامرة، وتشيد الحسينيات ودور العبادة، وتأمين صناديق الاقتراض اللاربوي، وبناء المياتم في كثير من أقاليم البلاد الإسلامية، والتأكيد على إشراك العنصر النسوي في المجالات الحيوي من هذه المشاريع، وانخراط هذا العنصر في الحوزة والتبليغ.

          3ـ الاحتفاء باللقاءات العامة والخاصة بالعلماء والمفكرين، والقادة السياسيين، والشباب العامل، لإحياء أمر أهل البيت عليهم السلام بالحكمة والموعظة الحسنة، وإرفاد هذه اللقاءات بسديد الرأي، وصريح القول، وحسن التأتي، وسلامة المداخل والمخارج، من دون تسلط فئوي، أو حس أجنبي، أو نعرة مذهبية.

          هذه المؤشرات في هذه الظاهرة أخذت بالنمو والإزدهار لحمل الرسالة من رحاب كربلاء المقدسة، وفيها ألق من ثورة الإمام الحسين عليه السلام، ونفحة من أريج الطف.

          ورغم مرور ما يقارب من نصف قرن من الزمان على هذه المبادرات الواعية، فإن كربلاء مازالت وإلى اليوم مدينة للسيد الشيرازي بتأصيل هذه الظواهر في المجتمع الكربلائي.

          تعليق


          • #6
            النضال السياسي للسيد الشيرازي:
            قامت ثورة الرابع عشر من تموز 1958 فقضت على النظام الملكي في العراق، خال الشعب أنه قد تنفس الصعداء، وأصبح سيد الموقف في تقرير المصير وتسيير دفة الحكم، إلا أن رجال الثورة خيبوا الآمال إذ كانوا منقسمين على أنفسهم، تتقاذف بهم الاتجاهات المضادة، وانطبعت هذه الانقسامات على الشعب نفسه، فنجم عن ذلك شرخ كبير في الحياة السياسية، وبدأت المؤشرات المؤسفة تلوح في الأفق، وانتشرت الدعوة إلى الشيوعية والقومية والديمقراطية، في ضجيج لا أول له ولا آخر، وبرزت الشيوعية بمساندة بعض رجال الحكم قوة ضاربة، يدعمها تهريج الإذاعة والتلفزيون، وتروّج لها الصحف والجرائد والمجلات، فأغرقوا الشارع العراقي بالمسيرات الضخمة، وواجهت الوزارات المؤسسات والسلطات العامة بالشعارات البرّاقة، وانخدع البسطاء بهذه الظواهر الطاذبة، وبدأوا بتصفية أعدائهم قتلاً ونهجاً واعتداء، وسلكوا لذلك إطلاق الإشاعات، وافتعال ذكر المؤامرات، فكثر القتل، وتفشى الإعدام، وخنقت الأنفاس، فانقلبت حياة الشعب العراقي إلى جحيم، وتمخضت الأحداث عن شر مستطير، وهنا أشير إلى بعض المظاهر المهمة على شكل نقاط:

            1ـ وقف علماء النجف الاشرف وكربلاء المقدسة والكاظمية المشرفة موقفاً صلباً موحداً بوجه التيارات الوافدة والرياح الغربية التي عصفت من هناك وهناك، بينما كانت الدعوة إلى الإسلام لم تتبلور معالمها، ولم يتضح منهجها، ولكنها تحركت بشكل أولي بتأسيس جماعة العلماء النجفي ورفاقه الأعلام من قادة الفكر.

            وقامت الحركة الإسلامية في كربلاء بقيادة السيد مهدي الحسيني الشيرازي وإدارة ولديه السيد محمد الشيرازي والسيد حسن الشيرازي وأتباعهم الأحرار، وكان التفاف الكربلائيين حولهم منقطع النظير، وتأثيرها في الساحة تأثيراً بعيد المعطيات، وبدأت مجابهة الفكر بالفكر، والمبدأ بالمبدأ، والنظرية بالنظرية، خطابة ومحاججة ودعاية ونشراً، وتحشداً وتجمعاً وتآزراً كالبنيان المرصوص، فكانت كربلاء بذلك سباقة على الجهاد الديني والنضال السياسي.

            2ـ وأقيم مهرجان كربلاء العالمي بذكرى ميلاد أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام في 13/رجب/ 1379هـ =1959م وبرعاية العلمين البارزين السيد محسن الطباطبائي الحكيم والسيد مهدي الشيرازي، وبحضورهما الشريف، وقصد المهرجان ممثلوا العراق من أقصاه إلى أدناه، واشترك أدبياً فيه أعلام الفكر، وقادة الأدب، وأفذاذ الشعراء، ورجال الوطنية، وكان روعة في التنظيم والمواد والمقررات الأدبية، وجوبهت المبادئ الهدّامة بكل إصرار، وبرزت بدايات الدعوت العلنية والجماهيرية إلى استيحاء المخزون الثقافي الهائل الذي يدّخره الإسلام لأبنائه، ويرفعه القرآن مناراً للمسلمين، وكانت المجابهة على أشدها، والحرب قائمة على قدم وساق بين دعاة الإسلام ودعاة الإلحاد والتبعية.

            وكان لثبات الكربلائيين وصمودهم سبقه المجلّي في انتصار الجبهة الإسلامية الرافضة لكل الإنحراف والضلال والفوضى.

            3ـ وانتقل الإمام السيد مهدي الحسيني الشيرازي إلى الرفيق الأعلى عام 1960م، فحمل راية النضال الديني والسياسي في كربلاء المقدسة أبناؤه الأبرار: السيد محمد الشيرازي، والسيد حسن الشيرازي، والسيد صادق الشيرازي، وكوكبة مناضلة من رجال العلم والفكر والإصلاح، وقد أظهروا من البسالة والمقاومة وما شهد به تاريخ العراق المعاصر، ودون بأحرق من نور توجت أعمال المجاهدين الحقيقيين بأكاليل النصر المبين، وكان قائد ذلك السيد محمد الشيرازي، وهو في عنفوان شبابه المبارك، وهذه حقيقة ثابتة.

            4ـ وانتهى حكم عبد الكريم قاسم في 8/شباط/ 1963م، واستمر المهرجان العالمي بانعقاده سنوياً، وكان لي وللسيد حسن الشيرازي شرف المشاركة فيه من البداية وحتى عام 1968م.

            وفي عهد حزب البعث 1963م وما رافقه من العنف الثوري، استنكر السيد الشيرازي قدس سره، الإسراف في سفك الدماء، والفوضى في هناك الأعراض، ومخالفة القانون في كل جزئياته، وامتلاء السجون بالمعتقلين السياسيين.

            5ـ وغدر عبد السلام عارف بحزب البعث الذي جاء به إلى رئاسة الجمهورية، ليعلنها طائفية بغيضة سودت تاريخ العراق الحديث بحكم فاشي عنصري سخيف، ودكتاتورية مطلقة، مما مهد الطريق إلى الطغاة من بعده إلى سلوك المنهج نفسه.

            واستنكر السيد الشيرازي كل أصناف الترقة بين المسلمين، ومظاهر النظام المذهبي المشين، والأعمال الارتجالية، والخطوات الهزيلة، والقرارات الاشتراكية المزعومة، وكان الميدان لذلك شتى المجالات المتوافرة في الاحتفالات والندوات والاجتماعات والنشر والتأليف، وبالبيانات الشاجبة لعوامل التخلف والجمود في النظام العارفي.

            6ـ وفي عهد أخيه الفريق الركن عبد الرحمن عارف، اجتمع السيد الشيرازي برئيس الوزراء عبد الرحمن البزاز وجمله من وزرائه في داره بكربلاء، ونعى عليهم سياسة التمييز الطائفي، وأسدى لهم النصح والإرشاد ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، ووعده الدكتور البزاز خيراً، ولكن لا أمر لمن لا يطاع، فالعصابة الطائفية كانت تسيّر الأمور رغم الزعماء والقادة، بل ورغم رئيس الجمهورية المسالم.

            7ـ وقام انقلاب 17/ تموز/1968م، فاستقبل العراق حكماً دكتاتورياً همجياً، أنسى عهود الطغاة السابقين من عصر فرعون ونمرود والعماليق والقياصرة وجبابرة العالم، والتتار والمغول والطواغيت الكبار فيما أدركنا من أيامهم كستالين وهتلر وموسليني وأضرابهم حتى يومنا هذا فكان لا يتورع عن الاغتيال السياسي بشتى الأساليب، ولا يبالي بالاتهام بالجاسوسية والعمالة لأشراف العراقيين والوطنيين بخاصة، أما سفك الدماء، وقتل الأبرياء، والتعذيب الوحشي غير المتصور في السجون وأقبية الأمن، وخرق القوانين والأعراف، فحدث عن ذلك ولا حرج، وعمد إلى مخالفة لوائح حقوق الإنسان في أبسط المظاهر إلى أكبرها، وأباح الأعراض والأموال والأنفس والممتلكات، وفعل الأفاعيل التي يندى لها جبين الإنسانية مما لا تتسع له ملايين الصفحات التاريخية، وخاصة في المشاهد المشرفة والعتبات المقدسة، وسلط الهمج الرعاع والبداة الغلاظ من رجال الأمن والخابرات والاستخبارات وقوى الأمن الخاص على الشعب العراقي، فعاثت في الأرض فساداً، وأي فساد.

            8ـ وأراد الحكم الطاغي الاحتكاك بالسيد الشيرازي، فعمد إلى اعتقال أخيه السيد حسن الشيرازي، وقذف به في السجن مع رجال الحكم العارفي أكثر من سنة كابد بها صنوف الهوان والتعذيب، وأوقف بين يدي ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث، فأنّبه على شعره في هجائه، وقد أشار إلى اعتقاله العميد الركن عبد الكريم فرحان وزير الإعلام العراقي في مذكراته المطبوعة.

            لقد أحدث اعتقال السيد حسن الشيرازي ضجة في الوسط العراقي، لما له من شعبية ومنزلة في النفوس، وقد أحدث ذلك هوة بين الشعب والدولة، وتوسط له بعض ذوي الشأن، فأطلق صراحه بعد اللتيا والتي، وغادر العراق إلى بيروت، وأخذ يعمل للقضية العراقية، وللتبشير بمبادئ الإسلام، وبتصحيح أفكار جملة من التائهين في غمار التضليل.

            وهناك قام بتأسيس الحوزة العلمية الزينبية في الشام، عام 1974م، وكان مشروعاً فريداً في حينه بما يضم في أجنحته من مكتب للسيد الشيرازي، ومسجد، وحسينية، ومكتبة فخمة، وحوزة للنساء، ومشاريع أخرى، وبعد أن رأى العارفون فيه داعية لمبدأ أهل البيت عليهم السلام، بحكمة، وأناة، ووقار، حتى اهتدى بنور هدية الآلاف، وسار على الصراط المستقيم طوائف من الناس، إلا أن أجهزة النظام الصدامي لا حقته وتابعته، فاغتالته في بيروت في هجوم مسلح عام 1983م فانطفأت بذلك شعلة من النضال الديني، لم تزل آثارها باقية إلى اليوم.

            لقد كان السيد حسن الشيرازي ساعداً مشمّراً في مرجعية أخيه قدس سرهما، حدب على العمل الدؤوب قولاً وفعلاً وتوجيهاً وتنظيماً، حتى امتد ذلك إلى بعض ضباط الجيش العراقي، فدفع بهم إلى العمل العسكري للإطاحة بالنظام الطاغوتي في العراق، وتنبه الحاكمون لخطره، فأردوه قتيلاً متشحطاً بدمه في سبيل الله ومبادئ الإنسان، وانطوت تلك الصفحة المشرقة، لتنشر يوم الحساب، وكان ذلك في بيروت بعد أن سددت له ثماني وعشرون اطلاقة رصاص، وشيع في لبنان، ودفن عند ضريح السيدة الطاهرة فاطمة بنت موسى بن جعفر عليه السلام.

            هجرة السيد الشيرازي إلى الكويت:
            واشتدت حملات النظام ضد الشعب العراقي في ظل حكم عسكري فوضوي رهيب، وبأساليب إجرامية يعجز الفكر الإنساني عن تصورها، ورأى السيد الشيرازي قدس سره أنه لا يستطيع القيام بأي لون من النشاط الإسلامي أو الإصلاحي أو المعرفي، وقد حصيت عليه الأنفاس، وضبطت كل تحركاته أولا بأول، وضويق مضايقة شديدة كبقية المراجع العظام، فقرر الهجرة إلى الكويت في أواخر عام 1969م، بعد أن بذل كل جهد ممكن في مكافحة الغي والضلال والنفاق.

            حتى إذا حل في الكويت، وقد استقبل استقبالاً شعبياً حافلاً، بدأت مشاريعه الكبرى بالتنفيذ، وعمل مخططاً إصلاحياً وإعلامياً وعلمياً بكل أمانة وإخلاص، فأسس حوزة علمية، وشيد مساجد وحسينيات، وأقام مدارس ومياتم، وسير خدمات ومبرات، بما تشهد له بها الساحة الكويتية، واستقطب جماهير الناس هناك، وأدار دفة الأمور بنفسه من الكويت وسط تأييد شعبي كبير في العالم الإسلامي.

            وقد زرته في الكويت عام 1970 زيارة خاصة، كنت فيها موضع ترحيبه وتقديره، وردعلي الزيارة مع جمع من أوليائه وحوزته العلمية، وكنت ضيفاً على آل الدرويش في السالمية من الكويت.

            ولدى عودتي إلى العراق رجحت لوالدي زيارته في الكويت تأييداً له، واعتزازاً بشخصيته المحبوبة، فقام الوالد بزيارته هناك، فاكبر السيد الشيرازي ذلك، وقدره تقديراً كبيراً، كما أني ألزمت أكثر العراقيين المسافرين إلى الكويت أن يلتمسوا مقابلة السيد الشيرازي ويتبركوا بلقائه، وقد استجاب لذلك أغلب القاصدين إلى الكويت مع عنف الرقابة، وتسلط النظام العراقي آنذلك في الكويت.

            وكانت إقامة السيد الشيرازي قدس سره في الكويت مباركةً بأدق معاني هذه الكلمة، إذ استطاع استقطاب الجماهير المؤمنة في دول الخليج، وفي المنطقة الشرقية من الحجاز، وفي شرق أسيا، مضافاً إلى أوروبا والولايات المتحدة والدول الاسكندنافية.

            وكان من أبرز جهوده ـ وهو في الكويت ـ تأسيس مكتبة في دمشق الشام على يد أخيه الشهيد السعيد السيد حسن الشيرازي وذلك عام 1974م في جوار السيدة زينب ابنة أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام، وكان هذا المشروع من أكبر المشاريع نفعاً واستثماراً وعائدية، ففيه حوزة علمية اعتنت بالدراسات الأولية، وعكفت على الدراسات العليا، وقد اشتملت الحوزة على طلاب وأساتذه عرب وإيرانيين وأفغانيين، وأغلب دراستهم الأولى في النجف الأشرف، وفيه حوزة للنساء فيما ينبغي تعلمه من أصول الدين وفروعه، والأحكام والتبليغ وشؤون الأسرة، ويضم مسجداً فارهاً كبيراً، وحسينية مباركة، ومكتبة ثقافيه متطورة، وفروع مختلفة.

            ومن أهم توجهاته العناية الخاصة بجبل العلويين، وأماكن تواجدهم، والأخذ بـأيديهم نحو الطريق الأقوم في موالاة أهل البيت، والسير في ضوء تعليماتهم العليا من دون المغالاة المتنشرة من دون أساس، وقد أنقذ المشروع مئات الآلاف، ووضع أقدامهم على الجادة، وزودهم بالكتب والمجلات والمنشورات التي طورتهم فكرياً وثقافياً وعقائدياً بما سيكتبة التاريخ مرفوع الجبين.

            ومن دمشق الشام واكب نهضة الإصلاح الاجتماعي، وامتد بها نحو لبنان وإفريقيا بتخطيط شامل اتسع لأغلب بقاع العالم في المبعوثين والمبلغين والرساليين، وهم يحملون الفكر الواعي في نشرات وكتب ومؤلفات صغيرة الحجم عميمة الفائدة، وفي أكثر من موطن ترجمته إلى لغات عالمية حية، وأغلبها من تأليف السيد المترجم له.

            وفي الكويت حيث ديوانه الرسمي، كان موضع عناية الشعب والدولة طيلة عشر سنوات حافلة بالنضال العلمي والتوجيه الفكري، والمشاريع البناءة، والحب والمودة والامتزاج.

            هجرة السيد الشيرازي إلى قم المقدسة:
            حتى إذا قامت الثورة الإسلامية في إيران في شباط/ 1979م هاجر السيد الشيرازي قدس سره إلى قم المقدسة، واتخذ له مكتباً وحوزة وموقعاً متميزاً، و كان على صلة ممتازة مع السيد الخميني طاب ثراه، وهو قائد الثورة في مراحلها كافة حتى وفاته، وكان السيد الشيرازي من مؤيدي الثورة في أبعادها الجذرية، وقد أسهم في إنجاحها والدعوة لها في ميادين شتى، إلا أن لديه جملة من الاعتراضات الموضوعية على جملة من الأطاريح السياسية في المنهج والأسلوب، فاعتبر في عداد المعارضة أو المقاومة لفكر الثورة وبعض رجالها، وقد تعرض من جراء ذلك أبناؤه وأخوانه ومريدوه إلى ضغوط كثيرة، كان من بينها الإعتقال والمطاردة والتعذيب، فما لان له عزمه في إبداء الرأي الصريح ففرضت عليه الإقامة الجبرية في مترله طيلة عشرين عاماً من الزمان حتى وفاته.

            وفي أواخر رجب من عام 1422هـ زرت قم المقدسة في طريقي إلى زيارة الإمام علي بن موسى الرضا عليهما السلام، وما أن سمع السيد الشيرازي بوصولي إلى قم حتى أوفد أخاه العلم المجاهد المرجع الديني السيد صادق الشيرازي دام ظله، وكوكبة من أبنائه المجاهدين وفي طليعتهم ولده السيد جعفر وأخوته وجماعة من أهل الفضل، لزيارتي في محل إقامتي بالمجمع السكني للسيد السيستاني دام ظله الشريف وأبلغني السيد صادق عن السيد الشيرازي قوله: أنه منموع من الخروج من داره طيلة عشرين عاماً، ولو سمح له بالخروج لكان في زيارتي، وكان هذا العرض يمثل جانباً من الإخاء الصادق والوفاء المحض، وهو دليل الاحترام المتبادل بين المتآخين في ذات الله، قلت في الجواب: حينما دعاني سماحة الأخ السيد جواد الشهرستاني لزيارة الإمام الرضا أرواحنا له الفدا اشترطت عليه زيارة السيد الشيرازي في مقر إقامته الجبرية مهما كانت الظروف فقال: ان الدولة لا تمانع من زيارة أحد للسيد الشيرازي لا سيما من هم أمثالكم ومن طبقتكم، فهي تعلم جيداً مدى الصلات والوشائج بينكم وبين السيد الشيرازي.

            وفي2/شعبان/1422هـ زرت السيد الشيرازي في داره العامرة بالعلم والإيمان وولاء أهل البيت عليه السلام، فتلقاني السيد قدس الله ورحه بالترحاب، واعتنقني واعتنقته بحرارة صادقة، وكانت لحظات من عواطف جياشة، وذكريات شجية انهلت فيهما بالدموع، وخفقت لهما القلوب، وقد استمر اللقاء ساعتين، وكان لقاء تاريخياً حافلاً بكثير من التطلع إلى المستقبل، وإلقاء الضوء على كبريات الشؤون الإسلامية، وبحث التسلط الهمجي للطاغية صدام حسين على العراق، وكان السيد الشيرازي قدس سره متفائلاً برحيل النظام إلى غير رجعة، حتى قال بالحرف الواحد سيكون لقاؤنا الثاني ـ إن شاء الله ـ في كربلاء المقدسة بعد القضاء على صدام أما أنا فلم أكن متفائلاً بصحته، فقد بدا عليه الإنهاك ولاح على وجهه الشريف الاحمرار مع الشحوب، وربما يفسر ذلك طبياً بارتفاع نسبة «اليوريو» في الدم، ولم يكن قلبه صحياً في استقرار وانتظام، بل كان كالمناخ المحيط به في اضطراب.

            أحيطت هذه الزيارة بسرية تامة، فالسيد الشيرازي من أقطاب المعارضة للنظام العراقي، وفي ظل توجيهه قامت «منظمة العمل الإسلامي» وهي منظمة معادية للنظام في حسابات الطاغية، وكنت في رقابة صارمة من قبل المخابرات العراقية حتى أنني اعتذرت عن الموافقة على مكالمة تلفونية من الشهيد السعيد السيد محمد باقر الحكيم قدس سره، لئلا يكشف أمر ذلك للنظام العراقي وأجهزته المجرمة، ومعنى اكتشاف ذلك هو الحكم بالإعدام فوراً، فكيف بمقابلة السيد الشيرازي سيما وقد اعفيت من الخدمة كأستاذ أول في جامعة الكوفة بقرار من رئاسة الجمهورية... ولكن الله ستر.

            ومهما يكن من أمر فقد كان هذا آخر لقاء بصديق العمر ورفيق الجهاد السيد محمد الشيرازي!! نعم كان هنالك لقاء من نوع آخر بتاريخ 7 / 7 / 2004م عند مرقده الشريف لدى ضريح السيدة الطاهرة فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر عليه السلام في قم المشرفة كما سترى هذا فيما بعد.

            ولا أريد الخوض في تفصيلات حياته في إيران، ولا أريد أن أتحدث عن تأييده المطلق للثورة الإسلامية، ولا أميل إلى متابعة الإفرازات السياسية التي وافقت مسيرة السيد الشيرازي بذلك، فذلك أمر كثير المزالق، موحش السرى، كبير العقباب، ولم أكن شاهداً لأحداثه، وأنا أتحدث عن الفقيد كما رأيته، وللتاريخ أني يسجل حقائق الأحداث، ولمرافقي السيد الشيرازي قدس سره في محنته أن يدونوا شيئاً من مذكرات تلك المشاهد نعم لي أن أقول وبصريح العبارة أن السيد الشيرازي كان أكبر من المحنة، وأصلب من الفتنة، وأكثر تأثيراً في الشعب الإيراني ممن خططوا للحجر عليه وفرض الإقامة الجبرية، وله بذلك الأسوة بالأئمة الطاهرين لا سيما الإمام موسى بن جعفر عليه السلام:
            إن قيدوا منك الإقامة فالتمس «موسى بن جعفر» في السجون نزيلا
            وليت شعري أيتناسى أولئك المواقف المشرفة التي وقفها السيد الشيرازي لدى اعتقال الإمام الخميني قدس سره بعد الأحداث الدامية التي وقعت في قم المقدسة وإبادة الآلاف من الحوزة العلمية والشعب الإيراني وإعلان حالة الطوارئ القصوى في إيران 25/ شوال/ 1382هـ =5/ حزيران/ 1963م.

            وقد أحيل السيد الخميني إلى المحكمة العسكرية الكبرى في طهران، ومعنى هذا أن يحكم عليه بألإعدام فوراً من قبل شاه إيران، بيد أن الدستور الإيراني يقضي بأن مرجع التقليد لا يعدم بأي حال من الأحوال، وكان السيد الخميني آنذاك من أساتذة الحوزة العلمية في قم المقدسة، وهو تلميذ مجدد الحوزة في قم آية الله الشيخ عبد الكريم الحائري من أبرز الفقهاء والأصوليين في عهدي الميرزا الشيخ محمد حسين الغروي النائيني والسيد أبي الحسن الموسوي الأصفهاني طاب ثراهما، فهما قد حفظاً حوزة النجف في أحلك الظروف وأشدها حساسية، والشيخ الحائري قد حفظ حوزة قم في أحرج فترة مرت بتاريخ إيران الحديث في عهد الطاغية رضا شاه البهلوي والد الشاه المقبور.

            ولم يكن الشاه محمد رضا بهلوي ليعترف باجتهاد السيد الخميني طاب ثراه، ولابد من العمل على إثبات هذا الموضوع، وكانت المرجعية العليا - آنذاك ـ في النجف الأشرف قد تولى سدتها المنبعة الإمام السيد محسن الطباطبائي الحكيم قدس سره، والمراجع العظام الأخرون، فرحل السيد محمد الشيرازي من كربلاء إلى النجف الأشرف، وقصد آية الله السيد عبد الله الشيرازي طاب ثراه، وعرض الموضوع عليه، وقال إن لم تقل النجف كلمتها في السيد الخميني فسيعدم حتماً، فنهض معه العالم الجريء البطل السيد عبد الله الشيرازي وذهبا من فورهما إلى السيد الحكيم والسيد محمود الشاهرودي والسيد أبي القاسم الخوئي أعلى الله مقامهم جميعاً، وعرضا هذا الموضوع الخطير عليهم، وجرت المداولات الجادة في أبعاده كافة، ولم يكن شأن مراجع النجف أن يكتبوا إلى الشاه أو أن يخاطبوه برسالة ما، فتم رأيهم أن يبرقوا كلاً على حدة برقيات احتجاج إلى مراجع الدين في كل قم وطهران، وهكذا كان، وقد ذكرت هذا الحدث في بحث سابق، جاء فيه ما نصه:

            وحينما قامت أجهزة السافاك لنظام الشاه المقبور، بقمع حركات التحرر بقيادة الإمام الخميني قدس سره، فكانت المجازر الدموية الرهبية لا سيما في 25/شوال/ 1382هـ الموافق 5/ حزيران/ 1963م، والتي استشهد جراءها حوالي خمسة عشر ألف شهيد في كل من: مشهد، وقم، وطهران، وتبريز، وأصفهان، وسواها من المدن الإيرانية، وزجت بالمئات من العلماء وأفاضل الحوزة العلمية في السجون، حينذاك استنكر العلماء الأعلام في النجف هذه الحوادث، وشجبوا تصرف الشاه بذلك.

            وأبرق الإمام الحكيم قدس سره إلى المراجع العظام في إيران بالبرقية الآتية:

            بسم الله الرحمن الرحيم
            «إن الحوادث المؤلمة المتوالية، والفجائع المحزنة التي ألمت بساحة العلماء الأعلام والجامعة الروحانية في (قم) أدمت قلوب المؤمنين والمتدينين، وأوجبت تأثيرنا الشديد «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ» أملي أن حضرات العلماء الأعلام بأجمعهم ينزحون إلى العتبات المقدسة حتى أقولها كلمة صريحة في الدولة».

            النجف الأشراف 8/ ذي القعدة/1382هـ محسن الطباطبائي الحكيم


            كما أبرق بالمعنى نفسه كل من الإمام الخوئي والإمام الشاهرودي والإمام السيد عبد الله الشيرازي والإمام السيد محمد الحسني البغدادي.

            وعطلت الحوزة العلمية أعمالها في الدرس والبحث الخارج، وأسفرت الحوادث عن اعتقال الإمام الخميني وترحليه إلى تركيا، ثم قدم النجف الأشرف بعد حين».

            وكان هذا الموقف الموحد من المراجع العظام قد وقع كالصاعقة على نظام الشاه، فأعاد التفكير في القرار تجاه الإمام الخميني بعد أن عبّر السيد عبد الله الشيرازي طاب ثراه وسواه من الأعلام بعبارة «حضرة مرجع التقليد السيد روح الله الموسوي الخميني دامت بركاته» في رسائل أرسلت إليه في الاعتقال، ورضخ أخيراً للانصياع إلى مقررات الدستور الإيراني، فقام بتسفير الإمام الخميني قدس سره الى تركيا، ثم منح حق اللجوء السياسي في العراق، فأقام في النجف الأشرف أستاذاً للبحث الخارج، وفيها طور تظريته في الحكم من خلال ولاية الفقية العامة على ماهو معروف عنه.

            لم تكن هذه المواقف التي أنقذت السيد الخميني من الإعدام لتتبلور بهذا الزخم الهائل من الاحتجاج والنكير على الشاه إلا بجهود الطبقة الواعية من شباب الحوزة العلمية في النجف الأشرف، وكان السيد محمد الشيرازي طاب ثراه في طليعتهم.

            وفي هذا الصدد فإنني أسجل للتاريخ تقرير سيدنا الإمام الخوئي قدس سره بالحرف الواحد آنذاك: «لو كان عندنا ثلاثة مثل السيد محمد الشيرازي لغزونا العالم».

            وهو حديث متواتر مشهور على ألسنة الشباب الذين سمعوه، وكان الأخ الحميم العلامة السيد جواد الشهرستاني كبير وكلاء المرجعية العليا في النجف الأشرف آخر من حدثني به.

            وقد يقال أن للسيد الشيرازي طموحاً مبكراً، وسعياً إلى الزعامة منذ شبابه، وللإجابة عن هذا التساؤل نقول: إن الطموح المشروع هو سبيل أغلب زعماء الأمة وإلا تعطلت القيادة، وتسلمها من اليس أهلا لها، والسيد الشيرازي أهل لذلك لعائدية تلك الزعامة في العطاء ونشر الأفكار على الامة التي تتطلع إلى الصفوة المختارة من علماء أهل البيت عليهم السلام لهدايتهم ليس غير.

            ولقد أثبت السيد الشيرازي طاب ثراه مقدرة خارقة في متابعة الأحداث والتكيف مع الزمن في عمل جاد وكفاءة عالية، ولك أن تعجب لرجل مغترب في الكويت يشيد سبعمائة مؤسسة خيرتة ودينية واجتماعية في العالم ما بين مكتب لإدارة الشؤون الدينية، ومسجد لأداء الصلاة وانطلاق المقررات، وميتم للفقراء والمحرومين ممن نكبهم الدهر بآبائهم فاحتضنهم، ومكتبة عامة ترعى الجيل، ونادٍ ترفيهي مشروع، ومدرسة للبنين والبنات في أكثر من إقليم من أقاليم الدنيا وهي تلقن الأبناء مبادئ الإسلام إلى جنب التربية، ومستوصف للمرضى، ومستشفى للعلاج المجاني، وحسينية تقام بها الشعائر لاستمرارية مبدأ الأئمة عليهم السلام، ومجمع ثقافي يقوم بمهام الأدب والتراث والتبليغ، وسوى ذلك من المشاريع الكبرى، ولا شيء منها يحمل اسمه إلا مكتبة لضرورة عرفانه في مهمات الإفتاء وإعانة ذوي الحاجة وتنظيم شؤون الوكلاء، فهو كما قال لي مراراً: فانٍ، والمجد الذي لا يفني هو مجد أهل البيت عليهم السلام، فلله دره، وللخلود ذكره.

            مؤلفات السيد الشيرازي:
            هذا الموضوع يحتاج إلى أطروحة مستقلة أندب لها طلاب كلية الفقه الموقرة في النجف الأشرف، وأخص منهم الكوكبة اللامعه من طلاب الماجستير والدكتوراه، وذلك من خلال تسجيل رسائلهم العلمية في هذا البحر الزاخر من المؤلفات التي تجاوزت الألف كتاب، ودراسة ذلك أو جزء منه فيه إعادة للجميل ونشر للتراث المتطور كماً وكيفاً.

            والسيد الشيرازي منذ شبابه الأول حتى شيخوخته الفتية، وفي ستين عاماً من عمره المبارك، كان حريصاً على التأليف، ومؤثراً له على سواه من الأعمال، حدباً في هذا الإيثار الكريم بأمانة وإخلاص، نظراً لعائديته الفذة في إنشاء جيل متدرع بالعلم والمعرفة الإنسانية المتنوعة، وهو بعُد حقلٌ يتسع لأبواب شتى من بعد الأمة، وإحياء التراث، والدعوة إلى الله، والتمسك بالعقيدة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتهذيب النفوس وإشاعة الخلق الرفيع، ونشر ثقافة الإسلام، وبيان خصائص الأئمة، والحفاظ على كنوزهم الخالدة من التناسي والإغفال كما هو ديدن التاريخ الرسمي.

            ويمكنني مع الضغط الشديد والضوء المعمق تصنيف مؤلفات السيد الشيرازي إلى ثلاثة مجاميع رئيسية:

            1- المادة التخصصية في التشريع: وتشتمل على علم الحديث والسنة والفقه والأصول، وتضم بين دفتيها مباحث الرواية والدراية وتصنيف الرواة حديثاً، وعلى مباحث العبادات جميعاً والمعاملات والعقود والإيقاعات والديّات والقصاص والمواريث فقهاً، وعلى مباحث الألفاظ والأصول العملية أصولاً، وفيها كل ما يتصل بحياة الإجتهاد والاستنباط والنظر العقلي والتدقيق في أدلة الأحكام ومعالم البحث العالي الخارج.

            ويكتفي للتدليل على ما جاء من ذلك موسوعته الفقيه الضخمة التي بلغت مائة وخمسين مجلداً، وتقريراته في علم الأصول إضافة إلى أجوبة المسائل الدينية من شتى بقاع العالم، ومستحدثات المسائل في الحضارة وعوالم الغرب في المعاملات والمستجدات، والطب، والاقتصاد، والاجتماع، وعلم النفس، وأحكام الدولة.

            2- كتب الاحتجاج والمناظرات والمقالات الإسلامية في الدفاع عن ثوابت الإسلام وأصول مبدأ أهل البيت عليهم السلام وجذوره، وحياة العقل الإنساني في الفطرة من ينابيعها الأولى، والتعريف بحضارة التشريع نظرية وتطبيقاً، والتعريف بالإمامية بمختلف أطاريحها فكراً ونظاماً وعقائد وأصولاً ونظريات وفلسفة ونصوصاً ظاهرة، وهو بهذا يجمع إلى جنب علم الكلام بعالم الفلسفات المعاصرة من وجه، ومفاهيم البعد التنظيري من وجه آخر، ويضم إلى أدب الاحتجاج أدب المحاورة الرائدة في ضوء قوله تعالى: (ادْعُ إِلَى‏ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) سورة النحل: 125، ولا ينسى لغة التفاهم الهادئة وهي تنبض بالحيوية والإقناع، فضلاً عن إسلوبه العجيب في النقض والرد، فهو يورد الإشكال الواقع أو المفترض بكل جزئياته ومنظور أطرافه الأخرى الواضحة والمغلفة، ثم ينقض عليها بالرد العلمي الموزون والفكر الحديث المتنور.

            وفي هذا الملحظ نجد السيد الشيرازي طاب ثراه، يقدم تخطيطاً موضوعياً شاملاً لمعالم الإيمان وظواهر العقيدة وفلسفة التشريع، وتبدو عنايتة الفائقة في هذا المنحنى في التأكيد على دقائق الإمامية وثوابت أهل البيت عليه السلام.

            ولا يقف قلم السيد الشيرازي عند هذا الأفق الرحيب فحسب بل يتعداه على التنظير في العولمة والعصرنة، وشؤون الدولة، وقضايا الحرية والسلام العالمي، ومبادئ حقوق الإنسان، وتأكيده على العدل الاجتماعي وتطبيقه على الشعوب والطوائف والأقليات القومية والمذهبية.

            وكتبه هذه غزيزة العطاء، عظيمة النفع والعائدية على كل المسلمين، وهي تتجاوز المائتين في تعدادها.

            3ـ كتب الثقافة الإسلامية: وهي مجموع كبرى من المؤلفات الهادفة كبيرة وصغيرة ومتوسطة في الحجم، ورعي في تأليفها التيسير والتبسيط ووضوح العبارة وحداثة الأسلوب، ليقبل على الإفادة منها الشباب والمتحفز والنشأ الجديد، فيها عمق الأفكار ومرونة التعبير، والسيد الشيرازي طاب ثراه في هذا المنحى يمتلك مخزوناً ثقافياً هائلاً من المفردات اللغوية خالية من التعقيد والإبهام، فهو يتحكم في العبارة بما يسيغه الفهم المعاصر لطبقة الشباب والفتيات، وكانب هذا العمل رائداً دون شك، ومفجراً لمنهاج اجتماعي فذ يحدب على التثقيف الجماعي والفردي بأسلوب سمع لا عسر فيه ولا حرج.

            وهذه المؤلفات التي تجاوز عددها خمسمائة كتاب وكراس، ودورية، ونشرة، وبيان، وإبلاغ، وتبليغ تعد أفضل ما قدمه رجل روحاني عرفاني للجيل الجديد في بيان أولوية الإسلام بين المبادئ، وأوليته في التشريع، وأسبقيته لإقرار حقوق الإنسان ومبادئ التحرير قبل لرائع الثورة الفرنسية ومبادئ الأمم المتحدة، بأكثر من اثني عشر قرناً، كما نشر في هذا المشروع مناهج الدين الإسلامي في التربية والأخلاق والحرية الفكرية، وبرهن بمفردات ضخمة وبإيضاح عجيب على صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان باعتباره الأطروحة السماوية التي يعضدها القرآن العظيم في تبيان كل شيء، ويرفدها الحديث النبوي بالتبين والشرح والإضاءة، ويعززها تراث أئمة أهل البيت عليه السلام بالسيرورة والبقاء الاستمرار من خلال تعليماتهم التي استمرت أكثر من مائتي عام، ويروّجها العلماء في كل عصر منذ الغيبة الكبرى حتى اليوم بما يقدمونه من ملايين المؤلفات الحائدة بكل ماهو أصيل ومبتكر برعاية من صاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه.

            كان الالتماع الذهني لدى السيد الشيرازي طاب ثراه وراء هذا السيل المتدافع من هذه المؤلفات، وقد حرص فيها جميعا ًعلى تيسير المعطيات المكثفة لشباب الأمة بما يناسب الفطرة النقية الخالصة من الأوشاب، وبما يلائم الفهم المتوسط لدى الجيل الجديد، لتصونه من الانحراف والتخلف والضياع، وتعصمه من الانجراف بتيار المبادئ الهدامة والأفكار المستوردة.

            هذا الاتجاه كان عاملاً فاعلاً في التفاف الشباب المثقف والنشئ الواعي حول الفقيد السيد الشيرازي، وذلك لما لمس فيه من أثر بالغ في التوجيه والرعاية والعطاء الفكري المنسجم مع طبيعة العصر.

            وفاة السيد الشيرازي:
            كنت متواجداً في منزلي في النجف الأشرف مساء اليوم الثاني من أيام عيد الفطر المبارك عام 1422هـ أستقبل بعض المهنئين بالعيد، فأمني أحد الأساتذة في جامعة الكوفة وهو قريب إلى نفسي، وبعد قليل من استقراء مجلسه، قال: هنالك نبأ محزن شديد عليك، أنا مضطر فعلاً لإخبارك به، قلت خير؟ قال: أذاع راديو لندن في نشرته الإخبارية هذا المساء نبأ وفاة صديقك السيد محمد الشيرازي، فاسترجعت وتملكني من الحزن والأسى ما يعلمه الله، وتعللت عسى أن يكون الخبر كاذباً:
            طوى الجزيرة حتى جـاءني نبـأُ فزعت فيه بآمـالي إلى الكـذب
            وهرعت صباحاً إلى مكتب آية الله العظمى السيد السيستاني دام ظله، واستفسرت من ولده السيد محمد رضا السيستاني عن الأمر، فقال: النبأ صحيح مع الأسف، عظم الله أجرك في صديقك!! فلقد سمعته من الإذاعة الرسمية لإيران، فقابلت سماحة السيد السيستاني دام ظله، وعزيته وعظمت أجره، وكان حزيناً متأثراً متأسفاً، وتذاكرنا في حياة الفقيد ومميزاته.

            وكانت وفاة السيد الشيرازي صباح يوم الاثنين2/ شوال/ 1422هـ بجلطة قلبية، وكان آخر لقاء لي به بعد فراق أكثر من ثلاثين عاماً في 2/ شعبان/ 1422هـ فما أسرع ماطويت هذه الصفحة المشرقة بعد شهرين!!

            تشيع السيد الشيرازي:
            وانتشر نبأ وفاته في العالم الإسلامي انتشار النار في الحطب الجزل، وخرجت قم على بكرة أبيها لتشيع الجثمان الطاهر من داره في قم المقدسة إلى حيث مرقد السيد المعظمة فاطمة بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، وضاقت الشوارع الفارهة بالحشود الجماهيرية المتدافعة للتشييع، وكان قد أوصى بأن يدفن في داره بعد تجديد العهد بالسيدة المعصومة، إلا أن الأجهزة الأمنية ـ قد تناهى إلى سمعها الاحتجاج الصارخ ـ اختطفت الجثمان، ودفن حيث مرقده قبلي مشهد السيدة المعصومة، قرب قبر أخيه الشهيد السعيد البطل الجريء المجاهد السيد حسن الشيرازي طاب ثراه، وما إن حططت الركاب في قم المقدسة في طريق زيارتي للإمام علي بن موسى الرضا(ع) حتى قصدت مرقده الطاهر في 2 / 7 / 2004م، ووقفت عنده واغرورقت عيناي بالدموع، وقرأت الفاتحة وشيئاً من القرآن العظيم، وترحمت عليه كثيراً، ومرت الذكريات حزينة باكية، وهي تتجاوز نصف قرن من الزمان، وكانت حافلة بالنضال المشترك والعمل الجاد في سبيل إعلاء كلمة الله في الأرض، وترسيخ مبادئ الأئمة المعصومين وجددت العهد بمكتبه في 3 / 7 / 2004م لأقدم التعازي بفقده، وأخوه آية الله السيد صادق الحسيني الشيرازي دامت بركاته يخلفه فيه ويقوم مقامه، وحوله الناس يستقبلهم بثغره الباسم ووداعته المعهودة، وهو يلبي طلباتهم، ويقضي أشغالهم، ومن حوله أبناء الفقيد السعيد وأبناؤه هو، وكلهم من أهل العلم والتحصيل، هنالك تذكرت قول الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء: «بيت فيه العلم لا يخرب» وهكذا كان.

            إن هذا البيت الشريف عامر بجيل من الشباب ذوي الوعي، والمشتغلين بالعلم والعمل الصالح، وسيبقى كما كان في القمة الشامخة من المجد المؤثل.

            وسيأتي اليوم الذي تختفي فيه مظاهر الابتراز لكيان الأبتزار والمتقين، ويعود آل الشيرازي إلى كربلاء المقدسة، مربض أمجادهم وجهادهم الديني، وتزدهر بهذ الأسرة الكريمة ربوع العراق بإذن الله تعالى.

            السيد الشيرازي:
            فيا أيها الليل البهيم، ويا أيها الفجر الكئيب؛ لقد مات السيد محمد الشيرازي في غربة عن بلاده، وسأظل أبكيه بدموع من دم ما ظل مظلوماً!! وسأبكيه بدموع من دم ما بقيت صورته مرتسمة في قلبي لا تفارقه، فوالهفاه على فراقه، وواأسفاه على فقده «يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية * فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي» (الفجر 27ـ30).

            فيا أيها النجم الساري في فلك الخلود السرمدي!! ويا أيها الشعاع الهادي إلى منهج الإسلام الخالص ومبدأ أهل البيت عليهم السلام!! ويا أيها القلب الكسير الذي حطم على صخرة الاعتداء الأثيم! ويا أيها الصوت المدوي في أفق الصمت الرهيب، عشت سعيداً مظلوما، مت شهيداً محروماً، وستبقى مناراً للخالدين الصامدين... ولئن استعصى على الشعر في رثائك وتأبينك، فقد أخرس خطبك الجلل الشعر، وقد نطق النثر بنيرات من الآهات الحزينة ولواعج من الأشجان العميقة، وهو يصور لمحات حياتك الحرة الرائدة، ويصطلي بمرارة رزئك العظيم، ولم يمنعني هذا وذاك أن أدرسك موضوعياً، لأهز بك الجيل الحاضر والشباب المعاصر، فقد أفنيت عمرك بسبيلهم، وقدمت الكثير لانقاذهم، صابراً محتسباً، فما ضاع يوم من عمرك، ولا خبا نور من فضلك، إن الله لا يضيع أجر المحسنين.

            وينبغي أن أشير إلى «مصطلح الموضوعية» الذي درست فيه حياة السيد الشيرازي، فهي ذات بعدين:

            الأول: ويراد بها ما يقابل السطحية في البحث العلمي، فكل بحث يعتمد أصولاً منهجية، ويخرج بنتائج منطقية فهو بحث موضوعي معزز بالوثائق التاريخية.

            الثاني: قد يراد بالموضوعية ما يقابل الذاتية في الاندفاع اللاشعوري وراء الهوى والعاطفة، وهو نهج ابتعد عنا وابتعدنا عنه، فاللحاظ الموضوعي المستند إلى الوقائع الدقيقة المسلمة كان مضمار هذا البحث، ولا دوافع أخرى في حديثة، ولا خلفية له إلا بيان ما كان، بلى وراءه قوله تعالى بالنسبة للنفس الإنسانية «ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً‌» والإحياء المعنوي لذكرى علماء الأمة من أبرز مصاديق الآية.

            الشيرازي نت

            تعليق


            • #7
              المشاركة الأصلية بواسطة alyatem
              لالسيد الشيرازي قدس سره وبصريح العبارة: رجل ارتفع به أولياؤه إلى درجة التقديس، وهو أهل للتبجيل والتعظيم من دون شك. وانحدر به أعداؤه إلى حد التوهين، وليس الأمر كذلك، فكان مدحه يتعدى حدود الإفراط أحياناً، وكان قدحه يتعدى حدود التفريط دائماً، وبناءً على هذا المناخ المتناقض، فقد كثر اتباعه ومحبوه، وهم يفدونه بالآباء والأبناء، وكثر – أيضاً – مبغضوه بشكل غريب يدعو إلى الحيرة والتساؤل.

              تعليق


              • #8
                جاء في مقال البوشفيع التالي:
                - وقعت في يدي فجأة ورقة صفراء كتب فيها سؤال عن اجتهاد السيد محمد بن السيد مهدي الشيرازي، وذُيلت بإجابات مقتضبة لبعض المراجع الكبار في النجف الأشرف بعدم معرفتهم الشخص المذكور بالاجتهاد، وعدم عهدهم إياه في حوزاتهم.
                - وكنت أسمع عن الشيرازيين بأن عليهم علامات استفهام في أنشطتهم التي تتسم بالسرية، وأن هؤلاء - على رغم انتشارهم الواسع وكثافتهم - ليسوا على حق وأعمالهم باطلة، لأنهم يرجعون إلى شخص غير مجتهد، أو في أحسن الأحوال غيرِ الأعلم.
                - أن السيد الشيرازي غير مجتهد أصلاً، مستشهدين بأقوال بعض «الفضلاء» و«أهل الخبرة»!!؛ وبالتالي فإن تقليده غير مجزئ ولا مبرئ للذمة.


                وهو يشير الى هذه الفتاوى:
                [1]


                بسم الله الرحمن الرحيم‏
                حضرات المراجع الكرام والعلماء الأعلام في النجف الأشرف حفظكم الله وأبقاكم للإسلام والمسلمين‏
                السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
                هل أنّ السيّد محمّد نجل المرحوم العلّامة السيّد مهدي الشيرازي مجتهد؟ وهل يجوز تقليده وهل هو ثقة عندكم؟
                عن أهالي الكويت‏
                عبد المحسن يوسف‏
                1/ 1/ 1392.

                وقد جاء في الجواب:

                بسمه تعالى شأنه‏
                لم يتلمّذ عندنا ولا في حوزة النجف الأشرف كي نعرف فضله، ولم يثبت عندنا اجتهاده بالبيّنة الشرعيّة.
                محمود الحسيني الشاهرودي‏
                2/ محرّم الحرام/ 1392.

                بسمه تعالى شأنه‏
                بما أنّا لم نعهد من الشخص المذكور دراسة في الحوزة العلميّة في النجف الأشرف ولا بحثاً علميّاً، فلم يثبت لدينا اجتهاده، وقد نصّ سماحة العلّامة حجّة الإسلام والمسلمين أستاذه الشيخ يوسف الخراساني الحائري دامت بركاته على عدم اجتهاده، وهو أعرف بحاله.
                2/ محرّم الحرام/ 1392 ه.
                أبو القاسم الموسوي الخوئي.

                بسمه تعالى‏
                إنّ هذا الرجل [المسؤول‏] عنه لم يثبت اجتهاده عندي رغم مؤلّفاته الكثيرة المنسوبة إليه.
                مرتضى آل ياسين‏


                وبعد فترة توجّه الحاج منصور قبازرد إلى السيّد الخوئي (رحمة الله) بالسؤال التالي:
                [2]


                منصور حسين قبازرد
                كويت - بلاد العرب‏
                التاريخ: الكويت في 12/ 3/ 1972 مارس.
                بسم الله الرحمن الرحيم‏
                حضرات المراجع الكرام والعلماء الأعلام في النجف الأشرف‏
                حفظكم الله وأبقاكم ذخراً للإسلام والمسلمين‏
                السيّد العلّامة أبو القاسم الموسوي [الخوئي‏] حفظكم الله‏
                إنّه في دولة الكويت قد قمتُ ببناء بناية [في‏] حياة المرحوم السيّد العلّامة محسن الحكيم وقد احتسبت البناية من دراهم سهم [الإمام‏] (ع)، وأقوم بتوزيع الإيراد على المدرسة الجعفريّة للبنين والبنات.
                وفي الكويت قد راجعني السيّد محمّد نجل المرحوم العلّامة مهدي [الشيرازي‏] طالباً منّي المساهمة في بناء أو شراء بيت للمدرسة الدينيّة، وعليه جئتُ طالباً من سماحتكم الموقّرة الاستفسار إن كان يجوز أن أساهم في إعطائه من دراهم إيراد البناية؟
                هذا وللأهميّة جئتُ بكتابي راجياً من سماحتكم الموقّرة بالردّ عليّ، والله أسأل أن ينصرنا وإيّاكم لما فيه الخير لنا جميعاً.

                والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
                وتفضّلوا بقبول خالص الاحترام‏
                منصور حسين قبازرد

                بسمه تعالى شأنه‏
                لا يسعنا تجويز ذلك، فإنّ أمر السيّد محمّد الشيرازي المذكور مريب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
                2/ صفر المظفّر/ 1392 هـ
                أبو القاسم الموسوي الخوئي‏

                انظر خاطرات آيت الله خاتم يزدي (بالفارسي) : 172
                المصدر:
                محمد باقر الصدر.. السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق، أحمد عبدالله أبو زيد العاملي / ج : 2 / الصفحة : 457 -461

                [3]



                بسم الله الرحمن الرحيم
                سماحة آية الله العظمى الإمام الخوئي دام الله ظلاله الوارفة
                بعد الدعاء بالتسديد والتأييد برعاية مولانا صاحب الزمان أرواحنا له الفداء
                مولاي يا زعيم الحوزة:
                لقد وقعت بأيدينا فتوى موقعة بختم سماحتكم وسماحة الإمام الراحل السيد الشاهرودي والأمام الراحل المرتضى من آل يا سين وحجة الإسلام يوسف الحائري قدس الله أرواحهم تنص على عدم إجتهاد السيد محمد نجل العلامة السيد مهدي الشيرازي الموجود حاليا في قم المقدسة، ونظرا لقيام الضجة حول هذا الرجل والدعوة له بالتقليد وجميع الحقوق الشرعية ونظرا لقيام وقول المروجين والدعاة له بالتقليد وعلى راسهم (حسن بن موسى الصفار) وهل هو ثقة عندكم؟ وهل درس تحت رعايتكم أو في الحوزة العلمية بالنجف كما يدّعي؟ وهل يجوز الإئتمام به وهل إن هذه الدعوة التي يقوم بنشرها لها نصيب من الواقع أو أساس من الصحة؟ بأن الرجل السيد محمد الشيرازي يرجح علم سماحتكم بحاله قديما وهو الآن من المجتهدين المراجع؟
                أفتونا مأجورين فقد وقع الناس يا مولانا في غموض من أمر دينهم واعتراهم الإرتباك والإلتباس لما هم مسؤلون عنه يوم القيامة دام ظلكم


                إبنكم الروحي
                أحمد علي عباس آل مدن
                القطيف أم الحمام
                18 شوال 1399هـ

                بسمه تعالى
                ما أشرتم إليه من الإجابة الموقعة منا ومن العلماء المذكورين قدس سرهم صحيحة وواقعة ولا تزال قائمة وهو منذ صدور هذه الإجابة حتى الآن لم يكن في دراسة حتى يمكن أن يحصل هذا الاحتمال المزعوم على أنه مع التنزل لو قدر له أن يكون مجتهدا فليس كل مجتهد يصح الرجوع إليه في التقليد حيث تشترط الأعلمية والعدالة والأعلمية لا يرجع في عدم إشتراطها إلى غير الأعلم.
                وأما حسن الصفار فسبق أن أجبنا على سؤال وردنا من مسقط وتكرر الجواب لبعض القطيفيين بأن أمره لمريب ولا يوثق به ولا بتصرفاته وما ذكرتموه يؤكد انعدام الثقة منه.

                والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل
                والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                في 25 شوال المكرم 1399 هـ
                الخـوئي

                وكان الاستاذ المحقق احمد ابوزيد العاملي قد أفرد بابا في كتابه المذكور اعلاه:

                تصاعد الموقف بين النجف الأشرف وبين أتباع السيّد محمّد الشيرازي (رحمه الله)

                لم يكن أتباع السيّد محمّد الشيرازي (رحمه الله) ضدّ التنظيم، وإنّما كانوا ـ وفقاً لرؤية السيّد حسن الشيرازي (رحمه الله) ـ يريدون حزباً للمرجعيّة التي يقف على رأسها السيّد محمّد الشيرازي (رحمه الله)[1]، وكان السيّد حسن (رحمه الله) السبب في الهجوم على حزب الدعوة في كربلاء[2].

                وفي أواخر الثمانينات الهجريّة حرّم السيّد محسن الحكيم (رحمه الله) المشيَ على الجمر في مراسم أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، العادة المستقدمة من الهند. وقد أوجد ذلك حساسيّةً بين أتباع السيّد الشيرازي (رحمه الله) وبين مرجعيّة السيّد محسن الحكيم (رحمه الله)[3].

                ثمّ تأصّل هذا الخلاف بعد موقف علماء النجف الأشرف الذي أظهروه في جواب السؤال التالي:...


                وساق ابو زيد الفتويين السابقتين اعلاه!!
                ثم أضاف معلّقا:


                وفي المقابل يعترف له آخرون بالاجتهاد، من قبيل والده السيّد مهدي الشيرازي (رحمه الله) الذي أظهر في ربيع الأوّل/1379هـ أنّ شرح ولده على العروة يدلّ على اجتهاده، وشهد باجتهاده كذلك السيّد علي الموسوي البهبهاني (رحمه الله) سفي 29/صفر/1392هـ[6]. كما يظهر ذلك من آخرين سنة 1399هـ في عزاء السيّد حسن الشيرازي (رحمه الله) حيث وصفوا أخاه السيّد محمّد (رحمه الله) بـ(آية الله)، من قبيل السيّد عبد الله الشيرازي (رحمه الله)، السيّد حسن القمّي (رحمه الله)، الشيخ حسين المنتظري والسيّد كاظم المرعشي (رحمه الله)[7].

                ومهما يكن من أمر، فإنّه إثر ذلك ـ وقبل صدور جواب السيّد الخوئي (رحمه الله) الثاني أصدر أتباع السيد الشيرازي (رحمه الله) بياناً نفوا فيه انتساب السيّد الخوئي (رحمه الله) إلى السادة، كما أصدروا بياناً آخر اتّهموا فيه السيّد محمود الشاهرودي (رحمه الله) بالخرف. ثمّ أصدروا بياناً باسم الحوزة العلميّة يتّهمون فيه الشيخ يوسف الخراساني (رحمه الله) بالجنون، كما اتّهموا السيّد يوسف الحكيم (رحمه الله) بما لا يليق ذكره[8].


                الهوامش:
                [1] محمّد باقر الصدر.. حياة حافلة.. فكرٌ خلاّق: 96، نقلاً عن الشيخ علي كوراني.
                [2] محمّد باقر الصدر.. حياة حافلة.. فكرٌ خلاّق: 96، نقلاً عن الحاج صالح الأديب.
                [3] حدّثني بذلك السيّد نور الدين الإشكوري. ويشير السيّد محمّد باقر الحكيم (رحمه الله) إلى أنّ والده السيّد محسن (رحمه الله) وقف وقفة شجاعة بوجه الذين حاولوا إدخال بعض الشعائر على المراسم الحسينيّة، من قبيل إشعال النار ثمّ التوضّؤ والدخول فيها تعبيراً عن الارتباط بالإمام الحسين (عليه السلام)، فحرّم ذلك واستخدم كلّ الإمكانات لمنعه. إضافةً إلى تحريمه التطبير، معتبراً أنّ أمرين رئيسيّين منعا التشيّع من الانتشار:
                (1) التطبير الذي ينفّر المسلمين من مذهبنا.

                (2) ما يمارسه ـ والكلام لا يزال للناقل السيّد محمّد باقر الحكيم (رحمه الله) ـ بعض الجهّال من الشتم والسب واللعن، وذلك ما يأباه مذهبنا وأفكارنا وعقائدنا ومنهجنا الإسلامي، حيث نهى القرآن عن سبّ آلهة المشركين مع أنّها في النار (مرجعيّة الإمام الحكيم.. نظرة تحليليّة شاملة: 257)
                .

                [4] انظر الوثيقة رقم (159). وهناك استفتاء على صفحات الإنترنت جاء فيه: » بسمه تعالى، ما أشرتم إليه من الإجابة الموقّعة منّا ومن العلماء المذكورين قدّس سرّهم صحيحة وواقعة ولا تزال قائمة وهو منذ صدور هذه الإجابة حتّى الآن لم يكن في دراسة حتّى يمكن أن يحصل هذا الاحتمال المزعوم. على أنّه مع التنزّل لو قدّر له أن يكون مجتهداً فليس كلّ مجتهد يصحّ الرجوع إليه في التقليد، حيث تشترط الأعلميّة والعدالة، والأعلميّة لا يرجع في عدم اشتراطها إلى غير الأعلم...« 25/شوّال المكرّم/1399هـ، الخوئي.
                [5] انظر الوثيقة رقم (160) ؛ وانظر: خاطرات آيت الله خاتم يزدي (فارسي): 172.
                [6] انظر: نگرشى به زندگى حضرت آية الله العظمى شيرازى (فارسي): 32، 33.
                [7] انظر: آية الله الشهيد السيّد حسن الشيرازي.. فكرة وجهاد: 512 وما بعد.
                [8] حدّثني بذلك السيّد نور الدين الإشكوري، ولم أتمكّن من الحصول على البيان المذكور.


                ملاحظات:
                1 - بالنسبة للهامش رقم (4) فالمقصود منه هي الفتوى رقم [3] المنشورة اعلاه.

                2 - ما ورد في الهامش رقم (8) من أنه لم يتمكن من الحصول على البيان المذكور لا ينفي الموضوع، وسنبينه لاحقا ان شاء الله تعالى.

                ولنقرأ تعليق الدكتور الصغير على هذا الأمر، وقد أكتفى بهذا التصريح دون الاشارة لوجود الفتاوى اعلاه:

                - بلغني أن أحدهم ممن ثلب السيد الشيرازي، كان قد أحتُضر، وقد رآوه يتملل على فراش الموت، ويتأسف كثيراً، فخوطب في ذلك، فأجاب أنه زوّر على بعض المراجع العظام فتوى كاذبة تتناول السيد الشيرازي بالقدح، والمرجع لا يعلم بذلك على الاطلاق، بل كان يحب السيد الشيرازي حباً جماً.

                -
                وفي هذا الصدد فإنني أسجل للتاريخ تقرير سيدنا الإمام الخوئي قدس سره بالحرف الواحد آنذاك: «لو كان عندنا ثلاثة مثل السيد محمد الشيرازي لغزونا العالم».
                وهو حديث متواتر مشهور على ألسنة الشباب الذين سمعوه، وكان الأخ الحميم العلامة السيد جواد الشهرستاني كبير وكلاء المرجعية العليا في النجف الأشرف آخر من حدثني به.

                وله اشارات اخرى اثناء كلماته يمكنك مراجعتها مما اقتبسه الكاتب البوشفيع في مقاله! فراجع!
                ولنا وقفات على هذا الكلام، وبعض ما ورد في كلمات الدكتور الصغير! نتابعه لاحقا ان شاء الله تعالى.

                تعليق


                • #9
                  خلافات قديمة جدا جدا

                  محورها هو محور الزعامة للطائفة في العراق

                  إن الأخ الذي أدرج الموضوع يبدو أن له صلة أو ينتمي لحزب الدعوة الإسلامية الذي قاده السيد محمد باقر الصدر

                  نشأ حزب الدعوة الإسلامية في النجف من مدرسة مختلطة وزعامات مختلفة متأثرة بأحزاب إسلامية سنية في البلدان العربية أما الشيرازية فكانوا أصحاب بيت يعتبرون تسلسل المرجعية فيه أسوة بالنموذج الإيراني وكان المنشأ في كربلاء

                  ونتيجة لكثير من الإختلافات في أمور كثيرة أستطاع حزب الدعوة ومن فيه من المتغلغلين في أعماق الحوزة التشنيع على الشيرازية

                  وفي المقابل قام الشيرازية بتنظيم مؤسسة إسمها منظمة العمل الإسلامي أو كعمل حزبي وقاموا بالرد على أتباع الدعوة وتبادل الإتهامات بين الطرفين

                  إستطاع الطرفين نقل خلافاتهم ونشر أفكارهم خارج العراق إلى لبنان والخليج وإيران وحتى أوروبا وأمريكا فحزب الدعوة والشيرازية لديهم عقارات وأموال هناك وكونوا مكاتب ومرجعيات هناك بل أفرع للحزبين

                  في الخليج كان ميدان قوي للتنافس بسبب الشريان المالي من الخليجيين حيث قاد السيد الشيرازي بنفسه الميدان في الكوبت وأنتشر فكره وتنظيمه بقوة وأنتقل إلى البحرين والمنطقة الشرقية وقليل في عمان أما الدعوة فكانت لها في الكويت والبحرين والإمارات عدد لا يستهان به من خلال بعض الدعاة لترويج فكر الدعوة مثل الدكتور عبدالهادي الفضلي في القطيف والسيد عبدالله الغريفي وعيسى قاسم في البحرين وأسسوا هناك المجلس العلمائي وهو مجلس غير معترف به إلا أنه يقوم على تنظيم حزبي للعمل كمسمى آخر لحزب الدعوة وفي إيران كان الإمام الخميني مثلا أعلى لحزب الدعوة لأنه يدعو إلى ولاية الفقيه الواحد أما الشيرازية لم يرق لهم ونادوا بشورى الفقهاء

                  وقد اعترف عدد ممن كانوا منتسبين لحزب الدعوة في السبعينات بخطأ كل ما عملوه مثل الشيخ الكوراني كذلك أنفصل عدد من العلماء عن حزب الدعوة إعتراضا على إنحراف الحزب عن مساره مثل الشيخ الأصفي وحبيب الكاظمي اما الشيرازية فإن عددا منهم إتجه إلى الإصلاح في الداخل فمثلا السيد الشيرازي نفسه بعد تبنيه فتاوى جهادية وسياسية تغير إلى اللاعنف وبدلا من نشر الزعامة الدينية في بيت الشيرازي تحول إلى الدعوة إلى أهل البيت عليهم السلام وإقامة الحسينيات

                  مما ادى إلى إنقسامات داخلية داخل هذه الأحزاب فبقايا الدعوة الباقية أسسوا لأنفسهم مرجعية كان السيد محمد حسين فضل الله وهو لبناني خرج من النجف عام 1966 ودرس عند الشهيد الصدر وكان طالبا وفيا لهم هو بطلها وذلك لرفض السيد كاظم الحائري تبني الحزب وصبغه بالمرجعية أما الشيرازيين ظهر فيهم مجتبى الشيرازي اخو السيد صادق الشيرازي الأصغر وكان طالبا عند الإمام الخميني يريد قيادة الجناح المتعصب من الشيرازية

                  وبقي الآن الخلافات بين الأجنحة المتعصبة الجديدة

                  تعليق


                  • #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة زائر (غير مسجل)
                    خلافات قديمة جدا جدا
                    محورها هو محور الزعامة للطائفة في العراق
                    إن الأخ الذي أدرج الموضوع يبدو أن له صلة أو ينتمي لحزب الدعوة الإسلامية الذي قاده السيد محمد باقر الصدر
                    نشأ حزب الدعوة الإسلامية في النجف من مدرسة مختلطة وزعامات مختلفة متأثرة بأحزاب إسلامية سنية في البلدان العربية أما الشيرازية فكانوا أصحاب بيت يعتبرون تسلسل المرجعية فيه أسوة بالنموذج الإيراني وكان المنشأ في كربلاء
                    ونتيجة لكثير من الإختلافات في أمور كثيرة أستطاع حزب الدعوة ومن فيه من المتغلغلين في أعماق الحوزة التشنيع على الشيرازية
                    وفي المقابل قام الشيرازية بتنظيم مؤسسة إسمها منظمة العمل الإسلامي أو كعمل حزبي وقاموا بالرد على أتباع الدعوة وتبادل الإتهامات بين الطرفين
                    إستطاع الطرفين نقل خلافاتهم ونشر أفكارهم خارج العراق إلى لبنان والخليج وإيران وحتى أوروبا وأمريكا فحزب الدعوة والشيرازية لديهم عقارات وأموال هناك وكونوا مكاتب ومرجعيات هناك بل أفرع للحزبين
                    في الخليج كان ميدان قوي للتنافس بسبب الشريان المالي من الخليجيين حيث قاد السيد الشيرازي بنفسه الميدان في الكوبت وأنتشر فكره وتنظيمه بقوة وأنتقل إلى البحرين والمنطقة الشرقية وقليل في عمان أما الدعوة فكانت لها في الكويت والبحرين والإمارات عدد لا يستهان به من خلال بعض الدعاة لترويج فكر الدعوة مثل الدكتور عبدالهادي الفضلي في القطيف والسيد عبدالله الغريفي وعيسى قاسم في البحرين وأسسوا هناك المجلس العلمائي وهو مجلس غير معترف به إلا أنه يقوم على تنظيم حزبي للعمل كمسمى آخر لحزب الدعوة وفي إيران كان الإمام الخميني مثلا أعلى لحزب الدعوة لأنه يدعو إلى ولاية الفقيه الواحد أما الشيرازية لم يرق لهم ونادوا بشورى الفقهاء
                    وقد اعترف عدد ممن كانوا منتسبين لحزب الدعوة في السبعينات بخطأ كل ما عملوه مثل الشيخ الكوراني كذلك أنفصل عدد من العلماء عن حزب الدعوة إعتراضا على إنحراف الحزب عن مساره مثل الشيخ الأصفي وحبيب الكاظمي اما الشيرازية فإن عددا منهم إتجه إلى الإصلاح في الداخل فمثلا السيد الشيرازي نفسه بعد تبنيه فتاوى جهادية وسياسية تغير إلى اللاعنف وبدلا من نشر الزعامة الدينية في بيت الشيرازي تحول إلى الدعوة إلى أهل البيت عليهم السلام وإقامة الحسينيات
                    مما ادى إلى إنقسامات داخلية داخل هذه الأحزاب فبقايا الدعوة الباقية أسسوا لأنفسهم مرجعية كان السيد محمد حسين فضل الله وهو لبناني خرج من النجف عام 1966 ودرس عند الشهيد الصدر وكان طالبا وفيا لهم هو بطلها وذلك لرفض السيد كاظم الحائري تبني الحزب وصبغه بالمرجعية أما الشيرازيين ظهر فيهم مجتبى الشيرازي اخو السيد صادق الشيرازي الأصغر وكان طالبا عند الإمام الخميني يريد قيادة الجناح المتعصب من الشيرازية
                    وبقي الآن الخلافات بين الأجنحة المتعصبة الجديدة
                    مغالطات ومزاعم عديدة سوف اتعرض لها لاحقا!
                    لست من الحزبيين والحمد لله! نعم انا أُعنى بالتاريخ ومنه تاريخ حزب الدعوة! وغيره! ونحن نناقش هنا الافكار الواردة والانقطاع هو لانشغالاتي وضرورة مراجعة المصادر!
                    والنقاش بدون علمية والضوضاء او (زوار) لن ينفع!
                    وكان من الافضل عدم حشر منظمة العمل الاسلامي في الموضوع التي لا تقل انحرافا وشبهة عن غيرها وعمالتها لحركات التحرير ومهدي الهاشمي العميل والصداقة مع ليبيا ووو ولا ننسى الدور السيء الذي قامت به المنظمة في ايران وادارتها للاذاعة والاعلام العربي الناطق من ايران والذي تسبب بشكل مباشر او غير مباشر باعدام الشهيد الصدر وقبلها تضييق الخناق عليه! والتسبب بتحريض واضح واستغلال فاضح من الآخرين لتجييش وفود البيعة وثورة العراقيين التواقين للحرية واسائة استغلالهم حتى تصدق مقولة ما نشر في جريدتهم (من هو خميني العراق؟!)!!
                    لا تستعجل فسيأتيك جهينة بالخبر اليقين! ومحاولة الاستفزاز لن تنفع فلن اخضع لابتزازاتكم واستفزازاتكم!
                    ولن يكون عندي الشيرازي ولا غيره مقدسا وإن حاولتم!
                    سنعطيه حجمه الذي يستحقه والذي هو يؤمن به! او يؤمن به المعتدلون!
                    لا ما تروج له ماكنة دعاية (ابوالوفاء) واظنك تعرفه!!
                    التعديل الأخير تم بواسطة alyatem; الساعة 31-05-2013, 08:48 AM.

                    تعليق


                    • #11
                      متابع...

                      وفقكم الله سيدنا اليتيم..

                      تعليق

                      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                      حفظ-تلقائي
                      x

                      رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                      صورة التسجيل تحديث الصورة

                      اقرأ في منتديات يا حسين

                      تقليص

                      المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                      أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, اليوم, 07:21 AM
                      ردود 2
                      9 مشاهدات
                      0 معجبون
                      آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                      بواسطة ibrahim aly awaly
                       
                      يعمل...
                      X