إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

علي الأكبر ابن الإمام الحسين حفيد رسول الله صلوات الله عليهم اجمعين

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • علي الأكبر ابن الإمام الحسين حفيد رسول الله صلوات الله عليهم اجمعين

    ولادته:
    ولد علي الأكبر (عليه السلام) يوم الحادي عشر من شعبان عام 33 هـ، وأبوه الإمام الحسين (عليه السلام)، وأمّه لَيلى بنت أبي مُرَّة بن عروة بن مسعود الثقفي.

    صفاته وسيرته:
    كان (عليه السلام) من أصبحِ الناس وجهاً، وأحسنِهِم خُلُقاً، وروي أنّه كان يشبه جَدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المنطق والخَلق والخُلق.

    ورَوى الحديث عن جَدِّه علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو صغير السنِّ، مِمَّا يدل على تعلّقه بالعلم والكمال منذ الصغر.

    شجاعته:
    روي أنّه: لما ارتحلَ الإمام الحسين (عليه السلام) من قصر بني مقاتل خفق وهو على ظهر فرسه خفقة، ثمّ انتبه (عليه السلام) وهو يقول: (إنَّا للهِ وإنَّا إليهِ راجِعُون، والحمدُ للهِ رَبِّ العَالَمين)، كَرَّرها مرَّتين أو ثلاثاً.
    فأقبل ابنه علي الأكبر (عليه السلام) فقال: (ممَّ حمدْتَ الله واسترجَعْتَ؟).
    فقال الحسين (عليه السلام) : (يا بُنَي، إنِّي خفقتُ خفقة فعنَّ لي فارس على فرس، وهو يقول: القوم يسيرون، والمنايا تسير إليهم، فعلمت أنّها أنفسنا نُعِيَت إلينا).
    فقال علي الأكبر (عليه السلام) : ( يا أبَه، لا أراك الله سوءً، ألَسْنَا على الحق؟).
    فقال (عليه السلام) : (بَلَى والذي إليه مَرجِع العباد).
    فقال علي الأكبر (عليه السلام) : (فإننا إذَنْ لا نُبالي أن نموت مُحقِّين).
    فقال له الإمام الحسين (عليه السلام) : (جَزَاك اللهُ مِن وَلدٍ خَير مَا جَزَى وَلَداً عن والِدِه).

    وفي الرواية السابقة دلالة على جلالة قدر علي الأكبر (عليه السلام)، وحسن بصيرته، وشجاعته، ورَباطَةِ جأشه، وشدّة معرفته بالله تعالى.

    وقد مدحته الشعراء، فيقول أبو الفرج الإصفهاني: إنّ هذه الأبيات قِيلَت في علي الأكبر (عليه السلام) :

    لـم تَـرَ عَيـنٌ نَظَـرتْ مِثلـه ** من محتف يَمشـي ومِن نَاعِلِ
    كـانَ إذا شــبَّت لَـهُ نــارُه ** وقَّدَهـا بالشَّــرفِ الكَامِـلِ
    كَيْـما يراهَــا بائـسٌ مرمـلٌ ** أو فـرد حـيٍّ ليـسَ بالأهلِ
    أعني ابن اليلى ذا السدى والنَّدى ** أعني ابن بنت الحسين الفاضل
    لا يؤثِــرُ الدنيـا علـى دِينِـه ** ولا يبيـعُ الحَـقَّ بِالباطِــلِ


    شهادته:
    روي أنّه لم يبقَ مع الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء إلاَّ أهل بيته وخاصَّته.

    فتقدّم علي الأكبر (عليه السلام)، وكان على فرس له يدعى الجناح، فاستأذن أبَاه (عليه السلام) في القتال فأذن له، ثُمَّ نظر إليه نظرة آيِسٍ مِنه، وأرخَى عينيه، فَبَكى ثمّ قال: (اللَّهُمَّ كُنْ أنتَ الشَّهيد عَليهم، فَقد بَرَز إليهم غُلامٌ أشبهُ النَّاس خَلقاً وخُلقاً ومَنطِقاً برسولك).

    فشَدَّ عَليٌّ الأكبر (عليه السلام) عليهم وهو يقول:

    أنَا عَليّ بن الحسين بن علي ** نحن وبيت الله أولَـى بِالنَّبي
    تالله لا يَحكُمُ فينا ابنُ الدَّعي ** أضرِبُ بالسَّيفِ أحامِي عَن أبي
    ضَربَ غُلام هَاشِميٍّ عَلوي


    ثمّ يرجع إلى أبيه فيقول: (يا أباه العطش!!).
    فيقول له الحسين (عليه السلام) : (اِصبِرْ حَبيبي، فإنَّك لا تُمسِي حتّى يَسقيك رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) بكأسه).
    ففعل ذلك مِراراً، فرآه منقذ العبدي وهو يشدُّ على الناس، فاعترضه وطعنه فصُرِع، واحتواه القوم فقطَّعوهُ بِسِيوفِهِم.
    فجاء الحسين (عليه السلام) حتّى وقف عليه، وقال: (قَتَلَ اللهُ قوماً قتلوك يا بُنَي، ما أجرأهُم على الرحمن، وعلى انتهاك حرمة الرسول).
    وانهمَلَتْ عيناه بالدموع، ثمّ قال (عليه السلام) : (عَلى الدُّنيا بَعدَك العفا).
    وقال لِفِتيانه: (احملُوا أخَاكُم)، فحملوه من مصرعه ذلك، ثمّ جاء به حتّى وضعه بين يدي فسْطَاطِهِ.

    وروي أنّه كان أوّل قتيل مِن وِلد أبي طالب مع الحسين (عليه السلام) ابنه علي الأكبر (عليه السلام).

    فَسَلامٌ عليك يا شهيد، وابن الشهيد، ويا مظلوم، وابن المظلوم، ولعن الله قاتليك وظالميك.

  • #2
    أوصافه وصفاته
    تمتع آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بأوصاف جميلة وصفات جليلة، أوصاف ظاهرة على شخصياتهم للعيان وصفات كامنة تتجلى منهم عند التعرف إليهم ومعايشتهم كما لاحظها وعاشها المعاصرون لهم.
    تمتعوا بتجميع الكمالات لديهم دون استثناء أو افتقار لشيء صغير أو كبير.. تمتعوا بتجمع كبريات المواصفات وحسنيات الصفات النبيلة الساميات، فلم يتركوا جميلاً جليلاً إلا ولهم فيه خصوصية، وما من قبيح حقير إلا ولهم في النهي عنه وحربه ممارسات وظيفية..
    ذلك لأن تمتعهم بما ذكرنا هو من أخص خصوصياتهم، التي أهلتهم للرسالة، بل هو من أهم اختصاصاتهم - بتعبير أدق -، إذ أنهم ينبغي أن يكونوا في مستوى ما يدعون إليه، وليس من المعقول أن يكونوا رواداً لنظريات ومبادئ، وهم بعيدون عنها أو يفتقرون لمؤهلاتها ومتطلباتها سواء أثناء الدعوة أو خلال التطبيق لما لديهم من مقررات، فالنظرية والتطبيق مما لا يمكن فصلهما قط.. وبذلك فان اختصاصهم الفعال هو كونهم المثل الأعلى، والقدوة الحسنى..
    ولو قمنا باستقصاء النظر في مميزاتهم، واستقرأنا مواصفاتهم وأخص خصوصيات شخصياتهم، لما عدونا علي الأكبر عنهم فيما كانوا عليه مما لم يشاركهم أحد فيه .. بل هو في ذروة المميزات وله الحظ الأكبر والقسط الأوفر منها، بحكم أنه شبيه جده النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، الذي حاز قصب السبق إذ كان الأول كما كان المنبع والمصدر(صلى الله عليه وآله وسلم).
    وما قولنا بأنه شبيه جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مأخوذ من راوٍ أو مؤرخ أو شاهد عيان بسيط ومعاصر عادي، وإنما هو مأخوذ عن شاهد دقيق النظر، صادق صدوق، فقد صرح بذلك والده الإمام الحسين (عليه السلام)، وعنه روى الراوي وأرخ المؤرخ. سيما وأن الإمام أعرف الناس برسول الله، وأكثرهم التصاقاً به وأشدهم تعلقاً به كما أنه ورث منه واكتسب عنه، فلما ولد نجله علي الأكبر وشب يافعاً، فقد أخذ يوحي بصورته وأخلاقه ومنطقه إلى الرسول، فأضحى ذكراه وتذكاره حتى كان الناس - من أهل المدينة - يشتاقون لرؤياه، سلام الله عليه .. ثم ليس أكثر من أبيه الإمام الحسين حضوراً لملامح جده ومعالم تلك الشخصية العظيمة.. وعليه فان كلامه - والذي سنسجل نصه في القسم الثاني بمكانه المناسب - الذي يؤكد محاكاة علي للنبي وأنه أشبه الناس به خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً، كلام بمستوى الحضور الحقيقي.
    (وكان (علي الأكبر) من أصبح الناس وجهاً، وأحسنهم خلقاً)(1) حسبما اتفق المؤرخون فضلاً عن اتفاقهم واجماعهم على مضمون تصريح أبيه الحسين من كونه مثيل الرسول من حيث الخلقة، والأخلاق، والنطق.

    وحري بنا أن نعود لتسجيل بعض ما ورد عن النبي الأعظم بالذات، فقد كان (صلى الله عليه وآله وسلم) : ((يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع وأقصر من المشذب (أي الطويل القامة)، عظيم الهامة رجل الشعر(2).. أزهر اللون واسع الجبين، أزج الحواجب سوابع في غير قرن(3)، بينهما عِرق يدرّه الغضب، أقنى العِرنين(4)،
    ولـه نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم(5)، كث اللحية(6)، سهل الخدين(7)، أدعج، ضليع الفم(8)، أشنب مفلج الأسنان(9)، دقيق المسرٌبة كأن عُنقه جيد دُمية في صفاء الفضة (10)، معتدل الخلق بادناً متماسكاً، سواء البطن والصدر عريض الصدر.. حتى يقول: خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جُلّ نظره الملاحظة، يسوق أصحابه ويبدر من لقي بالسلام))(11)

    تلك بعض أوصافه المقدسة، ومن بعض صفاته الجليلة تقرأ:

    ((كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليس له راحة، ولا يتكلم في غير حاجة، طويل السكوت، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه(12)، ويتكلم بجوامع الكلم، فصلاً لا فضولاً ولا قصيراً فيه، دمثاً (13) ليس بالجافي ولا بالمهين، يُعظم النعمة وان دقت ولا يذم منها شيئاً، ولا يذم ذواقاً ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا وما كان لها، إذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له، ولا يغضب لنفسه، ولا ينتصر لها.. وإذا غضب أعرض وأشاح(14)، وإذا فرح غضّ من طرفه، جُلّ ضحكه التبسم(15).
    وغير تلك الصفات والأوصاف الشيء الكثير لذلك الرجل الكامل، سيد الكمالات وصاحبها، على أن ما يروى بهذا الصدد إنما هو محاولة لتقريب شخصه الشريف للأذهان.
    وبعد : فلنا أن نؤكد حقائق هامة قبل أن نختم الموضوع، فنقول: بأن حرصنا للوقوف على الأوصاف والصفات وتأكيد التقاء علي الأكبر بالنبي الأعظم في مميزاته يرجع إلى أسباب هامة ومبررات موضوعية جادة، منها مثلاً:

    1 - إجلاء الشخصية الحيوية السامية، لا لأنها منتسبة إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنما لما اتسمت به مما توفر في شخص الرسول بالذات، ولمضمون الشخصية ومحتواها، وبحكم أنها تشكل المثل الأعلى.

    2 - إن الانتساب للرسول كان يكفي للاحترام والامتناع عن القتل، ولكن الأوصاف والصفات كانت تشكل حجة أكبر بجمعها مع النسب الشريف المقدس، ومن هنا كان العدو يخشى قتل علي الأكبر أو يتجنبه كما قيل، لا لأنه سليل الرسول بل لما فيه من اجتماع لمواصفات الرسول(16) بيد أنهم تناسوا ذلك كله فانتهكوا حرمته..

    3 - إن أوصافهم وصفاتهم تعطي إيحاءات راقية ومفاهيم خلقية وقيماً ومثلاً نبيلة، لها دورها في إبراز مصداقية المعاني السامية الكريمة التي تكمن فيهم والتي يتسربلون بها.

    4 - وأخيراً فمن الضروري جداً إدراك هذه الناحية وهي أنه ليست المميزات المتطابقة مهمة بقدر أهمية تطابق المواقف الرسالية.. وقد شهد التاريخ لعلي الأكبر مواقف جده الصلبة الصارمة، وشهد له أنه شبيه جده رسول الله خلقاً وخُلقاً ومنطقاً وموقفاً وعملاً..

    فنحن إذ نقف على الخصال الخيرة المتطابقة، فليس على حساب تطابق النتائج، لاسيما وأن ثمة علاقة بين المميزات المتشابهة - كمقدمات - وبين المواقف المصيرية - كنتائج - ولنختم هذا الفصل ببيتين لشاعر الرسول حسان بن ثابت الذي قالها في علي الأكبر وهي:

    وأحسن منك لم تر قط عيني وأجمل منك لم تلد النساء
    خلقت مبرّءاً من كل عيـب كأنك قد خلقت كما تشـاء

    ___________________________
    1- كتاب (لواعج الأسجان) للسيد الأمين : ص 136 .

    2- رجل الشعر ـ أي ليس بمجعد ولا مسترسل .
    3- أي دقيق وطويل الحاجبين ، والسوابغ ، الاتصال بينهما.
    4- أي محدب الأنف .
    5- الشمم ، ارتفاع في قصبة الأنف مع استواء أعلاه.
    6- أي كثيف الشعر في اللحية.
    7- أي قليل اللحم .
    8- يعني واسع وعظيم الفم .
    9- أشنب الأسنان : أي أبيضها ومفلج أي مفرج بينها.
    10- المسربة : الشعر وسط الصدر الي البطن.
    11- أنظر كتاب (مكارم الأخلاق) للشيخ الطوسي : ص 11 ، 12 ط 6 بيروت 1292.
    12- الأشداق : جوانب الفم ، ويعني أنه لا يفتح كل فاه، وفي بعض النسخ (بابتدائه) وليس بأشداقه.
    13- الدماثة : سهولة الخلق .
    14- أشاح بمعنى أظهر الغيرة ، والشائح : الغيور.
    15- للمزيد راجع نفس المصدر (مكارم الأخلاق).
    16- جاء عنه أثناء دخوله ساحة المعركة أنه أخذ ((يكر عليهم وهم لا يجسرون على قتله لأنه شبيه بجده رسول الله وفيه شجاعة حيدر.. )) سفينة النجاة ج 1 : ص 74.

    تعليق


    • #3
      الأحداث التي عاصرها على الأكبر
      ما قبل العهد الأموي:
      يمكن الإحاطة بما عاصره علي من أحداث ووقائع، وذلك من حيث إمكانية الوقوف على زمن ولادته وعمره الشريف.
      ولد في مدة خلافة عثمان بن عفان، وعلى هذا الأساس فانه يكون معاصراً للأحداث الممتدة من تلك المدة، حتى سنة ستين للهجرة حين إسهامه الكبير بالحدث الجهادي الجليل المتمثل بثورة أبيه وجهاده الإسلام على بطحاء كربلاء..
      ولا يخفى على اللبيب إدراك أن علياً لم يجهل الأحداث الماضية والوقائع السابقة لميلاده .. نظراً لكونها مقدمات لما يجري مما يعاصره، ولكونها تتكفل استيعابه لما يعيشه ويشهده.. فما يقع أيام حياته انما هو امتداد لحلقات الحوادث المنصرمة.. هذا وإنّ معلوماته لمجريات الأمور ومشكلات الماضي، ما هي إلا دروس تاريخية قيمة، ماهي إلاّ أحد مواضيع تربيته وتهيئته وإعداده.
      وعليه فهو - لاسيما في شبابه - علي بينة مما قد حدت، الأمر الذي يزيده وعياً ويقظة لما يعاصره.
      ولنحاول أن نمر سريعاً بما عاصره علي الأكبر..

      أولاً : - لقد عاصر أزمة الخلافة الثالثة والمعضلات التي تراكمت على عثمان، حتى تبلورت الأمور فاشتدت مناوأته ومناهضته، فتألب المسلمون عليه، وجرت مشاكل مزعجة واضطرابات سياسية واجتماعية وبرزت المشكلة الاقتصادية فانكشفت مسألة التمايز عند بعض واستاثارهم بأموال المسلمين..
      ولم يتمكن عثمان من وضع حدّ للإضطرابات، فأودت بحياته حيث قتله بعض الثوار، ومضى دون أن يلبي المطالب الإيجابية التي أريدت منه... كان ذلك أيام صغرهٍ - أي علي الأكبر - .

      ثانياً : - ثم شهد وهو صبي، جده الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو أحرص الناس على الدين وأحوطهم على الإسلام.. فحينما قُتل عثمان وحينما انتهى عهد الخلفاء الثلاثة تجلت حالة الأمة وهي في حالة يرثى لها، في وضع منهار متردية متداعية، والأنكى من ذلك أن عثمان ترك على الأمصار عمالاً وولاة لا همَّ لهم سوى أنفسهم وتوسيع نطاق الانهيار والتردي الاجتماعي..
      شهد جده وهو يتجنب قيادة مسيرة الأمة، بناءً على ما أصاب الأمة من تفكك وثغرات يصعب تلافيها ولا تزول إلا بوقت وزمان.. شهد جده الإمام وقد أضحى خليفة، وإماماً أُنيطت به عمليات النقد النظري ومباشرة التصحيح العملي، التي تمخض عنها حروب ثلاث..
      فكأن أعداء الإمام أميرالمؤمنين لم يرغبوا به خليفة وإنما رغبوا بالخلافة لهم ولهذا رغبوا بالحرب وسيلة بلوغ رغبتهم، فكانت معركة الجمل في البصرة..
      أما صفين فهي معركة مع معاوية الذي كان من أكثر الناس ولعاً بالدم، وأول الناس سفكاً للدم الحرام.. وأعقبها معركة النهروان التي كان طرفها المقابل فئة الخوارج الحمقى الذين امتازوا بالرعونة والتطفل على فهم القرآن الكريم والتعالي على علي أميرالمؤمنين، وقد فرقوا بين علي والقرآن وتكابروا عليهما في نفس الأوان.. وكأن ليس علي مع القرآن والقرآن مع علي وعلي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار...

      ثالثاً : - عاش عليّ الأكبر مأزق عمهٍ الإمام الحسن عليه السلام، حيث قاد مجتمعا هجينا، يحتوي على الضعفاء في الدين والإيمان، فهو لم يتمّ نقده وتصحيحه جيداً خلال خلافة الإمام أمير المؤمنين المشهورة بأنها قصيرة.
      فمجتمع الكوفة كان بأمس الحاجة إلى التربية والتصفية قبل الخوض به من أجل مستقبله، بيد أن مباغتات العدو ومواقفه تجبر القائد على أن يسرع في إعلان الموقف المناسب، فخرج الإمام الحسن بهم وهم يحملون بذور الهزيمة، الأمر الذي يفسر مواقف الجبن والخيانة التي أظهرها بعضهم بحيث عصفت بالموقف الجهادي الصارم، وأجبرت الإمام - وبعد أن انتظر ولم يرج منهم خيراً وأحب أن يكون الخير منه - على ما حدث من اتفاق مشروط، لا بقبل التزييف والمراوغة وقد وقع عليه معاوية كميثاق وعهد، يجب عليه الالتزام بكل مواده ومقرراته..
      ولكن معاوية خان العهد.. وخاس به فنقضه دونما استثناء لمادة واحدة.

      في عهد بني أمية:
      فاستهل معاوية حكمه وافتتح عهد الأمويين بالخيانة العظمى، ثمّ لم يكتفِ بذلك، فقد خطط لعملية التخلص من الإمام الحسن بالقتل، وذلك بواسطة جنود له من عسل - على حد تعبير معاوية نفسه - فدس له السم ليقتله.
      وهكذا شهد علي الأكبر - وهو في ربيع عمره - استشهاد عمه الحسن، وساعات احتضاره حتى انتقاله إلى جوار ربه صلوات الله وسلامه عليه.. وهو حدث له وقع شديد عليه، ويترك في نفسه أثراً وآثاراً غير هينة.. هذا وقد سبق أن عاش الصدمة الكبرى للأُمة كلها وهي استشهاد جده الإمام أميرالمؤمنين حيث نفذت مؤامرة وقحة وجريئة ضده هزت العالم وأحدثت ضجة ذات أصداء وانعكاسات.
      هذه الواقعة والتي اعقبها استشهاد عمه الحسن وغيرها مما سبقها أو يلحقها تحتاج إلى عمق في الدراسة، وقبل أن نستطرد، من الضروري جداً أن نفهم ما يلي:

      1 - أننا نمر بما يعاصره علي مروراً سريعاً، ولا نلم أو نذكر متعلقات الحادث.
      2 - نحرص على إدراج أبرز الحوادث وأكبرها..
      3 - يجب أن لا نحدد وعي علي الأكبر بمحدوديتنا وبعقليتنا، فالذي يعاصر الوقائع أدرى، وأعمق تأثراً ووعياً منّا نحن الذين نطلع أو ندرس نتفاً موجزة عن حقب طويلة.
      فبعد الخيانة ومقتل الإمام الحسن، هناك حدث أو أحداث متسلسة متصلة ومستمرة، من الإرهاب والإضطهاد الذي كان يستهدف الشيعة الموالين لآل الرسول، فضلاً عن استهدافه لآل الرسول بالذات.. وأول مسعى لفتح باب الارهاب هو شتم الإمام أميرالمؤمنين علناً وسبهِ من فوق المنابر، وبذا فقد أضحى شيعة أهل البيت في خطر.. وفعلاً كتب معاوية إلى عماله أن أسقطوا كل شيعي واحرموه من العطاء.. بل عمم طلبه بملاحقتهم وقتلهم.
      ومن أبرز الأمور تنصيب معاوية جملة من الولاة القساة، القتلة سافكي الدماء.
      كما أن من أبرز الأحداث تهجير آلاف الشيعة من إقليم الكوفة إلى خراسان، وقد أجلاهم واليه على الكوفة زياد بن أبيه تحت ألوان من العسف وأساليب التنكيل، خوفاً من بقائهم الذي يهدد بقاء حكم بني أمية..
      وخلال تلك الفترة قتل جملة من زعماء الإسلام الشيعة، وأبرزهم كما هو معروف حجر بن عدي الكندي وثلة من رفاقه في الجهاد، فضلاً عن مجاهدين آخرين... حرص معاوية على تصفيتهم رغم جلال مكانتهم وسمو منزلتهم وإيمانهم..
      فقد كان حجر بن عدي صحابياً أدرك الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
      عاش علي الأكبر هذه الأحداث وسمع الأخبار التي تصل إلى أبيه، والمشاكل التي يطرحها بعض المسلمين والمجاهدين وشهد والده وهو في حيرة من أمرهِ لا لشيء سوى أن الناس ضعفاء لا يوثق منهم أثناء نهضة جهادية.
      ومن أبرز ما عاصره عليّ، هو - محاولة معاوية لإقرار الناس على أن ولي عهده يكون ولده يزيد، وقد أعد لهذه المحاولة طريقة ((توهم)) بأنها ناجحة تماماً.. ولا نريد أن نطيل..
      ثمّ دارت عجلة الزمن لتسحق رأس معاوية.. فهلك ومضى مستوزراً بأوزاره، وأعلن يزيد بأنه ورث العرش والملك وورث بيت مال المسلمين.. وحتى المسلمين أنفسهم.
      وبعد فان لعلي الأكبر موقفاً من كل حدث يجري، له مواقف ومواقف من معاوية وحكمه وأعمالهِ، ذلك لأن علياً من أهل بيت المواقف الشجاعة الرسالية التي لا تهاب الموت ولا تأبه لسيف، وله أن يعلن موقفه وينشر قراره في بلاغ له..
      أجل، بيد أن موقفه وقراره إنما لم يبرز ولم يعلنه شخصياً فبحكم انضمامه إلى الموقف الأشمل لأبيه الحسين، وبحكم انضوائه تحت القرار الأعم الأكمل لوالده صلوات الله وسلامه عليه..
      لم يعد الصمت ممكناً.. وليس بعد كل الذي ساد وجرى مبرر أو مسوّغ للسكوت.. وهكذا تحرك الإمام سبط سيد المرسلين في ثورته المجيدة الخالدة، لا ليحارب يزيد فحسب بل ليقوض الأموية الرعناء.

      تعليق


      • #4
        كتاب علي الأكبر عليه السلام فتى يشبه النبي (صلى الله عليه و آله و سلم)
        تأليف: كمال السيد (هنا)

        كتاب حياة علي الأكبر (عليه السلام)
        تأليف: محمد علي عابدين (هنا)

        كتاب حياة علي الأكبر (عليه السلام) (من أبطال الهاشمين)
        تاليف: علي محمد علي دخيل (هنا)

        المصدر: موقع السبطين ، الصفحة الخاصة بالشهيد علي الاكبر بن الشهيد الإمام الحسين بن عليه بن ابي طالب صلوات الله عليهم اجمعين (هنا)

        تعليق


        • #5
          شخصيته .. واعتراف معاوية

          أشواق أهل المدينة المنورة:
          دخل الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، يثرب التي نارت به وتنوّرت بوجوده فأضحت تدعى ((المدينة المنورة)) .

          وعاش الرسول معهم حتى ألفوه، وما أن رحل عنهم منتقلاً الى الرفيق الأعلى حتى اتخذوا من سبطيه الحسنين عوضاً عن صورته وأخلاقه الخلاقة، فهم ينظرون إلى الحسن والحسين فيتذكرون بهما رسول الله ذلك المنقذ العملاق، سيد المُحررين من شتى أشكال العبوديات.

          وبعد أن ولد علي الأكبر وتسلق السنوات، فشب فتى هاشمياً محمدياً وظهرت عليه مجمل خصائص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى راحوا يتشوقون إليه، ليستمدوا من ملامحه وشمائله ومعانيه وجماله ذكرى الرسول وذكرياتهم الماضية مع رسولهم الهادي..

          فعلي الأكبر يعكس لهم الصورة الحيوية لسيد البشرية الراحل، فهو صورة طبق الأصل كما تبدو لناظريهم وبرؤية واضحة ليست غامضة، وقد روي أنهم إذا اشتاقوا للنظر لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، طفقوا إلى عليّ الأكبر يزورونه ويتزودون من طلعته البهية، بحيث أن هذا الانعكاس الحيوي للصورة النبوية المقدسة أقرها والده الحسين وهو إذا اشتاق لجده تطلع إلى ولده..

          على أن عواطف أهل المدينة وأشواقهم لنبيهم وأهل بيته كانت تقابل بالتجاوب طبعاً، فلم يضن عليهم ـ علي الأكبر - بلقاء أو مجالسة في المدينة وأحيائها أو داخل المسجد النبوي الشريف أو في بيته الخاص... إذ روي أن الإمام الحسين (عليه السلام) أفرد له بيتاً مستقلاً خاصاً به، فأخذ يستقبل المحبين معرباً عن خاصية الكرم، ومترجماً عملياً موقفه من الضيافة، فمن الناس من يفد عليه للتحدث إليه والتعلم بين يديه، ومن الناس من يزوره نوالاً لجوده وعطاء يده الكريمة، فضلاً عما يهدفون إليه من التزود من ذكريات الماضي المجيد ويوميات الرسالة والرسول الذي تتجلى معالمه على سليله علي (عليه السلام) ..

          كان يؤم داره أناس من جميع الطبقات والمستويات، لاسيما الفقراء.. كان داره عبارة عن منتدىً ثقافي للوفود، ومنتجع للكرم والجود.

          أما الشعراء فلم تفتهم الفرصة لدخول بيت كرمهِ من باب جوده وعلو شرفه.. حتى وصفه أحدهم فقال عنه:

          لـم تـرَ عيـن نظـرت مثله من محتفٍ يمشي ومن ناعلِ
          يغلـي بنـيّ اللحـم حتـى إذا أنضـج لـم يغـل على الآكل
          كـان إذا شــبت لـه نـاره أوقـدها بالشـرف القـابـلِ
          كيـما يـراها بائـس مرمـل أو فـرد حـي ليـس بالآهلِ
          أعني ابن ليلى ذا السدى والندى أعني ابن بنت الحسب الفاضلِ
          لا يـؤثر الـدنيا علـى ديـنه ولا يبيـع الحـق بالباطلِ
          (1)

          تلك القطعة الأدبية والمقطوعة الشعرية، تعتبر وثيقة على حقيقة فتح بابه لكل الطبقات والهيئات والفئات.

          والذي نستشفه من تلك الأبيات، هو أن الشاعر قد شاهد علياً وكان له معاصراً، أنه رآه عياناً، بمشيته ومظهره ـ حسبما يوحي البيت الأول.. أما البيت الثاني فيفيد بأنه كان حريصاً على السخاء والبذل، بحيث أنه يعلن عن موقع الجود وذلك بإيقاد النار فوق المكان العالي المرتفع كعادة الكرام المحسنين، تلك النار التي تدلل على البيت والمضيف، وقد كان الغرباء والفقراء المعسرون يتطلعون دوماً إلى الأماكن التي تتصاعد منها ألسنة النيران كيما ترشدهم إلى صاحب الضيافة، وسيد الكرم، حسبما عبر البيت الثالث والرابع.

          ثم يمجد السيدة ليلى ذات الشرف والحسب الفاضل، ليختم ببيت هو في غاية الأهمية، إذ يؤكد عقائدية هذهِ الشخصية وصرامتها وحديتها بحيث لا قيمة للحياة ولا فائدة من التعامل بالباطل، بل لا معنى للحياة بحضور الباطل، أنه لا يؤثر الدنيا، كما لا يستعيض عن الحق والحقيقة بالأثمان القليلة الرخيصة لأنه ليس من عشاق الحياة الدنيا، انه صاحب قضية فهو صاحب موقف لا يغيره لأنه رائد من رواد الحق.. ذلك هو البيت الأخير وهو أيضاً بيت القصيد.

          كان أهل المدينة يرتادون منزله الرحب الواسع بما فيه وبما يحويه، فالبائس بحاجة ماسة إلى من يطعمه، وإن من ليس له أهل أو لا يملك قوت يومه، بحاجة ملحة إلى تلك النار التي تعلو لتدعو الجائع ولتعلن مدى كرم من أوقدها وأشعلها...

          هكذا كان نظير جده في الخَلق والخُلق والمنطق. ولا أكتمكم سراً، لو قلت بحقيقة أن أهل المدينة ينطلقون في أشواقهم لرؤيا النبي بلقاء علي من باب العواطف والذكرى فحسب، لا من باب تجديد عهد
          بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو تأكيد ولاء لعلي.. بدلالة موقفهم من الثورة الحسينية المتمثل بالإحجام والتهرب وعدم الأسهام، إلاّ من عصم ربك من المؤمنين حقاً (وقليل ما هم).. المؤمنون فقط لا غيرهم.. (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) قرآن كريم.

          ذلك هو الذي كانت المدينة عامرة به وبأبيه العظيم، كانت عامرة بوجوده وجوده، بكيانه وكرمه، بسموه وسخائه.. الذي كان موطن حب للمسلمين، والذي عاش وهو محط أشواق الناس لنبيهم.

          اعتراف معاوية:
          مما سبق يتضح جلياً ما لعليّ من شخصية ذات مؤهلات وكفاءات عالية رفيعة... وهو ما لم يدركه المحبون والمؤمنون والذين يشتاقون لرؤيته وزيارته، فقط، بل يدركه أيضاً أولئك الكارهون والمعادون.. وعليه فقد كان علي الأكبر مثار إعجاب الأعداء فضلاً عن الأصدقاء والتابعين باحسان.

          إعجاب يجبرهم عليه شخصه، إذ يفرض نفسه فرضاً بما يتمتع به من مواصفات كبرى، بحيث شهدوا له رغماً عنهم واعترفوا به وهو غني عنهم، ومدحوه وهم له ولأسرته كارهون ولرسالته وأهدافه مبغضون، هكذا هم الأعداء، فما ظنك بما ينبغي أن يقوله الأصدقاء؟!

          والعدو يندر أن يتكلم ويقول الحقيقة، ولكنه يأتي بها مشوهة نسبياً، وفي حالات ونوبات نفسية معينة، وخلال شكهٍ بنفسه وفقدانه الثقة بشخصه، ولهذا قال معاوية - وغيره كثيرون - في الإمام عليّ أميرالمؤمنين وعموم أهل البيت النبوي ما قال وصرح بعظمة علي أمير المؤمنين، ولا يسعنا هنا أن نذكر ذلك..

          والآن نذكر الرواية التالية عن أبي الفرج الأصفهاني التي سجلها في معرض حديثه عن علي الأكبر فقال:

          ((وإياه عنى معاوية في الخبر الذي حدثني به محمد بن محمد ابن سليمان. قال حدثنا يوسف بن موسى القطان، قال حدثنا جرير، عن مغيرة قال؛ قال معاوية: من أحق الناس بهذا الأمر (أي الخلافة) ؟؟))(2).

          فأجابه جلساؤه فوراً. بأنه هو هو أحق بهذا الأمر وبالخلافة.. لم تكن الجلسة جلسة مداعبة أو لهو.. وبالضبط لم يكن السؤال لمجرد التفكه، كما قد يتوهم الساذج، ولم يطرحه معاوية على سبيل الفكاهة.. وقد تتجلى جدية السؤال من خلال نفي معاوية نفسه للجواب الفوري الذي حصل عليه.

          ((من أحق الناس بهذا الأمر؟ قالوا: أنت.. قال: لا)) (3).

          وهم يعلمون أنّهم أكذب الناس طراً حينما أجابوه فوراً دونما تفكير.. ورفض معاوية جوابهم الذي يعرفه ويعرفهم سلفاً.. ولم يسكت معاوية إذ أردف بالجواب بعد نفيه، فيبدو أن في خلده شيء وقد اختلج في صدره شيء فاعتملت فيه واستحوذت عليه، سيما وأن الحقيقة لا يمكن أن تخفى، بل كل شيء عموماً خاضع للكشف: ((ما أضمر أحد شيئاً إلا ظهر في فلتات لسانه)) (4)

          وهكذا اعترف معاوية:
          ((.. لا .. ان أولى الناس بهذا الأمر: علي بن الحسين بن علي (عليه السلام)، جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفيه شجاعة بني هاشم، وسخاء بني أمية وزهو ثقيف)) (5).
          (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا).

          لنقف كيما نعقب فنقول:

          1 - إن كلام معاوية قاصر عن تحديد حقيقة مواصفات الخليفة المرجو، وما ينبغي أن يكون عليه من يجب أن يتولى الأمر..

          فثمة شروط للخلافة لم يذكرها معاوية وهي متوفرة في علي الأكبر.. ترى هل نسيها أو تناساها؟ أم خشي الفضيحة لو ذكرها وهو خلو منها.. فقد تجاهل الاعتبارات الكبرى والشرائط العظمى للخليفة وولي الأمر، ذكراً ثلاث صفات سنعلق عليها..

          2 - وتجنب معاوية إبراز خصوصيات الهاشميين ومؤهلاتهم الجليلة، فلم يذكر سوى ما هو مشهور عنهم وهي الشجاعة ((وفيه شجاعة بني هاشم)) وكأن ليس لني هاشم غير الشجاعة! وكأن هذه الصفة ركيزة يعول عليها الخليفة..!!.

          3 - ثمّ أن عليّ الأكبر - وعموم أهل البيت - يتنزهون عن الزهو، حتى يصفه.. معاوية بأن له زهو ثقيف..

          4 - وحاول بكلامه جر مواصفات علي إلى الأموية، وأراد فرض العنصر الأموي في سلوك عليّ الأكبر - لأن جدته لأمه من بني أمية -، فقال عنه وفيه ((سخاء بني أمية)) والحق أن سبب ربط السخاء بالاموية، يرجع إلى شهرة عليّ الأكبر بالجود والكرم والعطاء، وإلى تصنع معاوية لتلبس شخصه وحكمه ألبسة براقة، فلطالما، أخذ مواصفات ومميزات أهل الحق والحقيقة، كالحلم والعفو، كالذكاء والدهاء، كالعدل وحسن السيرة.. لقد قام معاوية باقتباسها له.. فتوشح بها واستعار أوستمها دون معانيها.. وأسماءها دون مسمياتها...

          5 - وعلى كل حال، فنحن نرى أن الزهو ليس مما يشترط توفرها عند الخليفة، كما أن السخاء ليس ضرورة أو من أوليات صفات الخليفة، أما قوله ((جده رسول الله)) فهذا صحيح ولكنه لا يكفي مبرراً لتولي الأمر - حسبما علمنا أهل البيت أبناء الرسول وأحفاده - فبعد النسب لآل الرسول يجب حضور الشرائط والكفاءات.. فلماذا لم يذكر معاوية أهم تلك الشرائط، وأولويات صفات ولي الأمر..

          6 - لماذا تجاهل معاوية والد علي وهو الإمام الحسين بن علي..؟؟ لابدّ أنّ تجاهله الإمام (عليه السلام)، لأنه في مقام الندِّ له والواقف له بالمرصاد، بحيث لو تحرك لحرب الأموية بنفسه لكان هناك مستساغاً حتى عند معاوية وجلسائه، بينما ذكره لعلي الأكبر أهون وأخف لأن علياً لا يخرج لحرب معاوية لوحده..

          7 ـ وسواء كان أولى الناس هو علي الأكبر أو والده الإمام الحسين أو أهل البيت، فما المبرر الذي يبقي معاوية على عرش الملك بصفة ولي الأمر وخليفة رسول الله، (وأبناء رسول الله محكومون مهددون)؟؟ . يبدو أن مجلسه يخلو من رجل صريح يسأله عن سبب قعوده وعدم تسليمه الحكم لبني هاشم أو لعلي..

          8 - وانما سجلنا الرواية مع وقفة وتأمل، فليست لأن الرواية تزيد ايمانناً بقضايانا، كلا فنحن على إيمان راسخ بحقيقة الخلافة والإمامة ولمن تجب. ولو أن معاوية وأبناءه وأمثالهم قد كذبوا الحق وحاربوه ومهما عملوا، كما قد فعلوا، لما ارتبك القلب واضطرب الفؤاد أو ضعف الإيمان..

          وليس كلام معاوية بمفرح مبهج لنا، بقدر ما هو برهان ودليل وحجة، هكذا نأخذه لا كلام نفرح به ونتسلى به.. أو ندهش ونعجب له.. ((والفضل ما شهدت به الأعداء)).

          ذلك هو علي الأكبر في شخصيته الفذة العظيمة، ذلك هو الشاب المبدئي صاحب المواقف الجريئة والملامح المضيئة، الذي أضحى ملء العين.. رضى لله وعطاءاً للأمة.

          وأخيراً فقد أطلقنا لفظة ((اعتراف..)) ولم نقل شهادة معاوية فلأسباب موضوعية. منها:

          1- أننا لا نحتاج لشاهد على ما نقول، ولا نحتاج لشهادة العدو.

          2 - أنه اعتراف بمعنى الكلمة على أولاً الشخصية الفذة لعلي. وثانياً عدم جدارته هو - معاوية - وافتقاره للكفاءة في منصبه.. هذا الفهم وهذه الإفادة ليست مجرد شهادة وإنما اعتراف.. (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ)..

          __________________________
          1- مقاتل الطالبيين : 81 .

          2- مقاتل الطالبيين : 80 .
          3 - مقاتل الطالبيين : 80 .
          4- نهج البلاغة : ج 4، ص 569 .. وهذه قاعدة يخضع لها محب علي وعدو علي عليه السلام.
          5- مقاتل الطالبيين : 80 .

          تعليق

          المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
          حفظ-تلقائي
          x

          رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

          صورة التسجيل تحديث الصورة

          اقرأ في منتديات يا حسين

          تقليص

          لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

          يعمل...
          X