أهل الكوفة في عصر الإمام الحسين عليه السلام1
بعد أن رفض الإمام الحسين عليه السلام إعطاء البيعة ليزيد، اغتنم أهل الكوفة الفرصة وبعثوا إلى الإمام رسائل كثيرة يطلبون منه تشكيل الحكومة في الكوفة. أرسل الإمام عليه السلام مسلم بن عقيل إلى الكوفة لدراسة أوضاعها. بعد أن تمكّن مسلم من الحصول على البيعة استطاع بمساندة أهل الكوفة محاصرة الحاكم في قصره, إلّا أنّهم تخلّوا عن مسلم دفعة واحدة, وانتهى به الأمر إلى الاستشهاد على يدي الحاكم. بالإضافة إلى ذلك انحاز أهل الكوفة إلى صفوف العدوّ في محاربة الإمام عليه السلام.
وبسبب أهميّة المسألة، فقد ارتسمت صورة في الأذهان عن المجتمع الكوفيّ، صورة غير متعارف عليها. لذلك كان ينبغي دراسة هذا البلد وتقييمه في ضوء علم الاجتماع لتتضح أسباب وعلل عدم الوفاء عند أهل الكوفة.
حصلت حادثة عاشوراء بعد عشرين سنة من شهادة الإمام عليّ عليه السلام وسنتحدّث لاحقاً أن أهل الكوفة, في هذه المدّة, تعرّضوا لأقصى أنواع الضغوطات، فقتل الكثير منهم وهاجر آخرون. فلو لم تقع هذه الحوادث، لكان جيل عصر الإمام الحسين عليه السلام جيلاً جديداً. لذلك فأهل الكوفة في عصر الإمام عليه السلام ليسوا هم أهل الكوفة في العصور السابقة، ولذا ومن أجل التعرّف على هؤلاء في العام ستّين للهجرة لا يمكن التمسّك بكلّ الأخبار التي تتحدّث عن السنين السابقة. وإذا كان الإمام عليّ عليه السلام قد تحدّث حول وفاء أهل الكوفة أو عدم وفائهم، فالمقصود من هذا الحديث هو الناس الذين كانوا يعيشون في عصره وليس في العصور اللاحقة. وعندما أراد الإمام الحسين عليه السلام الحركة نحو الكوفة حذّره بعض المقرّبين منه وذكَّروه بعدم وفائهم للإمام عليّ عليه السلام والإمام الحسن عليه السلام. ولعلّ السبب الذي جعل الإمام الحسين عليه السلام يصرّ على الحركة باتجاه الكوفة، هو أنّ أهل الكوفة في عصر الإمام الحسين عليه السلام هم غير أهلها الذين عاشوا في ما مضى, أي في عصر أبيه وأخيه.
بناءً على ما تقدّم ينبغي دراسة عدم وفاء أهل الكوفة في كلّ عصر وزمان, بعيداً عن الأزمنة الأخرى. وسنحاول, في هذا المقال, دراسة ومعرفة المجتمع الكوفيّ في عصر الإمام الحسين عليه السلام أي في العام ستّين للهجرة ولن نعتني كثيراً بأوضاع أهل الكوفة قبل ذلك.
وأمّا المشكلة الأساسيّة في معرفة مجتمع الكوفة، فهي وجود أغراض وأهداف خاصّة سيطرت على المؤرّخين فكان الوصول إلى تفاصيل صحيحة لأخبار الكوفة صعباً. مثال ذلك ما ذكرته بعض الكتب التاريخيّة من أنّ الفرصة قد سنحت لمسلم في منزل هاني, أن يقتل عبيد الله إلّا أنّه لم يفعل ذلك. وبما أنّ الأخبار حول هذه الحادثة مضطربة، فلا يمكننا الإطلاع بشكل دقيق على سبب عدم قيام مسلم بذلك. فهل كان الأمر مراعاة لهاني حيث أراد أن لا يقتل عبيد الله في منزله؟ وهل قتل عبيد الله وهو يعود هاني، سيمنع من التفاف عواطف الناس حول مسلم؟ وهل أراد العمل بوصيّة الرسول صلى الله عليه واله وسلم الذي نهى عن الغدر؟ وعلى كلّ حال ليس بمقدورنا إصدار حكم قطعيّ في هذا الخصوص.
المثال الآخر الذي يمكن ذكره في هذا الخصوص أنّ مسلماً وبعد محاصرته القصر، تفرّق الناس عنه فلم يبق معه أحد. مع العلم أنّ من جملة الذين بايعوا مسلماً مجموعة من الأشخاص كانوا على استعداد للتضحية بأرواحهم من أجل الإمام, وقد شهدنا ذلك في كربلاء من أمثال حبيب بن مظاهر ومسلم بن عوسجة وأبي ثمامة. أمّا المصادر التاريخيّة فلم تذكر شيئاً عن هؤلاء الأشخاص في تلك البرهة الزمنيّة الحسّاسة.
على كلّ حال, فإنّ التحليلات الموجودة تعتمد على هذه الأخبار النادرة والبعيدة عن الصواب. ومن المؤكّد أنّنا لو كنّا نمتلك من الأخبار التي تتحدّث عن تلك المرحلة الزمنيّة, عدداً أكبر, لاستطعنا تقديم تحليل أدقّ وأوضح.
هوامش
1-مقال بالفارسية للسيّد حسن فاطميّ موحّد. تم نشره معرّبا في كتاب: نهضة عاشوراء، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، من إعداد: معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني، الطبعة: الأولى، آذار 2012م - 1433هـ.
تعليق