انقلاب الصورة
كان عدد الصحيفة اللندنية ليوم الأربعاء [الماضي] موحياً جداً... حيث خصّصت النصف الأسفل من الصفحة الأولى لثلاثة أخبار مترابطة تعكس معاً انقلاب الصورة.
الخبر الأول عن مصر: «5 بلايين (دولارات) دولار من السعودية و3 من الإمارات». ولاحقاً ذلك المساء، ورد خبر على وكالات الأنباء عن تقديم الكويت مبلغاً آخر بأربعة مليارات. وفي العنوان الرفيع «البرادعي نائباً للرئيس والببلاوي يرأس الحكومة، تسليم السلطة قبل نيسان (أبريل) وترحيب اميركي». وبذلك تكتمل صورة الوضع في مصر بعد الإطاحة بالرئيس الأخواني، حيث لم يخفِ الخليجيون فرحتهم العارمة بسقوطه، وبادر أحد وزراء الخارجية إلى التغريد على «تويتر» بكلمات أغنية شعبية اعتبرها الكثيرون إظهاراً للشماتة بسقوط حكم الاخوان.
الخبر الثاني عن «أردوغان ومأزق سقوط الاخوان في مصر»، مع عنوان رفيع يقول: «عزل مرسي يزعزع مشروعه لقيادة شرق أوسط تحكمه أحزاب سياسية إسلامية معتدلة». فالحلم الأردوغاني الذي تابعنا صعوده خلال عشرة أعوام، مع كثيرٍ من الحركات السياسية الاستعراضية في المنطقة استغلالاً لقضية الفلسطينيين، يترنح خلال شهرٍ واحد. وقد بدأ التدهور بتظاهرات الغضب في ميدان «تقسيم» قبل شهر، واستكمل بخلع مرسي قبل أسبوع، وسبق ذلك تورطه بالتدخل في النزاع السوري.
هذا التقويض السريع للحلم انعكس على مواقفه وتصريحاته، التي اتخذت منحى عصبياً وعصبوياً، وتميّزت مواقفه بالتشدّد تجاه الحكم المصري الجديد، ورفضه لـ «انقلاب العسكر». وهو ما دعا الجيش للرد بعنف على مواقفه واعتبرها تدخلاً في الشؤون الداخلية المصرية.
العلاقة بين مصر وتركيا كانت قوية أيام الرئيس المخلوع حسني مبارك، وزادت قوةً مع وصول فصيل الاخوان المسلمين إلى الحكم. اليوم نشهد هذا التدهور الشديد وغير المسبوق في العلاقات.
هذا عن مصر وتركيا... أما الخبر الثالث فهو عن «انهيار التحالف الحكومي (في المغرب) بعد استقالة وزراء الاستقلال»، حيث قدّم وزراء حزب الاستقلال استقالاتهم الجماعية إلى رئيس الحكومة عبدالاله بن كيران، ما قد يؤدي إلى انهيار التحالف الحاكم الذي يقوده حزب العدالة والتنمية. واعتبر البعض أن الاستقالة في أعقاب الإطاحة بمرسي تعد مؤشراً على التململ من حكم الإسلاميين، حيث عمدت قيادة حزب الاستقلال إلى تشبيه قيادة بن كيران بقيادة مرسي. وهو الأمر نفسه في تركيا، حيث عمدت المعارضة إلى تشبيه أردوغان بمرسي، وهو ما باتت تشير إليه «الحياة» في خبرها اليومي عن تركيا، في وقت دأبت على تمجيد أردوغان حتى أسابيع ماضية. لقد انقلبت الصورة ولابد من مجاراة الريح الجديدة.
ما بدا قبل بضعة أشهر حلفاً جديداً يتشكّل في أجواء المنطقة، يضم تركيا ودولاً خليجية، وحذّر من خطورته ملك الأردن، انتهى بصدام داخلي عنيف بين أقطابه، فنُزعت القيادة من بلدٍ وسُلّمت إلى آخر، فيما بدا التباين شديداً بين تركيا وقيادة الحلف الجديدة، على خلفية خلع مرسي.
لمن لا يحب التحليل إلا إذا كان طائفياً، نقول إن كل هذه الدول سنيّة، وهو ما يعيدنا إلى التأكيد للمرة الألف، بأن ما يجري صراعات محاور وسياسات، وليست صراعات مذاهب وطوائف. ولا ربحت يد من يزج بالشيعة والسنة في حروب طاحنة لا تخدم إلا «إسرائيل».
قاسم حسين
تعليق