السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،
السلام عليك يا أبا الحسن يا علي
------------------------------------------------------
من أعظم صفات الرجال: الوفاء ، ومن أرذلها الغدر.
ذلك أن (الوفاء أشرف الخلائق) (1) كما أنّ (الغدر شيمة اللئام) (2) و(الوفاء عنوان النبل) (3) و(الغدر أقبح الخيانتين) (4).
وما أحوج الذين لهم مكانة في المجتمع، من الزعماء والحكام وأصحاب المناصب، إلى التزام الوفاء وأداء الأمانة. وما أقلّهم..!
فكم من رجال في التاريخ رفعتهم الأحداث إلى مصافّ العظماء، ثم غدروا بمن كان معهم، فسقطوا في حضيض المقبوحين؟ وكم من أناس مغمورين أوفوا للآخرين، فوقف لهم الناس إجلالاً وإكباراً على مرّ الزمان؟
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن (أقل الناس وفاءً الملوك) (5) ومن يدور في فلكهم، حيث للشيطان سلطان في قصورهم، فإن أعظم الحكام هم أكثرهم وفاءً، والتزاماً بالعهد، ومجانبةً للغدر..
وحقاً فإن (الوفاء حصن السؤدد) (6) (وحفظ الذمام) (7) وبه (يعرف الأبرار) (8) بينما (الغدر يعظّم الوزر (9) ومجانب للقرآن) (10) و(يضاعف السيئات) (11).
والغريب أنّ كثيراً من الحكّام ابتلي بالغدر، حتى أصبح ذلك صفة من صفات الملوك والأمراء، وعادةً من عادات أصحاب التاج والصولجان، وحقاً من حقوقهم! ووسيلة مشروعة لارتقاء سلالم الحكم! معتبرين ذلك من الحيل التي يجوز التوسل بها في الأعمال السياسية..
ويبدو أن ذلك كان من الأمور التي عانى منها الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في صغره، كما عانى كل الصادقين منه في التاريخ.
يقول (عليه السلام): (أيها الناس: إن الوفاء توأم الصدق، ولا أعلم جنة أوقى منه، وما يغدر من عَلِم كيف المرجع، ولقد أصبحنا في زمان قد اتخذ أكثر أهله الغدر كيساً (شطارة)، ونسبهم أهل الجهل إلى حسن الحيلة.
ما لهم؟! قاتلهم الله.! قد يرى الحُوّل القُلّب (البصير بتحولات الأمور وتقلباتها) وجه الحيلة ودونها مانع من أمر الله ونهيه، فيدعها رأى العين بعد القدرة عليه، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين) (12).
لقد ابتلي الإمام (عليه السلام) بمناوئ يتخذ الغدر، والاغتيال، وشراء الضمائر وسيلته لمواجهة الإمام وهو (معاوية بن أبي سفيان) الذي كان يرفع شعار: (والله لأغلبن بدنياي دين علي)، وكان الإمام يرى بأم عينيه كيف تنقص أطراف مملكته شبراً شبراً بسبب الوسائل التي يستعملها معاوية، ولكنه (عليه السلام) كان يرفض أن يستخدم نفس أساليبه.. ويقول: (والله ما معاوية بأدهى منّي ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت أدهى الناس، ولكن كلّ غُدرة فجرةَ، وكل فجرة كفرة، ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة! والله ما أستغفل بالمكيدة، ولا أستغمز بالشديدة) (13).
كان يعرف جيداً داء النّاس ودواءهم، ولكنه كان من أهل (الوفاء)، ومن أئمة العدل، ومن الأبرار الأخيار الذين كلّما قوي أعداؤه في الكذب والدجل، كان يقوى هو في الصدق والصراحة والحق..
كان الإمام يقول: (والله إني لأعلم بدائكم ودوائكم ولكن هيهات أن أصلحكم بخراب نفسي).
كان معاوية يستخدم الغدر والاغتيال لقتل مناوئيه، فيضع السم في العسل ويهديه لهم ثم يضحك ويقول: (إن لله جنوداً من العسل) وكان أمير المؤمنين يشير إلى ابن ملجم ويقول:
هذا قاتلي!
فيقال له أفلا نقلته؟ فيرفض ذلك ويقول: (إذاً تقتلون بي غير قاتلي)!
وكان معاوية يكتب إلى ولاته وعماله: (انظروا إلى من روى حديثاً لأبي تراب فاقتلوه) ويقول: (خذوهم بالتهمة واقتلوهم بالظنّة).
وكان أمير المؤمنين يكتب إلى عماله: (فلا تغدرنّ بذمتك ولا تخيّسن بعهدك، ولا تختّلن عدوّك، فإنه لا يجترئ على الله إلا جاهل شقي، وقد جعل الله عهده وذمته أمناً أفضاه بين العباد برحمته، وحريماً يسكنون إلى منعته، ويستفيضون إلى جواره فلا أدغال، ولا مدالسة، ولا خداع فيه، ولا يدعونّك ضيق أمرٍ لزمك فيه عهد الله إلى طلب الفساخة بغير الحق، فإن صبرك على ضيق أمر ترجو انفراجه وفضل، عاقبته خير من غدر تخاف تبعته، وأن تحيط بك من الله فيه طلبه) (14).
لقد رفض الإمام مجموعة أمور بسيطة، ومنها قبول ولاية معاوية، وتثبيته على الشام، وجرّ ذلك عليه الكثير من المشاكل.. فقط لأن الإمام كان يرفض المناورات الشيطانية والغدر، وإلا كان باستطاعته، أن يثبت معاوية أياماً ثم يغدر به بكل سهولة.
لقد جاءه المغيرة بن شعبة بعد مبايعته، فقال له:
إن لك حق الطاعة والنصيحة، وأن الرأي اليوم تحرز به ما في غد، وأن الضياع اليوم تضيع به ما في غد، أقرر معاوية على عمله، وأقرر العمال على أعمالهم، حتى إذا أتتك طاعتهم وبيعة الجنود استبدلت أو تركت.
فأبى (عليه السلام) وقال: (لا أداهن في ديني، ولا أعطى الدنيئة في أمري).
قال المغيرة: فإن كنت أبيت عليّ فانزع من شئت واترك معاوية، فإن في معاوية جرأة، وهو في أهل الشام يُستمع له ولك حجة في إثباته.. إذ كان عمر قد ولاّه الشام.
فقال علي (عليه السلام): (لا والله.. لا استعمل معاوية يومين). (15)
لقد كان الإمام يرفض الغدر إلى درجة أنه يعتبر الغادر والخائن ممن لا يجوز الوفاء معهما، فمن كسر حرمة الوفاء، فلابدّ من ردعه بالشدة والحزم، لا باللين واللطف.
يقول (عليه السلام): (الوفاء لأهل الغدر غدر عند الله، والغدر بأهل الغدر وفاء عند الله) (16).
ويقول: (الخائن لا وفاء له) (17).
الهوامش:
1- غرر الحكم ودرر الكلم.
2- ميزان الحكمة: ج7، ص174.
3- غرر الحكم ودرر الكلم.
4- المصدر السابق.
5- بحار الأنوار: ج77، ص112.
6- غرر الحكم ودرر الكلم.
7- ميزان الحكمة: ج10، ص602.
8- غرر الحكم ودرر الكلم.
9- المصدر السابق.
10- المصدر السابق.
11- المصدر السابق.
12- نهج البلاغة، الخطب 41، ورسائل الجاحظ ص125.
13- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: ج10، ص209.
14- نهج البلاغة، الخطب 53.
15- عبقرية الإمام علي (عليه السلام) ص122.
16- روض الأخيار: ص139.
17- غرر الحكم ودرر الكلم.
مأخوذ في ما فيه حق الشأن
السلام عليك يا أبا الحسن يا علي
------------------------------------------------------
من أعظم صفات الرجال: الوفاء ، ومن أرذلها الغدر.
ذلك أن (الوفاء أشرف الخلائق) (1) كما أنّ (الغدر شيمة اللئام) (2) و(الوفاء عنوان النبل) (3) و(الغدر أقبح الخيانتين) (4).
وما أحوج الذين لهم مكانة في المجتمع، من الزعماء والحكام وأصحاب المناصب، إلى التزام الوفاء وأداء الأمانة. وما أقلّهم..!
فكم من رجال في التاريخ رفعتهم الأحداث إلى مصافّ العظماء، ثم غدروا بمن كان معهم، فسقطوا في حضيض المقبوحين؟ وكم من أناس مغمورين أوفوا للآخرين، فوقف لهم الناس إجلالاً وإكباراً على مرّ الزمان؟
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن (أقل الناس وفاءً الملوك) (5) ومن يدور في فلكهم، حيث للشيطان سلطان في قصورهم، فإن أعظم الحكام هم أكثرهم وفاءً، والتزاماً بالعهد، ومجانبةً للغدر..
وحقاً فإن (الوفاء حصن السؤدد) (6) (وحفظ الذمام) (7) وبه (يعرف الأبرار) (8) بينما (الغدر يعظّم الوزر (9) ومجانب للقرآن) (10) و(يضاعف السيئات) (11).
والغريب أنّ كثيراً من الحكّام ابتلي بالغدر، حتى أصبح ذلك صفة من صفات الملوك والأمراء، وعادةً من عادات أصحاب التاج والصولجان، وحقاً من حقوقهم! ووسيلة مشروعة لارتقاء سلالم الحكم! معتبرين ذلك من الحيل التي يجوز التوسل بها في الأعمال السياسية..
ويبدو أن ذلك كان من الأمور التي عانى منها الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في صغره، كما عانى كل الصادقين منه في التاريخ.
يقول (عليه السلام): (أيها الناس: إن الوفاء توأم الصدق، ولا أعلم جنة أوقى منه، وما يغدر من عَلِم كيف المرجع، ولقد أصبحنا في زمان قد اتخذ أكثر أهله الغدر كيساً (شطارة)، ونسبهم أهل الجهل إلى حسن الحيلة.
ما لهم؟! قاتلهم الله.! قد يرى الحُوّل القُلّب (البصير بتحولات الأمور وتقلباتها) وجه الحيلة ودونها مانع من أمر الله ونهيه، فيدعها رأى العين بعد القدرة عليه، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين) (12).
لقد ابتلي الإمام (عليه السلام) بمناوئ يتخذ الغدر، والاغتيال، وشراء الضمائر وسيلته لمواجهة الإمام وهو (معاوية بن أبي سفيان) الذي كان يرفع شعار: (والله لأغلبن بدنياي دين علي)، وكان الإمام يرى بأم عينيه كيف تنقص أطراف مملكته شبراً شبراً بسبب الوسائل التي يستعملها معاوية، ولكنه (عليه السلام) كان يرفض أن يستخدم نفس أساليبه.. ويقول: (والله ما معاوية بأدهى منّي ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت أدهى الناس، ولكن كلّ غُدرة فجرةَ، وكل فجرة كفرة، ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة! والله ما أستغفل بالمكيدة، ولا أستغمز بالشديدة) (13).
كان يعرف جيداً داء النّاس ودواءهم، ولكنه كان من أهل (الوفاء)، ومن أئمة العدل، ومن الأبرار الأخيار الذين كلّما قوي أعداؤه في الكذب والدجل، كان يقوى هو في الصدق والصراحة والحق..
كان الإمام يقول: (والله إني لأعلم بدائكم ودوائكم ولكن هيهات أن أصلحكم بخراب نفسي).
كان معاوية يستخدم الغدر والاغتيال لقتل مناوئيه، فيضع السم في العسل ويهديه لهم ثم يضحك ويقول: (إن لله جنوداً من العسل) وكان أمير المؤمنين يشير إلى ابن ملجم ويقول:
هذا قاتلي!
فيقال له أفلا نقلته؟ فيرفض ذلك ويقول: (إذاً تقتلون بي غير قاتلي)!
وكان معاوية يكتب إلى ولاته وعماله: (انظروا إلى من روى حديثاً لأبي تراب فاقتلوه) ويقول: (خذوهم بالتهمة واقتلوهم بالظنّة).
وكان أمير المؤمنين يكتب إلى عماله: (فلا تغدرنّ بذمتك ولا تخيّسن بعهدك، ولا تختّلن عدوّك، فإنه لا يجترئ على الله إلا جاهل شقي، وقد جعل الله عهده وذمته أمناً أفضاه بين العباد برحمته، وحريماً يسكنون إلى منعته، ويستفيضون إلى جواره فلا أدغال، ولا مدالسة، ولا خداع فيه، ولا يدعونّك ضيق أمرٍ لزمك فيه عهد الله إلى طلب الفساخة بغير الحق، فإن صبرك على ضيق أمر ترجو انفراجه وفضل، عاقبته خير من غدر تخاف تبعته، وأن تحيط بك من الله فيه طلبه) (14).
لقد رفض الإمام مجموعة أمور بسيطة، ومنها قبول ولاية معاوية، وتثبيته على الشام، وجرّ ذلك عليه الكثير من المشاكل.. فقط لأن الإمام كان يرفض المناورات الشيطانية والغدر، وإلا كان باستطاعته، أن يثبت معاوية أياماً ثم يغدر به بكل سهولة.
لقد جاءه المغيرة بن شعبة بعد مبايعته، فقال له:
إن لك حق الطاعة والنصيحة، وأن الرأي اليوم تحرز به ما في غد، وأن الضياع اليوم تضيع به ما في غد، أقرر معاوية على عمله، وأقرر العمال على أعمالهم، حتى إذا أتتك طاعتهم وبيعة الجنود استبدلت أو تركت.
فأبى (عليه السلام) وقال: (لا أداهن في ديني، ولا أعطى الدنيئة في أمري).
قال المغيرة: فإن كنت أبيت عليّ فانزع من شئت واترك معاوية، فإن في معاوية جرأة، وهو في أهل الشام يُستمع له ولك حجة في إثباته.. إذ كان عمر قد ولاّه الشام.
فقال علي (عليه السلام): (لا والله.. لا استعمل معاوية يومين). (15)
لقد كان الإمام يرفض الغدر إلى درجة أنه يعتبر الغادر والخائن ممن لا يجوز الوفاء معهما، فمن كسر حرمة الوفاء، فلابدّ من ردعه بالشدة والحزم، لا باللين واللطف.
يقول (عليه السلام): (الوفاء لأهل الغدر غدر عند الله، والغدر بأهل الغدر وفاء عند الله) (16).
ويقول: (الخائن لا وفاء له) (17).
الهوامش:
1- غرر الحكم ودرر الكلم.
2- ميزان الحكمة: ج7، ص174.
3- غرر الحكم ودرر الكلم.
4- المصدر السابق.
5- بحار الأنوار: ج77، ص112.
6- غرر الحكم ودرر الكلم.
7- ميزان الحكمة: ج10، ص602.
8- غرر الحكم ودرر الكلم.
9- المصدر السابق.
10- المصدر السابق.
11- المصدر السابق.
12- نهج البلاغة، الخطب 41، ورسائل الجاحظ ص125.
13- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: ج10، ص209.
14- نهج البلاغة، الخطب 53.
15- عبقرية الإمام علي (عليه السلام) ص122.
16- روض الأخيار: ص139.
17- غرر الحكم ودرر الكلم.
مأخوذ في ما فيه حق الشأن