بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
المرجعية الدينية وإسلام القرآن...بقلم السيد كمال الحيدري
المرجعية الدينية وإسلام القرآن
(عرض توصيفي موجز للمشروع الإصلاحي الديني للسيد كمال الحيدري) (دام ظله)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
قال تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (هود: 88).
حديثنا اليوم يتناول فقرتين مهمتين لهما صلة وثيقة بديننا ودنيانا واُخرانا، فهو حديث مصيري نُشخِّص من خلاله واقعنا الديني وما نحن عليه، وأما الفقرتان فهما:
الفقرة الأُولى: هوية المرجع الديني.
الفقرة الثانية: هوية الإسلام الصحيح.
تنبيه أول: إنَّ جميع ما سنتعرَّض له سنلتزم فيه الحياد والجانب التوصيفي وليس الجانب الدفاعي، فأنا هنا لست بصدد الدفاع عن أحد ولا بصدد الهجوم على أحد، وما سأقوم به هو عرض توصيفي إجمالي لنظرية السيد الأُستاذ كمال الحيدري في هاتين الفقرتين؛ وهو عرض مستفاد إلى حدٍّ كبير من كلماته؛ وبالتالي فإنَّ جميع الملاحظات التي يُمكن طرحُها من قبلكم لابد أنَّ تمس الجانب التوصيفي لا أن تمسَّ شخصاً بعينه.
تنبيه ثان: بعد الجولة التوصيفية كان مقتضى الإنصاف أن أُبدي رأيي الخاص بمشروع السيد الأُستاذ (دام ظله)، وبيان أُسلوبه إجمالاً في التعاطي مع الأزمات التي تواجه كل مشروع إصلاحي، وما أُبيِّنه لا يمثل أكثر من وجهة نظري المنبثقة من تتلمذ ومعايشة مع السيد الأُستاذ لأكثر من خمسة عشر عاماً، ابتداءً من عام (1998م) وإلى عام (2013م).
الفقرة الأُولى: هوية المرجع الديني
أما هوية المرجع الديني، فإنَّ معرفتها موقوفة على فهم هوية الدين؛ وهذا أمر جدّ سهل؛ فقد أجمع علماء المسلمين من الفريقين معاً على أنَّ الدين لا يقتصر على الشريعة والأحكام الفقهية، وإنما هو عقيدة وشريعة وأخلاق؛ والعقيدة تُشكِّل المنظومة الفكرية والإيمانية، والتي يُطلق عليها اصطلاح أُصول الدين؛ ونظراً لكونها متعلِّقة بالإيمان في قبال الكفر والشرك والإلحاد فالأولى أن يُصطلح عليها عنوان أُصول الإيمان، وهذا ما يلتزم به سيدُنا الأُستاذ كما الحيدري.
ونظراً إلى كون الدين، بجميع أقسامه يتوقَّف على فهم المباني العقلية وتفصيلاتها، وعلى المباني النقلية وتفصيلاتها، فقد دخل في الدين البحث العقلي المتمثل بالفلسفة وما تتوقَّف عليه من علوم آلية كعلم المنطق، ودخل البحث النقلي المتمثل بالقرآن والسنة الشريفة؛ وحيث إننا قلنا بأنَّ المسألة الإيمانية هي تعبير آخر عن أُصول الدين باصطلاح القوم، فلابد من دخول علم آخر يقتضيه الإيمان؛ فالإيمان في حقيقته وواقعه فيه بعد معرفي يتمثل بأُصول الدين، وفليه بعد معنوي يتمثل بالوصول إلى حقيقة التوحيد وحقيقة الموحِّد، وحقيقة الطاعة فنقترب، وحقيقة المعصية فنبتعد؛ ونيل مقامات القرب من الله تعالى، وغير ذلك من المسائل المعنوية؛ وهذا ما نبحثه في العرفان.
ونظراً لكون الحياة العملية للإنسان والمجتمع متوقّفة على الرؤية الاجتماعية والسياسية، فلابد من امتلاك هذه الرؤية، وهو ما يُصطلح عليه أحياناً بالعالم بأُمور زمانه؛ فقد ورد عن مفضل بن عمر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (يا مفضل لا يفلح من لا يعقل، ولا يعقل من لا يعلم، وسوف ينجب من يفهم… والعالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس…)(1).
وعليه ستكون المحصلة لدينا في مجموع العلوم المطلوب توفّرها في المرجع الديني هي كالتالي:
العقيدة والفلسفة والأخلاق والعرفان، والفقه والقرآن والحديث إضافة للرؤية الاجتماعية والسياسية، والتي يُمكن اختصارها بعلمي الاجتماع والسياسة، فيكون عارفاً بطبيعة المجتمعات وعاداتهم وتقاليدهم وثقافاتهم، وهو ما نصطلح عليه بالإدارة الاجتماعية، وكذلك يكون عارفاً بأُمور السياسة وكيفية إدارة الدولة، وهو ما نصطلح عليه بالإدارة السياسية.
وهذه العلوم (العقيدة والفلسفة والأخلاق والعرفان والفقه والقرآن والحديث والاجتماع والسياسة) هي القدر المُتيقَّن في شخصية المرجع الديني، وإلا فهنالك علوم ثانوية ينبغي أن يكون متوفِّراً عليها أيضاً، من قبيل علم الدراية وعلم الرجال وعلمي التاريخ والتأريخ(2).
فمن كان جامعاً لهذه العلوم فهو مرجع ديني حقيقي، ومن لم يكن جامعاً لذلك فهو ليس مرجعاً دينياً، وإنما هو مرجع فيما يعلمُه؛ فإن كان عالماً بالعقيدة فهو مرجع عقدي، ومن كان عالماً في الفقه فهو مرجع فقهي، ومن كان فيلسوفاً فهو مرجع في الفلسفة، ومن كان مفسِّراً فهو مرجع في التفسير، وهكذا الحال فيمن كان عالماً في علمين فهو مرجع فيهما، أو في ثلاثة منها فهو مرجع فيها، وأما من كان عالماً فيها جميعاً فهو مرجع ديني حقيقي.
وعليه فما يُطلق اليوم وفي السابق على المرجع الفقهي بأنه مرجع ديني فهو ـ بحسب نظرية السيد الأستاذ كمال الحيدري ـ معتمد على المسامحة في الاستعمال، وإلا فهو ليس مرجعاً دينياً إلا إذا كان جامعاً لتلك العلوم.
تنبيه: نحن هنا لا ننكر على علمائنا ومراجعنا في النجف الأشرف أو في قم المقدسة أن يكون بعضهم أو كلُّهم جامعين لتلك العلوم، لأننا هنا بصدد الكلِّية أو ما يُسمَّى في علم الأُصول بالبحث الكبروي وليس في الجزئية أو البحث الصغروي؛ فمن كان منهم جامعاً لتلك العلوم المطلوبة فهو مرجع ديني بحسب الاصطلاح.
كما في قولنا: الإنسان حيوان ناطق، حيث نكون بصدد إثبات أجزاء ماهية الإنسان، لا بصدد إثبات أنَّ زيداً من الناس إنسان أو ليس بإنسان، ونقول: من كان جامعاً للحيوانية الناطقية فهو إنسان وإلا فلا، وهذا واضح.
من هنا يتعيَّن علينا في مراجعة هوية المرجع الديني التثبت في ذلك؛ فإن كان جامعاً لتلك العلوم فهو كذلك، وإلا فهو فيما يفهم فقط، وهو محترم في مجاله، ولكن لا يحق له التدخل في المجالات الأُخرى، فمن كان فقيهاً فقط فلا يحق له أن يكتب تفسيراً ولا يحق له أن يقدم منظومة في العقيدة، وهكذا من كان عالماً في العقيدة فقط فإنه لا يحق له أن يتدخل في الأحكام الشرعية.
ما هي وظيفتنا تجاه المرجع الديني؟
لا ريب نحن أمام مشكلة عميقة وخطيرة جداً، وهي أننا لابد لنا كمكلَّفين من البحث عن المرجع الديني وليس عن المرجع الفقهي أو المرجع العقدي أو المرجع التفسيري، وعليه فليس أمامنا سوى أحد الطريقين للوصول إلى المرجع الديني، وهما:
أولاً: الوصول إلى الشخصية الفريدة الجامعة لهذه العلوم المختلفة.
ثانياً: الوصول إلى شخصية تركيبية مؤلَّفة من عدّة أشخاص.
أما الشخصية الفريدة فهي الشخصية الجامعة لتلك العلوم، وبالتالي سيكون المرجع الديني متمثلاً بشخص بعينه، كما لو افترضنا أنَّ (سيناً) من العلماء كان جامعاً لتلك العلوم فإنه سيكون المرجع الديني الحقيقي الذي يجب علينا جميعاً مراجعته وأخذ الدين عنه.
وأما الشخصية التركيبية فهي شخصية علمية مؤلَّفة من عدّة أشخاص، كما لو تصوّرنا أنَّ ذلك العنوان الجامع (المرجع الديني) متحقّق في حاصل الجمع بين فلان وفلان وفلان، فهؤلاء بمجموعهم يكونون مرجعاً دينياً، وأما بلحاظ كل واحد منهم فهو مرجع فيما يعلم ويفهم لا غير.
فلو تصورنا عالماً في العقيدة وعالماً في الفقه وعالماً في التفسير وعالماً في الحديث وعالماً في الفلسفة وعالماً في العرفان وعالماً في الاجتماع وعالماً في السياسة وعالماً في التاريخ والتأريخ، فإن مجموعهم سيُشكِّل عندنا مرجعاً دينياً؛ بمعنى أنه لا يحق لنا إطلاق عنوان المرجع الديني على واحدٍ منهم، وإنما نُطلقه على مجموعهم، وبحسب الاصطلاح الأُصولي نُطلقه على العموم المجموعي، من قبيل عنوان أهل البيت فإنه لا يصدق على رسول الله وحده (صلى الله عليه وآله) ولا على الإمام علي وحده (عليه السلام)، ولا على أيّ إمام وحده، وإنما هو عنوان صادق على مجموعهم، كما أنَّ الاعتقاد بهم لا يُحقِّقه مجرد الاعتقاد بواحد منهم، وإنما لابدَّ من الاعتقاد بهم جميعاً، دون استثناء أحد منهم (عليهم السلام).
وبالتالي فإنَّ وظيفتنا الشرعية تُملي علينا البحث عن تلك الشخصية الفريدة أو عن البديل المتمثل بالشخصية التركيبية المأخوذة على نحو العموم المجموعي.
التركيب الكلي والتركيب النسبي:
وفي ضوء ما تقدم يتبيَّن أنَّ الشخصية الفريدة هي فريدة حقاً ويصعب تحصيلها، فإن وُجدت كان بها، ولزم التمسّك بها، وإلا فنحن أمام طريقين، وهما:
الأول: البحث عن المرجع التركيبي النسبي.
الثاني: البحث عن المرجع التركيبي الكلي.
أما المرجع التركيبي النسبي فنعني به خصوص المرجعية الدينية المركَّبة من أقل عدد ممكن؛ فمثلاً يكون عندنا مرجع في العقيدة والشريعة والتفسير والحديث، ومرجع آخر في الفلسفة والعرفان، ومرجع آخر في الاجتماع والسياسة والتأريخ؛ وكلما ضاقت الدائرة فذلك أفضل ـ كما سيأتي توضيحه ـ فلو كان لدينا مرجعية دينية ثنائية مركَّبة من عالم في العقيدة والفقه والتفسير والحديث والفلسفة والعرفان بمعية عالم في التأريخ والاجتماع والسياسة، فذلك أفضل عملياً من المرجعية الدينية الثلاثية، والثلاثية أفضل من الرباعية، وهكذا.
إذن هنالك صيغة أُحادية للمرجعية الدينية، وهي الشخصية الفريدة، وهنالك صيغة ثنائية وثلاثية ورباعية، وهي الصيغة التركيبية النسبية، وهنالك صيغة مُبتنية على عدد العلوم وهي الصيغة التركيبية الكلّية.
ولو لاحظنا الواقع العملي للمكلَّفين نجد أنَّ التركيبية النسبية أفضل حالاً لهم وأكثر عملانية من الصيغة التركيبية الكلّية؛ كما أنَّ الصيغة التركيبية النسبية كلما قلَّ فيها عدد المراجع كلما كان أفضل حالاً للمكلَّفين؛ فإنَّ المكلَّف ـ عادة ـ لا يُمكنه تحصيل الشخصية التركيبية الكلّية، نظراً لاشتراط الوثاقة في كل ذلك، وفي ذلك ضرب من التعقيد، ولذلك كلما ضاقت دائرة المراجع التي تتشكَّل منها الصيغة التركيبة النسبية كان أفضل حالاً من الناحية العملية.
وأما من الناحية العلمية فالاقتصار على أقل عدد هو أفضل حالاً أيضاً؛ لأنَّ الجامع بين علمين أفضل حالاً من الجامع لعلم واحد، والجامع لثلاثة علوم أو أكثر وأفضل حالاً من الجامع لعلمين؛ لأنَّ الرؤية الكونية الإلهية التي يتوفَّر عليها الجامع لأكثر من علم عادة ما تكون أفضل وأدق وأتقن من الرؤية الانفصالية؛ وبالتالي فكلما كان المرجع جامعاً لأكثر من علم كلما كانت رؤيته الكونية أصح وأدق، وكان هو الأقرب لمقام المرجعية.
تنبيه: إذا ما توفَّر المرجع على العلوم الأساسية الثلاث، وهي العقيدة والشريعة والتفسير فهو الأقرب لمقام المرجعية الدينية، فإذا ما أردنا أن نجمع إلى جواره المراجع الأُخرى في العلوم الأُخرى فإنه مقدَّم عليهم؛ لأنه ما توفَّر عليه هو أشبه ما يكون بناصية العلوم.
هذا خلاصة ما أفهمه عمَّا يراه السيد الأُستاذ كمال الحيدري في موضوع المرجع الديني.
الفقرة الثانية: هوية الإسلام الصحيح
وأما هوية الإسلام الصحيح، فإنَّ المذاهب الإسلامية وإن كانت تُصرِّح بأنها تعتمد على القرآن والسنة الشريفة والعقل والإجماع، إضافة للقياس والعمل بالرأي عند مدرسة الصحابة، إلا أنَّ الواقع العملي لا يبدو كذلك؛ وهذا ما حدا بالسيد الأُستاذ الحيدري إلى تحليل هذه الظاهرة الخطيرة، وقد انتهى به البحث إلى إفراز مدرستين، الأُولى مدرسة الحديث، وهي المدرسة الحاكمة في جميع الأوساط الدينية؛ ومدرسة القرآن، وهي المدرسة المنكوبة المثكولة المهجورة، التي غبنا أو غُيِّبنا عنها، فطُرِحَ القرآن وحضر الحديث، وصار القرآن مرجعاً صورياً وصار الحديث مرجعاً حقيقياً متفرِّداً.
والمشكلة ليست في التفرّد وحسب، وإنما هنالك مشكلة أخطر وأعظم، وهي أنَّ هذا المُتفرِّد قد أُبتلي بالدسّ والتزوير والتشويه والتحريف؛ فبإجماع الأُمة الإسلامية أنَّ الروايات مبتلاة بالإسرائيليات والدسّ والتزوير، ومن الواضح أنَّ تاريخ هذا التزوير يمتدّ إلى صدر الإسلام، وأنَّ أول من شكا من ظاهرة التزوير والدس ووَضْع الحديث هو رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما هو المتواتر بين علماء المسلمين جميعاً.
وقد حاول الأعلام حلّ هذه المشكلة وتجاوز الإخفاقات الروائية، وهي صادقة ومحاولات جادة، ولكنها لا تفي بالغرض بل إنَّ الكثير منها قد أضرَّت أكثر ممَّا نفعت، من قبيل اعتماد التوثيقات العامة والخاصة للرجال، فصارت الرواية تُقبل لوثاقة رواتها وتُرد لضعف رواتها، وهذا هو منهج السيد الخوئي الذي رفض حتى ما هو مشهور بين الأصحاب من كون عمل الأصحاب جابراً وإعراضهم كاسراً، فقال: لا عملهم جابر للرواية الضعيفة ولا إعراضهم كاسر للرواية الصحيحة؛ كما أنّه رفض التوثيقات الأعلائية الواردة في بعض الأصحاب الذين تعتبر مراسيل مسانيد، من قبيل محمد بن أبي عمير؛ فكان منهجه الحاكم هو التوثيق الوارد في رواة الرواية.
وفي ظلّ هذا المنهج السندي سقطت مئات ـ إن لم تكن آلافاً ـ من الروايات العظيمة المضامين بسبب ضعف سندها؛ كما أنه قد اعتُبرت منها مئات الروايات الباطلة المضمون، وصُحِّح العمل بها بسبب صحَّة سندها لا غير.
من هنا يرى السيد الأُستاذ الحيدري أنَّ المذهب الشيعي الإمامي الاثني عشري القائم على أساس الروايات بالدرجة الأساس قد اعتمد على كم غير قليل من الروايات المدسوسة والمزوّرة، ولابد من تصحيح ذلك الأمر من خلال مراجعة ذلك التراث الروائي ووضع ضابطة جديدة لا تجعلنا نخسر المضامين العظيمة من جهة، ولا تجعلنا نقبل بالمضامين الباطلة من الجهة أُخرى، وليس أمامنا إلا القرآن الكريم، فهو النص الوحيد الذي لم يقع فيه التحريف بإجماع الأُمة الإسلامية، وبالتالي لابد من تنقية التراث الروائي قرآنياً.
جدير بالذكر أنَّ روايات العرض كثيرة، منها: عن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام): (اعرضوها على كتاب الله فما وافى كتاب الله عزّ وجل فخذوه، وما خالف كتاب الله فردوه)(3).
إذن المرجعية الأُولى في التصحيح هو القرآن نفسه، كما أنَّ المرجعية الأولى في التأسيس هو القرآن نفسه، والرجوع للقرآن وعرض الحديث عليه هو ما عناه السيد الحيدري بالخروج من إسلام الحديث إلى إسلام القرآن؛ فليس مراده ترك الروايات أو الطعن بها جزافاً، وإنما مراده وضع ضابطة قطعية لقبول التراث الروائي، وهذه الضابطة هي القرآن بمعية العقل البرهاني أيضاً.
اللهم صل على محمد وآل محمد
المرجعية الدينية وإسلام القرآن...بقلم السيد كمال الحيدري
المرجعية الدينية وإسلام القرآن
(عرض توصيفي موجز للمشروع الإصلاحي الديني للسيد كمال الحيدري) (دام ظله)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
قال تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (هود: 88).
حديثنا اليوم يتناول فقرتين مهمتين لهما صلة وثيقة بديننا ودنيانا واُخرانا، فهو حديث مصيري نُشخِّص من خلاله واقعنا الديني وما نحن عليه، وأما الفقرتان فهما:
الفقرة الأُولى: هوية المرجع الديني.
الفقرة الثانية: هوية الإسلام الصحيح.
تنبيه أول: إنَّ جميع ما سنتعرَّض له سنلتزم فيه الحياد والجانب التوصيفي وليس الجانب الدفاعي، فأنا هنا لست بصدد الدفاع عن أحد ولا بصدد الهجوم على أحد، وما سأقوم به هو عرض توصيفي إجمالي لنظرية السيد الأُستاذ كمال الحيدري في هاتين الفقرتين؛ وهو عرض مستفاد إلى حدٍّ كبير من كلماته؛ وبالتالي فإنَّ جميع الملاحظات التي يُمكن طرحُها من قبلكم لابد أنَّ تمس الجانب التوصيفي لا أن تمسَّ شخصاً بعينه.
تنبيه ثان: بعد الجولة التوصيفية كان مقتضى الإنصاف أن أُبدي رأيي الخاص بمشروع السيد الأُستاذ (دام ظله)، وبيان أُسلوبه إجمالاً في التعاطي مع الأزمات التي تواجه كل مشروع إصلاحي، وما أُبيِّنه لا يمثل أكثر من وجهة نظري المنبثقة من تتلمذ ومعايشة مع السيد الأُستاذ لأكثر من خمسة عشر عاماً، ابتداءً من عام (1998م) وإلى عام (2013م).
الفقرة الأُولى: هوية المرجع الديني
أما هوية المرجع الديني، فإنَّ معرفتها موقوفة على فهم هوية الدين؛ وهذا أمر جدّ سهل؛ فقد أجمع علماء المسلمين من الفريقين معاً على أنَّ الدين لا يقتصر على الشريعة والأحكام الفقهية، وإنما هو عقيدة وشريعة وأخلاق؛ والعقيدة تُشكِّل المنظومة الفكرية والإيمانية، والتي يُطلق عليها اصطلاح أُصول الدين؛ ونظراً لكونها متعلِّقة بالإيمان في قبال الكفر والشرك والإلحاد فالأولى أن يُصطلح عليها عنوان أُصول الإيمان، وهذا ما يلتزم به سيدُنا الأُستاذ كما الحيدري.
ونظراً إلى كون الدين، بجميع أقسامه يتوقَّف على فهم المباني العقلية وتفصيلاتها، وعلى المباني النقلية وتفصيلاتها، فقد دخل في الدين البحث العقلي المتمثل بالفلسفة وما تتوقَّف عليه من علوم آلية كعلم المنطق، ودخل البحث النقلي المتمثل بالقرآن والسنة الشريفة؛ وحيث إننا قلنا بأنَّ المسألة الإيمانية هي تعبير آخر عن أُصول الدين باصطلاح القوم، فلابد من دخول علم آخر يقتضيه الإيمان؛ فالإيمان في حقيقته وواقعه فيه بعد معرفي يتمثل بأُصول الدين، وفليه بعد معنوي يتمثل بالوصول إلى حقيقة التوحيد وحقيقة الموحِّد، وحقيقة الطاعة فنقترب، وحقيقة المعصية فنبتعد؛ ونيل مقامات القرب من الله تعالى، وغير ذلك من المسائل المعنوية؛ وهذا ما نبحثه في العرفان.
ونظراً لكون الحياة العملية للإنسان والمجتمع متوقّفة على الرؤية الاجتماعية والسياسية، فلابد من امتلاك هذه الرؤية، وهو ما يُصطلح عليه أحياناً بالعالم بأُمور زمانه؛ فقد ورد عن مفضل بن عمر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (يا مفضل لا يفلح من لا يعقل، ولا يعقل من لا يعلم، وسوف ينجب من يفهم… والعالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس…)(1).
وعليه ستكون المحصلة لدينا في مجموع العلوم المطلوب توفّرها في المرجع الديني هي كالتالي:
العقيدة والفلسفة والأخلاق والعرفان، والفقه والقرآن والحديث إضافة للرؤية الاجتماعية والسياسية، والتي يُمكن اختصارها بعلمي الاجتماع والسياسة، فيكون عارفاً بطبيعة المجتمعات وعاداتهم وتقاليدهم وثقافاتهم، وهو ما نصطلح عليه بالإدارة الاجتماعية، وكذلك يكون عارفاً بأُمور السياسة وكيفية إدارة الدولة، وهو ما نصطلح عليه بالإدارة السياسية.
وهذه العلوم (العقيدة والفلسفة والأخلاق والعرفان والفقه والقرآن والحديث والاجتماع والسياسة) هي القدر المُتيقَّن في شخصية المرجع الديني، وإلا فهنالك علوم ثانوية ينبغي أن يكون متوفِّراً عليها أيضاً، من قبيل علم الدراية وعلم الرجال وعلمي التاريخ والتأريخ(2).
فمن كان جامعاً لهذه العلوم فهو مرجع ديني حقيقي، ومن لم يكن جامعاً لذلك فهو ليس مرجعاً دينياً، وإنما هو مرجع فيما يعلمُه؛ فإن كان عالماً بالعقيدة فهو مرجع عقدي، ومن كان عالماً في الفقه فهو مرجع فقهي، ومن كان فيلسوفاً فهو مرجع في الفلسفة، ومن كان مفسِّراً فهو مرجع في التفسير، وهكذا الحال فيمن كان عالماً في علمين فهو مرجع فيهما، أو في ثلاثة منها فهو مرجع فيها، وأما من كان عالماً فيها جميعاً فهو مرجع ديني حقيقي.
وعليه فما يُطلق اليوم وفي السابق على المرجع الفقهي بأنه مرجع ديني فهو ـ بحسب نظرية السيد الأستاذ كمال الحيدري ـ معتمد على المسامحة في الاستعمال، وإلا فهو ليس مرجعاً دينياً إلا إذا كان جامعاً لتلك العلوم.
تنبيه: نحن هنا لا ننكر على علمائنا ومراجعنا في النجف الأشرف أو في قم المقدسة أن يكون بعضهم أو كلُّهم جامعين لتلك العلوم، لأننا هنا بصدد الكلِّية أو ما يُسمَّى في علم الأُصول بالبحث الكبروي وليس في الجزئية أو البحث الصغروي؛ فمن كان منهم جامعاً لتلك العلوم المطلوبة فهو مرجع ديني بحسب الاصطلاح.
كما في قولنا: الإنسان حيوان ناطق، حيث نكون بصدد إثبات أجزاء ماهية الإنسان، لا بصدد إثبات أنَّ زيداً من الناس إنسان أو ليس بإنسان، ونقول: من كان جامعاً للحيوانية الناطقية فهو إنسان وإلا فلا، وهذا واضح.
من هنا يتعيَّن علينا في مراجعة هوية المرجع الديني التثبت في ذلك؛ فإن كان جامعاً لتلك العلوم فهو كذلك، وإلا فهو فيما يفهم فقط، وهو محترم في مجاله، ولكن لا يحق له التدخل في المجالات الأُخرى، فمن كان فقيهاً فقط فلا يحق له أن يكتب تفسيراً ولا يحق له أن يقدم منظومة في العقيدة، وهكذا من كان عالماً في العقيدة فقط فإنه لا يحق له أن يتدخل في الأحكام الشرعية.
ما هي وظيفتنا تجاه المرجع الديني؟
لا ريب نحن أمام مشكلة عميقة وخطيرة جداً، وهي أننا لابد لنا كمكلَّفين من البحث عن المرجع الديني وليس عن المرجع الفقهي أو المرجع العقدي أو المرجع التفسيري، وعليه فليس أمامنا سوى أحد الطريقين للوصول إلى المرجع الديني، وهما:
أولاً: الوصول إلى الشخصية الفريدة الجامعة لهذه العلوم المختلفة.
ثانياً: الوصول إلى شخصية تركيبية مؤلَّفة من عدّة أشخاص.
أما الشخصية الفريدة فهي الشخصية الجامعة لتلك العلوم، وبالتالي سيكون المرجع الديني متمثلاً بشخص بعينه، كما لو افترضنا أنَّ (سيناً) من العلماء كان جامعاً لتلك العلوم فإنه سيكون المرجع الديني الحقيقي الذي يجب علينا جميعاً مراجعته وأخذ الدين عنه.
وأما الشخصية التركيبية فهي شخصية علمية مؤلَّفة من عدّة أشخاص، كما لو تصوّرنا أنَّ ذلك العنوان الجامع (المرجع الديني) متحقّق في حاصل الجمع بين فلان وفلان وفلان، فهؤلاء بمجموعهم يكونون مرجعاً دينياً، وأما بلحاظ كل واحد منهم فهو مرجع فيما يعلم ويفهم لا غير.
فلو تصورنا عالماً في العقيدة وعالماً في الفقه وعالماً في التفسير وعالماً في الحديث وعالماً في الفلسفة وعالماً في العرفان وعالماً في الاجتماع وعالماً في السياسة وعالماً في التاريخ والتأريخ، فإن مجموعهم سيُشكِّل عندنا مرجعاً دينياً؛ بمعنى أنه لا يحق لنا إطلاق عنوان المرجع الديني على واحدٍ منهم، وإنما نُطلقه على مجموعهم، وبحسب الاصطلاح الأُصولي نُطلقه على العموم المجموعي، من قبيل عنوان أهل البيت فإنه لا يصدق على رسول الله وحده (صلى الله عليه وآله) ولا على الإمام علي وحده (عليه السلام)، ولا على أيّ إمام وحده، وإنما هو عنوان صادق على مجموعهم، كما أنَّ الاعتقاد بهم لا يُحقِّقه مجرد الاعتقاد بواحد منهم، وإنما لابدَّ من الاعتقاد بهم جميعاً، دون استثناء أحد منهم (عليهم السلام).
وبالتالي فإنَّ وظيفتنا الشرعية تُملي علينا البحث عن تلك الشخصية الفريدة أو عن البديل المتمثل بالشخصية التركيبية المأخوذة على نحو العموم المجموعي.
التركيب الكلي والتركيب النسبي:
وفي ضوء ما تقدم يتبيَّن أنَّ الشخصية الفريدة هي فريدة حقاً ويصعب تحصيلها، فإن وُجدت كان بها، ولزم التمسّك بها، وإلا فنحن أمام طريقين، وهما:
الأول: البحث عن المرجع التركيبي النسبي.
الثاني: البحث عن المرجع التركيبي الكلي.
أما المرجع التركيبي النسبي فنعني به خصوص المرجعية الدينية المركَّبة من أقل عدد ممكن؛ فمثلاً يكون عندنا مرجع في العقيدة والشريعة والتفسير والحديث، ومرجع آخر في الفلسفة والعرفان، ومرجع آخر في الاجتماع والسياسة والتأريخ؛ وكلما ضاقت الدائرة فذلك أفضل ـ كما سيأتي توضيحه ـ فلو كان لدينا مرجعية دينية ثنائية مركَّبة من عالم في العقيدة والفقه والتفسير والحديث والفلسفة والعرفان بمعية عالم في التأريخ والاجتماع والسياسة، فذلك أفضل عملياً من المرجعية الدينية الثلاثية، والثلاثية أفضل من الرباعية، وهكذا.
إذن هنالك صيغة أُحادية للمرجعية الدينية، وهي الشخصية الفريدة، وهنالك صيغة ثنائية وثلاثية ورباعية، وهي الصيغة التركيبية النسبية، وهنالك صيغة مُبتنية على عدد العلوم وهي الصيغة التركيبية الكلّية.
ولو لاحظنا الواقع العملي للمكلَّفين نجد أنَّ التركيبية النسبية أفضل حالاً لهم وأكثر عملانية من الصيغة التركيبية الكلّية؛ كما أنَّ الصيغة التركيبية النسبية كلما قلَّ فيها عدد المراجع كلما كان أفضل حالاً للمكلَّفين؛ فإنَّ المكلَّف ـ عادة ـ لا يُمكنه تحصيل الشخصية التركيبية الكلّية، نظراً لاشتراط الوثاقة في كل ذلك، وفي ذلك ضرب من التعقيد، ولذلك كلما ضاقت دائرة المراجع التي تتشكَّل منها الصيغة التركيبة النسبية كان أفضل حالاً من الناحية العملية.
وأما من الناحية العلمية فالاقتصار على أقل عدد هو أفضل حالاً أيضاً؛ لأنَّ الجامع بين علمين أفضل حالاً من الجامع لعلم واحد، والجامع لثلاثة علوم أو أكثر وأفضل حالاً من الجامع لعلمين؛ لأنَّ الرؤية الكونية الإلهية التي يتوفَّر عليها الجامع لأكثر من علم عادة ما تكون أفضل وأدق وأتقن من الرؤية الانفصالية؛ وبالتالي فكلما كان المرجع جامعاً لأكثر من علم كلما كانت رؤيته الكونية أصح وأدق، وكان هو الأقرب لمقام المرجعية.
تنبيه: إذا ما توفَّر المرجع على العلوم الأساسية الثلاث، وهي العقيدة والشريعة والتفسير فهو الأقرب لمقام المرجعية الدينية، فإذا ما أردنا أن نجمع إلى جواره المراجع الأُخرى في العلوم الأُخرى فإنه مقدَّم عليهم؛ لأنه ما توفَّر عليه هو أشبه ما يكون بناصية العلوم.
هذا خلاصة ما أفهمه عمَّا يراه السيد الأُستاذ كمال الحيدري في موضوع المرجع الديني.
الفقرة الثانية: هوية الإسلام الصحيح
وأما هوية الإسلام الصحيح، فإنَّ المذاهب الإسلامية وإن كانت تُصرِّح بأنها تعتمد على القرآن والسنة الشريفة والعقل والإجماع، إضافة للقياس والعمل بالرأي عند مدرسة الصحابة، إلا أنَّ الواقع العملي لا يبدو كذلك؛ وهذا ما حدا بالسيد الأُستاذ الحيدري إلى تحليل هذه الظاهرة الخطيرة، وقد انتهى به البحث إلى إفراز مدرستين، الأُولى مدرسة الحديث، وهي المدرسة الحاكمة في جميع الأوساط الدينية؛ ومدرسة القرآن، وهي المدرسة المنكوبة المثكولة المهجورة، التي غبنا أو غُيِّبنا عنها، فطُرِحَ القرآن وحضر الحديث، وصار القرآن مرجعاً صورياً وصار الحديث مرجعاً حقيقياً متفرِّداً.
والمشكلة ليست في التفرّد وحسب، وإنما هنالك مشكلة أخطر وأعظم، وهي أنَّ هذا المُتفرِّد قد أُبتلي بالدسّ والتزوير والتشويه والتحريف؛ فبإجماع الأُمة الإسلامية أنَّ الروايات مبتلاة بالإسرائيليات والدسّ والتزوير، ومن الواضح أنَّ تاريخ هذا التزوير يمتدّ إلى صدر الإسلام، وأنَّ أول من شكا من ظاهرة التزوير والدس ووَضْع الحديث هو رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما هو المتواتر بين علماء المسلمين جميعاً.
وقد حاول الأعلام حلّ هذه المشكلة وتجاوز الإخفاقات الروائية، وهي صادقة ومحاولات جادة، ولكنها لا تفي بالغرض بل إنَّ الكثير منها قد أضرَّت أكثر ممَّا نفعت، من قبيل اعتماد التوثيقات العامة والخاصة للرجال، فصارت الرواية تُقبل لوثاقة رواتها وتُرد لضعف رواتها، وهذا هو منهج السيد الخوئي الذي رفض حتى ما هو مشهور بين الأصحاب من كون عمل الأصحاب جابراً وإعراضهم كاسراً، فقال: لا عملهم جابر للرواية الضعيفة ولا إعراضهم كاسر للرواية الصحيحة؛ كما أنّه رفض التوثيقات الأعلائية الواردة في بعض الأصحاب الذين تعتبر مراسيل مسانيد، من قبيل محمد بن أبي عمير؛ فكان منهجه الحاكم هو التوثيق الوارد في رواة الرواية.
وفي ظلّ هذا المنهج السندي سقطت مئات ـ إن لم تكن آلافاً ـ من الروايات العظيمة المضامين بسبب ضعف سندها؛ كما أنه قد اعتُبرت منها مئات الروايات الباطلة المضمون، وصُحِّح العمل بها بسبب صحَّة سندها لا غير.
من هنا يرى السيد الأُستاذ الحيدري أنَّ المذهب الشيعي الإمامي الاثني عشري القائم على أساس الروايات بالدرجة الأساس قد اعتمد على كم غير قليل من الروايات المدسوسة والمزوّرة، ولابد من تصحيح ذلك الأمر من خلال مراجعة ذلك التراث الروائي ووضع ضابطة جديدة لا تجعلنا نخسر المضامين العظيمة من جهة، ولا تجعلنا نقبل بالمضامين الباطلة من الجهة أُخرى، وليس أمامنا إلا القرآن الكريم، فهو النص الوحيد الذي لم يقع فيه التحريف بإجماع الأُمة الإسلامية، وبالتالي لابد من تنقية التراث الروائي قرآنياً.
جدير بالذكر أنَّ روايات العرض كثيرة، منها: عن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام): (اعرضوها على كتاب الله فما وافى كتاب الله عزّ وجل فخذوه، وما خالف كتاب الله فردوه)(3).
إذن المرجعية الأُولى في التصحيح هو القرآن نفسه، كما أنَّ المرجعية الأولى في التأسيس هو القرآن نفسه، والرجوع للقرآن وعرض الحديث عليه هو ما عناه السيد الحيدري بالخروج من إسلام الحديث إلى إسلام القرآن؛ فليس مراده ترك الروايات أو الطعن بها جزافاً، وإنما مراده وضع ضابطة قطعية لقبول التراث الروائي، وهذه الضابطة هي القرآن بمعية العقل البرهاني أيضاً.
تعليق