بــــــــــسم اللــــــــــه الرحــــــــــمن الرحـــــــــــــــيم
اللهم صلي على محمد وال محمد وعجل فرجهم والعن عدوهم

{ السبب الثالث - الغيبة امر لم يؤذن بكشفه الى قيام القائم }
ورد في بعض الروايات الواردة عن أل محمد عليهم السلام أن علة غيبة الإمام المهدي عليه السلام أمر لم يؤذن بكشفه الى قيام القائم (ع)
فقد جاء عن قال الإمام الصادق عليه السلام انه قال { إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ غَيْبَةً لَا بُدَّ مِنْهَا يَرْتَابُ فِيهَا كُلُّ مُبْطِلٍ فَقُلْتُ لَهُ وَ لِمَ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَالَ لِأَمْرٍ لَمْ يُؤْذَنْ لَنَا فِي كَشْفِهِ لَكُمْ قُلْتُ فَمَا وَجْهُ الْحِكْمَةِ فِي غَيْبَتِهِ فَقَالَ وَجْهُ الْحِكْمَةِ فِي غَيْبَتِهِ وَجْهُ الْحِكْمَةِ فِي غَيْبَاتِ مَنْ تَقَدَّمَهُ مِنْ حُجَجِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِنَّ وَجْهَ الْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ لَا يَنْكَشِفُ إِلَّا بَعْدَ ظُهُورِهِ كَمَا لَا يَنْكَشِفُ وَجْهُ الْحِكْمَةِ لَمَّا أَتَاهُ الْخَضِرُ (ع ) مِنْ خَرْقِ السَّفِينَةِ وَ قَتْلِ الْغُلَامِ وَ إِقَامَةِ الْجِدَارِ لِمُوسَى ع إِلَّا وَقْتَ افْتِرَاقِهِمَا يَا ابْنَ الْفَضْلِ إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ أَمْرٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَ سِرٌّ مِنَ اللَّهِ وَ غَيْبٌ مِنْ غَيْبِ اللَّهِ وَ مَتَى عَلِمْنَا أَنَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ حَكِيمٌ صَدَّقْنَا بِأَنَّ أَفْعَالَهُ كُلَّهَا حِكْمَةٌ وَ إِنْ كَانَ وَجْهُهَا غَيْرَ مُنْكَشِفٍ لَنَا }
نقاشنا لهذه الرواية من ثلاث محاور
المحور الاول : - مقدمة مهمة مرتبطة بالبحث
المحور الثاني :- تعارض الرواية مع باقي الروايات وحل اشكال التعارض
المحور الثالث :- الملاحظات على الرواية والقرائن التي تؤيد ان السبب هو اعراض الناس
رابعاً :- الخلاصة وبيان حيقيقة الامر
{ المحور الاول : -مقدمة مهمة مرتبطة بالبحث }
قبل الشروع بنقاش مضمون الروايةاحببت ان ابين أمرين مهمين :
{ الأمر الأول }
أمرنا الله عز وجل بطاعة محمد وال محمد صلوات ربي عليهم أجمعين فهم معصومين منزهون لا يدخلون احد في ضلال ولا يخرجونه من هدى :
وإلا لوا كانوا عليهم السلام غير معصومين ومعرضون للخطاء والضلال لم يقمهم الله مقام الحجة ولأجل ذلك أمر الله الناس بطاعتهم وعدم مخالفتهم فمن تمسك بحبلهم نجى ومن تخلف عنهم هوى وغرق وجاء في القران وفي كلام النبي الاكرم واله في عصمتهم وطاعتهم كثير من الايات والروايات : فعن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن الحسين بن أبي العلاء قال

و علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: { ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرحمن تبارك وتعالى الطاعة للإمام بعد معرفته، ثم قال: إن الله تبارك وتعالى يقول ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا }
و عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي قال: حدثنا حماد ابن عثمان، عن بشير العطار قال: سمعت أبا عبدا لله عليه السلام يقول: { نحن قوم فرض الله طاعتنا وأنتم تأتمون بمن لا يعذر الناس بجهالته }
وعن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى عن الحسين بن المختار، عن بعض أصحابنا، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز و جل: ( وآتيناهم ملكا عظيما ) قال: ( الطاعة المفروضة )
و عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن أبي خالد القماط عن أبي الحسن العطار قال: سمعت أبا عبدا لله عليه السلام يقول : ( أشرك بين الأوصياء و الرسل في الطاعة )
و عن أحمد بن محمد، عن محمد بن أبي عمير، عن سيف بن عميرة، عن أبي الصباح الكناني قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ( نحن قوم فرض الله عز وجل طاعتنا، ولنا صفوا المال ونحن الراسخون في العلم، ونحن المحسودون الذين قال الله: ( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله )
وبهذا الإسناد، عن مروك بن عبيد، عن محمد بن زيد الطبري قال: كنت قائما على رأس الرضا عليه السلام بخراسان وعنده عدة من بني هاشم وفيهم إسحاق بن موسى بن عيسى العباسي فقال: { يا إسحاق بلغني أن الناس يقولون: إنا نزعم أن الناس عبيد لنا، لا وقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله ما قلته قط ولا سمعته من آبائي قاله ولا بلغني عن أحد من آبائي قاله، ولكني أقول: الناس عبيد لنا في الطاعة، موال لنا في الدين، فليبلغ الشاهد الغائب }
وعن علي بن إبراهيم، عن صالح بن ألسندي، عن جعفر بن بشير، عن أبي سلمه عن أبي عبدا لله عليه السلام قال: سمعته يقول: { نحن الذين فرض الله طاعتنا، لا يسع الناس إلا معرفتنا ولا يعذر الناس بجهالتنا، من عرفنا كان مؤمنا، ومن أنكرنا كان كافرا، ومن لم يعرفنا ولم ينكرنا كان ضالا حتى يرجع إلى الهدى الذي افترض الله عليه من طاعتنا الواجبة فإن يمت على ضلالته يفعل الله به ما يشاء }
وعن علي، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن محمد بن الفضيل قال: سألته عن أفضل ما يتقرب به العباد إلى الله عز وجل، قال: { أفضل ما يتقرب به العباد إلى الله عز وجل طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر، قال أبو جعفر عليه السلام: حبنا إيمان وبغضنا كفر}
نستخلص مما مر امراً مهم وهو إن قول محمد وال محمد هو قول الله عز وجل وقولهم حق وصدق فمن غير الممكن ان يكون كلامهم غير صادق او غير صحيح فهم عليهم السلام الناطقون عن الله الصادق سبحانه
{ الأمر الثاني }
كلامهم أل محمد عليهم السلام وحكمهم ودينهم واحد ومن منبع واحد ومن المستحيل أن يتعارض كلام احدهم مع الأخر فقد ورد في الأثر عن أل النبوة عليهم السلام ما يثبت هذا الكلام
قال أبو جعفر عليه السلام ( أبى الله عز وجل أن يكون في حكمه اختلاف أو يكون بين أهل علمه تناقض ) بحار الأنوار ج 25 ص74
و عن أحمد بن محمد، عن محمد بن الحسن، عن علي بن إسماعيل، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن الحارث بن المغيرة، عن أبي عبدا لله عليه السلام قال: { سمعته يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: نحن في الأمر والفهم والحلال والحرام نجري مجرى واحد }
وبهذا الإسناد، عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم، عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير، عن أبي عبدا لله عليه السلام قال: ( سألته عن الأئمة هل يجرون في الأمر والطاعة مجرى واحد؟ قال: نعم )
علي بن محمد بن عبدا لله، عن أبيه، عن محمد بن عيسى، عن داود ألنهدي عن علي بن جعفر، عن أبي الحسن عليه السلام قال: ( قال لي: نحن في العلم والشجاعة سواء وفي العطايا على قدر ما نؤمر )
وعلى ضوء الروايات اعلاه يكون كلامهم عليهم السلام بدءاً من جدهم الاكرم { ص } مروراً الى القائم عليهم السلام متوافق وغير متضارب وغير متناقض لسبب واحد فقط هو قوله تعالى { لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا } فاذا قال احدهم (ع) قولاً يخالف قول الاخر فيجب ان لا يرد احد القولين بل يجب ان يدقق النظر في القولين وهذا ما سنفعله بحول الله في الصفحات ادناه
{ المحور الثاني :- تعارض الرواية مع باقي الروايات وحل الاشكال }
الروايات الشريفة اعلاه تنفي ان يكون بين اهل علم الله تناقض او اختلاف في العلم فأذا قال احدهم عليهم السلام حديثاً فكلامه مؤيد لكلام الباقين عليهم السلام واذا ورد حديثان عنهم عليهم السلام ظاهرهما متعارضا فيجب تدقيق النظر في الروايتان لانهم (ع) لا تعارض بين كلامهم بنص القران والروايات الشريفة
وهذا الحديث محل البحث ظاهره يعارض كل الروايات الواردة عنهم عليه السلام بخصوص سبب الغيبة فقد ورد عن اكثر من امام ان سبب الغيبة معلوم وواضح وذكروه (ع ) في احاديثم بكل صراحة ووضوح وهو قلة الانصار واعراض الناس عن الامام (ع) ولا بأس بذكر بعضهن للتبيان :
اولاً :- ورد عن أبي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ) ع) { إِذَا اجْتَمَعَ لِلْإِمَامِ عِدَّةُ أَهْلِ بَدْرٍ ثَلاثُمِائَةٍ وَ ثَلاثَةَ عَشَرَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ وَ التَّغْيِير } مستدركالوسائل 28- 78 هنا وضح الامام الشرط للظهور وهو العدد المطلوب الــــــــــــــــــــــــــــ{ 313 } ومن المعلوم ان الامام لم يظهر الى الان فيكون عدم وجود ثلة مؤمنة من بين ملايين الشيعة هو السبب لعدم ظهوره عليه السلام
والنتيجة ان سبب غياب الامام معلوم كما بينه الامام الباقر عليه السلام
ثانياً : - قال الإمام الصادق عليه السلام { إذا غضب الله تبارك وتعالى على خلقه نحانا من جوارهم } أصول الكافي ج1 ص343
ثالثاً : - علي بن مهزيار شكى للإمام غيبته عنهم فقال { سيدي لقد بعد الوطن وطال المطلب فقال عليه السلام { يا أبن مهزيار أبي أبو محمد عهد إلي أن لا أجاور قوما غضب الله عليهم ولعنهم ولهم الخزي في الدنيا والآخرة ولهم عذاب اليم وأمرني أن لا اسكن من الجبال إلا وعرها ومن البلاد إلا عفرها والله مولاكم اظهر التقية فوكلها بي فانا في التقية إلى يوم يؤذن لي فاخرج }
رابعاً :- جاء عن سدير الصيرفي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: { إن في صاحب هذا الأمر شبها من يوسف عليه السلام، قال قلت له: كأنك تذكره حياته أو غيبته؟ قال: فقال لي: وما تنكر من ذلك، هذه الأمة أشباه الخنازير، إن إخوة يوسف عليه السلام كانوا أسباطا أولاد الأنبياء تاجروا يوسف، وبايعوه وخاطبوه، وهم إخوته، وهو أخوهم فلم يعرفوه حتى قال: أنا يوسف وهذا أخي، فما تنكر هذه الأمة الملعونة أن يفعل الله عز وجل بحجته في وقت من الأوقات كما فعل بيوسف }
خامساً :- جاء عنه انه قَالَ { قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) لا بُدَّ لِلْغُلامِ مِنْ غَيْبَةٍ فَقِيلَ لَهُ وَ لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ يَخَافُ الْقَتْل } معجم أحاديث الإمام المهدي ج ص 263
اكتفي بهذ القدر من الروايات الشريفة والتي كشف من خلالهن الائمة عليهم السلام عن سبب غيبة الامام المهدي عليه السلام بكل وضوح ولا توجد رواية تؤجل معرفة سبب الغيبة الى بعد القيام الا هذه الرواية محل البحث , بل الفقهاء ايضاً ذهبوا الى قول ان سبب غيبة الامام بسبب اعراض الناس وكثرة ذنوبهم منهم الشيخ بهجت والسيد محمد صادق الصدر صاحب موسوعة الامام المهدي فقد جاء عنه انه قال { غيبة الإمام ( عليه السلام) فانها تمثل غضب الله سبحانه على اعداء الله سبحانه وتعالى، فغيب عنهم وليه مع العلم الاكيد والذي صرح به العلماء السابقون انه لا يمكن ان يكون غائبا عن المستحقين لرؤيته وانه (سلام الله عليه) إنما تحجبه الذنوب والعيوب والمظالم الموجودة لدى الافراد والجماعات. فاي فرد تصورناه انه ليس له ذنوب وعيوب وهو مبرأ أمام الله سبحـانه وتعالى منها فإنه سيرى المهدي ويتعرف عليـه.
وبتعبير آخر ان المتشرعة يشعرون انه إنما غاب (سلام الله عليه) من اجل خوف القتل، فإن كان ذلك صحيحاً تماماً فلماذا لا يظهر أحياناً لمن لا يخاف منه الاعتداء وهم كثيرون والحمد لله من الشيعة والموالين.
وجواب ذلك نفس الجواب وهو انهم غير مستحقين لرؤية الإمام ولا مبرؤون من الذنوب والعيوب إلى الدرجة التي يبلغون بها درجة الاستحقاق. اذن فلنعرف ميزاننا وموقعنا أمام الله سبحانه وتعالى سواءً في الحوزة أو في خارجها وسواءً في العراق أو في خارجه وسواءً بين الموالين أو خارجهم. لأن كل اجيالنا تخفى عليها كثير من الامور الإلهية المهمة والتي اوضحها التعرف على قبر الزهراء والتعرف على شخص الإمام الحجة. مع العلم انه لا يحتمل ان يحجب ذلك عن المستحقين له، وليس ذلك من العدل الإلهي ان البلاء الذي نزل على ال يعقوب أو اسرته إنما كان لبعض التقصيرات حسب رواية موجودة وهو انهم كانوا ياكلون شاة مشوية في بعض الامسيات فجاءهم فقير يطلب العطاء فلم يعطوه. وفي الحكمة: إذا صدق السائل هلك المسؤول. وقد كان هذا السائل في علم الله مستحقاً حقيقة فمنعوه فكان ذلك إيذانا ببدء البلاء.
محل الشاهد فيها ان يعقوب (عليه السلام) بكى حتى ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم بنص القرآن الكريم، ولكنه قد رجع بصره عندما القي قميص يوسف على وجهه. ولم يكن بكاؤه بكاء العاطفة على ابنه بل اسفا لحصول ذلك التقصير وبيانا للتوبة منه وكان يقول أيضاً بنص القرآن (واعلم من الله ما لا تعلمون) وفسره بعض أهل المعرفة اني اعلم بانه عند زوال الغضب يزول البلاء. وكان يعقوب ( سلام الله عليه) ينتظر زوال الغضب وتوبة الله عليهم. فحينما القي عليه قميص يوسف كان هذا إيذانا بزوال الغضب وانه يمكن التعرف على يوسف وحصول الرضا، ولذا كف عن البكاء ورجع بصره } الجمعة الرابعة والعشرون – الخطبة الاولى - بتاريخ 3 جمادي الثاني 1419 هـ
و يقول الشيخ بهجت : { نحن السبب في غيبة إمام العصر والزمان ! والا من سيقتله ان ظهر ؟ هل سيقتله الجن ؟ ام ان قاتله الإنسان ؟ فهذا الإنسان قد يعيش في هالة من الجهل والانحطاط بحيث لا يتورع عن أرتكاب أعظم الجرائم بما في ذلك ارتكاب الجريمة بحق من يدر عليه منفعته ومصلحته } المهدي الموعود على لسان الشيخ بهجت – تاليف السيد مهدي شمس الدين – ص27
وقول الفقهاء ان سبب الغيبة اعراضهم والناس عن الامام عليه السلام ليس من فراغ بل معرفتهم ان اغلب الروايات تصرح بهذا الامر
واما هذه الرواية التي تقول ان السبب غير معروف ولا ينكشف الا عند ظهوره عليه السلام فهي تعارض كل الروايات التي مرت اعلاه ,
وقبل البت في امر هذه الرواية هناك عدة ملاحضات مهمة يجب الاشارة اليها ولو اجمالاً في المحور الثالث ادناه
{ المحور الثالث :- الملاحظات على الرواية والقرائن التي تؤيد ان السبب هو اعراض الناس }
الملاحضة الاولى :- قوله (ع) { إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ غَيْبَةً لَا بُدَّ مِنْهَا يَرْتَابُ فِيهَا كُلُّ مُبْطِلٍ }
في هذا الشق من الرواية علل الامام ولو جزئياً السبب من الغيبة بقوله { لَا بُدَّ مِنْهَا يَرْتَابُ فِيهَا كُلُّ مُبْطِلٍ } اذ لابدية وقوع الغيبة يتمخض عنها اول النتائج الا وهي ارتياب كل مبطل فهذا الوجه من الغيبة قد انكشف من قبل الامام الكاظم عليه السلام برواية اخرى علل فيها سبب غيبة الامام بكل وضوح بقوله { إِذَا فُقِدَ الْخَامِسُ مِنْ وُلْدِ السَّابِعِ مِنَ الْأَئِمَّةِ فَاللَّهَ اللَّهَ فِي أَدْيَانِكُمْ لَا يُزِيلَنَّكُمْ عَنْهَا أَحَدٌ يَا بُنَيَّ إِنَّهُ لَا بُدَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ مِنْ غَيْبَةٍ حَتَّى يَرْجِعَ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ مَنْ كَانَ يَقُولُ بِهِ إِنَّمَا هِيَ مِحْنَةٌ مِنَ اللَّهِ امْتَحَنَ اللَّهُ بِهَا خَلْقَهُ } ففي هذه الرواية يقول الامام ان الغيبة امراً لابد منه لكشف سرائر الشيعة وامتحانهم قبل قيام الامام وتمكينه في الارض كما حصل هذا الامر مع نبي الله نوح عليه السلام فلولا الامتحان لما انكشف امر المنافقون الملتفون حول النبي نوح (ع) والذين يخاف على الثورة منهم بعد التمكين لنبي الله نوح (ع ) والمؤمنون معه فكذلك القائم اذ لولا الغيبة وطولها لما ارتد المتشيعة عن امر اهل البيت قبل تمكنه في الارض وهو قول الامام الصادق عليه السلام { تأملت فيه مولد قائمنا و غيبته و إبطاءه و طول عمره و بلوى المؤمنين به من بعده في ذلك الزمان و تولد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته و ارتداد أكثرهم عن دينهم و خلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم التي قال الله تقدس ذكره { وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ } يعني الولاية } فبعد الغيبة التي فرضها الله على المتشيعة كانت النتيجة كشف خبث سرائرهم ونواياهم التي اشبعت نفاق , فلا يبقى الا الاندر الاندر من الشيعة الحقيقيين وهو قول الامام الباقر عليه السلام { لتُمحصنّ يا شيعة آل محمد تمحيص الكحل في العين، وإن صاحب العين يدري متى يقع الكحل في عينه ولا يعلم متى يخرج منها، وكذلك يصبح الرجل على شريعة من أمرنا، ويمسي وقد خرج منها، ويمسي على شريعة من أمرنا، ويصبح وقد خرج منها } (غيبة النعماني214)
فبعد ان يسقط غالبية المتشيعة في الاختبار والامتحان ويبقى القلة القليلة ويأذن الله عز وجل بتمكين القائم واصحابة القلة وهي سنة جرت على نبي الله نوح عليه السلام وهو قول الامام الصادق عليه السلام { إن الله تبارك و تعالى أدار في القائم منا ثلاثة أدارها في ثلاثة من الرسل قدر مولده تقدير مولد موسى ع و قدر غيبته تقدير غيبة عيسى ع و قدر إبطاءه تقدير إبطاء نوح ع { الى قوله } و أما إبطاء نوح ع فإنه لما استنزل العقوبة على قومه من السماء بعث الله عز و جل جبرئيل الروح الأمين بسبعة نويات فقال يا نبي الله إن الله تبارك و تعالى يقول لك إن هؤلاء خلائقي و عبادي و لست أبيدهم بصاعقة من صواعقي إلا بعد تأكيد الدعوة و إلزام الحجة فعاود اجتهادك في الدعوة لقومك فإني مثيبك عليه و أغرس هذا النوى فإن لك في نباتها و بلوغها و إدراكها إذا أثمرت الفرج و الخلاص فبشر بذلك من تبعك من المؤمنين فلما نبتت الأشجار و تآزرت و تسوقت و تغصنت و أثمرت و زهى الثمر عليها بعد زمن طويل استنجز من الله سبحانه و تعالى العدة فأمره الله تبارك و تعالى أن يغرس من نوى تلك الأشجار و يعاود الصبر و الاجتهاد و يؤكد الحجة على قومه فأخبر بذلك الطوائف التي آمنت به فارتد منهم ثلاث مائة رجل و قالوا لو كان ما يدعيه نوح حقا لما وقع في وعد ربه خلف ثم إن الله تبارك و تعالى لم يزل يأمره عند كل مرة أن يغرسها تارة بعد أخرى إلى أن غرسها سبع مرات فما زالت تلك الطوائف من المؤمنين ترتد منهم طائفة إلى أن عاد إلى نيف و سبعين رجلا فأوحى الله عز و جل عند ذلك إليه و قال يا نوح الآن أسفر الصبح عن الليل لعينك حين صرح الحق عن محضه و صفا الأمر للإيمان من الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة فلو أني أهلكت الكفار و أبقيت من قد ارتد من الطوائف التي كانت آمنت بك لما كنت صدقت وعدي السابق للمؤمنين الذين أخلصوا التوحيد من قومك و اعتصموا بحبل نبوتك بأن أستخلفهم في الأرض و أمكن لهم دينهم و أبدل خوفهم بالأمن لكي تخلص العبادة لي بذهاب الشك من قلوبهم و كيف يكون الاستخلاف و التمكين و بدل الخوف بالأمن مني لهم مع ما كنت أعلم من ضعف يقين الذين ارتدوا و خبث طينتهم و سوء سرائرهم التي كانت نتائج النفاق و سنوح الضلالة فلو أنهم تسنموا مني من الملك الذي أوتي المؤمنين وقت الاستخلاف إذا أهلكت أعداءهم لنشقوا روائح صفاته و لاستحكمت سرائر نفاقهم و تأبد حبال ضلالة قلوبهم و كاشفوا إخوانهم بالعداوة و حاربوهم على طلب الرئاسة و التفرد بالأمر و النهي و كيف يكون التمكين في الدين و انتشار الأمر في المؤمنين مع إثارة الفتن و إيقاع الحروب كلا { وَ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَ وَحْيِنا } قال الصادق ع و كذلك القائم ع تمتد أيام غيبته ليصرح الحق عن محضه و يصفو الإيمان من الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة من الشيعة الذين يخشى عليهم النفاق إذا أحسوا بالاستخلاف و التمكين و الأمن المنتشر في عهد القائم ع } والنتيجة ان احد شروط قيام الامام وتمكينه بالارض هو الامتحان الذي يفرق الله فيه بين المؤمنين والمنافقين ولولا هذا الامتحان لكان وجود المنافقين خطر على الثورة العالمية التي سيقودها الامام المهدي عليه السلام وانصاره فبعد الامتحان يزول خطر المتشيعة المنافقين على الامام وثورته لعدم صبرهم وقسوة قلوبهم وخبث سرائرهم وقضية النبي نوح (ع) فيها من الشرح ما يغنينا عن التفصيل ولله الحمد فتكون هذه القرينة في هذه الرواية محل البحث تؤيد ان سبب الغيبة اعراض الناس عن الامام المهدي عليه السلام
الملاحضة الثانية :- قوله { قُلْتُ فَمَا وَجْهُ الْحِكْمَةِ فِي غَيْبَتِهِ فَقَالَ وَجْهُ الْحِكْمَةِ فِي غَيْبَتِهِ وَجْهُ الْحِكْمَةِ فِي غَيْبَاتِ مَنْ تَقَدَّمَهُ مِنْ حُجَجِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ }
في هذا الشق المبارك من الرواية شابه الامام الصادق عليه السلام بين وجه الحكمة في غياب الانبياء ووجه الحكمة في غيبة الامام المهدي عليه السلام واذا اردنا ان نعرف وجه الحكمة والسبب لغيبة الانبياء فالطريق الوحيد لمعرفة ذلك هم محمد واله عليهم السلام فقد عرفوا عليهم السلام سبب غيبة الانبياء بشكل عام على لسان امير المؤمنين عليه السلام فقد جاء عنه عليه السلام انه قال عَلى منبر الكوفة { واعلموا إن الأرض لا تخلو من حجة للّه و لكن اللّه سيعمى خلقه منها بظلمهم و جورهم و إسرافهم على أنفسهم } بحار الأنوار، ج 51ص 112و 113ح 8 )) في هذه الرواية بين الامام علي (ع) القاعدة العامة لسبب غياب الحجج الا وهي ( الاستحقاق ) فاذا اتصف الناس بالاسراف والجور والعصيان لله استحق هؤلاء الناس ان يحجب عنهم الهادي والعالم والسبب المتصل بينهم وبين ربهم اما اذا اتصفوا بالعدل والانصاف والطاعة الحقة لله فألاستحقاق عندئذ ظهور الحجة علناً لهم
وجاء في رواية اخرى عن الإمام الصادق عليه السلام توضح سبب غياب الحجج عن الخلق فقد جاء أحمد بن الحسن القطان قال حدثنا الحسن بن علي السكري قال حدثنا محمد بن زكريا البصري قال حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه قال قلت للصادق جعفر بن محمد (ع) أخبرني بوفاة موسى بن عمران ع إنه لما أتاه أجله و استوفى مدته و انقطع أكله أتاه ملك الموت ع فقال له السلام عليك يا كليم الله فقال موسى و عليك السلام من أنت فقال أنا ملك الموت قال ما الذي جاء بك قال جئت لأقبض روحك فقال له موسى ع من أين تقبض روحي قال من فمك قال موسى ع كيف و قد كلمت به ربي جل جلاله قال فمن يديك قال كيف و قد حملت بهما التوراة قال فمن رجليك قال كيف و قد وطئت بهما طور سيناء قال فمن عينك قال كيف و لم تزل إلى ربي بالرجاء ممدودة قال فمن أذنيك قال كيف و قد سمعت بهما كلام ربي عز و جل قال فأوحى الله تبارك و تعالى إلى ملك الموت لا تقبض روحه حتى يكون هو الذي يريد ذلك و خرج ملك الموت فمكث موسى ع ما شاء الله أن يمكث بعد ذلك و دعا يوشع بن نون فأوصى إليه و أمره بكتمان أمره و بأن يوصي بعده إلى من يقوم بالأمر و غاب موسى ع عن قومه فمر في غيبته برجل و هو يحفر قبرا فقال له أ لا أعينك على حفر هذا القبر فقال له الرجل بلى فأعانه حتى حفر القبر و سوى اللحد ثم اضطجع فيه موسى ع لينظر كيف هو فكشف الله له الغطاء فرأى مكانه في الجنة فقال يا رب اقبضني إليك فقبض ملك الموت روحه مكانه و دفنه في القبر و سوى عليه التراب و كان الذي يحفر القبر ملك الموت في صورة آدمي و كان ذلك في التيه فصاح صائح من السماء مات موسى كليم الله و أي نفس لا تموت فحدثني أبي عن جدي عن أبيه ع أن رسول الله ص سئل عن قبر موسى أين هو فقال هو عند الطريق الأعظم عند الكثيب الأحمر ثم إن يوشع بن نون ع قام بالأمر بعد موسى ع صابرا من الطواغيت على اللأواء و الضراء و الجهد و البلاء حتى مضى منهم ثلاث طواغيت فقوي بعدهم أمره فخرج عليه رجلان من منافقي قوم موسى ع بصفراء بنت شعيب امرأة موسى ع في مائة ألف رجل فقاتلوا يوشع بن نون ع فقتلهم و قتل منهم مقتلة عظيمة و هزم الباقين بإذن الله تعالى ذكره و أسر صفراء بنت شعيب و قال لها قد عفوت عنك في الدنيا إلى أن ألقى نبي الله موسى ع فأشكو إليه ما لقيت منك و من قومك فقالت صفراء وا ويلاه و الله لو أبيحت لي الجنة لاستحييت أن أرى فيها رسول الله و قد هتكت حجابه و خرجت على وصيه بعده فاستتر الأئمة بعد يوشع بن نون إلى زمان داود ع أربعمائة سنة و كانوا أحد عشر و كان قوم كل واحد منهم يختلفون إليه في وقته و يأخذون عنه معالم دينهم حتى انتهى الأمر إلى آخرهم فغاب عنهم ثم ظهر لهم فبشرهم بداود ع و أخبرهم أن داود ع هو الذي يطهر الأرض من جالوت و جنوده و يكون فرجهم في ظهوره فكانوا ينتظرونه فلما كان زمان داود ع كان له أربعة أخوة و لهم أب شيخ كبير و كان داود ع من بينهم حامل الذكر و كان أصغر إخوته لا يعلمون أنه داود النبي المنتظر الذي يطهر الأرض من جالوت و جنوده و كانت الشيعة يعلمون أنه قد ولد و بلغ أشده و كانوا يرونه و يشاهدونه و لا يعلمون أنه هو فخرج داود ع و إخوته و أبوهم لما فصل طالوت بالجنود و تخلف عنهم داود و قال ما يصنع بي في هذا الوجه فاستهان به إخوته و أبوه و أقام في غنم أبيه يرعاها فاشتد الحرب و أصاب الناس جهد فرجع أبوه و قال لداود احمل إلى إخوتك طعاما يتقوون به على العدو و كان ع رجلا قصيرا قليل الشعر طاهر القلب أخلاقه نقية فخرج و القوم متقاربون بعضهم من بعض قد رجع كل واحد منهم إلى مركزه فمر داود ع على حجر فقال الحجر له بنداء رفيع يا داود خذني فاقتل بي جالوت فإني إنما خلقت لقتله فأخذه و وضعه في مخلاته التي كانت تكون فيها حجارته التي كان يرمي بها غنمه فلما دخل العسكر سمعهم يعظمون أمر جالوت فقال لهم ما تعظمون من أمره فو الله لئن عاينته لأقتلنه فتحدثوا بخبره حتى أدخل على طالوت فقال له يا فتى ما عندك من القوة و ما جربت من نفسك قال قد كان الأسد يعدو على الشاة من غنمي فأدركه فآخذ برأسه و أفك لحييه عنها فآخذها من فيه و كان الله تبارك و تعالى أوحى الله إلى طالوت أنه لا يقتل جالوت إلا من لبس درعك فملأها فدعا بدرعه فلبسها داود ع فاستوت عليه فراع ذلك طالوت و من حضره من بني إسرائيل فقال عسى الله أن يقتل به جالوت فلما أصبحوا و التقى الناس قال داود ع أروني جالوت فلما رآه أخذ الحجر فرماه به فصك به بين عينيه فدمغه و تنكس عن دابته
يتبع
تعليق