اعلم ياخي ان الانسان اذا سلك في مذهب نفسه ... وتصرف في احوالها . مثل ما سلك به في خلق جسده وصورة بدنه . فانه سيبلغ اقصى نهاية الانسانيه .. مما يلي رتبة الملائكه او اعلى من الملائكه ... ويقرب من باريه (عز وجل ) .. ويجازى باحسن الجزاء . مما يقصر الوصف عنه كما وصف الله عز وجل فقال .(فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة عين جزاء بما كانوا يعملون )...
واما ما سلك به في خلقه فهو انه ابتدىء من نطفه من ماء مهين . ثم كان علقه جامده في قرار مكين .. ثم كان مضغه . ثم كان جنينا مصورا تاما .. ثم كان طفلا متحركا حساسا .. ثم صبيا ذكيا فهما .. ثم كان شابا متصرفا قويا نشيطا .. ثم كان كهلا مجربا عالما عارفا .. ثم شيخا حكيما فيلسوفا ربانيا .. ثم بعد الموت تكون نفسه ملكا سماويا روحانيا ابدي الوجود ملتذا مسرورا فرحا باقيا سرمدا ابدا ..
واعلم بانك لم تنقل رتبه من هذه المراتب الا وقد خلع عنك اعراض واوصاف ناقصه .. والبست ما اجود منها واشرف ... فهكذا ينبغي ان لا ترتقي في درجه العلوم والمعارف . الا وتخلع عن نفسك اخلاقا وعادات وآراء ومذاهب واعمالآ ... مما كنت معتادآ عليها منذ الصبى من غير بصيره .. ولا رويه .. حتى يمكنك ان تفارق الصوره الانسانيه . وتلبس الصوره الملكيه .. ويمكنك الصعود الى ملكوت السموات وسعة عالم الافلاك وتجازي هناك باحسن الجزاء واوفر الثواب .. وتعيش بالذ عيش مع ابناء جنسك الذين سبقوك اليها من الحكماء والاخيار المؤمنين الابرار . مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين . وحسن اولئك رفيقا ... والحمد لله رب العالمين..