بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وأل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وأل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ماذا سيعني لنا أننا مجرد عقول جزئية في عقل واحد كلي؟
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وأل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ماذا سيعني هذا القول لنا؟
ماذا سيعني لنا أننا مجرد عقول جزئية في عقل واحد كلي؟
في هذه المشاركة سأحاول إن شاء الله استكشاف وتقصي المخطط الأساسي للوجود بناء على رواية الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله عن ماهية العقل، وكذلك على رواية النفوس وأجزائها المروية عن أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه وآله، وكذلك على رواية جنود العقل وجنود الجهل، وربما أيضا من خلال بعض الروايات الأخرى ذات الصلة
البحث يدور في أصله وجلّه حول فهم علاقة الجزء بالكل أي الجزء بـ "الواحد" أو بـ "كل شيء" أو بـ "نور السماوات والأرض" أو بـ "العقل الكل" أو أو أو
وبعبارة أخرى البحث سيدور حول مدار فهم العلاقة بين مخلوق ومخلوق، أو بين مخلوق جزئي ومخلوق كلي، أو بين مخلوق جزئي ضعيف معلول وبين نور مخلوق وعبد مرزوق كلّي وهو معلول أيضا ولكنه علة للجزئي
وهنا سأبدء أولا يإدراج رواية العقل ورواية عدد النفوس وأجزائها
روي المجلسيّ عن «علل الشرايع» باسناد العلوي عن أميرالمؤمنين عليه السلام: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّي اللَهُ عليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ مِمَّا خَلَقَ اللَهُ عَزَّ وَجَلَّ الْعَقْلَ؟
قَالَ: خَلَقَهُ مَلَكٌ لَهُ رُؤوسٌ بِعَدَدِ الْخَلاَئِقِ، مَنْ خُلِقَ وَمَنْ يُخْلَقُ إلي يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلِكُلِّ رَأْسٍ وَجْهٌ، وِ لِكُلِّ آدَمِيٍّ رَأْسٌ مِنْ رُؤوسِ الْعَقْلِ. وَاسْمُ ذَلِكَ الإنسان علي وَجْهِ ذَلِكَ الْرَأْسِ مَكْتُوبٌ. وَعلي كُلِّ وَجْهٍ سِتْرٌ مُلْقيً لاَ يُكْشَفُ ذَلِكَ السِّتْرُ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ حَتَّي يُولَدُ هَذَا الْمَوْلُودُ وَيَبْلُغُ حَدَّ الرِّجَالِ أَوْ حَدَّ النِّسَاءِ؛ فَإذَا بَلَغَ، كُشِفَ ذَلِكَ السِّتْرُ، فَيَقَعُ فِي قَلْبِ هَذَا الإنسان نُورٌ فَيَفْهَمُ الْفَرِيضَةَ وَالسُّنَّةَ وَالْجَيِّدَ وَالرَّدِيَّ. أَلاَ وَمَثَلُ الْعَقْلِ فِي الْقَلْبِ كَمَثَلِ السِّرَاجِ فِي وَسَطِ الْبَيْتِ.
روي أن اعرابي سأل أمير المؤمنين عليه السلام عن النفس فَقَالَ عليهِ السَّلاَمُ: أَيَّ الاْنْفُسِ تَسْأَلُ؟
فَقَالَ: يَا مَوْلاَيَ هَلِ الاْنْفُسُ عَدِيدَةٌ؟
فَقَالَ عليهِ السَّلاَمُ: نَفْسٌ نَامِيَةٌ نَبَاتِيَّةٌ، وَحِسِّيَّةٌ حَيْوَانِيَّةٌ، وَنَاطِقَةٌ قُدْسِيَّةٌ، وَإِلهِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ مَلَكُوتِيَّةٌ
ثمّ إنّ الاعرابيّ سأل عن كلّ من الانفس النامية النباتيّة، الحسيّة الحيوانيّة، والناطقة القدسيّة، كان عليه السلام يجيبه، حتّي إذا ما سأله عن الإلهيّة الكلّيّة الملكوتيّة أجابه عليه السلام بهذه الكيفيّة:
فَقَالَ: مَا النَّفْسُ الإلهِيَّةُ الْمَلَكُوتِيَّةُ الْكُلِّيَّةُ؟
فَقَالَ عليهِ السَّلاَمُ: قُوَّةٌ لاَهُوتِيَّةٌ، وَجُوْهَرَةٌ بَسِيطَةٌ حَيَّةٌ بِالذَّاتِ، أَصْلُهَا الْعَقْلُ، مِنْهُ بَدَتْ، وَعَنْهُ دَعَتْ، وَإِلَيْةِ دَلَّتْ؛ وَعَوْدَهَا إلَيْهِ إِذَا أَكْمَلَتْ وَشَابَهَتْ، وَمِنْهَا بَدَتِ الْمَوْجُودَاتُ، وَإِلَيْهَا تَعُودُ بِالْكَمَالِ. وَهِيَ ذَاتُ الْعليا، وَشَجَرَةُ طُوبَي، وَسِدْرَةُ الْمُنْتَهَي، وَجَنَّةُ الْمَأْوَي؛ مَنْ عَرَفَهَا لَمْ يَشْقَ أَبَدَاً، وَمَنْ جَهِلَهَا ضَلَّ وَغَوَي.
فَقَالَ السَّائِلُ: مَا الْعَقْلُ؟
قَالَ عليهِ السَّلاَمُ: جَوْهَرٌ دَرَّاكٌ، مُحِيطٌ بِالاْشْيَاءِ عَنْ جَمِيعِ جِهَاتِهَا، عَارِفٌ بِالشَّيْءِ قَبْلَ كَوْنِهِ؛ فَهُوَ عِلَّةٌ لِلْمَوْجُودَاتِ، وَنَهَايَةُ الْمَطَالِبِ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
إذا نظرنا للإنسان، إلى أي إنسان وإلى كل إنسان أيضا من خلال هذه الروايات الشريفة على أنه عقل جزئي يرتبط بوجوده بشكل تام بذلك العقل الكلي، فيمكننا أن نصف دقائق وجوده بصفات محدودة وبهيئة دقيقة ستتيح لنا فهم تخطيط وجود كل إنسان ظهر أو سيظهر على وجه البسيطة حتى يوم القيامة وسنبدء إن شاء الله في محاولة سبر أغوار حقيقة الوجود الإنساني وعلاقته بخالقه وكيفية ارتباطه به وبغيره من المخلوقات أيضا
وإذا أردنا أن ننطق بلسان أحد تلك الرؤوس المصفوفة على جسد هذا الملك الكلي ((والذي سنشير له إبتداءا من الآن بإسمي "كل شيء" و "الواحد")) مستعينين لذلك بالتمعن والتفكر بالروايتين السابقتين في محاولة معرفة حقيقة وجودنا وثوابته فسنقول:
1- أنا موجود في "كل شيء" أو في "الواحد"
من خلال وجودي بالواحد أنا موجود منذ الأبد وسأبقى موجود إلى الأزل
2- الجميع هم الواحد، والواحد هو الجميع
3- ما أضعه كعقل جزئي في وجودي هو ما سأحصل عليه
4- كل شيء في هذا الوجود متغير ومتحول ما عدى هذه الثوابت الثلاثة،
والإعتقاد بهذه الثوابت الأربعة سيستتبع الإعتقاد بأشياء أخرى مثل:
1- أنا موجود في "كل شيء" أو في الواحد
أ- إذا كنت موجود الأن فأنا موجود منذا الأزل
ب- من خلال وجودي بالواحد أنا موجود منذ الأزل وسأبقى موجود به إلى الأبد
ت- إن نوع وطبيعة وشكل وجودي قابل للتغيير والتبدل ولكن أصل وجودي ثابت وغير قابل للعدم، وسأبقى موجودا دائما وأبدا ما دام "الواحد" باقي وموجود
2- الجميع هم الواحد، والواحد هو الجميع، وهذا سيعني أن:
أ- الجميع متصلون ببعضهم البعض ولا يوجد أي إنفصال بينهم فالكل هو الواحد والواحد هو الكل، وليس البشر فقط هم المتصلون ببعضهم البعض، بل كل المخلوقات متصلة ببعضها البعض، الحجر والمدر، والسماوات والبحار، والنجوم والأشجار، فالكل متصل ببعضه البعض من خلال اتصالهم جميعهم بالواحد
3- ما أضعه كعقل جزئي في وجودي هو ما سأحصل عليه، وهذا يعني أن:
أ- العالم المادي هو مجرد تشكّل مرأتي أو انعكاس مرآتي لما أؤمن به بشدة بأنه حقيقة
ب- وكما أن صورتي في المرآة لن تتغير ما لم أغيّر وبإرادتي الشخصية من شكلي خارج المرآة، فعالمي وواقعي الذي أعيشه كذلك لن تتغير صورته وأحداثه ما لم أغير أنا بنفسي ما أؤمن به وما أعتقد به، فلا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
4- كل شيء في هذا الوجود متغير ومتحول ما عدى هذه الثوابت الثلاثة
أ- بما أنني سأبقى حي لمدة طويلة طويلة طويلة وأتغير بها من حال الى حال الى حال فيجب أن أحاول قدر إمكاني أن أتمتع برحلة الحياة هذه، واختار لنفسي بها أجمل الأحوال لأتشكل بها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كل عقل جزئي في هذا العقل الكلي هو عبارة عن:
1- كيان منفصل وواعي بنفسه
2- وكل عقل جزئي أو كل كيان منفصل وواعي بنفسه فيه هو يعيش في عالم ذاتي خاص به وهو عبارة عن انعكاس مرآتي ذاتي ينعكس منه له، ويعبر تماما عن معتقداته الشخصية التي يؤمن بها
3- كل كيان، أو كل عقل جزئي من الواحد هو عبارة عن كيان حر الإرادة بشكل كامل وتام
4- كل عقل جزئي هو قادر على أن يكون بالقوة التي يريد أن يكون عليها، وهو قادر على أن يشكّل لنفسه بنفسه من نفسه وبقوته الذاتية التي يستمدها من العقل الكلي ذلك الواقع الذي يؤمن به بشدة ويريده لنفسه، وبدون أن يؤذي غيره من العقول الجزئية للحصول عليه، أو حتى أن ينقص منها بعض ما تريده لنفسها فيأخذه منها لنفسه، أو حتى أن يؤذيها بأي شكل من الأشكال المتصورة، فكل كيان منها يشكّل لنفسه بنفسه من نفسه وبقوته الذاتية ما يريد ويشاء من الوقائع والصور
هذه الرواية الشريفة تريد أن تقول لنا أن كل هذا الوجود الذي نراه من حولنا والذي لا نراه كذلك هو مجرد وجود عقلي، وأنه وجود خواطري، وأنه وجود نوري غير مادي، تملاء الخواطر والأفكار المختلفة أرجائه وأركانه كلها، بل ان نفس ارجائه واركانه كلها هي مجرد خواطر، تماما كما عالم الأحلام، فعالم الأحلام حقيقة هو مجرد عالم خواطر وأفكار، وإذا دققنا في هذا الوصف سنجد أن أساس الخواطر والأفكار كلها هي جمل عديدة لو كانت مرتبة بشكل متناسق وجميل فسينتج منها فكر أو مشهد عقلي فكري متناسق وجميل أيضا
وبما أن الجمل مكونة من كلمات وأن الكلمات مكونة من الحروف والتي هي بداية درجة تكوين الأفكار والخواطر، فإن بناء نفس الأفكار أو الخواطر المتجسدة على صورة أشكال مادية مختلفة سواء كانت في الأحلام الشخصية الفردية أو في العالم العقلي الكبير الكليّ، فإنها جميعها تتكون أساسا وابتداءا من الحروف والكلمات والجمل، وهذا المعني سيتكفل بإيضاحه المقطع التالي من مناظرة الامام الرضا عليه السلام مع عمران الصابئي:
...... قال الرضا عليه السلام: إن الله المبدئ الواحد الكائن الأول لم يزل واحدا لا شئ معه، فردا لا ثاني معه، لا معلوما ولا مجهولا ولا محكما ولا متشابها ولا مذكورا ولا منسيا، ولا شيئا يقع عليه اسم شئ من الأشياء غيره، ولا من وقت كان ولا إلى وقت يكون، ولا بشئ قام ولا إلى شئ يقوم، ولا إلى شئ استند، ولا في شئ استكن. وذلك كله قبل الخلق إذ لا شئ غيره وما أوقعت عليه من الكل فهي صفات محدثة وترجمة يفهم بها من فهم. واعلم أن الابداع والمشية والإرادة معناها واحد وأسماؤها ثلاثة، وكان أول إبداعه وإرادته ومشيته الحروف التي جعلها أصلا لكل شئ ودليلا على كل مدرك وفاصلا لكل مشكل، وتلك الحروف تفريق كل شئ من اسم حق وباطل أو فعل أو مفعول أو معنى أو غير معنى، وعليها اجتمعت الأمور كلها، ولم يجعل للحروف في إبداعه لها معنى غير أنفسها يتناهى ولا وجود لأنها مبدعة بالابداع، والنور في هذا الموضع أول فعل الله الذي هو نور السماوات والأرض، والحروف هي المفعول بذلك الفعل، وهي الحروف التي عليها الكلام والعبارات كلها من الله عز وجل، علمها خلقه، وهي ثلاثة وثلاثون حرفا، فمنها ثمانية وعشرون حرفا تدل على اللغات العربية، ومن الثمانية والعشرين اثنان وعشرون حرفا تدل على اللغات السريانية والعبرانية، ومنها خمسة أحرف متحرفة في سائر اللغات من العجم لأقاليم اللغات كلها، وهي خمسة أحرف تحرفت من الثمانية والعشرين الحرف من اللغات فصارت الحروف ثلاثة وثلاثين حرفا، فأما الخمسة المختلفة فبحجج لا يجوز ذكرها أكثر مما ذكرناه، ثم جعل الحروف بعد إحصائها وإحكام عدتها فعلا منه كقوله عز وجل كن فيكون وكن منه صنع، وما يكون به المصنوع، فالخلق الأول من الله عز وجل الابداع لا وزن له ولا حركة ولا سمع ولا لون ولا حس، والخلق الثاني الحروف لا وزن لها ولا لون، وهي مسموعة موصوفة غير منظور إليها، ...... بقية الرواية
وهنا سأعيد هذا المقطع من هذه الرواية الشريفة لأسلط الضوء عليه بعد ذلك:
... والنور في هذا الموضع أول فعل الله الذي هو نور السماوات والأرض، والحروف هي المفعول بذلك الفعل .....
فهذا النور الأول هو نفسه نور السماوات والأرض وهو نفسه العقل الكلي الأول وهو نفسه الملك الذي له رؤوس بعدد الخلائق، وهو أول فعل الله، أما الحروف فهي أول مفعول فعله نور السماوات والأرض،
فالنور هو أول فعل الله،
وأول فعل النور هو أنه أبدع الحروف وهذا لا يعني أن النور غير الحروف ولكنه كما قالت نفس الرواية الشريفة ((واعلم أن الابداع والمشية والإرادة معناها واحد وأسماؤها ثلاثة))
فالمعنى واحد والأسماء ثلاثة، فتماما كما أن الإنسان يتكون من ثلاثة أسماء أو ثلاثة أجزاء وهي الروح والنفس والبدن وهي بمجموعها تشير لمعنى واحد وهو الإنسان، فكذلك الإبداع والمشيئة والإرادة، فهي ثلاثة أسماء أو ثلاثة أجزاء تشير لمعنى واحد وهو نور السماوات والأرض، و العقل الكلّيّ، أو "كلّ شيء"، أو أو أو
وإذا انتبهنا أن هذا العقل الكلّي هو الذي يربي جميع العقول الجزئية المتقومة به فعلا وكينونة فيمكننا أن نقول أن هذا العقل الكلي هو رب جميع العقول الجزئية القائمة به، فهو رب ما كان وما يكون منها الى قيام الساعة،
والذي خلقه، أي الذي أوجد "نور السماوات والأرض" لا من شيء هو ربه ورب كل العقول الجزئية القائمة به، فهو رب "كل شيء"، "فكل شيء" أو "نور السماوات والأرض" هو نور مخلوق وعبد مرزوق مربوب وأكثر المحتاجين لرب يرعاه ويربيه
بعد أن عرفنا أن هذا العقل الكلي هو رب جميع العقول الجزئية أي أنه ربنا يجب علينا الآن أن نحاول فهمه لأننا حينها سنفهم تكويننا وطريقة عملنا، فمن عرف نفسه عرف ربه، وأعرفكم بنفسه أعرفكم بربه، والروايات التي تتكلم بهذا المضمون وتحث على معرفة النفس كثيرة جدا لأننا بمعرفتها سنعرف ربنا، وهنا لن نبحث في معرفة أنفسنا لنعرف ربنا بل بالعكس، فمن حيث أننا حددنا من هو ربنا فسنبحث عن الروايات التي تصفه فنعرف حينها أنفسنا، أي اننا لن ننطلق من الأدنى لمعرفة وفهم الأعلى، وذلك لقلة الروايات التي تصفها، بل سننطلق من فهم النفس العليا أو العقل الكلي لنفهم أنفسنا، وذلك لكثرة الآيات والروايات التي بين أيدينا والتي تتكلم عن العقل الكلي والنفس العليا وتشعب تفاصيل تلك الروايات التي تصفها من كل الجهات
وهذه الرواية التالية هي واحدة من تلك الروايات القليلة التي جمعت بين وصف العقل الكل والعقول الجزئية أي جمعت بين وصف نفس رب العالمين ووصف نفوس العالمين، أي جمعت بين وصف نفس العقل الكلي الملك الذي له رؤوس بعدد الخلائق ووصف نفوس الخلائق
عن كميل بن زياد قال سالت !اميرالمؤمنين على ع
فقلت يا اميرالمؤمنين اريدك ان تعرفني بنفسي .قال:
واي الانفس تريد ان اعرفك؟ فقلت هل هي الا نفس واحده؟ فقال ياكميل انما هي اربعه الناميه النباتيه والحسيه الحيوانيه والناطقه القدسيه والكليه الالهيه
ولكل واحده من هذه خمس قوى وخاصيتان فالناميه النباتيه لها خمس قوى ماسكه وجاذبه وهاضمه ودافعه ومربيه ولها خاصيتان الزياده والنقصان وابعاثها من الكبد والحسيه الحيوانيه لها خمس قوى سمع وبصر وشم وذوق ولمس ولها خاصيتان الشهوه والغضب وانبعاثها من القلب والناطقه القدسيه لها خمس قوى فكر وذكر وعلم وحلم ونباهه وليس لها انبعاث وهي اشبه الاشياء بالنفوس الملكيه ولها خاصيتان النزاهه والحكمه والكليه الالهيه لها خمس قوى بقاء في فناء ونعيم في شقاء وعز في ذل وفقر في غناء وصبر في بلاء ولها خاصيتان الرضا والتسليم وهذه التي مبدؤها من الله واليه تعود وقال الله تعالى ونفخت فيه من روحي وقال تعالى يا ايتها النفس المطمئنه ارجعي الى ربك راضية مرضيه والعقل وسط كل شيء
وهنا سأقتبس مرة أخرى عبارة من هذه الرواية الشريف لكي أسلط الضوء عليها
((والناطقه القدسيه لها خمس قوى فكر وذكر وعلم وحلم ونباهه وليس لها انبعاث وهي اشبه الاشياء بالنفوس الملكيه))
إن الأسماء الثلاثة، أو الأجزاء الثلاثة، أو النفوس الثلاثة المكونة لكل إنسان أو لكل عقل جزئي هي النفس الناميه النباتيه، والحسيه الحيوانيه، والناطقه القدسيه، أمّا النفس الكلّية الإلهية الرابعة فهي نعم تدخل في تكوين كل إنسان ولكنها ليست حكرا على إنسان دون إنسان آخر، أو عقل جزئي دون آخر، فهي جزء من الكل والكل هم أجزائها، فهي ثانية كل عقل جزئي من أجزائها، و هي رابعة النفوس الثلاثة لكل عقل جزئي فيها
وما يميز النفس الناطقة القدسية حسب الرواية عن غيرها هي أنها أشبه الأشياء بالنفوس الملكية، فأين هو ذكر النفوس الملكية؟
في الرواية السابقة لا يوجد ذكر للنفوس الملكية فمن هي تلك النفوس الملكية وأين نجد ذكرها؟
أعتقد أننا سنجد ذكر هذه النفوس الملكية في هذه الرواية الشريفة
عن الصادق صلوات الله و سلامه عليه أنه قَالَ:
إنَّ اللَهَ خَلَقَ اسْمًا بِالْحُرُوفِ غَيْرَ مُصَوَّتٍ،وَ بِاللَفْظِ غَيْرَ مُنْطَقٍ، وَ بِالشَّخْصِ غَيْرَ مُجَسَّدٍ،وَ بِالتَّشْبِيهِ غَيْرَ مَوْصُوفٍ،وَ بِاللَوْنِ غَيْرَ مَصْبُوغٍ؛مَنْفِيٌّ عَنْهُ الاقْطَارُ،مُبَعَّدٌ عَنْهُ الْحُدُودُ، وَ مَحْجُوبٌ عَنْهُ حِسُّ كُلِّ مُتَوَهِّمٍ،مُسْتَتِرٌ غَيْرُ مَسْتُورٍ .
فَجَعَلَهُ كَلِمَةً تَآمَّةً عَلَي أَرْبَعَةِ أَجْزَآءٍ مَعًا؛لَيْسَ مِنْهَا وَاحِدٌ قَبْلَ الآخَرِ.
فَأَظْهَرَ مِنْهَا ثَلَاثَةَ أَسْمَآءٍ لِفَاقَةِ الْخَلْقِ إلَيْهَا، وَ حَجَبَ مِنْهَا وَاحِدًا، وَ هُوَ الاسْمُ الْمَكْنُونُ الْمَخْزُونُ بِهَذِهِ الاسْمَآءُ الَّتِي ظَهَرَتْ، فَالظَّاهِرُ مِنْهَا هُوَ الله وتبارك وسبحان.
وَ سَخَّرَ سُبْحَانَهُ لِكُلِّ اسْمٍ مِنْ هَذِهِ الاسْمَآءِ أَرْبَعَةَ أَرْكَانٍ؛ فَذَلِكَ اثْنَاعَشَرَ رُكْنًا، ثُمَّ خَلَقَ لِكُلِّ رُكْنٍ ثَلَاثِينَ اسْمًا، فَعَلَا مَنْسُوبًا إلَيْهَا .
فَهُوَ الرَّحْمَنُ، الرَّحِيمُ، الْمَلِكُ، الْقُدُّوسُ، الْخَالِقُ، الْبَارِيُ، الْمُصَوِّرُ، الْحَيُّ، الْقَيُّومُ، لَاتَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لَانَوْمٌ، الْعَلِيمُ، الْخَبِيرُ، السَّمِيعُ، الْبَصِيرُ، الْحَكِيمُ، الْعَزِيزُ، الْجَبَّارُ، الْمُتَكَبِّرُ، الْعَلِيُّ، الْعَظِيمُ، الْمُقْتَدِرُ، الْقَادِرُ، السَّلَامُ، الْمُؤْمِنُ، الْمُهَيْمِنُ، الْمُنْشِيُ، الْبَدِيعُ، الرَّفِيعُ، الْجَلِيلُ، الْكَرِيمُ، الرَّازِقُ، الْمُحْيِي، الْمُمِيتُ، الْبَاعِثُ، الْوَارِثُ.
فَهَذِهِ الاسْمَآءُ وَ مَا كَانَ مِنَ الاسْمَآءِ الْحُسْنَي حَتَّي يَتِمَّ ثَلَاثَ مِأَةٍ وَ سِتِّينَ اسمًا؛ فَهِيَ نِسْبَةٌ لِهَذِهِ الاسْمَآءِ الثَّلَاثَةِ، وَ هَذِهِ الاسْمَآءُ الثَّلَاثَةُ أَرْكَانٌ وَ حُجُبُ الاسْمِ الْوَاحِدِ الْمَكْنُونِ الْمَخْزُونِ بِهَذِهِ الاسْمَآءِ الثَّلَاثَةِ .
وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَي: قُلِ ادْعُوا اللَهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَـٰنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الاسْمَآءُ الْحُسْنَي'.... إنتهى
وهنا ألفت النظر مجددا أن الأسماء الثلاثة الظاهرة هي: الله و تبارك و سبحان
وهنا سأقتبس مقطع من هذه الرواية الشريفة لكي أسلط عليه الضوء
وَ سَخَّرَ سُبْحَانَهُ لِكُلِّ اسْمٍ مِنْ هَذِهِ الاسْمَآءِ أَرْبَعَةَ أَرْكَانٍ؛ فَذَلِكَ اثْنَاعَشَرَ رُكْنًا، ثُمَّ خَلَقَ لِكُلِّ رُكْنٍ ثَلَاثِينَ اسْمًا، فَعَلَا مَنْسُوبًا إلَيْهَا .
النفس الكلية حسب هذه الرواية بدأت من إسم واحد بِالْحُرُوفِ غَيْرَ مُصَوَّتٍ،وَ بِاللَفْظِ غَيْرَ مُنْطَقٍ، وَ بِالشَّخْصِ غَيْرَ مُجَسَّدٍ و و و و،
إن هذا الاسم إسم فرد لا ثاني له، وهو اسم مربوب مخلوق وعبد مرزوق
ثم أن هذا الاسم الفرد المربوب المخلوق العبد المرزوق أصبحت له عائلة من أربعة أسماء هو ربها ومربيها ومالكها وهو المتصرف بها، ثم من موقع المربي والمتصرف شاء أن يظهر من هذه العائلة الأسمائية الرباعية ثلاثة أسماء فقط وطوى الإسم الرابع فيهم، فالظاهر إذا هي عائلة أسمائية ثلاثية،
ثم بعد ذلك أصبح لكل أسم ظاهر من هذه العائلة الثلاثية عائلة أسمائية متكونة من أربعة أسماء، ليكون كل اسم من تلك الأسماء الثلاثة الظاهرة بمثابة رب لعائلته الأسمائية الرباعية يربيها ويوجهها ويتصرف بها حسب الحكمة والخطة التي تأتيه من الإسم الفرد،
ثم بعد ذلك أصبح لكل إسم من تلك العائلات الأسمائية الرباعية الثلاثة ((إثني عشر إسما للعوائل الرباعية الثلاثة)) عائلة أسمائية ثلاثينية ليصبح كل اسم من تلك الاسماء الإثني عشر بمثابة رب مربي وموجه ومتصرف لثلاثين إسما، ليصبح المجموع ثلاث ماْئة وستين إسما
من متابعة تلك الأسماء الثلاثين الواردة في هذه الرواية الشريفة نجد أن بداية النفوس الملائكية الفاعلة تبدء في الظهور أولا في العائلات الاسمائية الثلاثينية
حسنا، ماذا سيحصل بعد ذلك؟
كيف ستستمر شجرة الوجود بالتفرع نزولا؟
هل سيصبح كل إسم من تلك الأسماء الثلاث ماْئة وستين بعد ذلك رب لثلاثين إسم؟ أم لأربعة أسماء؟ أم لثلاثة أسماء؟ أم لأسم واحد؟ أم أكثر من ذلك أم أقل؟
سنأتي لهذه النقطة في وقت لاحق إن شاء الله، ولكن ما أريد التركيز عليه وتوضيحه هنا، أن لكل نفس في العائلة الثلاثينية يوجد لها ثلاث أنفس عليا، أو ثلاثة أرباب
1- فكل إسم من أسماء العائلة الرباعية يعتبر كنفس عليا أو كـ رب لثلاثين إسما تقع جميعها ضمن دائرة رعايته وتخطيطه وتربيته،
2- وكل عائلة أسمائية رباعية لها كذلك نفس عليا واحدة أو إسم واحد من العائلة الأسمائية الثلاثية وهو ربّها الذي يرعاها ويخطط لها طريقها وسلوكها ويوجهها ويربيها
3- والعائلة الأسمائية الثلاثية لها رب واحد هو بالنسبة لها كنفسها العليا التي ترعاها وتربيها وتوجهها جميعها
وبهذا التصور سيكون كل إسم من العائلة الثلاثية بمثابة النفس العليا الثانية أو المربي الثاني لعائلة أسمائية رباعية و كذلك بمثابة النفس العليا الثالثة أو المربي الثالث لمجموع أسماء أربع عائلات أسمائية ثلاثينية مجموع اسمائها 120 إسم، بينما ستكون النفس الإلهية الكلية بمثابة النفس العليا لجميع الأسماء بجميع مراتبها ومنازلها وأعدادها
وهذا مخطط بسيط لشرح الفكرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
الآن بعد أو صلنا لهذه النتيجة سنحتفظ بها لبعض الوقت ونذهب لرواية جنود العقل وجنود الجهل ونستنطقها كعادتنا مع روايات أهل بيت العصمة ومن منطلق أننا نصدقها بشكل كامل وبدون قيد أو شرط
جاء في الكافي الشريف في كتاب العقل :
14 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن حديد، عن سماعة بن مهران قال: كنت عند أبي عبدالله عليه السلام وعنده جماعة من مواليه فجرى ذكر العقل والجهل فقال أبوعبدالله عليه السلام:
اعرفوا العقل وجنده والجهل وجنده تهتدوا
قال سماعة: فقلت: جعلت فداك لا نعرف إلا ما عرفتنا
فقال أبوعبدالله عليه السلام: إن الله عزوجل خلق العقل وهو أول خلق من الروحانيين عن يمين العرش من نوره فقال له: أدبر فأدبر، ثم قال له: أقبل فأقبل، فقال الله تبارك وتعالى: خلقتك خلقا عظيما و كرمتك على جميع خلقي
قال: ثم خلق الجهل من البحر الاجاج ظلمانيا فقال له: أدبر فأدبر، ثم قال له: أقبل فلم يقبل فقال له: استكبرت فلعنه، ثم جعل للعقل خمسة وسبعين جندا فلما رأى الجهل ما أكرم الله به العقل وما أعطاه أضمر له العداوة فقال الجهل: يا رب هذا خلق مثلي خلقته وكرمته وقويته وأنا ضده ولا قوة لي به فأعطني من الجند مثل ما أعطيته فقال: نعم فإن عصيت بعد ذلك أخرجتك وجندك من رحمتي قال: قد رضيت فأعطاه خمسة وسبعين جندا
فكان مما أعطى العقل من الخمسة والسبعين الجند: الخير وهو وزير العقل وجعل ضده الشر وهو وزير الجهل ..... بقية الرواية
ما الذي سيعنيه إلهام تلك الجنود لكل نفس إنسانية؟
ونفس وما سوّاها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دسّاها
وما هو أثر أو عمل تلك الجنود في كل نفس إنسانية؟
ولماذا قد أفلح من زكّاها وليس سيفلح من سيُـزكّيها؟
ولماذا قد خاب من دسّاها وليس سيخيب من سيـدسّها؟
لماذا الفلاح والخيبة قد تحددتا منذ الاختيار الأول؟
وهذا القول وأقصد هنا هذا القول ((ونفس وما سوّاها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دسّاها)) هو قول من؟
ويعبّر عن وجهة نظر من؟
وأقصد هنا: هل من الممكن أن يكون هذا القول يعبّر عن حكم الناطق بإسم العقل ووجهة نظره من المسألة؟
أو إنه يعبر عن حكم الناطق بإسم الجهل ووجهة نظره من نفس المسألة؟
فإن كان هذا الحكم هو حكم الناطق بإسم العقل، ومن اعتقاده الشخصي الذي ينطلق به من خلال معرفته وفهمه لمهمته ولرسالته ولخالقه ولجنود العقل وجمالها فلا بد أن يكون هذا الناطق هو نفسه رئيس وقائد حزب الله القرآني، لأنه من الواضح من خلال النص القرآني أن حزب الله يتصف بصفات العقل ويدعو لها كذلك، أو بتعبير آخر هو يتجند بجنود العقل ويدعو للتجند بها كذلك، وبما أن القرأن كله يدعو للعقل ولجنود العقل فيمكننا وصفه بأنه دستور العقل أو انه كتاب أو دستور حزب الله القرأني الذي يصف به تاريخ الحزب وإنجازاته ومعاركه وملاحمه وصراعه الطويل مع حزب الشيطان أو مع الجهل، وهذه النظرة للقرآن الكريم تتوافق مع ما قاله أهل البيت عليهم السلام لنا، من أنه أينما ووجدنا ضمير الفعل بالجمع فإنهم هم المقصودون بذلك، فغالبا ما كان ضمير المتحدث أو الفاعل يأتي بالقرآن الكريم على صيغة الجمع، كما أنه يصف فعلا تاريخ وجهاد وصراع أعضاء حزب الله القرآني المتمثلين بالأنبياء والرسل والأولياء والصالحين مع رموز وأعضاء وأتباع حزب الشيطان أو مع رموز وأعضاء وأتباع الجهل
إن كان الناطق بالقرآن الكريم هو الناطق بإسم العقل فهو يصف اعتقاده بجنوده بأنها الجنة وأن من يتصف بها فإنه سيدخل الجنة لمجرد اتصافهم بها وإنهم سيجزون أتباعهم أحسن الجزاء جزاء لاختيارهم جنود العقل وجزاء لاختيارهم الوقوف لجانبهم
الآن ماذا عن الجهل؟
لا ننسى أن الجهل هو أيضا إلآهي تماما بقدر ما هو العقل إلآهي، وهو وإن كان هدفه أن يهزم العقل ولكنه يفعل ذلك من باب أنه يرى أنه جميل وأنه أجمل من العقل كذلك، وأن من يتصف به وبجنوده يستحق أن يتمتع بجنة منبع متعها وجمالها وحسنها ينبع من أصل جمال وحسن جنوده وصفاته التي يعتقد بها
فكلا العقل والجهل إذن سيدعوان وسيعدان من يتبعهما بدخول الجنة ولكن طبيعة جنة العقل سيراها الجهل وسيصفها لأتباعه وسيحلف لهم وهو كاذب بأنها عذاب مقيم وهو يعلم بأنه كاذب حين يصفها بأنها عذاب مقيم، بينما سيرى العقل جنة الجهل بأنها هي العذاب المقيم وسيصفها لذلك وبكل صدق بمختلف الألفاظ الشنيعة وبمختلف الصور المريعة و بأنها هي العذاب المقيم
ولكن ذلك لا يعني أن من سيتبعون الجهل وصفات الجهل سيتلذذ الله بتعذيبهم بعد ذلك الى أبد الآبدين لأنهم صدّقوا واتبعوا مخلوق إلهي هو من خلقه بيده لهم وسلطه عليهم وأمده بكل ما سيحتاجه لكي يستطيع أن يستميل ربما أكثر من 90% من مخلوقاته، وهذه النسبة طبعا إن كنت متفائلا جدا، وإلا فحسب معتقدات الأكثرية وكلمات مشائخ المنابر من مختلف الأديان والمذاهب تقول لنا أن 99.9999% سيذهبون لا محالة للعذاب وللنار الأبدية، وفقط هم وأصحابهم من سيتلذذون بما لذ وطاب لأنهم يعتقدون بشيء اسمه س أو ص، والحقيقة هي أن الجميع يعتقدون بـنفس س أو ص الذي نعتقد به ولكنهم يسمّونه بأسماء أخرى ويطلقون عليه ألفاظ مختلفة عن التي نطلقها نحن عليه
ولو قلنا أن القرآن الكريم هو بلسان الناطق عن العقل أو بلسان رئيس حزب الله القرآني لما خالفنا أصل معتقدنا بالله وبالكتاب الكريم، فحزب الله وقياداته إذا قالوا قال الله، وإذا قال الله قالوا، فلا فرق بين قوله وقولهم، ولا فرق بين حديثهم وحديثه، فهم لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، وهم إلى الله يدعون وله يسلمون وبأمره يعملون وبكتابه يحكمون، وهم حين يصفون الجهل وجنوده وعاقبة من يتبع الجهل ويتصف بجنوده بأبشع الأوصاف فإنهم صادقون تماما بوصفهم لحالة من يتبع الجهل وجنوده ولكن يمكن وصف حال وصفهم بالوصف التالي:
إذا وقفتم أمام زريبة الخنازير أجلكم الله وقلتم أن هذه الخنازير تعيش بالقذارة وتأكل القذارة فأنتم صادقون في وصفكم للوضع، ولكن نفس الخنزير لا يرى أنه يأكل قذارة أو إنه يعيش في القذارة، ولو أنكم قدمتم له طعام نظيف فإنه غالبا لن يأكله ما لم يخلطه بالطين وبما يختلط بالطين من قاذورات أيضا، لأنه لا يستطعم الأكل النظيف، كما إنه يرى رطوبة الأرض في زريبته القذرة جميلة ومريحة وروضة من رياض الجنة، ولو أنك وضعته في زريبة نظيفة ربما أصابته حينها الكآبة واجتاحته الأمراض، وربما سينظر الخنزير من داخل زريبته الموحلة للذين هم خارجها ويتأسف على حالهم المزري النظيف، ويتعجب منهم ومن صبرهم على العذاب الذي هم فيه ((طبعا هذا من وجهة نظر الخنزير))
وسنجد الكثير من هذه الأمثال الحيوانية من حولنا، بل وحتى بين الناس توجد مثل هذه الأمثلة، فيوجد هناك من يرفض الحلال ولا يستسيغه رغم توفره بين يديه ويسعى بنفس الوقت لكل ما هو حرام رغم تشابهه مع الحلال.
من هذا الوصف يمكننا القول أنه لا يوجد عذاب حقيقي كالذي نتصوره ونفهمه نحن من وجهة نظر خالق الأكوان وخالق النور والظلام أو خالق العقل وخالق الجهل، ولكن من حُكم النور على الظلام ومن حُكم الظلام على النور ظهرت فكرة العذاب والنعيم وفكرة الجنة والنار، فالنور حكم صادقا أن الظلام نار وأنه هو الجنة، والظلام حكم وحلف لأتباعه كاذبا وهو يعلم بكذبه أنه هو الجنة وأن النور هو النار، فهو يحلف لأتباعه على الكذب وهو يعلم بكذبه، هذه هي وضيفته والكذب هو أحد جنوده وهو قد أعطى العهد أن لا يعصي الله أبدا في بقائه ندا ومحاربا للنور
كل أنظمة الإعتقاد التي سادت في يوم من الأيام على الأرض، أو التي تسود اليوم عليها، أو التي ستسود عليها بالمستقبل، أو التي سادت أو تسود أو ستسود أي عالم آخر كلها قامت وتقوم وستقوم على نفس أساس هذا الصراع الأبدي بين النور والظلام، أو بين العقل والجهل، ولكن هذا لا يعني أن خالق النور والظلام، أو خالق العقل والجهل قد أوجد هذا الصراع الأبدي بينهما وأمدهما كلاهما بالقوة والعلم اللآزمين لكي يتلذذ بعد ذلك بتعذيب أكثر مخلوقاته أشد العذاب لأنهم انحازوا لأحد هذين الطرفين الإلهيين العظيمين
من يعبدون هكذا إلآه ساديّ أقول لهم لا أعبد ما تعبدون، فإلهي وربي رؤوف رحيم وسعت رحمته "كلّ شيء" فـ "كل شيء" أو "العقل الكلّي" يسبح في رحمة الله فأين تتوقعون يمكن لتلك الجهنم التي تتصورونها وتصورونها لنا أن تنوجد؟
حسنا، إن كانت الجنة ليست كما نتصورها فكيف هي إذن؟
وإن كانت جهنم ليست كما نتصورها فكيف هي إذن؟
وما علاقة الجنة وجهنم بالحديث الذي وضعته بالجدول السابق؟
هذه أسألة حائرة وسيأتي خلال البحث أسألة غيرها، وبعضها سنجيب عنها مباشرة وأخرى سيتكفل البحث حين الإجابة عن غيرها بالإجابة عليها، وستصبح جميعها بإجابات إن شاء الله حين تتضح الصورة شيء فشيء، فجميع الإجابات موجودة بالتأكيد داخل الصورة وما نحتاجه فعلا لمعرفة الأجوبة هو توضيح الصورة أكثر بتسليط ضوء الفكر والتفكرعليها أكثر وأكثر وأكثر، والتفاصيل العامة لهذه الصورة سنأخذها كعادتنا من القرآن الكريم ومن كلمات أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين
الآن سنرجع لإحدى ثوابت عملية الخلق كما أوردتها في بداية البحث وتحديدا الثابت الثالث كما أدرجت ترتيبه ومضمونه أن: ما سأضعه كعقل جزئي في وجودي هو ما سأحصل عليه
وسأقدم روايتان لأهل بيت العصمة في البداية
3 - الكافي: عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن موسى، عن أحمد بن عمر، عن يحيى بن أبان، عن شهاب قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
لو علم الناس كيف خلق الله تبارك وتعالى هذا الخلق لم يلم أحد أحدا، فقلت: أصلحك الله، وكيف ذلك؟ قال: إن الله تبارك وتعالى خلق أجزاء بلغ بها تسعة وأربعين جزءا ثم جعل الاجزاء أعشارا فجعل الجزء عشرة أعشار، ثم قسمه بين الخلق، فجعل في رجل عشر جزء وفي آخر عشري جزء حتى بلغ به جزءا تاما وفي آخر جزءا وعشر جزء، وفي آخر جزءا وعشري جزء، وفي آخر جزءا وثلاثة أعشار جزء، حتى بلغ به جزئين تامين، ثم بحساب ذلك حتى بلغ بأرفعهم تسعة وأربعين جزءا فمن لم يجعل فيه إلا عشر جزء لم يقدر على أن يكون مثل صاحب العشرين، وكذلك صاحب العشرين لا يكون مثل صاحب الثلاثة الأعشار، وكذلك من تم له جزء لا يقدر على أن يكون مثل صاحب الجزءين، ولو علم الناس أن الله عز وجل خلق هذا الخلق على هذا لم يلم أحد أحدا.إنتهى
هذه الرواية نضعها بجانب هذه الرواية :
أبوعلي الاشعري ومحمد بن يحيى، عن محمد بن إسماعيل، عن علي بن الحكم عن أبان بن عثمان، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لو علم الناس كيف ابتداء الخلق ما اختلف اثنان، إن الله عزوجل قبل أن يخلق الخلق قال: كن ماء عذبا أخلق منك جنتي وأهل طاعتي وكن ملحا اجاجا أخلق منك ناري وأهل معصيتي ثم أمرهما فامتزجا، فمن ذلك صار يلد المؤمن الكافر والكافر المؤمن ثم أخذ طينا من أديم الارض فعركه عركا شديدا فاذا هم كالذر يدبون، فقال لاصحاب اليمين: إلى الجنة بسلام وقال لاصحاب الشمال: إلى النار ولا أبالي، ثم أمر نارا فاسعرت، فقال لاصحاب الشمال: ادخلوها، فهابوها، فقال لاصحاب اليمين: ادخلوها فدخلوها، فقال: كوني بردا وسلاما فكانت برداو سلاما فقال أصحاب الشمال: يا رب أقلنا فقال: قد أقلتكم فادخلوها، فذهبوا فهابوهها، فثم ثبتت الطاعة والمعصية فلا يستطيع هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء، ولا هؤلاء من هؤلاء. أنتهى
لقد شدد أهل البيت بتلك الروايتين الشريفتين على مبدء واحد وهو أن ما سنزرعه هو تمام ما سنحصده ولا مكان للتلاوم او الاختلاف بين البشر حين الحصاد، فهم الذين زرعوا ما يحصدونه الآن وهذا نستخلصه من قولهم في بداية الروايتين:
لو علم الناس كيف ابتداء الخلق ما اختلف اثنان
لو علم الناس كيف خلق الله تبارك وتعالى هذا الخلق لم يلم أحد أحدا،
ومن قول الرسول صلى الله عليه وآله: ما خلقتم للفناء، بل خلقتم للبقاء وإنما تنقلون من دار إلى دار وأنها في الأرض غريبة وفي الأبدان مسجونة
سنفهم أننا في حالة حصاد دائم وزرع دائم، ففي كل لحظة نحن نزرع وفي كل لحظة نحن نحصد أيضا، نزرع ونحصد، نزرع ونحصد، نزرع ونحصد،،،،، نحصد ما زرعناه في اللحظة السابقة ونزرع ما سنحصده في اللحظة التالية، هذه هي الحياة التي خلقنا من أجل البقاء بها، وتلك الدور التي سننتقل منها ولها هي نفسها مكان زرعنا وهي حصادنا أيضا
وفي أي لحظة سنغير بها نوع زرعنا الذي نزرعه سيتغير معه في اللحظة التالية نوع حصادنا وشكل الدار الذي سننتقل إليه، فما نقدمه من أنفسنا في أنفسنا لأنفسنا هو ما سنحصده لأنفسنا، والقرآن الكريم شدد على هذا المعنى وهذا القانون الذي يحكم عملية الخلق فعبر عنه في أكثر من آية وعلى سبيل المثال لا الحصر قال:
وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهًا ....
فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ
وتوجد الكثير الكثير من الآيات والروايات التي تشير وتصر على هذا المعنى وهو حسب تعبيري أنه ثابت من أربعة ثوابت تحكم عملية الخلق وهو: أن ما سنضعه في وجودنا هو تمام ما سنحصل عليه، وهذا القانون كما أنه الآيات والروايات تؤيده فإنه كذلك مؤيد بالقوانين الفيزيائية والكيميائية والرياضية كذلك، بل بكل القوانين العلمية أيضا، كلها تقول أن ما تضعه في تجربة أو معادلة معينة ستحصل عليه بتمامه وإن كان بصور مختلفة عن الصورة الأولى
1+1=2 فكك 2 تحصل على 1 و 1
ذرتين من غاز الأكسجين وذرة من غاز الهيدروجين تحصل على ذرة ماء سائل او بخار او ثلج حسب الحالة القياسية للتجربة، ولكن المهم هو أن الصورة هي فقط التي اختلفت أمّا الأصل فهو هو ولم يتغير، فلم تزيد مكوناته ولم تنقص كذلك، وحتى الانفجار النووي يخضع لنفس هذا القانون أيضا، فمقدار الطاقة قبل وبعد الإنفجار هو مقدار واحد، ولكن صورته هي التي اختلفت من صورة مقدار كامن من الطاقة الى صورة نفس المقدار من الطاقة ولكنها متحررة أو متفجرة، فالصورة هي فقط التي اختلفت
تعليق