بسم الله الرحمن الرحيم
وصل اللهم على محمد واله الطاهرين واللعن الدائم المغلظ على اعدائهم اجمعين ولا سيما بني امية الملاعين :
فهذه صورة من صور الارهاب الاموي الذي يمجده الامويون الجدد اليوم
فقد روى الشيخ الصدوق في اماليه بسند معتبر قال: (( لما قتل الحسين بن علي ( عليهما السلام ) أسر من معسكره غلامان صغيران ،
فأتي بهما عبيد الله بن زياد ، فدعا سجانا له ، فقال : خذ هذين الغلامين إليك ، فمن
طيب الطعام فلا تطعمهما ، ومن البارد فلا تسقهما ، وضيق عليهما سجنهما ، وكان
الغلامان يصومان النهار ، فإذا جنهما الليل أتيا بقرصين من شعير وكوز من الماء
القراح ( 2 ) .
فلما طال بالغلامين المكث حتى صارا في السنة ، قال أحدهما لصاحبه : يا
أخي ، قد طال بنا مكثنا ، ويوشك أن تفنى أعمارنا وتبلى أبداننا ، فإذا جاء الشيخ
فأعلمه مكاننا ، وتقرب إليه بمحمد ( صلى الله عليه وآله ) لعله يوسع علينا في طعامنا ، ويزيد
في شرابنا .
فلما جنهما الليل أقبل الشيخ إليهما بقرصين من شعير وكوز من الماء القراح ،
فقال له الغلام الصغير : يا شيخ ، أتعرف محمدا ؟ قال : فكيف لا أعرف محمدا وهو
نبيي ! قال : أفتعرف جعفر بن أبي طالب ؟ قال : وكيف لا أعرف جعفرا ، وقد أنبت الله له
جناحين يطير بهما مع الملائكة كيف يشاء ! قال : أفتعرف علي بن أبي طالب ؟ قال :
وكيف لا أعرف عليا ، وهو ابن عم نبيي وأخو نبيي ! قال له : يا شيخ ، فنحن من عترة
نبيك محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، ونحن من ولد مسلم بن عقيل بن أبي طالب ، بيدك
أسارى ، نسألك من طيب الطعام فلا تطعمنا ، ومن بارد الشراب فلا تسقينا ، وقد
ضيقت علينا سجننا ، فانكب الشيخ على أقدامهما يقبلهما ويقول : نفسي لنفسكما
الفداء ، ووجهي لوجهكما الوقاء ، يا عترة نبي الله المصطفى ، هذا باب السجن بين
يديكما مفتوح ، فخذا أي طريق شئتما ، فلما جنهما الليل أتاهما بقرصين من شعير
وكوز من الماء القراح ووقفهما على الطريق ، وقال لهما : سيرا - يا حبيبي - الليل ، واكمنا
النهار حتى يجعل الله عز وجل لكما من أمركما فرجا ومخرجا . ففعل الغلامان ذلك .
فلما جنهما الليل ، انتهيا إلى عجوز على باب ، فقالا لها : يا عجوز ، إنا غلامان
صغيران غريبان حدثان غير خبيرين بالطريق ، وهذا الليل قد جننا أضيفينا سواد ليلتنا
هذه ، فإذا أصبحنا لزمنا الطريق . فقالت لهما : فمن أنتما يا حبيبي ، فقد شممت
الروائح كلها ، فما شممت رائحة أطيب من رائحتكما ، فقالا لها : يا عجوز ، نحن من
عترة نبيك محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، هربنا من سجن عبيد الله بن زياد من القتل
قالت العجوز : يا حبيبي ، إن لي ختنا ( 1 ) فاسقا ، قد شهد الواقعة مع عبيد الله بن
زياد ، أتخوف أن يصيبكما هاهنا فيقتلكما . قالا : سواد ليلتنا هذه ، فإذا أصبحنا لزمنا
الطريق . فقالت : سآتيكما بطعام ، ثم أتتهما بطعام فأكلا وشربا .
فلما ولجا الفراش قال الصغير للكبير : يا أخي ، إنا نرجو أن نكون قد أمنا ليلتنا
هذه ، فتعال حتى أعانقك وتعانقني وأشم رائحتك وتشم رائحتي قبل أن يفرق
الموت بيننا . ففعل الغلامان ذلك ، واعتنقا وناما .
فلما كان في بعض الليل أقبل ختن العجوز الفاسق حتى قرع الباب قرعا خفيفا ،
فقالت العجوز : من هذا ؟ قال : أنا فلان . قالت : ما الذي أطرقك هذه الساعة ، وليس هذا
لك بوقت ؟ قال : ويحك افتحي الباب قبل أن يطير عقلي وتنشق مرارتي في جوفي ،
جهد البلاء قد نزل بي . قالت : ويحك ما الذي نزل بك ؟ قال : هرب غلامان صغيران من
عسكر عبيد الله بن زياد ، فنادى الأمير في معسكره : من جاء برأس واحد منهما فله
ألف درهم ، ومن جاء برأسيهما فله ألفا درهم ، فقد أتعبت وتعبت ولم يصل في يدي
شئ .
فقالت العجوز : يا ختني ، احذر أن يكون محمد خصمك في يوم القيامة . قال
لها : ويحك إن الدنيا محرص عليها . فقالت : وما تصنع بالدنيا ، وليس معها آخرة ؟ قال :
إني لأراك تحامين عنهما ، كأن عندك من طلب الأمير شيئا ، فقومي فإن الأمير يدعوك .
قالت : وما يصنع الأمير بي ، وإنما أنا عجوز في هذه البرية ؟ قال : إنما لي طلب ، افتحي
لي الباب حتى أريح وأستريح ، فإذا أصبحت بكرت في أي الطريق آخذ في طلبهما .
ففتحت له الباب ، وأتته بطعام وشراب فأكل وشرب .
فلما كان في بعض الليل سمع غطيط ( 1 ) الغلامين في جوف البيت ، فأقبل يهيج
كما يهيج البعير الهائج ، ويخور كما يخور الثور ، ويلمس بكفه جدار البيت حتى وقعت
يده على جنب الغلام الصغير ، فقال له : من هذا ؟ قال : أما أنا فصاحب المنزل ، فمن
أنتما ؟ فأقبل الصغير يحرك الكبير ويقول : قم يا حبيبي ، فقد والله وقعنا فيما كنا نحاذره .
قال لهما : من أنتما ؟ قالا له : يا شيخ ، إن نحن صدقناك فلنا الأمان ؟ قال : نعم .
قالا : أمان الله وأمان رسوله ، وذمة الله وذمة رسوله ؟ قال : نعم . قالا : ومحمد بن عبد الله
على ذلك من الشاهدين ؟ قال : نعم . قالا : والله على ما نقول وكيل وشهيد ؟ قال : نعم .
قالا له : يا شيخ ، فنحن من عترة نبيك محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، هربنا من سجن عبيد الله بن
زياد من القتل . فقال لهما : من الموت هربتما ، وإلى الموت وقعتما ، الحمد لله الذي
أظفرني بكما . فقام إلى الغلامين فشد أكتافهما ، فبات الغلامان ليلتهما مكتفين .
فلما انفجر عمود الصبح ، دعا غلاما له أسود ، يقال له : فليح ، فقال : خذ هذين
الغلامين ، فانطلق بهما إلى شاطئ الفرات ، واضرب عنقيهما ، وائتني برأسيهما
لأنطلق بهما إلى عبيد الله بن زياد ، وآخذ جائزة ألفي درهم .
فحمل الغلام السيف ، ومشى أمام الغلامين ، فما مضى إلا غير بعيد حتى قال
أحد الغلامين : يا أسود ، ما أشبه سوادك بسواد بلال مؤذن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) !
قال : إن مولاي قد أمرني بقتلكما ، فمن أنتما ؟ قالا له : يا أسود ، نحن من عترة نبيك
محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، هربنا من سجن عبيد الله بن زياد من القتل : أضافتنا عجوزكم
هذه ، ويريد مولاك قتلنا . فانكب الأسود على أقدامهما يقبلهما ويقول : نفسي
لنفسكما الفداء ، ووجهي لوجهكما الوقاء ، يا عترة نبي الله المصطفى ، والله لا يكون
محمد ( صلى الله عليه وآله ) خصمي في القيامة . ثم عدا فرمى بالسيف من يده ناحية ، وطرح
نفسه في الفرات ، وعبر إلى الجانب الآخر ، فصاح به مولاه : يا غلام عصيتني ! فقال :
يا مولاي ، إنما أطعتك ما دمت لا تعصي الله ، فإذا عصيت الله فأنا منك برئ في الدنيا
والآخرة .
فدعا ابنه ، فقال : يا بني ، إنما أجمع الدنيا حلالها وحرامها لك ، والدنيا محرص
عليها ، فخذ هذين الغلامين إليك ، فانطلق بهما إلى شاطئ الفرات ، فاضرب عنقيهما
وائتني برأسيهما ، لأنطلق بهما إلى عبيد الله بن زياد وآخذ جائزة ألفي درهم .
فأخذ الغلام السيف ، ومشى أمام الغلامين ، فما مضى إلا غير بعيد حتى قال
أحد الغلامين : يا شاب ، ما أخوفني على شبابك هذا من نار جهنم ! فقال : يا حبيبي ،
فمن أنتما ؟ قالا : من عترة نبيك محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، يريد والدك قتلنا . فانكب الغلام
على أقدامهما يقبلهما ، وهو يقول لهما مقالة الأسود ، ورمى بالسيف ناحية وطرح
نفسه في الفرات وعبر ، فصاح به أبوه : يا بني عصيتني ! قال : لان أطيع الله وأعصيك
أحب إلى من أن أعصي الله وأطيعك .
قال الشيخ : لا يلي قتلكما أحد غيري ، وأخذ السيف ومشى أمامهما ، فلما صار
إلى شاطئ الفرات سل السيف من جفنه ، فلما نظر الغلامان إلى السيف مسلولا
اغرورقت أعينهما ، وقالا له : يا شيخ ، انطلق بنا إلى السوق واستمتع بأثماننا ، ولا ترد
أن يكون محمد خصمك في القيامة غدا . فقال : لا ، ولكن أقتلكما وأذهب برأسيكما
إلى عبيد الله بن زياد ، وآخذ جائزة ألفي درهم . فقالا له : يا شيخ ، أما تحفظ قرابتنا من
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ فقال : ما لكما من رسول الله قرابة . قالا له : يا شيخ ، فائت بنا
إلى عبيد الله بن زياد حتى يحكم فينا بأمره . قال : ما إلى ذلك سبيل إلا التقرب إليه
بدمكما . قالا له : يا شيخ ، أما ترحم صغر سننا ؟ قال : ما جعل الله لكما في قلبي من
الرحمة شيئا . قالا : يا شيخ إن كان ولا بد ، فدعنا نصلي ركعات . قال : فصليا ما شئتما إن
نفعتكما الصلاة . فصلى الغلامان أربع ركعات ، ثم رفعا طرفيهما إلى السماء فناديا : يا
حي يا حليم ( 1 ) يا أحكم الحاكمين ، أحكم بيننا وبينه بالحق .
فقام إلى الأكبر فضرب عنقه ، وأخذ برأسه ووضعه في المخلاة ، وأقبل الغلام
الصغير يتمرغ في دم أخيه ، وهو يقول : حتى ألقى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأنا
مختضب بدم أخي . فقال : لا عليك سوف ألحقك بأخيك ، ثم قام إلى الغلام الصغير
فضرب عنقه ، وأخذ رأسه ووضعه في المخلاة ، ورمى ببدنيهما في الماء ، وهما
يقطران دما .
ومر حتى أتى بهما عبيد الله بن زياد وهو قاعد على كرسي له ، وبيده قضيب
خيزران ، فوضع الرأسين بين يديه ، فلما نظر إليهما قام ثم قعد ثم قام ثم قعد ثلاثا ، ثم
قال : الويل لك ، أين ظفرت بهما ؟ قال : أضافتهما عجوز لنا . قال : فما عرفت لهما حق
الضيافة ؟ قال : لا .
قال : فأي شئ قالا لك ؟ قال : قالا : يا شيخ ، اذهب بنا إلى السوق فبعنا وانتفع
بأثماننا فلا ترد أن يكون محمد ( صلى الله عليه وآله ) خصمك في القيامة . قال : فأي شئ قلت
لهما ؟ قال : قلت : لا ، ولكن أقتلكما وأنطلق برأسيكما إلى عبيد الله بن زياد ، وآخذ
جائزة ألفي درهم .
قال : فأي شئ قالا لك ؟ قال : قالا : ائت بنا إلى عبيد الله بن زياد حتى يحكم فينا
بأمره . قال : فأي شئ قلت ؟ قال : قلت : ليس إلى ذلك سبيل إلا التقرب إليه بدمكما .
قال : أفلا جئتني بهما حيين ، فكنت أضعف لك الجائزة ، وأجعلها أربعة آلاف درهم ؟
قال : ما رأيت إلى ذلك سبيلا إلا التقرب إليك بدمهما .
قال : فأي شئ قالا لك أيضا ؟ قال : قال لي : يا شيخ ، احفظ قرابتنا من رسول
الله . قال : فأي شئ قلت لهما . قال : قلت : ما لكما من رسول الله قرابة .
قال : ويلك ، فأي شئ قالا لك أيضا ؟ قال : قالا : يا شيخ ، ارحم صغر سننا . قال :
فما رحمتهما ؟ قال : قلت : ما جعل الله لكما من الرحمة في قلبي شيئا .
قال : ويلك ، فأي شئ قالا لك أيضا ؟ قال : قالا : دعنا نصلي ركعات . فقلت :
فصليا ما شئتما إن نفعتكما الصلاة ، فصلى الغلامان أربع ركعات . قال : فأي شئ قالا
في آخر صلاتهما ؟ قال : رفعا طرفيهما إلى السماء ، وقالا : يا حي يا حليم ، يا أحكم
الحاكمين ، أحكم بيننا وبينه بالحق .
قال عبيد الله بن زياد : فإن أحكم الحاكمين قد حكم بينكم ، من للفاسق ؟ قال :
فانتدب له رجل من أهل الشام ، فقال : أنا له . قال : فانطلق به إلى الموضع الذي قتل فيه
الغلامين ، فاضرب عنقه ، ولا تترك أن يختلط دمه بدمهما وعجل برأسه ، ففعل الرجل
ذلك ، وجاء برأسه فنصبه على قناة ، فجعل الصبيان يرمونه بالنبل والحجارة وهم
يقولون : هذا قاتل ذرية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
وصلى الله على رسوله محمد وآله الطاهرين وسلم كثيرا))
اقول ": الا لعنة الله على الظالمين اعداء الانسانية
وصل اللهم على محمد واله الطاهرين واللعن الدائم المغلظ على اعدائهم اجمعين ولا سيما بني امية الملاعين :
فهذه صورة من صور الارهاب الاموي الذي يمجده الامويون الجدد اليوم
فقد روى الشيخ الصدوق في اماليه بسند معتبر قال: (( لما قتل الحسين بن علي ( عليهما السلام ) أسر من معسكره غلامان صغيران ،
فأتي بهما عبيد الله بن زياد ، فدعا سجانا له ، فقال : خذ هذين الغلامين إليك ، فمن
طيب الطعام فلا تطعمهما ، ومن البارد فلا تسقهما ، وضيق عليهما سجنهما ، وكان
الغلامان يصومان النهار ، فإذا جنهما الليل أتيا بقرصين من شعير وكوز من الماء
القراح ( 2 ) .
فلما طال بالغلامين المكث حتى صارا في السنة ، قال أحدهما لصاحبه : يا
أخي ، قد طال بنا مكثنا ، ويوشك أن تفنى أعمارنا وتبلى أبداننا ، فإذا جاء الشيخ
فأعلمه مكاننا ، وتقرب إليه بمحمد ( صلى الله عليه وآله ) لعله يوسع علينا في طعامنا ، ويزيد
في شرابنا .
فلما جنهما الليل أقبل الشيخ إليهما بقرصين من شعير وكوز من الماء القراح ،
فقال له الغلام الصغير : يا شيخ ، أتعرف محمدا ؟ قال : فكيف لا أعرف محمدا وهو
نبيي ! قال : أفتعرف جعفر بن أبي طالب ؟ قال : وكيف لا أعرف جعفرا ، وقد أنبت الله له
جناحين يطير بهما مع الملائكة كيف يشاء ! قال : أفتعرف علي بن أبي طالب ؟ قال :
وكيف لا أعرف عليا ، وهو ابن عم نبيي وأخو نبيي ! قال له : يا شيخ ، فنحن من عترة
نبيك محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، ونحن من ولد مسلم بن عقيل بن أبي طالب ، بيدك
أسارى ، نسألك من طيب الطعام فلا تطعمنا ، ومن بارد الشراب فلا تسقينا ، وقد
ضيقت علينا سجننا ، فانكب الشيخ على أقدامهما يقبلهما ويقول : نفسي لنفسكما
الفداء ، ووجهي لوجهكما الوقاء ، يا عترة نبي الله المصطفى ، هذا باب السجن بين
يديكما مفتوح ، فخذا أي طريق شئتما ، فلما جنهما الليل أتاهما بقرصين من شعير
وكوز من الماء القراح ووقفهما على الطريق ، وقال لهما : سيرا - يا حبيبي - الليل ، واكمنا
النهار حتى يجعل الله عز وجل لكما من أمركما فرجا ومخرجا . ففعل الغلامان ذلك .
فلما جنهما الليل ، انتهيا إلى عجوز على باب ، فقالا لها : يا عجوز ، إنا غلامان
صغيران غريبان حدثان غير خبيرين بالطريق ، وهذا الليل قد جننا أضيفينا سواد ليلتنا
هذه ، فإذا أصبحنا لزمنا الطريق . فقالت لهما : فمن أنتما يا حبيبي ، فقد شممت
الروائح كلها ، فما شممت رائحة أطيب من رائحتكما ، فقالا لها : يا عجوز ، نحن من
عترة نبيك محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، هربنا من سجن عبيد الله بن زياد من القتل
قالت العجوز : يا حبيبي ، إن لي ختنا ( 1 ) فاسقا ، قد شهد الواقعة مع عبيد الله بن
زياد ، أتخوف أن يصيبكما هاهنا فيقتلكما . قالا : سواد ليلتنا هذه ، فإذا أصبحنا لزمنا
الطريق . فقالت : سآتيكما بطعام ، ثم أتتهما بطعام فأكلا وشربا .
فلما ولجا الفراش قال الصغير للكبير : يا أخي ، إنا نرجو أن نكون قد أمنا ليلتنا
هذه ، فتعال حتى أعانقك وتعانقني وأشم رائحتك وتشم رائحتي قبل أن يفرق
الموت بيننا . ففعل الغلامان ذلك ، واعتنقا وناما .
فلما كان في بعض الليل أقبل ختن العجوز الفاسق حتى قرع الباب قرعا خفيفا ،
فقالت العجوز : من هذا ؟ قال : أنا فلان . قالت : ما الذي أطرقك هذه الساعة ، وليس هذا
لك بوقت ؟ قال : ويحك افتحي الباب قبل أن يطير عقلي وتنشق مرارتي في جوفي ،
جهد البلاء قد نزل بي . قالت : ويحك ما الذي نزل بك ؟ قال : هرب غلامان صغيران من
عسكر عبيد الله بن زياد ، فنادى الأمير في معسكره : من جاء برأس واحد منهما فله
ألف درهم ، ومن جاء برأسيهما فله ألفا درهم ، فقد أتعبت وتعبت ولم يصل في يدي
شئ .
فقالت العجوز : يا ختني ، احذر أن يكون محمد خصمك في يوم القيامة . قال
لها : ويحك إن الدنيا محرص عليها . فقالت : وما تصنع بالدنيا ، وليس معها آخرة ؟ قال :
إني لأراك تحامين عنهما ، كأن عندك من طلب الأمير شيئا ، فقومي فإن الأمير يدعوك .
قالت : وما يصنع الأمير بي ، وإنما أنا عجوز في هذه البرية ؟ قال : إنما لي طلب ، افتحي
لي الباب حتى أريح وأستريح ، فإذا أصبحت بكرت في أي الطريق آخذ في طلبهما .
ففتحت له الباب ، وأتته بطعام وشراب فأكل وشرب .
فلما كان في بعض الليل سمع غطيط ( 1 ) الغلامين في جوف البيت ، فأقبل يهيج
كما يهيج البعير الهائج ، ويخور كما يخور الثور ، ويلمس بكفه جدار البيت حتى وقعت
يده على جنب الغلام الصغير ، فقال له : من هذا ؟ قال : أما أنا فصاحب المنزل ، فمن
أنتما ؟ فأقبل الصغير يحرك الكبير ويقول : قم يا حبيبي ، فقد والله وقعنا فيما كنا نحاذره .
قال لهما : من أنتما ؟ قالا له : يا شيخ ، إن نحن صدقناك فلنا الأمان ؟ قال : نعم .
قالا : أمان الله وأمان رسوله ، وذمة الله وذمة رسوله ؟ قال : نعم . قالا : ومحمد بن عبد الله
على ذلك من الشاهدين ؟ قال : نعم . قالا : والله على ما نقول وكيل وشهيد ؟ قال : نعم .
قالا له : يا شيخ ، فنحن من عترة نبيك محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، هربنا من سجن عبيد الله بن
زياد من القتل . فقال لهما : من الموت هربتما ، وإلى الموت وقعتما ، الحمد لله الذي
أظفرني بكما . فقام إلى الغلامين فشد أكتافهما ، فبات الغلامان ليلتهما مكتفين .
فلما انفجر عمود الصبح ، دعا غلاما له أسود ، يقال له : فليح ، فقال : خذ هذين
الغلامين ، فانطلق بهما إلى شاطئ الفرات ، واضرب عنقيهما ، وائتني برأسيهما
لأنطلق بهما إلى عبيد الله بن زياد ، وآخذ جائزة ألفي درهم .
فحمل الغلام السيف ، ومشى أمام الغلامين ، فما مضى إلا غير بعيد حتى قال
أحد الغلامين : يا أسود ، ما أشبه سوادك بسواد بلال مؤذن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) !
قال : إن مولاي قد أمرني بقتلكما ، فمن أنتما ؟ قالا له : يا أسود ، نحن من عترة نبيك
محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، هربنا من سجن عبيد الله بن زياد من القتل : أضافتنا عجوزكم
هذه ، ويريد مولاك قتلنا . فانكب الأسود على أقدامهما يقبلهما ويقول : نفسي
لنفسكما الفداء ، ووجهي لوجهكما الوقاء ، يا عترة نبي الله المصطفى ، والله لا يكون
محمد ( صلى الله عليه وآله ) خصمي في القيامة . ثم عدا فرمى بالسيف من يده ناحية ، وطرح
نفسه في الفرات ، وعبر إلى الجانب الآخر ، فصاح به مولاه : يا غلام عصيتني ! فقال :
يا مولاي ، إنما أطعتك ما دمت لا تعصي الله ، فإذا عصيت الله فأنا منك برئ في الدنيا
والآخرة .
فدعا ابنه ، فقال : يا بني ، إنما أجمع الدنيا حلالها وحرامها لك ، والدنيا محرص
عليها ، فخذ هذين الغلامين إليك ، فانطلق بهما إلى شاطئ الفرات ، فاضرب عنقيهما
وائتني برأسيهما ، لأنطلق بهما إلى عبيد الله بن زياد وآخذ جائزة ألفي درهم .
فأخذ الغلام السيف ، ومشى أمام الغلامين ، فما مضى إلا غير بعيد حتى قال
أحد الغلامين : يا شاب ، ما أخوفني على شبابك هذا من نار جهنم ! فقال : يا حبيبي ،
فمن أنتما ؟ قالا : من عترة نبيك محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، يريد والدك قتلنا . فانكب الغلام
على أقدامهما يقبلهما ، وهو يقول لهما مقالة الأسود ، ورمى بالسيف ناحية وطرح
نفسه في الفرات وعبر ، فصاح به أبوه : يا بني عصيتني ! قال : لان أطيع الله وأعصيك
أحب إلى من أن أعصي الله وأطيعك .
قال الشيخ : لا يلي قتلكما أحد غيري ، وأخذ السيف ومشى أمامهما ، فلما صار
إلى شاطئ الفرات سل السيف من جفنه ، فلما نظر الغلامان إلى السيف مسلولا
اغرورقت أعينهما ، وقالا له : يا شيخ ، انطلق بنا إلى السوق واستمتع بأثماننا ، ولا ترد
أن يكون محمد خصمك في القيامة غدا . فقال : لا ، ولكن أقتلكما وأذهب برأسيكما
إلى عبيد الله بن زياد ، وآخذ جائزة ألفي درهم . فقالا له : يا شيخ ، أما تحفظ قرابتنا من
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ فقال : ما لكما من رسول الله قرابة . قالا له : يا شيخ ، فائت بنا
إلى عبيد الله بن زياد حتى يحكم فينا بأمره . قال : ما إلى ذلك سبيل إلا التقرب إليه
بدمكما . قالا له : يا شيخ ، أما ترحم صغر سننا ؟ قال : ما جعل الله لكما في قلبي من
الرحمة شيئا . قالا : يا شيخ إن كان ولا بد ، فدعنا نصلي ركعات . قال : فصليا ما شئتما إن
نفعتكما الصلاة . فصلى الغلامان أربع ركعات ، ثم رفعا طرفيهما إلى السماء فناديا : يا
حي يا حليم ( 1 ) يا أحكم الحاكمين ، أحكم بيننا وبينه بالحق .
فقام إلى الأكبر فضرب عنقه ، وأخذ برأسه ووضعه في المخلاة ، وأقبل الغلام
الصغير يتمرغ في دم أخيه ، وهو يقول : حتى ألقى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأنا
مختضب بدم أخي . فقال : لا عليك سوف ألحقك بأخيك ، ثم قام إلى الغلام الصغير
فضرب عنقه ، وأخذ رأسه ووضعه في المخلاة ، ورمى ببدنيهما في الماء ، وهما
يقطران دما .
ومر حتى أتى بهما عبيد الله بن زياد وهو قاعد على كرسي له ، وبيده قضيب
خيزران ، فوضع الرأسين بين يديه ، فلما نظر إليهما قام ثم قعد ثم قام ثم قعد ثلاثا ، ثم
قال : الويل لك ، أين ظفرت بهما ؟ قال : أضافتهما عجوز لنا . قال : فما عرفت لهما حق
الضيافة ؟ قال : لا .
قال : فأي شئ قالا لك ؟ قال : قالا : يا شيخ ، اذهب بنا إلى السوق فبعنا وانتفع
بأثماننا فلا ترد أن يكون محمد ( صلى الله عليه وآله ) خصمك في القيامة . قال : فأي شئ قلت
لهما ؟ قال : قلت : لا ، ولكن أقتلكما وأنطلق برأسيكما إلى عبيد الله بن زياد ، وآخذ
جائزة ألفي درهم .
قال : فأي شئ قالا لك ؟ قال : قالا : ائت بنا إلى عبيد الله بن زياد حتى يحكم فينا
بأمره . قال : فأي شئ قلت ؟ قال : قلت : ليس إلى ذلك سبيل إلا التقرب إليه بدمكما .
قال : أفلا جئتني بهما حيين ، فكنت أضعف لك الجائزة ، وأجعلها أربعة آلاف درهم ؟
قال : ما رأيت إلى ذلك سبيلا إلا التقرب إليك بدمهما .
قال : فأي شئ قالا لك أيضا ؟ قال : قال لي : يا شيخ ، احفظ قرابتنا من رسول
الله . قال : فأي شئ قلت لهما . قال : قلت : ما لكما من رسول الله قرابة .
قال : ويلك ، فأي شئ قالا لك أيضا ؟ قال : قالا : يا شيخ ، ارحم صغر سننا . قال :
فما رحمتهما ؟ قال : قلت : ما جعل الله لكما من الرحمة في قلبي شيئا .
قال : ويلك ، فأي شئ قالا لك أيضا ؟ قال : قالا : دعنا نصلي ركعات . فقلت :
فصليا ما شئتما إن نفعتكما الصلاة ، فصلى الغلامان أربع ركعات . قال : فأي شئ قالا
في آخر صلاتهما ؟ قال : رفعا طرفيهما إلى السماء ، وقالا : يا حي يا حليم ، يا أحكم
الحاكمين ، أحكم بيننا وبينه بالحق .
قال عبيد الله بن زياد : فإن أحكم الحاكمين قد حكم بينكم ، من للفاسق ؟ قال :
فانتدب له رجل من أهل الشام ، فقال : أنا له . قال : فانطلق به إلى الموضع الذي قتل فيه
الغلامين ، فاضرب عنقه ، ولا تترك أن يختلط دمه بدمهما وعجل برأسه ، ففعل الرجل
ذلك ، وجاء برأسه فنصبه على قناة ، فجعل الصبيان يرمونه بالنبل والحجارة وهم
يقولون : هذا قاتل ذرية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
وصلى الله على رسوله محمد وآله الطاهرين وسلم كثيرا))
اقول ": الا لعنة الله على الظالمين اعداء الانسانية
تعليق