ان الله تبارك وتعالى .. خلق الخلق وسواه .. ودبر الامور واجراها .. ثم اختار طائفه من عباده واصطفاهم وقربهم وناجاهم ... وبعثهم الى عباده ليدعوهم اليه والى جواره ... لكي ينتبهوا من نوم الجهاله ويستيقظوا من رقدة الغفله ... ويعيشوا عيش السعداء ويبلغوا الى كمال الوجود في دار الخلود .... وقال الله سبحانه ( والله يدعو الى دار السلام ويهدي من يشاء الى صراط مستقيم ) ... لايمكن الوصول الى هناك الا بخلتين :
احداهما صفاء النفس ..
والاخرى استقامة الطريقه ..
فاما صفاء النفس فلانها لب الانسان .. فان اسم الانسان واقع على النفس والبدن .. البدن هو هذا الجسد المرئي المؤلف من اللحم والدم والعظام وما شاكله ... وهذه كلها اجسام ارضيه ثقيله متغيره فاسده ..
اما النفس فانها جوهره سماويه روحانيه حيه نورانيه متحركه غير فاسده علامه دراكه لصور الاشياء .. اذا كانت طاهرة الجوهر لم تتدنس بالاعمال السيئه . صافية الذات لم تتصدأ بالاخلاق الرديئه .. وكانت صحيحة الهمه لم تعوج بالاراء الفاسده .. فانها تتراءى في ذاتها صور الاشياءالروحانيه التي في عالمها .. فتدركها النفس بحقائقها ... واما اذا كانت النفس جاهله غير صافية الجوهر . وقد تدنست بالاعمال السيئه او صدئت بالاخلاق الرديئه . او اعوجت بالاراء الفاسده واستمرت على تلك الحال بقيت محجوبه عن ادراك حقائق الاشياء الروحانيه .. وعاجزه عن الوصول الى الله ويفوتها نعيم الاخره كما قال الله تعالى ( كلآ انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) ..
ان حجابها عن ربها انما هو جهالتها بجوهرها وعالمها ومبدئها ومعادها .... ان النفس اذا عميت عن امر عالمها وتوهمت انه لا وجود لها الا هذه الدنيا فتحرص على البقاء فيها ... وتتمنى الخلود فيها وتياس من الاخره وتنسى امر المعاد كما ذكر الله تعالى ( يئسوا من الاخره كما يئس الكفار من اصحاب القبور ) فاذا جاءت سكرة الموت التي هي مفارقة النفس الجسد . تراجعت الى ذاتها لتنهض فلا يمكنها النهوض من ثقل اوزارها ومن اعمالها السيئه كما قال الله تعالى ( يحملون اوزارهم على ظهورهم ) فعند ذلك تبين لها انها قد خسرت الدنيا والاخره .. وذلك الخسران المبين ...
والحمد لله رب العالمين