إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

حب الحسین وعلاقته بالفطرة، للأستاذ بناهيان

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حب الحسین وعلاقته بالفطرة، للأستاذ بناهيان

    هذا الذي بين يديك أيها القارئ الكريم هو ملخص الجلسة الأولى من سلسلة محاضرات سماحة الأستاذ الشيخ بناهيان في العشرة الأولى من محرم في عام 1434هـ. في موضوع «حب الحسين وعلاقته بالفطرة» حيث ألقاها في جامعة الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران بين مجموعة من طلاب وأساتذة الجامعة وباقي شرائح المجتمع. تمت ترجمتها بحمد الله لما فيها من معان ومضامين رائعة جدا بشأن قضية الحسين(ع) ومدى علاقتها بفطرة الإنسان. أدعوكم لمتابعة هذه الأبحاث وهذه السلسلة العطرة علّها تقربنا شيئا إلى الإمام الحسين(ع) وقضيته.




    لابد لنا اليوم أن نرى أيّ مفهوم يحظى بالأولويّة دون غيره؟

    إن المجالس التي تقام بمحورية أهل البيت(ع) وذكرهم في مناسباتهم والتي تسمّى بمجالس الذكر أو مجالس أهل البيت(ع)، فإنها بالإضافة إلى كونها مجالا للفكر وكسب العلم والمعرفة وإحياء أمر أهل البيت(ع) وكونها تمكّن من إقامة الحق وتمهّد الناس لنصرة أئمة الهدى(ع)، لها أثر ممتاز آخر إلى جانب هذه الخصائص كلها لا ينبغي الغفلة عنه، وهو «تعیین الأولوية أو تحديد المفهوم الأكثر أولوية» على أساس مقتضى روحنا ومجتمعنا اليوم.
    عندما نجتمع معا في هذه المجالس لابدّ أن نتأمل ونرى أن من بين جميع المفاهيم الجيّدة، ما هو المفهوم الذي له أكثر أولوية وأكثر علاقة مع عصرنا الحاضر. في مثل هذه المجالس لابدّ أن نلتفت إلى أنه «ما الذي نطرحه في هذا اليوم؟» و أيّ مفهوم له دور استراتيجي في إنقاذ أنفسنا ومجتمعنا والعالم بأسره؟ إن من أهمّ فوائد أمثال هذه المجالس هو أن نعرف على أيّ مفهوم أضحى يدقّ نبض زماننا وتحولات عصرنا وأيّ المفاهيم له الدور الأهم في عبورنا من هذه المرحلة.

    ما هي المفاهيم التي كانت لها الأولوية في أيام الثورة وأيام الدفاع المقدّس؟

    من المهمّ جدا أن ينتبه الإنسان إلى أولويات زمانه من الأولويات الفردية والاجتماعية. فعلى سبيل المثال كان من المطلوب في أيام الثورة أن نلتفت إلى مفهوم الإيمان وقيمته وموقعه. ومن الخصائص البارزة للشهيد المطهري(ره) حينئذ هي أن شخّص هذه الأولوية ولفت أنظارنا في أيام الثورة إلى موضوع الإيمان وقيمته إلى جانب العلم، وكان ذلك، في تلك الأجواء العلمانية التي تَعُدّ الإيمان ضربا من الخرافة.
    وكذلك كانت الأولوية في زمن الدفاع المقدّس هو أن نلتفت إلى مفهومي الجهاد والشهادة، إذ كانت هي قضيتنا يومذاك وكان قد أصبح مجتمعنا الديني بحاجة حياتية إلى هذين المفهومين.
    بعد أيام الدفاع المقدس ـ قبل حوالي 18 عام ـ أقبلت الأنظار والأفكار بين الشباب المتدين والثوريّ تتوجه إلى الإمام الحجة(عج). فازدهرت بعدها مجالس دعاء الندبة وبدأ البحث والكلام عن المجتمع المهدويّ، وقد كان البعض يحاول أن يفرض «المجتمع المدنيّ» كأحد مثلنا في المجتمع. فإن الالتفات إلى المجتمع المهدويّ في ذاك المقطع من الزمن أنقذنا من السقوط. فبعدها أصبح الناس يتطلعون لمستقبل سعيد جدا وهذا ما زاد أمل الناس بالدّين وشحنهم لاستهداف القمم القادمة.

    إن أبا عبد الله الحسين(ع) اليوم هو موضوع استراتيجي لنا

    ما هو الموضوع الذي يحظى اليوم بالأولوية الأهمّ لأنفسنا ومجتمعنا وللعالم بأسره؟ أنا أتصوّر أن لابدّ لنا أن نرجع البصر مرة أخرى إلى أبي عبد الله الحسين(ع) وننظر إلى قضية عاشوراء كقضية استراتيجية ومفهوم استراتيجي للعبور من أزماتنا وحتى الأزمات العالمية. إن أبا عبد الله الحسين(ع) اليوم هو موضوع استراتيجي لنا.


    يتبع إن شاء الله...

  • #2
    حب الحسين وعلاقته بالفطرة 2

    أصبحت قضية أبي عبد الله الحسين(ع) تهاجَم اليوم من قبل الأعداء بشكل خاص

    أحيانا بسبب الهجمات التي تستهدف أحد المفاهيم الدينية، يصبح هذا المفهوم ذا أولوية بشكل تلقائي وكذا يصبح الدفاع عن هذا المفهوم وتناوله بالبحث من الأولويات، كي لا تنال هذه الهجمات شيئا من هذا المفهوم الديني. أما عندما نقول يجب اليوم أن نضع قضية أبي عبد الله(ع) على رأس الأولويات، ليس ذلك بسبب الهجمات الشديدة التي أصبحت تستهدف قضية الحسين(ع) في هذا العصر، مع أن الهجمات قائمة على أوجها.
    في الأواني الأخيرة وفي الأوساط الدولية والإعلامية أخذت تنتشر بعض الظواهر التي لم نعهدها سابقا. لماذا نرى اليوم بعض التيارات والحركات في العالم قد أخذت على عاتقها أن تضرب المآتم ومراسم العزاء وتعدّها من الخرافات؟! إن هذا التيار المصنوع بيد الإنجليز في عالم الإسلام، أي التيار الوهابي يشنّ هجمة قاسية ضدّ قضية عاشوراء وكربلاء وإلى جانبه هناك جهات أخرى معادية للدين والثورة تضرب على هذا الوتر نفسه.
    ولكن على أي حال، مجرد هجماتهم على موضوع ما، لا يدلّ على كون الموضوع استراتيجيا، ولكنّ قضية أبي عبد الله الحسين(ع) مهمّة لكونها أصبحت هدف سهام الأعداء بشكل خاص، وكذلك يجب تناولها لأسباب مهمة ومختلفة أخرى. أحد هذه الأسباب هي أن محور قيام الإمام الحجة(عج) هو الأخذ بثأر الحسين(ع).

    لماذا ينسب الإمام المهدي(عج) نفسه إلى الإمام الحسين(ع)؟

    لماذا ينسب الإمام المهدي(عج) نفسه إلى الإمام الحسين(ع)؟ لقد ورد في الأخبار أنه يقف بين الركن والمقام وينادي أهل العالم جميعا؛ «إذا ظهر القائم(ع) قام بین الرکن و المقام و ینادی بنداءات خمسة: الأول: ألا یا أهل‏ العالم‏ أنا الإمام القائم، الثاني: ألا یا أهل‏ العالم‏ أنا الصمصام المنتقم، الثالث: ألا یا أهل‏ العالم‏ إن جدّي الحسین قتلوه عطشانا...» [إلزام الناصب/ج2/ص233] لماذا سوف تكون رايات أصحاب المهدي(عج) هي رايات عزاء الإمام الحسين(ع) السود؟ لماذا سوف يكون شعار الإمام «يا لثارات الحسين»؟[أمالي الصدوق/ص130] فيا ترى هل سيتمّ اختيار أنصار الإمام المهدي(عج) من بين اللاطمين ومقيمي عزاء الحسين(ع)؟ وهل سيكون ذاك القيام الأخير والقيام الموعود هو قيام مقيمي عزاء الحسين(ع)؟!

    لماذا توجّهت الأنظار اليوم بشكل خاص إلى كربلاء؟

    لماذا توجّهت الأنظار اليوم وبشكل خاص إلى كربلاء وتتوجه الملايين من الناس سنويّا إلى كربلاء الحسين(ع)؟ لأي سبب صار هذا التحوّل في النفوس؟ لماذا تجد العالَم المسيحيّ الذي سوف يكون في مقدمة الملتحقين والمسلّمين لحكومة إمام العصر(عج) بعد المؤمنين الخلّص، يحظى بتقارب ثقافي شديد تجاه قضية أبي عبد الله الحسين(ع)؟ فعندما تشرح قضية الإمام الحسين(ع) لأحد المسيحيين المؤمنين، يتبادر ذهنه إلى تعاليمه المسيحيّة خطوة بعد خطوة ويجد قلبه متوهّجا بقضيّة الحسين(ع). فقد التقينا وسمعنا بنماذج كثيرة من هؤلاء الناس. إنني قد التقيت ببعض هؤلاء حيث كان أحدهم يسمع قصائدنا الفارسية ومع أنه ما كان يفهم من مضامينها غير كلمة «الحسين» كان يشعر بلذة معنوية بسماعها.

    لماذا كل هذا التأكيد من قبل أهل البيت(ع) على زيارة الحسين(ع)؟

    بعد أن تلقى آدم(ع) كلمات من الله والتي جاء في الروايات أنها أسماء خمسة أهل الكساء، أخذ يذكر آدم أسماءهم... «فَلَمَّا ذَکَرَ الْحُسَیْنَ‏ سَالَتْ دُمُوعُهُ‏ وَ انْخَشَعَ‏ قَلْبُهُ وَ قَالَ یَا أَخِي جَبْرَئِیلُ فِی ذِکْرِ الْخَامِسِ یَنْکَسِرُ قَلْبِی وَ تَسِیلُ عَبْرَتِی قَالَ جَبْرَئِیلُ وَلَدُکَ هَذَا یُصَابُ بِمُصِیبَةٍ تَصْغُرُ عِنْدَهَا الْمَصَائِبُ فَقَالَ یَا أَخِي وَ مَا هِي قَالَ یُقْتَلُ عَطْشَاناً غَرِیباً وَحِیداً فَرِیداً لَیْسَ لَهُ نَاصِرٌ وَ لَا مُعِینٌ وَ لَوْ تَرَاهُ یَا آدَمُ وَ هُوَ یَقُولُ وَا عَطَشَاهْ وَا قِلَّةَ نَاصِرَاهْ حَتَّى یَحُولَ الْعَطَشُ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ السَّمَاءِ کَالدُّخَانِ فَلَمْ یُجِبْهُ أَحَدٌ إِلَّا بِالسُّیُوفِ وَ شُرْبِ الْحُتُوفِ فَیُذْبَحُ ذَبْحَ الشَّاةِ مِنْ قَفَاهُ وَ یَنْهَبُ رَحْلَهُ أَعْدَاؤُهُ وَ تُشْهَرُ رُءُوسُهُمْ هُوَ وَ أَنْصَارُهُ فِی الْبُلْدَانِ وَ مَعَهُمُ النِّسْوَانُ کَذَلِکَ سَبَقَ فِی عِلْمِ الْوَاحِدِ الْمَنَّانِ فَبَکَى آدَمُ وَ جَبْرَئِیلُ بُکَاءَ الثَّکْلَى.»[عوالم العلوم/ج17/ص104]
    وكذلك باقي الأنبياء كنوح وإبراهيم وموسى وعيسى(ع) كلّ واحد منهم قد مرّ من كربلاء ذات يوم فتعرف على قضية كربلاء وتعرّف على الإمام الحسين(ع) وبكى عليه. وقد ورد في بعض كتبنا أنه: «مَامِنْ‏نَبِيٍ‏إِلَّاوَيَأتِي إِلَيهَا وَيَزورُها»[بحار الأنوار/ج45/ص315].

    هل ينبغي أن نحدد الإمام الحسين(ع) مع كل ما يحظى به من أسرار، بهذه الفوائد المشهورة لحدّ الآن في مجتمعنا؟!

    هل أن هذا الكمّ الهائل من الثواب الذي خصّص لزيارة أبي عبد الله(ع) وإقامة العزاء والبكاء عليه أمر بسيط؟! لماذا كل هذا التأكيد من قبل أهل البيت(ع) على زيارة أبي عبد الله(ع) وخاصة مشيا على الأقدام؟ هل كل هذا بسبب مواجهة الظلم وحسب؟! هل أن الحسين(ع) مجرد سبب لتأليف القلوب وحسب؟! هل ينبغي أن نحدّد الإمام الحسين(ع) مع كل ما يحظى به من أسرار، بهذه الفوائد المشهورة لحدّ الآن في مجتمعنا؟! هل ينبغي للإنسان أن يتعامل مع هذه القضية المليئة بالأسرار والحقائق الخفية بهذه السطحية؟!
    أنا لا أعتبر أنفسنا بأنا عرفنا الإمام الحسين(ع) وأسرار عاشوراء كافيا. فإنّ البركات التي بيد الحسين(ع) والتي يقدر على إعطائها لنا أكثر بكثير من هذا القدر. فلابدّ لمجتمعنا أن يرجع إلى كربلاء ليدركها من جديد.


    يتبع إن شاء الله...

    تعليق


    • #3
      حب الحسين وعلاقته بالفطرة 3

      نحن وللأسف نقوم بنشاطات ثقافية في ألف مجال وندع قضية الحسين(ع)!

      نحن وللأسف نقوم بنشاطات ثقافية في ألف مجال وندع قضية الحسين(ع) حيث لم نقم بشيء يتناسب مع شأنها وأهميتها. نقوم بنشاطات ثقافية حول الصلاة والأمر بالمعروف والحجاب وكثير من الموضوعات الأخرى بيد أنّنا أهملنا تقريبا العنصر الثقافيّ الأكثر تأثيرا في المجتمع الديني وهو الإمام الحسين(ع) الذي يؤسّس ثقافة الشعوب ويصلح ثقافتهم. فأصبح شأننا تجاه قضية الحسين(ع) هي أن نذكرها ونقيم المأتم بذكرها تارة ونحسب أن هذا القدر كافيا.

      الركيزة الأهمّ في ديننا هي الفطرة

      الركيزة الأهمّ في ديننا هي الفطرة. فلولا وجود الفطرة لم يبق وجه لقول الله تعالى إلى رسوله؛ «إِنَّما أَنْتَ مُذَکِّرٌ»[الغاشية/21] فإن هذا التذكير بسبب وجود الفطرة.
      عندما نلتفت إلى الرؤية العرفانية للمروحوم الشاه***آبادي (أستاذ الإمام الخميني في العرفان) نجد أن ركيزة رؤيته إلى عالم المعرفة هي الفطرة وعمدة تركيزه كان على فطرة الناس. كما أن السيد الإمام(ره) قد قام بهذه الثورة اعتمادا على فطرة الناس. كان قد أجمع الجميع على أن هذه الثورة لن تنجح ولن تنتصر، بيد أن السيّد الإمام أصرّ مؤكدا على نجاحها، وسبب ذلك هو أن الإمام كان يعتمد على فطرة الشعب. كان ينظر الآخرون إلى ظواهر ممارسات الشعب ومشاعرهم السطحية، ولكن كان ينظر الإمام إلى فطرتهم.
      إن الفطرة هي الركيزة الأهم لديننا وليس شأن الأنبياء سوى إيقاظ الفطرة وإنعاشها. فإن الفطرة هي التي توصلنا إلى الله. وبسبب وجودها يحكم على بعض المرتدّين بالإعدام، إذ لا سبيل لسحق الفطرة والإسفاف إلى درجة الكفر والارتداد إلا بالخبث والرذالة الشديدين.

      أنشط قسم في فطرتنا هو الحسين(ع)

      لقد قال النبي الأعظم(ص): «إِنَّ لِقَتْلِ الْحُسَیْنِ‏ حَرَارَةً فِی‏ قُلُوبِ‏ الْمُؤْمِنِینَ‏ لَا تَبْرُدُ أَبَداً»[مستدرك الوسائل/ج10/ص318] من أين اكتسبنا هذه الدموع على أبي عبد الله الحسين(ع)؟! فواقعا نحن لا نعلم مصدر هذه الدموع والحرقة.
      أنتم الذين تحبّون الحسين(ع) هل أن حبّكم هذا بسبب استماع مظلوميته ومصائبه؟ أم إنّكم تحبّونه ابتداء وبسبب علاقة فطرية، ثم عندما تسمعون بمصائبه تلتهب قلوبكم حزنا؟!
      إن هذا الحديث لرسول الله(ص) يكشف في الواقع عن علاقتنا الفطرية بأبي عبد الله الحسين(ع). كما أن الإيمان هو أمر فطري، فعندما يزدهر جزء من فطرة الإنسان المؤمن، يتحول إلى هذه الحرارة المودعة في قلوب المؤمنين تجاه الإمام الحسين(ع). بإمكاننا أن نقول إن الحسين(ع) هو أنشط قسم في فطرتنا وإنه يمثل معجزة الفطرة.

      إن الحسين هو اللسان البليغ للفطرة وليس لدينا كلام مع أهل العالم غير الحسين(ع)

      هل ينبغي للإنسان أن ينطلق في حركته صوب الكمال من غير الأجزاء اليَقِظَة في فطرته؟ هل للإنسان سبيل نحو السعادة سوى أن يرجع إلى الأقسام اليقظة والنشطة في فطرته وأن يوقظ باقي نواحي قلبه عبر هذا الطريق؟ وهل يشير العقل إلى طريق غير هذا؟ ثم كيف يتسنّى للإنسان أن يبدأ باكتساب الفضائل من غير هذا الطريق؟
      لماذا سوف يكون منطلق الإمام المهدي(عج) في حركته هو ذكر الحسين(ع)؟ لأن الحسين(ع) هو لسان الفطرة البليغ. و ليس لدينا كلام مع أهل العالم غير الحسين(ع). كل من له قلب سليم غير ملوّث فإن فطرته حيّة وفعالة تجاه الحسين(ع) وبات الانطباع الفطري للشعوب تجاه الإمام الحسين(ع) يكتسح العالم.

      لقد انتهى أهل العالم إلى طريق مسدود وإن المخلص هو الحسين(ع)

      في هذا العصر الذي بان فيه انسداد الطرق وأقبلت الشعوب تبحث عن سبيل جديد، لابدّ أن يعرّف هذا السبيل لأهل العالم عن طريق الحسين(ع). إن هذا العصر هو عصر الإمام الحسين(ع) ودور الرجوع إلى أبي عبد الله(ع). إن شعوب العالم تبحث عن طريق للخلاص وطريق خلاصهم هو الحسين(ع). «إِنَّ الْحُسَیْنَ بْنَ عَلِیٍّ فِی السَّمَاءِ أَکْبَرُ مِنْهُ فِی الْأَرْضِ وَ إِنَّهُ لَمَکْتُوبٌ عَنْ یَمِینِ عَرْشِ اللَّهِ مِصْبَاحُ‏ هُدًى وَ سَفِینَةُ نَجَاة»(عیون أخبار الرضا/ج1/ص60).
      وكذا الإمام المنتظر(عج) سوف يكلّم الناس بلغة الفطرة كما كان يفعل الأنبياء. إذن لابدّ أن تُفَعّل هذه اللغة. حتى إنّ لغة العلم ولا سيما العلم الجدلي فرع لهذا الأصل، والأصل هو لغة الفطرة. إن العلم الجدلي الذي يستخدم كثيرا في علم الكلام ترسيخا لعائدنا الحقّة غالبا ما يستعان به لردّ العدوّ اللجوج وشبهاته.

      إن قناة التواصل مع أهل العالم هو لغة الفطرة وأبلغ شيء في لغة الفطرة هو «الحسين(ع)»

      لیست القضايا العلمية هي قناة التواصل مع أهل العالم، بل الطريق الأول هو لغة الفطرة وأبلغ شيء في هذه اللغة هو «الحسين(ع)». كما أن الحسين(ع) قد اتخذ نفس هذا الأسلوب في التأثير علينا وجرّنا إلى هذا الطريق الروحاني.

      إن هذا العصر هو زمن عالميّة الإسلام ولابدّ أن ننطلق من الحسين(ع)

      في هذا العصر الذي فشلت فيه جميع المدارس وانتهت المذاهب فيه إلى طرق مسدودة، أتى دور الكلام الجديد، فلابدّ أن نكلّم العالم بلغة الفطرة، وإن أكثر قسم مزدهر في هذه الفطرة هو الحسين(ع). إن هذا العصر هو زمن عالميّة الإسلام ولابدّ أن ننطلق من الحسين(ع).
      إن الحسين(ع) يقع في أهم موقع فطريّ في قلب الإنسان فيا له من تأثير عميق على حركة الإنسان والمجتمع صوب الكمال. فإيّانا أن نتوهّم بأنا قد اجتزنا دروس معرفة الإمام الحسين(ع) وأتى دور مواضيع أخرى.

      يتبع إن شاء الله...

      تعليق


      • #4
        حب الحسين وعلاقته بالفطرة 4

        صلى الله عليك يا أبا عبد الله

        بودي أن أجعل منطلق ذكر مصيبة الحسين في هذه الليلة سؤالا لنقف عنده ونتأمل فيه. أنتم الذين تحبّون الحسين(ع) هل أن حبّكم هذا بسبب السهام التي أصابت جسم الحسين(ع)، أم إنّكم تحبّونه ابتداء وبسبب علاقة فطرية، ثم عندما تسمعون بالسهام قد استهدفت جسمه الشريف تلتهب قلوبكم وتحترق حسرة؟!
        إنكم تبكون على الحسين(ع) في هذه الليلة ولم يستقر الحسين(ع) في كربلاء بعد. فكأنكم تبكونه قلقا. لو نظرتم إلى الحسين(ع) هذه الليلة لرأيتموه مشرّدا من منزل إلى منزل فلا يسمح له بالذهاب إلى الكوفة ولا بالرجوع إلى المدينة ولا بالذهاب إلى أي نقطة أخرى...
        ما السبب في بكائكم هذا؟ فلا يمكن أن يكون السبب ثقافيا، فمتى تركت الثقافة تأثيرا بهذا المستوى من العمق على النفوس؟ وكذلك لم يكن السبب فكريّا وإنما هو سبب فطريّ. ولهذا ما إن ترون غربة الحسين(ع) لا تكادون تطيقون. فساعد الله قلوبكم يوم عاشوراء. أنا لا أدري ولكن أحتمل أن يوم عاشوراء تأتي ملائكة السماء وتمسح بجناحها على قلوب شيعة الحسين(ع) لتسكنّها وتخفف عليها لوعة المصاب. فما إن تقتربوا من مقتل الحسين(ع) لعل الملائكة تأتي وتحرف قلوبكم عن ذاك المشهد حفاظا عليكم. الشخص الوحيد الذي سُمح له بمشاهدة المقتل وتجرّع هذا البلاء العظيم إلى آخره هي العقيلة زينب(س) حيث كانت تنظر من التلّ الزيني ما يفعل بسبط رسول الله(ع).
        إن مجلس عزاء الحسين(ع) هو مجلس ازدهار فطرتنا ولهذا السبب نشعر باللذة والانتعاش في هذه المجالس. وهي لذة لا يذوقها أهل العيش والطرب في العالم.
        إنكم لا رأيتم الحسين(ع) ولا سمعتم بصوت الحسين(ع) ولا عشتم غربته عن قرب، ومع ذلك تسكبون الدموع وتنوحون وتصرخون عليه. فلا تلوموا مسلم بن العقيل لبكائه الشديد في دار الإمارة بمرأى أعدائه. حيث رأوه يجهش بالبكاء في قصر عبيد الله بن زياد وكأنه وحيدا لا يراه أحد من أعدائه. كونوا على ثقة بأنه حاول أن يتمالك نفسه ولكنه لم يستطع فقد كان قد سلب ذكر الحسين(ع) قراره وهدوءه. أنتم تعلمون أنه ليس من شيمة الرجل أن يبكي أمام عدوّه ولاسيّما إن كان مكبّل اليد أسيرا بيد عدوّه. وكان مسلم

        تعليق


        • #5
          تقبل الله

          في ميزان اعمالكم الطيبة

          تعليق


          • #6
            حب الحسين وعلاقته بالفطرة 5

            إليك ملخص الجلسة الثانية من سلسلة محاضرات «حب الحسين وعلاقته بالفطرة» لسماحة الأستاذ بناهيان:



            لقد أقبل الزمان يعود إلى الفطرة/ لابدّ أن نمهد للظهور عبر ثقافة عاشوراء


            نحن نعتبر أحد أهم فوائد هذه المجالس الدينية هو تشخيص ما له الأولوية من بين مختلف المعارف الدينية. ولهذا يحقّ لنا أن نسمي هذه المجالس بمجالس إحياء أمر أهل البيت(ع)، كما عبّر عنها الإمام الرضا(ع). فإن إقامة العزاء في الواقع يعني إقامة الحق، فتارة نتحدث عن الصلاة وتارة نقيم الصلاة وشتان ما بينهما. إن المحاضرات الدراسية في الصفوف ومطالعة الكتب في المكتبات هي كلام وحديث عن الحق، بيد أن أمثال هذه المجالس تهدف إلى إقامة الحق ولا الحديث عنه فحسب. أو على الأقل توفّر أحد أهمّ مقدمات إقامة الحق وهو الحديث عن أهمّ الأولويّات والضروريّات في زماننا وعصرنا هذا. فلم يعد من الفنّ بعد أن لا نتحدث غير الصواب، بل ما نعانيه في هذا الزمان هو عدم تشخيص ما له الأولوية من المواضيع والأحاديث. ولا يخفى أن ضرورة هذا التشخيص لا ترتبط بالقضايا الاجتماعية والدولية أو الإقليمية، بل حتى في مسار حركتنا في السير والسلوك نحو الكمال والقرب الإلهي أيضا نحن معنيون في تشخيص الأولويات.
            إنّ ما له الأولوية اليوم هو أن نعود لمعرفة عاشوراء من جديد. لابدّ لنا من العود إلى أبي عبد الله الحسين(ع) وأن نقوم بتعريف عاشوراء لنا من جديد. لابد أن نستوعب أسرار عاشوراء ونجعل سلوكنا على أساس هذه الأسرار ثم نمهّد للظهور على أساس الأحكام والأوامر التي توجهه لنا واقعة عاشوراء. لابدّ أن نجعل من أسرار عاشوراء رمزا لحركتنا الفردية والاجتماعية في سبيل نيل القرب الإلهي وتحقيق ظهور الإمام(عج).
            أما لماذا أصبح عصرنا اليوم بحاجة إلى الحسين(ع) ولماذا حان وقت عود المجتمع البشري إلى أبي عبد الله(ع)؟ وبعد أن أخذ يعود الإنسان إلى فطرته لماذا لابدّ أن يرجع إلى الحسين الفطري من بين مختلف نزعاته الفطرية؟ فجواب كلا هذين السؤالين هو الحديث النبوي الشريف حيث قد اعتبر حبّ الحسين(ع) وحرقة القلب من أجله أمرا فطريا. وذلك قوله: «إِنَّ لِقَتْلِ الْحُسَیْنِ‏ حَرَارَةً فِی‏ قُلُوبِ‏ الْمُؤْمِنِینَ‏ لَا تَبْرُدُ أَبَداً»[مستدرك الوسائل/ج10/ص318] فكأن قلب المؤمن يبتغي حِجة ليذكر عنده اسم الحسين(ع) لتنهمر دموعه قبل أن يسمع عنه شيئا، وبعد ذلك يتساءل كما تساءل أبوه آدم(ع) عن الحسين(ع) أن يا ترى من هو الحسين(ع) الذي ملأ قلبي حرارة وحرقة؟! ثم بعد ذلك يأتي دور ذكر مصائب الحسين(ع)، من بعده يروى له ما جرى في التاريخ. لماذا قال النبي(ص): «... لا تبرد أبدا»؟ لأن النزعات الفطرية هكذا خالدة لا تبرد ولا تزول، ولكنها مزدهرة وفعّالة في قلب المؤمن دون غيره.
            ولكن في سبيل أن يتضح الموضوع أكثر، لابدّ لي من الإشارة إلى أمرين؛ أحدهما هو علاقة الزمان بالفطرة، والآخر هو علاقة الفطرة بأبي عبد الله الحسين(ع). وهناك موضوع آخر لن نتطرق إليه وهو علاقة أنفسنا بأبي عبد الله الحسين(ع)، إذ أنتم الآن تعيشون هذه الحقيقة ولكم بها علم حضوري، فلا داعي لأن نتحدث ونبرهن لبديهيات.
            لعلك تسألني كيف أحب الحسين(ع) ويحترق قلبي من أجله فطريا؟ فحسبك أن تتأمل في نفسك كي تجد هذه الحقيقة. حيث إنك لا تبكي على أي مظلوم حتى وإن قطّع جسده مثل ما تبكي على الحسين(ع). حتى قد يعترض البعض ويقول لماذا لا نقيم العزاء على باقي أئتمنا(ع) الذين استشهدوا ظلما وعدوانا مثل ما نقيم العزاء على الحسين(ع). والجواب هو أن هذه الظاهرة تعود لحقيقة فطرية مختصّة بالحسين(ع) دون غيره من أولياء الله. إنها معجزة إلهية تعيشها بكل وجودك ولا داعي للحديث عنها كثيرا. فلنتحدث عن الفطرة وأن هل قد حان في هذا العصر وقت عودة الناس إلى الفطرة؟ وإذا كانت فطرة الإنسان تنطوي على شتى المعارف والنزعات لماذا لابدّ لهذا العصر حين عودته ورجعته إلى الفطرة أن يعود إلى الحسين الفطري؟!
            أحد المواطن التي تجعل الإنسان يعود إلى فطرته هو مواطن الفشل والخيبة والانتهاء إلى طريق مسدود. وأساسا يبتلي الله عباده ويصبّ عليهم البلايا والرزايا لعلهم يرجعون إلى فطرتهم. فقد قال الله سبحانه وتعالى: (وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى‏ أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ)[الأنعام/42]. وهذا هو التضرع الذي يأخذ بيد الإنسان إلى الخلوص.

            وكذا المجتمع البشري شأنه كشأن الفرد الواحد عندما ينتهي إلى طريق مسدود يعود إلى فطرته/ وقد حان وقت عود المجتمع البشري إلى فطرته


            يقال في البراهين الفطرية لإثبات الله سبحانه: عندما تتنقطع بك جميع السبل تبقى تبحث عمّن يأخذ بيدك وينقذك من ورطتك وهذا هو الله الرحيم. كما عندما تنقطع السبل بالإنسان وتغلق بوجهه الأبواب ويقنط عن كلّ شيء حينئذ يرجع إلى فطرته، كذلك المجتمع البشري عندما ينتهي إلى طريق مسدود، يعود إلى فطرته. إن أصل العودة إلى الفطرة عند انقطاع السبل سواء بين الفرد والمجتمع، ولكن يمكن أن يحصل هذا في أيّ وقت لأفراد الناس، بينما لا يحصل للمجتمع إلا بعد دهر طويل من حياة وحركة وتطوّر، وقد حان اليوم وقت هذه العودة إلى الفطرة للمجتمع البشري.
            إن فلسفة البلايا والرزايا هي شروق الفطرة في قلب الإنسان المظلم. إن الطرق المسدودة وحالات الخيبة والكآبة تُرجِع الإنسان إلى فطرته، وحسب الإنسان في هذا الوقت شيء يسير من الهداية والتوعية والإرشاد. لقد حان اليوم للبشريّة أن يعودوا إلى فطرتهم وإنّ الجمهورية الإسلامية المقدسة وهذه الثورة العظيمة إنما هي من أجل الأخذ بيد الناس لإرجاعهم إلى فطرتهم وبعبارة أخرى إنما دورها هي «بناء الإنسان». لقد قال الإمام الخميني(ره): «... إن لثورتنا الإسلامية أبعادا مختلفة: هي ثورة من أجل الإطاحة بالنظام الفاسد، وثورة من أجل إقامة نظام حق، ونأمل أن تكون ثورة لبناء الإنسان وبناء حكومة إنسانية».[صحيفة الإمام(الفارسية)/ج8/ص317].

            يتبع إن شاء الله...

            تعليق


            • #7
              حب الحسين وعلاقته بالفطرة 6

              إن أسوأ المفاسد في التاريخ البشري متمخضة عن الديمقراطية والليبرالية

              لقد انتهى المجتمع البشري إلى طريق مسدود فلا أحد يدلّه على طريق جديد. ولو لايزال بعض الجهلة منبهرين بالديمقراطية ولم يكفّوا عنها، حتى بعد ما شاهدوا تجربتها الفاشلة في العالم. ولكن من المؤكد أن هذه الحركة البشرية العظيمة لن تتوقف بجهل بعض من سجن نفسه في ألفاظ الكتب الغبراء التي فات شوطها.
              الواقع هو أن أسوأ المفاسد في التاريخ البشري متمخضة عن الديمقراطية والليبرالية الذين هما يمثلان آخر وصفة لإنقاذ البشر، وبعد مرور سنين من طرح هاتين الوصفتين لم يأت أحد بمشروع جديد لإنقاذ العالم. وهذا هو ما وعدت به الأخبار وهو أن قُبَيل الظهور يحدث فراغ نظري في العالم ويتّضح بطلان دعوى كلّ من يدعي شيئا لإدارة المجتمع البشري، فيظهر الإمام الحجة(عج) في هذا الفراغ النظري. إن هذه من القواعد الرئيسة والقطعية في أمر الظهور.
              يقول الإمام الصادق(ع): «مَا یَکُونُ هَذَا الْأَمْرُ حَتَّى لَا یَبْقَى صِنْفٌ مِنَ النَّاسِ إِلَّا و قَدْ وُلُّوا عَلَى النَّاسِ حَتَّى لَا یَقُولَ قَائِلٌ إِنَّا لَوْ وُلِّینَا لَعَدَلْنَا ثُمَّ یَقُومُ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ وَ الْعَدْلِ»(الغيبة للنعماني/274) وكذلك قال الإمام الباقر(ع): «دَوْلَتُنَا آخِرُ الدُّوَلِ وَ لَنْ یَبْقَى أَهْلُ بَیْتٍ لَهُمْ دَوْلَةٌ إِلَّا مَلَکُوا قَبْلَنَا لِئَلَّا یَقُولُوا إِذَا رَأَوْا سِیرَتَنَا «إِذَا مَلِکْنَا سِرْنَا مِثْلَ سِیرَةِ هَؤُلَاءِ» وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ»(الغيبة للطوسي/ص472)

              لماذا لا يصوّر الإعلاميون لنا ولأهل العالم «حيرة الإنسان في الغرب»؟

              إن الفراغ النظريّ الذي حدث اليوم في العالم ليس بفراغ نظري وحسب، بل إن المآزق الخارجية التي لم تعد تهتدي الشعوب إلى منجى منها قد وثّقت هذا الفراغ النظري. فأين يلجأ هذا الإنسان الخائب والمسكين الذي لم يعد يمكن خداعه ولا يمكن إلهائه بالتوافه أو إغراؤه بالشهوات.
              فهذا من عدم دراية رجال السينما والإعلام أن لا يعكسوا لنا ولأهل العالم حيرة الإنسان في الغرب. لابدّ لهم أن يذهبوا إلى تلك الديار ويعكسوا لنا ظاهرة اليأس والخيبة والإحباط المتفشية هناك. إن اصطياد ظواهر الكآبة هذه التي أصابت نفوس أبناء المجتمع البشري هو من شؤون رجال الإعلام فإن كانوا يحظون بالعقل والذكاء والدراية والتوفيق يقدروا عندئذ على اصطياد هذه اللقطات وعرضها للمشاهد.
              يحتاج الإنسان إلى ذكاء وبصيرة حتى يصطاد هذه اللقطات بكامرته أو بعينه ويتنبأ المستقبل. فإن العالم بأسره في مختلف أرجائه يتجه نحو زوال قدرة هذه الأنظمة والأفكار الفاسدة وازدهار وانتصار المعنوية والولاية والدين. وأنا كنت أتحدث بهذه المفاهيم وأتنبأ انتشار المدّ المعنوي والديني لدى شباب إيران في أوج أيام الإصلاحات التي كان يتنبّأ مفكّروها آنذاك بزوال الدين والموج الديني من شباب إيران. في تلك الأيام التي كان يطبّل ويزمّر البعض بزوال القيم من هذا المجتمع وأن البنات السافرات سيكتسحن أجواء البلد ويجعلن فكرهنّ وظاهرتهنّ هي الغالبة في المستقبل، في تلك الأيام أخذت بيد بعض المحقّقين الذين كانوا قد جاءوا من أمريكا لإجراء بعض الدراسات العلمية إلى أحد أسوأ الأقسام الداخلية لأحدى الجامعات والتي كان مستوى الحجاب فيها سيئ جدا، فأجريت مسابقة هناك وقلت لهم: أبدوا مشاعركم تجاه فاطمة الزهراء(س). وما أجمل العبارات التي ذكرنها نفس هؤلاء البنات غير المحجبات. فالتفتّ لهذا الوفد وقلت أن المستقبل لهذه العبارات؛ لا لهذه التسريحة الظاهرة من إيشابها. فقال أحدهم متسائلا: هل تعتقد أن سوف تحيى هذه القيم؟ قلت: نعم بالتأكيد وسوف تتدفّق من قلوب هؤلاء الناس.
              كما كنت في جلسة مع مجموعة من مخالفي ومعارضة الثورة الإسلامية في كندا وحاولت كثيرا أن أفهّمهم هذه الحقيقة، وهي أن قد نرى مظاهر كثيرة حولنا ولكن لابدّ أن نشخّص أي ظاهرة سوف تسود في المستقبل وتكتسح العالم.
              إذا أردتم أن تطالعوا أكثر في هذا المجال أعرفكم على مصدر باسم سورة محمد(ص)، حيث قد بيّن الله فيها أنه يبطل أثر أعمال بعض الناس، كما قد بيّن فيها أنه سوف يحافظ على أثر عمل الشهداء. ونحن قد قدمنا شهداء في حركتنا. إذن لابدّ من الانتصار لا محالة. (وَ الَّذينَ قُتِلُوا في‏ سَبيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُم‏)[محمد/4] ولكن (الَّذينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُم‏)[محمد/1] فلا أثر لأعمالهم في العالم مهما سعوا وكادوا وخططوا ونحن أصبحنا نشاهد بطلان مخططاتهم ومؤامراتهم. فكل ما يعملون وينهبون ويسرقون ويقمعون يزدادون ضعفا وعجزا.

              يتبع إن شاء الله...


              تعليق


              • #8
                حب الحسين وعلاقته بالفطرة 7

                أولئك الذين لا يرون معجزة «انحطاط أمريكا» و«تطوّر إيران» ولا يؤمنون بهذه الحقيقة، لهم قلوب سوداء أعاقتهم عن الوعي

                لابدّ من مشاهدة هذه المآزق ومن الذي لا يرى هذه الحقائق في العالم؟! ولو هناك بعض الناس الذين لا تترك هذه الحقائق البينة من أثر في قلوبهم السوداء. كما في زمن رسول الله(ص) كان هناك بعض الأنذال الذين طالبوا الرسول بمعاجز غريبة، فنفذ الرسول(ص) تلك المعجزة ولكنهم لم يؤمنوا به وقالوا ساحر وكذاب عجيب السحر! لقد روى هذه القصة أمير المؤمنين(ع) وقال: «َ لَقَدْ كُنْتُ مَعَهُ ص لَمَّا أَتَاهُ الْمَلَأُ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالُوا لَهُ يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ قَدِ ادَّعَيْتَ عَظِيماً لَمْ يَدَّعِهِ آبَاؤُكَ وَ لَا أَحَدٌ مِنْ بَيْتِكَ وَ نَحْنُ نَسْأَلُكَ أَمْراً إِنْ أَنْتَ أَجَبْتَنَا إِلَيْهِ وَ أَرَيْتَنَاهُ عَلِمْنَا أَنَّكَ نَبِيٌّ وَ رَسُولٌ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ عَلِمْنَا أَنَّكَ سَاحِرٌ كَذَّابٌ فَقَالَ ص وَ مَا تَسْأَلُونَ قَالُوا تَدْعُو لَنَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ حَتَّى تَنْقَلِعَ بِعُرُوقِهَا وَ تَقِفَ بَيْنَ يَدَيْكَ فَقَالَ ص إِنَّ اللَّهَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ فَإِنْ فَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ ذَلِكَ أَ تُؤْمِنُونَ وَ تَشْهَدُونَ بِالْحَقِّ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَإِنِّي سَأُرِيكُمْ مَا تَطْلُبُونَ وَ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكُمْ لَا تَفِيئُونَ إِلَى خَيْرٍ وَإِنَّ فِيكُمْ مَنْ يُطْرَحُ فِي الْقَلِيبِ وَ مَنْ يُحَزِّبُ الْأَحْزَابَ ثُمَّ قَالَ ص يَا أَيَّتُهَا الشَّجَرَةُ إِنْ‏ كُنْتِ‏ تُؤْمِنِينَ‏ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ تَعْلَمِينَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَانْقَلِعِي بِعُرُوقِكِ حَتَّى تَقِفِي بَيْنَ يَدَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ- [وَ الَّذِي‏] فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَانْقَلَعَتْ‏ بِعُرُوقِهَا وَ جَاءَتْ وَ لَهَا دَوِيٌّ شَدِيدٌ وَ قَصْفٌ‏ كَقَصْفِ أَجْنِحَةِ الطَّيْرِ حَتَّى وَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ ص مُرَفْرِفَةً وَ أَلْقَتْ بِغُصْنِهَا الْأَعْلَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص وَ بِبَعْضِ أَغْصَانِهَا عَلَى مَنْكِبِي وَ كُنْتُ عَنْ يَمِينِهِ ص فَلَمَّا نَظَرَ الْقَوْمُ إِلَى ذَلِكَ قَالُوا عُلُوّاً وَ اسْتِكْبَاراً فَمُرْهَا فَلْيَأْتِكَ نِصْفُهَا وَ يَبْقَى نِصْفُهَا فَأَمَرَهَا بِذَلِكَ فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ نِصْفُهَا كَأَعْجَبِ إِقْبَالٍ وَ أَشَدِّهِ دَوِيّاً فَكَادَتْ تَلْتَفُّ بِرَسُولِ اللَّهِ ص فَقَالُوا كُفْراً وَ عُتُوّاً فَمُرْ هَذَا النِّصْفَ فَلْيَرْجِعْ إِلَى نِصْفِهِ كَمَا كَانَ فَأَمَرَهُ ص فَرَجَعَ فَقُلْتُ أَنَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِنِّي أَوَّلُ مُؤْمِنٍ بِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ أَوَّلُ مَنْ أَقَرَّ بِأَنَّ الشَّجَرَةَ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى تَصْدِيقاً بِنُبُوَّتِكَ وَ إِجْلَالًا لِكَلِمَتِكَ فَقَالَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ بَلْ‏ ساحِرٌ كَذَّابٌ‏ عَجِيبُ السِّحْرِ خَفِيفٌ فِيه‏»(نهج البلاغة/خ192)
                لم يكن هؤلاء الكفّار من الجهلة والحمقى بل كانوا أنذالا ومرضاء القلب إلى أقصى حدّ. ولا زال أمثال هؤلاء الأنذال موجودين في عصرنا، إذ مع أنّهم يشاهدون الحقائق بأعينهم ولكنهم لا يؤمنون بأحقية هذه الثورة. إنهم يشاهدون بأم عينهم أن الإدارة العامّة لهذا المجتمع قد استطاعت أن تتحدى في هذه العقود الثلاثة أنواع الضغوط والحصار التي فرضت على هذا المجتمع وأن تقدّمه إلى الأمام، حيث إنها بلغت بهذا المجتمع إلى مستوى عالٍ من التنمية والتطور، وهذا ما قد أقرّ به الجميع. بينما نجد الإدارة العامة في أحدث المجتمعات الغربية وأسبقها تطوّرا أي أمريكا قد تراجعت وتخلفت في هذه الثلاثين سنة بالرغم من نهب العالم كلّه. فلابدّ لهم أن يعوا أن إدارتنا العامّة في مجتمعنا أنجح وأكفأ من الإدارة العامّة في أمريكا، ولكنّ هؤلاء المتخلفين فكريّا لا يستوعبون مثل هذه المعادلة البسيطة ولا يعون هذه المعجزة الإلهية.

                لماذا انحطّت أمريكا بعد ثلاثة عقود بالرغم من تطاولها على جميع ثروات العالم

                ما لهؤلاء الأمريكان الذين تطاولوا على ثروات العالم نراهم قد أفلت قوّتهم وأخذت تنحدر شمس شموخهم إلى مغربها؟ إلا اللهم أن يأتينا جاهل أحمق في البين ويقول إن واقع الأمر هو أن الأمريكان كانوا قد رغبوا بالإسفاف والانحطاط! وإلا فإنها قضية في غاية الوضوح وتنسجم تماما مع السنن الإلهية القطعية.
                أولئك الذين يرون هذه المعجزة ولا يؤمنون بها فلهم قلوب سوداء أعاقتهم عن الوعي. فقد قال الله سبحانه وتعالى في حق هؤلاء: (لهَُمْ قُلُوبٌ لَّا یَفْقَهُونَ بهَِا وَ لهَُمْ أَعْینُ‏ٌ لَّا یُبْصِرُونَ بهَِا وَ لهَُمْ ءَاذَانٌ لَّا یَسْمَعُونَ بهَِا)(الأعراف/179)

                إن المشروع الإلهي من أجل حركة الإنسان الاختيارية هي: النزعات «الأقوى والكامنة» بدلا عن «الأضعف والبيّنة»

                وأما ما هي الفطرة؟ لقد خلق الله الإنسان كأشرف المخلوفات وخلقه يتحرك باتجاه الله عن اختيار وعن وعي وحرية. فقد كانت هناك كائنات أخرى تتحرك باتجاه الله بلا إرادة واختيار، أما الكائن الذي يتحرك نحو الله باختياره فهو أشرف وأكثر قيمة.
                فإذا كان هذا المخلوق الجديد أي الإنسان لا ينطوي إلا على النزعة إلى الخير، فلا يبقى حينئذ شيء من الاختيار في حركته إلى الله سبحانه. وإذا لم يعط سوى النزعة إلى الشرّ فلا سبيل له حينئذ إلى الله عز وجل؛ إذ لم يحظ بنزعة إلى الخير. إذن لابدّ من أن تدمج كلا النزعتين في وجود الإنسان. فمن هذا المنطلق قامت الأطروحة الإلهية على أساس أن يُدمج كلا النزعتين إلى الخير والشرّ في وجود الإنسان كي يتسنّى له السير إليه، ولكنّه جعل النزعة إلى الخير «أقوى» ولكن «كامنة» وجعل النزعة إلى الشر «أضعف» ولكن «بيّنة».
                فعلى أساس هذه الأطروحة، أوّل ما يواجهه الإنسان من نزعاته هي تلك النزعات السطحية البيّنة التي من شأنها أن تجرّه إلى الشرّ. طبعا لا يخفى أن هذه النزعات السطحية ليست بسيئة من الأول، ولكن بإمكانها أن تجرّ الإنسان إلى السيئات. فالإنسان بطبيعة حاله يعيش هذه النزعات السطحية في أوائل حركته ولكن بعد ذلك ينبغي له أن يرتفع عن النزعات السلبيّة ويتوجّه إلى نزعاته الحسنة.

                يتبع إن شاء الله...

                تعليق


                • #9
                  حب الحسين وعلاقته بالفطرة 8

                  إن دور الأنبياء هو كشف النزعات الحسنة في وجود الناس والتي تسمّى بالفطرة. إنّ الفطرة هي ذاك القسم العظيم والخفي في روح الإنسان الذي لابدّ أن يظهر ويبرز شيئا فشيئا. فنحن بفطرتنا نعرف الصالحين في هذا العالم كما نعرف بها الحسنات ونعرف بها الله وحياة الآخرة ومدى انحطاط الحياة الدنيا وأفضلية الخلود وكذلك نعرف بها جميع أسماء الله سبحانه، وإلى جانب هذه المعارف كلها نعشق جميع ما عرفناه بفطرتنا. وكل مصائبنا هي أن هذه المعارف والنزعات خفية كامنة. فيأتي الأنبياء ويذكرون الناس وينبهونهم كي تظهر هذه النزعات الدفينة ويدعون هؤلاء الناس الذين ابتعدوا عن فطرتهم إلى العود إلى أنفسهم. ولهذا قال النبي(ص): «مَنْ‏ عَرَفَ‏ نَفْسَهُ‏ فَقَدْ عَرَفَ‏ رَبَّهُ‏»(غرر الحکم /301) یعنی أن معرفة هذه الفطرة الطاهرة هي عين معرفة ربّ العالمين.
                  أرجوكم أن تقفوا عند هذه الفطرة وتتأملوا فيها، فعندها سوف تعيشون أطيب أوقاتكم وأكثرها حرارة وحماسا. وسوف ترون هذه الحقيقة أن جربتموها وعشتموها. إن باطنكم وأعماق روحكم من الجمال والبداعة بمكان بحيث إذا التهيتم وانشغلتم بتفرّج جمال روحكم تستغنون عن العالم بأسره.

                  لابد لك من أخذ موعد مع نفسك

                  ولكن إن لم تعيشوا هذه الأجواء وكنتم في شك من هذا الكلام فدليلي هو كلام النبي(ص) حيث قال: «من عرف نفسه فقد عرف ربّه». فمعرفة النفس هي عين معرفة الله سبحانه. وهل تعلمون أن لقاء الله هو الذروة في الجنّة بحيث تسقط الجنة من عين الإنسان إن نال لقاء الله سبحانه؟! فلاق نفسك وزر نفسك أيها الإنسان، تسقط الجنة من عينك حتى وإن كنت متنعما في الجنان. إذ من عرف نفسك فقد عرف ربّه. وهناك آداب لملاقات النفس وزيارتها لابدّ من مراعاتها. أحد هذه الآداب والأعراف الدبلماسية في جلسة اللقاء مع النفس هي أن تتساءل مع نفسك عن مآل ما تقوم به من أعمال ونشاطات. فسلها: ثم ماذا...؟ فخاطب نفسك إن كنت طالبا جامعيا مثلا وقل: لنفرض أن ارتقيت في العلم وأصبحت عضوا في الهيئة العلمية في الجامعة أو أصبحت أستاذا وبدأ الناس يخاطبونك بعنوان «الدكتور» و... ثم ماذا؟! اعط موعدا لنفسك إذ لابد لك من أخذ موعد مع نفسك. أنت بحاجة إلى هذه الجلسات مع نفسك لكي تعرف ما تريد وما تروم، فإنك إن عرف ما تريده فزت وفلحت. ثم تمضي باقي أيام حياتك والها بذكره مشغولا بمناجاته ملازما له. فمثل هذا الإنسان إن يخف الله لم يخفه من كثرة ذنوبه، بل يتّقيه مخافة أن لم يقدر على أداء حقّ محبّته. فلا تتوهموا أن خوف أولياء الله من قبيل خوفنا وقلقنا. «نَظَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌ‏(ع) إِلَى رَجُلٍ [فَرَأَى‏] أَثَرَ الْخَوْفِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا بَالُكَ قَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ. قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ خَفْ ذُنُوبَكَ‏، وَ خَفْ عَدْلَ اللَّهِ عَلَيْكَ فِي مَظَالِمِ عِبَادِهِ، وَ أَطِعْهُ فِيمَا كَلَّفَكَ، وَ لَا تَعْصِهِ فِيمَا يُصْلِحُكَ، ثُمَّ لَاتَخَفِ‏ اللَّهَ بَعْدَ ذَلِك‏.»[التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري(ع)/ص265].
                  نقل لي نجل الشيخ بهجت(رض) عن بعض حالات والده فقال: «كنت عندما أنادي والدي أشعر بأنه قد رجع من سفر بعيد طويل، فكان يجيبني ثم يرجع إلى حيث ما كان.» وهذه هي الفطرة. المشكلة كلّ المشكلة هي أن لا تزدهر هذه الفطرة.

                  لماذا أطول فترة خداع عاشها الناس هي «الليبراليّة»؟

                  هل تعلمون بماذا خدعوا الناس في الغرب؟ بمصطلح «الرجوع إلى الذات» المزوّر أو بمصطلحات أخرى من قبيل «كن كما كنت»، فهذه هي مصطلحات مزورة وزائفة لحقيقة «من عرف نفسه». لماذا انخدع الناس بالليبراليّة وكانت أطول فترة خداع عاشها الإنسان هي الليبراليّة؟ إذ قد خدعوا الناس بكلمات مغرية من قبيل «كن كما كنت» و «كن حرّا» و «ابتغ ما طاب لك». والواقع هو أنّ الله سبحانه أيضا يخاطبنا بنفس هذه الكلمات مع فارق أن الله يقول: «كن كما كنت في أعماق باطنك»، ويقول الغربيّون: «كن كما كنت في ظاهرك».

                  سرّ جاذبية الأفلام الهوليودية، هو الدعوة إلى «الذات الظاهرة» بدلا عن «الذات الكامنة».

                  إذا استطاع فنّان متضلّع أن يقف على سر جاذبية الأفلام الهوليودية ويعرف الوتر الذي تدقّ عليه الليبرالية في حركة إغوائها الشعوب، يستطيع عند ذلك أن يكشف حقيقة هذا الخداع للناس وينقذهم منه. وكذلك كان سرّ نجاح الماركسيين هو استغلال شعار «العدالة» المغري والمزيّف. فقد ترجموا العدالة كذبا وزورا بالمساواة والاشتراكية وبهذا خدعوا الناس وإن لم يطل أمد هذا الخداع. وفي المقابل قام الغربيون بترجمة «العودة إلى الذات» بأصالة الإنسان والنزعات السطحية لدى الإنسان وبهذا الأسلوب كسبوا الناس وخدعوهم. وحان اليوم وقت اتضاح هذا الخداع الكبير وحان وقت العودة إلى الفطرة.

                  يتبع إن شاء الله...

                  تعليق


                  • #10
                    حب الحسين وعلاقته بالفطرة 9


                    لماذا في هذا الزمن أي زمن العودة إلى الفطرة لابدّ من الرجوع إلى الحسين(ع)؟/ إن أظهر قسم في فطرة الإنسان هو الحسين(ع)

                    لماذا في هذا الزمن الذي هو زمن العودة إلى الفطرة لابدّ من الرجوع إلى أبي عبد الله(ع)؟ فما هو دور الإمام الحسين(ع) في هذا الخضمّ؟ لابدّ من القول أن أكثر قسم مزدهر في فطرة الإنسان وأزهر نقطة في قلب الإنسان هو «الحسين(ع)». التجربة الوحيدة التي نستيطع أن نعيشها من القسم المكشوف في قلبنا وفطرتنا هو حب أبي عبد الله الحسين(ع) أما باقي أقسام الفطرة فليست في متناول الإنسان بهذه السهولة.

                    يقول الإمام الصادق(ع): «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَیْراً نَکَتَ فِی قَلْبِهِ نُکْتَةً مِنْ نُورٍ فَأَضَاءَ لَهَا سَمْعُهُ وَ قَلْبُه»(الكافي/ج2/ص214) ويقول في رواية أخرى: «مَنْ‏ أَرَادَ اللَّهُ‏ بِهِ‏ الْخَیْرَ قَذَفَ‏ فِی‏ قَلْبِهِ‏ حُبَ‏ الْحُسَیْنِ‏ ع وَ حُبَّ زِیَارَتِه»(کامل الزیارات/ص142) هذه هي النقطة المشرقة والبيضاء الأولى التي يضعها الله في قلب من أراد به الخير.

                    فإن ازدهرت الفطرة تسعر وجود الإنسان نارا. إن ازدهرت الفطرة لم تبق للإنسان شيئا من بعده الحيواني والترابي. وأسهل وأفضل تجربة يمكن أن نعيشها لهذه الفطرة المزدهرة هو الحسين(ع).

                    ليس بإمكان أي نزعة أن تقف أمام قدرة الفطرة المزدهرة

                    عندما تزدهر الفطرة، ففي الواقع قد ظهرت تلك النزعة القوية والكامنة. فإنها لم تعد نزعة ضعيفة حتى يمكن المرور منها بسهولة. عندما تزدهر الفطرة لا تقدر أي نزعة أن تقف امامها. فارجعوا إلى أنفسكم الآن فأي نزعة تستطيع أن تمنعكم من الحضور في مجالس عزاء الحسين(ع) في العشرة الأولى من محرّم. فلو أعطوكم مليار تومان لكي تذهبوا إلى السفر والنزهة بدلا من اللطم وإقامة العزاء في هذه الأيام لرفضتم ذلك، ولقلتم: إن لم ألطم في أيام عاشوراء أموت. فهذه هي قدرة الفطرة المزدهرة.

                    إن رسالة الأنبياء هي أن يفتحوا نوافذ قلب الإنسان. ولهذا نرى أنجح قسم في رسالة النبي الأعظم(ص) هو الحسين(ع). فكأن الحسين(ع) قد قال لجده الرسول(ص): «يا رسول الله(ص)، أنا أوقظ فطرة أمتك إلى يوم القيامة. فحسبهم أن يمرّوا مني أو من قبري في كربلاء...»

                    في مسار السلوك المعنوي لابدّ من السير مع الحسين(ع)

                    في مسار السلوك المعنوي لابدّ من السير مع الحسين(ع). وما إن تلوثت فطرتكم بشيء من الغبار توجهوا إلى حرمه وقولوا: صلى الله عليك يا أبا عبد الله... . ولهذا جاء في بعض الروايات: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَوْمَ عَرَفَةَ يَنْظُرُ إِلَى زُوَّارِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ‏ ع فَيَغْفِرُ لَهُمْ ذُنُوبَهُمْ وَ يَقْضِي لَهُمْ حَوَائِجَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى أَهْلِ الْمَوْقِفِ بِعَرَفَة»(عوالي اللئالي/ج4/ص83). إذ إن فطرة زوّار الحسين(ع) أكثر ازدهارا من فطرة حجاج بيت الله. وليس هذا الكلام بشعار بل هو حديث ملؤه الوعي والشعور.

                    عندما تزدهر فطرة الإنسان تظهر عند ذلك ما أيّده قلبه مسبقا. فمن هذا المنطلق عرفوا أهل العالم بأسره على الحسين(ع)، فما إن تعرفوا على الحسين(ع) يشعرون كأنهم يعرفون الحسين(ع) منذ سنين. إن الحسين(ع) هو المنطلق لإنقاذ البشر. وكذلك الحسين(ع) هو المنطلق لمسيرنا وسلوكنا الفردي. فبالحسين يصبح الإنسان إنسانا حقيقيا ويجد نفسه. أما لماذا الحسين(ع) هو أكثر أقسام الفطرة ازدهارا، فذلك بسبب تلك الجراحات التي أصيب بها جسم الحسين(ع).

                    يتبع إن شاء الله...


                    تعليق


                    • #11
                      حب الحسين وعلاقته بالفطرة 10

                      إن تشخيص الأولويات هو قضية مجتمعنا اليوم/ كل الكلام والخلاف في مجال السياسة يدور حول تشخيص الأولويات

                      ليس بكاف أن نطّلع على المعارف الإسلامية ونحظى بمعلومات دينية وحسب، بل لابدّ لنا من معرفة مواطن استخدامها ومجال ذلك أيضا. يجب أن نعرف «أيّ فعل» نقوم به و «متى». لا يكفي الإنسان أن يتعرف على قائمة من الأفعال الحسنة والسيئة، بل لابدّ له أن يعرف ماذا ينجر من عمل حسن ومتى، وماذا يقابل من مظاهر سيئة ومتى.
                      لا ينحصر تشخيص الأولويت في المعارف الدينية بل إنه أمر مهم جدا في التجارة والطبّ وغيرها أيضا. فينبغي للتاجر أن يعرف أي بضاعة يشتريها أو يبيعها ومتى. وكذلك لابدّ للطبيب أن يحدّد الدواء الذي يصفه للمريض ويحدد وقت ذلك، وإلا فإما أن تذهب أعماله هباء بلا أثر أو بأثر قليل، وإما أن تؤول إلى أضرار وتداعيات لا تحمد عقباها.
                      إن تشخيص الأولويات هو قضية مجتمعنا اليوم. حيث يبلغ المجتمع الديني في مسار حركته التطورية إلى ما يكون محل النزاع والخلاف فيه داخل المجتمع يدور حول تشخيص الأولويات لا حول الأصول. وكذا الحال بالنسبة إلى الإنسان في مسار حركته التكاملية. فعندما يعجز إبليس عن سوق إنسان نحو السيئات، يحاول أن يغلّطه في مقام تشخيص الأولويات بين مجموعة من الأعمال الحسنة، كي لا يصيب في ميدان جهاد النفس في عملية اختيار أحد عملين صالحين ويختار العمل الذي يقع في الدرجة الثانية من الأولويّة.
                      كما أن الكلام في مجال السياسة يدور حول تشخيص الأولويات حتى قال البعض في مقام تعريف السياسة: «إن السياسة هي التمييز بين السيء والأسوأ». وقد روي عن أمير المؤمنين(ع) مثل هذا التعريف في العقل حيث قال: «لَیْسَ الْعَاقِلُ مَنْ یَعْرِفُ الْخَیْرَ مِنَ الشَّرِّ، وَ لَکِنَّ الْعَاقِلَ مَنْ یَعْرِفُ خَیْرَ الشَّرَّیْن»(بحار الأنوار/ج75/ص6)

                      ليست لشعوب العالم رسالة أوضح وأكثر تأثيرا من رسالة الحسين(ع)

                      لقد حان اليوم وقت العودة إلى أبي عبد الله الحسين(ع) ولابدّ لنا أن نزداد التفاتا إلى مفهوم عاشوراء. فلم يكن الإمام الحسين(ع) حامينا في أيام الثورة وأيام الدفاع المقدس فحسب، حيث كنا في مواجهة مباشرة مع الظلم، ولم يكن الحسين(ع) قدوة في الجهاد والشهادة وحسب. فقد عاد الإمام الحسين(ع) إلينا اليوم مرة أخرى لإنقاذنا من أزماتنا التي نعاني منها في أرواحنا وفي مجتمعنا.
                      من أجل إنقاذ العالم من أزمته التي أضحى يتلهف كالعطشان إلى نافذة ومخلص منها، لا يخلو اسم الحسين(ع) وأسرار الطفّ من التأثير الكثير، حتى يمكن أن نقول ليست هناك رسالة أوضح وأكثر تأثيرا من رسالة أبي عبد الله الحسين(ع).

                      إن طرح موضوع أبي عبد الله(ع) يترك تأثيرا مهما على مجتمعنا وباقي المجتمعات

                      أما لماذا يجب أن نرجع إلى قضية الحسين(ع) وما هي الضرورة في أن نسلط الأضواء على أسرار عاشوراء؟ الدليل الأول لهذه الضرورة هو موضوع الفطرة. فلابد أن ننظر إلى قضية الحسين(ع) وواقعة الطفّ من منظار الفطرة. فعندما نقول إن الحسين(ع) هو حقيقة فطرية لدى المؤمنين، فينبغي أن نعرّف الكثير من ذوي النفوس الطاهرة في العالم على هذه الحقيقة. إذن لا فرق في أثر طرح قضية الحسين(ع) بين مجتمعنا وباقي المجتمعات من الناحية الفطرية ولابد أن يكون لها تأثير في جميع المجتمعات.
                      إن المؤمنين الذين ارتقوا في مقامهم قد انطلقوا منذ ابتداء حركتهم من الفطرة وكذلك في مسار حركتهم ليسوا بغنى من الاستمداد من الفطرة. فنحن لسنا بحاجة إلى الفطرة في منطلق تعرّفنا على الدين وحسب، بل نحن بحاجة إلى الرجوع إليها في كل لحظة. إذ أي آية تتلونها من القرآن يجب أن تؤيدها فطرتكم لأن ترسخ معناها في وجودكم.

                      يتبع إن شاء الله...




                      تعليق


                      • #12
                        حب الحسين وعلاقته بالفطرة 11

                        إن حاجتنا إلى الأبحاث الفطرية أكثر من الأبحاث الأخلاقية/ لقد جاء الأنبياء من أجل ازدهار فطرة الناس

                        إن حاجتنا إلى الأبحاث الفطرية أكثر من الأبحاث الأخلاقية. ففي كثير من الأحيان ينبغي لنا أن نضع درسا في الفطرة بدلا من الخوض في الأبحاث الأخلاقية الرائجة، وندرس النزعات الفطرية والمعارف الفطرية بدلا من الأخلاق والملكات النفسانية وبذلك نسعى في سبيل ازدهار فطرتنا. ولا شك في أننا لو قمنا بذلك لحصلنا على ملكات حسنة ولزالت من قلوبنا ملكات سيئة، ولكن القضية الرئيسة هي «إزهار الفطرة» لا الأخلاق.
                        فإذا شاهدتم أنّ الحديث عن الأخلاق والمسائل الأخلاقية بمعناه الخاص لا يلقى استقبالا وافرا من قبل الشباب بالرغم من كثرة الشعارات التي تهتف باسمه، قد يكون السبب هو أن هذا الحديث لا يحظى بالأولوية بشكل عام. فكم قد أكد القرآن وأهل البيت(ع) على الملكات الأخلاقية؟! نعم هناك تأكيد كبير جدا على الإيمان وعلى العامل المعزز والمؤكد له أي العمل الصالح. قد أكدوا على العلم والعقل كما لابد من إدراك مرادهم من العقل بشكل دقيق، حيث ما أرادوه من العقل ليس هو العقل النظري بل هو شيء آخر له ارتباط ما بالعقل النظري وحسب. فإن الله سبحانه هو أعرف العارفين بالإنسان وأبعاد وجوده ولا شك في أن الوصفات التي يصفها الله هي أفضل وأكفأ من أي وصفة أخرى يصفها من سواه.

                        حاجتنا إلى الفطرة دائمة

                        أنتم أيها الشّباب الطيّبون الصّالحون الأخيار بحاجة إلى ازدهار الفطرة كذلك ولا تزال هذه الحاجة باقية. فحينما تجلسون في سجّادتكم وتناجون ربّكم، أو تتاح لكم الفرصة لقراءة الصحيفة السجادية فإنكم في واقع الأمر تقومون بكشف فطرتكك وتبحثون فيها وتتصفحون مشاعركم ولا سيما تلك المشاعر الدفينة في أعماق قلبوكم.
                        اسمحوا لي أن أقرأ لكم مناجاة وما أروعها من مناجاة. وانظروا كم ينتعش الإنسان بسماعها لما تؤدي إليه من إدراك الفطرة. وانظروا كم هي مناجاة فطرية، وكم تحكي عن ازدهار الفطرة في وجود الإنسان. وانظروا كم هي مناجاة ممتعة إذا مرّ بها الإنسان بفطرة مزدهرة. وما أخيب الإنسان إذا قرأها أو سمعها بفطرة محجوبة غير مزدهرة إذ لا يفهم منها شيئا. وكم هي تعين الإنسان على كشف الفطرة! وهي مقطع من مناجاة أمير المؤمنين(ع) حيث كان يناجي ربه ويقول: «إلهي... أنت كما أحبّ فاجعلني كما تحبّ»[الخصال/ج2/ص420].

                        الأوامر الإلهية تلبية لنزعات الإنسان الفطرية

                        قال المرحوم آية الله الشيخ شاه آبادي(ره) الذي كان يعبّر عنه الإمام الخميني(ره): «روحي له الفداء» في كتاب رشحات البحار: «الخطوة الأولى لحركة الإنسان التكاملية والاختيارية هي إيقاظ الفطرة. فمتى وعيت الفطرة من سبات غفلتها تقوم بالبحث عن احتياجاتها الباطنية وكمالاتها الحقيقيّة». يعني بعد ما تستيقظ فطرة الإنسان، يقبل على الدين بحافز من نفسه وسوف لا يرى أن الدين قد فرض عليه قهرا.
                        فإذا ازدهرت فطرة الإنسان يرغب بإطاعة أوامر الله سبحانه، بل يحب أن يستلم أوامر من الله ويمتثلها من دون أن يعرف أسرارها وحكمتها. فإنه يتمتع ويلتذّ أكثر في امتثال الأوامر التي لا يعرف مصالحها وحكمها. فلهذا ترى الأنبياء لم يذكروا حكمة الكثير من الواجبات والمحرمات ليزيدوا من جمال العبودية والطاعة لله.
                        فترى عباد الله الصالحين الذين يعبدونه بفطرة مزدهرة يلتذون في صلواتهم وعباداتهم ويلتذون بهذا الغموض وعدم الوضوح الذي يحيط بالعبادات والأحكام. فقد وجدوا بهذه العبادة ضالّتهم ولذّتهم. فشتان بين هذا وذاك الذي لا يقتنع بالصلاة إلا بعد أن عرف الحكمة من عدد ركعاتها وكل حذافيرها.
                        فهذا الإنسان الذي لا يدرك ضرورة تلقّي الأمر من المعبود ولا يلتذّ بامتثال الأمر يصبح ذهنه مثار للشبهات والسؤال والنقنقة. فمثل هذا الإنسان حتى وإن صلّى يمنّ على الله بصلاته إذ يشعر بأنه قام بتكليف عسير جدا. ويشعر بأنه أصبح صاحب فضل على الله بجهده الجهيد هذا.
                        إن أوامر الله لنا هي تلبية حاجة الإنسان الفطرية إلى أمر الله. إذ العبد بحاجة إلى أمر مولاه ولولاه لما حليت حياته. وهكذا نحن بحاجة إلى العودة إلى الفطرة في كل لحظة. فإن لم يتدفّق الإيمان والعمل الصالح من الفطرة، سيؤول ذلك إلى الامتنان على الله، وسوف يتملّص الإنسان عن الإطاعة في كثير من الأحيان ويعصي الله بين الحين والآخر. فكل هذه المصائب هي من تداعيات عدم ازدهار الفطرة.

                        يتبع إن شاء الله...

                        تعليق


                        • #13
                          حب الحسين وعلاقته بالفطرة 12

                          ما أحلى عبادة العرفاء/ما أسوأ عبادة من لم تزدهر فطرته

                          لماذا يرتقي العرفاء ويحلّقون في الكمال؟ لماذا يخافون الله كثيرا وقلّ ما يلتفتون إلى أنفسهم؟ لأنهم وجدوا أن الله قد أعطاهم كل شيء وكلّ ما يرغبون به. بعذ ذلك إذا سألتهم ما قدمتم لله يجهشون بالبكاء ويقولون لم نفعل أي شيء لله قطّ. فما هذه العبادات وهذا السهر والجهاد الذي قاموا به هؤلاء؟ سيجيبونك أن كل هذه الأعمال إنما كانت تلبية الله لحاجاتنا ورغباتنا. والآن لابد أن نشكره ولكن لا نستطيع. هذا هو حال الإنسان الذي يعبد الله بفطرته، أما إذا أردت أن تعبد وتعمل وتتقي بلا استنطاق الفطرة فقد تبتلى بالعجب وقد تعصي الله أحيانا وتتوقف في مستواك بلا تكامل وارتقاء.
                          هذا الذي يعبد الله بلا أن تزدهر فطرته، يخاف له أن يفجر يوما ما ويعوّض كل المشقّة والمعاناة التي تحملّها في حياته الدينية. نستجير بالله من فسقة المتدينين وهم الذين لم يؤمنوا بفطرتهم ولم تزدهر فطرتهم ولم يروا الدين تلبية لحاجاتهم. فتجدهم يعبدون ويدينون بالدين وهم يشعرون بالطلب من الله ورسوله. فالأضرار والمصائب التي قد تلحقها هذه الزمرة من الناس بالدين والمجتمع الديني ما لا تعدّ ولا تحصى. كما إنهم يشوّهون سمعة الدين.

                          إن دور الأنبياء هو معونة الإنسان لازدهار فطرته

                          أساسا لقد بعث أنبياء الله لازدهار فطرة الإنسان. لقد بُعِثوا لمعونة الإنسان على تذكّر عهدهم وميثاقهم الفطري وازدهار فطرتهم. قال أمير المؤمنين(ع): «فَبَعَثَ فِیهِمْ رُسُلَهُ وَ وَاتَرَ إِلَیْهِمْ أَنْبِیَاءَهُ لِیَسْتَأْدُوهُمْ مِیثَاقَ فِطْرَتِهِ»[نهج البلاغة/خ1]
                          أنتم لا تتذكرون أيام صغركم وطفولتكم وتلك الأيام التي كنتم تبكون إلى منتصف الليل وتسلبون النوم من أعين أمهاتكم ولا بأس بذلك أن لا تذكروا من تلك الأيام شيئا، ولكن لابدّ لكم أن تذكروا الأيام التي قبلها حينما سألكم الله: «ألست بربكم؟ فقلتم: بلى». فلا ينبغي أن تنسوا ذلك العهد والميثاق. وهو ميثاق الفطرة.
                          قال أمير المؤمنين(ع): «مَا نَهَی الله سُبحانَهُ عَن شَیءٍ إلّا وَ أغنا عَنه»[عيون الحكم والمواعظ/ص481]. فلا حاجة لك إلى الذنب. وإن شعرت بالحاجة إليه فإنك مشتبه في نفسك واحتياجاتك ورغباتك. أحيانا عندما كانت تتاح لي الفرصة للحديث مع الشباب في جلسات المشاورة الخاصة، بعض الأوقات كنت أقول للسائل أنك لست بحاجة إلى هذا الذنب ولا ترغب به عن جدّ. فكان يقاوم بشدّة ويقول: إني راغب إلى أقصى حالات الرغبة ولابدّ لي من ذلك وإلا قد أهلك وأموت...! فكنت أجيبه: ألم يحدث لك في حياتك أن تكون قد أحبت شيئا بشكل شديد، وبعد ما توصلت إليه تشعر بأنك لم تكن تحبّ ذلك الشيء كثيرا في الواقع ولم يكن ذاك الشعور صادقا؟! وعادة ما نتوصل إلى نماذج من هذا القبيل. فعلى سبيل المثال أقول له: كم أنت مهتمّ الآن بلعبك التي كانت قد أخذت بالك قبل سنين؟ فيقول: لا تهمّني أبدا. فأقول له: كذلك حاجتك الآن سوف تصبح لا شيء غدا أو بعد غد. فكنت أرى بعضهم يفكر كثيرا في هذه الكلمة. وهذه هي العودة إلى الفطرة.

                          الفطرة هي مواجهتنا مع الغرب

                          كل جهد الغرب في المجال الثقافي يصبّ في إبقاء الفطرة خلف الحجب والستار وإلقاء الرغبات الزائفة. وكلّ سعينا الثقافي هو إزاحة الحجب عن هذه الفطرة. إن الفيلم الذي يصور أهمية موضوع الزواج أكثر مما هو عليه في الوقع ويصور الحب والغرام بين الشاب والفتاة أكثر أهمية من مدى أهميتها في حياة الإنسان فهو خائن. حتى وإن كانت الممثلات جميعا يرتدين العباءة مضافا إلى الحجاب والإيشاب.
                          ينبغي لأفلامنا أن تجسد حقيقة خطئنا في تشخيص كثير من احتياجاتنا ورغباتنا. ولابدّ لمنتجي الأفلام والمخرجين الإسلاميين أن يرجعوا المشاهدين إلى فطرتهم.
                          أحد المصاديق السطحية والضئيلة لازدهار الفطرة هي ما يعبّر عنه الغربيون بكشف المواهب وتنميتها. حيث إنهم لا ينظرون إلى الطالب أكثر من أن يكون عاملا أو بناء أو مهندسا أو عبدا ليستخدموه في مشاريعهم فلم يحتاجوا إلى عبارة أسمى من تنمية المواهب. فلا يتحدثون عن الفطرة وإنما يتحدثون عن المواهب، بيد أن الموهبة هي جزء صغير وطاقة ضئيلة تجاه الفطرة.
                          لابدّ أن نرمي بهذه المصطلحات عرض الجدار، فما قيمة «تنمیة المواهب» ومن أين أتينا بها؟! الأمر المهمّ والأساسي هو ازدهار الفطرة وبعد ازدهارها تنمو مواهب الإنسان بشكل تلقائي بلا حاجة إلا جهد جهيد. فالهدف الذي يصبو إليه الجهاد والعمل وتوفير الأجواء التربوية الصحيحة إنما هو ازدهار الفطرة. وعلى هذا الأساس أقول إن النشاط الفني الناجح هو الذي يسعى لازدهار الفطرة ويرجع الناس إلى فطرتهم؛ لا أن يأصّل قضية غريزيّة هامشية ويدسّ في قلوبنا رغبات ونزعات كاذبة. الفنّ الحقيقي هو ما يعرفّنا على احتياجاتنا ونزعاتنا الحقيقية.

                          يتبع إن شاء الله...

                          تعليق


                          • #14
                            حب الحسين وعلاقته بالفطرة 13


                            اغتنموا تجاربكم الفطريّة أيّاً كانت


                            أيها الإخوة! اغتنموا أي فرصة وأي عامل يزيح الستار والحجاب عن فطرتكم. فحسبكم أن تزيلوا جانبا من حجب الفطرة فإن الحسنات والصالحات ليست أشياء متعددة لا ترابط بينهما بل كلّها جوهرة واحدة. فهي كخزّان الماء أو قربة الماء حيث إذا أصبناها بثقب أو فطر نحصل على الماء كله. إذن يكفينا أن نزيل جانبا من حجاب الفطرة. وهذا أصل مهم في ارتقاء الإنسان وتكامله. ونتيجته هو أن من أجل ازدهار فطرة الإنسان وزوال الحجاب عن الفطرة يكفي أن يزول جانب من الفطرة حقيقة وبشكل عميق.

                            يقول أمير المؤمنين(ع): «إذا كان فى الرّجل خلّة رائعة فانتظر أخواتها»(بحار الأنوار/ج66/ص411). فمن نال شيئا من الخير سينال باقيه أيضا. حسب الإنسان أن تتفجر في قلبه عين واحدة. طبعا ليس هذا بمعنى أن أي حسنة تقود الإنسان إلى باقي الحسنات والصالحات أو تكون علامة على زوال جانب من حجاب الفطرة في قلبه. بل هناك خصائص وعلامات لابد أن تتوفر في هذا الحسن. عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ ص بِأُسَارَى فَأَمَرَ بِقَتْلِهِمْ‏ خَلَا رَجُلًا مِنْ بَيْنِهِمْ فَقَالَ الرَّجُلُ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي يَا مُحَمَّدُ كَيْفَ أَطْلَقْتَ عَنِّي مِنْ بَيْنِهِمْ فَقَالَ أَخْبَرَنِي جَبْرَئِيلُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَنَّ فِيكَ خَمْسَ خِصَالٍ يُحِبُّهَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ رَسُولُهُ الْغَيْرَةَ الشَّدِيدَةَ عَلَى حَرَمِكَ وَ السَّخَاءَ وَ حُسْنَ الْخُلُقِ وَ صِدْقَ اللِّسَانِ وَ الشَّجَاعَةَ فَلَمَّا سَمِعَهَا الرَّجُلُ أَسْلَمَ وَ حَسُنَ إِسْلَامُهُ وَ قَاتَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص قِتَالًا شَدِيداً حَتَّى اسْتُشْهِدَ.»(الأمالي للصدوق/ص271)

                            أي حسنة تحكي عن ازدهار الفطرة؟


                            ليست كل حسنة هي تلك العين الجارية التي هي منطلق جميع الحسنات والفضائل. وليست كل حسنة علامة على زوال الحجاب من فطرة الإنسان. ولكن بعض الصفات الحسنة تأتي بجميع الفضائل بوحدها. فمن أجل إزاحة الحجاب عن القلب وفي سبيل ازدهار الفطرة يكفينا أن يزدهر جانب من الفطرة، ولكن بشكل عميق.

                            ما معنى ازدهارها بشكل عميق، وكيف نتوصل إلى هذا العمق؟ الجواب هو أنك إذا حصلت على حبّ فطري واحد وازدهرت في قلبك رغبة فطرية واحدة، سوف تلتذ بها لذة لا تجدها في أي واحدة من الغرائز المادية والحيوانية. فإن عشت حبا أو رغبة من هذا القبيل فهذا يعني أنك قد حصلت على شيء فطري. وعندئذ لا تترك تلك اللذة حتى وإن كان على حساب حياتك وجميع لذاتك المادية. فأين اللذة المادية من اللذة الفطرية؟!

                            حاول أن تحصل على واحدة منها لتنقذك من جميع اللذات الدنيوية برمّتها. فإنك إن لم تحصل على تلك الحسنة التي تقضي على جميع سيئاتك وتحقّر لك جميع اللذات وتسقطها من عينك، يعني أنك لم تصل إلى أي قسم من فطرتك.

                            الحسين(ع) هو المنطلق لازدهار الفطرة


                            كيف نستطيع أن نحقّق هذا الازدهار الأولي في قلوبنا؟ بالحسين. فقد قال نبينا الأعظم(ص): «إنَّ لِقَتلِ الحُسَین حَرارَةً فِی قُلوبِ المؤمنین لا تَبرُدُ أبَداً»(مستدرک الوسائل/ج10/ص318) فلماذا استخدم عبارة الحرارة؟ لأن جميع النزعات الفطرية من هذا القبيل لها حرارة. كذلك قال أمير المؤمنين(ع): «حُبُ‏ اللَّهِ‏ نَارٌ لَا يَمُرُّ عَلَى شَيْ‏ءٍ إِلَّا احْتَرَق»(مصباح الشریعة/ص192).‏

                            ولهذا ما كان المنديل يكفي الإمام الخميني(ره) في مسح دموعه في صلاة الليل بل كان يستخدم منشفة أحيانا. إذ كان قد احترق في حب الله. فهل نقدر على فهم ذلك وهل قد جربنا هذا الحبّ في حياتنا؟ إن فطرته كانت مزدهرة بتمامها ولهذا كان يبكي شوقا وحبا وعشقا وحرارة في جوف الليل. وهذا هو أثر القرب الإلهي على قلب الإنسان إذ كل ما يزداد قربا لله يزداد حرارة وحرقة. فقد نبكي نحن في صلواتنا أو في أدعيتنا ومناجاتنا مع الله أيضا، ولكن شتان ما بين البكاء الحاصل من البعد وبين البكاء الحاصل من القرب.

                            أما الآن فقد أتيحت لنا فرصة استثنائية من قبل الله وهو أن سمح لنا بازدهار الفطرة بحرارة قتل الحسين(ع). في جلسات دعاء كميل والمناجاة أحيانا يبرد المجلس ويذهب عنه حالة الخشوع والبكاء، فتارة يتطرق القارئ إلى إحدى مصائب الحسين(ع) فيشعل المجلس مرة أخرى ويستمر بعد ذلك بالدعاء بمزيد من الخشوع والبكاء. هناك من يعترض على هذا الأسلوب ولكن لماذا؟ فهل دعاء كميل يبطل إن قطعناه لدقائق لفتح طريق القلوب بالحسين(ع)؟ نعم، لا ينبغي أن نزيد ونضيف إلى نص دعاء كميل كلمات وعبارات، ولكن ما المانع من ذكر الحسين(ع) أثناء الدعاء فيما إذا وجدت نفسي أحترق بالحسين(ع) أسهل من أي أسلوب آخر، وأتهيأ للدعاء والمناجاة بذكر الحسين(ع) أفضل من أي وسيلة أخرى؟ فحرارة قتل الحسين(ع) تأخذ بيدي إلى حرارة عشق الله وتفتح الطريق للسلوك باتجاه القرب الإلهي. وما يؤيد هذا الأسلوب والمنهج هو حديث الإمام الرضا(ع) في تعليم بعض آداب الصلاة حيث قال: «وَ انْوِ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ ذِكْرَ اللَّهِ وَ ذِكْرَ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ اجْعَلْ وَاحِداً مِنَ الْأَئِمَّةِ نَصْبَ‏ عَيْنَيْك‏»(الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا/ص105).


                            يتبع إن شاء الله...

                            تعليق


                            • #15
                              حب الحسين وعلاقته بالفطرة 14

                              لذلك ينقل عن بعض العلماء أنهم كانوا قبل الصلاة يقولون: «صلى الله عليك يا أبا عبد الله» فكانوا يحرقون قلوبهم ويفتحون طريق صلاتهم بالحسين(ع). هذا هو الحسين(ع) حيث إنه يفعّل فطرتنا ويعرفنا على أنفسنا ورغباتنا.
                              ولا يخفى عليكم أيها الإخوة أنكم إذا بكيتم على الحسين(ع) جيدا ونجحتم في عشق الحسين(ع) ترتقون إلى مراحل أسمى وأعلا وهي أن يشتعل قلبكم ويمتلئ نارا بحب أمير المؤمنين(ع) بلا حاجة إلى ذكر مصائبه. فقد قال علي بن أبي طالب(ع): « لَوْ أَحَبَّنِي جَبَلٌ لَتَهَافَت‏»(تصنيف غرر الحكم/ح2042). فانظروا كيف يتحدثون عن الحب الفطري: حب الله نار، إن لقتل الحسين حرارة، لو أحبني جبل لتهافت... . إذ هكذا تعمل النزعات الفطرية في قلب الإنسان.
                              لماذا لم نحصل على هذه النتائج مع أننا نبكي على الحسين(ع) وقد شعرنا بهذه الحرارة؟ لأننا لم نؤدي حق الحسين(ع) كما ينبغي ولم نحترق لمصابه بقدر كاف.
                              كان السيد القاضي(ره) يؤكّد على المجالس الأسبوعية لذكر مصائب أهل البيت(ع) حتى وإن كان العدد لا يتجاوز الاثنين أو ثلاثة أشخاص، فكم قد أدينا حق الحسين(ع) في حياتنا؟

                              صلى الله عليك يا أبا عبد الله

                              تحدثوا مع الحسين(ع) وناجوه! قولوا سيدي لقد انطلقت في حركتي هذه من حبك وعشقك فلا تتركني لوحدي. قل له سيدي لقد ضاقت بي السبل وأعيت بي الحيل فتوقفت عن الحركة. اسأله حتى يأخذ بيدك.
                              لقد أثبتت رقية بنت الحسين(ع) أن من ينادي أباها بصدق وإخلاص سيأتيه الحسين(ع) حتى وإن كان في خربة الشام. سيدي هل تأتيني في خربة قلبي؟
                              لماذا لا تصرخ ولا تنادي الحسين(ع) بأعلى صوتك؟ أنا قلت لك أنّ حب الحسين(ع) هو حبّ فطري قد ازدهر في قلبنا. فإذا لم تزدهر باقي أقسام فطرتنا أو لم تتجلّ ثمرات هذا الازدهار بشكل عميق فذلك بسبب أننا لم نخض في حبّ الحسين(ع) بعد، ولا زلنا باقين في أوائل الطريق. بإمكاننا أن نعزز هذا الحب، فماذا نفعل لتعزيزه وتأكيده؟
                              من يحب الحسين(ع) فليصرخ في مجلسه ويناديه. فإن هذا الصراخ هو تجلي هذا الحبّ، وكلما تُجَسّد الحبّ بسلوك خاص، يتأكد ويتعزز. فإن الإمام الصادق(ع) لم يدع للباكين على الحسين(ع) وحسب، بل قد دعا للصارخين أيضا؛ «وَ ارْحَمْ تِلْكَ الصَّرْخَةَ الَّتِي كَانَتْ لَنَا»(بحار الأنوار/ج98/ص52). كان يدعو لهم ويقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ تِلْكَ الْأَنْفُسَ وَ تِلْكَ الْأَبْدَانَ حَتَّى نُوَافِيَهُمْ عَلَى الْحَوْض‏»(المصدر نفسه).




                              تعليق

                              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                              حفظ-تلقائي
                              x

                              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                              صورة التسجيل تحديث الصورة

                              اقرأ في منتديات يا حسين

                              تقليص

                              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                              أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, اليوم, 07:21 AM
                              ردود 2
                              12 مشاهدات
                              0 معجبون
                              آخر مشاركة ibrahim aly awaly
                              بواسطة ibrahim aly awaly
                               
                              يعمل...
                              X