1- التمييز
التمييز بسبب العادات والقوانين
تواجه المرأة التمييز في جميع مجالات الحياة تقريباً في المملكة العربية السعودية بسبب العادات والقوانين. وبعض العادات التمييزية والمحظورات الاجتماعية يجرى تنفيذها بقوة الدولة وسلطتها الكاملة. فعلى سبيل المثال، قامت عشرات النساء في عام 1990 بالاحتجاج على الحظر المفروض استناداً إلى الأعراف السائدة على قيادة المرأة للسيارة، فخرجن يقدن سياراتهن في الرياض ولم تكن قيادة السيارات ممنوعة قانوناً على المرأة آنذاك، فأصدرت وزارة الداخلية حَظْراً رسمياً على قيادة المرأة للسيارة، وتبع ذلك إصدار فتوى شرعية.
وتبين هذه الحادثة أن الحظر القانوني على قيادة المرأة للسيارة لم يصدر إلا بعد المظاهرة، وأن سبب الرجوع إلى الدين كان إضفاء الصفة القانونية على أحد المحظورات الاجتماعية. وجاء في الفتوى التي أصدرها الشيخ الراحل عبد العزيز بن عبد الله بن باز، مفتى المملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، ما يلي: "... لا شك أن ذلك (أي قيادة المرأة للسيارة) لا يجوز، لأن قيادتها للسيارة تؤدي إلى مفاسد كثيرة وعواقب وخيمة منها الخلوة المحرمة بالمرأة، ومنها السفور، ومنها الاختلاط بالرجال بدون حذر، ومنها ارتكاب المحظور الذي من أجله حرمت هذه الأمور. والشرع المطهر منع الوسائل المؤدية إلى المحرم واعتبرها محرمة وقد أمر الله جل وعلا نساء النبي ونساء المؤمنين بالاستقرار في البيوت، والحجاب، وتجنب إظهار الزينة لغير محارمهن، لما يؤدى إليه ذلك كله من الإباحية التي تقضى على المجتمع."(7)
ولا تزال الحكومة تطبق هذا الحظر. ففي إبريل/نيسان 2000، نقلت الصحافة عن وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز أنه "أوضح أن السماح بقيادة النساء للسيارات لن يُناقش إلا بعد أن يتقبل المجتمع الفكرة."
الإطار القانوني
شرعت الحكومة في الآونة الأخيرة في عدد من المبادرات التشريعية ذات صلة وثيقة بقضايا حقوق الإنسان التي شغلت منظمة العفو الدولية سنوات طويلة. ومنها مبادرتان تشريعيتان تتعلقان بالمرأة. الأولى فهي التوصية التي أصدرها مجلس الشورى بالمصادقة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والثانية هي ما ورد من أن المجلس يدرس بعض المقترحات الخاصة بإصدار قانون عمل للمرأة. ومن المقترحات الأخرى التي ورد أنها تسير في طريق الإجراءات التشريعية اقتراح بقانون لتنظيم مهنة المحاماة وقانون بشأن إجراءات المحاكمة. وعلى الرغم من عمومية هذه المبادرات الثلاث فإن لها علاقة مباشرة بحقوق المرأة.
وليس لدى منظمة العفو الدولية أية معلومات بشأن محتوى هذه المبادرات القانونية ولكنها دعت الحكومة إلى أن تضمن اتساقها مع المواثيق الدولية الصادرة في هذا الصدد، بما في ذلك ما يتعلق منها بحقوق المرأة. وفي الوقت الراهن نجد أن القوانين السارية في المملكة العربية السعودية تتسم بالتمييز ضد المرأة في جميع جوانب الحياة تقريباً، بما في ذلك مجال اتخاذ القرارات، وفرص العمل، والتعليم والعلاقات الأسرية.
فالقوانين التي تحكم نظام الحكومة، وهي القانون الأساسي، والقانون الخاص بمجلس الشورى، وقانون الحكم المحلي، وهي التي صدرت جميعاً في عام 1992، تلتزم الصمت إزاء قضية المرأة. فهي لا تتضمن أي إشارة إلى التمييز ضد المرأة أو بين الجنسين أو إلى أي من الحقوق الإنسانية الأساسية مثل التحرر من التعذيب، والحق في حرية عقد الاجتماعات أو تكوين الجمعيات، والتحرر من الرق، أو الحق في حرية التعبير. وتتمتع بعض الحقوق بالحماية مثل الحق في العمل والضمان الاجتماعي(9). أما الحماية من الحرمان التعسفي من الحرية فقد أُفرغت من معناها تقريباً بسبب النص على خضوعها "لقواعد النظام" (انظر الفصل الثاني: الاعتقال التعسفي والاحتجاز).
أما قانون مجلس الشورى الذي ينص على أن يتكون المجلس من 60 عضواً غير منتخب (زيد إلى 90 فيما بعد) ومهمته تقديم المشورة إلى الملك، فهو لا يتضمن أي إشارة إلى عضوية المرأة في المجلس، ولا تتمتع أي لجنة من لجانه باختصاص النظر في قضايا المرأة.
والتمييز في القوانين ضد المرأة لا يقتصر على القوانين التي تحكم نظام الحكومة واتخاذ القرارات، فعلى سبيل المثال نجد أن "نظام العمل ولوائحه"(11)، و "سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية"(12) يتضمنان فقرات تتسم بالتمييز المباشر وغير المباشر ضد المرأة، وبعض النصوص التي تتسم بالتمييز المباشر تستند إلى النص الصريح على منع المرأة من مزاولة أعمال معينة، ولكن الخط الأساسي للتمييز في العمالة والتعليم يرجع بصفة أساسية إلى منع الاختلاط بين الجنسين وهو القاعدة التي يجرى تنفيذها قسراً وبصرامة على نطاق واسع. والنصوص التي تحرم المرأة من حق الاختيار واردة في قانون العمل المذكور، فالمادة 48 منه تقول "إن جميع العمال السعوديين يتمتعون بالمساواة في حق العمل في جميع مناطق المملكة دون تمييز" ولكن هذا النص العام تهدمه النصوص الأخرى التي تتضمن التمييز ضد المرأة. فالمادة 160 تحظر عمل النساء والأحداث في الأعمال "الخطرة" التي يقال إنها تتضمن العمل بالآلات المتعلقة بالطاقة الكهربائية، وفي المناجم والمحاجر وما إلى ذلك. والفلسفة الأساسية لسياسات الحكومة التعليمية هي تقييد فرص العمل المتاحة للمرأة منذ الطفولة، على نحو ما هو منصوص عليه في المادة 153 من هذه السياسة والتي تقول إن أحد الأهداف الأولية لتعليم الفتاة هو "لإعدادها للقيام بما يناسب فطرتها: كالتدريس والتمريض، والتطبيب..."(13)
أما التمييز القائم على منع اختلاط الجنسين فمنصوص عليه في المادة 160 من "نظام العمل والعمال" التي تحظر أيضاً اختلاط الرجال بالنساء في مكان العمل ومرافقه، وكذلك فإن المادة 155 من "سياسة التعليم" تنص على منع الاختلاط بين البنين والبنات في جميع مراحل التعليم إلا في دور الحضانة ورياض الأطفال.
وسياسة الفصل بين الجنسين مدعمة بفتاوى تمنع النساء من الاختلاط بالرجال من غير المحارم، وهي سياسة تتسم بالتمييز الصارخ ضد المرأة، وتتجلى آثارها في انخفاض معدل مشاركة المرأة في قوة العمل.
ويتضمن " نظام العمل والعمال" نصوصاً كثيرة تعتبر إيجابية للمرأة، فالمواد من 164الى171 تنص على بعض إجازات الوضع والأمومة للمرأة، وفترات راحة لإطعام المولود الجديد، والتزام صاحب العمل بتغطية تكاليف وضع المرأة وعلاجها؛ والحماية من الفصل أثناء إجازة الحمل والوضع؛ والحماية من الفصل على أساس الأمراض المتعلقة بالحمل والمثبتة بشهادة طبية. ومع ذلك فإن من يعملون في المنازل، والغالبية العظمى منهم من النساء، مستثنون استثناءً صريحاً من الحماية التي ينص عليها نظام العمل بموجب المادة الثالثة.
وإلى جانب ذلك فإن العاملين بالمنازل لا يستطيعون الاستفادة (بسبب استثنائهم من نطاق العمل) من المادة 78 التي تنص على ما يلي:
"لا يجوز لصاحب العمل أن ينقل العامل من مكان عمله الأصلي إلى مكان آخر يقتضي تغيير محل إقامته إذا كان من شأن النقل أن يلحق بالعامل ضرراً جسيما ولم يكن له سبب مشروع تقتضيه طبيعة العمل."
وقد أبلغ عمال المنازل منظمة العفو الدولية مراراً أنهم كانوا يُنقلون من منزل إلى منزل "مثل الحقائب" وقالت منظمة إندونيسية غير حكومية اسمها "سوليدارتياس بيريمبوان" إن أحد الحالات التي تعاملت معها هي لشخص تعرض للنقل 18 مرة في غضون عامين. واستثناء عمال المنازل من الحماية المنصوص عليها في "نظام العمل والعمال" لا يتفق مع تشريعات المملكة العربية السعودية نفسها، خصوصاً المادة 28 من القانون الأساسي التي تنص على أن الدولة... تسن القوانين اللازمة لحماية الموظف وصاحب العمل.
والتمييز ضد المرأة، سواء أكان مباشراً أم غير مباشر، يمثل انتهاكاً خطيراً للالتزامات الدولية للمملكة العربية السعودية، خصوصاً لاتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 111، وقالت لجنة خبراء تلك المنظمة ما يلي فيما يتعلق بالمادة 160، في سياق التزامات المملكة العربية السعودية الناجمة عن مصادقتها على الاتفاقية المذكورة:
"تشير اللجنة من جديد إلى أن المادة 160 من نظام العمل من شأنه الانتقاص من المساواة في الفرص والمعاملة بين الرجال والنساء، وهو من ثم لا يتمشى مع الاتفاقية. فإن حظر وجود الرجال والنساء معاً في مكان العمل يؤدى إلى الفصل في العمل على أساس الجنس، إذ انه يقصر أعمال المرأة على الأعمال التي لا تختلط فيها بغير المرأة والتي تعتبر مناسبة لطبيعتها ولا تتناقض مع التقاليد السائدة."(14)(ترجمة منظمة العفو الدولية)
وقالت اللجنة نفسها بعد ذلك:
"وتشير اللجنة إلى أن عدم توافر قصد التمييز في التدابير المتخذة لا ينفي أن تكون مناقضة للاتفاقية. وتلاحظ اللجنة أن تأثير هذه المادة من نظام العمل على ظروف عمل المرأة يقع بالتأكيد في إطار تعريف التمييز على أساس الجنس الوارد في الاتفاقية..."(15)
أما في قانون الأسرة (الأحوال الشخصية) فإن حقوق المرأة أبعد ما تكون عن المساواة مع حقوق الرجل، فطبقاً لقانون الأسرة الساري في المملكة العربية السعودية يجوز للرجل في ظروف معينة أن يتزوج عدداً من النساء قد يصل إلى أربع نساء، وله أن يطلّق المرأة فوراً، في حين أن المرأة تجد لزاماً عليها أن تقنع المحكمة بتوافر سبب من "الأسباب" المحددة للطلاق وهي عدم إعالتها، أو عدم تلبية الحقوق الزوجية، أو القسوة الشديدة، أو الخيانة الزوجية، أو العجز الجنسي، أو العجز البدني، أو الهجر (ثلاث سنوات). ومما يزيد من تفاقم المشكلة أن الضغوط الاجتماعية كثيراً ما تثبط من اعتزام الزوجة طلب الطلاق.
ويقول الدكتور عبد الله بن سلطان السبيعى، وهو أستاذ سعودي متخصص في علم النفس "فالمرأة تخاف من الطلاق وأن تبقي من دون زوج وتتهم بأنها خربت بيتها... ثم هي كذلك تقهر على تحمل هذا الوضع من قبل أهلها ( أي العنف المنزلي) لأن الزواج في بلادنا رباط بين أسرتين... كذلك فمجتمعنا القبلي يعرف بعضه بعضاً والمرأة تخاف من الفضائح وشماتة الناس".
وعندما يقع الطلاق فللمرأة أن تظل حاضنة لأن من أطفالها فقط حتى سن السابعة (للبنين) والتاسعة (للبنات)، وللمطلقة أن تتوقع نفقة إعالة من زوجها لمدة ثلاثة أشهر فقط، وعليها بعد ذلك أن تعتمد على أسرتها أو على البر والإحسان. والزوج يدفع مهراً لزوجته عند القران، وهو يصبح ملكاً لها ولا ينفق على إعالة الأسرة، ويظل ذلك المال في يد الزوجة بعد الطلاق وقد يوفر لها قدراً من الأمان المالي حين لا تتوافر نفقة الإعالة.
وتصف نائلة (انظر الفصل الثالث- العنف المنزلي) الصعوبة التي واجهتها حتى في الحديث مع أبنائها بعد الطلاق:
كنت أعرف أن طلاقي من زوجي سيؤدي إلى فقداني أطفالي إذ لن أستطيع أن أرعى الطفل إلا حتى يبلغ السابعة والبنت حتى تبلغ التاسعة. وكنت أعرف أن النفقة كانت من حقي حتى انتهاء شهور العدة الثلاثة فقط، وأعطاني زوجي ما يعادل 1500 دولار أمريكي. ولكنه ظل يحتفظ بجواز السفر الخاص بي، وسلّمني إلى منزل أخي. وكان والداي قد توفيا ولم يكن أخي قادراً على رعايتي. لقد أصبحت مٌعدمة. وقد ٌسمح لطفليّ بالقدوم لزيارتي مرة واحدة- وكان ذلك منذ عامين، وبعد ذلك قال زوجي إنه يسمح لي بالحديث إلى كل منهما لمدة دقيقتين في مساء كل خميس. إنني أتلهف على رؤية أطفالي وأعتقد أنهما في حاجة إلىّ."
يتبع ....
التمييز بسبب العادات والقوانين
تواجه المرأة التمييز في جميع مجالات الحياة تقريباً في المملكة العربية السعودية بسبب العادات والقوانين. وبعض العادات التمييزية والمحظورات الاجتماعية يجرى تنفيذها بقوة الدولة وسلطتها الكاملة. فعلى سبيل المثال، قامت عشرات النساء في عام 1990 بالاحتجاج على الحظر المفروض استناداً إلى الأعراف السائدة على قيادة المرأة للسيارة، فخرجن يقدن سياراتهن في الرياض ولم تكن قيادة السيارات ممنوعة قانوناً على المرأة آنذاك، فأصدرت وزارة الداخلية حَظْراً رسمياً على قيادة المرأة للسيارة، وتبع ذلك إصدار فتوى شرعية.
وتبين هذه الحادثة أن الحظر القانوني على قيادة المرأة للسيارة لم يصدر إلا بعد المظاهرة، وأن سبب الرجوع إلى الدين كان إضفاء الصفة القانونية على أحد المحظورات الاجتماعية. وجاء في الفتوى التي أصدرها الشيخ الراحل عبد العزيز بن عبد الله بن باز، مفتى المملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، ما يلي: "... لا شك أن ذلك (أي قيادة المرأة للسيارة) لا يجوز، لأن قيادتها للسيارة تؤدي إلى مفاسد كثيرة وعواقب وخيمة منها الخلوة المحرمة بالمرأة، ومنها السفور، ومنها الاختلاط بالرجال بدون حذر، ومنها ارتكاب المحظور الذي من أجله حرمت هذه الأمور. والشرع المطهر منع الوسائل المؤدية إلى المحرم واعتبرها محرمة وقد أمر الله جل وعلا نساء النبي ونساء المؤمنين بالاستقرار في البيوت، والحجاب، وتجنب إظهار الزينة لغير محارمهن، لما يؤدى إليه ذلك كله من الإباحية التي تقضى على المجتمع."(7)
ولا تزال الحكومة تطبق هذا الحظر. ففي إبريل/نيسان 2000، نقلت الصحافة عن وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز أنه "أوضح أن السماح بقيادة النساء للسيارات لن يُناقش إلا بعد أن يتقبل المجتمع الفكرة."
الإطار القانوني
شرعت الحكومة في الآونة الأخيرة في عدد من المبادرات التشريعية ذات صلة وثيقة بقضايا حقوق الإنسان التي شغلت منظمة العفو الدولية سنوات طويلة. ومنها مبادرتان تشريعيتان تتعلقان بالمرأة. الأولى فهي التوصية التي أصدرها مجلس الشورى بالمصادقة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والثانية هي ما ورد من أن المجلس يدرس بعض المقترحات الخاصة بإصدار قانون عمل للمرأة. ومن المقترحات الأخرى التي ورد أنها تسير في طريق الإجراءات التشريعية اقتراح بقانون لتنظيم مهنة المحاماة وقانون بشأن إجراءات المحاكمة. وعلى الرغم من عمومية هذه المبادرات الثلاث فإن لها علاقة مباشرة بحقوق المرأة.
وليس لدى منظمة العفو الدولية أية معلومات بشأن محتوى هذه المبادرات القانونية ولكنها دعت الحكومة إلى أن تضمن اتساقها مع المواثيق الدولية الصادرة في هذا الصدد، بما في ذلك ما يتعلق منها بحقوق المرأة. وفي الوقت الراهن نجد أن القوانين السارية في المملكة العربية السعودية تتسم بالتمييز ضد المرأة في جميع جوانب الحياة تقريباً، بما في ذلك مجال اتخاذ القرارات، وفرص العمل، والتعليم والعلاقات الأسرية.
فالقوانين التي تحكم نظام الحكومة، وهي القانون الأساسي، والقانون الخاص بمجلس الشورى، وقانون الحكم المحلي، وهي التي صدرت جميعاً في عام 1992، تلتزم الصمت إزاء قضية المرأة. فهي لا تتضمن أي إشارة إلى التمييز ضد المرأة أو بين الجنسين أو إلى أي من الحقوق الإنسانية الأساسية مثل التحرر من التعذيب، والحق في حرية عقد الاجتماعات أو تكوين الجمعيات، والتحرر من الرق، أو الحق في حرية التعبير. وتتمتع بعض الحقوق بالحماية مثل الحق في العمل والضمان الاجتماعي(9). أما الحماية من الحرمان التعسفي من الحرية فقد أُفرغت من معناها تقريباً بسبب النص على خضوعها "لقواعد النظام" (انظر الفصل الثاني: الاعتقال التعسفي والاحتجاز).
أما قانون مجلس الشورى الذي ينص على أن يتكون المجلس من 60 عضواً غير منتخب (زيد إلى 90 فيما بعد) ومهمته تقديم المشورة إلى الملك، فهو لا يتضمن أي إشارة إلى عضوية المرأة في المجلس، ولا تتمتع أي لجنة من لجانه باختصاص النظر في قضايا المرأة.
والتمييز في القوانين ضد المرأة لا يقتصر على القوانين التي تحكم نظام الحكومة واتخاذ القرارات، فعلى سبيل المثال نجد أن "نظام العمل ولوائحه"(11)، و "سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية"(12) يتضمنان فقرات تتسم بالتمييز المباشر وغير المباشر ضد المرأة، وبعض النصوص التي تتسم بالتمييز المباشر تستند إلى النص الصريح على منع المرأة من مزاولة أعمال معينة، ولكن الخط الأساسي للتمييز في العمالة والتعليم يرجع بصفة أساسية إلى منع الاختلاط بين الجنسين وهو القاعدة التي يجرى تنفيذها قسراً وبصرامة على نطاق واسع. والنصوص التي تحرم المرأة من حق الاختيار واردة في قانون العمل المذكور، فالمادة 48 منه تقول "إن جميع العمال السعوديين يتمتعون بالمساواة في حق العمل في جميع مناطق المملكة دون تمييز" ولكن هذا النص العام تهدمه النصوص الأخرى التي تتضمن التمييز ضد المرأة. فالمادة 160 تحظر عمل النساء والأحداث في الأعمال "الخطرة" التي يقال إنها تتضمن العمل بالآلات المتعلقة بالطاقة الكهربائية، وفي المناجم والمحاجر وما إلى ذلك. والفلسفة الأساسية لسياسات الحكومة التعليمية هي تقييد فرص العمل المتاحة للمرأة منذ الطفولة، على نحو ما هو منصوص عليه في المادة 153 من هذه السياسة والتي تقول إن أحد الأهداف الأولية لتعليم الفتاة هو "لإعدادها للقيام بما يناسب فطرتها: كالتدريس والتمريض، والتطبيب..."(13)
أما التمييز القائم على منع اختلاط الجنسين فمنصوص عليه في المادة 160 من "نظام العمل والعمال" التي تحظر أيضاً اختلاط الرجال بالنساء في مكان العمل ومرافقه، وكذلك فإن المادة 155 من "سياسة التعليم" تنص على منع الاختلاط بين البنين والبنات في جميع مراحل التعليم إلا في دور الحضانة ورياض الأطفال.
وسياسة الفصل بين الجنسين مدعمة بفتاوى تمنع النساء من الاختلاط بالرجال من غير المحارم، وهي سياسة تتسم بالتمييز الصارخ ضد المرأة، وتتجلى آثارها في انخفاض معدل مشاركة المرأة في قوة العمل.
ويتضمن " نظام العمل والعمال" نصوصاً كثيرة تعتبر إيجابية للمرأة، فالمواد من 164الى171 تنص على بعض إجازات الوضع والأمومة للمرأة، وفترات راحة لإطعام المولود الجديد، والتزام صاحب العمل بتغطية تكاليف وضع المرأة وعلاجها؛ والحماية من الفصل أثناء إجازة الحمل والوضع؛ والحماية من الفصل على أساس الأمراض المتعلقة بالحمل والمثبتة بشهادة طبية. ومع ذلك فإن من يعملون في المنازل، والغالبية العظمى منهم من النساء، مستثنون استثناءً صريحاً من الحماية التي ينص عليها نظام العمل بموجب المادة الثالثة.
وإلى جانب ذلك فإن العاملين بالمنازل لا يستطيعون الاستفادة (بسبب استثنائهم من نطاق العمل) من المادة 78 التي تنص على ما يلي:
"لا يجوز لصاحب العمل أن ينقل العامل من مكان عمله الأصلي إلى مكان آخر يقتضي تغيير محل إقامته إذا كان من شأن النقل أن يلحق بالعامل ضرراً جسيما ولم يكن له سبب مشروع تقتضيه طبيعة العمل."
وقد أبلغ عمال المنازل منظمة العفو الدولية مراراً أنهم كانوا يُنقلون من منزل إلى منزل "مثل الحقائب" وقالت منظمة إندونيسية غير حكومية اسمها "سوليدارتياس بيريمبوان" إن أحد الحالات التي تعاملت معها هي لشخص تعرض للنقل 18 مرة في غضون عامين. واستثناء عمال المنازل من الحماية المنصوص عليها في "نظام العمل والعمال" لا يتفق مع تشريعات المملكة العربية السعودية نفسها، خصوصاً المادة 28 من القانون الأساسي التي تنص على أن الدولة... تسن القوانين اللازمة لحماية الموظف وصاحب العمل.
والتمييز ضد المرأة، سواء أكان مباشراً أم غير مباشر، يمثل انتهاكاً خطيراً للالتزامات الدولية للمملكة العربية السعودية، خصوصاً لاتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 111، وقالت لجنة خبراء تلك المنظمة ما يلي فيما يتعلق بالمادة 160، في سياق التزامات المملكة العربية السعودية الناجمة عن مصادقتها على الاتفاقية المذكورة:
"تشير اللجنة من جديد إلى أن المادة 160 من نظام العمل من شأنه الانتقاص من المساواة في الفرص والمعاملة بين الرجال والنساء، وهو من ثم لا يتمشى مع الاتفاقية. فإن حظر وجود الرجال والنساء معاً في مكان العمل يؤدى إلى الفصل في العمل على أساس الجنس، إذ انه يقصر أعمال المرأة على الأعمال التي لا تختلط فيها بغير المرأة والتي تعتبر مناسبة لطبيعتها ولا تتناقض مع التقاليد السائدة."(14)(ترجمة منظمة العفو الدولية)
وقالت اللجنة نفسها بعد ذلك:
"وتشير اللجنة إلى أن عدم توافر قصد التمييز في التدابير المتخذة لا ينفي أن تكون مناقضة للاتفاقية. وتلاحظ اللجنة أن تأثير هذه المادة من نظام العمل على ظروف عمل المرأة يقع بالتأكيد في إطار تعريف التمييز على أساس الجنس الوارد في الاتفاقية..."(15)
أما في قانون الأسرة (الأحوال الشخصية) فإن حقوق المرأة أبعد ما تكون عن المساواة مع حقوق الرجل، فطبقاً لقانون الأسرة الساري في المملكة العربية السعودية يجوز للرجل في ظروف معينة أن يتزوج عدداً من النساء قد يصل إلى أربع نساء، وله أن يطلّق المرأة فوراً، في حين أن المرأة تجد لزاماً عليها أن تقنع المحكمة بتوافر سبب من "الأسباب" المحددة للطلاق وهي عدم إعالتها، أو عدم تلبية الحقوق الزوجية، أو القسوة الشديدة، أو الخيانة الزوجية، أو العجز الجنسي، أو العجز البدني، أو الهجر (ثلاث سنوات). ومما يزيد من تفاقم المشكلة أن الضغوط الاجتماعية كثيراً ما تثبط من اعتزام الزوجة طلب الطلاق.
ويقول الدكتور عبد الله بن سلطان السبيعى، وهو أستاذ سعودي متخصص في علم النفس "فالمرأة تخاف من الطلاق وأن تبقي من دون زوج وتتهم بأنها خربت بيتها... ثم هي كذلك تقهر على تحمل هذا الوضع من قبل أهلها ( أي العنف المنزلي) لأن الزواج في بلادنا رباط بين أسرتين... كذلك فمجتمعنا القبلي يعرف بعضه بعضاً والمرأة تخاف من الفضائح وشماتة الناس".
وعندما يقع الطلاق فللمرأة أن تظل حاضنة لأن من أطفالها فقط حتى سن السابعة (للبنين) والتاسعة (للبنات)، وللمطلقة أن تتوقع نفقة إعالة من زوجها لمدة ثلاثة أشهر فقط، وعليها بعد ذلك أن تعتمد على أسرتها أو على البر والإحسان. والزوج يدفع مهراً لزوجته عند القران، وهو يصبح ملكاً لها ولا ينفق على إعالة الأسرة، ويظل ذلك المال في يد الزوجة بعد الطلاق وقد يوفر لها قدراً من الأمان المالي حين لا تتوافر نفقة الإعالة.
وتصف نائلة (انظر الفصل الثالث- العنف المنزلي) الصعوبة التي واجهتها حتى في الحديث مع أبنائها بعد الطلاق:
كنت أعرف أن طلاقي من زوجي سيؤدي إلى فقداني أطفالي إذ لن أستطيع أن أرعى الطفل إلا حتى يبلغ السابعة والبنت حتى تبلغ التاسعة. وكنت أعرف أن النفقة كانت من حقي حتى انتهاء شهور العدة الثلاثة فقط، وأعطاني زوجي ما يعادل 1500 دولار أمريكي. ولكنه ظل يحتفظ بجواز السفر الخاص بي، وسلّمني إلى منزل أخي. وكان والداي قد توفيا ولم يكن أخي قادراً على رعايتي. لقد أصبحت مٌعدمة. وقد ٌسمح لطفليّ بالقدوم لزيارتي مرة واحدة- وكان ذلك منذ عامين، وبعد ذلك قال زوجي إنه يسمح لي بالحديث إلى كل منهما لمدة دقيقتين في مساء كل خميس. إنني أتلهف على رؤية أطفالي وأعتقد أنهما في حاجة إلىّ."
يتبع ....
تعليق