إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

الشجاعة

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الشجاعة

    الشجاعة من الشروط الأساسية للنجاح، سواء على المستوى العام، للزعماء وأصحاب الرسالات، أم على المستوى الشخصي للآباء والأمهات، أم للعاملين في الحقول المختلفة في الحياة.

    وهي حجر الزاوية في صفات الفروسية. فهل يمكن تصوّر رجل عظيم جبان؟ وهل هناك شخص واحد نجح من غير إقدام؟

    وحقاً فإن (الشجاعة نصرة حاضرة وقبيلة ظاهرة)(1) وهي بلا شك (أحد العزّين)(2).

    بينما (الجبن آفة، والعجز سخافة)(3) كما أنه (عار ومنقصة)(4).

    وكما أن (السخاء والشجاعة غرائز شريفة يضعها الله سبحانه فيمن أحبه وامتحنه)(5) ، فإن (الجبن والحرص والبخل غرائز يجمعها سوء الظن بالله)(6).

    وقد يتساءل البعض من أين تنبع الشجاعة؟ وما هو مقدارها في الرجال؟

    والجواب إن الشجاعة مصادر شتى. منها: (الهمّة العالية) لأن (شجاعة الرجل على قدر همّته)(7).

    ومنها: (الحميّة) المترسّخة في النفس لأن (على قدر الحميّة تكون الشجاعة)(8).

    ومنها: (الأنفة) فـ(قدر الرّجل على قدر همته، وصدقه على قدر مروءته، وشجاعته على قدر أنفته)(9).

    ومنها: السخاء بالنفس، والإباء من الذل، وطلب الذكر. فقد (جبلت الشجاعة على ثلاث طبائع، لكل واحدة منهن فضيلة ليست للأخرى: السخاء بالنفس، والأنفة من الذّل، وطلب الذكر، فإن تكاملت في الشجاعة، كان البطل الذي لا يُقام لسبيله، والموسوم بالإقدام في عصره، وإن تفاضلت فيه بعضها على بعض كانت شجاعته في ذلك الذي تفاضلت فيه أكثر وأشدّ إقداماً)(10).

    ولكن متى تظهر شجاعة الرّجال؟

    في الإدعاء، ربما لا يوجد من يعترف بالجبن. ولكن في المواجهة تظهر الحقائق. حيث أن (ثلاثة لا تعرف إلا في ثلاثة مواطن، لا يعرف الحليم إلا عند الغضب، ولا الشجاع إلا عند الحرب، ولا الأخ إلا عند الحاجة)(11).

    ولعل ذلك هو السبب في أن الإمام علي (عليه السلام) الذي اقترن اسمه بكل صفات الفروسية، وامتزج ذكره مع الشجاعة كواحدة من أظهر وأشهر صفاته، لم يتحدث كثيراً عن الشجاعة. لأنه (عليه السلام) كان يمارسها بالفعل، ولم يكن يلهج بذكرها فحسب.. كما يفعل الكثيرون، فحديثه عن الشجاعة، هو مواقفه وأفعاله وممارساته، وهي أصدق حديث وأقوى كلام.

    إن الشجاع يُعرف عند الحرب. وهكذا عُرف الإمام. ففي كل موقف صعب كان هو العلم والشاخص. فهو العون في النوائب، والحاضر في الصعاب. والراية في المغازي، والرفيق في البأساء.. يؤمن حينما يكفر الآخرون، ويصمد حينما يهرب الآخرون، ويقاتل حينما يفرّ الآخرون. كرّار غير فرّار وتلك هي الشجاعة حقاً.

    وتدل أخباره ـ كما تدل صفاته ـ على قوةٍ جسدية بالغة في المكانة والصلابة على العوارض والآفات. فربّما رفع الفارس بيده فجلد به الأرض غير جاهد ولا حافل، ويمسك بذراع الرجل فكأنما أمسك بنفَسه فلا يستطيع أن يتنفس، واشتهر عنه أنه لم يُصارع أحداً إلا صرعه، ولم يبارز أحداً إلا قتله، وقد يزحزح الحجر الضخم لا يزحزحه إلا رجال أشداء، ويحمل الباب الكبير الذي يعجز عن تحريكه الأشداء، ويصيح الصيحة فتنخلع لها قلوب الشجعان)(12).

    وقد قيل عن ضرباته: (كانت لعلي (عليه السلام) ضربتان، إذا تطاول قدَّ، وإذا تقاصر قطَّ).

    وقالوا: (كانت ضرباته أبكاراً، إذا اعتلى قدَّ وإذا اعترض قطَّ، وإذا أتى حصناً هدّ).

    وقالوا: (كانت ضرباته مبتكرات لا عواناً)(13).

    وكان إلى جانب قوته البالغة (شجاعاً لا ينهض له أحد في ميدان مناجزة، فكان لجرأته على الموت لا يهاب قرناً من الأقران بالغاً ما بلغ من الصولة، ورهبة الصيت)(14).

    لم يفر من معركة قط، وهو القائل: (استحيوا من الفرّ فإنه عار في الأعقاب ونار يوم الحساب)(15) و(إن في الفرار موجدة الله والذل اللازم)(16) (وأيم الله لئن فررتم من سيف العاجلة لا تسلموا من سيف الآخرة)(17).

    وقد قيل له: لمَ لا تشتري فرساً عتيقاً؟

    فقال: (لا حاجة لي فيه، وأنا لا أفر ممّن كرّ عليّ، ولا أكرُّ على من فرّ منّي!)(18).

    وحقاً فإن الذي لا يهاب الموت لا يبالي في المواجهة، ويتمتع بشجاعة خارقة بينما ضعاف النفوس واليقين هم الجبناء الخائفون فإن (شدة الجبن من عجز النفس، وضعف اليقين)(19).

    ولقد كان الإمام قوياً في نفسه، عظيماً في يقينه، ولذلك كان شجاعاً في مواجهة الموت، وهو القائل في أواخر لحظات حياته: (والله ما فاجأني من الموت وارد كرهته، ولا طالع أنكرته، وما كانت إلا كقارب ورد، وطالب وجد وما عند الله خير للأبرار)(20).

    ومن كانت هذه صفته فلا يبالي بالموت، فقد روي (أن أمير المؤمنين كان يطوف بين الصفين، بصفين، في (غلالة) فقال له ولده الحسن (عليه السلام): ما هذا زيّ الحرب!

    فقال (عليه السلام): (يا بني.. إن أباك لا يبالي وقع على الموت، أو وقع الموت عليه)(21).

    وكان يقول: (والله لا أبالي دخلت إلى الموت، أو خرج الموت إليّ)(22).

    ويقول: (والله، لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمّه)(23).

    وقال في الصبيحة التي قتل فيها:

    اشـــــــــدد حـــــيازيمك للمـوت فــــــــإن المــــــــوت لاقـــــــيكا

    ولا تجــــــزع مــــــن المـــــوت إذا حــــــــــــــلّ بـــــــواديـــــكا

    كــــــــما اضـــــــحك الدهـــــــر كــــــذاك الـــــــدهر يبكيكا(24)

    ولقد رفض أكثر من مرّة أن يتخذ حارساً، بالرغم من أن خليفتين قبله كانا قد قُتلا فعلاً، وهما الخليفة الثاني (عمر بن الخطاب) والخليفة الثالث (عثمان بن عفان). وبالرغم من أنه كان يخوض حروباً داخلية، ولربما كان يتحول صاحبه خلال ليلة واحدة إلى عدوّه. وقد قتل فيما بعد على يد واحد من أمثال هؤلاء وهو الخارجي عبد الرحمن بن ملجم..

    ومع ذلك لم يتخذ حارساً. وحينما كان البعض يتبرع لذلك كان يرفضه..

    من ذلك ما روي أنه: كان لعليّ (عليه السلام) غلام اسمه قنبر، وكان يحبّ عليّاً حبّاً شديداً، فإذا خرج عليٌّ خرج على أثره بالسيف. فرآه ذات ليلة فقال: يا قنبر ما لك؟

    قال: جئت لأمشي خلفك، فإنّ النّاس كما تراهم يا أمير المؤمنين، فخفت عليك.

    قال: ويحك أمن أهل السماء تحرسني أم من أهل الأرض؟

    قال: لا بل من أهل الأرض؟

    قال: (إنّ أهل الأرض لا يستطيعون بي شيئاً إلا بإذن الله عزّ وجلّ من السماء فارجع فرجع)(25).

    وفي معركة الجمل خرج إلى عدوّه للاحتجاج وهو حاسر فقال أصحابه: ألا نحرسك؟ فقال: (حرس امرئً أجلُهُ).

    فقالوا: لا تخرج وأنت بقميص واحد وحاسر!

    فقال: (لقد قاتلت مع النبي وأنا حاسر، أكثر ممّا قاتلت وأنا دارع. إنما أنا ذاهب إلى الزبير حواري رسول الله، وابن عمته)(26)!!

    وفي نهايات معركة صفين قرّر بعض أصحابه أن يختاروا كل ليلة عشرة منهم يبيتون بالسلاح ساهرين على حراسته دون أن يستأذنوه.. ورآهم ذات ليلة فسألهم: ما يجلسكم؟

    قالوا: نحرسك يا أمير المؤمنين.

    فقال ساخراً: (من أهل السماء؟! - ثم قال - : إنه لا يكون في الأرض شيء حتى يقضي في السماء، وإنه ليس من الناس أحد إلا وقد وكل به ملكان يدفعان عنه فإذا جاء القدر خليا عنه، وإنه لا يجد عبد حلاوة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه)(27).

    ***

    ولقد ظهرت شجاعة الإمام مبكراً، وهو بعد في العاشرة من عمره، حينما نزل الوحي على رسول الله ووقفت قريش في وجه الرسالة، وبدأت تؤذي النبي بشتى الوسائل، ومنها دفع الأطفال للاعتداء عليه، ورميه بالحجارة. فما كان من الإمام إلا وقد نصب نفسه حارساً أميناً لرسول الله، فكان إذا خرج، خرج معه وأيّما طفل من أطفال قريش يحاول إيذاء النبي كان علي (عليه السلام) يدافع عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

    وليلة الهجرة بات على فراش رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ليؤمّن تغطية خروج النبيّ حتى لا تعلم قريش بذلك، بعد أن عزموا على قتله..

    وفي المواقع التي شهدها مع رسول الله ـ فيما بعد ـ منذ (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)(28) ، كانت الشجاعة تتلبّسه، فإذاً هو الفارس الأول، والمحور الأساسي للمعارك، وصاحب الراية في كثير منها، وقائدها في أغلب الأحيان..

    ولقد كان في نحو العشرين، يوم بدر.. وتقدم أقوى فرسان قريش يتحدّون المسلمين، ويستفزون محمداً، ويطلبون أقوى فرسانه للمبارزة.

    فقد برز من صناديد المشركين عتبة وأخوه شيبة وابنه الوليد فقالوا: من يبارز؟ فخرج من المسلمين فتية من الأنصار.

    قال عتبة: لا نريد هؤلاء، ولكن يبارزنا من بني أعمامنا من بني عبد المطلب.

    فقام رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (قم يا حمزة، قم يا عبيدة، قم يا علي).

    فبرز حمزة لعتبة فقتله، وبرز علي للوليد بن عتبة فقتله، وقتل عبيدة بن الحارث شيبة بمساعدة حمزة وعلي، بعد أن قطع شيبة رجل عبيدة.

    ونزلت في ذلك الآية الكريمة: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأرْضِ)(29). فالذين آمنوا هم حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث. و(المفسدون في الأرض) هم عتبة وشيبة والوليد بن عتبة(30).

    وعندما التحم الجمعان فعل حمزة وعلي في جيش المشركين الأفاعيل، كما أبلى المجاهدون في سبيل الله بلاء حسناً.

    قال علي: (قاتلت يوم بدر قتالاً ثم جئت إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) فإذا هو ساجد يقول: يا حي يا قيوم. ثم ذهبت فقاتلت ثم جئت فإذا النبي ساجد يقول: يا حي يا قيوم. ففتح الله عزّ وجلّ عليه).

    وفي يوم بدر قتل علي أصحاب ألوية قريش جميعاً، فأبصر الرسول (صلّى الله عليه وآله) جماعة من مشركي قريش فقال لعلي: (احمل عليهم) فحمل عليهم ففرق جمعهم، وفروا وقتل منهم سيد بني جمح. ثم أبصر الرسول (صلّى الله عليه وآله) جماعة أخرى من المشركين فقال لعلي: (احمل عليهم). فحمل عليهم ففرقهم وقتل منهم سيد بني عامر بني لؤي.

    وفي يوم بدر قتل علي كثيراً من زعماء قريش.(31)

    ***

    أما في يوم أحد فقد ظهر في شجاعة الإمام، وهو لا يزال فتىً يافعاً، أكثر من كل الصحابة، ولولا الإمام فربّما كانت المعركة تنتهي إلى مقتل النبي (صلّى الله عليه وآله) وهزيمة المسلمين جميعاً بل إنه سرت إشاعة مقتله (صلّى الله عليه وآله) فعلاً ممّا دفع الكثير من المسلمين إلى الهرب بينما وقف الإمام، وقفة الرجال. يقول الإمام عن ذلك: (لحقني من الجزع ما لا أملك نفسي، وكنت أمامه أضرب بسيفي، فرجعت أطلبه فلم أره، فقلت: ما كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ليفرّ وما رأيته في القتلى وأظنّه رفع من بيننا، فكسرت جفن سيفي وقلت في نفسي: لأقاتلنّ به حتّى أُقتل، وحملت على القوم، فأفرجوا فإذا أنا برسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد وقع على الأرض مغشياً عليه، فوقفت على رأسه، فنظر إليّ وقال: ما صنع الناس يا عليّ؟

    قلت: كفروا يا رسول الله، ولّوا الدبر من العدوّ وأسلموك).

    ثم أنّه أبصر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كتيبة معاوية فقال لعليّ: احمل عليهم، فحمل عليهم وفرّق جمعهم، وقتل عمرو بن عبد الله الجمحيّ؛ ثمّ أبصر كتيبة أخرى فقال لعلي: ردّ عنّي، فحمل عليهم ففرّق جماعهم، وقتل شيبة بن مالك العامريّ، ثمّ رأى كتيبة أخرى فقال: احمل عليهم، فحمل عليهم فهزمهم، وقتل هاشم بن أميّة المخزوميّ، فقال جبرئيل: يا رسول الله إنّ هذه لهي المواساة، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إنّه منّي وأنا منه، فقال جبرئيل: وأنا منكما، فسمعوا صوتاً يقول: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي.(32)


    مقتبس
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
x

رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

صورة التسجيل تحديث الصورة

اقرأ في منتديات يا حسين

تقليص

لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

يعمل...
X