واعجباً، رأس الحسين يُهدى!
بقلم فضيلة المحروس/25/12/2013
بعد مسير شاق متعب طويل، استغرق نحو 1400 كم، من مدينة الكوفة إلى مدينة دمشق، مروراً ببغداد والموصل، والرقة وحلب، وحمص وبعلبك، فدمشق.
بقلم فضيلة المحروس/25/12/2013
بعد مسير شاق متعب طويل، استغرق نحو 1400 كم، من مدينة الكوفة إلى مدينة دمشق، مروراً ببغداد والموصل، والرقة وحلب، وحمص وبعلبك، فدمشق.
دخلت قافلة آل الحسين عليهم السلام بلاد الشام في الأول من صفر عام 61 للهجرة، وهن بأردىء وأسوء الأحوال، مهتكات على نياق عجفاء هزل بلا غطاء ولا وطاء، تتقدمهم أعمدة رماح عالية،انتصب فوقها سبعة عشر رأساً من رؤوس شهداء فاجعة كربلاء المقدسة، كان في صدارتها رأسسبط رسول الله الإمام الحسين عليه السلام.
وما أن وصلوا بهم على أبواب دمشق، حتى أوقفوهم خارج تلك العاصمة، في مقبرة تسمى مقبرة باب الصغير ولمدة ثلاثة أيام، استجابة لأمر الطاغية يزيد لعنه الله؛ الذي غمرته نشوة الإنتصار والغلبة على الإمام الحسين وآله آنذاك، فأصدر أمراً بتزين شوارع وطرقات مدينة دمشق بأفضل وأحسن أدوات الزينة والحلي والبهرجة، لاسيما (طريق النوفرة الذي ينتهي بباب جيرون الداخلي ثم المسجد الجامع وقصر يزيد الملعون وكان الوزراء والأعيان قد أقاموا مراسم الزينة والفرح، واصطف أفراد الجيش على جانبي الطريق يضربون البوقات ويهتفون بأهازيج النصر، ويضربون بالسيف والترس) .
وبعد انتظار دام ثلاثة أيام، أدخلوهم سبايا إلى مدينة دمشق،والجماهير كانت في أهبة من أمرها، لرؤية ومشاهدة هؤلاء السبايا الخوارج الذين خرجواعلى سلطانهم وأميرهم يزيد لعنه الله، كما أذاعته وأشهرته أجهزة يزيد الأموية في أوساطهم.
وفي(... أثناء مرورهم - آل الحسين - بهذا الطريق الغاص بالسكان صار أهله لعنهم الله يقذفونهمبالشتائم والسباب، فدعت زينب العقيلة عليهم أن تفضح نساؤهم وتفتح أبوابهم، فصارت بيوتهممحالاً للفجور) .
كما (روى سهل بن سعد الساعدي ما رآه من استبشار الناس بقتل الحسين،يقول: خرجت إلى بيت المقدس حتى توسّطت الشام، فإذا أنا بمدينة مطردة الأنهار كثيرةالأشجار، قد علّقت عليها الحجب والديباج، والناس فرحون مستبشرون، وعندهم نساء يلعبنبالدفوف والطبول، فقلت في نفسي: إنّ لأهل الشام عيداً لا نعرفه، فرأيت قوماً يتحدّثونفقلت لهم:
ألكم بالشام عيد لا نعرفه؟
نراك يا شيخ غريباً؟
أنا سهل بن سعد قد رأيت رسول الله.
يا سهل، ما أعجبك أن السماء لا تمطر دماً، والأرض لا تنخسف بأهلها.
وما ذاك؟
هذا رأس الحسين يُهدي من أرض العراق.
واعجباً، يهدى رأس الحسين والناس يفرحون! من أيّ باب يدخل؟
وأشاروا إلى باب الساعات، فأسرع سهل إليها، وبينما هو واقف وإذا بالرايات يتبع بعضها بعضاً، وإذا بفارس بيده لواء منزوع السنان، وعليه رأس من أشبه الناس وجهاً برسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو رأس أبي الأحرار، وخلفه السبايامحمولة على جمال بغير وطاء، وبادر سهل إلى إحدى السيّدات فسألها: من أنت؟
(أنا سكينة بنت الحسين).
ألك حاجة؟ فأنا سهل صاحب جدّك رسول الله.
(قل لصاحب هذا الرأس أنيقدّمه أمامنا حتى يشتغل الناس بالنظر إليه،
ولا ينظرون إلى حرم رسول الله صلّى الله عليه وآله).
وأسرع سهل إلى حامل الرأس فأعطاه أربعمائة درهم فباعد الرأسعن النساء .
نراك يا شيخ غريباً؟
أنا سهل بن سعد قد رأيت رسول الله.
يا سهل، ما أعجبك أن السماء لا تمطر دماً، والأرض لا تنخسف بأهلها.
وما ذاك؟
هذا رأس الحسين يُهدي من أرض العراق.
واعجباً، يهدى رأس الحسين والناس يفرحون! من أيّ باب يدخل؟
وأشاروا إلى باب الساعات، فأسرع سهل إليها، وبينما هو واقف وإذا بالرايات يتبع بعضها بعضاً، وإذا بفارس بيده لواء منزوع السنان، وعليه رأس من أشبه الناس وجهاً برسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو رأس أبي الأحرار، وخلفه السبايامحمولة على جمال بغير وطاء، وبادر سهل إلى إحدى السيّدات فسألها: من أنت؟
(أنا سكينة بنت الحسين).
ألك حاجة؟ فأنا سهل صاحب جدّك رسول الله.
(قل لصاحب هذا الرأس أنيقدّمه أمامنا حتى يشتغل الناس بالنظر إليه،
ولا ينظرون إلى حرم رسول الله صلّى الله عليه وآله).
وأسرع سهل إلى حامل الرأس فأعطاه أربعمائة درهم فباعد الرأسعن النساء .
افسدت السيدة زينب عليها السلام نشوة الإنتصار والغلبة علىيزيد لعنه الله وأودت بجميع موازينه وحساباته وأحلامه الوردية إلى جحيم الهاوية،خاصةً حينما أدلت بخطبها وكلماتها الصادحة في قصره.
وقد أفاد هذا الثراء اللغوي الضخم ان صوت الحروف والمعانيأسن وقعاً وحدة على الظلم والطغيان من حز السيوف.
مماأحدث بذلك معجزة كبرى، وأعجوبة عظمى لايقاس بها مثيل يذكر، في تأريخ البشر، فقدسمع بصداه وأثره البعيد قبل القريب.
وأشير إلى مدى الأثر والبعد الذي تركته خطبة السيدة زينبعليها السلام في أعماق النفوس الأبية بقول: صدق المرحوم الفكيكي عندما قال: تأمل معي في هذه الخطبة النارية كيف جمعت بين فنون البلاغة وأساليب الفصاحة، وبراعة البيان وبين معاني الحماسة وقوة الإحتجاج وحجة المعارضة والدفاع في سبيل الحرية والحق والعقيدة بصراحة هي أنفذ من السيوف إلى أعماق القلوب وأحدّ من وقع الأسنة فيالحشا والمهج في مواطن القتال ومجالات النزال وكان الوثوب على أنياب الأفاعي،وركوب أطراف الرماح أهون على يزيد من سماع هذا الإحتجاج الصارخ الذي صرفت به ربيبةالمجد والشرف في وجوه طواغيت بني أمية وفراعنتهم في منازل عزّهم ومجالس دولتهم الهرقلية الإرستقراطية الكريهة، ثم غن هذه الخطبة التأريخية القاصعة لا تزال تنطق ببطولات الحوراء الخالدة و جرأتها النادرة، وقد احتوت النفس القوية الحساسة الشاعرة بالمثالية الأخلاقية الرفيعة السامية وسيبقى هذا الأدب الحي صارخاً فيوجوه الطغاة على مدى الدهر وتعاقب الأجيال وفي كل ذكرى لواقعة الطف الدامية المفجعة) .
هذا فضلاً ان السيدة زينب عليها السلام كانت هي أول امرأةمن بعد والدتها السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام تدك عروش الطغاة والعتاة والظالمين وتفضحهم بسلاح النص والكلمة.
فقد تحدت أكبر طواغيت زمانها يزيد لعنه الله في مجلسه وأمام جمع غفير من زعمائهونظرائه، دون خوف منه أو من هيبة سلطانه قائلة له: أظننت يا يزيد حين أخذت علينابأقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى أنّ بنا على اللّه هواناوبك عليه كرامة، وأن ذلك لعظم خطرك عنده؟ ).
(ثم تواصل وهاهنا زينب تحطّم وتهدّم قصره العنكبوتي وتكسّر كبرياءه وجبروته وتقض مضجعه بكلمات تبدي عنشجاعتها وجسارتها العلوية أمام الطاغوت، وتستعمل ألفاظاً لاذعة مملوءة بالإستصغاروالإذلال:
شمخت بأنفك ونظرت في عطفك جذلان فرحاً حين رأيت الدنيا لك مستوثقة والأمور متسقة) .
وبعدها حذرته صلوات الله عليها من مغبة طيشه وبطشه وجهله والوهم والسراب الذي قد أعمى وأغشى قلبه وجميع جوراحه بكلمات ناطقة، كما أنها لمتثني في خطابها العظيم بيان أحقية وأفضلية أهل البيت عليهم السلام في قيادة الأمة،ذلك الحق الشرعي الذي نهب وسرق منهم يوماً
بقولها له: (حين صفا لك ملكنا وسلطاننا، فمهلاً مهلاً لاتطش جهلاً، أنسيت قول اللّه تعالى: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذينَ كَفَروُا انَمَانُمْلِي لهُمْ خَيْرٌ لأنفُسِهِمْ إنَمَا نُمْلِي لهُمْ لِيَزْدَادُوا اثماوَلَهُمْ عَذابٌ مُهينْ} .
وفي موضع أخر أشارت إلى انتكاس وضياع الأمة وانحدارها إلى الدرك الأسفل بعد قتل أخيها الإمام الحسين عليه السلام سبط رسول الله صلى الله عليه وآله حيث لا قائد حقيقي لها بعده بقولها: (فواللّه ما فريت إلا جلدك وما حززتإلا لحمك) .
وبعدها حذرته صلوات الله عليها من مغبة طيشه وبطشه وجهله والوهم والسراب الذي قد أعمى وأغشى قلبه وجميع جوراحه بكلمات ناطقة، كما أنها لمتثني في خطابها العظيم بيان أحقية وأفضلية أهل البيت عليهم السلام في قيادة الأمة،ذلك الحق الشرعي الذي نهب وسرق منهم يوماً
بقولها له: (حين صفا لك ملكنا وسلطاننا، فمهلاً مهلاً لاتطش جهلاً، أنسيت قول اللّه تعالى: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذينَ كَفَروُا انَمَانُمْلِي لهُمْ خَيْرٌ لأنفُسِهِمْ إنَمَا نُمْلِي لهُمْ لِيَزْدَادُوا اثماوَلَهُمْ عَذابٌ مُهينْ} .
وفي موضع أخر أشارت إلى انتكاس وضياع الأمة وانحدارها إلى الدرك الأسفل بعد قتل أخيها الإمام الحسين عليه السلام سبط رسول الله صلى الله عليه وآله حيث لا قائد حقيقي لها بعده بقولها: (فواللّه ما فريت إلا جلدك وما حززتإلا لحمك) .
وارادت السيدة زينب عليها السلام، بهذا الثراء الأدبي العظيم، الذي اشتمل على كلمات الأطلاق والقسم والإثبات، أن تنتشل يزيد لعنه اللهمن حلمه المخملي الذي كان يتغنى به دوماً، ويتمنى يوماً ما حدوثه، وهو الحلم الذيكان يقتضي من وراءه طمس خط أهل البيت عليهم السلام ومحو أثرهم من الوجود.
صدقت صلوات الله عليها عندما قالت له: "فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها، وهلرأيك إلا فند وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله علىالظالمين.
والحمد لله رب العالمين، الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب، ويوجب لهم المزيد ويحسن علينا الخلافة، إنه رحيم ودود، وحسبنا الله ونعم الوكيل) .
أمام هذه الصرخات المدّوية والحجج اللاهبة التي أطلقتها آفاق خطب السيدة زينب وخطب جميع آل الحسين عليهم السلام، لم يجد الطاغية يزيد لعنه الله إلا الإستسلام والتراجع عما كان ينويه من نوايا سيئة اتجاه آل الحسين عليهم السلام.
أمام هذه الصرخات المدّوية والحجج اللاهبة التي أطلقتها آفاق خطب السيدة زينب وخطب جميع آل الحسين عليهم السلام، لم يجد الطاغية يزيد لعنه الله إلا الإستسلام والتراجع عما كان ينويه من نوايا سيئة اتجاه آل الحسين عليهم السلام.
كما نقل عن الإمام الصادق عليه السَّلام بأنّه عندما نقل السجاد عليه السَّلام مع باقي أهل بيت الحسين إلى دار خربة في دمشق قال أحدهم:وضعونا هنا حتى يقع السقف علينا فيقتلنا وقال الحرس بلغتهم الرومية: أنظر إليهم يخافون من وقوع السقف مع أنّهم سيؤخذون غداً وتضرب أعناقهم.
قال الإمام السجاد عليه السَّلام: لم يكن منا من يعرف اللغةالرومية جيداً مثلي حينها وتدلّ هذه الرواية على ان حرّاس سلطة يزيد كانوا يتكلمونباللغة الرومية، ويحتمل جداً انّهم روميون أصلاً، و طبعاً انّ معرفة الإمام الرابعباللغة الرومية قد تمت في ضوء علم الإمامة، وهذه الرواية وردت في باب علم الأئمّة .
وبفضل هذه الخطب الصارخة لجأ الطاغية يزيد لعنه الله إلىسياسة التملّص والتنصل لأجل إبعاد نفسه عن مسؤولية إرتكاب تلك الجريمة البشعاءالتي مورست في حق سبط رسول الله الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته الميامين،خاصةً عندما ازداد الوضع العام سوءاً ضده وبات مهدداً بالإنفجار والإشتعال وأصبحمهيأ في أي لحظة لتجاوب مع أي مؤثر خارجي.
وإلا فإنه قد سر وفرح بقتله (ويؤيد ذلك ما قاله سبط ابن الجوزي في التذكرة فإنه قال: استدعي ابن زياد إليه وأعطاه أموالا كثيرة وتحفا عظيمة وقرب مجلسه ورفع منزلته وادخله على نسائه وجعله نديمه وسكر ليلة وقال للمغنيغن ثم قال يزيد بديها: اسقني شربة.. قالالمؤلف: هكذا كان عطاؤه وحباؤه لقائد جنده أما عطاؤه للجنود فقد ذكره البلاذريوقال: كتب يزيد إلى ابن زياد: أما بعد، فزد أهل الكوفة أهل السمع والطاعة فيأعطياتهم مائة مائة.. قال ابن كثير وغيره واللفظ لابن كثير: لما قتل ابن زيادالحسين وبعث برؤوسهم إلى يزيد، سر بقتلهم أولا، وحسنت بذلك منزلة ابن زياد عنده،ثم لم يلبث إلا قليلا حتى ندم وقال: بغضني بقتله إلى المسلمين، وزرع في قلوبهمالعداوة فأبغضني البر والفاجر .
والغريب في الأمر،ان كل ما فعله الأمويون من احتياطات وتدابيروخدع أمنية وعسكرية، في سبيل الحفاظ على ديمومة كيانهم ونسيجهم العنكبوتي الضالردت عليهم بالحرمان والفشل الذريع، وانتهى ملكهم ملك أل أبي سفيان وولى سريعاً بضربة قاضية من ربٍ عادلٍ لا تأخذه سنةولا نوم، فأصاب بها نحورهم وهشم بها عقور دورهم .
فقد ذكر ان يزيد لعنه الله لم يتنعم بالملك بعد قتله الإمامالحسين عليه السلام سوى سنتان من عمره البائد، ثم جاء من بعده ابنه معاوية الذي لميدم في الحكم أيضاً سوى أيام او اشهر ومنثم خرج الملك بلا رجعه من بيته" بيتيزيد بن معاوية بن أبي سفيان" والى الأبد، فيما تنازع عليه بعد ذلك المروانيين والزبيريين لعنة الله عليهم أجمعين، وصدق من قال ان الملك عقيم.
تعليق