ورد في الحديث الشريف عن الإمام السجاد أن جبرائيل قال للنبي صلى الله عليه وآله:
(ثم يبعث الله قوما من أمتك لا يعرفهم الكفار لم يشركوا في تلك الدماء بقول ولا فعل ولانية، فيوارون أجسامهم، ويقيمون رسما لقبر سيد الشهداء بتلك البطحاء يكون علما لأهل الحق، وسببا للمؤمنين إلى الفوز) بحار الأنوار ج28 ص59 عن كامل الزيارات
صرّح بعض العلماء ومنهم السيد حسن الصدر رحمه الله في كتابه نزهة أهل الحرمين ص23 أن هذا الحديث يدل على أن من دفن الإمام الحسين عليه السلام قد نصب علماً أي علامة وبناء لا يدرس أثره.
وهذا يعني أن بنو أسد الذين كانوا مع الإمام زين العابدين عليه السلام عند دفن سيد الشهداء قد بنوا بنياناً فوق القبر الشريف.
صرح بذلك أيضاً السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة ج1 ص627 مستنداً الى هذا الحديث ايضا.
والى قول ابن طاووس في الاقبال انهم أقاموا رسما لقبر سيد الشهداء بتلك البطحاء يكون علما لأهل الحق.
أقول: يظهر أن (الرسم) هو الأثر أو بقيّته.
قال الجوهري في الصحاح: الرَّسْمُ: الأثر.و رَسْمُ الدار: ما كان من آثارها لاصقاً بالأرض.(الصحاح - تاج اللغة و صحاح العربية، ج5، ص: 1932)
وقال ابن فارس في لسان العرب: الرَّسْمُ: الأَثَرُ، و قيل: بَقِيَّةُ الأَثَر، و قيل: هو ما ليس له شخص من الآثار، وقيل: هو ما لَصِقَ بالأَرض منها. و رَسْمُ الدار: ما كان من آثارها لاصقاً بالأَرض (ج12 ص41)
وعليه فليس في الحديث دلالة على أن من وارى الأجساد الطاهرة وأقام الرسم لقبر سيّد الشهداء عليه السلام قد بنى عليه بنياناً كما ذكروا وعدّه بعضهم صريح الرواية.
وإن صح الاستدلال به على أن القبر كان ملاصقاً للارض أو يكاد.
أما البنيان بما يزيد على ذلك كالحيطان او القباب او الابواب او ما شابه فليس متضمناً في معاني كلمات الحديث الشريف.
وقد استدل على أن بنو أسد قد بنوا بنياناً على القبر أو رفعوه بأدلة أخرى أيضاً منها:
1. ما ورد في بعض مواقع الشبكة العنكبوتية نقلاً عن كتاب عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية للد. رؤوف محمد علي الانصاري , الناشر : مؤسسة الصالحي للطبع , 1427هـ، ونص الكلام:
(وضعت اول معالم على قبره من قبل قبيلة بني اسد وكانت من جذوع النخل والسقف مغطى بحصيرة من جريد النخل , سميت بسقيفة بني اسد.)
بمراجعة الكتاب المذكور على شبكة الانترنت لم نجد أكثر من أنهم نصبوا معالم على القبر لكي يستدل بها ولا يضيع أثره، ولم نجد أثراً لذكر سقيفة بنيت على القبر.
2. ما ورد ذكره في دائرة المعارف الحسينية، نص الكلام:
(وقيل إن بني أسد حددوا له مسجداً وبنوا على قبره الشريف سقيفة، وقيل إنهم وضعوا على القبور الرسوم التي لا تبلى.)
وذكروا لذلك مصدراً هو كتاب فارسي: تاريخچه كربلاء : 56 وفيه لعل بني أسد بنوا السقيفة والمسجد من الخشب والطين ثم لما تولى المختار بناء المراقد بناه من الآجر والطين.
وفسروا الرسوم بأنها من الفخار او الصخور الكلسية او الحصاة المتناثرة في الصحراء أو جذوع النخل التي لا تبلى سريعاً.
أقول: بالبحث على الشبكة العنكبوتية عثرنا على كتاب فارسي بهذا الاسم، يتضمن ذكراً لهذه الأمور، لكنه يعتبر أن ما ذكر من امور لا يصح عدّه وقائع تاريخية لأنه ليس له مستند تاريخي.
وكيفما كان، فليس مثل هذا الكتاب مصدراً يصح الرجوع إليه.
وكل من نقلها نسبها إلى القيل دون ذكر مصدر يمكن الرجوع إليه.
3. أن جابر بن عبد الله الأنصاري قال عند زيارته الأولى لقبر سيد الشهداء في أربعينه : ألمسوني القبر.
بتقريب أن ظاهر ألمسوني القبر وجود شيء بارز ، ولا يقال عادة للقبر المستوي مع الأرض ألمسوني. (دائرة المعارف الحسينية عن كتاب مدينة الحسين للكليدار محمد حسن)
أقول: لم أجد قول جابر : (ألمسوني القبر) في الكتب التي بين أيدينا، وليس فيه على كلّ حال دلالة كما قيل، فإن قوله (ألمسوني القبر) أعم من كون القبر مستوياً مع الأرض أو مرتفعاً، وأعم من وجود بناء حول القبر أو عدمه.
4. أن السيّدة سكينة ضمّت قبر أبيها الحسين عليه السّلام عند رجوعها من الشام (دائرة المعارف الحسينية عن معالي السبطين 2/ 198)
أقول: ما ورد على سابقه يرد عليه، فليس فيه دلالة على المطلوب.
إذا تبين ذلك نقول:
لم نجد ما يصح الاستناد عليه للقول أن البناء عند مكان دفن الجسد الطاهر قد شيّد على أيدي بني أسد، ودلالة الحديث على أنهم سيقيمون لقبر سيد الشهداء رسماً لا يظهر أنها ناظرة لذلك، فإن الرسم هو الأثر أو بقيّته، وقد حصل بدفن الأجساد الطاهرة عندما جاء إمامنا زين العابدين عليه السلام وحضر بنو أسد تلك الساعة الأليمة.
وإن كان المقصود العلامة التي تدل على القبر لمن يريد الوصول إليه، فلا يلزم أن تكون بناءً حيث كانت العلامة على قبر أمير المؤمنين عليه السلام في بعض الفترات قبل بنائه احجاراً حول القبر الشريف كما ذكر المؤرخون.
وأياً يكن الأمر، فإن ما ذكرناه لا يعني هذا نفي الأمر بالمطلق، فالنفي كما الإثبات يحتاج إلى دليل، وقد يكون الأمر كما قيل لكن لم تصلنا أدلة واضحة بذلك، فيبقى الأمر في عالم الإمكان.
ثم إنهم ذكروا أن بعض القبائل بنت صندوق الضريح بعد ذلك بسنوات قليلة (سنة64هـ)، وأن التوابين طافوا حوله بعد ذلك (سنة65) وأن المختار عمّر المرقد وبنى قبة من الجص والآجر (سنة 66).
لكن هذه الامور ايضا ليست ثابتة بطرق يمكن الجزم بها ولا نفيها، وقد صرّح السيد حسن الصدر رحمه الله بأنه لم يتحقق من أن المختار هو أول من بنى بناء، وقد مرت مناقشة ما ذهب اليه من كون بني أسد أول من بنى عليه بنياناً.
وأياً يكن من اختاره الله ليكون أول بانٍ لبناء على قبر الحسين، فإن الله سبحانه وتعالى قد خلق للحسين شيعة يحيا في قلوبهم مدى الدهر.
فلله الحمد على هذه النعمة ما أعظمها.
والسلام عليكم
(ثم يبعث الله قوما من أمتك لا يعرفهم الكفار لم يشركوا في تلك الدماء بقول ولا فعل ولانية، فيوارون أجسامهم، ويقيمون رسما لقبر سيد الشهداء بتلك البطحاء يكون علما لأهل الحق، وسببا للمؤمنين إلى الفوز) بحار الأنوار ج28 ص59 عن كامل الزيارات
صرّح بعض العلماء ومنهم السيد حسن الصدر رحمه الله في كتابه نزهة أهل الحرمين ص23 أن هذا الحديث يدل على أن من دفن الإمام الحسين عليه السلام قد نصب علماً أي علامة وبناء لا يدرس أثره.
وهذا يعني أن بنو أسد الذين كانوا مع الإمام زين العابدين عليه السلام عند دفن سيد الشهداء قد بنوا بنياناً فوق القبر الشريف.
صرح بذلك أيضاً السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة ج1 ص627 مستنداً الى هذا الحديث ايضا.
والى قول ابن طاووس في الاقبال انهم أقاموا رسما لقبر سيد الشهداء بتلك البطحاء يكون علما لأهل الحق.
أقول: يظهر أن (الرسم) هو الأثر أو بقيّته.
قال الجوهري في الصحاح: الرَّسْمُ: الأثر.و رَسْمُ الدار: ما كان من آثارها لاصقاً بالأرض.(الصحاح - تاج اللغة و صحاح العربية، ج5، ص: 1932)
وقال ابن فارس في لسان العرب: الرَّسْمُ: الأَثَرُ، و قيل: بَقِيَّةُ الأَثَر، و قيل: هو ما ليس له شخص من الآثار، وقيل: هو ما لَصِقَ بالأَرض منها. و رَسْمُ الدار: ما كان من آثارها لاصقاً بالأَرض (ج12 ص41)
وعليه فليس في الحديث دلالة على أن من وارى الأجساد الطاهرة وأقام الرسم لقبر سيّد الشهداء عليه السلام قد بنى عليه بنياناً كما ذكروا وعدّه بعضهم صريح الرواية.
وإن صح الاستدلال به على أن القبر كان ملاصقاً للارض أو يكاد.
أما البنيان بما يزيد على ذلك كالحيطان او القباب او الابواب او ما شابه فليس متضمناً في معاني كلمات الحديث الشريف.
وقد استدل على أن بنو أسد قد بنوا بنياناً على القبر أو رفعوه بأدلة أخرى أيضاً منها:
1. ما ورد في بعض مواقع الشبكة العنكبوتية نقلاً عن كتاب عمارة كربلاء دراسة عمرانية وتخطيطية للد. رؤوف محمد علي الانصاري , الناشر : مؤسسة الصالحي للطبع , 1427هـ، ونص الكلام:
(وضعت اول معالم على قبره من قبل قبيلة بني اسد وكانت من جذوع النخل والسقف مغطى بحصيرة من جريد النخل , سميت بسقيفة بني اسد.)
بمراجعة الكتاب المذكور على شبكة الانترنت لم نجد أكثر من أنهم نصبوا معالم على القبر لكي يستدل بها ولا يضيع أثره، ولم نجد أثراً لذكر سقيفة بنيت على القبر.
2. ما ورد ذكره في دائرة المعارف الحسينية، نص الكلام:
(وقيل إن بني أسد حددوا له مسجداً وبنوا على قبره الشريف سقيفة، وقيل إنهم وضعوا على القبور الرسوم التي لا تبلى.)
وذكروا لذلك مصدراً هو كتاب فارسي: تاريخچه كربلاء : 56 وفيه لعل بني أسد بنوا السقيفة والمسجد من الخشب والطين ثم لما تولى المختار بناء المراقد بناه من الآجر والطين.
وفسروا الرسوم بأنها من الفخار او الصخور الكلسية او الحصاة المتناثرة في الصحراء أو جذوع النخل التي لا تبلى سريعاً.
أقول: بالبحث على الشبكة العنكبوتية عثرنا على كتاب فارسي بهذا الاسم، يتضمن ذكراً لهذه الأمور، لكنه يعتبر أن ما ذكر من امور لا يصح عدّه وقائع تاريخية لأنه ليس له مستند تاريخي.
وكيفما كان، فليس مثل هذا الكتاب مصدراً يصح الرجوع إليه.
وكل من نقلها نسبها إلى القيل دون ذكر مصدر يمكن الرجوع إليه.
3. أن جابر بن عبد الله الأنصاري قال عند زيارته الأولى لقبر سيد الشهداء في أربعينه : ألمسوني القبر.
بتقريب أن ظاهر ألمسوني القبر وجود شيء بارز ، ولا يقال عادة للقبر المستوي مع الأرض ألمسوني. (دائرة المعارف الحسينية عن كتاب مدينة الحسين للكليدار محمد حسن)
أقول: لم أجد قول جابر : (ألمسوني القبر) في الكتب التي بين أيدينا، وليس فيه على كلّ حال دلالة كما قيل، فإن قوله (ألمسوني القبر) أعم من كون القبر مستوياً مع الأرض أو مرتفعاً، وأعم من وجود بناء حول القبر أو عدمه.
4. أن السيّدة سكينة ضمّت قبر أبيها الحسين عليه السّلام عند رجوعها من الشام (دائرة المعارف الحسينية عن معالي السبطين 2/ 198)
أقول: ما ورد على سابقه يرد عليه، فليس فيه دلالة على المطلوب.
إذا تبين ذلك نقول:
لم نجد ما يصح الاستناد عليه للقول أن البناء عند مكان دفن الجسد الطاهر قد شيّد على أيدي بني أسد، ودلالة الحديث على أنهم سيقيمون لقبر سيد الشهداء رسماً لا يظهر أنها ناظرة لذلك، فإن الرسم هو الأثر أو بقيّته، وقد حصل بدفن الأجساد الطاهرة عندما جاء إمامنا زين العابدين عليه السلام وحضر بنو أسد تلك الساعة الأليمة.
وإن كان المقصود العلامة التي تدل على القبر لمن يريد الوصول إليه، فلا يلزم أن تكون بناءً حيث كانت العلامة على قبر أمير المؤمنين عليه السلام في بعض الفترات قبل بنائه احجاراً حول القبر الشريف كما ذكر المؤرخون.
وأياً يكن الأمر، فإن ما ذكرناه لا يعني هذا نفي الأمر بالمطلق، فالنفي كما الإثبات يحتاج إلى دليل، وقد يكون الأمر كما قيل لكن لم تصلنا أدلة واضحة بذلك، فيبقى الأمر في عالم الإمكان.
ثم إنهم ذكروا أن بعض القبائل بنت صندوق الضريح بعد ذلك بسنوات قليلة (سنة64هـ)، وأن التوابين طافوا حوله بعد ذلك (سنة65) وأن المختار عمّر المرقد وبنى قبة من الجص والآجر (سنة 66).
لكن هذه الامور ايضا ليست ثابتة بطرق يمكن الجزم بها ولا نفيها، وقد صرّح السيد حسن الصدر رحمه الله بأنه لم يتحقق من أن المختار هو أول من بنى بناء، وقد مرت مناقشة ما ذهب اليه من كون بني أسد أول من بنى عليه بنياناً.
وأياً يكن من اختاره الله ليكون أول بانٍ لبناء على قبر الحسين، فإن الله سبحانه وتعالى قد خلق للحسين شيعة يحيا في قلوبهم مدى الدهر.
فلله الحمد على هذه النعمة ما أعظمها.
والسلام عليكم