{يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ }القلم42
تفسير الجلالين
اذكر (يوم يكشف عن ساق) هو عبارة عن شدة الأمر يوم القيامة للحساب والجزاء يقال كشفت الحرب عن ساق إذا اشتد الأمر فيها (ويدعون إلى السجود) امتحانا لايمانهم (فلا يستطيعون) تصير ظهورهم طبقا واحدا
.................................................. ........
تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري
يقول تعالى ذكره { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ } قال جماعة من الصحابة والتابعين من أهل التأويل: يبدو عن أمر شديد.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عبيد المحاربيّ، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن أُسامة بن زيد، عن عكرِمة، عن ابن عباس { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ } قال: هو يوم حرب وشدّة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن المغيرة، عن إبراهيم، عن ابن عباس { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ } قال: عن أمر عظيم كقول الشاعر:
وقامَتِ الحَرْبُ بنا على ساقِ
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ } ولا يبقى مؤمن إلا سجد، ويقسو ظهر الكافر فيكون عظماً واحداً. وكان ابن عباس يقول: يكشف عن أمر عظيم، إلا تسمع العرب تقول:
وقامَتِ الحَرْبُ بنا على ساق
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ } يقول: حين يكشف الأمر، وتبدو الأعمال، وكشفه: دخول الآخرة وكشف الأمر عنه.
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا معاوية، عن ابن عباس، قوله { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن ساقٍ } هو الأمر الشديد المفظع من الهول يوم القيامة.
حدثني محمد بن عبيد المحاربيّ وابن حميد، قالا: ثنا ابن المبارك، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ } قال: شدّة الأمر وجدّه قال ابن عباس: هي أشد ساعة في يوم القيامة.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: { يَوْم يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ } قال: شدّة الأمر، قال ابن عباس: هي أوّل ساعة تكون في يوم القيامة غير أن في حديث الحارث قال: وقال ابن عباس: هي أشدّ ساعة تكون في يوم القيامة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران عن سفيان، عن عاصم بن كليب، عن سعيد بن جبير، قال: عن شدّة الأمر.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ } قال: عن أمر فظيع جليل.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ } قال: يوم يكشف عن شدة الأمر.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ } وكان ابن عباس يقول: كان أهل الجاهلية يقولون: شمّرت الحرب عن ساق يعني إقبال الآخرة وذهاب الدنيا.
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>> >>
تفسير الكشاف/ الزمخشري
الكشف عن الساق والإبداء عن الخدام: مثل في شدة الأمر وصعوبة الخطب، وأصله في الروع والهزيمة وتشمير المخدرات عن سوقهنّ في الهرب، وإبداء خدامهن عند ذلك. قال حاتم:
أَخُو الْحَرْبِ إنْ غَضَّتْ بِهِ الْحَرْبُ عَضَّهَا وَإنْ شَمَّرَتْ عَنْ سَاقِهَا الْحَرْبُ شَمَّرَا
وقال ابن الرقيات:
تُذْهِلُ الشَّيْخَ عَنْ بَنِيهِ وَتُبْدِي عَنْ خِدَامِ الْعَقِيلَةِ الْعَذْرَاءِ
فمعنى { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } في معنى: يوم يشتدّ الأمر ويتفاقم، ولا كشف ثم ولا ساق، كماتقول للأقطع الشحيح: يده مغلولة، ولا يد ثم ولا غل؛ وإنما هو مثل في البخل. وأما من شبه فلضيق عطنه وقلة نظره في علم البيان، والذي غرّه منه حديث ابن مسعود رضي الله عنه:
(1220) " يكشف الرحمٰن عن ساقه؛ فأمّا المؤمنون فيخرّون سجداً، وأما المنافقون فتكون ظهورهم طبقاً طبقاً كأنّ فيها سفافيد " ومعناه: يشتد أمر الرحمٰن ويتفاقم هوله، وهو الفزع الأكبر يوم القيامة، ثم كان من حق الساق أن تعرف على ما ذهب إليه المشبه، لأنها ساق مخصوصة معهودة عنده وهي ساق الرحمٰن. فإن قلت: فلم جاءت منكرة في التمثيل؟ قلت: للدلالة على أنه أمر مبهم في الشدة منكر خارج عن المألوف، كقوله:
{ يَوْمَ يَدْعُو ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَىْء نُّكُرٍ }
[القمر: 6] كأنه قيل: يوم يقع أمر فظيع هائل؛ ويحكى هذا التشبيه عن مقاتل: وعن أبي عبيدة: خرج من خراسان رجلان، أحدهما: شبه حتى مثل، وهو مقاتل بن سليمان، والآخر نفي حتى عطل وهو جهم بن صفوان؛ ومن أحس بعظم مضارّ فقد هذا العلم علم مقدار عظم منافعه. وقرىء: «يوم نكشف» بالنون. وتكشف بالتاء على البناء للفاعل والمفعول جميعاً، والفعل للساعة أو للحال، أي: يوم تشتدّ الحال أو الساعة، كما تقول: كشفت الحرب عن ساقها، على المجاز.
.................................................. ...............................................
تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي
فقال: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } وفيه مسائل:
المسألة الأولى: يوم منصوب بماذا؟ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنه منصوب، بقوله: { فَلْيَأْتُواْ } في قوله:
{ فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَائِهِمْ }
[القلم: 41] وذلك أن ذلك اليوم يوم شديد، فكأنه تعالى قال: إن كانوا صادقين في أنها شركاء فليأتوا بها يوم القيامة، لتنفعهم ونشفع لهم وثانيها: أنه منصوب بإضمار اذكر وثالثها: أن يكون التقدير يوم يكشف عن ساق، كان كيت وكيت فحذف للتهويل البليغ، وأن ثم من الكوائن مالا يوصف لعظمته.
المسألة الثانية: هذا اليوم الذي يكشف فيه عن ساق، أهو يوم القيامة أو في الدنيا؟ فيه قولان: الأول: وهو الذي عليه الجمهور، أنه يوم القيامة، ثم في تفسير الساق وجوه: الأول: أنه الشدة، وروي أنه سئل ابن عباس عن هذه الآية، فقال: إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر، فإنه ديوان العرب، أما سمعتم قول الشاعر:
سن لنا قومك ضرب الأعناق وقامت الحرب بنا على ساق
ثم قال: وهو كرب وشدة وروى مجاهد عنه قال: هو أشد ساعة في القيامة، وأنشد أهل اللغة أبياتاً كثيرة (منها):
فإن شمرت لك عن ساقها فدنها ربيع ولا تسأم
ومنها:
كشفت لكم عن ساقها وبدا من الشر الصراح
وقال جرير:
ألا رب سام الطرف من آل مازن إذا شمرت عن ساقها الحرب شمرا
وقال آخر:
في سنة قد شمرت عن ساقها حمراء تبرى اللحم عن عراقها
وقال آخر:
قد شمرت عن ساقها فشدوا وجدت الحرب بكم فجدوا
ثم قال ابن قتيبة أصل هذا أن الرجل إذاوقع في أمر عظيم يحتاج إلى الجد فيه، يشمر عن ساقه، فلا جرم يقال في موضع الشدة: كشف عن ساقه، واعلم أن هذا اعتراف من أهل اللغة بأن استعمال الساق في الشدة مجاز، وأجمع العلماء على أنه لا يجوز صرف الكلام إلى المجاز إلا بعد تعذر حمله على الحقيقة، فإذا أقمنا الدلائل القاطعة على أنه تعالى، يستحيل أن يكون جسماً، فحينئذ يجب صرف اللفظ إلى المجاز، واعلم أن صاحب «الكشاف» أورد هذا التأويل في معرض آخر، فقال: الكشف عن الساق مثل في شدة الأمر، فمعنى قوله: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } يوم يشتد الأمر ويتفاقم، ولا كشف ثم، ولا ساق، كما تقول للأقطع الشحيح: يده مغلولة، ولا يد ثم ولا غل وإنما هو مثل في البخل، ثم أخذ يعظم علم البيان ويقول لولاه: لما وقفنا على هذه الأسرار وأقول: إما أن يدعى أنه صرف اللفظ عن ظاهره بغير دليل، أو يقول: إنه لا يجوز ذلك إلا بعد امتناع حمله على الحقيقة، والأول باطل بإجماع المسلمين، ولأنا إن جوزنا ذلك انفتحت أبواب تأويلات الفلاسفة في أمر المعاد فإنهم يقولون في قوله:
{ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ }
[البقرة: 25] ليس هناك لا أنهار ولا أشجار، وإنما هو مثل للذة والسعادة، ويقولون في قوله:
{ ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ }
[الحج: 77] ليس هناك لا سجود ولا ركوع. وإنما هو مثل للتعظيم، ومعلوم أن ذلك يفضي إلى رفع الشرائع وفساد الدين، وأما إن قال: بأنه لا يصار إلى هذا التأويل إلا بعد قيام الدلالة على أنه لا يجوز حمله على ظاهره، فهذا هو الذي لم يزل كل أحد من المتكلمين (إلا) قال به وعول عليه، فأين هذه الدقائق، التي استبد هو بمعرفتها والاطلاع عليها بواسطة علم البيان، فرحم الله أمراً عرف قدره، وما تجاوز طوره القول الثاني: وهو قول أبي سعيد الضرير: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } ، أي عن أصل الأمر، وساق الشيء أصله الذي به قوامه كساق الشجر، وساق الإنسان، أي يظهر يوم القيامة حقائق الأشياء وأصولها القول الثالث: يوم يكشف عن ساق جهنم، أو عن ساق العرش، أو عن ساق ملك مهيب عظيم، واللفظ لا يدل إلا على ساق، فأما أن ذلك الساق ساق أي شيء هو فليس في اللفظ ما يدل عليه والقول الرابع: وهو اختيار المشبهة، أنه ساق الله، تعالى الله عنه روى عن ابن مسعود عنه عليه الصلاة والسلام: " أنه تعالى يتمثل للخلق يوم القيامة حين يمر المسلمون، فيقول: من تعبدون؟ فيقولون: نعبد الله فيشهدهم مرتين أو ثلاثاً ثم يقول: هل تعرفون ربكم، فيقولون: سبحانه إذا عرفنا نفسه عرفناه، فعند ذلك يكشف عن ساق، فلا يبقى مؤمن إلا خر ساجداً، ويبقى المنافقون ظهورهم كالطبق الواحد كأنما فيها السفافيد " واعلم أن هذا القول باطل لوجوه أحدها: أن الدلائل دلت على أن كل جسم محدث، لأن كل جسم متناه، وكل متناه محدث ولأن كل جسم فإنه لا ينفك عن الحركة والسكون، وكل ما كان كذلك فهو محدث، ولأن كل جسم ممكن، وكل ممكن محدث وثانيها: أنه لو كان المراد ذلك لكان من حق الساق أن يعرف، لأنها ساق مخصوصة معهودة عنده وهي ساق الرحمن، أما لو حملناه على الشدة، ففائدة التنكير الدلالة على التعظيم، كأنه قيل: يوم يكشف عن شدة، وأي شدة، أي شدة لا يمكن وصفها وثالثها: أن التعريف لا يحصل بالكشف عن الساق، وإنما يحصل بكشف الوجه القول الثاني:
.................................................. .....
تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي
قوله تعالى: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } يجوز أن يكون العامل في «يَوْمَ» «فَلْيَأْتُوا» أي فليأتوا بشركائهم يوم يكشف عن ساق ليشفع الشركاء لهم. ويجوز أن ينتصب بإضمار فعل، أي ٱذكر يوم يكشف عن ساق؛ فيوقف على «صَادِقِينَ» ولا يوقف عليه على التقدير الأول. وقرىء «يوم نكشف» بالنون. «وقرأ» ابن عباس «يوم تكشف عن ساق» بتاء مسمَّى الفاعل؛ أي تكشف الشدة أو القيامة عن ساقها؛ كقولهم: شَمّرت الحرب عن ساقها. قال الشاعر:
فتى الحرب إن عضّت به الحربُ عَضَّها وإن شَمّرت عن ساقها الْحَرْبُ شَمّرا
وقال الراجز:
قد كشفت عن ساقها فشُدُّوا وجَدّت الحربُ بكم فَجِدُّوا
وقال آخر:
عجبت من نفسي ومن إشفاقها ومن طِرَاد الطيرِ عن أرزاقها
في سَنة قد كشفت عن ساقها حمراء تَبْري اللحَم عن عُرَاقها
وقال آخر:
كشفت لهم عن ساقها وبدا من الشّر الصُّرَاحْ
وعن ابن عباس أيضاً والحسن وأبي العالية «تُكْشَفُ» بتاء غير مسمّى الفاعل. وهذه القراءة راجعة إلى معنى «يُكْشَف» وكأنه قال: يوم تكْشف القيامة عن شدة. وقرىء «يَوْمَ تُكْشِف» بالتاء المضمومة وكسر الشين؛ من أكشف إذا دخل في الكشف. ومنه: أكشف الرجل فهو مُكْشِف؛ إذا انقلبت شَفَتُه العليا. وذكر ابن المبارك قال: أخبرنا أسامة بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } قال: عن كرب وشدّة. أخبرنا ابن جُريج عن مجاهد قال: شدّة الأمر وجِدّه. وقال مجاهد: قال ابن عباس هي أشد ساعة في يوم القيامة. وقال أبو عبيدة: إذا اشتد الحرب والأمر قيل: كشف الأمرُ عن ساقه. والأصل فيه أن من وقع في شيء يحتاج فيه إلى الجِدّ شَمّر عن ساقه؛ فاستعير الساق والكشف عنها في موضع الشدة. وقيل: ساقُ الشيء أصله الذي به قِوامه؛ كساق الشجرة وساق الإنسان. أي يوم يكشف عن أصل الأمر فتظهر حقائق الأمور وأصلها. وقيل: يكشف عن ساق جهنم. وقيل: عن ساق العرش. وقيل: يريد وقت اقتراب الأجل وضعف البدن؛ أي يكشف المريض عن ساقه ليبصر ضعفه، ويدعوه المؤذن إلى الصلاة فلا يمكنه أن يقوم ويخرج. فأما ما رُوِي أن الله يكشف عن ساقه فإنه عز وجل يتعالى عن الأعضاء والتبعيض وأن يكشف ويتغطى. ومعناه أن يكشف عن العظيم من أمره. وقيل: يكشف عن نوره عز وجل. وروى أبو موسى: عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: «عَنْ سَاقٍ» قال: " يكشف عن نور عظيم يخرون له سجدا "
.................................................. ....
تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير
لما ذكر تعالى أن للمتقين عند ربهم جنات النعيم، بيّن متى ذلك كائن وواقع، فقال تعالى: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } يعني: يوم القيامة، وما يكون فيه من الأهوال والزلازل والبلاء، والامتحان والأمور العظام. وقد قال البخاري ههنا: حدثنا آدم، حدثنا الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " يكشف ربنا عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياءً وسمعة، فيذهب ليسجد، فيعود ظهره طبقاً واحداً " وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وفي غيرهما من طرق، وله ألفاظ، وهو حديث طويل مشهور، وقد قال عبد الله بن المبارك عن أسامة بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } قال: هو يوم القيامة، يوم كرب وشدة، رواه ابن جرير، ثم قال: حدثنا ابن حميد، حدثنا مهران عن سفيان عن المغيرة عن إبراهيم عن ابن مسعود، أو ابن عباس ــــ الشك من ابن جرير ــــ: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } قال: عن أمر عظيم، كقول الشاعر:
وقامتِ الحربُ بنا عن ساقٍ
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } قال: شدة الأمر. وقال ابن عباس: هي أشد ساعة تكون في يوم القيامة. وقال ابن جرير عن مجاهد: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } قال: شدّة الأمر وجده، وقال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } هو الأمر الشديد الفظيع من الهول يوم القيامة، وقال العوفي عن ابن عباس: قوله: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } يقول: حين يكشف الأمر، وتبدو الأعمال، وكشفه: دخول الآخرة، وكشف الأمر عنه، وكذا روى الضحاك وغيره عن ابن عباس، أورد ذلك كله أبو جعفر بن جرير، ثم قال: حدثني أبو زيد عمر بن شبَّة، حدثنا هارون بن عمر المخزومي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا أبو سعيد روح بن جناح عن مولى لعمر بن عبد العزيز عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } يعني: عن نور عظيم يخرّون له سجداً " ورواه أبو يعلى عن القاسم بن يحيى عن الوليد بن مسلم به، وفيه رجل مبهم، والله أعلم.
...........................................
تفسير روح المعاني/ الالوسي
{ يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } متعلق بقوله تعالى
{ فَلْيَأْتُواْ }
[القلم: 41] على الوجهين، ويجوز تعلقه بمقدر كاذكر أو يكون كيت وكيت وقيل بخاشعة وقيل بِـ
{ تَرْهَقُهُمْ }
[القلم: 43] وأياً ما كان فالمراد بذلك اليوم عند الجمهور يوم القيامة. والساق ما فوق القدم وكشفها والتشمير عنها مثل في شدة الأمر وصعوبة الخطب حتى إنه يستعمل بحيث لا يتصور ساق بوجه كما في قول حاتم:
أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا
وقول الراجز:
عجبت من نفسي ومن إشفاقها ومن طواء الخيل عن أرزاقها
في سنة قد كشفت عن ساقها حمراء تبرى اللحم عن عراقها
وأصله تشمير المخدرات عن سوقهن في الهرب فإنهن لا يفعلن ذلك إلا إذا عظم الخطب واشتد الأمر فيذهلن عن الستر بذيل الصيانة، وإلى نحو هذا ذهب مجاهد وإبراهيم النخعي وعكرمة وجماعة، وقد روي أيضاً عن ابن عباس. أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبـي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في «الأسماء والصفات» من طريق عكرمة عنه أنه سئل عن ذلك فقال: إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في / الشعر فإنه ديوان العرب أما سمعتم قول الشاعر:
صبرا عناق أنه شر باق قد سن لي قومك ضرب الأعناق
وقامت الحرب بنا على ساق
والروايات عنه رضي الله تعالى عنه بهذا المعنى كثيرة. وقيل ساق الشيء أصله الذي به قوامه كساق الشجر وساق الإنسان، والمراد يوم يكشف عن أصل الأمر فتظهر حقائق الأمور وأصولها بحيث تصير عياناً وإليه يشير كلام الربيع بن أنس، فقد أخرج عبد بن حميد عنه أنه قال في ذلك: يوم يكشف الغطاء، وكذا ما أخرجه البيهقي على ابن عباس أيضاً قال: حين يكشف الأمر وتبدو الأعمال، وفي الساق على هذا المعنى استعارة تصريحية وفي الكشف تجوز آخر أو هو ترشيح للاستعارة باق على حقيقته. وتنكير { سَاقٍ } قيل للتهويل على الأول وللتعظيم على الثاني وقيل لا ينظر إلى شيء منهما على الأول لأن الكلام عليه تمثيل وهو لا ينظر فيه للمفردات أصلاً.
وذهب بعضهم إلى أن المراد بالساق ساقه سبحانه وتعالى وأن الآية من المتشابه، واستدل على ذلك بما أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن المنذر وابن مردويه " عن أبـي سعيد قال: سمعت النبـي صلى الله عليه وسلم يقول: يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً " وأنكر ذلك سعيد بن جبير، أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه أنه سئل عن الآية فغضب غضباً شديداً وقال: إن أقواماً يزعمون أن الله سبحانه يكشف عن ساقه وإنما يكشف عن الأمر الشديد وعليه يحمل ما في الحديث على الأمر الشديد أيضاً.
وإضافته إليه عز وجل لتهويل أمره وأنه أمر لا يقدر عليه سواه عز وجل. وأرباب الباطن من الصوفية يقولون بالظاهر ويدعون أن ذلك عند التجلي الصوري وعليه حملوا أيضاً ما أخرجه إسحاق بن راهويه في «مسنده» والطبراني والدارقطني في «الرؤية» والحاكم وصححه وابن مردويه وغيرهم عن ابن مسعود عن النبـي صلى الله عليه وسلم قال: " يجمع الله الناس يوم القيامة وينزل الله في ظلل من الغمام فينادي مناد يا أيها الناس ألم ترضوا من ربكم الذي خلقكم وصوركم ورزقكم أن يولي كل إنسان منكم ما كان يعبد في الدنيا ويتولى أليس ذلك عدلاً من ربكم قالوا بلى قال فلينطلق كل إنسان منكم إلى ما كان يتولى في الدنيا ويتمثل لهم ما كانوا يعبدون في الدنيا ويمثل لمن كان يعبد عيسى عليه السلام شيطان عيسى وكذا يمثل لمن كان يعبد عزيراً حتى تمثل لهم الشجرة والعود والحجر ويبقى أهل الإسلام جثوماً فيتمثل لهم الرب عز وجل فيقال لهم ما لكم لم تنطلقوا كما انطلق الناس فيقولون إن لنا رباً ما رأيناه بعد، فيقول فبم تعرفون ربكم إن رأيتموه؟ قالوا بيننا وبينه علامة إن رأيناه عرفناه قال وما هي؟ قالوا: يكشف عن ساق فيكشف عند ذلك " الحديث وهو ونظائره من المتشابه عند السلف. وقرأ ابن مسعود وابن أبـي عبلة (يكشف) بفتح الياء مبنياً للفاعل وهي رواية عن ابن عباس، وقرأ ابن هرمز(نكشف) بالنون وقرىء (يكشف) بالياء التحتية مضمومة وكسر الشين من أكشف إذا دخل في الكشف ومنه أكشف الرجل فهو مكشف انقلبت شفته العليا وقرىء (تكشف) بالتاء الفوقية والبناء للفاعل وهو ضمير الساعة المعلومة من ذكر يوم القيامة أو الحال المعلومة من دلالة الحال وبها، والبناء للمفعول وجعل الضمير للساعة أو الحال أيضاً. وتعقب بأنه يكون الأصل حينئذٍ يكشف الله الساعة عن ساقها مثلاً ولو قيل ذلك لم يستقم لاستدعائه إبداء الساق وإذهاب الساعة كما تقول كشفت عن وجهها القناع والساعة ليست ستراً على الساق حتى تكشف. وأجيب أنها جعلت ستراً مبالغة لأن المخدرة تبالغ في الستر جهدها فكأنها نفس الستر فقيل تكشف الساعة وهذا كما تقول كشفت زيداً عن جهله إذا بالغت في إظهار جهله لأنه كان ستراً على جهله يستر معايبه فأبنته وأظهرته إظهاراً لم يخف على أحد وقيل عليه إن الإذهاب حينئذٍ ادعائي / ولا يخفى ما فيه من التكلف ولا عبرة بما ذكر من المثال المصنوع وأقل تكلفاً منه جعل { عَن سَاقٍ } بدل اشتمال من الضمير المستتر في الفعل بعد نزع الخافض منه، والأصل يكشف عنها أي عن الساعة أو الحال فنزع الخافض واستتر الضمير.
......................................
تفسير الجلالين
اذكر (يوم يكشف عن ساق) هو عبارة عن شدة الأمر يوم القيامة للحساب والجزاء يقال كشفت الحرب عن ساق إذا اشتد الأمر فيها (ويدعون إلى السجود) امتحانا لايمانهم (فلا يستطيعون) تصير ظهورهم طبقا واحدا
.................................................. ........
تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري
يقول تعالى ذكره { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ } قال جماعة من الصحابة والتابعين من أهل التأويل: يبدو عن أمر شديد.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عبيد المحاربيّ، قال: ثنا عبد الله بن المبارك، عن أُسامة بن زيد، عن عكرِمة، عن ابن عباس { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ } قال: هو يوم حرب وشدّة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن المغيرة، عن إبراهيم، عن ابن عباس { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ } قال: عن أمر عظيم كقول الشاعر:
وقامَتِ الحَرْبُ بنا على ساقِ
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ } ولا يبقى مؤمن إلا سجد، ويقسو ظهر الكافر فيكون عظماً واحداً. وكان ابن عباس يقول: يكشف عن أمر عظيم، إلا تسمع العرب تقول:
وقامَتِ الحَرْبُ بنا على ساق
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ } يقول: حين يكشف الأمر، وتبدو الأعمال، وكشفه: دخول الآخرة وكشف الأمر عنه.
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا معاوية، عن ابن عباس، قوله { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن ساقٍ } هو الأمر الشديد المفظع من الهول يوم القيامة.
حدثني محمد بن عبيد المحاربيّ وابن حميد، قالا: ثنا ابن المبارك، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ } قال: شدّة الأمر وجدّه قال ابن عباس: هي أشد ساعة في يوم القيامة.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: { يَوْم يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ } قال: شدّة الأمر، قال ابن عباس: هي أوّل ساعة تكون في يوم القيامة غير أن في حديث الحارث قال: وقال ابن عباس: هي أشدّ ساعة تكون في يوم القيامة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران عن سفيان، عن عاصم بن كليب، عن سعيد بن جبير، قال: عن شدّة الأمر.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ } قال: عن أمر فظيع جليل.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ } قال: يوم يكشف عن شدة الأمر.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ } وكان ابن عباس يقول: كان أهل الجاهلية يقولون: شمّرت الحرب عن ساق يعني إقبال الآخرة وذهاب الدنيا.
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>> >>
تفسير الكشاف/ الزمخشري
الكشف عن الساق والإبداء عن الخدام: مثل في شدة الأمر وصعوبة الخطب، وأصله في الروع والهزيمة وتشمير المخدرات عن سوقهنّ في الهرب، وإبداء خدامهن عند ذلك. قال حاتم:
أَخُو الْحَرْبِ إنْ غَضَّتْ بِهِ الْحَرْبُ عَضَّهَا وَإنْ شَمَّرَتْ عَنْ سَاقِهَا الْحَرْبُ شَمَّرَا
وقال ابن الرقيات:
تُذْهِلُ الشَّيْخَ عَنْ بَنِيهِ وَتُبْدِي عَنْ خِدَامِ الْعَقِيلَةِ الْعَذْرَاءِ
فمعنى { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } في معنى: يوم يشتدّ الأمر ويتفاقم، ولا كشف ثم ولا ساق، كماتقول للأقطع الشحيح: يده مغلولة، ولا يد ثم ولا غل؛ وإنما هو مثل في البخل. وأما من شبه فلضيق عطنه وقلة نظره في علم البيان، والذي غرّه منه حديث ابن مسعود رضي الله عنه:
(1220) " يكشف الرحمٰن عن ساقه؛ فأمّا المؤمنون فيخرّون سجداً، وأما المنافقون فتكون ظهورهم طبقاً طبقاً كأنّ فيها سفافيد " ومعناه: يشتد أمر الرحمٰن ويتفاقم هوله، وهو الفزع الأكبر يوم القيامة، ثم كان من حق الساق أن تعرف على ما ذهب إليه المشبه، لأنها ساق مخصوصة معهودة عنده وهي ساق الرحمٰن. فإن قلت: فلم جاءت منكرة في التمثيل؟ قلت: للدلالة على أنه أمر مبهم في الشدة منكر خارج عن المألوف، كقوله:
{ يَوْمَ يَدْعُو ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَىْء نُّكُرٍ }
[القمر: 6] كأنه قيل: يوم يقع أمر فظيع هائل؛ ويحكى هذا التشبيه عن مقاتل: وعن أبي عبيدة: خرج من خراسان رجلان، أحدهما: شبه حتى مثل، وهو مقاتل بن سليمان، والآخر نفي حتى عطل وهو جهم بن صفوان؛ ومن أحس بعظم مضارّ فقد هذا العلم علم مقدار عظم منافعه. وقرىء: «يوم نكشف» بالنون. وتكشف بالتاء على البناء للفاعل والمفعول جميعاً، والفعل للساعة أو للحال، أي: يوم تشتدّ الحال أو الساعة، كما تقول: كشفت الحرب عن ساقها، على المجاز.
.................................................. ...............................................
تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي
فقال: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } وفيه مسائل:
المسألة الأولى: يوم منصوب بماذا؟ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنه منصوب، بقوله: { فَلْيَأْتُواْ } في قوله:
{ فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَائِهِمْ }
[القلم: 41] وذلك أن ذلك اليوم يوم شديد، فكأنه تعالى قال: إن كانوا صادقين في أنها شركاء فليأتوا بها يوم القيامة، لتنفعهم ونشفع لهم وثانيها: أنه منصوب بإضمار اذكر وثالثها: أن يكون التقدير يوم يكشف عن ساق، كان كيت وكيت فحذف للتهويل البليغ، وأن ثم من الكوائن مالا يوصف لعظمته.
المسألة الثانية: هذا اليوم الذي يكشف فيه عن ساق، أهو يوم القيامة أو في الدنيا؟ فيه قولان: الأول: وهو الذي عليه الجمهور، أنه يوم القيامة، ثم في تفسير الساق وجوه: الأول: أنه الشدة، وروي أنه سئل ابن عباس عن هذه الآية، فقال: إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر، فإنه ديوان العرب، أما سمعتم قول الشاعر:
سن لنا قومك ضرب الأعناق وقامت الحرب بنا على ساق
ثم قال: وهو كرب وشدة وروى مجاهد عنه قال: هو أشد ساعة في القيامة، وأنشد أهل اللغة أبياتاً كثيرة (منها):
فإن شمرت لك عن ساقها فدنها ربيع ولا تسأم
ومنها:
كشفت لكم عن ساقها وبدا من الشر الصراح
وقال جرير:
ألا رب سام الطرف من آل مازن إذا شمرت عن ساقها الحرب شمرا
وقال آخر:
في سنة قد شمرت عن ساقها حمراء تبرى اللحم عن عراقها
وقال آخر:
قد شمرت عن ساقها فشدوا وجدت الحرب بكم فجدوا
ثم قال ابن قتيبة أصل هذا أن الرجل إذاوقع في أمر عظيم يحتاج إلى الجد فيه، يشمر عن ساقه، فلا جرم يقال في موضع الشدة: كشف عن ساقه، واعلم أن هذا اعتراف من أهل اللغة بأن استعمال الساق في الشدة مجاز، وأجمع العلماء على أنه لا يجوز صرف الكلام إلى المجاز إلا بعد تعذر حمله على الحقيقة، فإذا أقمنا الدلائل القاطعة على أنه تعالى، يستحيل أن يكون جسماً، فحينئذ يجب صرف اللفظ إلى المجاز، واعلم أن صاحب «الكشاف» أورد هذا التأويل في معرض آخر، فقال: الكشف عن الساق مثل في شدة الأمر، فمعنى قوله: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } يوم يشتد الأمر ويتفاقم، ولا كشف ثم، ولا ساق، كما تقول للأقطع الشحيح: يده مغلولة، ولا يد ثم ولا غل وإنما هو مثل في البخل، ثم أخذ يعظم علم البيان ويقول لولاه: لما وقفنا على هذه الأسرار وأقول: إما أن يدعى أنه صرف اللفظ عن ظاهره بغير دليل، أو يقول: إنه لا يجوز ذلك إلا بعد امتناع حمله على الحقيقة، والأول باطل بإجماع المسلمين، ولأنا إن جوزنا ذلك انفتحت أبواب تأويلات الفلاسفة في أمر المعاد فإنهم يقولون في قوله:
{ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ }
[البقرة: 25] ليس هناك لا أنهار ولا أشجار، وإنما هو مثل للذة والسعادة، ويقولون في قوله:
{ ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ }
[الحج: 77] ليس هناك لا سجود ولا ركوع. وإنما هو مثل للتعظيم، ومعلوم أن ذلك يفضي إلى رفع الشرائع وفساد الدين، وأما إن قال: بأنه لا يصار إلى هذا التأويل إلا بعد قيام الدلالة على أنه لا يجوز حمله على ظاهره، فهذا هو الذي لم يزل كل أحد من المتكلمين (إلا) قال به وعول عليه، فأين هذه الدقائق، التي استبد هو بمعرفتها والاطلاع عليها بواسطة علم البيان، فرحم الله أمراً عرف قدره، وما تجاوز طوره القول الثاني: وهو قول أبي سعيد الضرير: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } ، أي عن أصل الأمر، وساق الشيء أصله الذي به قوامه كساق الشجر، وساق الإنسان، أي يظهر يوم القيامة حقائق الأشياء وأصولها القول الثالث: يوم يكشف عن ساق جهنم، أو عن ساق العرش، أو عن ساق ملك مهيب عظيم، واللفظ لا يدل إلا على ساق، فأما أن ذلك الساق ساق أي شيء هو فليس في اللفظ ما يدل عليه والقول الرابع: وهو اختيار المشبهة، أنه ساق الله، تعالى الله عنه روى عن ابن مسعود عنه عليه الصلاة والسلام: " أنه تعالى يتمثل للخلق يوم القيامة حين يمر المسلمون، فيقول: من تعبدون؟ فيقولون: نعبد الله فيشهدهم مرتين أو ثلاثاً ثم يقول: هل تعرفون ربكم، فيقولون: سبحانه إذا عرفنا نفسه عرفناه، فعند ذلك يكشف عن ساق، فلا يبقى مؤمن إلا خر ساجداً، ويبقى المنافقون ظهورهم كالطبق الواحد كأنما فيها السفافيد " واعلم أن هذا القول باطل لوجوه أحدها: أن الدلائل دلت على أن كل جسم محدث، لأن كل جسم متناه، وكل متناه محدث ولأن كل جسم فإنه لا ينفك عن الحركة والسكون، وكل ما كان كذلك فهو محدث، ولأن كل جسم ممكن، وكل ممكن محدث وثانيها: أنه لو كان المراد ذلك لكان من حق الساق أن يعرف، لأنها ساق مخصوصة معهودة عنده وهي ساق الرحمن، أما لو حملناه على الشدة، ففائدة التنكير الدلالة على التعظيم، كأنه قيل: يوم يكشف عن شدة، وأي شدة، أي شدة لا يمكن وصفها وثالثها: أن التعريف لا يحصل بالكشف عن الساق، وإنما يحصل بكشف الوجه القول الثاني:
.................................................. .....
تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي
قوله تعالى: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } يجوز أن يكون العامل في «يَوْمَ» «فَلْيَأْتُوا» أي فليأتوا بشركائهم يوم يكشف عن ساق ليشفع الشركاء لهم. ويجوز أن ينتصب بإضمار فعل، أي ٱذكر يوم يكشف عن ساق؛ فيوقف على «صَادِقِينَ» ولا يوقف عليه على التقدير الأول. وقرىء «يوم نكشف» بالنون. «وقرأ» ابن عباس «يوم تكشف عن ساق» بتاء مسمَّى الفاعل؛ أي تكشف الشدة أو القيامة عن ساقها؛ كقولهم: شَمّرت الحرب عن ساقها. قال الشاعر:
فتى الحرب إن عضّت به الحربُ عَضَّها وإن شَمّرت عن ساقها الْحَرْبُ شَمّرا
وقال الراجز:
قد كشفت عن ساقها فشُدُّوا وجَدّت الحربُ بكم فَجِدُّوا
وقال آخر:
عجبت من نفسي ومن إشفاقها ومن طِرَاد الطيرِ عن أرزاقها
في سَنة قد كشفت عن ساقها حمراء تَبْري اللحَم عن عُرَاقها
وقال آخر:
كشفت لهم عن ساقها وبدا من الشّر الصُّرَاحْ
وعن ابن عباس أيضاً والحسن وأبي العالية «تُكْشَفُ» بتاء غير مسمّى الفاعل. وهذه القراءة راجعة إلى معنى «يُكْشَف» وكأنه قال: يوم تكْشف القيامة عن شدة. وقرىء «يَوْمَ تُكْشِف» بالتاء المضمومة وكسر الشين؛ من أكشف إذا دخل في الكشف. ومنه: أكشف الرجل فهو مُكْشِف؛ إذا انقلبت شَفَتُه العليا. وذكر ابن المبارك قال: أخبرنا أسامة بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } قال: عن كرب وشدّة. أخبرنا ابن جُريج عن مجاهد قال: شدّة الأمر وجِدّه. وقال مجاهد: قال ابن عباس هي أشد ساعة في يوم القيامة. وقال أبو عبيدة: إذا اشتد الحرب والأمر قيل: كشف الأمرُ عن ساقه. والأصل فيه أن من وقع في شيء يحتاج فيه إلى الجِدّ شَمّر عن ساقه؛ فاستعير الساق والكشف عنها في موضع الشدة. وقيل: ساقُ الشيء أصله الذي به قِوامه؛ كساق الشجرة وساق الإنسان. أي يوم يكشف عن أصل الأمر فتظهر حقائق الأمور وأصلها. وقيل: يكشف عن ساق جهنم. وقيل: عن ساق العرش. وقيل: يريد وقت اقتراب الأجل وضعف البدن؛ أي يكشف المريض عن ساقه ليبصر ضعفه، ويدعوه المؤذن إلى الصلاة فلا يمكنه أن يقوم ويخرج. فأما ما رُوِي أن الله يكشف عن ساقه فإنه عز وجل يتعالى عن الأعضاء والتبعيض وأن يكشف ويتغطى. ومعناه أن يكشف عن العظيم من أمره. وقيل: يكشف عن نوره عز وجل. وروى أبو موسى: عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: «عَنْ سَاقٍ» قال: " يكشف عن نور عظيم يخرون له سجدا "
.................................................. ....
تفسير تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير
لما ذكر تعالى أن للمتقين عند ربهم جنات النعيم، بيّن متى ذلك كائن وواقع، فقال تعالى: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } يعني: يوم القيامة، وما يكون فيه من الأهوال والزلازل والبلاء، والامتحان والأمور العظام. وقد قال البخاري ههنا: حدثنا آدم، حدثنا الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " يكشف ربنا عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياءً وسمعة، فيذهب ليسجد، فيعود ظهره طبقاً واحداً " وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وفي غيرهما من طرق، وله ألفاظ، وهو حديث طويل مشهور، وقد قال عبد الله بن المبارك عن أسامة بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } قال: هو يوم القيامة، يوم كرب وشدة، رواه ابن جرير، ثم قال: حدثنا ابن حميد، حدثنا مهران عن سفيان عن المغيرة عن إبراهيم عن ابن مسعود، أو ابن عباس ــــ الشك من ابن جرير ــــ: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } قال: عن أمر عظيم، كقول الشاعر:
وقامتِ الحربُ بنا عن ساقٍ
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } قال: شدة الأمر. وقال ابن عباس: هي أشد ساعة تكون في يوم القيامة. وقال ابن جرير عن مجاهد: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } قال: شدّة الأمر وجده، وقال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } هو الأمر الشديد الفظيع من الهول يوم القيامة، وقال العوفي عن ابن عباس: قوله: { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } يقول: حين يكشف الأمر، وتبدو الأعمال، وكشفه: دخول الآخرة، وكشف الأمر عنه، وكذا روى الضحاك وغيره عن ابن عباس، أورد ذلك كله أبو جعفر بن جرير، ثم قال: حدثني أبو زيد عمر بن شبَّة، حدثنا هارون بن عمر المخزومي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا أبو سعيد روح بن جناح عن مولى لعمر بن عبد العزيز عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } يعني: عن نور عظيم يخرّون له سجداً " ورواه أبو يعلى عن القاسم بن يحيى عن الوليد بن مسلم به، وفيه رجل مبهم، والله أعلم.
...........................................
تفسير روح المعاني/ الالوسي
{ يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } متعلق بقوله تعالى
{ فَلْيَأْتُواْ }
[القلم: 41] على الوجهين، ويجوز تعلقه بمقدر كاذكر أو يكون كيت وكيت وقيل بخاشعة وقيل بِـ
{ تَرْهَقُهُمْ }
[القلم: 43] وأياً ما كان فالمراد بذلك اليوم عند الجمهور يوم القيامة. والساق ما فوق القدم وكشفها والتشمير عنها مثل في شدة الأمر وصعوبة الخطب حتى إنه يستعمل بحيث لا يتصور ساق بوجه كما في قول حاتم:
أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا
وقول الراجز:
عجبت من نفسي ومن إشفاقها ومن طواء الخيل عن أرزاقها
في سنة قد كشفت عن ساقها حمراء تبرى اللحم عن عراقها
وأصله تشمير المخدرات عن سوقهن في الهرب فإنهن لا يفعلن ذلك إلا إذا عظم الخطب واشتد الأمر فيذهلن عن الستر بذيل الصيانة، وإلى نحو هذا ذهب مجاهد وإبراهيم النخعي وعكرمة وجماعة، وقد روي أيضاً عن ابن عباس. أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبـي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في «الأسماء والصفات» من طريق عكرمة عنه أنه سئل عن ذلك فقال: إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في / الشعر فإنه ديوان العرب أما سمعتم قول الشاعر:
صبرا عناق أنه شر باق قد سن لي قومك ضرب الأعناق
وقامت الحرب بنا على ساق
والروايات عنه رضي الله تعالى عنه بهذا المعنى كثيرة. وقيل ساق الشيء أصله الذي به قوامه كساق الشجر وساق الإنسان، والمراد يوم يكشف عن أصل الأمر فتظهر حقائق الأمور وأصولها بحيث تصير عياناً وإليه يشير كلام الربيع بن أنس، فقد أخرج عبد بن حميد عنه أنه قال في ذلك: يوم يكشف الغطاء، وكذا ما أخرجه البيهقي على ابن عباس أيضاً قال: حين يكشف الأمر وتبدو الأعمال، وفي الساق على هذا المعنى استعارة تصريحية وفي الكشف تجوز آخر أو هو ترشيح للاستعارة باق على حقيقته. وتنكير { سَاقٍ } قيل للتهويل على الأول وللتعظيم على الثاني وقيل لا ينظر إلى شيء منهما على الأول لأن الكلام عليه تمثيل وهو لا ينظر فيه للمفردات أصلاً.
وذهب بعضهم إلى أن المراد بالساق ساقه سبحانه وتعالى وأن الآية من المتشابه، واستدل على ذلك بما أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن المنذر وابن مردويه " عن أبـي سعيد قال: سمعت النبـي صلى الله عليه وسلم يقول: يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً " وأنكر ذلك سعيد بن جبير، أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه أنه سئل عن الآية فغضب غضباً شديداً وقال: إن أقواماً يزعمون أن الله سبحانه يكشف عن ساقه وإنما يكشف عن الأمر الشديد وعليه يحمل ما في الحديث على الأمر الشديد أيضاً.
وإضافته إليه عز وجل لتهويل أمره وأنه أمر لا يقدر عليه سواه عز وجل. وأرباب الباطن من الصوفية يقولون بالظاهر ويدعون أن ذلك عند التجلي الصوري وعليه حملوا أيضاً ما أخرجه إسحاق بن راهويه في «مسنده» والطبراني والدارقطني في «الرؤية» والحاكم وصححه وابن مردويه وغيرهم عن ابن مسعود عن النبـي صلى الله عليه وسلم قال: " يجمع الله الناس يوم القيامة وينزل الله في ظلل من الغمام فينادي مناد يا أيها الناس ألم ترضوا من ربكم الذي خلقكم وصوركم ورزقكم أن يولي كل إنسان منكم ما كان يعبد في الدنيا ويتولى أليس ذلك عدلاً من ربكم قالوا بلى قال فلينطلق كل إنسان منكم إلى ما كان يتولى في الدنيا ويتمثل لهم ما كانوا يعبدون في الدنيا ويمثل لمن كان يعبد عيسى عليه السلام شيطان عيسى وكذا يمثل لمن كان يعبد عزيراً حتى تمثل لهم الشجرة والعود والحجر ويبقى أهل الإسلام جثوماً فيتمثل لهم الرب عز وجل فيقال لهم ما لكم لم تنطلقوا كما انطلق الناس فيقولون إن لنا رباً ما رأيناه بعد، فيقول فبم تعرفون ربكم إن رأيتموه؟ قالوا بيننا وبينه علامة إن رأيناه عرفناه قال وما هي؟ قالوا: يكشف عن ساق فيكشف عند ذلك " الحديث وهو ونظائره من المتشابه عند السلف. وقرأ ابن مسعود وابن أبـي عبلة (يكشف) بفتح الياء مبنياً للفاعل وهي رواية عن ابن عباس، وقرأ ابن هرمز(نكشف) بالنون وقرىء (يكشف) بالياء التحتية مضمومة وكسر الشين من أكشف إذا دخل في الكشف ومنه أكشف الرجل فهو مكشف انقلبت شفته العليا وقرىء (تكشف) بالتاء الفوقية والبناء للفاعل وهو ضمير الساعة المعلومة من ذكر يوم القيامة أو الحال المعلومة من دلالة الحال وبها، والبناء للمفعول وجعل الضمير للساعة أو الحال أيضاً. وتعقب بأنه يكون الأصل حينئذٍ يكشف الله الساعة عن ساقها مثلاً ولو قيل ذلك لم يستقم لاستدعائه إبداء الساق وإذهاب الساعة كما تقول كشفت عن وجهها القناع والساعة ليست ستراً على الساق حتى تكشف. وأجيب أنها جعلت ستراً مبالغة لأن المخدرة تبالغ في الستر جهدها فكأنها نفس الستر فقيل تكشف الساعة وهذا كما تقول كشفت زيداً عن جهله إذا بالغت في إظهار جهله لأنه كان ستراً على جهله يستر معايبه فأبنته وأظهرته إظهاراً لم يخف على أحد وقيل عليه إن الإذهاب حينئذٍ ادعائي / ولا يخفى ما فيه من التكلف ولا عبرة بما ذكر من المثال المصنوع وأقل تكلفاً منه جعل { عَن سَاقٍ } بدل اشتمال من الضمير المستتر في الفعل بعد نزع الخافض منه، والأصل يكشف عنها أي عن الساعة أو الحال فنزع الخافض واستتر الضمير.
......................................
تعليق